يا بلوجر ربنا يهديك لدين الاسلام الرافض قطعا لسلوكك بالتعدي علي المدونين وسيدخل نار جهنم ان لم تتب

يا بلوجر متي يهدك ربنا وتتوب عن تدخلك السافر في روابط المدونات وتحويلها الي صفحة المشاركات في كل مدوناتك –اعلم ان جوجل لن يحاسبك عن هذه التجاوزات الخطيرة للمصالح المشتركة بينكما لكن لا اعلم اين غابت عنكم  ضمائركم ونخوات المروءة والشهامة والحفاظ علي الامانة عندكم فهذا الرابط موضوع في كلمة   .Bloggerدرافتك المشؤوم الملوث{المظهر: Awesome Inc.. يتم التشغيل بواسطة Blogger. } اوف لك ولفعلك

4 دقائق مع الشيخ اسلام صبحي مقطع من سورة هود

دقائق4 مع الشيخ اسلام صبحي مقطع من سورة هو

الأربعاء، 26 أكتوبر 2022

ج3.وج4.كتاب : الفصل في الملل والأهواء والنحل علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري

ج3.كتاب : الفصل في الملل والأهواء والنحل علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري



الكلام في هل لله تعالى نعمة على الكفار أم لا قال أبو محمد اختلف المتكلمون في هذه المسألة فقالت المعتزلة أن نعم الله تعالى على الكفار في الدين والدنيا كنعمه على المؤمنين ولا فرق وهذا قول فاسد قد نقضناه آنفا ولله الحمد وقالت طائفة أخرى أن الله تعالى لا نعمة له على كافر أصلا لا في دين ولا دنيا وقالت طائفة له تعالى عليهم نعم في الدنيا فأما في الدين فلا نعمة له عليهم فيه أصلا
قال أبو محمد قال الله عز و جل فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله ورسوله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر
قال أبو محمد فوجدنا الله عز و جل يقول الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون وقال تعالى الذي جعل لكم الأرض قرارا والسماء بناء وصوركم فأحسن صوركم ورزقكم من الطيبات ذلكم الله ربكم
قال أبو محمد فهذا عموم بالخطاب بأنعام الله تعالى على كل من خلق الله تعالى وعموم لمن يشكر من الناس والكفار من جملة ما خلق الله تعالى بلا شك وأما أهل الإسلام فكلهم شاكر لله تعالى بالإقرار به ثم يتفاضلون في الشكر وليس أحد من الخلق يبلغ كل ما عليه من شكر الله تعالى فصح أن نعم الله تعالى في الدنيا على الكفار كهي على المؤمنين وربما أكثر في بعضهم في بعض الأوقات قال تعالى بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار جهنم يصلونها وبئس القرار وهذا نص جلي على نعم الله تعالى على الكفار وأنهم بدلوها كفرا فلا يحل لأحد أن يعارض كلام ربه تعالى برأيه الفاسد وأما نعمة الله في الدين فإن الله تعالى أرسل إليهم الرسل هادين لهم إلى ما يرضي الله تعالى وهذه نعمة عامة بلا شك فلما كفروا وجحدوا نعم الله تعالى في ذلك أعقبهم البلاء وزوال النعمة كما قال عز و جل إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وبالله تعالى نتأيد وهو حسبنا ونعم الوكيل -
كتاب الإيمان والكفر والطاعات والمعاصي والوعد والوعيد
قال أبو محمد اختلف الناس في ماهية الإيمان فذهب قوم إلى أن الإيمان إنما هو معرفة الله تعالى بالقلب فقط وإن أظهر اليهودية والنصرانية وسائر أنواع الكفر بلسانه وعبادته فإذا عرف الله تعالى بقلبه فهو مسلم من أهل الجنة وهذا قول أبي محرز الجهم بن صفوان وأبي

الحسن الأشعري البصري وأصحابهما وذهب قوم إلى أن الإيمان هو إقرار باللسان بالله تعالى وإن اعتقد الكفر بقلبه فإذا فعل ذلك فهو مؤمن من أهل الجنة وهذا قول محمد بن كرام السجستاني وأصحابه ذهب قوم إلى أن الإيمان هو المعرفة بالقلب والإقرار باللسان معا فإذا عرف المرء الدين بقلبه وأقر بلسانه فهو مسلم كامل الإيمان والإسلام وأن الأعمال لا تسمى إيمانا ولكنها شرائع الإيمان وهذا قول أبي حنيفة النعمان بن ثابت الفقيه وجماعة من الفقهاء ذهب سائر الفقهاء وأصحاب الحديث والمعتزلة والشيعة وجميع الخوارج إلى أن الإيمان هو المعرفة بالقلب بالدين والإقرار به باللسان والعمل بالجوارح وأن كل طاعة وعمل خير فرضا كان أو نافلة فهي إيمان وكل ما ازداد الإنسان خيرا ازداد إيمانه وكلما عصى نقص إيمانه وقال محمد بن زياد الحريري الكوفي من آمن بالله عز و جل وكذب برسول الله صلى الله عليه و سلم فليس مؤمنا على الإطلاق ولا كافرا على الإطلاق ولكنه مؤمن كافر لأنه آمن بالله تعالى فهو مؤمن وكافر بالرسول صلى الله عليه و سلم فهو كافر
قال أبو محمد فحجة الجهمية والكرامية والأشعرية ومن ذهب مذهب أبي حنيفة حجة واحدة وهي أنهم قالوا إنما أنزل القرآن بلسان عربي مبين وبلغة العرب خاطبنا الله تعالى ورسول الله صلى الله عليه و سلم والإيمان في اللغة هو التصديق فقط والعمل بالجوارح لا يسمى في اللغة تصديقا فليس إيمانا قالوا والإيمان هو التوحيد والأعمال لا تسمى توحيدا فليست إيمانا قالوا ولو كانت الأعمال توحيدا وإيمانا لكان من ضيع شيئا منا قد ضيع الإيمان وفارق الإيمان فوجب أن لا يكون مؤمنا قالوا وهذه الحجة إنما تلزم أصحاب الحديث خاصة لا تلزم الخوارج ولا المعتزلة لأنهم يقولون بذهاب الإيمان جملة بإضاعة الأعمال
قال أبو محمد ما لهم حجة غير ما ذكرنا وكل ما ذكروا فلا حجة لهم فيه أصلا لما نذكره إن شاء الله عز و جل
قال أبو محمد أن الإيمان هو التصديق في اللغة فهذا حجة على الأشعرية والجهمية والكرامية مبطلة لأقوالهم إبطالا تاما كافيا لا يحتاج معه إلى غيره وذلك قولهم أن الإيمان في اللغة التي بها نزل القرآن هو التصديق فليس كما قالوا على الإطلاق وما سمى قط التصديق بالقلب دون التصديق باللسان إيمانا في لغة العرب وما قال قط عربي أن من صدق شيئا بقلبه فأعلن التكذيب به بقلبه وبلسانه فإنه لا يسمى مصدقا به أصلا ولا مؤمنا به البتة وكذلك ما سمي قط التصديق باللسان دون التصديق بالقلب إيمانا في لغة العرب أصلا على الإطلاق ولا يسمى تصديقا في لغة العرب ولا إيمانا مطلقا إلا من صدق بالشيء بقلبه ولسانه معا فبطل تعلق الجهمية والأشعرية باللغة جملة ثم نقول لمن ذهب مذهب أبي حنيفة في أن الإيمان إنما هو التصديق باللسان والقلب معا وتعلق في ذلك باللغة إن تعلقكم باللغة لا حجة لكم فيه أصلا لأن اللغة يجب فيها ضرورة أن كل من صدق بشيء فإنه مؤمن به وأنتم والأشعرية والجهمية والكرامية كلكم توقعون إسم الإيمان ولا تطلقونه على كل من صدق بشيء ما ولا تطلقونه إلا على صفة محدودة دون سائر الصفات وهي من صدق بالله عز و جل وبرسوله صلى الله عليه و سلم وبكل ما جاء به القرآن والبعث والجنة والنار والصلاة والزكاة وغير ذلك مما قد أجمعت الأمة على أنه لا يكون مؤمنا من لم يصدق به وهذا خلاف

اللغة مجرد فإن قالوا إن الشريعة أوجبت علينا هذا قلنا صدقتم فلا تتعلقوا باللغة حيث جاءت الشريعة بنقل إسم منها عن موضوعه في اللغة كما فعلتم آنفا سواء بسواء ولا فرق
قال أبو محمد ولو كان ما قالوه صحيحا لوجب أن يطلق إسم الإيمان لكل من صدق بشيء ما ولكان من صدق بالأهية الحلاج وبالأهية المسيح وبالأهية الأوثان مؤمنين لأنهم مصدقون بما صدقوا به وهذا لا يقوله أحد ممن ينتمي إلى الإسلام بل قاله كافر عند جميعهم ونص القرآن يكفر من قال بهذا قال الله تعالى ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا أولئك هم الكافرون حقا فهذا الله عز و جل شهد بأن قوما يؤمنون ببعض الرسل وبالله تعالى ويكفرون ببعض فلم يجز مع ذلك أن يطلق عليهم إسم الإيمان أصلا با أوجب لهم إسم الكفر بنص القرآن
قال أبو محمد وقول محمد بن زياد الحريري لازم لهذه الطوائف كلها لا ينفكون عنه على مقتضى اللغة وموجبها وهو قول لم يختلف مسلمان في أنه كفر مجرد وأنه خلاف للقرآن كما ذكرنا
قال أبو محمد فبطل تعلق هذه الطوائف باللغة جملة وأما قولهم أنه لو كان العمل يسمى إيمانا لكان من ضيع منه شيئا فقد أضاع الإيمان ووجب أن لا يكون مؤمنا فإني قلت لبعضهم وقد ألزمني هذا الإلزام كلاما تفسيره وبسطه أننا لا نسمي في الشريعة إسما إلا بأن يأمرنا الله تعالى أن نسميه أو يبيح لنا الله بالنص أن نسميه لأننا لا ندري من أراد الله عز و جل منا إلا بوحي وارد من عنده علينا ومع هذا فإن الله عز و جل يقول منكرا لمن سمى في الشريعة شيئا بغير إذنه عز و جل إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى أم للإنسان ما تمنى وقال تعالى وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا فصح أنه لا تسمية مباحة لملك ولا لأنسي دون الله تعالى ومن خالف هذا فقد افترى على الله عز و جل الكذب وخالف القرآن فنحن لا نسمي مؤمنا إلا من سماه الله عز و جل مؤمنا ولا نسقط الإيمان بعد وجوبه إلآ عمن أسقطه الله عز و جل عنه ووجدنا بعض الأعمال التي سماها الله عز و جل إيمانا لم يسقط الله عز و جل إسم الإيمان عن تاركها فلم يجز لنا أن نسقطه عنه لذلك لكن نقول أنه ضيع بعض الإيمان ولم يضيع كله كما جاء النص على ما نبين إن شاء الله تعالى
قال أبو محمد فإذا سقط كل ما موهت به هذه الطوائف كلها ولم يبق لهم حجة أصلا فلنقل بعون الله عز و جل وتأييده في بسط حجة القول الصحيح الذي هو قول جمهور أهل الإسلام ومذهب الجماعة وأهل السنة وأصحاب الآثار من أن الإيمان عقد وقول وعمل وفي بسط ما أجملناه مما نقدنا به قول المرجئة وبالله تعالى التوفيق
قال أبو محمد أصل الإيمان كما قلنا في اللغة التصديق بالقلب وباللسان معا بأي شيء صدق المصدق لا شيء دون شيء البتة إلا أن الله عز و جل على لسان رسول الله صلى الله عليه و سلم أوقع لفظة الإيمان على العقد بالقلب لأشياء محدودة مخصوصة معروفة على على العقد لكل شيء وأوقعها أيضا تعالى على الإقرار باللسان بتلك الأشياء خاصة لا بما سواها وأوقعها أيضا على أعمال الجوارح لكل ما هو طاعة له تعالى فقط فلا يحل لأحد خلاف الله تعالى فيما أنزله وحكم به و هو تعالى خالق اللغة وأهلها فهو أملك بتصريفها وإيقاع أسمائها على ما يشاء ولا عجب أعجب ممن أوجد لأمريء القيس أو لزهير أو

لجرير أو الحطيئة والطرماح أو لأعرابي أسدي بن سلمى أو تميمي أو من سائر أبناء العرب بوال على عقبيه لفظا في شعر أو نثر جملة في اللغة وقطع به ولم يعترض فيه ثم إذا وجد لله تعالى خالق اللغات وأهلها كلاما لم يلتفت إليه ولا جعله حجة وجعل يصرفه عن وجهه ويحرفه عن مواضعه ويتحيل في إحالته عما أوقعه الله عليه وإذا وجد لرسول الله صلى الله عليه و سلم كلاما فعل به مثل ذلك وتالله لقد كان محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم قبل أن يكرمه الله تعالى بالنبوة وأيام كونه فتى بمكة بلا شك عند كل ذي مسكة من عقل أعلم بلغة قومه وأفصح فيها وأولى بأن يكون ما نطق به من ذلك حجة من كل خندفى وقيسي وربيعي وأيادي وتميمي وقضاعي وحميري فكيف بعد أن اختصه الله تعالى للنذارةواجتباه للوساطة بينه وبين خلقه وأجى على لسانه كلامه وضمن حفظه وحفظ ما يأتي به فأي ضلال أضل ممن يسمع لبيد بن ربيعة بن مالك بن جعفر بن كلاب يقول ... فعلت فروع إلا يهقان وأطفلت ... لجلهتين ظباؤها ونعامها ...
فجعله حجة وأبو زياد الكلابي يقول ما عرفت العرب قط إلا يهقان وإنما هو اللهق بيت معروف ويسمع قول ابن أحمر كناه نقلق عن مأموسة الحجر وعلماء اللغة يقولون أنه لم يعرف قط لأحد من العرب أنه سمى النار مأموسى إلا ابن أحمر فيجعله حجة ويجيز قول من قال من الأعراب هذا حجر من خرب وسائر الشواذ من معهود اللغة مما يكثر لو تكلفنا ذكره ونحتج بكل ذلك ثم يمتنع من إيقاع إسم الإيمان على ما أوقعه عليه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه و سلم محمد بن عبد الله القرشي المسترضع في بني سعد بن بكر ويكابر في ذلك بكل باطل وبكل حماقة وبكل دفع للمشاهدة ونعوذ بالله من الخذلان
قال أبو محمد فمن الآيات التي أوقع الله تعالى فيها إسم الإيمان على أعمال الديانة قوله عز و جل هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم
قال أبو محمد والتصديق بالشيء أي شيء كان لا يمكن البتة أن يقع فيه زيادة ولا نقص وكذلك التصديق بالتوحيد والنبوة لا يمكن البتة أن يكون فيه زيادة ولا نقص لأنه لا يخلو كل معتقد بقلبه أو مقر بلسانه بأي شيء أقر أو أي شيء اعتقد من أحد ثلاثة أوجه لا رابع لها إما أن يصدق بما اعتقد وأقر وإما أن يكذب بما اعتقد وأما منزلة بينهما وهي الشك فمن المحال أن يكون إنسان مكذبا بما يصدق به ومن المحال أن يشك أحد فيما يصدق به فلم يبق إلا أنه مصدق بما اعتقد بلا شك ولا يجوز أن يكون تصديق واحد أكثر من تصديق آخر لأن أحد التصديقين إذا دخلته داخلة فبالضرورة يدري كل ذي حس سليم أنه قد خرج عن التصديق ولا بد وحصل في الشك لأن معنى التصديق إنما هو أن يقع ويوقن بصحة وجود ما صدق به ولا سبيل إلى التفاضل في هذه الصفة فإن لم يقطع ولا أيقن بصحته فقد شك فيه فليس مصدقا به وإذا لم يكن مصدقا به فليس مؤمنا به فصح أن الزيادة التي ذكر الله عز و جل في الإيمان ليست في التصديق أصلا ولا في الإعتقاد البتة فهي ضرورة في غير التصديق وليس هاهنا إلا الأعمال فقط فصح يقينا أن أعمال البر إيمان بنص القرآن وكذلك قول الله عز و جل فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وقوله تعالى الذين قال لهم الناس أن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا فإن قال قائل معنى زيادة الإيمان هاهنا إنما هو لما نزلت تلك الآية صدقوا بها فزادهم بنزولها إيمانا تصديقا بشيء وارد لم يكن عندهم قيل لهم وبالله تعالى التوفيق هذا محال لأنه

قد أعتقد المسلمون في أول إسلامهم أنهم مصدقون بكل ما يأتيهم به نبيهم عليه الصلاة و السلام في المستأنف فلم يزدهم نزول الآية تصديقا لم يكونوا إعتقدوه فصح أن الأيمان الذي زادتهم الآيات إنما هوألعمل بها ألذي لم يكونوا عملوه ولا عرفوه ولا صدقوا به قط ولا كان جائزا لهم أن يعتقدوه ويعملوا به بل كان فرضا عليهم تركه والتكذيب بوجوبه والزيادة لا تكون إلا في كمية عدد لا فيما سواه ولا عدد للأعتقاد ولا كمية وإنما الكمية والعدد في الأعمال والأقوال فقط فأن قالوا أن تلاوتهم لها زيادة إيمان قلنا صدقتم وهذا هو قولنا والتلاوة عمل بجارحه اللسان ليس إقرارا بالمعتقد و لكنه من نوع الذكر بالتسبيح والتهليل وقال تعالى وما كان الله ليضيع إيمانكم ولم يزل أهل الأسلام قبل الجهمية والأشعرية والكرامية وسائر المرجئة مجمعين على انه تعالى إنما عني بذلك صلاتهم الى بيت المقدس قبل أن ينسخ بالصلاة الى الكعبة وقال عز و جل اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الأسلام دينا وقال عز و جل وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة فنص تعالى على أن عبادة الله تعالى في حال إخلاص الدين له تعالىوإقام الصلاة وإيتاء الزكاة الواردتين في الشريعة كله دين القيمة وقال تعالى إن الدين عند الله الأسلام وقال تعالى ومن يبتغ غير الأسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين فنص تعالى على أن الدين هو الأسلام ونص قبل على أن العبادات كلها والصلاة والزكاة هي الدين فأنتج ذلك يقينا أن العبادات هي الدين والدين هو الأسلام فالعبادات كلها هن ألأسلام وقال عز و جل يمنون عليك إن أسلموا وقل لا تمنوا علي اسلامكم بل الله يمن عليكم ان هداكم للأيمان إن كنتم صادقين وقال تعالى فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين فهذا نص جلى على إن الأسلام هو الأيمان وقد وجب قبل بما ذكرنا أن أعمال البر كلها هي الأسلام والأسلام هو الأيمان فأعمال البر كلها إيمان وهذا برهان ضروري لا محيد عنه وبالله تعالى التوفيق وقال تعالى فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما فنص تعالى وأقسم بفسه أن لا يكون مؤمنا إلا بتحكيم النبي صلى الله عليه و سلم في كل ماعن ثم يسلم بقلبه ولا يجد في نفسه حرجا مما قضى فصح أن التحكيم شيء غير التسليم بالقلب وأنه هو الأيمان الذي لا إيمان لمن لم يأت به فصح يقينا إن الايمان اسم واقع على الأعمال في كل ما في ألشريعة وقال تعالى ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا أولئك هم الكافرون حقا فصح أن لا يكون ألتصديق مطلقا إيمانا إلا حتى يستضيف إليه ما نص الله تعالى عليه ومما يتبين أن الكفر يكون بالكلام قول الله تعالى ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن ان تبيد هذه أبدا وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت الى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا الى قوله يا ليتني لم أشرك بربي أحدا فأثبت الله له الشرك والكفر مع إقراره بربه تعالى إذ شك في البعث وقال تعالى أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فصح أن من آمن ببعض الدين وكفر بشيء منه فهو كافر مع صحة تصديقه لما صدق من ذلك
قال أبو محمد وأكثر الأسماء الشرعية فإنها موضوعة من عند الله تعالى على مسميات لم يعرفها العرب قط هذا أمر لا يجهله أحد من أهل الأرض فمن يدري اللغة العربية ويدري الأسماء

الشرعية كالصلاة فإن موضوع هذه اللفظة في لغة العرب الدعاء فقط فأوقعها الله عز و جل على حركات محدودة معدودة من قيام موصوف إلى جهة موصوفة لا تتعدى وركوع كذلك وسجود كذلك وقعود كذلك وذكر كذلك وقراءة كذلك وذكر كذلك في أوقات محدودة وبطهارة محدودة وبلباس محدود متى لم تكن على ذلك بطلت ولم تكن صلاة وما عرفت العرب قط شيئا من هذا كله فضلا عن أن تسميه حتى أتانا بهذا كله رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد قال بعضهم أن في الصلاة دعاء فلم يخرج الإسم بذلك عن موضوعه في اللغة
قال أبو محمد وهذا باطل لأنه لا خلاف بين أحد من الأمة في أن من أتى بعدد الركعات وقرأ أم القرآن وقرآنا معها في كل ركعة وأتى بعد بالركوع والسجود والجلوس والقيام والتشهد وصلى على النبي صلى الله عليه و سلم وسلم بتسليمتين فقد صلى كما أمر وإن لم يدع بشيء أصلا وفي الفقهاء من يقول أن من صلى خلف الإمام فلم يقرأ أصلا ولا تشهد ولا دعا أصلا فقد صلى كما أمر وأيضا فإن ذلك الدعاء في الصلاة لا يختلف أحد من الأمة في أنه ليس شيئا ولا يسمى صلاة أصلا عند أحد من أهل الإسلام فعلى كل قد أوقع الله عز و جل إسم الصلاة على أعمال غير الدعاء ولا بد وعلى دعاء محدود لم تعرفه العرب قط ولا عرفت إيقاع الصلاة على دعاء بعينه دون سائر الدعاء ومنها الزكاة وهي موضوع في اللغة للنماء والزيادة فأوقعها الله تعالى على إعطاء مال محدود معدود من جملة أموال ما موصوفة محدودة معدودة معينة دون سائر الأموال لقوم محدودين في أوقات محدودة فإن هو تعدى شيئا من ذلك لم يقع على فعله إسم زكاة ولم تعرف العرب قط هذه الصفات والصيام في لغة العرب الوقوف تقول صام النهار إذا طال حتى صار كأنه واقف لطوله قال امرؤ القيس إذا صام النهار وهجرا وقال آخر وهو النابغة الذبياني ... خيل صيام وخيل غير صائمة ... تحت العجاج وخيل تعلك اللجما ...
فأوقع الله تعالى إسم الصيام على الإمتناع من الأكل والشرب والجماع وتعمد القيء من وقت محدود وهو تبين الفجر الثاني إلى غروب الشمس في أوقات من السنة محدودة فإن تعدى ذلك لم يسم صياما وهذا أمر لم تعرفه العرب قط فظهر فساد قول من قال أن الأسماء لا تنتقل في الشريعة عن موضوعها في اللغة وصح أن قولهم هذا مجاهرة سمجة قبيحة
قال أبو محمد فإذا قد وضح وجود الزيادة في الإيمان بخلاف قول من قال أنه التصديق فبالضرورة ندري أن الزيادة تقتضي النقص ضرورة ولا بد لأن معنى الزيادة إنما هي عدد مضاف إلى عدد وإذا كان ذلك فذلك العدد المضاف إليه هو بيقين ناقص عند عدم الزيادة فيه وقد جاء النص بذكر النقص وهو قول رسول الله صلى الله عليه و سلم المشهور المنقول نقل الكواف أنه قال للنساء ما رأيت من ناقصات عقل ودين أسلب للرجل الحازم منكن قلن يا رسول الله وما نقصان ديننا قال عليه السلام أليس تقيم المرأة العدد من الأيام والليالي لا تصوم ولا تصلي فهذا نقصان دينها
قال أبو محمد ولو نقص من التصديق شيء لبطل عن أن يكون تصديقا لأن التصديق لا يتبعض أصلا ولصار شكا وبالله تعالى التوفيق وهم مقرون بأن أمرا لو لم يصدق بأية من القرآن أو بسورة منه وصدق بسائره لبطل إيمانه فصح أن التصديق لا يتبعض أصلا
قال أبو محمد وقد نص الله عز و جل على أن اليهود يعرفون النبي صلى الله عليه و سلم كما يعرفون أبناءهم وأنهم يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل وقال تعالى فإنهم لا يكذبونك

ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون وأخبر تعالى عن الكفار فقال ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأخبر تعالى أنهم يعرفون صدقة ولا يكذبونه وهم اليهود والنصارى وهم كفار بلا خلاف من أحد من الأمة ومن أنكر كفرهم فلا خلاف من أحد من الأمة في كفره وخروجه عن الإسلام ونص تعالى عن إبليس أنه عارف بالله تعالى وبملائكته وبرسله وبالبعث وأنه قال رب فانظرني إلى يوم يبعثون وقال لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمأ مسنون وقال خلقتني من نار وخلقته من طين وكيف لا يكون مصدقا بكل ذلك وهو قد شاهد ابتداء خلق الله تعالى لآدم وخاطبه الله تعالى خطابا كثيرا أو سأله ما منعك أن تسجد وأمره بالخروج من الجنة وأخبره أنه منظر إلى يوم الدين وأنه ممنوع من إغواء من سبقت له الهداية وهو مع ذلك كله كافر بلا خلاف إما بقوله عن آدم أنا خير منه وإما بإمتناعه للسجود لا يشك أحد في ذلك ولو كان الإيمان هو بالتصديق والإقرار فقط لكان جميع المخلدين في النار مع اليهود والنصارى وسائر الكفار مؤمنين لأنهم كلهم مصدقون بكل ما كذبوا به في الدنيا مقرون بكل ذلك لكان إبليس واليهود والنصارى في الدنيا مؤمنين ضرورة وهذا كفر مجرد ممن أجازه وإنما كفر أهل النار بمنعهم من الأعمال قال تعالى يوم يدعون إلى السجود فلا يستطيعون
قال أبو محمد فلجأ هؤلاء المخاذيل إلى أن قالوا أن اليهود والنصارى لم يعرفوا قط أن محمدا رسول الله ومعنى قول الله تعالى يعرفونه كما يعرفون أبناءهم أي أنهم يميزون صورته ويعرفون أن هذا الرجل هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي فقط وأن معنى قوله تعالى يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل إنما هو أنهم يجدون سوادا في بياض لا يدرون ما هو ولا يفهمون معناه وإن إبليس لم يقل شيئا مما ذكر الله عز و جل عنه أنه قال مجدا بل قاله هازلا وقال هؤلاء أيضا أنه ليس على ظهر الأرض ولا كان قط كافر يدري أن الله حق وأن فرعون قط لم يتبين له أن موسى نبي بالآيات التي عمل
قال أبو محمد وقالوا إذا كان الكافر يصدق أن الله حق والتصديق إيمان في اللغة فهو مؤمن إذا أوفيه إيمان ليس به مؤمنا وكلا القولين محال
قال أبو محمد هذه نصوص أقوالهم التي رأيناها في كتبهم وسمعناهم منهم وكان مما احتجوا به لهذا الكفر المجرد إن قالوا أن الله عز و جل سمى كل من ذكرنا كفارا ومشركين فدل ذلك على أنه علم أن في قلوبهم كفرا وشركا وجحدا وقال هؤلاء إن شئتم الله عز و جل وشئتم رسول الله صلى الله عليه و سلم ليس كفرا لكنه دليل على أن في قلبه كفرا
قال أبو محمد أما قولهم في إخبار الله تعالى عن اليهود أنهم يعرفون رسول الله صلى الله عليه و سلم كما يعرفون أبناءهم وعن اليهود والنصارى أنهم يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل فباطل بحت ومجاهرة لا حياء معها لأنه لو كان كما ذكروا لما كان في ذلك حجة لله تعالى عليهم وأي معنى أو أي فائدة في أن يجيزوا صورته ويعرفوا أنه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب فقط أو في أن يجدوا كتابا لا يفقهون معناه فكيف ونص الآية نفسها مكذبة لهم لأنه تعالى يقول الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وأن فريقا منهم يكتمون الحق وهم يعلمون فنص تعالى أنهم يعلمون الحق في نبوته وقال في الآية الأخرى يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف

وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم وإنما أورد تعالى معرفتهم لرسول الله صلى الله عليه و سلم محتجا عليهم بذلك لا أنه أتى من ذلك بكلام لا فائدة فيه وأما قولهم في إبليس فكلام داخل في الإستخفاف بالله عز و جل وبالقرآن لا وجه له غير هذا إذ من المحال الممتنع في العقل وفي الإمكان غاية الإمتناع أن يكون إبليس يوافق في هزله عين الحقيقة في أن الله تعالى كرم آدم عليه السلام وأنه تعالى أمره بالسجود فامتنع وفي أن الله تعالى خلق آدم من طين وخلقه من نار وفي أخباره آدم أن الله تعالى نهاه عن الشجرة وفي دخوله الجنة وخروجه عنها إذا خرجه الله تعالى وفي سؤاله الله تعالى النظرة وفي ذكره يوم يبعث العباد وفي إخباره أن الله تعالى أغواه وفي تهديده ذرية آدم قبل أن يكونوا وقد شاهد الملائكة والجنة وابتداء خلق آدم ولا سبيل إلى موافقة هازل معنيين صحيحين لا يعلمها فكيف بهذه الأمور العظيمة وأخرى أن الله تعالى حاشى له من أن يجيب هازلا بما يقتضيه معنى هزله فإنه تعالى أمره بالسجود ثم سأله عما منعه من السجود ثم أجابه إلى النظرة التي سأل ثم أخرجه عن الجنة وأخبره أنه يعصم منه من شاء من ذرية آدم وهذه كلها معان من دافعها خرج عن الإسلام لتكذيبه القرآن وفارق المعقول لتجويزه هذه المحالات ولحق بالمجانين الوقحاء وأما قولهم أن أخبار الله تعالى بأن هؤلاء كلهم كفار دليلا على أن في قلوبهم كفرا وإن شتم الله تعالى ليس كفر ولكنه دليل على أن في القلب كفرا وأن كان كافرا لم يعرف الله تعالى قط فهذه منهم دعاوى كاذبة مفتراه لا دليل لهم عليها ولا برهان لا من نص ولا من سنة صحيحة ولا سقيمة ولا من حجة عقل أصلا ولا من أجماع ولا من قياس ولا من قول أحد من السلف قبل اللعين جهم بن صفوان وما كان هكذا فهو باطل وإفك وزور فسقط قولهم هذا من قرب ولله الحمد رب العالمين فكيف والبرهان قائم بإبطال هذه الدعوى من القرآن والسنن والإجماع والمعقول والحس والمشاهدة الضرورية فأما القرآن فإن الله عز و جل يقول ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله وقال تعالى وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون فأخبر تعالى بأنهم يصدقون بالله تعالى وهم مع ذلك مشركون وقال تعالى وأن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم
قال أبو محمد هذه شهادة من الله مكذبة لقول هؤلاء الضلال لا يردها مسلم أصلا
قال أبو محمد وبلغنا عن بعضهم أنه قال في قول الله تعالى يعرفونه كما يعرفون أبناءهم إن هذا إنكار من الله تعالى لصحة معرفتهم بنبوة رسول الله صلى الله عليه و سلم قال وذلك لأن الرجال لا يعرفون صحة أبنائهم على الحقيقة وإنما هو ظن منهم
قال أبو محمد وهذا كفر وتحريف للكلم عن مواضعه ويرد ما شئت منه
قال أبو محمد فأول ذلك أن هذا الخطاب من الله تعالى عموم للرجال والنساء من الذين أوتوا الكتاب لا يجوز أن يخص به الرجال دون النساء فيكون من فعل ذلك مفتريا على الله تعالى وبيقين يدري كل مسلم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث إلى النساء كما بعث إلى الرجال والخطاب بلفظ الجمع المذكر يدخل فيه بلا خلاف من أهل اللغة النساء والرجال وقد علمنا أن النساء يعرفن أبناءهن على الحقيقة بيقين والوجه الثاني هو أن الله تعالى لم يقل كما يعرفون من خلقنا من نطفتهم فكان يسوغ لهذا الجاهل حينئذ هذا التمويه البارد بإستكراه أيضا وإنما قال

قال تعالى كما يعرفون أبنائهم فأضاف تعالى النبوة إليهم فمن لم يقل أنهم أبناءهم بعد أن جعلهم الله أبناءهم فقد كذب الله تعالى وقد علمنا أنه ليس كل من خلق من نطفة الرجل يكون ابنه فولد الزنا مخلوق من نطفة إنسان ليس هو أباه في حكم الديانة أصلا وإنما أبناؤنا من جعلهم الله أبناءنا فقط كما أن الله تعالى جعل أزواج رسول الله صلى الله عليه و سلم أمهات المؤمنين منهن أمهاتنا وإن لم يلدننا ونحن أبناؤهن وإن لم نخرج من بطونهن فمن أنكر هذا فنحن نصدقه لأنه حينئذ ليس مؤمنا فلسن أمهاته ولا هو ابن لهن والوجه الثالث هو أن الله تعالى إنما أورد الآية مبكتا للذين أوتوا الكتاب لا معتذرا عنهم لكن مخبرا بأنهم يعرفون صحة نبوة النبي صلى الله عليه و سلم بآياته وبما وجدوا في التوراة والأنجيل معرفة قاطعة لا شك فيها كما يعرفون أبناءهم ثم اتبع ذلك تعالى بأنهم يكتمون الحق وهم عالمون به فبطل هذر هذا الجاهل المخذول والحمد لله رب العالمين وقال عز و جل لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فنص تعالى على أن الرشد قد تبين من الغي عموما وقال تعالى ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى و يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى وقال تعالى الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله وشاقوا الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى لن يضروا الله شيئا وهذا نص جلي من خالفه كفر في أن الكفار قد تبين لهم الحق والهدى في التوحيد والنبوة وقد تبين له الحق فبيقين يدري كل ذي حس سليم أنه مصدق بلا شك بقلبه وقال تعالى فلما جاءتهم آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا
قال أبو محمد وهذا أيضا نص جلي لا يحتمل تأويلا على أن الكفار جحدوا بألسنتهم الآيات التي أتى بها الأنبياء عليهم الصلاة والسلام واستيقنوا بقلوبهم أنها حق ولم يجحدوا قط أنها كانت وإنما جحدوا أنها من عند الله فصح أن الذي استيقنوا منها هو الذي جحدوا وهذا يبطل قول من قال من هذه الطائفة أنهم إنما استيقنوا كونها وهي عندهم حيل لا حقائق إذ لو كان ذلك لكان هذا القول من ا لله تعالى كذبا تعالى الله عن ذلك لأنهم لم يجحدوا كونها وإنما جحدوا أنها من عند الله وهذا الذي جحدوا هو الذي استيقنوا بنص الآية وقال تعالى حاكيا عن موسى عليه السلام أنه قال لفرعون لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض بصائر قال أن فرعون لم يعلم أن الله تعالى حق ولا علم أن معجزات موسى حق من عند الله تعالى فقد كذب ربه تعالى وهذا كفر مجرد وقد شغب بعضهم بأن هذه الآي قرئت لقد علمت بضم التاء
قال أبو محمد وكلا القراءتين حق من عند الله تعالى لا يجوز أن يرد منهما شيء فنعم موسى عليه السلام علم ذلك وفرعون علم ذلك فهذه نصوص القرآن وأما من طريق المعقول والمشاهدة والنظر فإنا نقول لهم هل قامت حجة الله تعالى على الكفار كما قامت على المؤمنين بتبين براهينه عز و جل لهم أم لم تقم حجة الله تعالى عليهم قط إذ لم يتبين الحق قط لكافر فإن قالوا أن حجة الله تعالى لم تقم قط على كافر إذ لم يتبين الحق للكفار كفروا بلا خلاف من أحد وعذروا الكفار وخالفوا الإجماع وإن أقروا أن حجة الله تعالى قد قامت على الكفار بأن الحق تبين لهم صدقوا ورجعوا إلى الحق وإلى قول أهل الإسلام وبرهان آخر أن كان أحد منا مذ عقلنا لم نزل نشاهد اليهود والنصارى فما سمعهم أحد إلا مقرين

بالله تعالى وبنبوة موسى عليه السلام وأن الله تعالى حرم على اليهود العمل في السبت والتحوم فمن الباطل أن يتواطؤا كلهم في شرق الأرض وغربها على إعلان ما يعتقدون خلافه بلا سبب داع إلى ذلك وبرهان آخر وهو أنا قد شاهدنا من النصارى واليهود طوائف لا يحصى عددهم أسلموا وحسن إسلامهم وكلهم أولهم عن آخرهم يخبر من استخبره متى بقوا أنهم في إسلامهم يعرفون أن الله تعالى حق وأن نبوة موسى وهارون حق كما كانوا يعرفون ذلك في أيام كفرهم ولا فرق ومن أنكر هذا فقد كابر عقله وحسه ولحق بمن لا يستحق أن يكلم وبرهان آخر وهو أنهم لا يختلفون في أن نقل التواتر يوجب العلم الضروري فوجب من هذين الحكمين أن اليهود والنصارى الذين نقل إليهم ما أتى به عليه السلام من المعجزات نقل التواتر قد وقع لهم به العلم الضروري بصحة نبوته من أجلها وهذا لا محيد لهم عنه وبالله تعالى التوفيق وأما قولهم إن شئتم الله تعالى كفرا وكذلك شتم رسول الله صلى الله عليه و سلم فهو دعوى لأن الله تعالى قال يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم فنص تعالى على أن من الكلام ما هو كفر وقال تعالى وإذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم فنص تعالى أن من الكلام في آيات الله تعالى ما هو كفر بعينه مسموع وقال تعالى قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤن لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم أن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة فنص تعالى على أن الإستهزاء بالله تعالى أو بآياته أو برسول من رسله كفر فخرج عن الإيمان ولم يقل تعالى في ذلك أني علمت أن في قلوبكم كفرا بل جعلهم كفارا بنفس الإستهزاء ومن أدعى غير هذا فقد قول ا لله تعالى ما لم يقل وكذب على الله تعالى وقال عز و جل إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليوطؤا عدة ما حرم الله
قال أبو محمد وبحكم اللغة التي بها نزل القرآن أن الزيادة في الشيء لا تكون البتة إلا منه لا من غيره فصح أن النسيء كفر وهو عمل من الأعمال وهو تحليل ما حرم الله تعالى فمن أحل ما حرم الله تعالى وهو عالم بأن الله تعالى حرمه فهو كافر بذلك الفعل نفسه وكل من حرم ما أحل الله تعالى فقد أحل ما حرم الله عز و جل لأن الله تعالى حرم على الناس أن يحرموا ما أحل الله وأما خلاف الإجماع فإن جميع أهل الإسلام لا يختلفون فيمن أعلن جحد الله تعالى أو جحد رسوله صلى الله عليه و سلم فإنه محكوم له بحكم الكفر قطعا أما القتل واما أخذ الجزية وسائر أحكام الكفر وما شك قط أحد في هل هم في باطن امرهم منؤمنين أم لا ولا فكروا في هذا ولا رسول الله صلى الله عليه و سلم ولا أحد من أصحابه ولا أحد بعدهم وأما قولهم أن الكفار إذا كانوا مصدقين بالله تعالى ونبيه بقلوبهم والتصديق في اللغة التي بها نزل القرآن هو الأيمان ففيهم بلا شك أيمان فالواجب أن يكونوا بأيمانهم ذلك مؤمنين أو أن يكون فيهم إيمان ليسوا بكونه فيهم مؤمنين ولابد من أحد الأمرين قال أبو محمد وهذا تمويه فاسد لأن التسمية كما قد منا الله تعالى لا دونه وقد أوضحنا البراهين على أن الله تعالى نقل إسم الإيمان في الشريعة عن موضوعه في اللغة إلى معنى آخر وحرم في الديانة إيقاع إسم الإيمان على التصديق المطلق ولولا نقل الله تعالى للفظة الإيمان كما ذكرنا

لوجب أن يسمى كل كافر على وجه الأرض مؤمنا وأن يخبر عنهم بأن فيهم إيمانا لأنهم مؤمنون ولا بد بأشياء كثيرة مما في العالم يصدقون بها هذا لا ينكره ذو مسكة من عقل فلما صح إجماعنا وإجماعهم وإجماع كل من ينتمي إلى الإسلام على أنهم وإن صدقوا بأشياء كثيرة فإنه لا يحل لأحد أن يسميهم مؤمنين على الإطلاق ولا أن يقول أن لهم إيمانا مطلقا أصلا لم يجز لأحد أن يقول في الكافر المصدق بقلبه ولسانه بأن الله تعالى حق والمصدق بقلبه أن محمدا رسول الله أنه مؤمن ولا أن فيه إيمانا أصلا إلا حتى يأتي بما نقل الله تعالى إليه إسم الإيمان من التصديق بقلبه ولسانه بأن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأن كل ما جاء به حق وأنه بريء من كل دين غير دينه ثم يتمادى بإقراره على ما لا يتم إيمان إلا بالإقرار به حتى يموت لكنا نقول أن في الكافر تصديقا بالله تعالى هو به مصدق بالله تعالى وليس بذلك مؤمنا ولا فيه إيمان كما أمرنا الله تعالى لا كما أمر جهم والأشعري
قال أبو محمد فبطل هذا القول المتفق على تكفير قائله وقد نص على تكفيرهم أبو عبيد القاسم في كتابه المعروف برسالة الإيمان وغيره ولنا كتاب كبير نقضنا فيه شبه أهل هذه المقالة الفاسدة كتبناه على رجل منهم يسمى عطاف بن دوناس من أهل قيروان افريقية وبالله تعالى التوفيق
قال أبو محمد وأما من قال أن الإيمان إنما هو الإقرار باللسان فإنهم احتجوا بأن النبي صلى الله عليه و سلم وجميع أصحابه رضي الله عنهم وكل من بعدهم قد صح إجماعهم على أن من أعلن بلسانه بشهادة الإسلام فإنه عندهم مسلم محكوم له بحكم الإسلام وبقول رسول الله صلى الله عليه و سلم في السوداء أعتقها فإنها مؤمنة وبقوله صلى الله عليه و سلم لعمه أبو طالب قل كلمة أحاج لك بها عند الله عز و جل
قال أبو محمد وكل هذا لا حجة لهم فيه إما بالإجماع المذكور فصحيح وإنما حكمنا لهم بحكم الإيمان في الظاهر ولم نقطع على أنه عند الله تعالى مؤمن وهكذا قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويؤمنوا بما أرسلت به فإذا فعلوا عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله وقال عليه السلام من قال لا إله إلا الله مخلصا من قلبه وأما قوله عليه السلام في السوداء أنها مؤمنة فظاهر الأمر كما قال عليه السلام إذ قال له خالد بن الوليد رب مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه فقال عليه السلام إني لم أبعث لأشق عن قلوب الناس وأما قوله لعمه أحاج لك بها عند الله فنعم يحاج بها على ظاهر الأمر وحسابه على الله تعالى فبطل كل ما موهوا به ثم نبين بطلان قولهم إن شاء الله تعالى فنقول وبالله تعالى نتأيد أنه يبين بطلان قول هؤلاء قول الله عز و جل ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون وقوله عز و جل يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم وقوله

قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم وقال تعالى إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون أولئك هم المؤمنون حقا
قال أبو محمد فإن قالوا إنما هذه الآية بمعنى أن هذه الأفعال تدل على أن في القلب إيمانا قلنا لهم لو كان ما قلتم لوجب ولا بد أن يكون ترك من ترك شيئا من هذه الأفعال دليلا على أنه ليس في قلبه إيمان وأنتم لا تقولون هذا أصلا مع أن هذا صرف للآية عن وجهها وهذا لا يجوز إلا ببرهان وقولهم هذا دعوى بلا برهان وقال تعالى إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون وقال تعالى والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا فأثبت عز و جل لهم الإيمان الذي هو التصديق ثم أسقط عنا ولايتهم إذ لم يهاجروا فأبطل إيمانهم المطلق ثم قال تعالى والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقا فصح يقينا أن هذه الأعمال إيمان حق وعدمها ليس إيمانا وهذا غاية البيان وبالله تعالى التوفيق
وقال تعالى إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد انك لرسول الله والله يعلم أنك لرسوله والله يشهد أن المنافقين لكاذبون فنص عز و جل في هذه الآية على أن من أمن بلسانه ولم يعتقد الإيمان بقلبه فإنه كافر ثم أخبرنا تعالى بالمؤمنين من هم وأنهم الذين آمنوا وأيقنوا بألسنتهم وقلوبهم معا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم وأخبر تعالى أن هؤلاء هم الصادقون
قال أبو محمد ويلزمهم أن المنافقين مؤمنون لإقراهم بالإيمان بألسنتهم وهذا قول مخرج عن الإسلام وقد قال تعالى إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا وقال تعالى إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد أنك لرسول الله والله يعلم أ نك لرسوله والله يشهد أن المنافقين لكاذبون اتخذوا إيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله أنهم ساء ما كانوا يعملون ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فقطع الله تعالى عليهم بالكفر كما ترى لأنهم أبطنوا الكفر
قال أبو محمد وبرهان آخر وهو أن الإقرار باللسان دون عقد القلب لأحكم له عند الله عز و جل لأن أحدنا يلفظ بالكفر حاكيا وقارئا له في القرآن فلا يكون بذلك كافرا حتى يقر أنه عقده
قال أبو محمد فإن احتج بهذا أهل المقالة الأولى وقالوا هذا يشهد بأن الإعلان بالكفر ليس كفرا قلنا له وبالله تعالى التوفيق قد قلنا أن التسمية ليست لنا وإنما هي لله تعالى فلما أمرنا تعالى بتلاوة القرآن وقد حكى لنا فيه قول أهل الكفر وأخبرنا تعالى أنه لا يرضى لعباده الكفر خرج القاريء للقرآن بذلك عن الكفر إلى رضى الله عز و جل والإيمان بحكايته ما نص الله تعالى بأداء الشهادة بالحق فقال تعالى ألا من شبهه بالحق وهم يعلمون خرج الشاهد المخبر عن الكافر بكفره عن أن يكون بذلك كافر إلى رضى الله عز و جل والإيمان ولما قال تعالى إلا من إكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا أخرج من ثبت إكراهه عن أن يكون بإظهار الكفر كافر إلى رخصة الله تعالى والثبات على الإيمان وبقي من أظهر الكفر لا قاريا ولا شاهدا ولا حاكيا ولا مكرها على وجوب الكفر له بإجماع الأمة على الحكم له بحكم الكفر وبحكم رسول الله صلى الله عليه و سلم بذلك وبنص القرآن

على من قال كلمة الكفر أنه كافر وليس قول الله عز و جل ولكن من شرح بالكفر صدرا على ما ظنوه من إعتقاد الكفر فقط بل كل من نطق بالكلام الذي يحكم لقائله عند أهل الإسلام بحكم الكفر لا قاريا ولا شاهدا ولا حاكيا ولا مكرها فقد شرح بالكفر صدرا بمعنى أنه شرح صدره لقبول الكفر المحرم على أهل الإسلام وعلى أهل الكفر أن يقولوه وسواء اعتقده أو لم يعتقده لأن هذا العمل من إعلان الكفر على غير الوجوه المباحة في إيراده وهو شرح الصدر به فبطل تمويههم بهذه الآية وبالله تعالى التوفيق وبرهان آخر وهو قول الله تعالى إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون فنص الله تعالى على الإيمان أنه شيء قبل نفي الإرتياب ونفي الإرتياب لا يكون ضرورة إلا بالقلب وحده فصح أن الإيمان إذ هو قبل نفي الإرتياب شيء آخر غير نفي الإرتياب والذي قبل نفي الإرتياب هو القول باللسان ثم التصديق بالقلب والجهاد مع ذلك بالبدن والنفس والمال فلا يتم الإيمان بنص كلام الله عز و جل إلا بهذه الأقسام كلها فبطل بهذا النص قول من زعم أن الإيمان هو التصديق بالقلب وحده أو القول باللسان وحده أو كلاهما فقط دون العمل بالبدن وبرهان آخر وهو أن نقول لهم أخبرونا عن أهل النار المخلدين فيها الذين ماتوا على الكفر أهم حين كونهم في النار عارفون بقلوبهم صحة التوحيد والنبوة الذي بجحدهم لكل ذلك أدخلوا النار وهل هم حيئذ مقرون بذلك بألسنتهم أم لا ولا بد من أحدهما فإن قالوا هم عارفون بكل ذلك مقرون به بألسنتهم وقلوبهم قلنا أهم مؤمنون أم غير مؤمنين فإن قالوا هم غير مؤمنين قلنا قد تركتم قولكم إن الإيمان هو المعرفة بالقلب أو الإقرار باللسان فقط أو كلاهما فقط فإن قالوا هذا حكم الآخرة قلنا لهم فإذا جوزتم نقل الأسماء عن موضوعها في اللغة في الآخرة فمن أين منعتم من ذلك في الدنيا ولم تجوزوه لله عز و جل فيها وليس في الحماقة أكثر من هذا وإن قالوا بل هم مؤمنون قلنا لهم فالنار إذن أعدت للمؤمنين لا للكافرين وهي دار المؤمنين وهذا خلاف القرآن والسنن وإجماع أهل الإسلام المتقين وإن قالوا بل هم غير عارفين بالتوحيد ولا بصحة النبوة في حال كونهم في النار أكذبهم نصوص القرآن وكذبوا ربهم عز و جل في إخباره أنهم عارفون بكل ذلك هاتفون به بألسنتهم راغبون في الرجعة وإلا قاله نادمون على ما سلف منهم وكذبوا نصوص المعقول وجاهروا بالمحال إذ جعلوا من شاهد القيامة والحساب والجزاء غير عارف بصحة ذلك فصح بهذا أن لا إيمان ولا كفر إلا ما سماه الله تعالى إيمانا وكفرا وشركا فقط ولا مؤمن ولا كافر ولا مشرك إلا من سماه الله تعالى بشيء من ذلك أما في القرآن وأما على لسان النبي صلى الله عليه و سلم
قال أبو محمد وأما من قال أن الإيمان هو العقد بالقلب والإقرار باللسان دون العمل بالجوارح فلا نكفر من قال بهذه المقاله وإن كانت خطأ وبدعة واحتجوا بأن قالوا أخبرونا عمن قال لا إله إلا الله محمد رسول الله وبريء من كل دين حاشا الإسلام وصدق بكل ما جاء به النبي صلى الله عليه و سلم واعتقد ذلك بقلبه ومات أثر ذلك أمؤمن هو أم لا فإن جوابنا أنه مؤمن بلا شك عند الله عز و جل وعندنا قالوا فأخبرونا أناقص الإيمان هو أم كامل الإيمان قالوا فإن قلتم أنه كامل الإيمان فهذا قولنا وإن قلتم أنه ناقص الإيمان سألناكم ماذا نقصه

من الإيمان وماذا معه مع الإيمان
قال أبو محمد فجوابنا وبالله تعالى التوفيق أنه مؤمن ناقص الإيمان بالإضافة إلى من له إيمان زائد بأعمال لم يعملها وهذا وكل واحد فهو ناقص الإيمان بالإضافة إلى من هو أفضل أعمالا منه حتى يبلغ الأمر إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم الذي لا أحد أتم إيمانا منه بمعنى أحسن أعمالا منه وأما قوله ما الذي نقصه من الإيمان فإنه نقصه الأعمال التي عملها غيره والتي ربنا عز و جل أعلم بمقاديرها
قال أبو محمد ومما يبين أن إسم الإيمان في الشريعة منقول عن موضوعه في اللغة وإن الكفر أيضا كذلك فإن الكفر في اللغة التغطية وسمى الزراع كافرا لتغطيته الحب وسمى الليل كافرا لتغطيته كل شيء قال الله عز و جل فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع وقال تعالى كزرع أعجب الكفار نباته يعني الزراع وقال لبيد بن ربيعة يمينها ألقت زكاة في كافر يعني الليل ثم نقل الله تعالى اسم الكفر في الشريعة إلى جحد الربوبية وجحد نبوة نبي من الأنبياء صحت نبوته في القرآن أو جحد شيء مما أتى به رسول الله صلى الله عليه و سلم مما صح عند جاحده بنقل الكافة أو عمل شيء قام البرهان بأن العمل به كفر مما قد بيناه في كتاب الإيصال والحمد لله رب العالمين فلو أن إنسانا قال أن محمدا عليه الصلاة و السلام كافر وكل من تبعه كافر وسكت وهو يريد كافرون بالطاغوت كما قال تعالى فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا إنفصام لها ولما اختلف أحد من أهل الإسلام في أن قائل هذا محكوم له بالكفر وكذلك لو قال أن إبليس وفرعون وأبا جهل مؤمنون لما اختلف أحد من أهل الإسلام في أن قائل هذا محكوم له بالكفر وهو يريد مؤمنون بدين الكفر فصح عند كل ذي مسكة من يتحيز أن إسم الإيمان والكفر منقولان في الشريعة عن موضوعهما في اللغة بيقين لا شك فيه وأنه لا يجوز إيقاع إسم الإيمان المطلق على معنى التصديق بأي شيء صدق به المرء ولا يجوز إيقاع اسم الكفر على معنى التغطية لأي شيء غطاه المرء لكن على ما أوقع الله تعالى عليه اسم الإيمان واسم الكفر ولا مزيد وثبت يقينا أن ما عدا هذا ضلال مخالف للقرآن وللسنن ولإجماع أهل الإسلام أولهم عن آخرهم وبالله تعالى التوفيق وبقي حكم التصديق على حالة في اللغة لا يختلف في ذلك إنسي ولا جني ولا كافر ولا مؤمن فكل من صدق بشيء فهو مصدق به فمن صدق بالله تعالى وبرسوله صلى الله عليه و سلم ولم يصدق بما لا يتم الإيمان إلا به فهو مصدق بالله تعالى أو برسوله صلى الله عليه و سلم وليس مؤمنا ولا مسلما لكنه كافر مشرك لما ذكرنا وبالله تعالى التوفيق والحمد لله رب العالمين

اعترافات للمرجئية الطبقات الثلاث المذكورة قال أبو محمد إن قال قائل أليس الكفر ضد الإيمان قلنا وبالله تعالى التوفيق إطلاق هذا القول خطأ لأن الإيمان إسم مشترك يقع على معان شتى كما ذكرنا فمن تلك المعاني شيء يكون الكفر ضدا له ومنها ما يكون الفسق ضدا له لا الكفر ومنها ما يكون الترك ضدا له لا الكفر ولا الفسق فأما الإيمان الذي يكون الكفر ضدا له فهو العقد بالقلب والإقرار باللسان فإن الكفر ضد لهذا الإيمان وأما الإيمان الذي يكون الفسق ضدا له لا الكفر فهو ما كان من الأعمال فرضا فإن تركه ضد للعمل وهو فسق لا كفر وأما الإيمان الذي يكون الترك له

ضدا فهو كل ما كان من الأعمال تطوعا فإن تركه ضد العمل به وليس فسقا ولا كفرا برهان ذلك ما ذكرناه من ورود النصوص بتسمية الله عز و جل أعمال البر كلها إيمانا وتسميته تعالى ما سمى كفرا وما سمى فسقا وما سمى معصية وما سمى إباحة لا معصيه ولا كفرا ولا إيمانا و قد قلنا أن التسمية لله عز و جل لا لأحد غيره فإن قال قائل منهم أليس جحد الله عز و جل بالقلب فقط لا باللسان كفرا فلا بد من نعم قال فيجب على هذا أن يكون التصديق باللسان وحده أيمانا فجوابنا وبالله تعالى التوفيق إن هذا كان يصح لكم لو كان التصديق بالقلب وحده أو باللسان وحده إيمانا وقد أوضحنا آنفا أنه ليس شيء من ذلك على إنفراده إيمانا وأنه ليس إيمانا إلا ما سماه الله عز و جل إيمانا وليس الكفر إلا ما سماه الله عز و جل كفرا فقط فإن قال قائل من أهل الطائفة الثالثة أليس جحد الله تعالى بالقلب وباللسان هو الكفر كله فكذلك يجب أن يكون الإقرار بالله تعالى باللسان والقلب هو الإيمان كله وبالله تعالى نتأيد ليس شيء مما قلتم بل الجحد لشيء مما صح البرهان أنه لا إيمان إلا بتصديقه كفر والنطق بشيء من كل ما قام البرهان أن النطق به كفر كفر والعمل بشيء مما قام البرهان بأنه كفر كفر فالكفر يزيد وكلما زاد فيه فهو كفر والكفر ينقص وكله مع ذلك ما بقي منه وما نقص فكله كفر وبعض الكفر أعظم وأشد وأشنع من بعض وكله كفر وقد أخبر تعالى عن بعض الكفر أنه تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا وقال عز و جل هل تجزون إلا ما كنتم تعملون ثم قال إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار وقال تعالى أدخلوا آل فرعون أشد العذاب فأخبر تعالى أن قوما يضاعف لهم العذاب فإذ كل هذا قول الله عز و جل وقوله الحق فالجزاء على قدر الكفر بالنص وبعض الجزاء أشد من بعض بالنصوص ضرورة والإيمان أيضا يتفاضل بنصوص صحاح وردت عن رسول الله صلى الله عليه و سلم والجزاء عليه في الجنة بتفاضل بلا خلاف فإن قال من الطبقتين الأوليتين أليس من قولكم من عرف الله عز و جل والنبي صلى الله عليه و سلم وأقر بهما بقلبه فقط إلا أنه منكر بلسانه لكل ذلك أو لبعضه فإنه كافر وكذلك من قولكم أن من أقر بالله عز و جل وبرسوله صلى الله عليه و سلم بلسانه فقط إلا أنه منكر بقلبه لكل ذلك أو لبعضه فإنه كافر
قال أبو محمد فجوابنا نعم هكذا نقول قالوا فقد وجب من قولكم إذا كان بما ذكرنا كافرا أن يكون فعله ذلك كفرا ولا بد أذ لا يكون كافرا إلا بكفره فيجب على قولكم أن الإقرار بالله تعالى وبرسوله صلى الله عليه و سلم بالقلب كفر ولا بد ويكون الإقرار بالله تعالى أيضا وبرسوله صلى الله عليه و سلم باللسان أيضا كفر ولا بد وأنتم تقولون أنهما إيما فقد وجب على قولكم أن يكونا كفرا إيمانا وفاعلهما كافرا مؤمنا معا وهذا كما ترون
قال أبو محمد فجوابنا وبالله تعالى التوفيق إن هذا شغب ضعيف وإلزام كاذب سموه لأننا لم نقل قط أن من أعتقد وصدق بقلبه فقط وبالله تعالى وبرسوله صلى الله عليه و سلم وأنكر بلسانه ذلك أو بعضه فإن إعتقاده لتصديق ذلك كفر ولا أنه كان بذلك كافرا وإنما قلنا أنه كفر بترك إقراره بذلك بلسانه فهذا هو الكفر وبه صار كافرا وبه أباح الله تعالى دمه أو أخذ الجزية منه بإجماعكم معنا وإجماع أهل الإسلام وكان تصديقه بقلبه فقط بكل ذلك لغوا محبطا كأنه لم يكن ليس إيمانا ولا كفرا ولا طاعة ولا معصية قال تعالى لئن أشركت ليحبطن عملك وقال تعالى يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي

ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون وبالضرورة يدري كل مسلم أن من حبط عمله وبطل فقد سقط حكمه وتأثيره ولم يبق له رسم وكذلك لم نقل أن من أقر بلسانه وحده بالله تعالى وبرسوله صلى الله عليه و سلم وجحد بقلبه أن أقراره بذلك بلسانه كفر ولا أنه كان به كافرا لكنه كان كافرا بجحده بقلبه لما جحد من ذلك وجحده لذلك هو الكفر وكان إقراره بكل ذلك بلسانه لغوا محبطا كما ذكرنا لا إيمانا ولا كفرا ولا طاعة ولا معصية وبالله تعالى التوفيق فسقط هذا الإيهام الفاسد فإن قال قائل منهم أليس بعض الإيمان إيمانا وبعض الكفر كفرا وأراد أن يلزمنا من هذا أن العقد بالقلب والإقرار باللسان والعمل بالجوارح إذا كان ذلك إيمانا فإبعاضه إذا إنفردت إيمانا أو أن نقول أن أبعاض الإيمان ليست إيمانا فيموه بهذا
قال أبو محمد فجوابنا وبالله تعالى التوفيق أننا نقول ونصرح أنه ليس بعض الإيمان إيمانا أصلا بل الإيمان متركب من أشياء إذا أجتمعت صارت إيمان كالبلق ليس السواد وحده بلقا ولا البياض وحده بلقا فإذا أجتمعا صارا بلقا وكالباب ليس الخشب وحده بابا ولا المسامير وحدها بابا فإذا إجتمعا على شكل سمي حينئذ بابا وكالصلاة فإن القيام وحده ليس صلاة ولا الركوع وحده صلاة ولا الجلوس وحده صلاة ولا القراءة وحدها صلاة ولا الذكر وحده صلاة ولا إستقبال القبلة وحده صلاة أصلا فإذا إجتمع كل ذلك سمي المجتمع حينئذ صلاة وكذلك الصيام المفترض والمندوب إليه ليس صيام كل ساعة من النهار على إنفرادها صياما فإذا إجتمع صيامها كلها يسمى صياما وقد يقع في اليوم الأكل والجماع والشراب سهوا فلا يمنع ذلك من أن يكون صيامه صحيحا والتسمية لله عز و جل كما قدمنا لا لأحد دونه بل من الإيمان شيء إذا إنفردكان كفرا كمن قال مصدقا بقلبه لا إله إلا الله محمد رسول الله فهذا إيمان فلو أفرد لا إله وسكت وسكوت قطع كفر بلا خلاف من أحد ثم نسألهم فنقول لهم فإذا انفرد صيامه أو صلاته دون إيمان أهي طاعة فمن قولهم لا فقد صاروا فيما أرادوا أن يموهوا به علينا من أن أبعاض الطاعات إذا أنفردت لم تكن طاعة بل كانت معصية وإذا اجتمعت كانت طاعة
قال أبو محمد فإن قالوا إذا كان النطق باللسان عندكم إيمانا فيجب إذا عدم النطق بأن يسكت الإنسان بعد إقراره أن يكون سكوته كفرا فيكون بسكوته كافرا قلنا أن هذا يلزمنا عندكم فما تقولون إن سألكم أصحاب محمد بن كرام فقالوا لكم إذا كان الإعتقاد بالقلب هو الإيمان عندكم فيجب إذا سها عن الإعتقاد وإحضاره ذكره أما في حال حديثه مع من يتحدث أو في حال فكره أو نومه أن يكون كافرا وأن يكون ذلك السهو كفرا فجوابهم أنه محمول على ما صح منه من الإقرار باللسان
قال أبو محمد ونقول للجهمية والأشعرية في قولهم إن جحد الله تعالى وشتمه وجحد الرسول صلى الله عليه و سلم إذا كان كل ذلك باللسان فإنه ليس كفرا لكنه دليل على أن في القلب كفرا أخبرونا عن هذا الدليل الذي ذكرتم أتقطعون به فتثبتونه يقينا ولا تشكون في أن في قلبه جحدا للربوبية وللنبوة أم هو دليل يجوز ويدخله الشك ويمكن أن لا يكون في قلبه كفر ولا بد من أحدهما فإن قالوا أنه دليل لا نقطع به قطعا ولا نثبته يقينا قلنا لهم فما بالكم تحتجون بالظن الذي قال تعالى فيه إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من

الحق شيئا واعجب من هذا انكم انما قلتم إن إعلان الكفر إنما قلنا أنه دليل على أن في القلب كفرا لأن الله تعالى سماهم كفارا فلا يمكننا رد شهادة الله تعالى فعاد هذا البلاء عليكم لأنكم قطعتم أنها شهادة الله عز و جل ثم لم تصدقوا شهادته ولا قطعتم بها بل شككتم فيها وهذا تكذيب من لإخفاء به وأما نحن فمعاذ الله من أن نقول او نعتقد أن الله تعالى شهد بهذا قط بل من إدعى أن الله شهد بأن من أعلن الكفر فأنه جاحد بقلبه كذب على الله عز و جل وافترى عليه بل هذه شهادة الشيطان التي أضل بها أولياءه وما شهد الله تعالى إلا بضد هذا وبأنهم يعرفون الحق ويكتمونه ويعرفون أن الله تعالى حق وإن محمدا رسول الله صلى الله عليه و سلم حقا ويظهرون بألسنتهم خلاف ذلك وما سماهم الله عز و جل قط كفارا إلا بما ظهر منهم بالسنتهم وأفعالهم كما فعل بإبليس وأهل الكتاب وغيرهم وإن قالوا بل يثبت بهذا الدليل ونقطع به ونوقن أن كل من أعلن بما يوجب إطلاق اسم الكفر عليه في الشريعة فإنه جاحد بقلبه قلنا لهم وبالله تعالى التوفيق هذا باطل من وجوه اولها أنه دعوى بلا برهان وثانيها أنه علم غيب لا يعلمه إلا الله عز و جل والذي يضمره وقد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إني لم أبعث لأشق عن قلوب الناس فمدعى هذا معدي علم غيب ومدعي علم الغيب كاذب وثالثها إن القرآن والسنن كما ذكرنا قد جاءت النصوص فيهما بخلاف هذا كما تلونا قبل ورابعها إن كان الأمر كما تقولون فمن أين اقتصرتم بالإيمان على عقد القلب فقط ولم تراعوا إقرار اللسان وكلاهما عندكم مرتبط بالآخر لا يمكن انفرادهما وهذا يبطل قولكم إنه إذا اعتقد الإيمان بقلبه لم يكن كافرا باعلانه الكفر فجوزتم أن يكون يعلن الكفر من يبطن الإيمان فظهر تناقض مذهبهم وعظيم فساده وخامسها أنه كان اعلان الكفر باللسان دليلا على الجحد بالقلب والكفر به ولا بد فإن اعلان الإيمان باللسان يجب أيضا أن يكون دليلا قاطعا باتا ولا بد على أن في القلب إيمانا وتصديقا لا شك فيه لأن الله تعالى سمي هؤلاء مؤمنين كما سمى أؤلئك كفارا ولا فرق بين الشهادتين فإن قالوا إن الله تعالى قد أخبر عن المنافقين المعلنين بالإيمان المبطنين للكفر والجحد قيل لهم وكذلك أعلمنا الله تعالى وأخبرنا ان إبليس وأهل الكتاب والكفار بالنبوة أنهم يعلنون الكفر ويبطنون التصديق ويؤمنون بأن الله تعالى حق وإن رسوله حق يعرفونه كما يعرفون أبنائهم ولا فرق وكل ما موهتم به من الباطل والكذب في هؤلاء امكن للمرامية مثله سواء بسواء في المنافقين وقالوا لم يكفروا قط بإبطانهم الكفر لكن لما سماهم الله بأنهم آمنوا ثم كفروا علمنا أنهم نطقوا بعد ذلك بالكفر والجحد بشهادة الله تعالى بذلك كما إدعيتم أنتم شهادته تعالى على ما في نفوس الكفار ولا فرق
قال أبو محمد وكلتا الشهادتين من هاتين الطائفتين كذب على الله عز و جل تعالى وما شهد الله عز و جل قط على إبليس وأولى الكتاب بالكفر إلا بما أعلنوه من الإستخفاف بالنبوة وبآدم وبالنبي صلى الله عليه و سلم فقط ولا شهد تعالى قط على المنافقين بالكفر إلا بما بطنوه من الكفر فقط وأما هذا فتحريف للكلم عن مواضعه وافك مفترى ونعوذ بالله من الخذلان
قال أبو محمد ونظروا قولهم قالوا مثل هذا أن نقول رسول الله ص - لا يدخل

هذه الدار اليوم إلا كافر أو يقول كل من دخل هذه الدار اليوم فهو كافر قالوا فدخول تلك الدار دليل على أنه يعتقد الكفر لا أن دخول الدار كفر
قال أبو محمد وهذا كذب وتمويه ضعيف بأن دخول تلك الدار في ذلك اليوم كفر محض مجرد وقد يمكن أن يكون الداخل فيها مصدقا بالله تعالى وبرسوله صلى الله عليه و سلم الا إن تصديقه ذلك قد حبط بدخوله الدار وبرهان ذلك أنه لا يختلف اثنان من أهل الإسلام في أن دخول تلك الدار لا يحل البتة لعائشة ولا لأبي بكر ولا لعلي ولا لأحد من ازواج النبي صلى الله عليه و سلم ولا لأحد من أصحابه رضي الله عنهم كما أن الله تعالى قد نص على أنه علم ما في قلوبهم وأنزل السكينة عليهم وإذ ذلك كذلك فقد وجب ضرورة أن هؤلاء رضي الله عنهم لو دخلوا تلك الدار لكانوا كفارا بلا شك بنفس دخولهم فيها ولحبط إيمانهم فإن قالوا فإن قالوا لو دخلها هؤلاء لم يكفروا كانوا هم قد كفروا لأنهم بهذا القول قاطعون بأن كلامه صلى الله عليه و سلم كذب في قوله لا يدخلها إلا كافرا واحتج بعضهم في هذا المكان بقول الأخطل النصراني لعنه الله إذ يقول ... إن الكلام لفي الفؤاد وإنما ... جعل اللسان على الفؤاد دليلا ...
قال أبو محمد فجوابنا على هذا الإحتجاج أن نقول ملعون ملعون قائل هذا البيت وملعون ملعون من جعل قول هذا النصراني حجة في دين الله عز و جل وليس هذا من باب اللغة التي يحتج فيها بالعربي وإن كان كافرا وإنما هي قضية عقلية فالعقل والحس يكذب بأن هذا البيت وقضية شرعية فالله عز و جل أصدق من النصراني اللعين إذ يقول عز و جل يقولون بأفواهم ما ليس في قلوبهم فقد أخبر عز و جل بأن من الناس من يقول بلسانه ما ليس في فؤاده بخلاف قول الأخطل لعنه الله أن الكلام لفي الفؤاد واللسان دليل على الفؤاد فأما نحن فنصدق الله عز و جل ونكذب الأخطل ولعن الله من يجعل الأخطل حجة في دينه الله وحسبنا الله ونعم الوكيل فإن قالوا أن ا لله عز و جل قال ولتعرفهم في لحن القول قلنا لولا أن الله عز و جل عرفه بهم ولده عليهم بلحن القول ما كان لحن قولهم دليلا عليهم ولم يطلق الله تعالى على هذا على كل أحد بل على أولئك خاصة بل قد نص تعالى على آخرين بخلاف ذلك إذ يقول وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم فهؤلاء من أهل المدينة منافقون مردوا على النفاق لم يعلمهم رسول الله صلى الله عليه و سلم بلحن قولهم ولو أن الناس لم يضربوا قط كلام ربهم تعالى بعضه ببعض وأخذوه كله على مقتضاه لأهتدوا ولكن من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا وقد قال عز و جل إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم ا لهدى الشيطان سول لهم وأملى لهم ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما أنزل الله سنطيعكم في بعض الأمر والله يعلم أسرارهم فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم فجعلهم تعالى مرتدين كفرا بعد علمهم الحق وبعد أن تبين لهم الهدى بقوله للكفار ما قالوا فقط وأخبرنا تعالى أنه يعرف أسرارهم ولم يقل تعالى أنها جحد أو تصديق بل قد صح أن في سرهم التصديق لأن الهدى قد تبين لهم ومن تبين له شيء فلا يمكن البتة أن يجحده بقلبه أصلا وأخبرنا تعالى أنه قد أحبط أعمالهم بإتباعهم ما أسخطه وكراهيتهم رضوانه وقال تعالى يا أيها الذين آمنوا

لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون فهذا نص جلي وخطاب للمؤمنين بأن إيمانهم يبطل جملة وأعمالهم تحبط برفع أصواتهم فوق صوت النبي صلى الله عليه و سلم دون جحد كان منهم أصلا ولو كان منهم جحدا لشعروا له والله تعالى أخبرنا بأن ذلك يكون وهم لا يشعرون فصح أن من أعمال الجسد ما يكون كفرا مبطلا لإيمان فاعله جملة ومنه ما لا يكون كفرا لكن على ما حكم الله تعالى به في كل ذلك ولا مزيد
قال أبو محمد فإن قال قائل من أين قلتم أن التصديق لا يتفاضل ونحن نجد خضرة أشد خضرة وشجاعة أشد من شجاعة لا سيما والشجاعة والتصديق كيفيات من صفات النفس معا فالجواب وبالله تعالى التوفيق أن كل ما قبل من الكيفيات الأشد والأضعف فإنما يقبلها بمزاج يدخله من كيفية أخرى ولا يكون ذلك إلا فيما بينه وبين ضده منها وسائط قد تمازج كل واحد من الضدين أو فيما جاز امتزاج الضدين فيه كما نجد بين الخضرة والبياض وسائط من حمرة وصفرة تمازجهما فتولد حينئذ بالممازجة الشدة والضعف وكالصحة التي هي اعتدال مزاج العفو فإذا مازج ذلك الإعتدال فضل ما كان مرضه بحسب ما ما زجه في الشدة والضعف والشجاعة إنما هي استسهال النفس للثبات والإقدام عند المعارضة في اللقاء فإذا ثبت الإثنان فإثباتا واحدا وأقداما إقداما مستويا فهما في الشجاعة سواء وإذا ثبت أحدهما أو أقدم فوق ثبات الآخر وإقدامه كان أشجع منه وكان الآخر قد مازج ثباته أو إقدامه جبن وأما ما كان من الكيفيات لا يقبل المزاج أصلا فلا سبيل إلى وجود التفاضل فيه وكان ذلك على حسن ما خلقه الله عز و جل من كل ذلك ولا مزيد كاللون فإنه لا سبيل إلى أن يكون لون أشد دخولا في أنه لون من لون آخر إذ لو مازج التصديق غيره لصار كذبا في الوقت ولو مازج التصديق شيئا غيره لصار شكا في الوقت وبطل التصديق جملة وبالله تعالى التوفيق والإيمان قد قلنا أنه ليس هو التصديق وحده بل أشياء مع التصديق كثيرة فإنما دخل التفاضل في كثرة تلك الأشياء وقلتها وفي كيفية إيرادها وبالله تعالى التوفيق وهكذا قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه يخرج من النار من في قلبه مثقال شعيرة من إيمان ثم من في قلبه مثقال برة من إيمان ثم من في قلبه مثقال ذرة من إيمان إلى أدنى أدنى من ذلك إنما أراد عليه السلام من قصد إلى عمل شيء من الخير أو هم به ولم يعمله بعد أن يكون مصدقا بقلبه بالإسلام مقرا بلسانه كما في الحديث المذكور من قال لا إله إلا الله وفي قلبه مثقال كذا
قال أبو محمد ومن النصوص على أن الأعمال إيمان قول الله تعالى فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما فنص تعالى نصا جليا لا يحتمل تأويلا و أقسم تعالى بنفسه أنه لا يؤمن أحد إلا من حكم رسول الله صلى الله عليه و سلم فيما شجر بينه وبين غيره ثم يسلم لما حكم به عليه السلام ولا يجد في نفسه حرجا مما قضى وهذه كلها أعمال باللسان وبالجوارح غير التصديق بلا شك وفي هذه كفاية لمن عقل
قال أبو محمد ومن العجب قولهم أن الصلاة والصيام والزكاة ليست إيمانا لكنها شرائع الإيمان
قال أبو محمد هذه تسمية لم يأذن الله تعالى بها ولا رسوله صلى الله عليه و سلم ولا أحدا من

الصحابة رضي الله عنهم بل الإسلام هو الإيمان وهو الشرائع الشرائع هي الإيمان والإسلام وبالله تعالى التوفيق
قال أبو محمد واختلف الناس في الكفر والشرك فقالت طائفة هي اسمان واقعان على معنيين وإن كل شرك كفر وليس كل كفر شركا وقال هؤلاء لا شرك إلا قول من جعل لله شريكا قال هؤلاء اليهود والنصارى كفارا لا مشركون وسائر الملل كفار مشركون وهو قول أبي حنيفة وغيره وقال آخرون الكفر والشرك سواء وكل كافر فهو مشرك وكل مشرك فهو كافر وهو قول الشافعي وغيره
قال أبو محمد واحتجت الطائفة الأولى بقول الله عزو جل لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين قالوا ففرق الله تعالى بين الكفار والمشركين وقالوا لفظة الشرك مأخوذة من الشريك فمن لم يجعل لله شريكا فليس شركا
قال أبو محمد هذه عمدة حجتهم ما نعلم لهم حجة غير هاتين
قال أبو محمد أما إحتجاجهم بقول الله عز و جل لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين فلو لم يأت في هذا المعنى غير هذا المعنى غير هذه الآية لكانت حجتهم ظاهرة لكن الذي أنزل هذه الآية هو القائل أتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا وقال تعالى يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس أتخذوني وأمي إلهين من دون الله وقال تعالى عنهم أنهم قالوا أن الله ثالث ثلاثة وهذا كله تشريك ظاهر لاخفائه فإذ قد صح الشرك والتشريك في القرآن من اليهود والنصارى فقد صح أنهم مشركون وأن الشرك والكفر إسمان لمعنى واحد وقد قلنا أن التسمية لله عز و جل لا لنا فإذ ذلك كذلك فقد صح أن قوله تعالى الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين كقوله تعالى إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا ولا خلاف بين أحد من أهل الإسلام في أن المنافقين كفار وكقوله تعالى قل من كان عدو ا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكائيل فإن الله عدو للكافرين ولا خلاف في أن جبريل وميكائيل من جملة الملائكة وكقوله تعالى فيها فاكهة ونخل ورمان الرمان من الفاكهة والقرآن نزل بلغة العرب والعرب تعيد الشيء بإسمه وإن كانت قد أجملت ذكره تأكيدا لأمره فبطل تعلق من تعلق بتفريق الله تعالى بين الكفار والمشركين في اللفظ وبالله تعالى التوفيق وأما إحتجاجهم بأن لفظ الشرك مأخوذ من الشريك فقد قلنا أن التسمية لله عز و جل لا لأحد دونه وله تعالى أن يوقع أي إسم شاء على أي مسمى شاء برهان ذلك أن من أشرك بين عبيدين له في عمل ما أو بين اثنين في هبة وهبها لهما فإنه لا يطلق عليه إسم مشرك ولا يحل أن يقال أن فلانا أشرك ولا أن عمله شرك فصح أنها لفظة منقولة أيضا عن موضوعها في اللغة كما أن الكفر لفظة منقولة أيضا عن موضوعها إلى ما أوقعها الله تعالى عليه والتعجب من أهل هذه المقالة وقولهم أن النصارى ليسوا مشركين وشركهم أظهر وأشهر من أن يجهله أحد لأنهم يقولون كلهم بعبادة الأب والإبن وروح القدس وأن المسيح إله حق ثم يجعلون البراهمة مشركين وهم لا يقرون إلا بالله وحده ولقد كان يلزم أهل هذه المقالة أن لا يجعلوا كافرا إلا من جحد الله تعالى فقط فإن قال قائل كيف اتخذ اليهود والنصارى

أربابا من دون الله وهم ينكرون هذا وقلنا وبالله تعالى التوفيق أن التسميه لله عز و جل فلما كان اليهود والنصارى يحرمون ما حرم أحبارهم ورهبانهم ويحلون ما أحلوا كانت هذه ربوبية صحيحة وعبادة صحيحة قد دانوا بها وسمى الله تعالى هذا العمل اتخاذ أربابا من دون الله وعبادة وهذا هو الشرك بلا خلاف كما سمى كفرهم بأن رسول الله صلى الله عليه و سلم نبي ناسخ لما هم عليه كفر بالله عز و جل وإن كانوا مصدقين به تعالى لكن لما أحبط الله تعالى تصديقهم سقط حكمه جملة فإن قالوا كيف تقولون أن الكفار مصدقون بالله تعالى والله تعالى يقول لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى ويقول تعالى وأما من كان من المكذبين الضالين فنزل من حميم وتصلية جحيم قلنا وبالله تعالى نتأيد أن كل من خرج إلى الكفر بوجه من الوجوه فلا بد له من أن يكون مكذبا بشيء مما لا يصح الإسلام إلا به أو رد أمرا من أمرو الله عز و جل لا يصح الإسلام إلا به فهو مكذب بذلك الشيء الذي رده أو كذب به ولم يقل الله تعالى الذي كذب بالله عز و جل لكن قال كذب وتولى ولا قال تعالى وأما من كان من المكذبين بالله وإنما قال من المكذبين الضالين فقط فمن كذب بأمر من أمور الله عز و جل لا يصح الإسلام إلا به فهو مكذب على الإطلاق كما سماه الله تعالى وإن كان مصدقا بالله تعالى وبما صدق به
قال أبو محمد فإن قالوا كيف تقولون أن اليهود عارفون بالله تعالى والنصارى والله تعالى يقول قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب قلنا وبالله تعالى التوفيق قد قلنا أن التسمية إلى الله عز و جل لا لأحد دونه وقلنا أن إسم الإيمان منقول عن موضوعه في اللغة عن التصديق المجرد إلى معنى آخر زائد مع التصديق فلما لم يستوفوا تلك المعاني بطل تصديقهم جملة واستحقوا ببطلانه أن يسموا غير مؤمنين وبالله ولا باليوم الآخر فإن قيل فهل هم مصدقون بالله وباليوم الآخر قلنا نعم فإن قيل ففيهم موحدون لله تعالى قلنا نعم فإن قيل فيهم مؤمنون بالله وبالرسول وباليوم الآخر قلنا لا لأن الله تعالى نص على كل ما قلنا فأخبر تعالى أنهم يعرفونه ويقرون به ويعرفون نبيه صلى الله عليه و سلم وأنه نبي فأقررنا بذلك وأسقط تعالى عنهم إسم الإيمان فأسقطناه عنهم ومن تعدى هذه الطريقة فقد كذب ربه تعالى وخالف القرآن وعاند الرسول وخرق إجماع أهل الإسلام وكابر حسه وعقله مع ذلك وبالله تعالى التوفيق وهكذا نقول فيمن كان مسلما ثم أطلق واعتقد ما يوجب الخروج عن الإسلام كالقول بنبوة إنسان بعد النبي صلى الله عليه و سلم أو تحليل الخمر أو غير ذلك فإنه مصدق بالله عز و جل وبرسوله صلى الله عليه و سلم موحد عالم بكل ذلك وليس مؤمنا مطلقا ولا مؤمنا بالله تعالى ولا بالرسول صلى الله عليه و سلم ولا باليوم الآخر لما ذكرنا آنفا ولا فرق لإجماع الأمة كلها على إستحقاق إسم الكفر على من ذكرنا وبالله تعالى التوفيق وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما والحمد لله رب العالمين

الكلام في تسمية المؤمن بالمسلم والمسلم بالمؤمن وهل الإيمان والإسلام إسمان لمسمى واحد ومعنى واحد أو لمسميين ومعنيين
قال أبو محمد ذهب قوم إلى أن الإسلام والإيمان إسمان واقعان على معنيين وأنه قد يكون مسلم غير مؤمن واحتجوا بقول الله عز و جل قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا

ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم وبالحديث المأثور عن رسول الله صلى الله عليه و سلم إذ قال له سعد هل لك يا رسول الله في فلان فإنه مؤمن فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم أو مسلم وبالحديث المأثور عن رسول الله صلى الله عليه و سلم إذ أتاه جبريل صلى الله عليه و سلم في صورة فتى غير معروف العين فسأله عن الإسلام فأجابه بأشياء في جملتها أقام الصلاة وإيتاء الزكاة وأعمال أخر مذكورة في ذلك الحديث وسأله عن الإيمان فأجابه بأشياء من جملتها أن تؤمن بالله وملائكته وبحديث لا يصح من أن المرء يخرج عن الإيمان إلى الإسلام وذهب آخرون إلى أن الإيمان والإسلام لفظان مترادفان على معنى واحد واحتجوا بقول الله عز و جل فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين وبقوله تعالى يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين
قال أبو محمد والذي نقول به وبالله تعالى التوفيق أن الإيمان أصله في اللغة التصديق على الصفة التي ذكرنا قبل ثم أوقعه الله عز و جل في الشريعة على جميع الطاعات واجتناب المعاصي إذا قصد بكل ذلك من عمل أو ترك وجه الله عز و جل وأن الإسلام أصله في اللغة التبرؤ تقول أسلمت أمر كذا إلى فلان إذا تبرأت منه إليه فسمي المسلم مسلما لأنه تبرأ من كل شيء إلى الله عز و جل ثم نقل الله تعالى إسم الإسلام أيضا إلى جميع الطاعات وأيضا فإن التبرؤ إلى الله من كل شيء هو معنى التصديق لأنه لا يبرأ إلى الله تعالى من كل شيء حتى يصدق به فإذا أريد بالإسلام المعنى الذي هو خلاف الكفر وخلاف الفسق فهو والإيمان شيء واحد كما قال تعالى لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان وقد يكون الإسلام أيضا بمعنى الإستسلام أي أنه استسلم للملة خوف القتل وهو غير معتقد لها فإذا أريد بالإسلام هذا المعنى فهو غير الإيمان وهو الذي أراد الله تعالى بقوله لم تؤمنوا ولكن قولا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم وبهذا تتألف النصوص المذكورة من القرآن والسنن وقد قال تعالى ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة فهذا هو الإسلام الذي هو الإيمان فصح أن الإسلام لفظة مشتركة كما ذكرنا ومن البرهان على أنها لفظة منقولة عن موضعها في اللغة أن الإسلام في اللغة هو التبرؤ فأي شيء تبرأ منه المرء فقد أسلم من ذلك الشيء وهو مسلم كما أن من صدق بشيء فقد آمن به وهو مؤمن به وبيقين لا شك فيه يدري كل واحد أن كل كافر على وجه الأرض فإنه مصدق بأشياء كثيرة من أمور دنياه ومتبرىء من أشياء كثيرة ولا يختلف اثنين من أهل الإسلام في أنه لا يحل لأحد أن يطلق على الكافر من أجل ذلك أنه مؤمن ولا أنه مسلم فصح يقينا أن لفظة الإسلام والإيمان منقولة عن موضوعها في اللغة إلى معان محدودة معروفة لم تعرفها العرب قط حتى أنزل الله عز و جل بها الوحي على رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه من أتى بها استحق إسم الإيمان والإسلام وسمي مؤمنا مسلما ومن يأت بها لم يسم مؤمنا ولا مسلما وإن صدق بكل شيء غيرها أو تبرأ من كل شيء حاشى ما أوجبت الشريعة التبرأ منه وكذلك الكفر والشرك لفظتان منقولتان عن موضوعهما في اللغة لأن الكفر في اللغة التغطية والشرك أن تشرك شيئا مع آخر في أي معنى

جمع بينهما ولا خلاف بين أحد من أهل التمييز في أن كل مؤمن في الأرض في أنه يغطي أشياء كثيرة ولا خلاف بين أحد من أهل الإسلام في أنه لا يجوز أن يطلق عليه من أجل ذلك الكفر ولا الشرك ولا أن يسمى كافرا ولا مشركا وصح يقينا أن الله تعالى نقل إسم الكفر والشرك إلى إنكار أشياء لم تعرفها العرب وإلى أعمال لم تعرفها العرب قط كمن جحد الصلاة أو صوم رمضان أو غير ذلك من الشرائع التي لم تعرفها العرب قط حتى أنزل الله تعالى بها وحيه أو كمن عبد وثنا فمن أتى بشيء من تلك الأشياء سمي كافرا أو مشركا ومن لم يأت بشيء من تلك الأشياء لم يسم كافرا ولا مشركا ومن خالف هذا فقد كابر الحس وجحد العيان وخالف الله تعالى ورسوله صلى الله عليه و سلم والقرآن والسنن وإجماع المسلمين وبالله تعالى التوفيق
قال أبو محمد واختلف الناس في قول المسلم أنا مؤمن فروينا عن ابن مسعود وجماعة من أصحابه الأفاضل ومن بعده من الفقهاء أنه كره ذلك وكان يقول أنا مؤمن إن شاء الله وقال بعضهم آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله وكانوا يقولون من قال أنا مؤمن فليقل أنه من أهل الجنة
قال أبو محمد فهذا ابن مسعود وأصحابه حجج في اللغة فأين جهال المرجئة المموهون في نصر بدعتهم
قال أبو محمد والقول عندنا في هذه المسألة أن هذه صفة يعلمها المرء من نفسه فإن كان يدري أنه مصدق بالله عز و جل وبمحمد صلى الله عليه و سلم وبكل ما أتى به عليه السلام وأنه يقر بلسانه بكل ذلك فواجب عليه أن يعترف بذلك كما أمر تعالى إذ قال تعالى وأما بنعمة ربك فحدث ولا نعمة أوكد ولا أفضل ولا أولى بالشكر من نعمة الإسلام فواجب عليه أن يقول أنا مؤمن مسلم قطعا عند الله تعالى في وقتي هذا ولا فرق بين قوله أنا مؤمن مسلم وبين قوله أنا أسود أو أنا أبيض وهكذا سائر صفاته التي لا يشك فيها وليس هذا من باب الإمتداح والعجب في شيء لأنه فرض عليه أن يحقن دمه بشهادة التوحيد قال تعالى وقولوا آمنا بالله وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون وقول ابن مسعود عندنا صحيح لأن الإسلام والإيمان إسمان منقولان عن موضوعهما في اللغة إلى جميع البر والطاعات فإنما منع ابن مسعود من القول بأنه مسلم مؤمن على معنى أنه مستوف لجميع الطاعات وهذا صحيح ومن أدعى لنفسه هذا فقد كذب بلا شك وما منع رضي الله عنه من أن يقول المرء إني مؤمن بمعنى مصدق كيف وهو يقول قل آمنت بالله ورسله أي صدقت وأما من قال فقل أنك في الجنة فالجواب أننا نقول إن متنا على ما نحن عليه الآن فلا بد لنا من الجنة بلا شك وبرهان ذلك أنه قد صح من نصوص القرآن والسنن والإجماع أن من آمن بالله ورسوله صلى الله عليه و سلم وبكل ما جاء به أو لم يأت بما هو كفر فإنه في الجنة إلا أننا لا ندري ما يفعل بنا في الدنيا ولا نأمن مكر الله تعالى ولا إضلاله ولا كيد الشيطان ولا ندري ماذا نكسب غدا ونعوذ بالله من الخذلان
قال أبو محمد أختلف الناس في تسمية المذنب من أهل ملتنا فقالت المرجئة هو مؤمن كامل الإيمان وإن لم يعمل خيرا قط ولا كف عن شر قط وقال بكر بن أخت

عبد الواحد بن زيد هو كافر مشرك كعابد الوثن بأي ذنب كان منه صغيرا أو كبيرا ولو فعله على سبيل المزاح وقالت الصغرية إن كان الذنب من الكبائر فهو مشرك كعابد الوثن وإن كان الذنب صغيرا فليس كافرا وقالت الأباضية إن كان الذنب من الكبائر فهو كافر نعمة تحل موارثته ومناكحته وأكل ذبيحته وليس مؤمنا ولا كافرا على الإطلاق وروى عن الحسن البصري وقتادة رضي الله عنهما أن صاحب الكبير منافق وقالت المعتزلة إن كان الذنب من الكبائر فهو فاسق ليس مؤمنا ولا كافرا ولا منافقا وأجازوا مناكحته وموارثته وأكل ذبيحته قالوا وإن كان من الصغائر فهو مؤمن لا شيء عليه فيها وهب أهل السنة من أصحاب الحديث والفقهاء إلى أنه مؤمن فاسق ناقص الإيمان وقالوا الإيمان إسم معتقده وإقراره وعلمه الصالح والفسق إسم عمله السيء إلا أن بين السلف منهم والخلف اختلافا في تارك الصلاة عمدا حتى يخرج وقتها وتارك الصوم لو مضى كذلك وتارك الزكاة وتارك الحج كذلك وفي قاتل المسلم عمدا وفي شارب الخمر وفيمن سب نبيا من الأنبياء عليهم السلام وفيمن رد حديثا قد صح عنده عن النبي ص - فروينا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومعاذ بن جبل وابن مسعود وجماعة من الصحابة رضي الله عنهم وعن ابن المبارك وأحمد بن حنبل واسحاق ابن راهويه رحمة الله عليهم وعن تمام سبعة عشر رجلا من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم أن من ترك صلاة فرض عامدا ذاكرا حتى يخرج وقتها فإنه كافر مرتد وبهذا يقول عبد الله بن الماجشون صاحب مالك وبه يقول عبد الملك بن حبيب الأندلسي وغيره وروينا عن عمر رضي الله عنه مثل ذلك في تارك الحج وعن ابن عباس وغير مثل ذلك في تارك الزكاة والصيام وفي قاتل المسلم عمدا وعن أبي موسى الأشعري وعبد الله بن عمرو بن العاص في شارب الخمر وعن إسحق بن راهويه أن من رد صحيحا عنده عن النبي صلى الله عليه و سلم فقد كفر
قال أبو محمد واحتج من كفر من المذنبين بقول الله عز و جل ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون وبقوله تعالى فأنذرتكم نارا تلظى لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى فصح أن من لم يكذب ولا تولى ألا يصلاها قالوا ووجدنا هؤلاء كلهم لم يكذبوا ولا تولوا بل هم مصدقون معترفون بالإيمان فصح أنهم لا يصلونها وأن المراد بالوعيد المذكور في الآيات المنصوصة إنما هو فعل تلك الأفاعيل من الكفار خاصة
قال أبو محمد واحتج أيضا من كفر من ذكرنا بأحاديث كثيرة منها سباب المسلم فسوق وقتاله كفر ولا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ولا ينهب نهبة ذات شر حين ينهبها وهو مؤمن وترك الصلاة شرك وإن كفرا بكم أن ترغبوا عن آبائكم ومثل هذا كثير
قال أبو محمد وما نعلم لمن قال وهو منافق حجة أصلا ولا لمن قال أنه كافر نعمة إلا أنهم نزعوا بقول الله عز و جل ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار جهنم يصلونها وبئس القرار

قال أبو محمد وهذا لا حجة لهم فيه لأن كفر النعمة عمل يقع من المؤمن والكافر وليس هو ملة ولا إسم دين فمن ادعى إسم دين وملة غير الإيمان المطلق والكفر المطلق فقد أتى بما لا دليل عليه وأما من قال هو فاسق لا مؤمن ولا كافر فما لهم حجة أصلا إلا أنهم قالوا قد صح الإجماع على أنه فاسق لأن الخوارج قالوا هو كافر فاسق وقال غيرهم هو مؤمن فاسق فاتفقوا على الفسق فوجب القول بذلك ولم يتفقوا على إيمانه ولا على كفره فلم يجز القول بذلك
قال أبو محمد وهذا خلاف لإجماع من ذكر لأنه ليس منهم أحد جعل الفسق اسم دينه وإنما سموا بذلك عمله والإجماع والنصوص قد صح كل ذلك على أنه لا دين إلا الإسلام أو الكفر من خرج من أحدهما دخل في الآخر ولا بد إذ ليس بينهما وسيطة وكذلك قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم وهذا حديث قد أطبق جميع الفرق المنتمية إلى الإسلام على صحته وعلى القول به فلم يجعل عليه السلام دينا غير الكفر والإسلام ولم يجعل هاهنا دينا ثالثا أصلا
قال أبو محمد واحتجت المعتزلة أيضا بأن قالت الله تعالى أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون
قال أبو محمد وهذا لا حجة لهم فيه لأن الله تعالى قال أفنجعل المسلمين كالمجرمين ما لكم كيف تحكمون فصح أن هؤلاء الذين سماهم الله تعالى مجرمين وفساقا وأخرجهم عن المؤمنين نصا فإنهم ليسوا على دين الإسلام وإذا لم يكونوا على دين الإسلام فهم كفار بلا شك إذ لا دين ها هنا غيرهما أصلا برهان هذا قوله تعالى فأنذرتكم نارا تلظى لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى وقد علمنا ضرورة أنه لا دار إلا الجنة أو النار وأن الجنة لا يدخلها إلا المؤمنون المسلمون فقط ونص الله تعالى على أن النار لا يدخلها إلا المكذب المتولي والمتولي المكذب كافر بلا خلاف فلا يخلد في النار إلا كافر ولا يدخل الجنة إلا مؤمن فصح أنه لا دين إلا الإيمان والكفر فقط وإذ ذلك كذلك فهؤلاء الذين سماهم الله عز و جل مجرمين وفاسقين وأخرجهم عن المؤمنين فهم كفار مشركون لا يجوز غير ذلك وقال المؤمن محمود محسن ولي الله عز و جل والمذنب مذموم مسيء عدو لله قالوا ومن المحال أن يكون إنسان واحد محمودا مذموما محسنا مسيئا عدوا لله وليا له معا
قال أبو محمد وهذا الذي أنكروه لا نكرة فيه بل هو أمر موجود مشاهد فمن أحسن من وجه وأساء من وجه آخر كمن صلى ثم زنى فهو محسن محمود ولي الله فيما أحسن فيه من صلاة وهو مسيء مذموم عدو لله فيما أساء فيه من الزنا قال عز و جل وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا فبالضرورة ندري أن العمل الذي شهد الله عز و جل أنه سيء فإن عامله فيه مذموم مسيء عاص لله تعالى ثم يقال لهم ما تقولون إن عارضتكم المرجئة بكلامكم نفسه فقالوا من المحال أن يكون إنسان واحد محمودا مذموما محسنا مسيئا عدو لله وليا له معا ثم أرادوا تغليب الحمد والإحسان والولاية وإسقاط الذم والإساءة والعداوة كما أردتم أنتم بهذه القضية نفسها تغليب الذم والإساءة والعداوة وإسقاط الحمد والإحسان والولاية بما ينفصلون عنهم فإن قالت المعتزلة أن الشرط في حمده وإحسانه وولايته أن تجتنب الكبائر قلنا لهم فإن عارضتكم المرجئة فقالت أن الشرط في ذمه وإساءته ولعنه وعداوته ترك شهادة التوحيد فإن قالت المعتزلة

إن الله قد ذم المعاصي وتوعد عليها قيل لهم فإن المرجئة تقول لكم أن الله تعالى قد حمد الحسنات ووعد عليها وأراد بذلك تغليب الحمد كما أردتم تغليب الذم فإن ذكرتم آيات الوعيد ذكروا آيات الرحمة
قال أبو محمد وهذا ما لا مخلص للمعتزلة منه ولا للمرجئة أيضا فوضح بهذا أن كلا الطائفتين مخطئة وأن الحق هو جمع كل ما تعلقت به كلتا الطائفتين من النصوص التي في القرآن والسنن ويكفي من هذا كله قول الله عز و جل إني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى وقوله تعالى اليوم تجزى كل نفس بما كسبت وقوله تعالى فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره وقال تعالى من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وقال تعالى ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين فصح بهذا كله أنه لا يخرجه عن إسم الإيمان إلا الكفر ولا يخرجه عن إسم الكفر إلا الإيمان وأن الأعمال حسنها حسن إيمان وقبيحها قبيح ليس إيمانا والموازنة تقضي على كل ذلك ولا يحبط الأعمال إلا الشرك قال تعالى لئن أشركت ليحبطن عملك إذا أقررتم أن أعمال البر كلها إيمانا وأن المعاصي ليست إيمانا فهو عندكم مؤمن غير مؤمن قلنا نعم ولا نكرة في ذلك وهو مؤمن بالعمل الصالح غير مؤمن بالعمل السيء كما نقول محسن بما أحسن فيه مسيء غير محسن معا بما أساء فيه وليس وليس الإيمان عندنا التصديق وحده فيلزمنا التناقض وهذا هو معنى قول النبي صلى الله عليه و سلم لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن أي ليس مطيعا في زناه ذلك وهو مؤمن بسائر حسناته واحتجوا بقول الله تعالى وكذلك حقت كلمة ربك على الذين فسقوا أنهم لا يؤمنون ففرق تعالى بين الفسق والإيمان
قال أبو محمد نعم وقد أوضحنا أن الإيمان هو كل عمل صالح فبيقين ندري أن الفسق ليس إيمانا فمن فسق فلم يؤمن بذلك العمل الذي هو الفسق ولم يقل عز و جل أنه لا يؤمن في شيء من سائر أعماله وقد قال تعالى إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم قدشهد الله تعالى لهم بالايمان فاذا وقع منهم فسق ليس إيمانا فمن المحال أن يبطل فسقه إيمانه في سائر أعماله وأن يبطل إيمانه في سائر الأعمال فسقه بل شهادة الله تعالى له بالإيمان في جهاده حق وبأنه لم يؤمن في فسقه حق أيضا فإن الله عز و جل قال ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون المعتزلة أن يصرحوا بكفر كل عاص وظالم وفاسق لأن كل عامل بالمعصية فلم يحكم بما أنزل الله
قال أبو محمد وأما نحن فنقول أن كل من كفر فهو فاسق ظالم عاص وليس كل فاسق ظالم عاص كافرا بل يكون مؤمنا وبالله تعالى الوفيق وقد قال تعالى وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم فبعض الظلم مغفور بنص القرآن
قال أبو محمد وقالوا قد وجب لعن الفساق والظالمين وقال تعالى ألا لعنة الله على الظالمين والمؤمن يجب ولايته والدعاء له بالرحمة وقد لعن رسول الله صلى الله عليه و سلم السارق ومن

لعن أباه ومن غير منار الأرض فيلزمكم أن تدعوا على المرء الواحد باللعنة والمغفرة معا
قال أبو محمد فنقول أن المؤمن الفاسق يتولى دينه وملته وعقده واقراره ويتبرأ من عمله الذي هو الفسق والبلاء والولاية ليست من عين الإنسان مجردة فقط وإنما هي له أو منه بعمله الصالح أو الفاسد فإذ ذلك كذلك فبيقين ندري أن المحسن في بعض أفعاله من المؤمنين نتولاه من أجل ما أحسن فيه ونبرأ من عمله السيء فقط وأما الله تعالى فإنه يتولى عمله الصالح عنده ويعادي علمه الفاسد وأما الدعاء باللعنة والرحمة معا فلسنا ننكره بل هو معنى صحيح وما جاء عن الله تعالى قط ولا عن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى أن يلعن العاصي على معصيته ويترحم عليه لإحسانه ولو أن أمرأ زنى أو سرق وحال الحول على ماله وجاهد لوجب أن يحد للزنا والسرقة ولو لعن لأحسن لا عنه ويعطي نصيبه من المغنم ونقبض زكاة ماله ونصلي عليه عند ذلك لقول الله خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم وبيقين ندري أنه قد كان في أولئك الذين كان عليه السلام يقبض صدقاتهم ويصلي عليهم مذنبون عصاة لا يمكن البتة أن يخلو جميع جزيرة العرب من عاص وكذلك كل من مات في عصره عليه السلام وصلى عليه هو عليه السلام والمسلمون معه وبعده فبيقين ندري أنه قد كان فيهم مذنب بلا شك وإذا صلى عليه ودعا له بالرحمة وإن ذكر عمله القبيح ولعن وذم
قال أبو محمد ونعكس عليهم هذا السؤال نفسه في أصحاب الصغائر الذين يوقع عليهم المعتزلة اسم الإيمان فهذه السؤالات كلها لازمة لهم إذ الصغائر ذنوب ومعاص بلا شك إلا أننا لا نوقع عليها اسم فسق ولا ظلم إذا انفردت عن الكبائر لأن الله تعالى ضمن غفرانها لمن اجتنب الكبائر ومن غفر له ذنبه فمن المحال أن يوقع عليه اسم فاسق أو اسم ظالم لأن هذين اسمان يسقطان قبول الشهادة مجتنب الكبائر وأن تستر بالصغاير فشهادته مقبولة لأنه لا ذنب له وبالله تعالى التوفيق
قال أبو محمد ولنا على المعتزلة إلزامات أيضا تعمهم والخوارج المكفرة ننبه عليها عند نقضنا أقوال المكفرة إن شاء الله تعالى وبه نتأيد
قال أبو محمد ويقال لمن قال أن صاحب الكبيرة كافر قال الله عز و جل يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفى له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم فابتدأ الله عز و جل بخطاب أهل الإيمان من كان فيهم من قاتل أو مقتول ونص تعالى على أن القاتل عمدا وولي المقتول إخوان وقد قال تعالى إنما المؤمنون أخوة فصح أن القاتل عمدا مؤمن بنص القرآن وحكمه له بأخوة الإيمان ولا يكون للكافر مع المؤمن بتلك الأخوة وقال تعالى وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت أحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين إنما المؤمنون أخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله فهذه الآية رافعة للشك جملة في قوله تعالى أن الطائفة الباغية على الطائفة الأخرى من المؤمنين المأمور سائر المؤمنين بقتالها حتى تفيء إلى أمر الله تعالى أخوة للمؤمنين المقاتلين

وهذا أمر لا يضل عنه إلا ضال وهاتان الآيتان حجة قاطعة أيضا على المعتزلة أيضا المسقطة اسم الإيمان عن القاتل وعلى كل من أسقط عن صاحب الكبائر اسم الإيمان وليس لأحد أن يقول أنه تعالى إنما جعلهم أخواننا إذا تابوا لأن نص الآية أنهم إخوان في حال البغي وقبل الفئة إلى الحق
قال أبو محمد وقال بعضهم أن هذا الإقتتال إنما هو التضارب
قال أبو محمد وهذا خطأ فاحش لوجهين أحدهما أنه دعوى بلا برهان وتخصيص الآية بلا دليل وما كان هكذا فهو باطل بلا شك والثاني أن ضرب المسلم للمسلم ظلما وبغيا فسق ومعصية ووجه ثالث وهو أن الله تعالى لو لم يرد القتال المعهود لما أمرنا بقتال من لا يزيد على الملاطمة وقد عم تعالى فيها بإسم البغي بكل بغي فهو داخل تحت هذا الحكم
قال أبو محمد وقد ذكروا قول الله عز و جل وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ
قال أبو محمد فهذه الآية بظاهرها دون تأويل حجة لنا عليهم لأنه ليس فيها أن القاتل العامد ليس مؤمنا وإنما فيها نهي المؤمن عن قتل المؤمن عمدا فقط لأنه تعالى قال وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا وهكذا نقول ليس للمؤمن من قتل المؤمن عمدا ثم قال تعالى إلا خطأ فاستثنى عز و جل الخطأ في القتل من جملة ما حرم من قتل المؤمن للمؤمن لأنه لا يجوز النهي عما لا يمكن الإنتهاء عنه ولا يقدر عليه لأن الله تعالى أمننا من أن يكلفنا ما لا طاقة لنا به وكل فعل خطأ فلم ننه عنه بل قال تعالى ليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم فبطل تعلقهم بهذه الآية وكذلك قول رسول الله صلى الله عليه و سلم لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض فهو أيضا على ظاهره وإنما في هذا اللفظ النهي عن أن يرتدوا بعده إلى الكفر فيقتتلوا في ذلك فقط وليس في هذا اللفظ أن القاتل كافر ولا فيه أيضا النهي عن القتل المجرد أصلا وإنما نهى عنه في نصوص أخر من القرآن والسنن كما ليس في هذا اللفظ أيضا نهي عن الزنا ولا عن السرقة وليس في كل حديث حكم كل شريعة فبطل تعلقهم بهذا الخبر وكذلك قوله عليه السلام سباب المؤمن فسوق وقتاله كفر فهو أيضا على عمومه لأن قوله عليه السلام المسلم هاهنا عموم للجنس ولا خلاف في أن من نابذ جميع المسلمين وقاتلهم لإسلامهم فهو كافر برهان هذا هو ما ذكرنا من قبل من نص القرآن في أن القاتل عمدا والمقاتل مؤمنان وكلامه عليه السلام لا يتعارض ولا يختلف وكذلك قوله عليه السلام لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر لكم أن ترغبوا عن آبائكم فإنه عليه السلام لم يقل كفر منكم ولم يقل أنه كفر بالله تعالى نعم ونحن نقر أن من رغب عن أبيه فقد كفر بأبيه وجحده ويقال لمن قال أن صاحب الكبير ليس مؤمنا ولكنه كافر أو فاسق ألم يقل الله عز و جل ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم وقال تعالى فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم لهم ولا هم يحلون لهن وقال تعالى ولا تمسكوا بعصم الكوافر وقال تعالى اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين

وفي سورة النساء محصنات غير مصافحات فهذه آيات في غاية البيان في أنه ليس في الأرض إلا مؤمن أو كافر أو مؤمنة أو كافرة ولا يوجد دين ثالث وأن المؤمنة حلال نكاحها للمؤمن وحرام نكاحها على الكافر وأن الكتابية حلال للمؤمن بالزواج وللكافر فخبرونا أذا زنت المرأة وهي غير محصنة أو وهي محصنة أو إذا سرقت أو شربت الخمر أو قذفت أو أكلت مال يتيم أو تعمدت ترك الغسل حتى خروج وقت الصلاة وهي عالمة بذلك أو لم تخرج زكاة مالها فكانت عندكم بذلك كافرة أو بريئة من الإسلام خارجة عن الإيمان وخارجة من جملة المؤمنين أيحل للمؤمن الفاضل ابتداء نكاحها والبقاء معها على الزوجية إن كان قد تزوجها قبل ذلك أو يحرم على أبيها الفاضل أو أخيها البر أن يكونا لها وليين في تزويجها وأخبرونا إذا زنى الرجل او سرق أو قذف أو أكل مال يتيم أو فر من الزحف أو سحر أو ترك صلاة عمدا حتى خرج وقتها أو لم يخرج زكاة ماله فصار بذلك عندكم كافرا أو بريئا من الإسلام وخرج عن الإيمان وعن جملة المؤمنين أيحرم عليه ابتداء نكاح امرأة مؤمنة أو وطؤها بملك اليمين أو تحرم عليه امرأته المؤمنة التي في عصمته فينفسخ نكاحها منه أو يحرم عليه أن يكون وليا لإبنته المؤمنة أو أخته المؤمنة في تزويجها وهل يحرم على التي ذكرنا والرجل الذي ذكرنا ميراث وليهما المؤمن أو يحرم على وليهما المؤمن ميراثهما أو يحرم أكل ذبيحته لأنه قد فارق الإسلام في زعمكم وخرج عن جملة المؤمنين فإنهم كلهم لا يقولون بشيء من هذا فمن الخلاف المجرد منهم لله تعالى أن يحرم الله تعالى المؤمنة على من ليس بمؤمن فيحلونها هم ويحرم الله تعالى التي ليست مؤمنة على المؤمن إلا أن تكون كتابية فيحلونها هم ويقطع الله تعالى الولاية بين المؤمن ومن ليس مؤمنا فيبقونها في الإنكاح ويحرم تعالى ذبائح من ليس مؤمنا إلا أن يكون كتابيا فيحلونها هم ويقطع عز و جل الموارثة بين المؤمن ومن ليس مؤمنا فيثبتونها هم ومن خالف القرآن وثبت على ذلك بعد قيام الحجة عليه فنحن نبرأ إلى الله تعالى منه
قال أبو محمد وأكثر هذه الأمور التي ذكرنا فإنه لا خلاف بين أحد من أهل الإسلام فيها ولا بين فرقة من الفرق المنتمية إلى الإسلام وفي بعضها خلاف نشير إليه لئلا يظن ظان أننا أغفلناه فمن ذلك الخلاف في الزاني والزانية فإن علي بن أبي طالب رضي الله عنه يفسخ النكاح قبل الدخول بوقوعه من أحدهما والحسن البصري وغيره من السلف لا يجيزون للزاني ابتداء نكاح مع مسلمة البتة ولا للزانية أيضا إلا أن يتوبا وبهذا نقول نحن ليس لأنهما ليسا مسلمين بل هما مسلمان ولكنها شريعة من الله تعالى واردة في القرآن في ذلك كما يحرم على المحرم النكاح ما دام محرما وبالله تعالى التوفيق وذلك قوله تعالى الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين
قال أبو محمد وفي هذه الآية أيضا نص جلي على أن الزاني والزانية ليسا مشركين لأن الله تعالى فرق بينهما فرقا لا يحتمل البتة أن يكون على سبيل التأكيد بل على أنهما صفتان مختلفتان وإذا لم مشركين فهما ضرورة مسلمان لما قد بينا قبل من أن كل كافر فهو مشرك وكل مشرك فهو كافر وكل من لم يكن كافرا مشركا فهو مؤمن إذ لا سبيل إلى دين ثالث وبالله تعالى التوفيق ومن الخلاف في بعض ما ذكرنا قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه وإبراهيم النخعي أن المسلم إذا ارتد والمسلمة إذا لم يسلم زوجها فهي امرأته كما كانت إلا أنه لا يطؤها وروي عن عمر أيضا أنها تخير في البقاء معه أو فراقه وكل هذا لا حجة فيه ولا حجة إلا في نص القرآن أو سنة واردة عن رسول الله

صلى الله عليه و سلم
قال أبو محمد وأيضا فإن الله عز و جل قد أمر بقتل المشركين جملة ولم يستثن منهم أحدا إلا كتابيا يغرم الجزية مع الصغار أو رسولا حتى يؤدي رسالته ويرجع لي ماء منه مستجيرا ليسمع كلام الله تعالى ثم يبلغ إلى مأمنه وأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بقتل من بدل دينه فنسأل كل من قال بأن صاحب الكبيرة قد خرج من الإيمان وبطل إسلامه وصار في دين آخر أما الكفر وأما الفسق إذا كان الزاني والقاتل السارق والشارب للخمر والقاذف والفار من الزحف وآكل مال اليتيم قد خرج عن الإسلام وترك دينه أيقتلونه كما آمر رسول الله صلى الله عليه و سلم أم لا يقتلونه ويخالفون الله تعالى ورسوله صلى الله عليه و سلم ومن قولهم كلهم خوارجهم ومعتزليهم أنهم لا يقتلونه وأما في بعض ذلك حدود معروفة من قطع يدا وجلد مائة أو ثمانين وفي بعض ذلك أدب فقط وأنه لا يحل الدم بشيء من ذلك وهذا انقطاع ظاهر وبطلان لقولهم لا خفاء به
قال أبو محمد وبعض شاذة الخوارج جسر فقال تقام الحدود عليهم ثم يستتابون فيقتلون
قال أبو محمد وهذا خلاف الإجماع المتيقن وخلاف للقرآن مجرد لأن الله تعالى يقول والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا فقد حرم الله تعالى قتلهم وافترض استبقاءهم مع إصرارهم ولم يجعل فيهم إلا رد شهادتهم فقط ولو جاز قتلهم فكيف كانوا يؤدون شهادة لا تقبل بعد قتلهم
قال أبو محمد وقال الله عز و جل لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها
قال أبو محمد لا خلاف بيننا وبينهم ولا بين أحد من الأمة في أن من كفر بالطاغوت وآمن بالله واستمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها فإنه مؤمن مسلم فلو كان الفاسق غير مؤمن لكان كافرا ولا بد ولو كان كافرا لكان مرتدا يجب قتله وبالله تعالى التوفيق قال الله عز و جل ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر أولئك حبطت اعمالهم وقال تعالى إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين فوجب يقينا بأمر الله عز و جل أن لا يترك يعمر مساجد الله بالصلاة فيها إلا المؤمنون وكلهم متفق معنا على أن الفاسق صاحب الكبائر مدعو ملزم عمارة المساجد بالصلاة مجبر على ذلك وفي إجماع الأمة كلها على ذلك وعلى تركهم يصلون معنا وإلزامهم أداء الزكاة وأخذها منهم والزامهم صيام رمضان وحج البيت برهان واضح لا إشكال فيه على أنه لم يخرج عن دين المؤمنين وأنه مسلم مؤمن وقال عز و جل يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدى إلى قوله تعال اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فخاطب تعالى المؤمنين بأياس الكافرين عن دينهم ولا سبيل إلى قسم ثالث وقال تعالى ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه فصح أن لا دين إلا دين الإسلام وما عداه شيء غير مقبول وصاحبه يوم القيامة خاسر وبالله تعالى التوفيق وقال عز و جل المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض وقال تعالى والذين كفروا بعضهم أولياء بعض وقال تعالى ومن يتولهم منكم فإنه منهم وقال تعالى هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن والله بما تعملون بصير فصح يقينا أنه ليس في الناس ولا في الجن إلا مؤمن أو كافر

فمن خرج عن أحدهما دخل في الآخرة فنسألهم عن رجل من المسلمين فسق وجاهر بالكبائر وله أختان إحداهما نصرانية والثانية مسلمة فاضلة لأيتهما يكون هذا الفاسق وليا في النكاح ووارثا وعن امرأة سرقت وزنت ولها ابنا عم أحدهما يهودي والآخر مسلم فاضل أيهما يحل له نكاحها وهذا ما لا خلاف فيه ولا خفاء به فصح أن صاحب الكبائر مؤمن وقال الله تعالى إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا وقال تعالى إنما يتقبل الله من المتقين فأخبرونا أتأمرون الزاني والسارق والقاذف والقاتل بالصلاة وتؤدبونه إن لم يصل أم لا فمن قولهم نعم ولو قالوا لخالفوا الإجماع المتيقن فنقول لهم أفتأمرونه بما هو عليه أم بما ليس عليه وبما يمكن أن يقبله الله تعالى أم بما يوقن أنه لا يقبله فإن قالوا نأمره ليس عليه بما ظهر تناقضهم إذ لا يجوز أن يلزم أحد ما لا يلزمه وإن قالوا بل بما عليه قطعوا بأنه مؤمن لأن الله تعالى أخبر أن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا وإن قالوا نأمره بما لا يمكن آن يقبل منه أحالوا إذ من المحال أن يؤمر أحد بعمل هو على يقين من أنه لا يقبل منه وإن قالوا بل نأمره بما نرجو أن يقبل منه قلنا صدقتم وقد صح بهذا أن الفاسق من المتقين فيما عمل من عمل صالح فقط ومن الفاسقين فيما عمل من المعاصي ونسألهم أيأمرون صاحب الكبيرة بتمتيع المطلقة أن طلقها أم لا فإن قالوا نأمره بذلك لزمهم أنه من المحسنين المتقين لأن الله تعالى يقول في المتعة حقا على المحسنين وحقا على المتقين فصح أن الفاسق محسن فيما عمل من صالح ومسيء فيما عمل من سيئ فإن قالوا أن الصلاة عليه كما هي عندكم على الكفار أجمعين قلنا لا سواء لأنها وإن كان الكافر وغير المتوضئ والجنب مأمورين بالصلاة معذبين على تركها فإنا لا نتركهم يقيمونها أصلا بل نمنعهم منها حتى يسلم الكافر ويتوضأ المحدث ويغتسل الجنب ويتوضأ أو يتيمم وليس كذلك الفاسق بل تجبره على إقامتها
قال أبو محمد وهذا لا خلاف فيه من أحد إلا أن الجبائي المعتزلي ومحمد بن الطيب الباقلاني ذهبا من بين جميع الأمة إلى أن من كانت له ذنوب فإنه لا تقبل له توبة من شيء منها حتى يتوب من الجميع واتبعهما على ذلك قوم وقد ناظرنا بعضهم في ذلك ولزمناهم أن يوجبوا على كل من أذنب ذنبا واحدا أن يترك الصلاة الفرض والزكاة وصوم رمضان والجمعة والحج والجهاد لأن إقامة كل ذلك توبة إلى الله من تركها فإذا كانت توبته لا تقبل من شيء حتى يتوب من كل ذنب له فإنه لا يقبل له توبة من ترك صلاة ولا من ترك صوم ولا من ترك زكاة حتى يتوب من كل ذنب له وهذا خلاف لجميع الأمة إن قالوه آو تناقض إن لم يقولوه مع أنه قول لا دليل لهم على تصحيحه أصلا وما كان هذا فهو باطل قال الله تعالى قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين وقال تعالى واشهدوا ذوي عدل منكم وقال تعالى وصالح لمؤمنين فصح يقينا بهذا اللفظ أن فينا غير عدل وغير صالح وهما منا ونحن مؤمنون فهو مؤمن بلا شك وقال تعالى فإن تابوا يعني من الشرك وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين وهذا نص جلي على أن من صلى من أهل شهادة الإسلام وزكى فهو أخونا في الدين ولم يقل تعالى ما لم يأت بكبيرة فصح أنه منا وإن أتى بالكبائر
قال أبو محمد فإن ذكروا قول الله تعالى مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء وقوله تعالى ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم ما هم منكم ولا منهم وراموا بذلك إثبات أنه لا مؤمن ولا كافر فهذا لا حجة لهم فيه لأن الله تعالى إنما وصف بذلك المنافقين المبطنين للكفر المظهرين

للإسلام فهم لا مع الكفار ولا منهم ولا إليهم لأن هؤلاء يظهرون الإسلام وأولئك لا يظهرونه ولا هم مع المسلمين ولا منهم ولا إليهم لأبطانهم الكفر وليس في هاتين الآيتين انهم ليسوا كفارا وقد قال عز و جل ومن يتولهم منكم فإنه منهم فصح يقينا أنهم كفار لا مؤمنون أصلا وبالله تعالى التوفيق ويقال لمن قال أن صاحب الكبيرة منافق ما معنى هذه الكلمة فجوابهم الذي لا جواب لأحد في هذه المسألة غيره هو أن المنافق من كان النفاق صفته ومعنى النفاق في الشريعة هو إظهار الإيمان وإبطان الكفر فيقال له وبالله تعالى التوفيق لا يعلم ما في النفس إلا الله تعالى ثم تلك النفس التي ذلك الشيء فيها فقط ولا يجوز أن نقطع على اعتقاد أحد الكفر إلا بإقراره بلسانه بالكفر وبوحي من عند الله تعالى ومن تعاطى علم ما في النفوس فقد تعاطى علم الغيب وهذا خطأ متيقن يعلم بالضرورة وحسبك من القول سقوطا أن يؤدي إلى المحال المتيقن وقد قيل لرسول الله صلى الله عليه و سلم رب مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه فقال عليه السلام إني لم أبعث لأشق عن قلوب الناس وقد ذكر الله تعالى المنافقين فقال لرسول الله صلى الله عليه و سلم وممن حولكم من الأعراب منافقون لا تعلمهم نحن نعلمهم فإذا كان رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يعرف المنافقين وهم معه وهو يراهم ويشاهد أفعالهم فمن بعده أحرى أن لا يعلمهم ولقد كان الزناة على عهده صلى الله عليه و سلم والسرقة وشراب الخمر ومضيعوا فرض الصلاة في الجماعة والقاتلون عمدا والقذفة فما سمي عليه السلام قط أحدا منهم منافقين بل أقام الحدود في ذلك وتوعد بحرق المنازل وأمر لديه والعفو وأبقاهم في جملة المؤمنين وأبقى عليهم حكم الإيمان واسعة وقد قلنا أن التسمية في الشريعة لله عز و جل لا لأحد دونه ولم يأت قط عن الله عز و جل تسمية صاحب الكبيرة منافقا فإن قالوا قد صح عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال وقد ذكر خصالا من كن فيه كان منافقا خالصا وإن صام وصلى وقال أني مسلم وذكر عليه السلام تلك الخصال فمنها إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر وذكر عليه السلام أن من كانت به خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها قلنا له وبالله تعالى التوفيق صدق رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد أخبرناك أن المنافق هو من أظهر شيئا وأبطن خلافه مأخوذ في أصل اللغة من نافقاء اليربوع وهو باب في جانب جحره مفتوح قد غطاه بشيء من تراب وهذه الخلال كلها التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه و سلم كلها باطن صاحبها بخلاف ما يظهر فهو منافق هذا النوع من النفاق وليس هو النفاق الذي يظن صاحبه الكفر بالله برهان ذلك ما ذكرناه آنفا من إجماع الأمة على أخذ زكاة مال كل من وصف رسول الله صلى الله عليه و سلم بالنفاق وعلى إنكاحه ونكاحها أن كانت امرأة وموارثته وأكل ذبيحته وتركه يصلي مع المسلمين وعلى تحريم دمه وماله ولو تيقنا أنه يبطن الكفر لوجب قتله وحرم إنكاحه ونكاحها وموارثته وأكل ذبيحته ولم نتركه يصلي مع المسلمين ولكن تسمية النبي صلى الله عليه و سلم من ذكر منافقا كتسمية الله عز و جل الذراع كفارا إذ يقول تعالى كمثل غيث أعجب الكفار نباته لأن أصل الكفر في اللغة التغطية فمن ستر شيئا فهو كافر وأصل النفاق في اللغة سترشيء وإظهار خلافه فمن ستر شيئا وأظهر خلافه فهو منافق فيه وليس هذان من الكفر الديني ولا من النفاق الشرعي في شيء وبهذا تتألف الآيات والاحاديث كلها وبالله تعالى التوفيق ثم نقول لمن قال بهذا القول هل أتيت بكبيرة قط فإن قال لا قيل له هذا القول كبيرة

لأنه تزكية وقد نهى الله عز و جل عن ذلك فقال تعالى فلا تزكوا أنفسكم وقد علمنا أنه لا يعرى أحد من ذنب إلا الملائكة والنبيين صلى الله عليهم وسلم وأما من دونهم فغير معصوم بل قد اختلف الناس في عصمة الملائكة والنبيين عليهم الصلاة والسلام وإن كنا قاطعين على خطأ من جوز على أحد من الملائكة ذنبا صغيرا أو كبيرا بعمد أو خطأ من جوز على أحد من النبيين ذنبا بعمد صغيرا أو كبيرا لكنا أعلمنا انه لم يتفق على ذلك قط وإن قال بلى قد كان لي كبيرة قيل له هل كنت في حال مواقفك الكبيرة شاكا في الله عز و جل أو في رسوله صلى الله عليه و سلم أو كافرا بهما أم كنت موقنا بالله تعالى وبالرسول صلى الله عليه و سلم وبما أتى به موقنا بأنك مسيء مخطئ في ذنبك فإن قال كنت كافرا أو شاكا فهو أعلم بنفسه ويلزمه أن يفارق امرأته وأمته المسلمتين ولا يرث من مات له من المسلمين ثم بعد ذلك لا يجوز له أن يقطع على غيره من المذنبين بمثل اعتقاده في الجحد ونحن نعلم بالضرورة كذب دعواه وندري أننا في حين ما كان منا ذنب مؤمنون بالله تعالى وبرسوله صلى الله عليه و سلم وأن قال بل كنت مؤمنا بالله تعالى وبرسوله صلى الله عليه و سلم في حال ذنبي قيل له هذا إبطال منك للقول بالنفاق والقطع به على المذنبين
قال أبو محمد ففي إجماع الأمة كلها دون مختلف من أحد منهم على أن صاحب الكبيرة مأمور بالصلاة مع المسلمين وبصوم شهر رمضان والحج وبأخذ زكاة ماله وإباحة مناكحته وموارثته وأكل ذبيحته وبتركه يتزوج المرأة المسلمة الفاضلة ويبتاع الأمة المسلمة الفاضلة ويطأها وتحريم دمه وماله وأن لا يؤخذ منه جزية ولا يصغر برهان صحيح على أنه مسلم مؤمن وفي إجماع الامه كلها دون مخالف على تحريم قبول شهادته وخبره برهان على انه فاسق فصح يقينا أنه مؤمن فاسق ناقص الإيمان عن المؤمن الذي ليس بفاسق قال تعالى يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين فأما من قال أنه كافر نعمة فما لهم حجة أصلا ألا آن بعضهم نزع بقول الله تعالى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار جهنم يصلونها وبئس القرار
قال أبو محمد وهذا لا حجة لهم فيه لأن نص الآية مبطل لقولهم لأن الله تعالى يقول متصلا بقوله وبئس القرار وجعلوا لله أندادا ليضلوا عن سبيله فصح أن الآية في المشركين بلا شك وأيضا فقد يكفر المرء نعمة الله ولا يكون كافرا بل مؤمنا بالله تعالى كافرا لا نعمة بمعاصيه لا كافرا على الإطلاق وبالله تعالى التوفيق
الكلام فيمن يكفر ولا يكفر قال أبو محمد اختلف الناس في هذا الباب فذهبت طائفة إلى أن من خالفهم في شيء من مسائل الاعتقاد أو في شيء من مسائل الفتيا فهو كافر وذهبت طائفة إلى أنه كافر في بعض ذلك فاسق غير كافر في بعضه على حسب ما أدتهم إليه عقولهم وظنونهم وذهبت طائفة إلى أن من خالفهم في مسائل الاعتقاد فهو كافر وأن من خالفهم في مسائل الأحكام والعبادات فليس كافرا ولا فاسقا ولكنه مجتهد معذور إن أخطأ مأجور بنيته وقالت طائفة بمثل هذا فيمن خالفهم في مسائل العبادات وقالوا فيمن خالفهم في مسائل الاعتقادات أن كل الخلاف

في صفات الله عز و جل فهو كافر وإن كان فيما دون ذلك فهو فاسق وذهبت طائفة إلى أنه لا يكفر ولا يفسق مسلم بقول قاله في اعتقاد أو فتيا وإن كل من اجتهد في شيء من ذلك فدان بما رأى أنه الحق فإنه مأجور على كل حال إن أصاب الحق فأجران وإن أخطأ فأجر واحد وهذا قول ابن أبي ليلى وأبي حنيفة والشافعي وسفيان الثوري وداود بن علي رضي الله عن جميعهم وهو قول كل من عرفنا له قولا في هذه المسألة من الصحابة رضي الله عنهم لا نعلم منهم في ذلك خلافا أصلا إلا ما ذكرنا من اختلافهم في تكفير من ترك صلاة متعمدا حتى خرج وقتها أو ترك أداء الزكاة أو ترك الحج أو ترك صيام رمضان أو شرب الخمر واحتج من كفر بالخلاف في الاعتقادات بأشياء نوردها إن شاء الله عز و جل
قال أبو محمد ذكروا حديثا عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أن القدرية والمرجئية مجوس بهذه الأمة وحديثا آخر تفترق هذه الأمة على بضع وسبعين فرقة كلها في النار حاشى واحدة فهي في الجنة
قال أبو محمد هذان حديثان لا يصحان أصلا من طريق الإسناد وما كان هكذا فليس حجة عند من يقول بخبر الواحد فكيف من لا يقول به واحتجوا بالخبر الثابت عن رسول الله صلى الله عليه و سلم من قال لأخيه يا كافر فقد باء بالكفر أحدهما
قال أبو محمد وهذا لا حجة لهم فيه لأن لفظه يقتضي أنه يلثم برميه للكفر ولم يقل عليه السلام أنه بذلك كافر
قال أبو محمد والجمهور من المحتجين بهذا الخبر لا يكفرون من قال لمسلم يا كافر في مشاتمة تجري بينهما وبهذا خالفوا الخبر الذي احتجوا به
قال أبو محمد والحق هو أن كل من ثبت له عقد الإسلام فإنه لا يزول عنه إلا بنص أو إجماع وأما بالدعوى والافتراء فلا فوجب أن لا يكفر أحد بقول قاله إلا بان يخالف ما قد صح عنده أن الله تعالى قاله أو أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قاله فيستجيز خلاف الله تعالى وخلاف رسوله عليه الصلاة و السلام وسواء كان ذلك في عقد دين أو في نحلة أو في فتيا وسواء كان ما صح من ذلك عن رسول الله صلى الله عليه و سلم منقولا نقل إجماع تواتروا أو نقل آحاد إلا أن من خالف الإجماع المتيقن المقطوع على صحته فهو أظهر في قطع حجته ووجوب تكفيره لاتفاق الجميع على معرفة الإجماع وعلى تكفير مخالفته برهان صحة قولنا قول الله تعالى ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا
قالت أبو محمد هذه الآية نص بتكفير من فعل ذلك فإن قال قائل أن من اتبع غير سبيل المؤمنين فليس من المؤمنين قلنا له وبالله تعالى التوفيق ليس كل من أتبع غير سبيل المؤمنين كافرا لأن الزنا وشرب الخمر وأكل أموال الناس بالباطل ليست من سبيل المؤمنين وقد علمنا أن من اتبعها فقد اتبع غير سبيل المؤمنين وليس مع ذلك كافرا ولكن البرهان في هذا قول الله عز و جل فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما
قال أبو محمد فهذا هو النص الذي لا يحتمل تأويلا ولا جاء نص يخرجه عن ظاهره أصلا

ولا جاء برهان بتخصيصه في بعض وجوه الإيمان
قال أبو محمد وأماما لم تقم الحجة على المخالف للحق في أي شيء كان فلا يكون كافرا إلا أن يأتي نص بتكفيره فيوقف عنده كمن بلغه وهو في أقاصي الزنج ذكر النبي صلى الله عليه و سلم فقط فيمسك عن البحث عن خبره فإنه كافر فإن قال قائل فما تقولون فيمن قال أنا أشهد أن محمدا رسول الله ولا أدري اهو قرشي أم تميمي أم فارسي ولا هل كان بالحجاز أو بخراسان ولا أدري أحي هو أو ميت ولا أدري لعله هذا الرجل الحاضر أم غيره قيل له إن كان جاهلا لا علم عنده بشيء من الأخبار والسير لم يضره ذلك شيئا ووجب تعليمه فإذا علم وصح عنده الحق فإن عاند فهو كافر حلال دمه وماله محكوم عليه بحكم المرتد وقد علمنا أن كثيرا ممن يتعاطى الفتيا في دين الله عز و جل نعم وكثيرا من الصالحين لا يدري كم لموت النبي صلى الله عليه و سلم ولا أين كان ولا في أي بلد كان ويكفيه من كل ذلك إقراره بقلبه ولسانه أن رجلا اسمه محمد أرسله الله تعالى إلينا بهذا الدين
قال أبو محمد وكذلك من قال أن ربه جسم فإنه إن كان جاهلا أو متا ولا فهو معذور لا شيء عليه ويجب تعليمه فإذا قامت عليه الحجة من القرآن والسنن فخالف ما فيهما عنادا فهو كافر يحكم عليه بحكم المرتد وأما من قال أن الله عز و جل هو فلان لإنسان بعينه أو أن الله تعالى يحل في جسم من أجسام خلقه أو أن بعد محمد صلى الله عليه و سلم نبيا غير عيسى بن مريم فإنه لا يختلف اثنان في تكفيره لصحة قيام الحجة بكل هذا على كل أحد ولو أمكن أن يوجد أحد يدين بهذا لم يبلغه قط خلافه لما وجب تكفيره حتى تقوم الحجة عليه
قال أبو محمد وأما من كفر الناس بما تؤول إليه أقوالهم فخطا لأنه كذب على الخصم وتقويل له ما لم يقل به وإن لزمه فلم يحصل على غير التناقض فقط والتناقض ليس كفرا بل قد أحسن إذ فر من الكفر وأيضا فإنه ليس للناس قول إلا ومخالف ذلك القول يلزم خصمه الكفر في فساد قوله وطرده فالمعتزلة تنسب إلينا تجوير الله عز و جل وتشبيهه بخلقه ونحن ننسب إليهم مثل ذلك سواء بسواء ونلزمهم أيضا تعجيز الله عز و جل وأنهم يزعمون أنهم يخلقون كخلقه وأن له شركاء في الخلق وأنهم مستغنون عن الله عز و جل ومن أثبت الصفات يسمى من نفاها باقية لأنهم قالوا تعبدون غير الله تعالى لأن الله تعالى له صفات وأنتم تعبدون من لا صفة له ولا نفي الصفات يقول لمن أثبتها أنتم تجعلون مع الله عز و جل أشياء لم تزل وتشركون به غيره وتعبدون غير الله لأن الله تعالى لا أحد معه ولا شيء معه في الأزل وأنتم تعبدون شيا من جملة أشياء لم تزل وهكذا في كل ما اختلف فيه حتى في الكون والجزء وحتى في مسائل الأحكام والعبادات فأصحاب القياس يدعون علينا خلاف الإجماع وأصحابنا يثبتون عليهم خلاف الإجماع وأحداث شرائع لم يأذن الله عز و جل بها وكل فرقة فهي تنتقي بما تسميها به الأخرى وتكفر من قال شيئا من ذلك فصح أنه لا يكفر أحد إلا بنفس قوله ونص معتقده ولا ينتفع أحد بأن يعبر عن معتقده بلفظ يحسن به قبحه لكن المحكوم به هو مقتضى قوله فقط وأما الأحاديث الواردة في أن ترك الصلاة شرك فلا تصح من طريق الإسناد وأما الأخبار التي فيها من قال لا إله إلا الله دخل الجنة فقد جاءت أحاديث أخر بزيادة على هذا الخبر لا يجوز ترك تلك الزيادة وهي قوله عليه السلام أمرت أن أقاتل الناس حتى

يقولوا لا إله إلا الله وأنى رسول الله ويؤمنوا بما أرسلت به فهذا هو الذي لا إيمان لأحد بدونه
قال أبو محمد واحتج بعض من يكفر من سب الصحابة رضي الله عنهم بقول الله عز و جل محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم إلى قوله ليغيظ بهم الكفار قال فكل من أغاظه أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فهو كافر
قال أبو محمد وقد أخطأ من حمل الآية على هذا لأن الله عز و جل لم يقل قط أن كل من غاظه واحد منهم فهو كافر وإنما أخبر تعالى أنه يغيظ بهم الكفار فقط ونعم هذا حق لا ينكره مسلم وكل مسلم فهو يغيظ الكفار وأيضا فإنه لا يشك أحد ذو حس سليم في أن عليا قد غاظ معاوية وأن معاوية وعمرو بن العاص غاظا عليا وأن عمار أغاظ أبا العادية وكلهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فقد غاظ بعضهم بعضا فيلزم على هذا تكفير من ذكرنا وحاشى لله من هذا
قال أبو محمد ونقول لمن كفر إنسانا بنفس مقالته دون أن تقوم عليه الحجة فيعاند رسول الله صلى الله عليه و سلم ويجد في نفسه الحرج مما أتى به أخبرنا هل ترك رسول الله صلى الله عليه و سلم شيئا من الإسلام الذي يكفر من لم يقل به إلا وقد بينه ودعا إليه الناس كافة فلا بد من نعم ومن أنكر هذا كافر بلا خلاف فإذا أقر بذلك سئل هل جاء قط عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه لم يقبل إيمان أهل قرية أوأهل محلة أو إنسان أتاه من حر أو عبدا لو امرأة إلا حتى يقر أن الاستطاعة قبل الفعل أو مع الفعل أو أن القرآن مخلوق أو أن الله تعالى يري أو لا يرى أو أن له سمعا أو بصرا أو حياة أو غير ذلك من فضول المتكلمين التي أوقعها الشيطان بينهم ليوقع بينهم العداوة والبغضاء فإن ادعى أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يدع أحدا يسلم إلا حتى يوقفه على هذه المعاني كان قد كذب بإجماع المسلمين من أهل الأرض وقال ما يدري أنه فيه كاذب وادعى أن جميع الصحابة رضي الله عنهم تواطؤا على كتمان ذلك من فعله عليه السلام وهذا المحال ممتنع في الطبيعة ثم فيه نسبة الكفر إليهم إذ كتموا ما لا يتم إسلام احد إلا به وإن قالوا أنه صلى الله عليه و سلم لم يدع قط أحد إلى شيء من هذا ولكنه مودع في القرآن وفي كلامه صلى الله عليه و سلم قيل له صدقت وقد صح بهذا أنه لو كان جهل شيء من هذا كله كفرا لما ضيع رسول الله ص - بيان ذلك للحره والعبد والحر والأمة ومن جوز هذا فقد قال أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يبلغ كما أمر وهذا كفر مجرد ممن أجازه فصح ضرورة أن الجهل بكل ذلك لا يضر شيئا وإنما يلزم الكلام منها إذا خاض فيها الناس فيلزم حينئذ بيان الحق من القرآن والسنة لقول الله عز و جل كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولقول الله عز جل لتبيننه للناس ولا تكتمونه فمن عند حينئذ بعد بيان الحق فهو كافر لأنه لم يحكم رسول الله صلى الله عليه و سلم ولا سلم لما قضى به وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أن رجلا لم يعمل خيرا قط فلما حضره الموت قال لأهله إذا مت فأحرقوني ثم ذروا رمادي في يوم راح نصفه في البحر ونصفه في البر فوالله لئن قدر الله تعالى علي ليعذبني عذابا لم يعذبه أحدا من خلقه وأن الله عز جل جمع رماده فأحياه وسأله ما حملك على ذلك قال خوفك يا رب وأن الله تعالى غفر له لهذا القول
قال أبو محمد فهذا إنسان جهل إلى أن مات أن الله عز و جل يقدر على جمع رماده وإحيائه وقد غفر له لإقراره وخوفه وجهله وقد قال بعض من يحرف الكلم عن مواضعه أن معنى لئن قدر الله على إنما هو لئن ضيق الله على كما قال تعالى وأما إذا ما ابتلاه فقد عليه رزقه

قال أبو محمد وهذا تأويل باطل لا يمكن لأنه كان يكون معناه حينئذ لئن ضيق الله علي ليضيقن على وأيضا فلو كان هذا لما كان لأمره بأن يحرق ويذر رماده معنى ولا شك في أنه إنما أمره بذلك ليفلت من عذاب الله تعالى
قال أبو محمد وأبين من شيء في هذا قول الله تعالى وإذ قال الحواريون يا عيسى بن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء إلى قوله ونعلم أن قد صدقتنا فهؤلاء الحواريون الذين أثنى الله عز و جل عليهم قد قالوا بالجهل لعيسى عليه السلام هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء ولم يبطل بذلك إيمانهم وهذا ما لا مخلص منه وإنما كانوا يكفرون لو قالوا ذلك بعد قيام الحجة وتبيينهم لها
قال أبو محمد وبرهان ضروري لا خلاف فيه وهو ان الأمة مجمعة كلها بلا خلاف من أحد منهم وهو أن كل من بدل آية من القرآن عامدا وهو يدري أنها في المصاحف بخلاف ذلك وأسقط كلمة عمدا كذلك أو زاد فيها كلمة عامدا فإنه كافر بإجماع الأمة كلها ثم أن المرء يخطئ في التلاوة فيزيد كلمة وينقص أخرى ويبدل كلامه جاهلا مقدرا أنه مصيب ويكابر في ذلك ويناظر قبل أن يتبين له الحق ولا يكون بذلك عند أحد من الأمة كافرا ولا فاسقا ولا آثما فإذا وقف على المصاحف أو أخبره بذلك من القراء من تقوم الحجة بخبره فإن تمادى على خطاه فهو عند الأمة كلها كافر بذلك لا محالة وهذا هو الحكم الجاري في جميع الديانة
قال أبو محمد واحتج بعضهم بأن قال الله تعالى قل هل أنبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا
قال أبو محمد وآخر هذه الآية مبطل لتأويلهم لأن الله عز و جل وصل قوله يحسنون صنعا بقوله أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا ذلك جزاؤهم جهنم بما كفروا واتخذوا آياتي ورسلي هزوا فهذا يبين أن أول الآية في الكفار المخالفين لديانة الإسلام جملة ثم نقول لهم لو نزلت هذه الآية في المتأولين من جملة أهل الإسلام كما تزعمون لدخل في جملتها كل متأول مخطئ في تأويل في فتيا لزمه تكفير جميع الصحابة رضي الله عنهم لأنهم قد اختلفوا وبيقين ندري أن كل امرء منهم فقد يصيب ويخطئ بل يلزمه تكفير جميع الأمة لأنهم كلهم لا بد من أن يصيب كل امرئ منهم ويخطئ بل يلزمه تكفير نفسه لأنه لا بد لكل من تكلم في شيء من الديانة من أن يرجع عن قول قاله إلى قول آخر يتبين أنه أصح إلا أن يكون مقلدا فهذه أسوأ لأن التقليد خطا كله لا يصح ومن بلغ إلى ها هنا فقد لاح غوامر قوله وبالله تعالى التوفيق وقد أقر عمر بن الخطاب رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه و سلم أنه لم يفهم آية الكلالة فما كفره بذلك ولا فسقه ولا أخبره أنه آثم بذلك لكن أغلظ له في كثرة تكراره السؤال عنها فقط وكذلك أخطأ جماعة من الصحابة رضي الله عنهم في حياة رسول الله صلى الله عليه و سلم في الفتيا فبلغه عليه السلام ذلك فما كفر بذلك أحد منهم ولا فسقه ولا جعله بذلك آثما لأنه لم يعانده عليه السلام أحد منهم وهذا كفتيا أبي السنابل بن بعكعك في آخر الأجلين والذين أفتوا على الزاني غير المحصن الرجم وقد تقصينا هذا في كتابنا المرسوم بكتاب الأحكام في أصول الأحكام هذا وأيضا فإن الآية المذكورة

لا تخرج على قول أحد ممن خالفنا ألا بحذف وذلك أنهم يقولون أن الذين في قوله تعالى الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا هو خبرا ابتداء مضمر ولا يكون ذلك إلا بحذف الابتداء كأنه قال هم الذين ولا يجوز لأحد أن يقول في القرآن حذفا إلا بنص آخر جلي يوجب ذلك أو إجماع على ذلك أو ضرورة حس فبطل قولهم وصار دعوى بلا دليل وأما نحن فإن لفظة الدين عندنا على موضوعها دون حذف وهو نعت للأخسرين ويكون خبرا لابتداء قوله تعالى أولئك الذين كفروا وكذلك قوله تعالى ويحسبون أنهم على شيء إلا أنهم هم الكاذبون فنعم هذه صفة القوم الذين وصفهم الله تعالى بهذا في أول الآية ورد الضمير إليهم وهم الكفار بنص آول الآية وقال قائلهم فإذا عذرتم للمجتهدين إذا اخطأوا فاعذروا اليهود والنصارى والمجوس وسائر الملل فإنهم أيضا مجتهدون قاصدون الخير فجوابنا والله تعالى التوفيق أننا لم نعذر من عذرنا بآرائنا ولا كفرنا من كفرنا بظننا وهو أنا وهذه خطة لم يؤتها الله عز و جل أحد دونه ولا يدخل الجنة والنار أحدا بل الله تعالى يدخلها من شاء فنحن لا نسمي بالإيمان إلا من سماه الله تعالى به كل ذلك على لسان رسوله صلى الله عليه و سلم ولا يختلف اثنان من أهل الأرض لا نقول من المسلمين بل من كل ملة في أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قطع بالكفر على أهل كل ملة غير الإسلام الذين تبرأ أهله من كل ملة حاشى التي أتاهم بها عليه السلام فقط فوقفنا عند ذلك ولا يختلف أيضا اثنان في أنه عليه السلام قطع باسم الإيمان على كل من اتبعه وصدق بكل ما جاء به وتبرأ من كل دين سوي ذلك فوقفنا أيضا عند ذلك ولا مزيد فمن جاء نص في إخراجه عن الإسلام بعد حصول اسم الإسلام له أخرجناه منه سواء أجمع على خروجه منه أو لم يجمع وكذلك من أجمع أهل الإسلام على خروجه عن الإسلام فواجب اتباع الإجماع في ذلك وأما من لا نص في خروجه عن الإسلام بعد حصول الإسلام له ولا إجماع في خروجه أيضا عنه فلا يجوز إخراجه عما قد صح يقينا حصوله فيه وقد نص الله تعالى على ما قلنا فقال ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين وقال تعالى ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون تؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا أولئك هم الكافرون حقا وقال تعالى قل أبالله وآياته ورسله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم فهؤلاء كلهم كفار بالنص وصح الإجماع على أن كل من جحد شيئا صح عندنا بالإجماع أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أتى به فقد كفر وصح بالنص أن كل من استهزأ بالله تعالى أو بملك من الملائكة أو بنبي من الأنبياء عليهم السلام أو بآية من القرآن أو بفريضة من فرائض الدين فهي كلها آيات الله تعالى بعد بلوغ الحجة إليه فهو كافر ومن قال بنبي بعد النبي عليه الصلاة و السلام أو جحد شيئا صح عنده بأن النبي صلى الله عليه و سلم قاله فهو كافر لأنه لم يحكم النبي صلى الله عليه و سلم فيما شجر بينه وبين خصمه
قال أبو محمد وقد شقق أصحاب الكلام فقالوا ما تقولون فيمن قال له النبي صلى الله عليه و سلم قم صل فقال لا أفعل أو قال له النبي صلى الله عليه و سلم ناولني ذلك السيف أدفع به عن نفسي فقال له لا أفعل
قال أبو محمد وهذا أمر قد كفوا وقوعه ولا فضول أعظم من فضول من اشتغل بشيء

قد أيقن أنه لا يكون أبدا ولكن الذي كان ووقع فإننا نتكلم فيه ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
قال أبو محمد قد أمر زيادة النبي صلى الله عليه و سلم أفضل أهل الأرض وهم أهل الحديبية بأن يحلقوا وينحروا فتوقفوا حتى أمرهم ثلاثا وغضب عليه السلام وشكا ذلك إلى أم سلمة فما كفروا بذلك ولكن كانت معصية تداركهم الله بالتوبة منها وما قال مسلم قط أنهم كفروا بذلك لأنهم لم يعاندوه ولا كذبوه وقد قال سعد بن عبادة والله يا رسول الله لأن وجدت لكاع يتفخذها رجل ادعهما حتى آتي بأربعة شهداء قال نعم قال إذن والله يقضي اربه والله لا تجللنهما للسيف فلم يكن بذلك كافرا إذ لم يكن عاندا ولا مكذبا بل أقر أنه يدري أن الله تعالى أمر بخلاف ذلك وسألوا أيضا عما قال أنا أدري أن الحج إلى مكة فرض ولكن لا أدري أهي بالحجاز أم بخراسان أم بالأندلس وأنا أدري أن الخنزير حرام ولكن لا أدري أهو هذا الموصوف الأقرن أم الذي يحرث به
قال أبو محمد وجوابنا هو أن من قال هذا فإن كان جاهلا علم ولا شيء عليه فإن المشببين لا يعرفون هذا إذا أسلموا حتى يعلموا وأن كان عالما فهو عابث مستهزئ بآيات الله تعالى فهو كافر مرتد حلال الدم والمال ومن قذف عائشة رضي الله عنها فهو كافر لتكذيبه القرآن وقد قذفها مسطح وحمنة فلم يكفرا لأنهما لم يكونا حينئذ مكذبين لله تعالى ولو قذفاها بعد نزول الآية لكفر وأما من سب أحدا من الصحابة رضي الله عنهم فإن كان جاهلا فمعذور وإن قامت عليه الحجة فتمادى غير معاند فهو فاسق كمن زنى وسرق وأن عاند الله تعالى في ذلك ورسوله صلى الله عليه و سلم فهو كافر وقد قال عمر رضي الله عنه بحضرة النبي صلى الله عليه و سلم عن حاطب وحاطب مهاجر يدري دعني أضرب عنق هذا المنافق فما كان عمر بتكفيره حاطبا كافرا بل كان مخطئا متاولا وقد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم آية النفاق بغض الأنصار وقال لعلي لا يبغضك إلا منافق
قال أبو محمد ومن أبغض الأنصار لأجل نصرتهم للنبي صلى الله عليه و سلم فهو كافر لأنه وجد الحرج في نفسه مما قد قضى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه و سلم من إظهار الإيمان بأيديهم ومن عادى عليا لمثل ذلك فهو أيضا كافر وكذلك من عادى من ينصر الإسلام لأجل نصرة الإسلام لا لغير ذلك وقد فرق بعضهم بين الاختلاف في الفتيا والاختلاف في الاعتقاد بأن قال قد اختلف أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم في الفتيا فلم يكفر بعضهم بعضا ولا فسق بعضهم بعضا
قال أبو محمد وهذا ليس بشيء فقد حدث إنكار القدر في أيامهم فما كفرهم أكثر الصحابة رضي الله عنهم وقد اختلفوا في الفتيا على ذلك وسفكت الدماء كاختلافهم في تقديم بيعة على علي النظر في قتلة عثمان رضي الله عنهم وقد قال ابن عباس رضي الله عنه من شاء بأهلته عند الحجر الأسود أن الذي أحصى رمل عالج لم يجعل في فريضة واحدة نصفا ونصفا وثلثا
قال أبو محمد وهنا أقوال غريبة جدا فاسدة منها أن أقواما من الخوارج قالوا كل معصية فيها حد فليست كفرا وكل معصية لاحد فيها فهي كفر
قال أبو محمد وهذا تحكم بلا برهان ودعوى بلا دليل وما كان هكذا فهو باطل قال تعالى

قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين فصح أن من لا برهان له على قوله فليس صادقا فيه
قال أبو محمد فصح بما قلنا أن كل من كان على غير الإسلام وقد بلغه أمر الإسلام فهو كافر ومن تأول من أهل الإسلام فأخطأ فإن كان لم تقم عليه الحجة ولا تبين له الحق فهو معذور مأجور أجرا واحدا لطلبه الحق وقصده إليه مغفور له خطؤه إذ لم يعتمده لقول الله تعالى وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وإن كان مصيبا فله أجران أجر لإصابته وأجر آخر لطلبه إياه وإن كان قد قامت الحجة عليه وتبين له الحق فعند عن الحق غير معارض له تعالى ولا لرسوله صلى الله عليه و سلم فهو فاسق لجراءته على الله تعالى بإصراره على الأمر الحرام فإن عند عن الحق معارضا لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه و سلم فهو كافر مرتد حلال الدم والمال لا فرق في هذه الأحكام بين الخطأ في الاعتقاد في أي شيء كان من الشريعة وبين الخطأ في الفتيا في أي شيء كان على ما بينا قبل
قال أبو محمد ونحن نختصر ها هنا إن شاء الله تعالى ونوضح كل ما أطلنا فيه قال تعالى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا وقال تعالى لأنذركم به ومن بلغ وقال تعالى فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما فهذه الآيات فيها بيان جميع هذا الباب فصح أنه لا يكفر أحد حتى يبلغه أمر النبي صلى الله عليه و سلم فإن بلغه فلم يؤمن به فهو كافر فإن آمن به ثم اعتقد ما شاء الله أن يعتقده في نحلة أو فتيا أو عمل ما شاء الله تعالى أن يعمله دون أن يبلغه في ذلك عن النبي صلى الله عليه و سلم حكم بخلاف ما اعتقدوا قال أو عمل فلا شيء عليه أصلا حتى يبلغه فإن بلغه وصح عنده فإن خالفه مجتهدا فيما لم يبين له وجه الحق في ذلك فهو مخطئ معذور مأجور مرة واحدة كما قال عليه السلام إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر وكل معتقد أو قائل أو عامل فهو حاكم في ذلك الشيء وإن خالفه بعمله معاندا للحق معتقدا بخلاف ما عمل به فهو مؤمن فاسق وإن خالفه معاندا بقوله أو قلبه فهو كافر مشرك سواء ذلك في المعتقدات والفتيا للنصوص التي أوردنا وهو قول إسحاق بن راهويه وغيره وبه نقول وبالله تعالى التوفيق
الكلام في تعبد الملائكة وتعبد الحور العين والخلق المستأنف وهل يعصى ملك أو لا
قال أبو محمد قد نص الله عز و جل على أن الملائكة متعبدون قال تعالى ويفعلون ما يؤمرون ونص تعالى على أنه امرهم بالسجود لآدم وقال تعالى وقالوا اتخذ الرحمن ولد سبحانه بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون إلى قوله ومن يقل منهم أني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين وقال تعالى ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون
قال أبو محمد فنص الله تعالى على أنهم مأمورون منهيون متوعدون مكرمون موعودون بإيصال الكرامة أبدا مصرفون في كتاب الأعمال وقبض الأرواح وأدار الرسالة إلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والتوكل بما في العالم الأعلى والأدنى وغير ذلك كما خالقهم عز و جل به عليم وقوله تعالى أنه لقول رسول كريم ذي قوة عند العرش مكين مطاع ثم أمين فأخبر عز و جل أن جبريل عليه السلام مطاع في السماوات وأمين هنالك فصح أن هنالك أوامر وتدبير

وأمانات وطاعة ومراتب ونص تعالى على أنهم كلهم معصومون بقوله عز و جل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون وبقوله ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون وبقوله فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسأمون فنص تعالى على أنهم كلهم لا يسأمون من العبادة ولا يفترون من التسبيح والطاعة لا ساعة ولا وقتا ولا يستحسرون من ذلك وهذا خبر عن التأييد لا يستحيل أبدا ووجب أنهم متنعمون بذلك مكرمون به مفضلون بتلك الحال وبالتذاذهم بذلك ونص تعالى على أنهم كلهم معصومون قد حقت لهم ولاية ربهم عز و جل ابدا إلا بد بلا نهابة فقال تعالى من كان عدو الله وملائكته ورسله وجبريل وميكائيل فإن الله عدو للكافرين فكفر تعالى من عادى أحدا منهم فإن قال قائل كيف لا يعصون والله تعالى يقول ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم قلنا نعم هم متوعدون على المعاصي لما توعد رسول الله صلى الله عليه و سلم إذ يقول له ربه عز و جل لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين وقد علم عز و جل أنه عليه السلام لا يشرك أبدا وأن الملائكة لا يقول أحد منهم أبدا إني إله من دون الله وكذلك قوله تعالى يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وهو تعالى قد برأهن وعلم أنه لا يأتي أحد منهن بفاحشة أبدا بقوله تعالى والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات أولئك مبرؤون مما يقولون لكن الله تعالى يقول ما شاء ويشرع ما شاء ويفعل ما يشاء ولا معقب لحكمه ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون فأخبر عز و جل بحكم هذه الأمور لو كانت وقد علم أنها لا تكون كما قال تعالى لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا إنا كنا فاعلين وكما قال لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء وكما قال تعالى ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وكما قال تعالى قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا وكل هذا قد علم الله تعالى أنه لا يكون أبدا وبالله تعالى التوفيق فإن قال قائل أن الملائكة مأمورون لا منهيون قلنا هذا باطل لأن كل مأمور بشيء فهو منهي عن تركه وقوله تعالى يخافون ربهم من فوقهم يدل على أنهم منهيون عن أشياء يخافون من فعلها وقال عز و جل وما ننزل الملائكة إلا بالحق وما كانوا إذن منظرين
قال أبو محمد وهذا مبطل ظن من ظن أن هاروت وماروت كانا ملكين فعصيا بشرب الخمر والزنا والقتل وقد أعاذ الله عز و جل الملائكة من مثل هذه الصفة بما ذكرنا آنفا أنهم لا يعصون الله ويفعلون ما يؤمرون وبإخباره تعالى أنهم لا يسأمون ولا يفترون ولا يستحسرون عن طاعته عز و جل فوجب يقينا أنه ليس في الملائكة البتة عاص لا بعمد ولا بخطأ ولا بنسيان وقال عز و جل جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع فكل الملائكة رسل الله عز و جل بنص القرآن والرسل معصومون فصح أن هاروت وماروت المذكورين في القرآن لا يخلو أمرهما من أحد وجهين لا ثالث لهما أما أن يكونا جنين من أحياء الجن كما روينا عن خالد بن أبي عمران وغيره وموضعهما حينئذ في الجو بدل من الشياطين كأنه قال ولكن الشياطين كفروا هاروت وماروت ويكون الوقوف على قوله ما أنزل على الملكين ببابل ويتم الكلام هنا وأما أن يكونا ملكين أنزل الله عز و جل عليهما شريعة حق ثم مسخها فصارت كفرا كما فعل بشريعة موسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام فتمادى الشياطين على تعليمهما

وهي بعد كفر كأنه قال تعالى ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت ثم ذكر عز و جل ما كان يفعله ذلك الملكان فقال تعالى وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضاربين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلاق
قال أبو محمد فقول الملكين إنما نحن فتنة فلا تكفر قول صحيح ونهى عن المنكر وأما الفتنة فقد تكون ضلالا وتكون هدي قال الله عز و جل حاكيا عن موسى عليه السلام أنه قال لربه أتهلكنا بما فعل السفهاء منا إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء فصدق الله عز و جل قوله وصح أن يهدي بالفتنة من يشاء ويضل بها من يشاء وقال تعالى إنما أموالكم وأولادكم فتنة وليس كل أحد يضل بماله وولده فقد كان للنبي صلى الله عليه و سلم أولاد ومال وكذلك لكثير من الرسل عليهم السلام وقال تعالى وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا ليستيقن الذين أتوا الكتاب ويزداد الذين آمنوا إيمانا وقال تعالى وإن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا لنفتنهم فيه فهذه سقيا الماء التي هي جزاء على الاستقامة قد سماها تعالى فتنة فصح أن من الفتنة خير أو هدى ومنا إضلالا وكفرا والملكان المذكورات كذلك كانا فتنة يهتدي من اتبع أمرهما في أن لا يكفر ويضل من عصاهما في ذلك وقوله تعالى فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه حق لأن اتباع رسل الله عليهم الصلاة والسلام هذه صفتهم يؤمن الزوج فيفرق إيمانه بينه وين امرأته التي لم تؤمن وتؤمن هي فيفرق إيمانها بينها وبين زوجها الذي لم يؤمن في الدنيا والآخرة وفي الولاية ثم رجع تعالى إلى الخبر عن الشياطين فقال عز و جل وما هم بضاربين به من أحد إلا بإذن الله وهذا حق لأن الشياطين في تعليمهم ما قد نسخه الله عز و جل وأبطله ضارون من إذن الله تعالى باستضراره به وهكذا إلى آخر الآية وما قال عز و جل قط أن هاروت وماروت علما سحرا ولا كفرا ولا أنهما عصيا وإنما ذكر ذلك في خرافة موضوعة لا نصح من طريق الإسناد أصلا ولا هي أيضا مع ذلك عن رسول الله صلى الله عليه و سلم وإنما هي موقوفة على من قال من دونه عليه السلام فسقط التعلق بها و صح ما قلناه والحمد لله رب العالمين وهذا التفسير الأخير هو نص الآية دون تكلف تأويل ولا تقديم ولا تأخير ولا زيادة في الآية ولا نقص منها بل هو ظاهرها والحق المقطوع به عند الله تعالى يقينا وبالله تعالى التوفيق فإن قيل كيف تصح هذه الترجمة أو الأخرى وأنتم تقولون أن الملائكة لا يمكن أن يراهم إلا نبي وكذلك الشياطين ولا فرق فكيف تعلم الملائكة الناس أو كيف تعلم الجن الناس قلنا وبالله تعالى التوفيق أما الملائكة فيعلمون من أرسلوا إليه من الأنبياء خاصة وينهونهم عن الكفر كما نهى النبي عليه الصلاة و السلام عن الكفر في نص القرآن وأما الشياطين فتعلم الناس بالوسوسة في الصدور وتزيين الباطل أو يتمثل في صورة إنسان كما تمثل يوم بدر في صورة سراقة بن مالك بن جعثم قال تعالى وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم ليوم من الناس وإني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله وأما الحور العين فنسو أن مكرمات مخلوقات في الجنة لأولياء الله عز و جل عافلات مميزات مطيعات لله تعالى في النعيم خلقن فيه ويخلدن بلا نهاية لا يعصين البتة والجنة إذ دخلها أهلها المخلدون فليست دار

معصية وكذلك أهل الجنة لا يعصون فيها أصلا بل هم في نعيم وحمد لله تعالى وذكر له والتذاذ بأكل وشرب ولباس ووطء لا يختلف في ذلك من أهل الإسلام اثنان وبذلك جاء القرآن والحمد لله رب العالمين وأما الولدان المخلدون فهم أولاد الناس الذين ماتوا قبل البلوغ كما جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أن الله تعالى يخلق خلقا يملأ الجنة بهم فنحن نقر بهذا ولا ندري أمتعبدون مطيعون أم مبتدئون في الجنة والله تعالى يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة وأما الجن فإن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث إليهم بدين الإسلام هذا ما لا خلاف فيه بين أحد من الأمة فكافرهم في النار مع كافرنا وأما مؤمنهم فقد اختلف الناس فيهم فقال ابو حنيفة لا ثواب لهم وقال ابن أبي ليلى وأبو يوسف وجمهور الناس أنهم والجنة وبهذا نقول لقول الله عز و جل أعدت للمتقين ولقوله تعالى حاكيا عنهم ومصدقا لمن قال ذلك منهم وإنا لما سمعنا الهدى ءامنا به وقوله تعالى حاكيا عنهم قل أوحى إلى أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به وقوله تعالى إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية جزاؤهم عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار 6 إلى آخر السورة وهذه صفة تعم الجن والإنس عموما لا يجوز البتة أن يخص منها أحد النوعين فيكون فاعل ذلك قائلا على الله ما لا يعلم وهذا حرام ومن المحال الممتنع أن يكون الله تعالى يخبرنا بخبر عام وهو لا يريد إلا بعض ما أخبرنا به ثم لا يبين ذلك لنا هذا هو ضد البيان الذي ضمنه عز و جل لنا فكيف وقد نص عز و جل على أنهم آمنوا فوجب أنهم من جملة المؤمنين الذين يدخلون الجنة ولا بد
قال أبو محمد وإذا الجن متعبدون فقد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم فضلت على الأنبياء بست فذكر فيها أنه عليه السلام بعث إلى الأحمر والأسود وكان من قبله من الأنبياء إنما يبعث إلى قومه خاصه وقد نص عليه السلام على أنه بعث إلى الجن وقال عز و جل قل أوحي إلي أنه أستمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به إلى قوله تعالى وإنا منا المسلمون ومنا القاسطون فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا وإذا الأمر كما ذكرنا فلم يبعث إلى الجن نبي من الإنس البتة قبل محمد صلى الله عليه و سلم لأنه ليس الجن من قوم أنسي وباليقين ندري أنهم قد أنذروا فصح أنهم جاءهم أنبياء منهم قال تعالى يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم وبالله تعالى التوفيق
1 - تم الجزء الثالث ويليه الجزء الرابع أوله هل تعصي الأنبياء

شركة النبطيون الفصل في الملل والأهواء والنحل للأمام إبن حزم الظاهري الأندلسي المتوفى 456

بسم الله الرحمن الرحيم
هل تعصى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام
قال أبو محمد اختلف الناس في هل تعصي الأنبياء عليهم السلام أم لا فذهبت طائفة إلى أن رسل الله صلى الله عليهم وسلم يعصون الله في جميع الكبائر والصغائر عمدا حاشي الكذب في التبليغ فقط وهذا قول الكرامية من المرجئة وقول إبن الطيب الباقلاني من الأشعرية ومن اتبعه وهو قول اليهود والنصارى وسمعت من يحكي عن بعض الكرامية أنهم يجرزون على الرسل عليهم السلام الكذب في التبليغ أيضا وأما هذا الباقلاني فإنا رأينا في كتاب صاحبه أبي جعفر السمناني قاضي الموصل أنه كان يقول أن كل ذنب دق أوجل فإنه جائز على الرسل حاشى الكذب في التبليغ فقط قال وجائز عليهم أن يكفروا قال وإذا نهى النبي عليه السلام عن شيء ثم فعله فليس ذلك دليلا على أن ذلك النهي قد نسخ لأنه قد يفعله عاصيا لله عز و جل قال وليس لأصحابه أن ينكروا ذلك عليه وجوز أن يكون في أمة محمد عليه السلام من هو أفضل من محمد عليه الصلاة و السلام مذ بعث إلى أن مات
قال أبو محمد وهذا كله كفر مجرد وسرك محض ورده عن الإسلام قاطعة للولاية مبيحة دم من دان بها وماله موجبة للبراءة منه في الدنيا ويوم يقوم الأشهاد وذهبت طائفة إلى أن الرسل عليهم الصلاة والسلام لا يجوز عليهم كبيرة من الكبائر أصلا وجوزوا عليهم الصغائر بالعمد وهو قول إبن فورك الأشعري وذهبت جميع أهل الإسلام من أهل السنة والمعتزلة والنجارية والخوارج والشيعة إلى أنه لا يجوز البتة أن يقع من نبي أصلا معصية بعمد لا صغيرة ولا كبيرة وهو قول إبن مجاهد الأشعري شيخ إبن فورك والباقلاني المذكورين قال أبو محمد وهذا القول الذي ندين الله تعالى به ولا يحل لأحد أن يدين بسواه ونقول أنه يقع من الأنبياء السهو عن غير قصد ويقع منهم أيضا قصد الشيء يريدون به وجه الله تعالى والتقرب منه فيوافق خلاف مراد الله تعالى إلا أنه تعالى لا يقرهم على شيء من هذين الوجهين أصلا بل ينبههم على ذلك ولا يداثر وقوعه منهم ويظهر عز و جل ذلك لعباده ويبين لهم كما فعل نبيه صلى الله عليه و سلم في سلامة من إثنتين وقيامه من إثنتين وربما عاتبهم على ذلك بالكلام كما فعل نبيه عليه السلام في أمر زينب أم المؤمنين وطلاق زيد لها رضي الله عنهما

عنهما وفي قصة إبن مكنوم رضي الله عنه وربما يبغض المكروه في الدنيا كالذي أصاب آدم ويونس عليهما الصلاة والسلام والأنبياء عليهم السلام بخلافنا في هذا فإننا غير مؤآخذين بما سهونا فيه ولا بما قصدنا به وجه الله عز و جل فلم يصادف مراده تعالى بل نحن ماجورون على هذا الوجه أجرا واحدا وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه و سلم أن الله تعالى قرن بكل أحد شيطانا وأن الله تعالى أعانه على شيطانه فاسلم فلا يأمره إلا بخير وأما الملائكة فبرآء من كل هذا لأنهم خلقوا من نور محض لا شوب فيه والنور خير كله لا كدر فيه حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا أحمد بن فتح حدثنا عبد الوهاب بن عيسى حدثنا أحمد بن محمد بن علي حدثنا مسلم بن الحجاج عن عبد بن حميد عن عبد الرزاق عن معمر الزهري عن عروة عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه و سلم خلقت الملائكة من نور وخلق الجان من مارج من نار وخلق آدم مما وصف
قال أبو محمد واحتجت الطائفة الأولى بآيات من القرآن وأخبار وردت ونحن إن شاء الله عز و جل نذكرها ونبين غلطهم فيها بالبراهين الواضحة الضرورية وبالله تعالى التوفيق

الكلام في آدم عليه السلام قال أبو محمد فمما احتجوا به قول الله عز و جل وعصي آدم ربه فغوى وقوله تعالى ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين قالوا فقر بها آدم فكان من الظالمين وقد عصى وغوى وقال تعالى فتاب عليه والمتاب لا يكون إلا من ذنب وقال تعالى فأزلهما الشيطان وإزلال الشيطان معصية وذكروا قول الله تعالى فلما آتاهما صالحا جعل له شركاء فيما آتاهما هذا كل ما ذكروا في آدم عليه السلام
قال أبو محمد وهذا كله بخلاف ما ظنوا أما قوله تعالى وعصى آدم ربه فغوى فقد علمنا أن كل خلاف لأمر آمر فصورته صورة المعصية فيسمى معصية لذلك وغواية ألا أنه منه ما يكون عن عن عمد وذكر فهذه معصية علي الحقيقة لأن فاعلها قاصد إلى المعصية وهو يدري أنها معصية وهذا هو الذي نزهها عنه الأنبياء عليهم السلام ومنه ما يكون عن قصد إلى خلاف ماأمر به وهو يتأول في ذلك الخير ولا يدري أنه عاص بذلك بل يظن أنه مطيع لله تعالى أو أن ذلك مباح له لأنه يتأول أن الأمر الوارد عليه ليس على معنى الإيجاب ولا على التحريم لكن أما على الندب أن كان بلفظ الأمر أو الكراهية أن كان بلفظ النهي وهذا شيء يقع فيه العلماء والفقهاء الأفاضل كثيرا وهذا هو الذي يقع من الأنبياء عليهم السلام ويؤاخذون به إذا وقع منهم وعلى هذا السبيل أكل آدم من الشجرة ومعنى قوله تعالى فتكونا من الظالمين أي ظالمين لأنفسكما والظلم في اللغة وضع الشيء في غير موضعه فمن وضع الأمر أو النهي في موضع الندب أو الكراهية فقد وضع الشيء في غير موضعه وهذا الظلم من هذا النوع من الظلم الذي يقع بغير قصد وليس معصية لا الظلم الذي هو القصد إلى المعصية وهو يدري أنها معصية وبرهان هذا ما قد نصه الله تعالى من أن آدم عليه السلام لم يأكل من الشجرة إلا بعد أن أقسم له إبليس أن نهى الله عز و جل لهما عن أكل الشجرة ليس على التحريم وأنهما لا يستحقان بذلك عقوبة أصلا بل يستحقان بذلك الجزاء الحسن وفوز الأبد قال تعالى حاكيا عن إبليس أنه
قال لهما مانا ربكما هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين

أو تكونا من الخالدين وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين فدلاهما لغرور
وقد قال عز و جل ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسى ولم نجد له عزما
قال أبو محمد فما نسي آدم عليه السلام عهد الله إليه في أن إبليس عدو له أحسن الظن بيمينه قال أبو محمد ولا سلامة ولا براءة من القصد إلى المعصية ولا أبعد من الجراءة علي الذنوب أعظم من حال من ظن أن أحدا لا يحلف حانثا وهكذا فعل آدم عليه عليه السلام فإنه إنما أكل من الشجرة التي نهاه الله عنها ناسيا بنص القرآن ومتاولا وقاصدا إلى الخير لأنه قدر أنه يزداد خظوة عند الله تعالى فيكون ملكا مقربا أو خالدا فيما هو فيه أبدا فأداه ذلك إلى خلاف ما أمره الله عز و جل به وكان الواجب أن يحمل أمر ربه عز و جل على ظاهره لكن تأول وأراد الخير فلم يصبه ولو فعل هذا عالم من علماء المسلمين لكان مأجورا ولكن آدم عليه السلام لما فعله ووجد به إخراجه عن الجنة إلى نكد الدنيا كان بذلك ظالما لنفسه وقد سمى الله عز و جل قاتل الخطأ قاتلا كما سمى العامد والمخطئ لم يتعمد معصية وجعل في الخطأ في ذلك كفارة عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين لمن عجز عن الرقبة وهو لم يتعمد ذنبا وأما قوله عز و جل لئن أتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما فهذا تكفير لآدم عليه السلام ومن نسب لآدم عليه السلام الشرك والكفر كفرا مجردا بلا خلاف من أحد من الأمة ونحن ننكر على من كفر المسلمين العصاة العشارين القتالين والشرط الفاسقين فكيف من كفر الأنبياء عليهم السلام وهذا الذي نسبوه إلى آدم عليه السلام من أنه سمى ابنه عبد الحارث خرافة موضوعة مكذوبة من تأليف من لا دين له ولا حياء لم يصح سندها قط وإنما نزلت في المشركين على ظاهرها وحتى لو صح أنها نزلت في آدم وهذا لا يصح أصلا لما كانت فيه للمخالف حجة لأنه كان يكون الشرك أو الشركاء المذكورون في الآية حينئذ على غير الشرك الذي هو الكفر لكن يمعنى أنهما جعلا مع توكلهما شركة من حفظه ومعناه كما قال يعقوب عليه السلام يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة وما أغنى عنكم من الله من شيء إن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم ما كان يغني عنهم من الله من شيء إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها وأنه لذو علم لما علمناه ولكن أكثر الناس لا يعلمون فأخبرنا عز و جل أن يعقوب عليه السلام أمرهم أن يدخلوا من أبواب متفرقة أشفاقا عليهم إما من إصابة العين وإما من تعرض عدو أو مستريب بإجماعهم أو ببعض ما يخوفه عليهم وهو عليه السلام معترف أن فعله ذلك وأمره إياهم بما أمرهم به من ذلك لا يغني عنهم من الله شيئا يريده عز و جل بهم ولكن لما كانت طبيعة البشر جارية في يعقوب عليه السلام وفي سائر الأنبياء عليهم السلام كما قال تعالى حاكيا عن الرسل أنهم قالوا إن نحن إلا بشر مثلكم حملهم ذلك على بعض النظر المخفف لحاجة النفس ونزاعها وتوقها إلى سلامة من يجب وإن كان ذلك لا يغني شيئا كما كان عليه السلام يحب الفال الحسن فكان يكون على هذا معنى الشرك والشركاء أن يكون عوذة أو تميمة أو نحو هذا فكيف ولم تنزل الآية قط إلا في الكفار لا في آدم عليه السلام

الكلام في نوح عليه السلام قال أبو محمد ذكروا قول الله عز و جل لنوح فلا نسألن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين

قال أبو محمد وهذا لا حجة لهم فيه لأن نوحا عليه السلام تاول وعد الله تعالى أن يخلصه وأهله فظن أن ابنه من أهله على ظاهر القرابة وهذا لو فعله أحد لكان مأجورا ولم يسأل نوح تخليص من أيقن أنه ليس من أهله فتفرع على ذلك نهي عن أن يكون من الجاهلين فتندم عليه السلام من ذلك ونزع وليس ها هنا عمد للمعصية البتة وبالله تعالى التوفيق

الكلام في إبراهيم عليه السلام قال أبو محمد ذكروا ما روى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم من أن إبراهيم عليه السلام كذب ثلاث كذبات وأنه قال إذ نظر في النجوم أني سقيم وبقوله في الكواكب والشمس والقمر وهذا ربي بقوله في سارة هذه أختي وبقوله في الأصنام إذ كسرها بل فعله كبيرهم هذا وبطلبه إذ طلب رؤية إحياء الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي
قال أبو محمد وهذا كله ليس على ما ظنوه بل هوحجة لنا والحمد لله رب العالمين أما الحديث أنه عليه السلام كذب ثلاث كذبات فليس كل كذب معصية بل منه ما يكون طاعة لله عز و جل وفرضا واجبا يعصى من تركه صح ان رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرا وقد أباح عليه السلام كذب الرجل لامرأته فيما يستجلب به مودتها وكذلك الكذب في الحرب وقد أجمع أهل الاسلام على أن انسانا لو سمع مظلوما قد ظلمه سلطان وطلبه ليقتله بغير حق ويأخذ ماله غصبا فاستتر عنده وسمعه يدعو على من ظلمه قاصدا بذلك السلطان بذلك السامع عما سمعه منه وعن موضعه فإنه إن كتم ما سمع وأنكر أن يكون سمعه أو أنه يعرف موضعه أو موضع ماله فإنه محسن مأجور مطيع لله عز و جل وأنه أن صدقه فأخبره بما سمعه منه وبموضعه وموضع ماله كان فاسقا عاصيا لله عز و جل فاعل كبيرة مذموما تماما وقد أبيح الكذب في إظهار الكفر في التقية وكل ما روى عن إبراهيم عليه السلام في تلك الكذبات فهو داخل في الصفة المحمودة لا في الكذب الذي نهى عنه وأما عن قوله عن سارة هي أختي فصدق هي أخته من وجهين قال الله تعالى إنما المؤمنون أخوة وقال عليه السلام لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه والوجه الثاني القرابة وأنها من قومه ومن مستجيبيه قال عز و جل وإلى مدين أخاهم شعيبا فمن عد هذا كذبا مذموما من إبراهيم عليه السلام فليسعده كذبا من ربه عز و جل وهذا كفر مجرد فصح أنه عليه السلام صادق في قوله سارة أخته وأما قوله فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم فليس هذا كذبا ولسنا ننكر أن تكون النجوم دلائل على الصحة والمرض وبعض ما يحدث في العالم كدلالة البرق على نعول البحر وكدلالة الرعد على تولد الكماة وكتولد المد والجزر على طلوع القمر وغروبه وأعذار وارتفاعه وامتلائه ونقصه وإنما المنكر قول من قال أن الكواكب هي الفاعلة المدبرة لذلك دون الله تعالى أو مشتركة معه فهذا كفر من قائله وأما قوله عليه السلام بل فعله كبيرهم هذا فإنما هو تقريع لهم وتوبيخ كما قال تعالى ذق نك أنت العزيز الكريم وهو في الحقيقة مهان ذليل معذب في النار فكلا القولين توبيخ لمن قيلا له على ظنهم أن الأصنام تفعل الخير والشر وعلى ظن المعذب في نفسه في الدنيا أنه عزيز كريم ولم يقل إبراهيم هذا على أنه محقق لأن كبيرهم فعله إذا كذب إنما هو الأخبار عن الشيء بخلاف ما هو عليه قصد إلى تحقيق ذلك وأما قوله عليه السلام إذ رأى الشمس والقمر هذا ربي فقال قوم أن إبراهيم عليه السلام

قال ذلك محققا أول خروجه من الغار وهذا خرافة موضوعة مكذوبة ظاهرة الافتعال ومن المحال الممتنع أن يبلغ أحد حد التميز والكلام بمثل هذا وهو لم ير قط شمسا ولا قمرا ولا كوكبا وقد اكذب الله هذا الظن الكاذب بقوله الصادق ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين فمحال أن يكون من أتاه الله رشده من قبل يدخل في عقله أن الكواكب ربه أو أن الشمس ربه من أجل أنها أكبر قرصا من القمر هذا ما لا يظنه إلا مجنون العقل والصحيح من ذلك أنه عليه السلام إنما قال ذلك موبخا لقومه كما قال لهم نحو ذلك في الكبير من الأصنام ولا فرق لأنهم كانوا على دبن الصابئين يعبدون الكواكب ويصورون الأصنام على صورها وأسمائها في هياكلهم ويعيدون لها الأعياد ويذبحون لعا الذبائح ويقربون لها القرب والقرابين والدخن ويقولون أنها تعقل وتدبر وتضر وتنفع ويقيمون لكل كوكب منها شريعة محدودة فوبخهم الخليل عليه السلام على ذلك وسخر منهم وجعل يريهم تعظيم الشمس لكبر جرمها كما قال تعالى فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون فأراهم ضعف عقولهم في تعظيمهم لهذه الأجرام المسخرة الجمادية وبين لهمأنهم مخطئون وأنها مدبرة تنتقل في الأماكن ومعاذ الله أن يكون الخليل عليه السلام أشرك قط بربه أو شك في أن الفلك بكل ما فيه مخلوق وبرهان قولنا هذا أن الله تعالى لم يعاتبه على شيء مما ذكر ولا عنفه على ذلك بل صدقه تعالى بقوله وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء فصح هذا بخلاف ما وقع لآدم وغيره بل وافق مراد الله عز و جل بما قال من ذلك وبما فعل وأما قوله عليه السلام رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطوئن قلبي فلم يقرره ربنا عز و جل وهو يشك في إيمان إبراهيم عبده وخليله ورسوله عليه السلام تعالى الله عن ذلك ولكن تقرير الإيمان في قلبه وأن لم ير كيفية إحياء الموتى فأخبر عليه السلام عن نفسه أنه مؤمن مصدق وإنما أراد أن يرى الكيفية فقط ويعتبر بذلك وما شك إبراهيم عليه السلام في أن الله تعالى يحيي الموتى وإنما أراد أن يرى الهيئة كما أننا لا نشك في صحة وجود الفيل والتمساح والكسوف وزيادة النهر والخليفة ثم يرغب من لم ير لك منافي أن يرى كل ذلك ولا يشك في أنه حق لكن ليرى العجب الذي يتمثله ولم تقع عليه حاسة بصره فقط وأما ما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم نحن أحق بالشك من إبراهيم فمن ظن أن النبي صلى الله عليه و سلم شك قط في قدرة ربه عز و جل على إحياء الموتى فقد كفر وهذا الحديث حجة لنا على نفي الشك عن إبراهيم أي لو كان الكلام من إبراهيم عليه السلام شكا لكان من لم يشاهد من القدرة ما شاهد إبراهيم عليه السلام أحق بالشك فإذا كان من لم يشاهد من القدرة ما شاهد إبراهيم غير شاك فإبراهيم عليه السلام أبعد من الشك
قال أبو محمد ومن نسب ها هنا إلى الخليل عليه السلام الشك فقد نسب إليه الكفر ومن كفر نبيا فقد كفر وأيضا فإن كان ذلك شكا من إبراهيم عليه السلام وكنا نحن أحق بالشك منه فنحن إذا شكاك جاحدون كفار وهذا كلام نعلم والحمد لله بطلانه من أنفسنا بل نحن ولله الحمد مؤمنون مصدقون بالله تعالى وقدرته على كل شيء يسأل عنه السائل وذكروا قول إبراهيم عليه السلام لأبيه واستغفاره له وهذا لا حجة لهم فيه لأنه لم يكن نهى عن ذلك قال تعالى فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه فائنى الله تعالى عليه بذلك فصح أن استغفار إبراهيم لأبيه إنما كان مدة حياته راجيا إيمانه فلما مات كافرا تبرأ منه ولم يستغفر له بعدها تم الكلام في إبراهيم عليه السلام
الكلام في لوط عليه السلام قال أبو محمد وذكروا قول الله تعالى في لوط عليه السلام أنه قال
لو أن لي بكم قوة أو أرى إلى ركن شديد
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم رحم الله لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد فظنوا أن هذا القول منه عليه السلام إنكار على لوط عليه السلام أيضا
هؤلاء بناتي هن أطهر لكم
قال أبو محمد وهذا لا حجة لهم فيه أما قوله عليه السلام لو أن لي بكم قوة أو أوى إلى ركن شديد فليس مخالفا لقول رسول الله صلى الله عليه و سلم رحم الله لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد بل كلا القولين منهما عليهما السلام حق متفق عليه لأن لوطا عليه السلام إنما أراد منعه عاجلة يمنع بها قومه مما هم عليه من الفواحش من قرابة وأو عشيرة أو اتباع مؤمنين وما جهل قط لوط عليه السلام أنه يأوي من ربه تعالى إلى أمنع قوة وأشد ركن ولا جناح على لوط عليه السلام في طلب قوة من الناس فقد قال تعالى لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض فهذا الذي طلب لوط عليه السلام وقد طلب رسول الله صلى الله عليه و سلم من الأنصار والمهاجرين منعه حتى يبلغ كلام ربه تعالى فكيف ينكر على لوط أمرا هو فعله عليه السلام تالله ما أنكر ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم وإنما أخبر عليه السلام أن لوطا كان يأوي إلى ركن شديد يعني من نصر الله له بالملائكة ولم يكن لوط علم بذلك ومن اعتقد أن لوطا كان يعتقد أنه ليس له من الله ركن شديد فقد كفر إذ نسب إلى نبي من الأنبياء هذا الكفر وهذا أيضا ظن سيخف إذ من الممتنع أن يظن برب أراه المعجزات وهو دائبا يدعو إليه هذا الظن وأما قوله عليه السلام هؤلاء بناتي هن فإنما أراد الترويج والوطء في المكان المباح فصح ما قلنا إذ من المحال أن يدعوهم إلى منكر وهو ينهاهم عن المنكر انقضى الكلام في لوط عليه السلام
الكلام في أخوه يوسف عليهم السلام قال أبو محمد واحتجوا بفعل أخوه يوسف وبيعهم أخاهم وكذبهم لأبيهم وهذا لا حجة لهم فيه لأن اخوة يوسف عليه السلام لم يكونوا أنبياء ولا جاء قط في أنهم أنبياء نص لا من قرآن ولا من سنة صحيحة ولا من إجماع ولا من قول أحد من الصحابة رضي الله عنهم وأما يوسف صلى الله عليه و سلم فرسول الله بنص القرآن قال عز و جل ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به إلى قوله من بعده رسولا وأما إخوته فأفعالهم تشهد أنهم لم يكونوا متورعين عن العظائم فكيف أن يكونوا أنبياء ولكن الرسولين أباهم وأخاهم قد استغفرا لهم وأسقطا التثريب عنهم وبرهان ما ذكرنا من كذب من يزعم أنهم كانوا أنبياء قول الله تعالى حاكيا عن الرسول أخيهم عليه السلام أنه قال لهم أنتم شر مكانا ولا يجوز البتة أن يقوله نبي من الأنبياء نعم ولا لقوم صالحين إذ توقير الأنبياء فرض على جميع الناس لأن الصالحين ليسوا شرا مكانا وقد عق ابن نوح أباه أكثر مما عق به إخوة يوسف أباهم إلا أن أخوه يوسف لم يكفروا ولا يحل لمسلم ان يدخل في الانبياء من لم يات نص ولا اجماع أو نقل كافة بصحة نبوته ولا فرق بين التصديق بنبوة من ليس نبيا وبين التكذيب بنبوة من صحت نبوته منهم فان ذكروا في ذلك ماروى عن بعض الصحابة رضي الله عنهم وهو زيد بن أرقم انمامات ابراهيم بن رسول الله صلى الله عليه و سلم لأنه لا نبي بعد رسول الله عليه وسلم واولاد الانبياء انبياء فهذه

غفلة شديدة وزلة عالم من وجوه أولها أنه دعوى لا دليل علي صحتها وثانيها انه لو كان ما ذكر لأمكن ان ينبأ ابراهيم في المهد كما نبىء عيسى عليه السلام وكما اوتي يحي الحكم صبيا فعلى هذا القول لعل إبراهيم كان نبياوقد عاش عامين غير شهرين وحاشا لله من هذا وثالثها ان ولد نوح كان كافرابنص القرآن عمل عملا غير صالح فلو كان أولاد الانبياء انبياء لكان هذا الكافر المسخوط عليه نبيا وحاشا لله من هذا ورابعها لو كان ذلك لوجب ولابد ان تكون اليهود كلهم انبياء الى اليوم بل جميع اهل الارض انبياء لانه يلزم أن يكون الكل من ولد آدم لصلبه انبياءلان اباهم نبي واولاده انبياء أيضا لان آباءهم انبياء وهم أولاد انبياء وهكذا أبدا حتى يبلغ الامر الينا وفي هذا من الكفر لمن قامت عليه الحجة وثبت عليه مالا خفاء به وبالله تعالى التوفيق
قال ابو محمد ولعل من جهل مرتين يقول عنا هذا ينكر نبوة اخوة يوسف ويثبت نبوة نبي المجوس ونبوة ام موسى وام عيسى وام اسحاق عليهم السلام فنحن نقول وبالله تعالى التوفيق وبه نعتصم لسنا نقر بنبوة من لم يخبر الله عز و جل بنبوته ولم ينص رسول الله صلى الله عليه و سلم علي نبوته ولا نقلت الكواف عن امثالها نقلا متصلا منه الينا معجزات النبوة عنه ممن كان قبل مبعث النبي صلى الله عليه و سلم بل ندفع نبوة من قام البرهان على بطلان نبوته لان تصديق نبوة من هذه صفته افتراء على الله تعالى لا يقدم عليه مسلم ولا ندفع نبوة من جاء القرآن بأن الله تعالى نباه فأما أم موسى وأم عيسى وأم إسحاق فالقرآن قد جاء بمخاطبة الملائكة لبعضهن بالوحي وإلى بعض منهن عن الله عز و جل بالأنباء بما يكون قبل أن يكون وهذه النبوة نفسها التي لا نبوة غيرها فصحت نبوتهن بنص القرآن وأما نبي المجوس فقد صح أنهم اهل كتاب يأخذ رسول الله صلى الله عليه و سلم الجزية منهم ولم يبح الله تعالى له أخذ الجزية إلا من أهل الكتاب فقط فمن نسب إلى محمد صلى الله عليه و سلم أنه أخذ الجزية من غير أهل الكتاب فقد نسب إليه أنه خالف ربه تعالى وأقدم على عظيمة تقشعر منها جلود المؤمنين فإذ نحن على يقين من أنهم أهل كتاب فلا سبيل البتة إلى نزول كتاب من عند الله تعالى على غير نبي مرسل بتبليغ ذلك الكتاب فقد صح بالبرهان الضروري أنهم قد كان لهم نبي مرسل يقينا بلا شك ومع هذا فقد نقلت عنه كواف عظيمة معجزات الأنبياء عليهم السلام وكل ما نقلته كافة على شرط عدم التواطئ فواجب قبوله ولا فرق بين ما نقلته كواف الكافرين أو كواف المسلمين فيما شاهدته حواسهم ومن قال لا أصدق إلا ما نقلته كواف المسلمين فإنا نسأله بأي شيء يصح عنده موت ملوك الروم ولم يحضرهم مسلم أصلا وإنما نقلته إلينا يهود عن نصارى ومثل هذا كثير فإن كذب هذا غالط نفسه وعقله وكابر حسه وأيضا فإن المسلمين إنما علمنا أنهم محقون لتحقيق نقل الكافة لصحة ما بأيديهم فبنقل الكافة علمنا هدى المسلمين ولا تعلم بالإسلام صحة نقل الكافة بل هو معلوم بالبينة وضرورة العقل وقد أخبر تعالى أن الأولين زبر وقال تعالى ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك وفي هذا كفاية وبالله تعالى التوفيق الكلام في يوسف عليه السلام
وذكروا أيضا أخذ يوسف عليه السلام أخاه وإيحاشه أباه عليه اسلام منه وأنه أقام مدة يقدر فيها على أن يعرف أباه خبره وهو يعلم ما يقاسي به من الوجد عليه فلم بفعل وليس بينه

بينه وبينه إلا عشر ليال وبإدخاله صواع الملك في وعاء أخيه ولم يعلم بذلك سائراخوته ثم أمر من هتف أيتها العير إنكم لسارقون وهم لم يسرقوا شيئا وبقول الله تعالى ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه وبخدمته لفرعون وبقوله للذي كان معه في السجن أذكرني عند ربك
قال أبو محمد وكل هذا لا حجة لهم في شيء منه ونحن نبين ذلك بحول الله تعالى وقوته فنقول وبالله تعالى نتأيد إما أخذه أخاه وايحاشه أباه منه فلا شك في أن ذلك ليرفق بأخيه وليعود اخوته إليه ولعلهم لو مضوا بأخيه لم يعودوا إليه وهم في مملكة أخرى وحيث لا طاعة ليوسف عليه السلام ولا لملك مصر هنالك وليكون ذلك سببا لإجتماعه وجمع شمل جميعهم ولا سبيل إلى أن يظن برسول الله صلى الله عليه و سلم الذي أوتي العلم والمعرفة بالتأويل إلا أحسن الوجوه وليس مع من خالفنا نص بخلاف ما ذكرنا ولا يحل أن يظن بمسلم فاضل عقوق أبيه فكيف برسول الله صلى الله عليه و سلم وأما ظنهم أنه أقام مدة يقدر فيها علي ويتعف أبيه خبره ولم يفعل فهذا جهل شديد ممن ظن هذا لأن يعقوب في أرض كنعان من عمل فلسطين في قوم رحالين خصاصين في لسان آخر وطاعة أخرى ودين آخر وأمة أخرى كالذي بيننا اليوم وبين من يضافينا من بلاد النصارى كفاليش وغيرها أو كصحراء البربر فلم يكن عند يوسف عليه السلام علم بعد فراقه أباه بما فعل ولا حي هو أو ميت أكثر من وعد الله تعالى بأن ينبئهم بفعلهم به ولا وجد أحدا يثق به فيرسل إليه للإختلاف الذي ذكرنا وإنما يستسهل هذا اليوم من يرى أرض الشام ومصر لأمير واحد وملة واحدة ولسانا واحدا وأمة واحدة والطريق سابل والتجار ذاهبون وراجعون والرفاق سائرة ومقبلة والبرد ناهضة وراجعة فظن كل بيضاء شحمة ولم يكن الأمر حينئذ كذلك ولكن كما قدمنا دليل ذلك أنه حين أمكنه لم يؤخره واستجلب أباه وأهله أجمعين عند ضرورة الناس إليه انقيادهم له للجوع الذي كان عم الأرض وامتيازهم من عنده فانتظر وعد ربه تعالى الذي وعده حين ألقوه في الجب فأتوه ضارعين راغبين كما وعده تعالى في رؤياه قبل آن يأتوه ورب رئيس جليل شاهدنا من أبناء البشاكس والافرنج لو قدر علي أن يستجلب أبويه لكان أشد الناس بدارا إلى ذلك ولكن الأمر تعذر عليهم تعذرا أخرجه عن الإمكان إلى الامتناع فهذا كان أمر يوسف عليه السلام وأما قول يوسف لإخوته أنكم لسارقون وهم لم يسرقوا الصواع بل هو الذي كان قد أدخله في وعاء أخيه دونهم فقد صدق عليه السلام لأنهم سرقوه من أبيه وباعوه ولم يقل عليه السلام أنكم سرقتم الصواع وإنما قال تفقد صواع الملك وهو في ذلك صادق لأنه كان غير واجد له فكان فاقد له بلا شك وأما خدمته عليه السلام لفرعون فإنما خدمة تقية وفي حق لاستنقاذ الله تعالى بحسن تدبيره ولعل الملك أو بعض خواصه قد آمن به إلا أن خدمته له على كل حال حسنة وفعل خير وتوصل إلى الاجتماع بأبيه وإلى العدل وإلى حياة النفوس إذ لم يقدر على المغالبة ولا أمكنة غير ذلك ولا مرية في أن ذلك كان مباحا في شريعة يوسف عليه السلام بخلاف شريعتنا قال الله تعالى لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا وأما سجود أبويه فلم يكن محظورا في شريعتهما بل كان فعلا حسنا وتحقيق رؤياه الصادق من الله تعالى ولعل ذلك السجود كان تحية كسجود الملائكة لآدم عليه السلام إلا أن الذي

لا شك فيه أنه لم يكن سجود عبادة ولا تذلل وإنما كان سجود كرامة فقط بلا شك وأما قوله عليه السلام للذي كان معه في السجن اذكرني عند ربك فما علمنا الرغبة في الانطلاق من السجن محظورة على أحد وليس في قوله ذلك دليل على أنه أغفل الدعاء إلى الله عز و جل لكنه رغب هذا الذي كان معه في السجن في فعل الخير وحضه عليه وهذا فرض من وجهين أحدهما وجوب السعي في كف الظلم عنه والثاني دعاؤه إلى الخير والحسنات واما قوله تعالى فأنساه الشيطان ذكر ربه فالضمير الذي في أنساه وهو الهاء راجع إلى الفتي الذي كان معه في السجن أي ان الشيطان أنساه أن يذكر ربه أمر يوسف عليه السلام ويحتمل أيضا أن يكون انساه الشيطان ذكر الله تعالى ولو ذكر الله عز و جل لذكر حاجة يوسف عليه السلام وبرهان ذلك قول الله عز و جل وادكر بعد أمة فصح يقينا أن المذكور بعد أمة هو الذي أنساه الشيطان ذكر ربه حتى تذكر وحتى لو صح أن الضمير من أنساه راجع إلى يوسف عليه السلام لما كان في ذلك نقص ولا ذنب اذ ما كان بالنسيان فلا يبعد عن الانبياء وأما قوله همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه فليس كما ظن من لم يمعن النظر حتى قال من المتأخرين من قال انه قعد منها مقعد الرجل من المرأة ومعاذ الله من هذا أن يظن برجل من صالحي المسلمين أو مستوريهم فكيف برسول الله صلى الله عليه و سلم فقط فإن قيل ان هذا قد روى عن ابن عباس رضي الله عنه من طريق جيدة الاسناد قلنا نعم ولا حجة في قول أحد إلا فيما صح عن رسول الله صلى الله عليه و سلم فقط والوهم في تلك الرواية انما هي بلا شك عمن دون ابن عباس أو لعل ابن عباس لم يقطع بذلك إذ إنما أخذه عمن لا يدري من هو ولا شك في أنه شيء سمعه فذكره لانه رضي الله عنه لم يحضر ذلك ولا ذكره عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ومحال أن يقطع ابن عباس بما لا علم له به لكن معنى الآية لا يعدو أحد وجهين أما انه هم بالايقاع بها وضربها كما قال تعالى وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه وكما يقول القائل لقد همت بك لكنه عليه السلام امتنع من ذلك ببرهان أراه الله اياه استغنى به عن ضربها وعلم ان الفرار أجدى عليه واظهر لبراءته على ما ظهر بعد ذلك من حكم الشاهد بأمر القد من القميص والوجه الثاني أن الكلام تم عند قوله ولقد همت به ثم ابتدأ تعالى خبرا آخر فقال وهم بها لولا أن رأى برهان ربه وهذا ظاهر الآية بلا تكلف تأويل وبهذا نقول حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الله الطلمنكي حدثنا ابن عون الله أنبأنا إبراهيم ابن احمد بن فراس حدثنا أحمد بن محمد بن سالم النيسابوري انا اسحق بن راهويه أنا المؤمل ابن اسماعيل الحميري حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قرأ هذه الآية ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لما قالها يوسف عليه السلام قال له جبريل يا يوسف اذكر همك

فقال يوسف وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء فليس في هذا الحديث على معنى من المعاني تحقيق الهم بالفاحشة ولكنه فيه أنه بأمرها وهذا حق كما قلنا فسقط هذا الإعتراض وصح الوجه الأول والثاني معا إلا أن الهم بالفاحشة باطل مقطوع على كل حال وصح أن ذلك الهم ضرب سيدته وهي خيانة لسيده إذ هم بضرب امرأته وبرهان ربه ها هنا هو النبوة وعصمة الله عز و جل إياه ولولا البرهان لكان يهم بالفاحشة وهذا لا شك فيه ولعل من ينسب هذا إلى النبي المقدس يوسف ينزه نفسه الرذله عن مثل المقام فيهلك وقد خشي النبي صلى الله عليه و سلم الهلاك على من ظن به ذلك الظن إذ قال للأنصاريين حين لقيهما هذذه صفية
قال أبو محمد ومن الباطل الممتنع أن يظن ظان أن يوسف عليه السلام هم بالزنا وهو يسمع قول الله تعالى كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء فنسأل من خالفنا عن الهم بالزنا بسوء هو أم غير سوء فلا بد أنه سوء ولو قال أنه ليس بسوء لعاند الإجماع فإذ هو سوء وقد صرف عنه السوء فقد صرف عنه الهم بيقين وأيضا فإنها قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا وأنكر هو ذلك فشهد الصادق المصدق إن كان قمصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين فصح أنها كذبت بنص القرآن وإذا كذبت بنص القرآن فما أراد بها سوء فما هم بالزنا قط ولو أراد بها الزنا لكانت من الصادقين وهذا بين جدا وكذلك قوله تعالى عنه أنه قال وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن فصح عنه أنه قط لم يصب إليها وبالله تعالى التوفيق تم الكلام في يوسف عليه السلام

الكلام في موسى عليه السلام وأمه قال أبو محمد ذكروا قول الله تعالى وأصبح فؤاد أم موسى فارغا أن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها فمعناه فارغا من الهم بموسى جملة لأن الله عز و جل قد وعدها برده إليها إذ قال لها تعالى إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين فمن الباطل المحض أن يكون اله تعالى ضمن لها رده إليها ثم يصبح قلبها مشغولا بالهم بأمره هذا مالا يظن بذي عقل أصلا وإنما معنى قوله تعالى أن كادت لتبدي به أي سرورا بما أتاه الله عز و جل من الفضل وقولها لأخته قصية إنما هو لترى أخته كيفية قدرة الله تعالى في تخليصه من يدي فرعون عدوه بعد وقوعه فيهما وليتم بها ما وعدها الله تعالى من رده إليها فبعثت أخته لترده بالوحي ذكروا قول الله تعالى عن موسى عليه السلام فأخذ برأس أخيه يجره إليه قال يا ابن أم لا تأخذ بلحيتي ورأسي قالوا وهذه معصية أن يأخذ بلحية أخيه وشعره

وهو نبي مثله وأسن منه ولا ذنب له
قال أبو محمد وهذا ليس كما طنوا وهو خارج على وجهين أحدهما أن أخذه برأس أخيه ليقبل بوجهه عليه ويسمع عتابه له إذ تأخر عن اتباعه إذ رآهم ضلوا ولم ياخذ بشعر أخيه قط إذ ليس ذلك في الآية أصلا ومن زاد ذلك فيها فقد كذب على الله تعالى لكن هارون عليه السلام خشيى بادرة من موسى عليه السلام وسطوة إذ رآه قد اشتد غضبه فأراد توقيفه بهذا الكلام عما تخوفه منه وليس في هذه الآية ما يوجب غير ما قلناه ولا أنه مد يده إلى أخيه أصلا وبالله تعالى التوفيق والثاني أن يكون هارون عليه السلام قد يكون استحق في نظر موسى عليه السلام النكير لتأخيره عن لحاقه إذ رآهم ضلوا فأخذ برأسه منكرا عليه ولو كان هذا لكان إنما فعله موسى عليه السلام غضبا لربه عز و جل وقاصدا بذلك رضاء الله تعالى ولسنا نبعد هذا من الأنبياء عليهم السلام وإنما نبعد القصد إلى المعصية وهم يعلمون أنها معصية وهذا هو معني ما ذكره الله تعالى عن ابراهيم خليله صلى الله عليه و سلم إذ قال والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين وقول الله تعالى لمحمد صلى الله عليه و سلم ليغفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر إنما الخطيئة المذكورة والذنوب المغفورة ما وقع بنسيان أو بقصد إلى الله تعالى إرادة الخير فلم يوافق رضا الله عز و جل بذلك فقط وذكروا قول موسى عليه السلام للخضر عليه السلام أقتلت نفسا زكية بغير نفس فأنكر موسى عليه السلام الشيء وهو لا يعلمه وقد كان أخذ عليه العهد أن لا يسأله عن شيء حتى يحدث له منه ذكرا فهذا أيضا لا حجة لهم فيه لأن ذلك كان على سبيل النسيان وقد بين موسى عليه السلام ذلك بقوله لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا فرغب إليه أنه لا يؤاخذه بنسيانه ومؤاخذة الخضر له بالنسيان دليل على صحة ما قلنا من أنهم عليهم السلام مؤاخذون بالنسيان وبما قصدوا به الله عز و جل فلم يصادفوا بذلك مراد الله عز و جل وتكلم موسى عليه السلام على ظاهر الأمر وقدر أن الغلام زكى إذ لم يعلم له ذنبا وكان عند الخضر العلم الجلي بكفر ذلك الغلام واستحقاقه القتل فقصد موسى عليه السلام بكلامة في ذلك وجه الله تعالى والرحمة وإنكار ما لم يعلم وجهه وذكروا قول موسى عليه السلام فعلتها إذا وأنا من الضالين فقول صحيح وهو حاله قبل النبوة فإنه كان ضالا عما اهتدى له بعد النبوة وضلال الغيب عن العلم كما تقول أضللت بعيري لا ضلال القصد إلى الإثم وهكذا قول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه و سلم ووجدك ضالا فهدى أي ضالا عن المعرفة وبالله تعالى التوفيق وذكروا قول الله عز و جل عن بني إسرائيل فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم قالوا وموسى قد سأل ربه مثل ذلك فقال رب أرني أنظر إليك قال

لن تراني قالوا فقد سأل موسى عليه السلام أمرا عوقب سائلوه قبله
قال أبو محمد وهذا لا حجة لهم فيه لانه خارج على وجهين أحدهما أن موسى عليه السلام سال ذلك قبل سؤال بني إسرائيل رؤية الله تعالى وقبل أن يعلم أن سؤال ذلك لا يجوز فهذا لا مكروه فيه لأنه سأل فضيلة عظيمة أراد بها علو المنزلة عند ربه تعالى والثاني أن بني إسرائيل سألوا ذلك متعنتين وشكاكا في الله عز و جل وموسى سأل ذلك على الوجه الحسن الذي ذكرنا آنفا .
الكلام على يونس عليه السلام قال أبو محمد وذكروا أمر يونس عليه السلام وقول الله تعالى عنه وذا النون اذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات ان لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين وقوله تعالى فلولا انه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون وقوله لنبيه عليه السلام فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم وقوله تعالى فالتقمه الحوت وهو مليم قالوا ولا ذنب أعظم من المغاضبة لله عز و جل ومن أكبر ذنبا ممن ظن أن الله لا يقدر عليه وقد أخبر الله تعالى أنه استحق الذم لولا أن تداركه نعمة الله عز و جل وانه استحق الملامة وانه اقر على نفسه أنه كان من الظالمين ونهى الله تعالى نبيه أن يكون مثله قال أبو محمد هذا كله لا حجة لهم فيه بل هو حجة لنا على صحة قولنا والحمد لله رب العالمين أما أخبار الله تعالى أن يونس ذهب مغاضبا فلم يغاضب ربه قط ولا قال الله تعالى أنه غاضب ربه فمن زاد هذه الزيادة كان قائلا على الله الكذب وزائدا في القرآن ما ليس فيه هذا لا يحل ولا يجوز أن يظن بمن له أدنى مسكة من عقل أنه يغاضب ربه تعالى فكيف أن يفعل ذلك نبي من الانبياء فعلمنا يقينا أنه إنما غاضب قومه ولم يوافق ذلك مراد الله عز و جل فعوقب بذلك وان كان يونس عليه السلام لم يقصد بذلك إلا رضا الله عز و جل وأما قوله تعالى فظن أن لن نقدر عليه فليس علي ما ظنوه من الظن السخيف الذي لا يجوز أن يظن بضعيفة من النساء أو بضعيف من الرجال الا أن يكون قد بلغ الغاية من الجهل فكيف بنبي مفصل على الناس في العلم ومن المحال المتيقن ان يكون نبي يظن ان الله تعالى الذي أرسله بدينه لا يقدر عليه وهو يرى ان آدميا مثله يقدر عليه ولا شك في ان من نسب هذا للنبي صلى الله عليه و سلم الفاضل فانه يشتد غضبه لو نسب ذلك إليه أو إلى ابنه فكيف إلى يونس عليه السلام الذي يقول فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم لا تفضلوني على يونس بن متى فقد بطل ظنهم بلا شك وصح أن معنى قوله فظن أن لن

نقدر عليه أي لن نضيق عليه كما قال تعالى وأما اذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه أي ضيق عليه فظن يونس عليه السلام أن الله تعالى لا يضيق عليه في مغاضبته لقومه اذ ظن انه محسن في فعله ذلك وإنما نهى الله عز و جل لمحمد صلى الله عليه و سلم عن أن يكون كصاحب الحوت فنعم نهاه الله عز و جل عن مغاضبته قومه وأمره بالصبر على اذاهم وبالمطاولة لهم واما قول الله تعالى انه استحق الذم والملامة لولا النعمة التي تداركه بها للبث معاقبا في بطن الحوت فهذا نفس ما قلناه من أن الانبياء عليهم السلام يؤاخذون في الدنيا على ما فعلوه مما يظنونه خيرا وقربة إلى الله عز و جل إذا لم يوافق مراد ربهم وعلى هذا الوجه أقر على نفسه بأنه كان من الظالمين والظلم وضع الشيء في غير موضعه فلما وضع النبي صلى الله عليه و سلم المغاضبة في غير موضعها اعترف في ذلك بالظلم لا على أنه قصده وهو يدري أنه ظلم انقضى الكلام في يونس عليه السلام وبالله تعالى التوفيق .
الكلام في داود عليه السلام وذكروا أيضا قول الله تعالى حاكيا عن داود عليه السلام وهل أتاك نبأ الخصم اذ تسوروا المحراب إذ دخلوا على داود ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان إلى قوله فغفرنا له ذلك قال أبو محمد وهذا قول صادق صحيح لا يدل على شيء مما قاله المستهزئون الكاذبون المتعلقون بخرافات ولدها اليهود وإنما كان ذلك الخصم قوما من بني آدم بلا شك مختصمين في نعاج من الغنم على الحقيقة بينهم بغى أحدهما على الآخر على نص الآية ومن قال أنهم كانوا ملائكة معرضين بأمر النساء فقد كذب على الله عز و جل وقوله ما لم يقل وزاد في القرآن ما ليس فيه وكذب الله عز و جل وأقر على نفسه الخبيثة أنه كذب الملائكة لأن الله تعالى يقول هل أتاك نبأ الخصم فقال هو لم يكونوا قط خصمين ولا بغى بعضهم على بعض ولا كان قط لاحدهما تسع وتسعون نعجة ولا كان للآخر نعجة واحدة ولا قال له أكفلنيها فاعجبوا لم يقحمون فيه أهل الباطل أنفسهم ونعوذ بالله من الخذلان ثم كل ذلك بلا دليل بل الدعوى المجردة وتالله ان كل امرئ منا ليصون نفسه وجاره المستور عن أن يتعشق امرأة جاره ثم يعرض زوجها للقتل عمدا ليتزوجها وعن أن يترك صلاته لطائر يراه هذه أفعال السفهاء المتهوكين الفساق المتمردين لا أفعال أهل البر والتقوى فكيف برسول الله داود صلى الله عليه و سلم الذي أوحي إليه كتابه وأجرى على لسانه كلامه لقد نزهه الله عز و جل عن أن يمر مثل هذا الفحش بباله فكيف أن يستضيف إلى أفعاله وأما استغفاره وخروره ساجدا ومغفرة الله تعالى له فالانبياء عليهم السلام أولى الناس بهذه الأفعال الكريمة والاستغفار فعل خير لا ينكر من ملك ولا من

نبي ولا من مذنب ولا من غير مذنب فالنبي يستغفر الله لمذنبي أهل الأرض والملائكة كما قال الله تعالى ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم وأما قوله تعالى عن داود عليه السلام وظن داود إنما فتناه وقوله تعالى فغفرنا له ذلك فقد ظن داود عليه السلام أن يكون ما أتاه الله عز و جل من سعة الملك العظيم فتنة فقد كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يدعو في أن يثبت الله قلبه على دينه فاستغفر الله تعالى من هذا الظن فغفر الله تعالى له هذا الظن إذ لم يكن ما أتاه الله تعالى من ذلك فتنة .
الكلام في سليمان عليه السلام وذكروا قول الله عز و جل عن سليمان عليه السلام ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب
قال أبو محمد ولا حجة لهم في هذا اذ معنى قوله تعالى فتنا سليمان أي أتيناه من الملك ما اختبرنا به طاعته كما قال تعالى مصدقا لموسى عليه السلام في قوله تعالى إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء إن من الفتنة من يهدي الله من يشاء وقال تعالى ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين فهذه الفتنة هي الاختبار حتى يظهر المهتدي من الضال فهذه فتنة الله تعالى لسليمان إنما هي اختباره حتى ظهر فضله فقط وما عدا هذا فخرافات ولدها زنادقة اليهود وأشباههم وأما الجسد الملقى على كرسيه فقد أصاب الله تعالى به ما أراد نؤمن بهذا كما هو ونقول صدق الله عز و جل كل من عند الله ربنا ولو جاء نص صحيح في القرآن أو عن رسول الله صلى الله عليه و سلم بتفسير هذا الجسد ما هو لقلنا به فاذا لم يأت بتفسيره ما هو نص ولا خبر صحيح فلا يحل لاحد القول بالظن الذي هو أكذب الحديث في ذلك فيكون كاذبا على الله عز و جل الا اننا لا نشك البتة في بطلان قول من قال انه كان جنيا تصور بصورته بل نقطع على أنه كذب والله تعالى لا يهتك ستر رسوله صلى الله عليه و سلم هذا الهتك وكذلك نبعد قول من قال انه كان ولدا له أرسله إلى السحاب ليربيه فسليمان عليه السلام كان أعلم من أن يربي ابنه بغير ما طبع الله عز و جل بنية البشر عليه من اللبن والطعام وهذه كلها خرافات موضوعة مكذوبة لم يصح اسنادها قط وذكروا أيضا قول الله عز و جل عن سليمان عليه السلام إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب ردوها علي فطفق مسحا بالسوق والاعناق وتأولوا ذلك على ما قد نزه الله عنه من له أدنى مسكة من عقل

من أهل زماننا وغيره فكيف بنبي معصوم مفضل في أنه قتل الخيل اذا اشتغل بها عن الصلاة قال أبو محمد وهذه خرافة موضوعة مكذوبة سخيفة باردة قد جمعت افانين من القول والظاهر أنها من اختراع زنديق بلا شك لان فيها معاقبة خيل لا ذنب لها والتمثيل بها واتلاف مال منتفع به بلا معنى ونسبة تضييع الصلاة إلى نبي مرسل ثم يعاقب الخيل على ذنبه لا على ذنبها وهذا أمر لا يستجيزه صبي ابن سبع سنين فكيف بنبي مرسل ومعنى هذه الآية ظاهر بين وهو أنه عليه السلام أخبر أنه أحب حب الخير من أجل ذكر ربه حتى توارت الشمس بالحجاب أو حتى توارت تلك الصافنات الجياد بحجابها ثم أمر بردها فطفق مسحا بسوقها وأعناقها بيده برا بها واكراما لها هذا هو ظاهر الآية الذي لا يحتمل غيره وليس فيها اشارة أصلا إلى ما ذكروه من قتل الخيل وتعطيل الصلاة وكل هذا قد قاله ثقات المسلمين فكيف ولا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه و سلم وذكروا أيضا الحديث الثابت من قول رسول الله صلى الله عليه و سلم أن سليمان عليه السلام قال لاطوفن الليلة علي كذا وكذا امرأة كل امرأة منهن تلد فارسا يقاتل في سبيل الله ولم يقل ان شاء الله
قال أبو محمد وهذا ما لا حجة لهم فيه فإن من قصد تكثير المؤمنين المجاهدين في سبيل الله عز و جل فقد أحسن ولا يجوز أن يظن به أنه يجهل أن ذلك لا يكون إلا أن يشاء الله عز و جل وقد جاء في نص الحديث المذكور أنه إنما ترك إن شاء الله نسيانا فأوخذ بالنسيان في ذلك وقد قصد الخير وهذا نص قولنا والحمد لله رب العالمين تم الكلام في سليمان عليه الصلاة و السلام
فصل وذكروا قوله تعالى واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فاتبعه الشيطان فكان من الغاوين
قال أبو محمد وهذا ما لا حجة لهم فيه لأنه ليس في نص الآية ولا عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أن هذا المذكور كان نبيا وقد يكون انباء الله تعالى لهذا المذكور آياته أنه أرسل إليه رسولا بآياته كما فعل بفرعون وغيره فانسلخ منها بالتكذيب فكان من الغاوين وإذا صح أن نبيا لا يعصي الله عز و جل تعمدا فمن المحال أن يعاقبه الله تعالى على ما لا يفعل ولا عقوبة أعظم من الحط عن النبوة ولا يجوز أن يعاقب بذلك نبي البتة لأنه لا يكون منه ما يستحق به هذا العقاب وبالله تعالى التوفيق فصح يقينا أن هذا المنسلخ لم يكن قط نبيا وذكروا قول رسول الله صلى الله عليه و سلم أن ما من أحد إلا من ألم بذنب أو كاد إلا يحيى بن زكريا أو كلاما هذا معناه
قال أبو محمد وهذا صحيح وليس خلافا لقولنا إذ قد بينا أن الأنبياء عليهم السلام

يقع منهم النسيان وقصد الشيء يظنونه قربة إلى الله تعالى فأخبر عليه السلام أنه لم ينج من هذا أحد إلا يحيى بن زكريا عليهما السلام فيقول من هذا إن يحيى لم ينس شيئا واجبا عليه قط ولا فعل إلا ما وافق فيه مراد ربه عز و جل الكلام في محمد صلى الله عليه و سلم
قال أبو محمد وذكروا قول الله تعالى لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم وقوله تعالى عسى وتولى أن جاءه الأعمى وما يدريك لعله يزكى أو يذكر فتنفعه الذكرى أما من استغنى فانت له تصدى وما عليك الا يزكى وأما من جاءك يسعى وهو يخشى فأنت عنه تلهى وبالحديث الكاذب الذي لم يصح قط في قراءته عليه السلام في والنجم إذا هوى وذكروا تلك الزيادة المفتراة التي تشبه من وضعها من قولهم وانها لهي الغرانيق العلي وأن شفاعتها لترتجى وذكروا قول الله تعالى وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته وبقوله تعالى ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله وأن الوحي امتسك عنه عليه السلام لتركه الاستثناء إذ سأله اليهود عن الروح وعن ذي القرنين وأصحاب الكهف وبقوله تعالى وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه وبما روي من قوله عليه السلام لقد عرض علي عذابكم أدنى من هذه الشجرة إذ قبل الفداء وترك قتل الأسرى ببدر وبما روي من قوله عليه السلام لو نزل عذاب ما نجى منه إلا عمر لأن عمر أشار بقتلهم وذكروا أنه عليه السلام مال إلى رأي أبي بكر في الفدا والاستبقاء وبقوله تعالى ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر قالوا فان لم يكن له ذنب فماذا غفر له وبأي شيء أمتن الله عليه في ذلك وبقوله صلى الله عليه و سلم لو دعيت إلى ما دعي إليه يوسف لأجبت فإنما هذا اذ دعي إلى الخروج من السجن فلم يجب إلى الخروج حتى قال للرسول ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهم أن ربي بكيدهن عليم فأمسك عن الخروج من السجن وقد دعي إلى الخروج عنه حتى اعترف النسوة بذنبهن وبراءته وتيقن بذلك ما كان شك فيه فأخبر محمد ص - أنه لو دعي الى الخروج من السجن لأجاب وهذا التفسير منصوص في الحديث نفسه كما ذكرنا من كلامه عليه السلام لو لبثت في السجن ما لبث يوسف عليه السلام ثم دعيت لاجبت الداعي أو كلاما هذا معناه واما قول الله عز و جل ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر فقد بينا ان ذنوب الانبياء عليهم السلام ليست الا ما وقع بنسيان او بقصد الى ما يظنون خيرا مما لا يوافقون مراد الله تعالى منهم فهذان لوجهان هما اللذان غفر الله عز و جل له وأما قوله لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم فإنما الخطاب في ذلك للمسلمين لا لرسول الله صلى الله عليه و سلم وإنما كان ذلك إذ تنازعوا في غنائم بدر فكانوا هم المذنبين المتشتنين عليه يبين ذلك

قوله تعالى يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله واصلحوا ذات بينكم وقوله تعالى في هذه السورة نفسها النازلة في هذا المعنى يجادلونك في الحق بعدما تبين كانما يساقون إلى الموت وهم ينظرون وقوله تعالى قبل ذكره الوعيد بالعذاب الذي احتج به من خالفنا تريدون عرض الدينا والله يريد الآخرة فهذا نص القرآن وقد رد الله عز و جل الامر في الأنفال المأخوذة يومئذ إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم وأما الخبر المذكور الذي فيه لقد عرض علي عذابكم أدنى من هذه الشجرة ولو نزل عذاب ما نجي منه إلا عمر فهذا خبر لا يصح لأن المنفرد بروايته عكرمة بن عمار اليمامي وهو ممن قد صح عليه وضع الحديث أو سوء الحفظ أو الخطأ الذي لا يجوز معهما الرواية عنه ثم لو صح لكان القول فيه كما قلنا من أنه قصد الخير بذلك وأما قوله عبس وتولى الايات فانه كان عليه السلام قد جلس إليه عظيم من عظماء قريش ورجا اسلامه وعلم عليه السلام أنه لو أسلم لأسلم باسلامه ناس كثير وأظهر الدين وعلم أن هذا الأعمى الذي يسأله عن أشياء من أمور الدين لا يفوته وهو حاضر معه فاشتغل عنه عليه السلام بما خاف فوته من عظيم الخير عما لا يخاف فوته وهذا غاية النظر للدين والاجتهاد في نصرة القرآن في ظاهر الامر ونهاية التقرب إلى الله الذي لو فعله اليوم منا فاعل لأجر فعاتبه الله عز و جل على ذلك إذ كان الاولى عند الله تعالى أن يقبل على ذلك الأعمى الفاضل البر التقي وهذا نفس ما قلناه وكما سهى عليه السلام من اثنتين ومن ثلاث وقام من اثنتين ولا سبيل إلى أن يفعل من ذلك شيئا تعمدا أصلا نعم ولا يفعل ذلك تعمدا إنسان منا فيه خير وأما الحديث الذي فيه وأنهن الغرانيق العلى وأن شفاعتها لترتجى فكذب بحت موضوع لأنه لم يصح قط من طريق النقل ولا معنى للاشتغال به إذ وضع الكذب لا يعجز عنه أحد وأما قوله تعالى وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى القى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقى الشيطان الآية فلا حجة لهم فيها لأن الاماني الواقعة في النفس لا معنى لها وقد تمنى النبي صلى الله عليه و سلم اسلام عمه أبي طالب ولم يرد الله عز و جل كون ذلك فهذه الأماني التي ذكرها الله عز و جل لا سواها وحاشا لله أن يتمنى نبي معصية وبالله تعالى التوفيق وهذا الذي قلنا هو ظاهر الآية دون مزيد تكلف ولا يحل خلاف الظاهر إلا بظاهر آخر وبالله تعالى التوفيق وأما قوله ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله واذكر ربك إذا نسيت فقد كفى الله عز و جل الكلام في ذلك ببيانه في آخر الآية أن ذلك كان نسيانا فعوتب عليه السلام في ذلك وأما قوله تعالى وتخفى في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله احق أن تخشاه فقد أنفنا من ذلك إذ لم يكن فيه معصية أصلا ولا خلاف فيما أمره الله تعالى به وإنما كان اراد زواج مباح له فعله ومباح له تركه ومباح له طيه ومباح له إظهاره وإنما

خشي النبي صلى الله عليه و سلم الناس في ذلك خوف أن يقولوا قولا ويظنوا ظنا فيهلكوا كما قال عليه السلام للانصار بين أنها صفية فاستعظما ذلك فأخبرهما النبي صلى الله عليه و سلم أنه إنما أخشى أن يلقى الشيطان في قلوبهما شيئا وهذا الذي خشيه عليه السلام على الناس من هلاك أديانهم بظن يظنونه به عليه السلام هو الذي يحققه هؤلاء المخذولون المخالفون لنا في هذا الباب من نسبتهم إلى النبي صلى الله عليه و سلم تعمد المعاصي فهلكت أديانهم وضلوا ونعوذ بالله من الخذلان وكان مراد الله عز و جل أن يبدي ما في نفسه لما كان سلف في علمه من السعادة لامنا زينب رضي الله عنها
قال أبو محمد فإن قال قائل أنكم تحتجون كثيرا بقول الله عز و جل وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى وبقوله فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما وبقوله تعالى لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكروا الله كثيرا وبقوله عليه السلام إني لأتقاكم لله وأعلمكم بما آتي وأذر وتقولن من أجل هذه النصوص أن كل قول قاله عليه السلام فبوحي من الله قاله وكل عمل عمله فبإذن من الله تعالى ورضي منه عمله فأخبرونا عن سلامه صلى الله عليه و سلم من ركعتين ومن ثلاث وقيامه من اثنتين وصلاته الظهر خمسا واخباره بأنه يحكم بالحق في الظاهر لمن لا يحل له أخذه ممن يعلم أنه في باطن الأمر بخلاف ما حكم له به من ذلك أبوحي من الله تعالى وبرضاه فعل كل ذلك أم كيف تقولون وهل يلزم المحكوم عليه والمحكوم له الرضا بحكمه ذلك وهما يعلمان أن الأمر بخلاف ذلك أم لا
قال أبو محمد فجوابنا وبالله تعالى التوفيق أن كل ما ذكر ها هنا فبوحي من الله تعالى فعله وكل من قدر ولم يشك في أنه قد أتم صلاته فالله تعالى أمره بأن يسلم فاذا علم بعد ذلك أنه سهي فقد لزمته شريعة الاتمام وسجود السهو برهان ذلك أنه لو تمادى ولم يسلم قاصدا إلى الزيادة في صلاته على تقدير أنه قد أتمها لبطلت صلاته كلها بلا شك باطنا وظاهرا ولاستحق اسم الفسق والمعصية وكذلك من قدر أنه لم يصل إلا ركعة واحدة وأنه لم يتم صلاته فان الله أمره بالزيادة في صلاته يقينا حتى لا يشك في الاتمام وبأن يقوم إلى ثانية عنده فمتى علم بأن الأمر كان بخلاف ذلك فصلاته تامة ولزمته حينئذ شريعة سجود السهو وبرهان ذلك أنه لو قعد من واحدة عنده متعمدا مستهزئا أو سلم من ثلاث عنده معتمدا لبطلت صلاته جملة ولاستحق اسم الفسق والمعصية لأنه فعل خلاف ما أمره الله تعالى به وكذلك أمره الله وأمرنا بالحكم بالبينة العدلة عندنا وباليمين من المنكر وباقرار المقر وإن كانت البينة عامدة للكذب في غير علمنا وكانت اليمين والإقرار كاذبين في الباطن وافترض الله علينا بذلك سفك الدماء التي لو علمنا الباطن لحرمت علينا وهكذا

في الفروج والأموال برهان ذلك أن حاكما لو شهد عنده بينة عدل عنده فلم يقض بها وقضى باليمين على المنكر الذي لا بينة عليه فحلف ثم قضى عليه لكان القاضي فاسقا بلا خلاف عاصيا لله عز و جل لخلافه ما أمره الله سبحانه وتعالى به وان وافق حقا لم يكن علم به وفرض على المحكوم عليه والمحكوم له أن يرضيا بالحكم بالبينة واليمين وأن يصيرا في أنفسهما إلى حقيقة علمهما في أخذ الحق وإعطائه وبالله تعالى التوفيق
قال أبو محمد وذكروا قول الله تعالى حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا بتخفيف الذال وليس هذا على ما ظنه الجهال وإنما معناه أن الرسل عليهم السلام ظنوا بمن وعدهم النصر من قومهم أنهم كذبوا فيما وعدوهم من نصرهم ومن المحال البين أن يدخل في عقل من له أدنى رمق أن الله تعالى يكذب فكيف بصفوة الله تعالى من خلقه وأتمهم علما وأعرفهم بالله عز و جل ومن نسب هذا إلى نبي فقد نسب إليه الكفر ومن أجاز إلى نبي الكفر فهو الكافر المرتد بلا شك والذي قلنا هو ظاهر الآية وليس فيها أن الله تعالى كذبهم حاشا لله من هذا وذكروا أيضا قول الله تعالى فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك لقد جاءك الحق من ربك قال أبو محمد إنما عهدنا هذا الإعتراض من أهل الكتاب وغيرهم وأما من يدعي أنه مسلم فلا ولا يمكن البتة أن يكون مسلم يظن أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان شاكا في صحة الوحي إليه ولنا في هذه الآية رسالة مشهورة وجملة حل هذا الشك أن إن في هذه الآية المذكورة بمعنى ما التي للجحد بمعنى وما كنت في شك مما أنزلنا إليك ثم أمره أن يسأل أهل الكتاب تقريرا لهم على أنهم يعلمون أنه نبي مرسل مذكور عندهم في التوراة والإنجيل وبالله تعالى التوفيق
قال أبو محمد هذا كل ما هو به قد تقصيناه وبيناه وأرينا أنه موافق لقولنا ولا يشهد شيء منه لقول مخالفنا وبالله التوفيق ونحن الآن نأخذ بحول الله وقوته في الاتيان بالبراهين الضرورية الواضحة على صحة قولنا وبطلان قول مخالفنا قال الله تعالى وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة وقال تعالى وما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله فوجدنا الله تعالى وهو أصدق القائلين قد نفى عن الأنبياء عليهم السلام الغلول والكفر والتجبر ولا خلاف بين أحد من الأمة في أن حكم الغلول كحكم سائر الذنوب قد صح الإجماع بذلك وأن من جوز على الأنبياء عليهم السلام شيئا من تعمدا لذنوب جوز عليهم الغلول ومن نفى عنهم الغلول نفى عنهم سائر الذنوب وقد صح نفي الغلول عنهم بكلام الله تعالى فوجب انتفاء تعمد الذنوب عنهم بصحة الإجماع على أنها سواء الغلول وقال عز و جل

أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم سآء ما يحكمون
قال أبو محمد فلا يخلوا مخالفنا الذي يجيز أن يكون الأنبياء عليهم السلام قد اجترحوا السيئات من أحد وجهين لا ثالث لهما أما أن يقول أن في سائر الناس من لم يعص ولا اجترح سيئة قيل له فمن هؤلاء الذين نفى الله عنهم أن يكون الذين اجترحوا السيئات مثلهم إذا كانوا غير موجودين في العالم فلا بد من أن يجعل كلام الله عز و جل هذا فارغا لا معنى له وهذا كفر من قائله أو يقول هم الملائكة فإن قال ذلك رد قوله هذا قول الله تعالى في الآية نفسها سواء محياهم ومماتهم سآء ما يحكمون ولا نص ولا إجماع على أن الملائكة تموت ولو جاء بذلك نص لقلنا به بل البرهان موجب أن لا يموتوا لأن الجنة دار لا موت فيها والملائكة سكان الجنان فيها خلقوا وفيها يخلدون أبدا وكذلك الحور العين وأيضا فإن الموت إنما هو فراق النفس للجسد المركب وقد نص رسول الله صلى الله عليه و سلم على أن الملائكة خلقوا من نور فليس فيهم شيء يفارق شيئا فيسمى موتا فإن اعترض معترض بقوله كل نفس ذائقة الموت لزمه أن حمل هذه الآية على عمومها أن الحور العين يمتن فيجعل الجنة دار موت وقد أبعدها الله تعالى عنه قال الله تعالى وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون فعلمنا بهذا النص أن قوله تعالى كل نفس ذائقة الموت إنما عني به من كان في غير الجنة من الجن والإنس وسائر الحيوان المركب الذي يفارق روحه جسده وبالله تعالى التوفيق ويرد أيضا قوله أن قال بهذا قول رسول الله صلى الله عليه و سلم ما من أحد إلا وقد ألم أو كاد إلا يحيى بن زكريا أو يقول إن في الناس من لم يجترح سيئة قط وإن من اجترح السيئات لا يساويهم كما قال عز و جل فإن قال ذلك فإن الأنبياء عليهم السلام عنده يجترجون السيئات وفي سائر الناس من لا يجترحها فوجب أن يكون في الناس من هو أفضل من الأنبياء عليهم السلام وهذا كفر وما قدرنا أن أحدا ممن ينتمي إلى أهل الإسلام ولا إلى أهل الكتاب ينطلق لسانه بهذا حتى رأينا المعروف بابن الباقلاني فيما ذكر عنه صاحبه أبو جعفر السمناني قاضي الموصل أنه قد يكون في الناس بعد النبي صلى الله عليه و سلم من هو أفضل من النبي صلى الله عليه و سلم من حيث يبعث إلى حين يموت فاستعظمنا ذلك وهذا شرك مجرد وقدح في النبوة لاخفاء به وقد كنا نسمع عن قوم من الصوفية أنهم يقولون أن الولي أفضل من النبي وكنا لا نحقق هذا على أحد يدين بدين الإسلام إلى أن وجدنا هذا الكلام كما أوردنا فنعوذ بالله من الإرتداد
قال أبو محمد ولو أن هذا الضال المضل يدري ما معنى لفظة أفضل ويدري فضيلة النبوة لما انطلق لسانه بهذا الكفر وهذا التكذيب للنبي صلى الله عليه و سلم إذ يقول إني لأتقاكم

لله واني لست كهيئتكم واني لست مثلكم فإذ قد صح بالنص أن في الناس من لم يجترح السيئة وأن من اجترح السيآت لا يساويهم عند الله عز و جل فالأنبياء عليهم السلام أحق بهذه الدرجة وبكل فضيلة بلا خلاف من أحد من أهل الإسلام بقول الله عز و جل الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس فأخبر تعالى أن الرسل صفوته من خلقه وقد اعترض علينا بعض المخالفين بأن قال فما تقول فيمن بلغ فآمن وذكر الله مرات ومات أثر ذلك أو في كافر أسلم وقاتل مجاهدا وقتل فجوابنا وبالله تعالى التوفيق أن نقول أما من كان كافرا ثم أسلم فقد اجترح من السيئات بكفره ما هو أعظم من السماوات والأرض وإن كان قد غفر له بإيمانه ولكن قد حصل بلا شك من جملة من قد اجترح السيئات وأما من بلغ فآمن وذكر الله تعالى ثم مات فقد كان هذا ممكنا في طبيعة العالم وفي بنيته لولا قول الله عز و جل أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون فان الله تعالى قطع قطعا لا يرده إلا كافر بأنه لا يجعل من اجترح السيئات كمن لم يجترحها ونحن نوقن أن الصحابة رضي الله عنهم وهم أفضل الناس بعد الأنبياء عليهم السلام ليس منهم أحد إلا وقد اجترح سيئة فكان يلزم على هذا أن يكون من أسلم أثر بلوغه ومات أفضل من الصحابة رضي الله عنهم وهذا خلاف قول النبي صلى الله عليه و سلم أنه لو كان لأحدنا مثل أحد ذهبا فانفقه لم يبلغ مد أحدهم ولا نصيفه فإذا هذا كما قلنا فقول الله عز و جل وقول رسوله صلى الله عليه و سلم أحق بالتصديق لا سيما مع قوله عليه السلام ما من أحد إلا ألم بذنب أو كاد إلا يحيى بن زكريا فنحن نقطع قطعا بما ذكرنا أنه لا سبيل إلى أن يبلغ أحد حد التكليف إلا ولا بد له من أن يجترح سيئآت الله أعلم بها وبالله التوفيق
قال أبو محمد ومن البرهان على أنه لم يكن البتة أن يعصي نبي قوله صلى الله عليه و سلم ما كان لنبي أن تكون له خائنة الأعين لما قال له الأنصاري هلا أومأت إلي في قصة عبد الله بن سعد بن أبي سرح فنفى عليه السلام عن جميع الأنبياء عليهم السلام أن تكون لهم خائنة الأعين وهو أخف ما يكون من الذنوب ومن خلاف الباطن للظاهر فدخل في هذا جميع المعاصي صغيرها أو كبيرها سرها وجهرها
قال أبو محمد وأيضا فإننا مندوبون إلى الإقتداء بالأنبياء عليهم السلام وإلى الايتساء بهم في أفعالهم كلها قال الله تعالى لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وقال تعالى اولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده فصح يقينا أنه لو جاز أن يقع من أحد من الأنبياء عليهم السلام ذنب تعمدا صغيرا وكبيرا كان الله عز و جل قد حضنا على المعاصي وندبنا إلى الذنوب وهذا كفر مجرد ممن أجازه فقد صح يقينا أن جميع أفعال الأنبياء التي يقصدونها خير وحق

قال أبو محمد وأيضا فقد صح عن النبي صلى الله عليه و سلم عظيم انكاره على ذي الخويصرة لعنة الله ولعن أمثاله إذ قال الكافر اعدل يا محمد ان هذا لقسمة ما أريد بها وجه الله تعالى فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم ويحك من يعدل إذا أنا لم أعدل يأمنني الله ولا تأمنوني وقوله عليه السلام لأم سلمة أم المؤمنين إذ سألته عن الذي قبل امرأته في رمضان إلا أخبرتها أني فعلت ذلك وغضب عليه السلام إذ قال له لست مثلنا قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فانكر عليه السلام إذ جعل له ذنبا بعمد وإن صغر وقال عليه السلام اني والله لاعلمكم بالله واتقاكم الله أو كلاما هذا معناه فان قال قائل فهلا نفيتم عنهم عليهم السلام السهو بدليل الندب إلى الايتساء بهم عليهم السلام قلنا وبالله تعالى التوفيق انكار ما ثبت كاجازة ما لم يثبت سواء ولا فرق والسهو منهم قد ثبت بيقين وايضا فإن ندب الله تعالى لنا إلى الايتساء بهم عليهم السلام لا يمنع من وقوع السهو منهم لأن الايتساء بالسهو لا يمكن إلا بسهو منا ومن المحال أن نندب إلى السهو أو نكلف لسهو لأننا لو قصدنا إليه لم يكن حينئذ سهوا ولا يجوز أيضا أن ننهى عن السهو لأن الانتهاء عن السهو ليس في بنيتنا ولا في وسعنا وقد قال تعالى لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ونقول أيضا اننا مأمورون اذا سهونا أن نفعل كما فعل رسول الله صلى الله عليه و سلم إذ سها وأيضا فإن الله تعالى لا يقر الانبياء عليهم السلام على السهو بل ينبههم في الوقت ولم يفعل ذلك تعالى لكان لم يبين لنا مراده منا في الدين وهذا تكذيب لله عز و جل إذ يقول تعالى تبيانا لكل شيء وإذ يقول اليوم أكملت لكم دينكم وقوله تعالى وقد فصل لكم ما حرم عليكم
قال أبو محمد فسقط قول من نسب إلى الأنبياء عليهم السلام شيئا من الذنوب بالعمد صغيرها وكبيرها إذا لم يبق لهم شبهة يموهون بها أصلا وإذ قد قامت البراهين على بطلانها ولحقوا بذي الخويصرة
قال أبو محمد ولو كان من الانبياء عليهم السلام شيء من المعاصي وقد ندبنا إلى الايتساء بهم وبافعالهم لكنا قد أبيحت لنا المعاصي وكنا لا ندري لعل جميع ديننا ضلال وكفر ولعل كل ما عمله عليه السلام معاص ولقد قلت يوما لبعضهم ممن كان يجيز عليهم الصغائر بالعمد أليس من الصغائر تقبيل المرأة الأجنبية وقرصها فقال نعم قلت تجوز أنه يظن بالنبي صلى الله عليه و سلم أنه يقبل امرأة غيره متعمدا فقال معاذ الله من هذا ورجع إلى الحق من حينه والحمد لله رب العالمين
قال أبو محمد قال الله تعالى إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما

تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما
قال أبو محمد ومن الباطل المحال أن يتم الله نعمته على عبد ويعصي الله بما كبر وما صغر إذ لو كان ذلك لما كانت نعمة الله تعالى عليه تامة بل ناقصة إذ خذله فيما عصي فيه وقال تعالى إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وقال الله تعالى قل أبالله وآياته ورسوله ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم
قال أبو محمد وما وقر رسول الله صلى الله عليه و سلم ولقد بلغ الغاية القصوى في الاستهزاء برسل الله صلى الله عليهم وسلم من جوز أن يكونوا سراقا زناة ولاطة وبغائين ووالله ما نعلم كفرا اعظم من هذا ولا استهزاء بالله تعالى وبرسله وبالدين أعظم من كفر أهل هذه المقالة وليت شعري ما الذي أمنهم من كذبهم في التبليغ لانا لا ندري لعلهم بلغوا إلينا الكذب عن الله تعالى
قال أبو محمد فنقول لهم ولعل أفعاله التي نأتسي بها تبديل للدين ومعاص لله عز و جل ولا فرق قال أبو محمد وما نعلم أهل قرية أشد سعيا في إفساد الاسلام وكيده من الرافضة وأهل هذه المقالة فإن كلتا الطائفتين الملعونتين اجازتا تبديل الدين وتحريفه وصرحت هذه الفئة مع ما أطلقت على الانبياء من المعاصي بأن الله تعالى إنما تعبدنا في دينه بغالب ظنوننا وأنه لا حكم لله إلا ما غلب عليه ظن المرء منا وإن كان مختلفا متناقضا وما نمتري في أنهم ساعون في إفساد أغمار المسلمين المحسنين بهم الظن نعوذ بالله من الضلال
قال أبو محمد فإن قال قائل إنكم تقولون أن الأنبياء عليهم السلام مؤاخذون بما أتوا على سبيل السهو والقصد إلى الخير إذا لم يوافق مراد الله تعالى فهلا أخذ رسول الله صلى الله عليه و سلم سهوه في الصلاة قلنا له وبالله تعالى التوفيق قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وهذه فضيلة مما فضل به على جميع النبيين عليهم السلام وهكذا نص عليه السلام في حديث الشفاعة يوم القيامة ومصير الناس من نبي إلى نبي فكل ذكر خطيئة أو سكت فلما ذكروا النبي صلى الله عليه و سلم قال قائلهم عبد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فبطل أن يؤاخذ بما غفره الله وبالله تعالى التوفيق
قال أبو محمد فإن قال قائل أيجوز أن يكون نبي من الأنبياء عليهم السلام يأتي معصية قبل أن يتنبأ قلنا لا يخلو من أحد وجهين لا ثالث لهما أما أن يكون متعبدا بشريعة نبي أتى قبله كما كان عيسى عليه السلام وأما أن يكون قد نشأ في قوم قد درست شريعتهم ودثرت ونسيت كما في بعثة محمد صلى الله عليه و سلم في قوم قد نسوا شريعة إسماعيل وابراهيم عليهما السلام قال تعالى ووجدك ضالا فهدى وقال تعالى لتنذر قوما ما أنذر آبائهم فإن

كان النبي متعبدا بشريعة ما فقد أبطلنا آنفا أن يكون نبي يعصي ربه أصلا وإن كان نشأ في قوم دثرت شريعتهم فهو غير متعبد ولا ماءمور بما لم يأته أمر الله تعالى به بعد فليس عاصيا لله تعالى في شئ يفعله أو يتركه الإ أننا ندري أن الله عز و جل قد طهر أنبياء وصانهم من كل ما يعابون به لأن العيب أذى وقد حرم الله عز و جل أن يؤذى رسوله قال تعالى إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا
قال أبو محمد فبيقين ندري أن الله تعالى صان أنبياءه عن أن يكونوا لبغية أو من أولاد بغى أو من بغايا بل بعثهم الله تعالى في حسب قومهم فإذا لا شك في هذا فبيقين ندري أن اله تعالى عصمهم قبل النبوة من كل ما يؤذون به بعد النبوة فدخل في ذلك السرقة والعدوان والقسوة والزنا واللياطة والبغي وأذىالناس في حريمهم وأموالهم وأنفسهم وكل ما يعاب به المرء ويتشكى منه ويؤذى بذكره وقد صح عن النبي صلى الله عليه و سلم في هذا ما حدثناه أحمد بن محمد الطلمنكى أنا إبن فرج أنا ابراهيم بن أحمد فراس أنبانا أحمد بن محمد بن سالم النيسابوري أنا إسحاق بن راهويه أنا وهب بن جرير بن حازم أنا أبي أنبانا محمدبن أسحاق حدثنى محمد بن عبدالله بن قيس بن مخرمة عن الحسن بن محمد بن علي بن أبى طالب قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول ما هممت بقبيح مما كان أهل الجاهلية يهمون به الا مرتين من الدهر كلتاهما يعصمنى الله منها قلت لفتى كان معي من قريش باعلي مكة في أغنام لها ترعى أبصر لي غنمي حتى أسمر هذه الليلة بمكة كما يسمر الفتيان قال نعم فلما خرجت فجئت أدنى دار من دور مكة سمعت غناء وصوت دفوف وزمير فقلت ما هذا قالوا فلان تزوج فلانه لرجل من قريش فلهوث بذلك الغناء وبذلك الصوت حتى غلبتنى عينى فما أيقظني ألامس الشمس فرجعت إلى صاحبى فقال لى ما فعلت فأخبرته ثم قلت له ليلة أخرى مثل ذلك ففعل فخرجت فسمعت مثل ذلك فقيل لي مثل ما قيل لي فلهوت بما سمعت حتى غلبتني عيني فما أيقظني إلا مس الشمس فرجعت إلى صاحبي فقال لي ما فعلت قلت ما فعلت شيئا فوالله ما هممت بعدها بسوء مما يعمل أهل الجاهلية حتى أكرمني الله بنبوته
قال أبو محمد فصح أنه عليه السلام لم يعص قط بكبيرة ولا بصغيرة لا قبل النبوة ولا بعدها ولا هم قط بمعصية صغرت أو كبرت لا قبل النبوة ولا بعدها إلا مرتين بالسمر حيث ربما كان بعض ما لم يكن نهى عنه بعد والهم حينئذ بالسمر ليس هما بزنا ولكنه بما يحذو إليه طبع البرية من استحسان منظر حسن فقط وبالله تعالى التوفيق تم الكلام في الأنبياء عليهم السلام

الكلام في الملائكة عليهم السلام قال أبو محمد قد ذكرنا قبل أمر هاروت وماروت ونزيدها هنا بيانا في ذلك وبالله تعالى التوفيق أن قوما نسبوا إلى الله تعالى ما لم يأت به قط أثر يجب أن يشتغل به وإنما هو

كذب مفترى من أنه تعالى أنزل إلى الأرض ملكين وهما هاروت وماروت وأنهما عصيا الله تعالى وشربا الخمر وحكما بالزور وقتلا النفس وزنيا وعلما زانية اسم الله الأعظم فطارت به إلى السماء فمسخت كوكبا وهي الزهرة وأنهما عذبا في غار ببابل وأنهما يعلمان الناس السحر وحجتهم على ما في هذا الباب خبر رويناه من طريق عمير بن سعيد وهو مجهول مرة يقال له النخعي ومرة يقال له الحنفي ما نعلم له رواية إلا هذه الكذبة وليس أيضا عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ولكنه أوقفها عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكذبة أخرى في أن حد الخمر ليس سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم وإنما هو شيء فعلوه وحاشا لهم رضي الله عنهم من هذا
قال أبو محمد ومن البرهان على بطلان هذا كله قول الله تعالى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ما ننزل الملائكة إلا بالحق وما كانوا إذا منظرين فقطع الله عز و جل أن الملائكة لا تنزل إلا بالحق وليس شرب الخمر ولا الزنا ولا قتل النفس المحرمة ولا تعليم العواهر أسماءه عز و جل التي يرتفع بها إلى السماء ولا السحر من الحق بل كل ذلك من الباطل ونحن نشهد أن الملائكة ما نزلت قط بشيء من هذه الفواحش والباطل وإذا لم تنزل به فقد بطل أن تفعله لأنها لو فعلته في الأرض لنزلت به وهذا باطل وشهد عز و جل أنه لو أنزل علينا الملائكة لما نظرنا فصح أنه لم ينزل قط ملك ظاهر إلا للنبي بالوحي فقط وبالله تعالى التوفيق
قال أبو محمد وكذلك قوله تعالى ولو جعلنا ملكا لجعلناه رجلا فأبطل عز و جل أنه يمكن ظهور ملك إلى الناس وقال تعالى ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر ثم لا ينظرون فكذب الله عز و جل كل من قال أن ملكا نزل قط من السماء ظاهرا إلا إلى الأنبياء بالحق من عند الله عز و جل فقط وقال عز و جل وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين الآية فرفع الله تعالى الإشكال بهذا النص في هذه المسألة وقرن عز و جل نزول الملائكة في الدنيا برؤيته عز و جل فيها فصح ضرورة أن نزولهم في الدنيا إلى غير الأنبياء ممتنع البتة لا يجوز وأن من قال ذلك فقد قال حجرا محجورا أي ممتنعا وظهر بها كذب من ادعى أن ملكين نزلا إلى الناس فعلماهم السحر وقد استعظم الله عز و جل ذلك من رغبة من رغب نزول الملائكة إلى الناس وسمى هذا الفعل استكبارا وعتوا وأخبر عز و جل أننا لا نرى الملائكة أبدا إلى يوم القيامة فقط وأنه لا بشرى يومئذ للمجرمين فإذ لا شك في هذا كله فقد علمنا ضرورة أنه لا يخلو من أحد وجهين لا ثالث لهما كما قدمنا قبل أما أن هاروت وماروت لم يكونا ملكين وأن ما في قوله وما أنزل على الملكين نفي لأن

ينزل على الملكين ويكون هاروت وماروت حيئذ بدلا من الشياطين كأنه قال ولكن الشياطين هاروت وماروت ويكون هاروت وماروت قبيلتان من قبائل الجن كانتا يعلمان الناس السحر وقد روينا هذا القول عن خالد ابن أبي عمران وغيره وروى عن الحسن البصري أنه كان يقرأ على الملكين بكسر اللام وكان يقول أن هاروت وماروت علجان من أهل بابل إلا أن الذي لا شك فيه على هذا القول أنهما لم يكونا ملكين وقد اعترض بعض الجهال فقال لي أبلغ من رفق الشيطان أن يقول للذي يتعلم السحر لا تكفر فقلت له هذا الاعتراض يبطل من ثلاث جهات أحدهما أن نقول لك وما المانع من أن يقول الشيطان ذلك إما سخريا وإما لما شاء الله فلا سبيل لك إلى دليل مانع من هذا والثاني أنه قد نص الله عز و جل على أن الشيطان قال أني أخاف الله فقال تعالى وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وأني جار لكم إلى قوله تعالى إني أخاف الله والله شديد العقاب وقال تعالى كمثل الشيطان إذ فال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إتي أخاف الله رب العالمين فقد أمر الشيطان الإنسان بالكفر ثم تبرأ منه وأخبره أنه يخلف الله وغر الكفار ثم تبرأ منهم وقال إني أخاف الله بين أن يقول الشيطان للإنسان اكفر ويغره ثم يتبرأ منه ويقول إني أخاف اله وبين أن يعلمه السحر ويقول له لا تكفر والثالث أن معلم السحر بنص الآية قد قال للذي يتعلم منه لا تكفر فسواء كان ملكا أو شيطانا قد علمه على قولك ما لا يحل وقال له لا تكفر فلم تنكر هذا من الشيطان ولا تنكره بزعمك من الملك وأنت تنسب إليه أن يعلم السحر الذي عندك ضلال وكفر وأما أن يكون هاروت وماروت ملكين نزلا بشريعة حق بعلم ما على أنبياء فعلماهم الدين وقالا لهم لا تكفروا نهيا عن الكفر بحق وأخبراهم أنهم فتنة يضل الله تعالى بهما وبما أتيا به من كفر به ويهدي بهما من آمن به قال تعالى عن موسى أنه قال له إن هي ألا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء وكما قال تعالى ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ثم نسخ ذلك الذي أنزل علي الملكين فصار كفرا بعد أن كان إيمانا كما نسخ تعالى شرائع التوراة والإنجيل فتمادت الجن على تعلم ذلك المنسوخ وبالجملة فما في الآية من نص ولا دليل على أن الملكين علما السحر وإنما هو اقحام أقحم بالآية بالكذب والافك بل وفيها بيان أنه لم يكن سحرا بقوله تعالى ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل ولا يجوز أن يجعل المعطوف والمعطوف عليه شيئا واحدا إلا ببرهان من نص أو اجماع أو ضرورة وإلا فلا أصلا وأيضا فإن بابل هي الكوفة وهي بلد معروف بقربها محدودة معلومة ليس فيها غار فيه ملك فصح أنه خرافة موضوعة إذ لو كان لك لما خفي مكانهما على أهل الكوفة فبطل التعلق بهاروت وماروت والحمد لله رب العالمين

قال أبو محمد وقد ادعى قوم أن ابليس كان ملكا فعصى وحاشا لله من هذا لأن الله تعالى قد كذب هذا القول بقوله تعالى إلا ابليس كان من الجن وبقوله افتتخذونه وذريته أولياء من دوني ولا ذرية للملائكة وبقوله تعالى إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم وبإخباره أنه خلق ابليس من نار السموم وصح عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال خلقت الملائكة من نور والنور غير النار بلا شك فصح أن الجن غير الملائكة والملائكة كلهم خيار مكرمون بنص القرآن والجن والإنس فيهما مذموم ومحمود فإن قال قائل أن الله عز و جل ذكر أنهم قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك وهذا تزكية لأنفسهم وقد قال تعالى ولا تزكوا أنفسكم قلنا وبالله تعالى التوفيق مدح المرء نفسه ينقسم قسمين أحدهما ما قصد به المرء افتخارا بغيا وانتقاصا لغيره فهذه هي التزكية وهو مذموم جدا والآخر ما خرج مخرج الإخبار بالحق كقول رسول الله صلى اله عليه وسلم أنا سيد ولد آدم ولا فخر وفضلت على الأنبياء وكقول يوسف عليه السلام إجعلني على خزائن الأرض إنى حفيظ عليم ولا يسمي هذا تزكية ومن هذا الباب قول الملائكة ههنا برهان هذا إنه لو كان قولهم مذموما لأنكره الله عز و جل عليهم فإذا لم ينكره الله تعالى فهو صدق ومن هذا الباب قولنا نحن السلمون ونحن خير أمة أخرجت للناس وكقول الحواريين نحن أنصار الله فكل هذا إذا قصد به الحض على الخير لا الفخر فهو خير فإن قال قائل إن الله تعالى قال لهم إني أعلم ما لاتعلمون قلنا نعم وما شك الملائكة قط أن الله تعالى يعلم ما لا يعلمون وليس هذا إنكارا وأما الجن فقد قلنا أنهم متعبدون بملة الإسلام وقد صح عن النبي صلى الله عليه و سلم أن الروث والعظام طعام إخواننا من الجن وهذا بخلاف حكمنا فقد يخصهم الله عز و جل بأوامر خلاف أوامرنا كما للنساء شرائع ليست للرجال من الحيض وقطع الصلاة وغير ذلك وكما لقريش الإمامة وليست لغيرهم وكل ذلك دين الإسلام وبالله تعالى التوفيق وحسبنا الله ونعم الوكيل
هل يكون مؤمنا من إعتقد الإسلام دون إستدلال
أم لا يكون مؤمنا مسلما الإمن إستدل
قال أبو محمد ذهب محمد بن جرير الطبري والأشعرية كلها حاشا السمنانى إلى أنه لا يكون مسلما الإ من إستدل والإ فليس مسلما وقال الطبرى من بلغ الإحتلام أو الإشعار من الرجال والنساء أو بلغ المحيض من النساء ولم يعرف الله عز و جل بجميع أسمائه وصفاته من الطريق الإستدلال فهو كافر حلال الدم والمال وقال أنه بلغ الغلام أو الجارية سبع سنين وجب تعليمها وتدريبهما على الإستدلال على ذلك وقالت الأشعرية لا يلزمها الأستدلال على ذلك إلا بعد البلوغ

قال أبو محمد وقال سائر أهل الإسلام كل من إعتقد بقلبه إعتقاد الا يشك فيه وقال بلسانه لا إله الإ الله وأن محمد رسول الله وإن كل ما جاء به حق وبرئ من كل دين سوى دين محمد صلى الله عليه و سلم فإنه مسلم مؤمن ليس عليه غير ذلك
قال أبو محمد فاحتجت الطائفة الأولى بأن قالت قد إتفق الجميع على أن التقليد مذموم وما لم يكن يعرف بإستدلال فإنما هو تقليد لا واسطة بينهما وذكروا قول الله عز و جل إ نا وجدنا آبائنا على أمة وأنا على آثارهم مقتدون وقال تعالى قل أو لو جئنكم بالهدى مما وجدتم عليه آبائكم وقال تعالى أو لو كان أباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون وقال تعالى وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فاضلونا السبيلا وقالوا فذم الله تعالى أتباع الأباء والرؤساء قالوا وبيقين ندرى أنه لا يعلم أحد أى الأمرين أهدى ولا هل يعلم الاباء شيا أو لايعلمون الإ بالدليل وقالوا كل ما لم يكن يصح بدليل فهو دعوى ولا فرق بين الصادق والكاذب بنفس قولهما لكن بالدليل قال الله عز و جل قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين قالوا فمن لا برهان له فليس صادقا في قوله وقالوا ما لم يكن علما فهو شك وظن والعلم هو إعتقاد الشئ على ما هو به عن ضرورة أو إستدلال قالوا والديانات لا يعرف صحة الصحيح منها من بطلان الباطل منها بالحواس أصلا فصح أنه لا يعلم ذلك الإ من طريق الإستدلال فإذا لم يكن الإستدلال فليس المرء عالما بما لم يستدل عليه وإذا لم يكن عالما فهو شاك ضال وذكروا قول رسول الله صلى الله عليه و سلم في مسألة الملك في القبر ما تقول في ها الرجل فأما المؤمن أو الموقن فإنه يقول هو محمد رسول الله قال وأما المنافق أو المرتاب فإنه يقول لا أدرى سمعت الناس يقولون شيئا فقلته قالوا وقد ذكر الله عز و جل الأستدلال على الربوبية والنبوة في غير موضع من كثابه وأمر به وأوجب العلم به والعلم لا يكون الإ عن دليل كما قلنا
قال أبو محمد هذا كلما موهوا به قد تقصيناه لهم غاية التقصي وكل هذا لا حجة لهم في شئ منه على ما نبين بحول الله وقوته إن شاء الله تعالى لا إله الإ هو بعد أن نقول قولا تصححه المشاهدة أن جمهور هذه الفرقة أبعد من كل من يتمنى إلى البحث والإستدلال عن المعرفة بصحة الدلائل فاعجبوا لهذا وشهدوا على أنفسهم إنهم كانوا كافرين
قال أبو محمد أما قولهم قد أجمع الجميع على أن التقليد مذموم وإن ما لا يعرف باستدلال فإنما هو أخذ تقليد إذ لا واسطة بينهما فإنهم شغبوا في هذا الإمكان وولبوا فتركوا التقسيم الصحيح ونعم أن التقليد لا يحل البته وإنما التقليد أخذ المرء قول من دون رسول الله صلى الله عليه و سلم ممن لم يأمرنا الله عز و جل باتباعه قط ولا يأخذ قوله بل حرم علينا ذلك ونهانا عنه وأما أخذ المرء قول رسول الله صلى الله عليه و سلم الذى إفترض علينا طاعته وإلزمنا إتباعه وتصديقه وحذرنا عن مخالفة أمره وتوعدنا على ذلك أشد الوعيد فليس تقليدا بل هو إيمان

وتصديق وإتباع للحق وطاعة لله عز و جل وأداء للمفترض فموه هؤلاء القوم بأن أطلقوا على الحق الذى هو إتباع الحق إسم التقليد الذى هو باطل وبرهان ما ذكرنا أن أمرءا لو إتبع أحدا دون رسول الله صلى الله عليه و سلم في قول قاله لأن فلانا قاله فقط وأعتقد أنه لو لم يقل ذلك الفلان ذلك القول لم يقل به هو أيضا فإن فاعل هذا القول مقلد مخطى عاص لله تعالى ولرسوله ظالم آثم سواء كان قد وافق قوله ذلك الحق الذى قاله الله ورسوله أو خالفه وأنما فسق لأنه إتبع من لم يؤمر بإتباعه وفعل غير ما أمره الله عز و جل أن يفعله ولو إن إمرءا إتبع قول الله عزوجل وقول رسول الله صلى الله عليه و سلم لكان مطيعا محسنا مأجورا غير مقلد وسواء وافق الحق أو وهم فأخطأ وإنما ذكرنا هذا لنبين أن الذى أمرنا به وإفترض علينا هو إتباع ما جاء به رسول الله صلى الله عليه و سلم فقط وإن الذى حرم علينا هو إتباع من دونه أو إختراع قول لم يأذن به الله تعالى فقط وقد صح أن التقليد باطل لا يحل فمن الباطل الممتنع أن يكون الحق باطلا معا والمحسن مسيئا من وجه واحد معا فإذ ذلك كذلك فمتبع من أمر الله تعالى بإتباعه ليس مقلدا ولا فعله تقليدا وإنما المقلد من إتبع من لم يأمره الله تعالى فسقط تمويههم بذم التقليد وصح أنهم وضعوه في غير موضعه وأوقعوا إسم التقليد على ما ليس تقليدا وبالله تعالى التوفيق وأما إحتجاجهم بذم الله إتباع الأباء ةالكبراء فهو مما قلنا آنفا سواء بسوء لأن إتباع الأباء والكبراء وكل من دون رسول الله صلى الله عليه و سلم فهو من التقليد المحرم المذموم فاعله فقط قال الله عز و جل إتبعوا ما أنزل اليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء فهذا نص ما قلنا ولله الحمد
قال أبو محمد وأما احتجاجهم إنه لا يعرف أى الأمرين أهدى ولا هل يعلم الأباء شيئا أم لا إلا بالدلايل وإن كل ما لم يصح به دليل فهو دعوى ولا فرق بين الصادق والكاذب بنفس قولهما وذكرهم قول الله تعالى قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين فإن هذا ينقسم قسمين فمن كان من الناس تنازعه نفسه إلى البرهان ولا تستقر نفسه إلى تصديق ما جاء به رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى يسمع الدلايل فهذا فرض عليه طلب الدلايل لأنه إن مات شاكا أو جاحدا قبل أن يسمع من البرهان ما يثلج صدره فقد مات كافرا وهو مخلد في النار وهو بمنزلة من لم يؤمن ممن شاهد رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى رأى المعجزات فهذا أيضا لو مات مات كافرا بلا خلاف من أحد من أهل الإسلام وإنما أوجبنا على من هذه صفته طلب البرهان لأن فرضا عليه طلب ما فيه نجاته من الكفر قال الله عز و جل قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة فقد إفترض الله عز و جل على كل أحد أن يقى نفسه النار فهؤلاء قسم وهم الأقل من الناس والقسم الثاني من إستقرت نفسه إلى تصديق ما جاء به رسول الله صلى الله عليه و سلم وسكن قلبه إلى الإيمان ولم تنازعه نفسه إلى طلب

دليل توفيقا من الله عز و جل له وتيسيرا لما خلق له من الخير والحسنى فهؤلاء لا يحتاجون إلى برهان ولا تكليف إستدلال وهؤلاء هم جمهور الناس من العامة والنساء والتجار والصناع والأكرة والعباد وأصحاب الحديث الأيمة الذين يذمون الكلام والجدل والمرآء في الدين
قال أبو محمد هم الذين قال لهم الله فيهم ولكن حبب اليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق وا لعصيان أولئك هم الراشدون فضلامن الله ونعمة والله عليم حكيم تعالى فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للاسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء
قال أبو محمد قد سمى الله عز و جل راشدين القوم الذين زين الإيمان في قلوبهم وحببه إليهم وكره إليهم الكفر والمعاصى فضلا منه ونعمه وهذا هو خلق الله تعالى للايمان في قلوبهم إبتداه وعلى ألسنتهم ولم يذكر الله تعالى في ذلك إستدلالا أصلا وبالله تعالى التوفيق وليس هؤلاء مقلدين لابائهم ولالكبرائهم لأن هؤلاء مقرون بألسنتهم محققون في قلوبهم إن أباءهم ورؤساءهم لو كفروا لما كفروا هم بل كانوا يستحلون قتل أبائهم ورؤسائهم والبرأة منهم ويحسون من أنفسهم النفار العظيم عن كل ما سمعوا منه ما يخالف الشريعة ويرون أن حرقهم بالنار أخف عليهم من مخالفة الإسلام وهذا أمر قد عرفناه من أنفسنا حسا وشاهدناه في ذواتنا يقينا فلقد بقينا سنين كثيرة ولا نعرف الإستدلال ولا وجوهه ونحن ولله الحمد في غاية اليقين بدين الاسلام وكل ما جاء به محمد صلى الله عليه و سلم نجد أنفسنا في غاية السكون إليه وفي غاية النفار عن كل ما يعترض فيه بشك ولقد كانت تخطر في قلوبنا خطرات سوء في خلال ذلك ينبذها الشيطان فنكاد لشدة نفارنا عنها أن نسمع خفقان قلوبنا إستبشاعا لهما كما أخبر رسول الله صلى الله عليه و سلم إذ سئل عن ذلك فقالوا له أن أحدنا ليحدث نفسه بالشئ ما أنه يقدم فتضرب عنقه أحب إليه أن يتكلم به فأخبر رسول الله صلى الله عليه و سلم بأن ذلك محض الإيمان وأخبر أنه من وسوسة الشيطان وأمر صلى الله عليه و سلم في ذلك بما أمر به من التعوذ والقراءة والتفل عن اليسار ثم تعلمنا طرق الإستدلال وأحكمناها ولله تعالى الحمد فما زادنا يقينا على ما كنا بل عرفنا أننا كنا ميسرين للحق وصرنا كمن عرف وقد أيقن بأن الفيل موجود سماعها ولم يره ثم رآه فلم يزدد يقينا بصحة نيته أصلا لكن أرانا صحيح الإستدلال رفض بعض الاراء الفاسدة التي نشأنا عليها فقط كالقول في الدين بالقياس وعلمنا أنا كنا مقتدين بالخطأ في ذلك ولله تعالى الحمد وإن المخالفين لنا ليعرفون من أنفسهم ما ذكرنا إلا أنهم يلزمهم أن يشهدوا على أنفسهم بالكفر قبل إستدلالهم ولا بد فصح بما قلنا إن كل من امحض إعتقاد الحق بقلبه وقاله بلسانه فهم مؤمنون محققون وليسوا مقلدين أصلا وإنما كانوا مقلدين لو إنهم قالوا وإعتقدوا أننا إنما نتبع في الدين آباءنا وكبراءنا فقط ولو أن

أباءنا وكبراءنا تركوا دين محمد صلى الله عليه و سلم لتركناه فلو قالوا هذا وإعتقدوه لكانوا مقلدين كفارا غير مؤمنين لأنهم إنما إتبعوا آبائهم وكبراءهم الذذين نهوا عن إتباعهم ولم يتبعوا النبي صلى الله عليه و سلم الذين أمروا بإتباعه وبالله تعالى التوفيق وإنما كلف الله تعالى الأتيان بالبرهان إن كانوا صادقين يعنى الكفار المخالفين لما جاء به محمد صلى الله عليه و سلم هذا نص لآية ولم يكلف قط المسلمين الأتيان بالبراهين والأسقط إتباعهم حتى يأتوا بالبرهان أو الفرق بين الأمرين واضح وهو إن كل من خالف النبي صلى الله عليه و سلم فلا برهان له أصلا فكلف المجئ بالبرهان تبكيتا وتعجيزا إن كانوا صادقين وليسوا صادقين بلا برهان لهم وإما من أتبع ما جاءهم به رسول الله صلى الله عليه و سلم فقد إتبع الحق الذى قامت البراهين بصحته ودان بالصدق الذى قامت الحجة البالغة بوجوبه فسواء علم هو بذلك البرهان أو لم يعلم حسبه أنه على الحق الذى صح بالبرهان ولا برهان على ما سواه فهو محق والحمد لله رب العالمين وأما قولهم ما لم يكن علما فهو شك وظن والعلم هو اعتقاد الشيء على ما هو به عن ضرورة أو استدلال قالوا والديانات لا تعرف صحتها إلا بالاستدلال فإن لم يستدل المرء فليس عالما وإذا لم يكن عالما فهو جاهل شاك أو ظان وإذا كان لا يعلم الدين فهو كافر
قال أبو محمد فهذا ليس كما قالوا لأنهم قضوا قضية باطلة فاسدة بنوا عليها هذا الاستدلال وهي اقحامهم في حد العلم قولهم عن ضرورة أو استدلال فهذه زيادة فاسدة لا نوافقهم هعليها ولا جاء بصحتها قرآن ولا سنة ولا اجماع ولا لغة ولا طبيعة ولا قول صاحب وحد العلم على الحقيقة أنه اعتقاد الشيء على ما هو به فقط وكل من اعتقد شيئا على ما هو به ولم يتخالجه شك فيه فهو عالم به وسواء كان عن ضرورة حس أو عن بديهة عقل أو عن برهان استدلال أو عن تيسير الله عز و جل له وخلقه لذلك المعتقد في قلبه ولا مزيد ولا يجوز البتة أن يكون محقق في اعتقاد شيء كما هو ذلك الشيء وهو غير عالم به وهذا تناقض وفساد وتعارض وبالله تعالى التوفيق وأما قولهم في حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم في مسألة الملك فلا حجة لهم فيه بل هو حجة عليهم كما هو لمجرده لأن رسول الله صلى الله عليه و سلم إنما قال فيه فأما المؤمن أو الموقن فيقول هو رسول الله ولم يقل عليه الصلاة و السلام فأما المستدل فحسبنا فوز المؤمن المؤقن الموقن كيف كان أبمانه ويقينه وقال عليه الصلاة و السلام وأما المنافق أو المرتاب ولم يقل غير المستدل فيقول سمعت الناس يقولون شيئا فقلته فنعم هذا قولنا لأن المنافق والمرتاب ليسا موقنين ولا مؤمنين وهذا صفة منه مقلد للناس لا محقق فظهر أن هذا الخبر حجة عليهم كافية وبالله تعالى التوفيق وأما قولهم أن الله عز و جل قد ذكر الإستدلال في غير موضع من كتابه وأمر به وواجب العلم به والعلم لا يكون إلا عن استدلال فهذذه أيضا زيادة أقحموها وهي قولهم وأمر به فهذا لا يجدونه أبدا ولكن الله تعالى ذكر

الإستدلال وحض عليه ونحن لا ننكر الإستدلال بل هو فعل حسن مندوب إليه محضوض عليه كل من أطاقه لأنه تزود من الخير وهو فرض علي كل من لم تسكن نفسه إلى التصديق نعوذ بالله عز و جل من البلا وإنما ننكر كونه فرضا على كل أحد لا يصح إسلام أحد دونه هذا هو الباطل المحض وأما قولهم إن الله تعالى أوجب العلم به فنعم وأما قولهم والعلم لا يكون إلا عن استدلال فهذا هي الدعوى الكاذبة التي أبطلناها آنفا وأول بطلانها أنها دعوى بلا برهان وبالله تعالى العزيز الحكيو نتأيد
قال أبو محمد هذا كلما شنعوا به قد نقضناه والحمد لله رب العالمين فسقط قولهم إذ تعرى من البرهان وكان دعوى منهم مفتراة لم يأت بها نص قط ولا إجماع وبالله التوفيق
قال أبو محمد ونحن الآن ذاكرون بعون الله وتوفيقه وتأييده البراهين على بطلان قولهم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
قال أبو محمد يقال لمن قال لا يكون مسلما إلا من استدل أخبرنا متى يجب عليه فرض الإستدلال أقبل البلوغ أم بعده ولا بد من أحد الأمرين فإما الطبرى فإنه أجاب بأن ذلك واجب قبل البلوغ
قال أبو محمد وهذا خطأ لأن من لم يبلغ ليس مكلفا ولا مخاطبا وقد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم رفع القلم عن ثلاثة فذكر الصغير حتى يحتلم فبطل جواب الطبرى رحمة الله واما الاشعرية فإنهم أتوا بما يملأ الفم وتقشعر منها جلود أهل الإسلام وتصطك منها المسامع ويقطع ما بين قائلها وما بين الله عز و جل وهي انهم قالوا لا يلزم طلب الأدلة الإ بعد البلوغ ولم يقنعوا بهذه الجملة حتى كفونا المؤنة وصرحوا بما كنا نريد أن نلزمهم فقالوا غير مساترين لا يصح إسلام أحد حتى يكون بعد بلوغه شاكما غير مصدق
قال أبو محمد ما سمعنا قط في الكفر والانسلاخ من الإسلام بأشنع من قول هؤلاء

القوم أنه لا يكون أحد مسلما حتى يشك في الله عز و جل وفي صحة النبوة وفي هل رسول الله صلى اله عليه وسلم صادق أم كاذب ولا سمع قط سامع في الهوس والمناقضة والاستخفاف بالحقائق فاقبح من قول هؤلاء أنه لا يصح الإيمان إلا بالكفر ولا يصح التصديق إلا بالجحد ولا يوصل إلى رضاء الله عز و جل إلا بالشك فيه وإن من اعتقد موقنا بقلبه ولسانه إن الله تعالى ربه لا إله إلا هو وإن محمدا رسول الله وإن دين الإسلام دين إلى الذى لا دين غيره فإنه كافر مشرك اللهم إنا نعوذ بك من الخذلان فو الله لولا خذلان الله تعالى الذى هو غالب على أمره ما إنطلق لسان ذى مسكة بهذه العظيمة وهذا يكفى من تكلف النقص لهذه المقالة الملعونة ومن بلغ هذا المبلغ حسن السكوت عنه ونعوذ بالله من الضلال ثم نقول لهم إخبرونا عن هذا الذى أوجبتم عليه الشك في فرض أو الشك في صحة النبوة والرسالة كم تكون هذه المدة التى أوجبتم عليه فيه البقاء شاكا مستدلا طالبا للدلائل وكيف إن لم يجد في قريته أو مدينته ولا في أقليمة محسنا للدلائل فرحل طالبا للدلائل فاعترضته أهوال ومخاوف وتعذر من بحر أو مرض فاتصل له ذلك ساعات وأياما وجمعا وشهورا وسنين ما قولكم في ذلك فإن حدوا في المدة يوما أو يومين أو ثلاثة أو أكثر من ذلك كانوا متحكمين بلا دليل وقائلين بلا هدى من الله تعالى ولم يعجز أحد عن أن يقول في تحديد تلك المدة بزيادة أو نقصان ومن بلغ ها هنا فقد ظهر فساد قوله وإن قالوا لا نحد في ذلك حدا قلنا لهم فإن إمتد كذلك حتى فنى عمره ومات في مدة إستدلاله التى حددتم له وهو شاك فى الله تعالى وفي النبوة أيموت مؤمنا ويحب له الجنة أم يموت كافرا وتجب له النار فإن قالوا يموت مؤمنا تجب له الجنة أتو بأعظم الطو أم وجعلوا الشكاك في الله الذين هم عندهم شكاك مؤمنين من أهل الجنة وهذا كفر محض وتناقض لاخفاء به وكانوا مع ذلك قد سمعوا في أن يبقى المرء دهره كله شاكا في الله عز و جل وفي النبوة والرسالة فإن قالوا بل يموت كافرا تجب له النار قلنا لهم لقد أمر تموه بما فيه هلاكه وأوجبتم عليه ما فيه دماره وما يفعل الشيطان الإهذا في أمره بما يؤدى إلى الخلود في النار بل هو في حكم أهل الفترة قلنا لهم هذا باطل لأن أهل الفترة لم تأتهم النذارة ولا بلغهم خبر النبوة والنص إنما جاء فى أهل الفترة ومن زاد في الخبر ما ليس فيه فقد كذب على الله عز و جل ثم نقول لهم وبالله تعالى التوفيق ما حد الإستدلال الموجب لاسم الإيمان عندكم وقد يسمع دليلا عليه اعتراض أيجزيه ذلك لدليل أم لا فإن قالوا يجزيه قلنالهم ومن أين وجب أن يجزيه وهو دليل معترض فيه وليس هذه الصفة من الدلائل المخرجة عن الجهل إلى العلم بل هي مؤدية إلى الجهل الذي كان عليه

قبل الاستدلال فإن قالوا بل لا يجزيه إلا حتى يوقن أنه قد وقع على دليل لا يمكن الاعتراض فيه تكلفوا ما ليس في وسع أكثرهم وما لا يبلغه إلا قليل من الناس في طويل من الدهر وكثير من البحث ولقد درى الله تعالى أنهم أصفار من العلم بذلك يعني أهل هذه المقالة الملعونة الخبيثة
قال أبو محمد ومن البرهان الموضح لبطلان هذه المقالة الخبيثة أنه لا يشك أحد ممن يدري شيئا من السير من المسلمين واليهود والنصارى والمجوس والمانية و الدهرية في أن رسول الله صلى الله عليه و سلم مذ بعث لم يزل يدعو الناس الجماء الغفير إلى الإيمان بالله تعالى وبما أني به ويقاتل من أهل الأرض من يقاتله ممن عند ويستحل سفك دمائهم وسبى نسائهم وأولادهم وأخذ أموالهم متقربا إلى الله تعالى بذلك وأخذ الجزية وأصغاره ويقبل ممن آمن به ويحرم ماله ودمه وأهله وولده ويحكم له بحكم الإسلام وفيهم المرأة البدوية والراعي الراعية والغلام الصحراوي والوحشي والزنجي والمسبيء والزمجية المجلوبة والرومي والرومية والأغثر الجاهل والضعيف في فهمه فما منهم أحد ولا من غيرهم قال عليه السلام أني لا أقبل إسلامك ولا يصح لك دين إلا حتى تستدل على صحة ما أدعوك إليه
قال أبو محمد لسنا نقول أنه لم يبلغنا أنه عليه السلام قال ذلك لأحد بل نقطع نحن وجميع أهل الأرض قطعا كقطعنا على ما شهدناه أنه عليه السلام لم يقل قط هذا لأحد ولا رد إسلام أحد حتى يستدل ثم جرى على هذه الطريقة جميع الصحابة رضي الله عنهم أولهم عن آخرهم ولا يختلف أحد في هذا الأمر ثم جميع أهل الأرض إلى يومنا هذا ومن المحال الممتنع عند أهل الإسلام أن يكون عليه السلام يغفل أن يبين الناس ما لا يصح لأحد الإسلام إلا به ثم يتفق على إغفال ذلك أو تعمد عدم ذكره جميع أهل الأسلام ويبينه لهم هؤلاء الاشقياء ومن ظن أنه وقع من الدين على ما لا يقع عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم فهو كافر بلا خلاف فصح أن هذه المقالة خلاف للاجماع وخلاف لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه و سلم وجميع أهل الإسلام قاطبة فإن قالوا فما كانت حاجة الناس إلى الآيات المعجزات وإلى احتجاج الله عز و جل عليهم بالقرآن واعجازه به وبدعاء اليهود إلى تمني الموت ودعاء النصارى إلى المباهلة وشق القمر قلنا و بالله تعالى التوفيق أن الناس قسمان قسم لم تسكن قلوبهم إلى الإسلام ولا دخلها التصديق فطلبوا منه عليه السلام البراهين فأراهم المعجزات فانقسموا قسمين طائفة آمنت وطائفة عندت وجاهرت فكفرت وأهل هذه الصفة اليوم هم الذين يلزمهم طلب الاستدلال فرضا ولا بد كما قلنا وقسم آخر وفقهم الله تعالى لتصديقه عليه السلام وخلق

عز و جل في نفوسهم الإيمان كما قال تعالى بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان أن كنتم صادقين فهؤلاء آمنوا به عليه السلام بلا تكليف
قال أبو محمد ويلزم أهل هذه المقالة أن جميع أهل الأرض كفار لا الأقل وقد قال بعضهم أنهم مستدلون
قال أبو محمد وهذه مجاهرة هو يدري أنه فيها كاذب وكل من سمعه يدري أنه فيها كاذب لأن أكثر العامة من حاضرة وبادية لا يدري ما معنى الاستدلال فكيف أن يستعمله
قال أبو محمد ويلزم من قال بهذه المقالة ان لا يأكل من اللحم إلا ما ذبحه هو أو من يدرى إنه مستدل وأن لا يطأ إلا زوجة يدري أنها مستدلة ويلزم أن يشهد على نفسه بالكفر ضرورة قبل إستدلاله ومدة إستدلاله وأن يفارق إمراته التى تزوج في تلك المدة وأن لا يرث أخاه ولا أباه ولا أمه إلا أن يكونوا مستدلين وأن يعمل عمل الخوارج الذين يقتلون غيلة وعمل المغيرية المنصورة في ذبح كل من أمكنهم وقتله وأن يستحلوا أموال أهل الأرض بل لا يحل لهم الكف عن شيء من هذا كله لأن جهاد الكفار فرض وهذا كله إن التزموا طرد أصولهم وكفروا أنفسهم وإن لم يقولوا بذلك تناقضوا وفصح إن كل من اعتقد الأسلام بقلبه ونطق به لسانه فهو مؤمن عند الله عز و جل ومن أهل الجنة سواء كان ذلك عن قبول أو نشأة أو عن إستدلال وبالله تعالى التوفيق وأيضا فنقول لهم هل إستدل من مخالفيكم في أقوالكم التي تدينون بها أحد أم لم يستدل قط أحد غيركم فلا بد من اقرارهم بأن مخالفيهم أيضا قد استدلوا وهم عندكم مخطئون كمن لم يستدل وأنتم عندهم أيضا مخطئون فإن قالوا إن الأدلة أمنتنا من أن نكون مخطئين قلنا لهم وهذا نفسه هو قول خصومكم فإنهم يدعون إن أدلتهم على صواب قولهم وخطأ قولكم ولا فرق ما زالوا على هذه الدعوى مذ كانوا إلى يومنا هذا فما نراكم حصلتم من استدلا لكم الا على ما حصل عليه من لم يستدل سواء بسواء ولا فرق فإن قالوا لنا فعلى قولكم هذا يبطل الاستدلال جملة ويبطل الدليل كافة قلنا معاذ الله من هذا لكن أريناك أنه قد يستدل من يخطئ وقد يستدل من يصيب بتوفيق الله تعالى فقط وقد لا يستدل من يخطئ وقد لا يستدل من يصيب بتوفيق الله تعالى وكل ميسر لما خلق له والبرهان والدلائل الصحاح غير المموهة فمن وافق الحق الذى قامت عند غيره البراهين الصحاح بصحته فهو مصيب محق مؤمن استدل أو لم يستدل ومن يسر للباطن الذى قام البرهان عند غيره ببطلانه فهو مبطل مخطئ أو كافر سواء استدل أو لم يستدل وهذا هو الذي قام البرهان بصحته والحمد لله رب العالمين وبالله تعالى التوفيق

الكلام في الوعد والوعيد قال أبو محمد اختلف الناس في الوعد والوعيد فذهبت كل طائفة لقول منهم من قال

إن صاحب الكبيرة ليس مؤمنا ولا كافرا ولكنه فاسق 1 وأن كل من مات مصرا على كبيرة من الكبائر فلم يمت مسلما وإذا لم يمت مسلما فهو مخلد في النار أبدا وإن من مات ولا كبيرة له أو تاب عن كبائره قبل موته فإنه مؤمن من أهل الجنة لا يدخل النار أصلا ومنهم من قال بأن كل ذنب صغير أو كبير فهو مخرج عن الإيمان والإسلام فإن مات عليه فهو غير مسلم وغير المسلم مخلد في النار وهذه مقالات الخوارج والمعتزلة إلا أن ابن بكر أخت عبد الواحد بن زيد قال في طلحة والزبير رضي الله عنهما أنهما كافران من أهل الجنة لأنهما من أهل بدر وقد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أن الله تعالى قال لأهل بدر اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم قال فأهل بدران كفروا فمغفور لهم لأنهم بخلاف غيرهم وقال بعض المرجئة 2 لا تضر مع الإسلام سيئة كما لا ينفع مع الكفر حسنة قالوا فكل مسلم ولو بلغ على معصية فهو من أهل الجنة لا يرى نارا وإنما النار للكفار وكلتا هاتين الطائفيتين تقربان أحد ألا يدخل النار ثم يخرج عنها بل من دخل النار فهو مخلد فيها أبدا ومن كان من أهل الجنة فهو لا يدخل النار

وقال أهل السنة والحسين النجار وأصحابه وبشر ابن غياث المريسي وأبو بكر بن عبد الرحمن ابن كيسان الأصم البصري وغيلان ابن مروان الدمشقي القدري ومحمد بن شبيب ويونس بن عمران وأبو العباس الناشي والأشعري وأصحابه ومحمد بن كرام وأصحابه أن الكفار مخلدون في النار وأن المؤمنين كلهم في الجنة وإن كانوا أصحاب كبائر ماتوا مصرين عليها وأنهم طائفتان طائفة يدخلون النار ثم يخرجون منها أي من النار إلى الجنة وطائفة لا تدخل النار إلا أن كل من ذكرنا قالوا لله عز و جل أن يعذب من شاء من المؤمنين أصحاب الكبائر بالنار ثم يدخلهم الجنة وله أن يغفر لهم ويدخلهم الجنة بدون أن يعذبهم ثم افترقوا فقالت طائفة منهم وهو محمد بن شبيب ويونس والناشي أن عذب الله تعالى واحدا من أصحاب الكبائر عذب جميعهم ولا بد ثم أدخلهم الجنة وأن عفر لواحد منهم غفر لجميعهم ولا بد وقالت طائفة بل يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء وإن كانت ذنوبهم كثيرة مستوية وقد يغفر لمن هو أعظم جرما ويعذب من هو أقل جرما وقال ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم يغفر لمن يشاء من أصحاب الكبائر ويعذب من يشاء منهم إلا القاتل عندا فإنه مخلد في النار أبدا وقالت طائفة منهم من لقي الله عز و جل مسلما نائبا من كل كبيرة أو لم يكن عمل كبيرة قط فسيئآته كلها مغفورة وهو من أهل الجنة لا يدخل النار ولو بلغت سيئاته ما شاء الله أن تبلغ ومن لقي الله عز و جل وله كبيرة لم يتب منها فأكثر فالحكم في ذلك الموازنة فمن فمن رجحت حسناته على كبائره وسيئاته فإن كبائره كلها تسقط وهو من أهل الجنة لا يدخل النار وإن استوت حسناته مع كبائره وسيئآته فهؤلاء أهل الأعراف ولهم وقفة ولا يدخلون النار ثم يدخلون الجنة ومن رجحت كبائره وسيئاته بحسناته فهؤلاء مجازون بقدر ما رجح لهم من الذنوب فمن لفحة واحدة إلى بقاء خمسين ألف سنة في النار ثم يخرجون منها إلى الجنة بشفاعة رسول الله صلى الله عليه و سلم وبرحمة الله تعالى وكل من ذكرنا يجازون في الجنة بعد بما فضل لهم من الحسنات وأما من يفضل له حسنة من أهل الأعراف فمن دونهم وكل من خرج النار بالشفاعة وبرحمة الله تعالى فهم كلهم سواء في الجنة ممن رجحت له حسنة فصاعدا
قال أبو محمد فأما من قال صاحب الكبيرة يخلد وصاحب الذنب كذلك فإن حجتهم قول الله عز و جل
ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون
وقوله تعالى من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار وقوله تعالى والذين كسبوا السيآت جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة ما لهم من الله من عاصم كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون وقوله تعالى ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وبقوله تعالى ومن

يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما وقوله ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيها مهانا إلا من تاب وآمن وقوله تعالى إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا وقوله تعالى إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة الآية وقوله تعالى ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير وقوله إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا إلى قوله تعالى ولهم في الآخرة عذاب عظيم وقوله تعالى الذين يأكلون الربا الآية وذكروا أحاديث صحت عن النبي صلى الله عليه و سلم في وعيد شارب الخمر وقاتل الهرة ومن قتل نفسه بسم أو حديد أو تردي من جبل فإنه يفعل ذلك به في جهنم خالدا ومن قتل نفسه حرام الله عليه الجنة وأوجب له النار وذكروا أن الكبيرة تزيل اسم الإيمان فبعضهم قال إلى شرك وبعضهم قال إلى كفر نعمة وبعضهم قال إلى نفاق وبعضهم قال إلى فسق قالوا فإذا ليس مؤمنا فلا يدخل الجنة لأنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنين هذا كل ما احتجوا به ما نعلم لهم حجة أصلا غير ما ذكرنا واما من خص القاتل بالتخليد فإنهم احتجوا بقوله تعالى ومن يقتل مؤمنا متعمدا فقط وأما من قطع بإسقاط الوعيد عن كل مسلم فاحتجوا بقول الله تعالى لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى قالوا وهذه الآية مثبتة أن كل من توعده الله عز و جل على قتل أوزنا أو ربا أو غير ذلك فإنما هم : الكفار خاصة لا غيرهم واحتجوا بقول رسول الله صلى الله عليه و سلم من قال لا إله إلا الله مخلصا من قلبه دخل الجنة وإن سرق وإن شرب الخمر علي رغم أنفه أبي ذر وقول الله عز و جل
أن رحمة الله قريب من المحسنين
قالوا ومن قال لا إله إلا الله محمد رسول الله فقد أحسن فهو محسن فرحمة الله قريب منه ومن رحمة الله فلا يعذب وقالوا كما أن الكفر محبط لكل حسنة فإن الإيمان يكفر كل سيئة والرحمة والعفو أولى بالله عز و جل
قال أبو محمد هذا كل ما احتجوا به ما نعلم لهم حجة غير هذا أصلا أو يدخل فيما ذكرنا ولا يخرج عنه وبالله تعالى التوفيق وأما من قال أن الله تعالى يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء وقد يعذب من هو أقل ذنوبا ممن يغفر له فإنهم احتجوا بقول الله عز و جل أن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء وبعموم قوله تعالى يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء وبقول رسول الله صلى الله عليه و سلم خمس صلوات كتبهن الله على العبد من جاء بهن لم ينقص من حدودهن شيئا كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة ومن لم يأت بهن لم يكن له عند الله عهد أن شاء عذبه وإن شاء غفر له وجعلوا الآيتيتن اللتين ذكرنا

قاضيتين على جميع الآيات التي تعلقت بها سائر الطوائف وقالوا لله الأمر كله لا معقب لحكمه فهو يفعل ما يشاء ما نعلم لهم حجة غير ما ذكرنا
قال أبو محمد وأما من قال بمثل هذا ألا إنه قال الله تعالى أن عذب واحدا منهم عذب الجميع وإن عفر لواحد منهم غفر للجميع فإنهم قدرية جنحوا بهذا القول نحو العدل ورأوا أن المغفرة لواحد وتعذيب من له ذنوبه جور ومحاباة ولا يوصف الله عز و جل بذلك وأما من قال بالموازنة فإنهم احتجوا فقالوا أن آيات الوعيد وأخبار الوعيد التي احتج بها من ذهب مذهب المعتزلة والخوارج فإنها لا يجوزان أن تخص بالتعليق بها دون آيات العفو وأحاديث العفو التي احتج بها من أسقط في الوعيد وهي لا يجوز التعلق بها دون الآيات التي حتج بها من اثبت الوعيد بل الواجب جمع جميع تلك الآيات وتلك الأخبار وكلها حق وكلها من عند الله وكلها مجمل تفسيرها بآيات الموازنة وأحاديث الشفاعة التي هي بيان لعموم تلك إلا آيات وتلك الأخبار وكلها من عند الله قالوا ووجدنا الله عز و جل قد قال يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا وقال تعالى ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل الآية وقال تعالى فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره وقال تعالى وما كان الله ليضيع ايمانكم وقال تعالى فإذا هم جميع لدينا محضرون فاليوم لا تظلم نفس شيئا الآية أو قال تعالى ليجزي الله كل نفس ما كسبت إن الله سريع الحساب وقال تعالى وتوفي كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون وقال تعالى لتجزى كل نفس بما تسعى وقال تعالى وإن ليس للانسان إلا ما سعى إلى قوله الجزاء الإ وفى وقال تعالى وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك وقال تعالى ليجزى الذين أساؤا بما عملوا الآية وقال تعالى هنالك تبلو كل نفس ما أسفلت وقال تعالى وإن كلا لما ليوفيهم ربك أعمالهم وقال تعالى وما تقدموا الإنفسكم من خير تجدوه عند الله الاية وقال تعالى ليس بأمانيكم ولا أماني اهل الكتاب من يعمل سوءا يجزية ولا يجدل الاية وقال تعالى وما تفعلوا من خير فلن تكفروه وقال تعالى ان الله لا يظلم مثقال ذرة وان تلك حسنة تضاعفها ويوتي من لدنه اجرا عظيما وقال تعالى اني لا اضيع عمل عامل منكم من ذكر او انثى وقال تعالى وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد الى قوله تعالى قال قرينه ربنا ما اطغيته ولكن كان في ضلال بعيد إلى قوله تعالى وما أنا بظلام للعبيد وقال تعالى فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية وأما من خفت موازينه الى آخر السورة وقال تعالى ان الحسنات يذهبن السيئات وقال تعالى ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فاؤلئك حبطت أعمالهم وقال تعالى من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة

فلا يجزى إلا مثلها وقال تعالى اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم هذا نص كلامه يوم القيامة وهو القاضي على كل مجمل قالوا فنص الله عز و جل أنه يضع الموازين القسط وأنه لا يظلم احدا شيئا ولامثقال حبة خردل ولا مثقال ذرة من خير ومن شر فصح أن السيئة لا تحبط الحسنة وأن ألإيمان لا يسقط الكبائر ونص الله تعالى انه تجزي كل نفس بما كسبت وما عملت وما سعت وأنه ليس لاحد الاما سعى وأنه سيجري بذلك من أساء بما عمل ومن أحسن بالحسنى وانه تعالى يوفى الناس أعمالهم فدخل في ذلك الخير والشر وأنه تعالى يجازي بكل خير وبكل سوء وعمل وهذا كله يبطل قول من قال بالتخليد ضرورة وقول من قال باسقاط الوعيد جملة لان المعتزلة تقول أن ألايمان يضيع ويحبط وهذا خلاف قول الله تعالى انه لا يضيع ليماتناولا عمل عامل منا وقالوا هم ان الخير ساقط بسيئه واحدة وقال تعالى ان الحسنات يذهبن السيآت فقالوا هم ان السيآت يذهن الحسنات وقد نص تعالى أن الاعمال لا يحبطها الا الشرك والموت عليه وقال تعالى من جاء بالسيئة فلا يجزى الا مثلها فلو كانت كل سيئة أو كبيرة توجب الخلود في جهنم ويحبط الأعمال الحسنة لكانت كل سيئة أو كل كبيرة كفرا ولتساوت السيئات كلها وهذا خلاف النصوص وعلمنا بما ذكرنا أن الذين قال الله تعالى فيهم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون هم الذين رجحت حسناتهم على سيئاتهم فسقط كل سيئة قدموها وصح أن قوله تعالى ومن جاء بالسيئة 2تكبت وجوههم في النار هو فيمن رجحت كبائرهم حسناتهم وإن السيئة الموجبة هى للخلود وهى الكفر لأن النصوص جاءت بتقسيم السيئات فقال تعالى أن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم فهذه سيئات مغفورة باجتناب الكبائر وقال تعالى وجزاء سيئة سيئة مثلها وقال تعالى ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره فاخبر تعالى أن من السيئات المجازى لها ما هو مقدارذرة ومنها ما هو أكبر ولا شك أن الكفر أكبر السيئات فلو كانت كل كبيرة جزاءها الخلود لكانت كلها ولكانت كلها سواء وليست كذلك بالنص وأما وعيد الله بالخلود في القاتل وغيره فلو لم يأت الإ هذه النصوص لوجب الوقوف عندها لكنه قد قال تعالى لا يصلاها الإ الأشقى الذى كذب وتولى وكلامه تعالى لا يختلف ولا يتناقض وقد صح أن القاتل ليس كافرا وأن الزاني ليس كافرا وأن أصحاب تلك الذنوب المتوعد عليها ليسوا كفارا بما ذكرنا قبل من أنهم مباح لهم نكاح المسلمات إنهم مأمورون بالصلات وإن زكاة أموالهم مقبوضة وإنهم لا يقتلون وإنه إن عفى عن القاتل فقتله مسلم فإنه يقتل به وإنه يرث ويورث وتؤكل ذبيحته فإذ ليس كافرا فبيقين يدرى أن خلوده إنما هو مقام مدة ما وإن الصلا 1 الى نماء الله تعالى عن كل من لم يكذب ولا تولى إنما هو صلى الخلود لا يجوز البته غير هذذا وبهذا تتألف

النصوص وتتفق ومن المعهود في المخاطبة أن وفد من بلد إلى بلد محبس فيه لامر أوجب احتباسه فيه مدة ما فإنه ليس من أهل ذلك البلد الذى حبس فيه فمن دخل في النار ثم أخرج منها فقد انقطع عنه صليها فليس من أهلها وأهل صليها على الإطلاق والجملة هم الكفار المخلدون فيها أبدا فهكذا جاء في الحديث الصحيح فقد ذكر عليه السلام فيه من يدخل النار بذنوبه ثم يخرج منها ثم قال صلى الله عليه و سلم وأما أهل النار الذين هم أهلها يعنى الكفار المخلدين فيها وقد قال عز و جل وإن منكم الا واردها كان على ربك حتما مقضيا ثم ننجى الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا فقد بين عليه السلام ذلك بقوله في الخبر الصحيح ثم يضرب الصراط بين ظهراني جهنم فبالقرآن وكلام رسول الله صلى الله عليه و سلم صح أن ممر الناس من محشرهم إلى الجنة إنما هو بخوضهم وسط جهنم وينجى الله أولياء من حرها وهم الذين لا كبائر لهم أو لهم كبائر تابوا عنها ورجحب حسناوتهم بكبائرهم أو تساوت كبائرهم وسيئاتهم بحسناتهم وأنه تعالى يمحص من رجحت كبائره وسيئاته ثم يخرجهم عنها إلى الجنة بايمانهم ويمحق الكفار بتخليدهم في النار كما قال تعالى وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين وأيضا فإن كل آية وعيد وخبر وعيد تعلق به من قال بتخليد المذذنبين فإن المحتجين بتلك النصوص هم أول مخالف لها لأنهم يقولون إن من يأتى بتلك الكبائر ثم تاب سقط عنه الوعيد فقد تركوا ظاهر تلك النصوص فإن قالوا إنما قلنا بنصوص أخر أو جبت ذلك قيل لهم نعم وكذلك فعلنا بنصوص آخر وهى آيات الموازنة وإنه تعالى لا يضيع عمل عامل من خير أو شر ولا فرق ويقال لمن أسقط آيات الوعيد جملة وقال إنها كلها إنما جاءت في الكفار إن هذا باطل لأن نص القرآن بالوعيد على الفار من الزحف ليس الإ على المؤمن بيقين بنص الآية في قوله تعالى ومن يولهم يومئذ دبره ولا يمكن أن يكون هذا في كافر أصلا فسقط قول من قال بالتخليد وقول من قال باسقاط الوعيد ولم يبق الإ فول من أجمل جواز المغفرة وجوز العقاب
قال أبو محمد فوجدنا هذا القول مجملا قد فسرته آيات الموازنة وقوله تعالى الذى تعلقوا به إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء حق على ظاهرها وعلى عمومها وقد فسرتها بإقرارهم آيات أخر لأنه لا يختلف في أن الله تعالى يغفر أن يشرك به لمن تاب من الشرك بلا شك وكذلك قوله تعالى ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء فهذاكله حق إلا أنه قد بين من هم الذين شاء أن يغفر لهم فإن صرتم إلى بيان الله تعالى فهو الحق وإن أبيتم الا الثبات علي الإجمال فاخبرونا عن قول الله تعالى ياعبادي الذين أسرفوا علي أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا وقوله تعالى بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء أترون أن هذا العموم تقولون به فتجيزون أنه يغفر الكفر لأنه

ذنب من الذنوب أم لا واخبرونا عن قول الله عز و جل حاكيا عن عيسى عليه السلام أنه يقول له تعالى يوم القيامة يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي الهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لى أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إلى قوله وأنت على كل شئ شهيد إلى قوله تجرى من تحتها الأنهار أيدخل النصارى الذين اتخذوا عيسى وأمه الهين من دون الله تعالى في جواز المغفرة لهم لصدق قول الله تعالى في هذا القول من التخيير بين المغفرة لهم أو تعذينهم وأخبرونا عن قوله تعالى قال عذابى أصيب به من اشاء ورحمتي وسعت كل شئ فساكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة فمن قولهم إن المغفرة لا تكون البتة لمن كفر ومات كافرا وأنهم خارجون من هذا العموم ومن هذه الجملة بقوله تعالى إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء قيل لهم ولم خصصتم هذه الجملة بهذا النص ولم تخصوا قوله تعالى ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء بقوله فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية وأما من خفت موازينه فأمه هاوية وبقوله تعالى هل تجزون الا ما كنتم تعملون وبقوله تعالى اليوم تجزى كل نفس بما كسبت وهذا خبر لا نسخ فيه فإن قالوا نعم الا أن يشاء أن يغفر لهم قيل لهم قد أخبر الله تعالى أنه لا يشاء ذلك بإخباره تعالى أنه في ذلك اليوم يجزى كل نفس ما كسبت ولا فرق
قال أبو محمد وقد أخبر النبي صلى الله عليه و سلم أن الرجل يأتى يوم القيامة وله صدقة وصيام وصلاة فيوجد قد سفك دم هذا وشتم هذا فتؤخذ حسناته كلها فيقتص لهم منها فإذا لم يبق له حسنة قذف من سيآتهم عليه ورمى في النار وهكذا أخبر عليه السلام في قوم يخرجون من النار حتى اذا نقوا وهذبوا ادخلوا الجنة وقد بين عليه السلام ذلك بأنه يخرج من النار من في قلبه مثقال حبة من شعير من خير ثم من في قلبه مثقال برة من خير ثم من في قلبه مثقال حبة من خردل ثم من في قلبه مثقال ذرة إلى أدني أدني أدنى من ذلك ثم من لم يعمل خيرا قط لال شهادة السلام فوجب الوقوف عند هذه النصوص كلها المفسرة للنص المجمل ثم يقال أخبرونا عمن لم يعمل شرا قط الا اللمم ومن هم بالشر فلم يفعله فمن قول أهل الحق أنه مغفور له جملة بقوله تعالى الا اللمم وبقول رسول الله صلى الله عليه و سلم إن الله تجاوز لا متى عما حدثت به أنفسها ما لم تخرجه بقول أو عمل
قال أبومحمد وهذا ينقسم أقساما احدها من هم بسيئة اى شئ كانت من السيئات ثم تركها مختار الله تعالى فهذا تكتب له حسنة فإن تركها مغلوبا لا مختارا لم تكتب له حسنة ولا سيئة تفضلا من الله عز و جل ولو عملها كتبت له سيئة واحدة ولو هم بحسنة ولو يعملها كتبت له حسنة واحدة وإن عملها كتبت له عشر حسنات وهذا كله نص رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد ناظرت بعض المنكرين لهذا فذهب إلى أن الهم بالسيئة اصرار عليها فقلت له

هذا خطأ لإن الاصرار لا يكون الا على ما قد فعله المرء بعد تماد عليه أن يفعله وإما من هم بما لم يفعل بعد فليس اصرارا قال الله تعالى ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون ثم نسألهم عمن عمل بالسيئات حاشا الكبائر عددا عظيما ولم يأت كبيرة قط ومات على ذلك أيجزون أن يعذبه الله تعالى على ما عمل من السيئات أم يقولون أنها مغفورة له ولا بد فإن قالوا أنها مغفورة ولابد صدقوا وكانوا قد خصوا قوله تعالى ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء وتركوا حمل هذه الآية على عمومها فلا ينكروا ذلك على من خصها أيضا بنص آخر وإن قالوا بل جائز أن يعبهم الله تعالى على ذلك أكذبهم الله تعالى بقوله إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما ونعوذ بالله من تكذيب اله عز و جل ثم نسألهم عمن عمل من الكبائر ومات عليها وعمل حسنات رجحت بكبائره عند الموازنة أيجوز أن يعذبه الله تعالى بما عمل من تلك الكبائر أم مغفورة له ساقطة عنه فإن قالوا بل هي مغفورة وساقطة عنه صدقوا أو كانوا قد خصوا عموم قوله تعالى ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء وجعلوا هؤلاء ممن شاء ولا بد أن يغفر لهم وإن قالوا بل جايز أن يعذبهم أكذبهم الله تعالى بقوله فإما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية وبقوله إن الحسنات يذهبن السيئات
قال أبو محمد وكذلك القول فيمن تساوت حسناته وكبائره وهم أهل الأعراف فلا يعذبون أصلا فقد صح يقينا أن هؤلاء الطبقات الأربع هم الذين شاء الله تعالى أن يغفر لهم بلا شك فبقي الذين لم يشاء الله تعالى أن يغفر لهم ولم يبق من الطبقات أحد إلا من رجحت كبائره في الموازنة على حسناته فهم الذين يجاوزون بقدر ذنوبهم ثم يخرجون من النار بالشفاعة وبرحمة الله عز و جل فقالوا من هؤلاء من يغفر الله تعالى ومنهم من يعذبه قلنا لهم أعندكم بهذا البيان نص وهم لا يجدونه أبدا فظهر تحكمهم بلا برهان وخلافهم لجميع الآيات التي تعلقوا بها فإنهم مقرون على أنها ليست على عمومها بل هي مخصوصة لأن الله تعالى قال أن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ولا خلاف في أنه تعالى يغفر الشرك لمن آمن فصح أنها مجملة تفسرها سائر الآيات والأخبار وكذلك حديث عبادة خمس صلوات كتبهن الله تعالى على العباد من جاء بهن لم ينقص من حدودهن شيئا كان له الله عهد أن يدخله الجنة ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد أن شاء غفر له وإن شاء عذبه فإنهم متفقون على أن من جاء بهن لم ينتقص من حدودهن شيئا إلا أنه قتل وزني وسرق فإنه قد يعذب ويقولون أن لم يأت بهن فإنه لا يعذب على التأبيد بل يعذب ثم يخرج عن النار
قال أبو محمد هذا ترك منهم أيضا لظاهر هذا الخبر
قال أبو محمد ولا فرق بين قول الله تعالى فإما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية وبين قوله وأما من خفت موازينه فأمه هاوية كلاهما خبر أن جازإبطال أحدهما جاز إبطال ت الأربع هم الذين شاء الله تعالى أن يغفر لهم بلا شك فبقي الذين لم يشاء الله تعالى أن يغفر لهم

الآخر ومعاذ الله من هذا القول وكذذلك قد منع الله تعالى من هذا القول بقوله تعالى لا تختصوا لدى وقد قدمت اليكم بالوعيد ما يبدل القول لدى وما أنا بظلام للعبيد ونحن نقول إن الله تعالى يعذب من يشاء ويرحم من يشاء وإنه تعالى يغفر ما دون الشرك لمن يشاء وإن كل أحد فهو في مشيئة الله تعالى الا أننا نقول أنه تعالى قد بين من يغفر له ومن يعذب وإن الموازين حق الموازنة حق الشفاعة حق وبالله تعالى التوفيق حدثنا محمد بن سعيد بن بيان حدثنا أحمد بن عيد النصير حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا محمد بن عبد السلام الختنى حدثنا كحمد بن المثنى حدثنا وكيع بن الجراح حدثنا سفيان الثوري عن خالد الحذاء عن مجاهد عن ابن عباس في قول الله تعالى وأنا لمورفهم نصيبهم غير منقوص قال ما وعدوا فيه من خير وشر وهذا هو نص قولنا وقد ادعى قوم أن خلاف الوعيد حسن عند العرب وانشدوا ... وأني وإن واعدته وأوعدته ... لمخلف ميعادي ومنجزه موعدي ...
قال أبو محمد وهذا لا شيء قد جعل فخر صبي أحمق كافر حجة على الله تعالى والعرب تفخر بالظلم قال الراجز ... أحيا أباه هاشم بن حر مله ... ترى الملوك حوله مغر له ... يقتل ذا الذنب ومن لا ذنب له وقد جعلت العرب مخلف الوعد كاذبا قال الشاعر أنشده أبو عبيدة معمر بن المثنى ... أتوعدني وراء بني رباح ... كذبت لتقصرن يداك دوني ...
فإن قالوا خصوا وعيد الشرك بالموازنة قلنا لا يجوز لأن الله تعالى مع من ذلك قال تعالى ومن يرتد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فؤلئك حبطت أعمالهم فلا خير له
قال أبو محمد وأهل النار متناضلون في عذاب النار فأقلهم عذابا أبوطالب فإنه توضع جمرتان من نار في أخمصيه إلى أن يبلغ الأمر إللى قوله تعالى ادخلوا آل فرعون أشد العذاب وقوله تعالى إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولا يكون الأشد إلا إلى جنب إلا دون وقال تعالى ولنذيقهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر
قال أبو محمد والكفار معذذبون على المعاصي التي عملوا من غير الكفر برهان ذلك قول الله سبحانه وتعالى ما سلككم في سقر قالوا لم نكن من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين حتى أتانا اليقين فنص تعالى على أن الكفار يعذبون على ترك الصلاة وعلى ترك الطعام للمسكين
قال أبو محمد وأما من عمل منهم العتق والصدقة أو نحو ذلك من أعمال البر فحابط كل ذلك لأن الله عز و جل قال أنه من مات وهو كافر حبط عمله لكن لا يعذب الله أحدا إلا على ما عمل لا على ما لم يعمل قال الله تعالى هل تجزون إلا ما كنتم تعملون فلما كان من لا يطعم المسكين من الكفار يعذب على ذلك عذابا زائدا فالذي أطعم المسكين مع كفره لا

يعذب ذلك العذاب الزائد فهو أقل عذابا لأنه لم يعمل من الشر ما عمل من هو أشد عذابا أنه عمل خيرا
قال أبو محمد وكل كافر عمل خيرا وشرا ثم أسلم فإن كل ما عمل من خير مكتوب مجازى به في الجنة وأما ما عمل من شر فإن تاب عنه مع توبته من الكفر سقط عنه وإن تمادي عليه أخذ بما عمل في كفره وبما عمل في إسلامه برهان ذلك حديث حكم بن حزام عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال يا رسول الله أشياء كنت أتحنث بها في الجاهلية من عتق وصدقة وصلة رحم فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم أسلمت على ما سلف لك من خير فاخبر إنه خير وإنه له إذا أسلم وقالت له عائشة رضى الله عنها يا رسول الله ارأيت ابن جدعان فإنه كان يصل الرحم ويقرى الضيف أينفع ذلك قال لا لأنه لم يقل يوما رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين فأخبر عليه السلام أنه لم ينتفع بذلك لأنه لم يسلم فأتفقت الأخبار كلها على أنه لو أسلم لنفعه ذلك وأما مؤاخذته بما عمل فحديث ابن مسعود رضى الله عنه بنص ما قلنا عن رسول الله صلى الله عليه و سلم كما قلناه فإن اعترض معترض بقول الله تعالى لئن اشركت ليحبطن عملك قلنا إنما هذا لمن مات مشر كافقط برهان ذلك أن الله تعالى قال لئن اشركت ليحبطن عملك ومن أسلم فليس من الخاسرين وقد بين ذلك بقوله ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم وإن أعترضوا فيما قلنا من المؤاخذة بما عمل في الكفر بقوله تعالى قل للذين كفروا أن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف قلنا لهم هذا حجة لنا لأن من إنتهى عن الكفر غفر له وإن انتهى عن الزنا غفر له وإن لم ينته عن الزنا لم يغفر له فإنما يغفر له عما انتهى عنه ولم يغفر له ما لم ينته عنه ولم يقل تعالى إن ينتهوا عن الكفر يغفر لهم سائر ذنوبهم والزيادة على الآية كذب الله تعالى وهى أعمال متغايرة كما ترى ليست التوبة عن بعضها توبة عن سائرها فلكل واحد منها حكم فإن ذكروا حديث عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه و سلم الإسلام يجب ما قبله فقد قلنا أن الاسلام اسم لجميع الطاعات فمن أصر على المعصية فليس فعله في المعصية التى يتمادى عليها إسلاما ولا إيمانا كما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن فصح أن الاسلام والايمان هو جميع الطاعات فإذا أسلم من الكفر وتاب من جميع معاصيه فهو الاسلام الذي يجب ما قبله وإذا لم يتب من معاصيه فلم يحسن في الاسلام فهو مأخوذ بألاول والاآخر كما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم وبهذا تتفق الأحاديث وكذلك قوله عليه السلام والهجرة تجب ما قبلها فقد صح عنه عليه السلام أن المهاجر من هجر ما نهاه الله عنه فمن تاب من جميع المعاصي التي سلفت منه فقد هجر ما نهاه الله عنه فهذه هى الحجرة التي تجب ما قبلها وأما قوله عليه السلام والحج يجب ما قبله فقد جاء أن العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء الا

الجنة فهذا على الموازنة التى ربنا عز و جل عالم بمراتبها ومقاديرها وإنما تقف حيث وقفنا الله تعالى ورسوله صلى الله عليه و سلم وبالله تعالى التوفيق
قال أبو محمد واستدركنا قول رسول الله صلى الله عليه و سلم في قاتل نفسه حرم عليه الجنة وأوجب له النار مع قوله من قال لا اله الا الله مخلصا من قلبه حرم عليه النار وأوجب له الجنة
قال أبو محمد قال الله تعالى وما ينطق عن الهوى إن هو الا وحي يوحى فصح أن كلامه صلى الله عليه و سلم كله وحي من عند الله تعالى وقال عز و جل ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا فصح أن ما قاله رسول صلى الله عليه و سلم فمن عند الله تعالى وأنه لا اختلاف في شئ منه وأنه كله متفق عليه فإذ ذلك كذلك فواجب ضم هذه الأخبار بعضها إلى بعض فيلوح الحق حينئذ بحول الله وقوته فمعنى قوله صلى الله عليه و سلم في القاتل حرم الله عليه الجنة وأوجب له النار مبنى على الموازنة فإن رجحت كبيرة قتله نفسه على حسناته حرم الله عيله الجنة حتى يقتص منه بالنار التى أوجبها الله تعالى جزاء على فعله وبرهان هذا الحديث الذى أسلم وهاجر مع عمرو بن الحممة الدوسى ثم قتل نفسه لجراح جرح به فتألم به فقطع عروق يده فنزف حتى مات فرآه بعض أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم في حال حسنة الا يده وذكرا قيل له لن يصلح منك ما افسدت فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم اللهم وليديه فاغفر ومعنى قول رسول الله صلى الله عليه و سلم من قال لا إله إلا الله مخلصا من قلبه حرم الله عليه النار وأوجب له الجنة فهذا لا يختلف فيه مسلمان أنه ليس على ظاهرة منفردا لكن يضمه إلى غيره من الإيمان لمحمد صلى الله عليه و سلم والبراءة من كل دين حاشا دين الإسلام ومعناه حينئذ أن الله عز و جل أوجب له الجنة ولا بد إما بعد الاقتصاص وأما دون الاقتصاص علي ما توجبه الموازنة وحرم الله عليه أن يخلد فيها ويكون من أهلها القاطنين فيها على ما بيننا قبل من قوله تعالى لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى ومن يعمل سوؤا يجزيه وما كان الله ليضيع إيمانكم وما تفعلوا من خير فلن تكفروا وقوله تعالى يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها فنص الآية أنها في الكفار هكذا في نص الآية
قال أبو محمد وأما الكفارة فإن الله تعالى قال أن تجتذبوا كبائر ما تنهون عنه تكفر عنكم سيآتكم وندخلكم مدخلا كريما
قال أبو محمد ومن المحال أن يحرم الله تعالى علينا أمرا ويفرق بين أحكامه ويجعل بعضه مغفورا باجتناب بعض ومؤاخذا به أن لم يجتنب البعض الآخر ثم لا يبين لنا المهلكات من غيرعا فنظرنا في ذلك فوجدنا قوما يقولون أن كل ذنب فهو كبيرة
قال أبو محمد وهذا خطأ لأن نص القرآن مفرق كما قلنا بين الكبائر وغيرها وبالضرورة

ندري أنه لا يقال كبيرة إلا بالإضافة إلى ما هو أصغر منها والكبائر أيضا تتفاضل فالشرك أكبر مما دونه والقتل أكبر من غيره وقد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أنهما لا يعذبان وما يعذبان في كبير وأنه لكبير أما أحدهما فكان لا يستبرئ من بوله وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة فأخبر عليه السلام أنهما كبير وما هما بكبير وهذا بين لأنهما كبيران بالإضافة إلى الصفائر المغفورة باجتناب الكبائر ولبسا بكبيرين بالإضافة إلى الكفر والقتل
قال أبو محمد فبطل القول المذكور فنظرنا في ذلك فوجدنا معرفة الكبير من الذنوب مما ليس بكبير منها لا يعلم البتة إلا بنص وأراد فيها إذ هذا من أحكام الله تعالى التي لا تعرف إلا من عنده تعالى فبحثنا عن ذلك فوجدنا الله تعالى قد نص بالوعيد على ذنوب في القرآن وعلى لسان رسول الله صلى الله عليه و سلم ووجدنا ذنوبا آخر لم ينص عليها بوعيد فعلمنا يقينا أن كل ما توعد الله تعالى عليه بالنار أو توعد عليه رسوله صلى الله عليه و سلم بالنار فهو كبير وكل ما نص عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم باستعظامه فهو كبير كقوله عليه السلام اتقوا السبع الموبقات الشرك والسحر والقتل والزنا وذكر الحديث وكقوله عليه السلام عقوق الوالدين من الكبائر وكل ما لم يأت نص باستعظامه ولا جاء فيه وعيد بالنار فليس بكبير ولا يمكن أن يكون الوعيد بالنار على الصغائر على انفرادها لأنها مغمورة باجتناب الكبائر فصح ما قلناه وبالله تعالى التوفيق

الموافاة قال أبو محمد اختلف المتكلمون في معنى عبروا عنه بلفظ الموافاة وهم أنهم قالوا في إنسان مؤمن صالح مجتهد في العبادة ثم مات مرتدا كافرا وآخر كافر متمردا وفاسق ثم مات مسلما نائبا كيف كان حكم كل واحد منهما قبل أن ينتقل إلى ما مات عليه عند الله تعالى فذهب هشام ابن عمرو والفوطي وجميع الأشعرية إلى أن الله عز و جل لم يزل راضيا عن الذي مات مسلما تائبا ولم يزل ساخط على الذي مات كافرا أو فاسقا واحتجوا في ذلك بأن الله عز و جل لا يتغير علمه ولا يرضى ما سخط ولا يسخط ما رضي وقالت الأشعرية الرضا من الله عز و جل لا يتغير منه تعالى صفات الذات لا يزولان ولا يتغيران وذهب سائر المسلمين إلى أن الله عز و جل كان ساخطا على الكافر والفاسق ثم رضي الله عنهما إذا أسلم الكافر وتاب الفاسق وأنه كان تعالى راضيا عن المسلم وعن الصالح ثم سخط عليهما إذا كفر المسلم وفسق الصالح
قال أبو محمد احتجاج الأشعر به هاهنا هو احتجاج اليهود في إبطال النسخ ولا فرق ونحن نبين بطلان احتجاجهم وبطلان قولهم وبالله تعالى التوفيق فنقول وبالله عز و جل نتأيد أما قولهم عن علم الله عز و جل لا يتغير فصحيح ولكن معلوماته تتغير ولم نقل أن علمه يتغير ومعاذ الله من هذا ولم يزل علمه تعالى واحدا يعلم كل شيء على تصرفه في جميع حالاته فلم

يزل يعلم أن زيدا سيكون صغيرا ثم شابا ثم كهلا ثم شيخا ثم ميتا ثم مبعوثا ثم في الجنة أو في النار ولم يزل يعلم أنه سيؤمن ثم يكفر أو أنه يكفر ثم يؤمن أو أنه يكفر ولا يؤمن أو أنه يؤمن ولا يكفر وكذلك القول في الفسق والصلاح ومعلوماته تعالى في ذلك متغيرة مختلفة ومن كابر هذا فقد كابر العيان والمشاهدات وأما قولهم أن الله تعالى لا يسخط ما رضي ولا يرضى ما سخط فباطل وكذب بل قد أمر الله تعالى اليهود بصيانة السبت وتحريم الشحوم ورضي لهم ذلك وسخط منهم خلافه وكذلك أحل لنا الخمر ولم يلزمنا الصلاة ولا الصوم برهة من زمن الإسلام ورضي لنا شرب الخمر وأكل رمضان والبقاء بلا صلاة وسخط تعالى بلا شك المبادرة بتحريم ذلك كما قال تعالى ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضي إليك وحيه ثم فرض علينا الصلاة والصوم وحرم علينا الخمر فسخط لنا ترك الصلاة وأكل رمضان وشرب الخمر ورضي لنا خلاف ذلك وهذا لا ينكره مسلم ولم يزل الله تعالى عليما أنه سيحل ما كان أحل من ذلك مدة كذا وأنه سيرضى منه ثم أنه سيحرمه ويسخطه وأنه سيحرم ما حرم من ذلك ويسخطه مدة ثم أنه يحله ويرضاه كما علم عز و جل أنه سيحي من أحياه مدة كذا وأنه يعز من أعزه مدة ثم يذله وهكذا جميع ما في العالم من آثار صنعته عز و جل لا يخفى ذلك على من له أدنى حس وهكذا المؤمن يموت مرتدا والكافر يموت مسلما فإن الله تعالى لم يزل يعلم أنه سيسخطه فعل الكافر ما دام كافرا ثم أنه يرضى عنه إذا أسلم وأن الله تعالى لم يزل يعلم أنه يرضى عن أفعال المسلم وأفعال البر ثم أنه يسخط أفعاله إذا ارتد أو فسق ونص القرآن يشهد بذلك قال تعالى ولا يرضى لعباده الكفر وأن تشكروا يرضه لكم فصح يقينا أن الله تعالى يرضى الشكر ممن شكره فيما شكره ولا يرضى الكفر ممن كفر إذا كفر متى كفر كيف كان انتقال هذه الأحوال من الإنسان الواحد وقوله تعالى ومن يرتد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فاولئك حبطت أعمالهم فالبضرورة يدري كل ذي حس سليم أن لا يمكن أن يحبط عمل إلا وقد كان غير حابط ومن المحال أن يحبط عمل لم يكن محسوبا قط فصح أن عمل المؤمن الذي ارتد ثم مات كافر أنه كان محسوبا ثم حبط إذا ارتد وكذلك قال تعالى يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب فصح أنه لا يمحو إلا ما كان قد كتبه ومن المحال أن يمحي ما لم يكن مكتوبا وهذا بطلان قولهم يقينا ولله الحمد وكذلك نص قوله تعالى أولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات فهذا نص قولنا وبطلان قولهم لأن الله تعالى سمى أفعالهم الماضية سيئات والسيئات مذمومة عنده تعالى بلا شك ثم أخبر تعالى أنه أحالها وبدلها حسنات مرضية فمن أنكر هذا فهو مكذب لله تعالى والله تعالى مكذب له وكذلك قال الله تعالى أنه سخط أكل آدم من الشجرة وذهاب يونس مغاضبا ثم أخبر عز و جل أنه تاب عليهما واجتبى يونس بعد أن لامه ولا يشك كل ذي عقل أن اللائمة غير الإجتباء

قال أبو محمد ثم نقول لهم أفي الكافر كفر إذا كان كافر قبل أن يؤمن وفي الفاسق فسق قبل أن يتوب وفي المؤمن إيمان قبل أن يرتد أم لا فإن قالوا لا كابروا وأحالوا وإن قالوا نعم قلنا لهم فهل يسخط الله الكفر والفسق أو يرضى عنهما فإن قالوا بل يسخطهما تركوا قولهم وإن قالوا بل يرضى عن الكفر والفسق كفروا ونسألهم عن قتل وحشي حمزة رضي الله عنه إرضاء كان لله تعالى فإن قالوا نعم كفروا وإن قالوا بل ما كان إلا سخطا سألناهم يؤاخذه الله تعالى به إذا أسلم فمن قولهم لا وهكذا في كل حسنة وسيئة فظهر فساد قولهم وبالله تعالى التوفيق وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

الكلام في من لم تبلغه الدعوة ومن تاب عن ذنب أو كفر ثم رجع فيما تاب عنه قال أبو محمد قال الله عز و جل لا نذركم به ومن بلغ وقال تعالى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا فنص تعالى ذلك على أن النذارة لا تلزم إلا من بلغته لا من تبلغه وأنه تعالى لا يعذب أحدا حتى يأتيه رسول من عند الله عز و جل فصح بذلك أن من يبلغه الإسلام أصلا فإنه لا عذاب عليه وهكذا جاء النص عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه يؤتي يوم القيامة بالشيخ الخرف والأصلح الأصم ومن كان في الفترة والمجنون فيقول المجنون يا رب أتاني الإسلام وأنا لا أعقل ويقول الخرف والأصم والذي في الفترة أشياء ذكرها فيوقد لهم نارا ويقال لهم ادخلوها فمن دخلها وجدها بردا وسلاما وكذلك من لم يبلغه الباب من واجبات الدين فإنه معذور لا ملامة عليه وقد كان جعفر بن أبي طالب وأصحابه رضي الله عنهم بأرض الحبشة ورسول الله صلى الله عليه و سلم بالمدينة والقرآن ينزل والشرائع تشرع فلا يبلغ إلى جعفر وأصحابه أصلا لإنقطاع الطريق جملة من المدينة إلى أرض الحبشة وبقوله كذلك ست سنين فما ضرهم ذلك في ديتهم شيئا إذ عملوا بالمحرم وتركوا المفروض
قال أبو محمد ورأيت قوما يذهبون إلى أن الشرائع لا تلزم من كان جاهلا بها ولا من لم تبلغه
قال أبو محمد وهذا باطل بل هي لازمة له لأن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث إلى الإنس كلهم وإلى الجن كلهم وإلى كل من يولد إذ بلغ بعد الولادة
قال أبو محمد قال تعالى آمرا نبيه أن يقول إني رسول الله إليكم جميعا وهذا عموم لا يجوز أن يخص منه أحد وقال تعالى أيحسب الإنسان أن يترك سدى فأبطل سبحانه أن يكون أحد سدى والسدى هو المهمل الذي لا يؤمر ولا ينهى فأبطل عز و جل هذا الأمر ولكنه معذور بجهله ومغيبه عن المعرفة فقط وأن من بلغه ذكر النبي صلى الله عليه و سلم حيث ما كان من أقاصي الأرض ففرض عليه البحث عنه فإذا بلغته عنه نذارته ففرض عليه التصديق به واتباعه وطلب الدين اللازم له والخروج عن وطنه لذلك وإلا فقد استحق الكفر والخلود في النار والعذاب بنص والقرآن وكل ما ذكرنا يبطل قول من قال من الخوارج أن في حين بعث النبي

صلى الله عليه و سلم يلزم من في أقاصي الأرض الإيمان به ومعرفة شرائعه فإن ماتوا في ذلك الحال ماتوا كفارا إلى النار ويبطل هذا قول الله عز و جل لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت وليس في وسع أحد علم الغيب فإن قالوا فهذه حجة الطائفة القائلة أنه لا يلزم أحد شيء من الشرائع حتى تبلغه قلنا لا حجة لهم فيها لأن كل ما كلف الناس فهو في وسعهم واحتمال بنيتهم إلا أنهم معذورون بمغيب ذلك عنهم ولم يكلفوا ذلك تكليفا يعذبون به إن لم يفعلوه وإنما كلفوه تكليف من لا يعذبون حتى يبلغهم ومن بلغه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أن له أمرا من الحكم مجملا ولم يبلغه نصه ففرض عليه اجتهاد نفسه في طلب ذلك الأمر وإلا فهو عاص لله عز و جل قال الله تعالى فسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون وبقوله تعالى فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون وأما من تاب عن ذنب أو كفر ثم رجع إلى ما تاب عنه فإنه إن كان توبته تلك وهو معتقد للعودة فهو عابث مستهزئ مخادع لله تعالى قال الله تعالى يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم إلى قوله عذاب أليم بما كانوا يكذبون وأما من كانت توبته نصوحا ثابت العزيمة في أن لا يعود فهي توبة صحيحة مقبولة بلا شك مسقطة لكل من تاب عنه بالنص قال عز و جل وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا فإن عاد بعد ذلك إلى الذنب الذي تاب منه فلا يعود عليه ذنب قد عفره الله أبدا فإن ارتد ومات كافرا فقد سقط عمله والتوبة عمل فقد حبطت فهذا يعود عليه ما عمل خاصة وأما من راجع الإسلام ومات عليه فقد سقط عنه الكفر وغيره
قال أبو محمد ولا تكون التوبة إلا بالندم والإستغفار وترك المعاودة والعزيمة على ذلك والخروج من مظلمة أن تاب عنها إلى صاحبها بتحلل أو إنصاف ورأيت لأبي بكر أحمد بن علي بن يفجور المعروف بابن الإخشيد وهو أحد أركان المعتزلة وكان أبوه من أبناء ملوك فرغانة من الأتراك وولي أبوه الثغور وكان هذا أبو بكر ابنه يتفقه للشافعي فرأيت له في بعض كتبه بقول أن التوبة هي الندم فقط وإن لم ينو مع ذلك ترك المراجعة لتلك الكبيرة
قال أبو محمد هذا أشنع ما يكون من قول المراجعة لأن كل معتقد للإسلام فبلا شك ندري أنه نادم على كل ذنب يعمله عالما بأنه مسيء فيه مستفر منه ومن كان بخلاف هذه الصفة وكان مستحسنا لما فعل غير نادم عليه فليس مسلما فكل صاحب كبيرة فهو على قول ابن الأخشيد غير مؤاخذ بها لأنه تائب منها وهذا خلاف الوعيد فإن قال قائل فإنكم تقطعون على قبول إيمان المؤمن أفتقطعون علي قبول توبة التائب وعمل العامل للخير إن كل ذلك مقبول وهل تقطعون على المكثر من السيئات أنه في النار قلنا وبالله تعالى التوفيق أن الأعمال لها شروط من توفية النية حقها وتوفية العمل حقه فلو أيقنا أن العمل وقع كاملا كما أمر الله

تعالى لقطعنا قبول الله عز و جل له وأما التوبه فإذا وقعت نصوحا فنحن نقطع بقبولها وأما القطع على مظهر الخير بأنه في الجنة وعلى مظهر الشر والمعاصي بأنه في النار فهذا خطأ لأننا لا نعلم ما في التفوس ولعل المظهر لخير مبطن للكفر أو مبطن على كبائر لا نعلمها فواجب أن لا نقطع من أجل ذلك عليه بشيء وكذلك المعلن بالكبائر فإنه يمكن أن يبطن الكفر في باطن أمره فإذا قرب من الموت آمن فاستحق الجنة أو لعل له حسنات في باطن أمره تفيء علي سيئآته فيكون من أهل الجنة فلهذا وجب أن لا نقطع على أحد بعينه بجنة ولا نار حاشا من جاء النص فيه من الصحابة رضي الله عنهم بأنهم في الجنة وبأن الله علم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأهل بدر وأهل السوابق فإنا نقطع على هؤلاء بالجنة لأن الله تعالى أخبرنا بذلك على لسان رسوله صلى الله عليه و سلم حاشا من مات معلنا للكفر فإنا نقطع عليه بالنار ونقف فيمن عدا هؤلاء إلا أننا نقطع على الصفات فنقول من مات معلنا الكفر أو مبطنا له فهو في النار خادلا فيها ومن لقي الله تعالى راجح الحسنات على السيئات والكبائر أو متساويهما فهو في الجنة لا يعذب بالنار ومن لقي الله تعالى راجح الكبائر على الحسنات ففي النار ويخرج منها بالشفاعة إلى الجنة وبالله تعالى التوفيق
قال أبو محمد ورأيت بعض أصحابنا يذهب إلى شيء يسميه شاهد الحال وهو أن من كان مظهر الشيء من الديانات متحملا للأذى فيه غير مستجلب بما يلقى من ذلك حالا فإنه مقطوع على باطنة وظاهره قطعا لا شك فيه كعمر بن عبد العزيز وسعيد بن المسيب والحسن البصري وابن سيرين ومن جرى مجراهم ممن قبلهم أو معهم أو بعدهم فإن هؤلاء رضي الله عنهم رفضوا من الدنيا ما لو استعملوه لما حط من وجاهتهم شيئا واحتملوا من المضض ما لو خففوه عن أنفسهم لم يقدح ذلك فيهم عند أحد فهؤلاء مقطوع على إسلامهم عند الله عز و جل وعلى خيرهم وفضلهم وكذلك نقطع على أن عمر بن عبيد كان يدين بإبطال القدر بلا شك في باطن أمره وأن أبا حنيفة والشافعي رضي الله عنهما كانا في باطن أمرهما يدينان لله تعالى بالقياس وأن داود بن علي كان في باطن الأمر يدين الله تعالى بإبطال القياس بلا شك وأن أحمد بن حنبل رضي اله عنه كان يدين الله تعالى بالتدين بالحديث في باطن أمره بلا شك بأن القرآن غير مخلوق بلا شك وهكذا كل من تناصرت أحواله وظهر جده في معتقد وترك المسامحة فيه واحتمل الأذى والمضض من أجله
قال أبو محمد وهذا قول صحيح لا شك فيه إذ لا يمكن البتة في بنية الطبائع أن يحتمل أحد أذى ومشقة لغير فائدة يتعجلها أو يتأجلها وبالله تعالى التوفيق ولا بد لكل ذي عقد من أن يتبين عليه شاهد عقده بما يبدو منه من مسامحة فيه أو صبر عليه وأما من كان بغير الصفة فلا نقطع عقده وبالله تعالى التوفيق
الكلام في الشفاعة والميزان والحوض وعذاب القبر والكتبة قال أبو محمد اختلف الناس في الشفاعة فأنكرها قوم وهو المعتزلة والخوارج وكل من تبع أن لا يخرج أحد من النار بعد دخوله فيها وذهب أهل السنة والأشعرية والكرامية وبعض الرافضة إلى القول بالشفاعة واحتج المانعون بقول الله عز و جل فما تنفعهم شفاعة الشافعين وبقوله عز و جل يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله وبقوله تعالى قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا وبقوله تعالى واتقوا يوما لا تجزى نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة وبقوله تعالى من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة وبقوله تعالى فما لنا من شافعين ولا صديق حميم وبقوله تعالى ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة ولا هم ينصرون
قال أبو محمد قول من يؤمن بالشفاعة أنه لا يجوز الإقتصار على بعض القرآن دون بعض ولا على بعض السنن دون بعض ولا على القرآن دون بيان رسول الله صلى الله عليه و سلم الذي قال له ربه عز و جل لتبين للناس ما نزل إليهم وقد نص الله تعالى على صحة الشفاعة في القرآن فقال تعالى لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا فأوجب عز و جل الشفاعة إلا من اتخذ عنده عهدا بالشفاعة وصحت بذلك الأخبار المتواترة المتناصرة بنقل الكواف لها قال تعالى يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قوله وقال تعالى ولا تنفع الشفاعة إلا لمن أذن له الرحمن ورضي له قولا وقال تعالى ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له فنص تعالى على أن الشفاعة يوم القيامة تنفع عنده عز و جل ممن أذن له فيها ورضي قوله ولا أحد من الناس أولى بذلك من محمد صلى الله عليه و سلم لأنه أفضل ولد آدم عليه السلام وقال تعالى من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى وقال تعالى ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق وهم يعلمون وقال تعالى ما من شفيع إلا من بعد إذنه فقد صحت الشفاعة بنص القرآن الذي يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فصح يقينا أن الشفاعة التي أبطلها الله عز و جل هي غير الشفاعة التي أثبتها عز و جل وإذ لا شك في ذلك فالشفاعة التي أبطل عز و جل هي الشفاعة للكفار الذين هم مخلدون في النار قال تعالى لا يخفف عنهم من عذابها ولا يقضي عليهم فيموتوا نعوذ بالله منها فإذ لا شك فيه فقد صح يقينا أن الشفاعة التي أوجب الله عز و جل لمن أذن له واتخذه عنده عهدا ورضي قوله فإنما هي لمذنبي أهل الإسلام وهكذا جاء الخبر الثابت
قال أبو محمد وهما شفاعتان أحدهما الموقف وهو المقام المحمود الذي جاء النص في القرآن به في قوله عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا وهكذا جاء الخبر الثابت نصا

والشفاعة الثانية في إخراج أهل الكبائر من النار طبقة طبقية على ما صح في ذلك الخبر وأما قول الله تعالى قل لا أملك لكم ضرا ولا رشدا ولا تملك نفس لنفس شيئا فما خالفناهم في هذا أصلا وليس هذا من الشفاعة في شيء فنعم لا يملك لأحد نفعا ولا ضرا ولا رشدا ولا هدى وإنما الشفاعة رغبة إلى الله تعالى وضراعة ودعاء وقال بعض منكري الشفاعة أن الشفاعة ليس إلا في المحسنين فقط واحتجوا بقوله تعالى ولا يشفعون إلا لمن ارتضى
قال أبو محمد وهذا لا حجة لهم فيه لأن من أذن الله في إخراجه من النار وأدخله الجنة وأذن للشافع في الشفاعة له في ذلك فقد ارتضاه وهذا حق وفضل لله تعالى على من قد غفر له ذنوبه بأن رجحت حسناته على كبائره أو بأن لم تكن له كبيرة أو بأن تاب عنها فهو مغن له عن شفاعة كل شافع فقد حصلت له الرحمة والفوز من الله تعالى وأمر به إلى الجنة ففيماذا يشفع له وإنما الفقير إلى الشفاعة من غلبت كبائره حسناته فأدخل النار ولم يأذن تعالى بإخراجه منها إلا بالشفاعة وكذلك الخلق في كونهم في الموقف هم أيضا في مقام شنيع فهم أيضا محتاجون إلى الشفاعة وبالله تعالى التوفيق وبما صحت الأخبار من ذلك نقول
وأما الميزان فقد أنكروه قوم فخالفوا كلام الله تعالى جرأة واقداما وتنطع آخرون فقالوا هو ميزان بكفتين من ذهب وهذا إقدام آخر لا يحل قال الله عز و جل وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم
قال أبو محمد وأمور الأخرة لا تعلم إلا بما جاء في القرآن أو بما جاء عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ولم يأت عنه عليه والسلام شيء يصح في صفة الميزان ولو صح عنه عليه السلام في ذلك شيء لقلناه به فإذ لا يصح عليه السلام في ذلك شيء فلا يحل لأحد أن يقول على الله عز و جل ما لم يخبرنا به لكن نقول كما قال الله عز و جل ونضع الموازين القسط ليوم القيامة إلى قوله وكفى بنا حاسبين وقال تعالى والوزن يومئذ الحق وقال تعالى فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية واما من خفت موازينه فأمه هاوية فنقطع على الموازين أن توضع يوم القيامة لوزن أعمال العباد قال تعالى عن الكفارة فلا نقيم لهم يوم القيمة وزنا وليس هذا على أن لا توزن أعمالهم بل توزن لكن أعمالهم شائلة وموازينهم خفاف قد نص الله تعالى على ذلك إ يقول ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون إلى قوله فكنتم بها تكذبون فأخبر عز و جل أن هؤلاء المكذبين بآياته خفت موازينهم والمكذبون بآيات الله عز و جل كفار بلا شك ونقطع على أن تلك الموازين أشياء يبين الله عز و جل بها لعباده مقادير أعمالهم من خير أو شر من مقدار الذرة التي لا تحس وزنها في موازيننا أصلا فما زاد ولا ندري كيف تلك الموازين إلا أننا ندري أنها بخلاف موازين الدنيا وأن ميزان من تصدق بدينار أو بلؤلؤة أثقل ممن تصدق بكذانة

وليس هذا وزنا وندري أن أثم القاتل أعظم من اثم اللاطم وأن ميزان مصلي الفريضة أعظم من ميزان مصلي التطوع بل بعض الفرائض أعظم من بعض فقد صح عن النبي صلى الله عليه و سلم أن من صلى الصبح في جماعة كمن قام ليلة ومن صلى العتمة في جماعة فكأنما قام نصف ليلة وكلاهما فرض وهكذا جميع الأعمال فإنما يوزن عمل العبد خيره مع شره ولو نصح المعتزلة أنفسهم لعلموا أن هذا عين العدل وأما من قال بما لا يدري أن ذلك الميزان ذو كفتين فإنما قاله قياسا على موازين الدنيا وقد أخطأ في قياسه إذ في موازين الدنيا مالا كفة له كالقرسطون وأما نحن فإنما اتبعنا النصوص الواردة في ذلك فقط ولا نقول إلا بما جاء به قرآن أو سنة صحيحة عن النبي صلى الله عليه و سلم ولا ننكر إلا ما لم يأت فيهما ولا نكذب إلا بما فيهما إبطاله وبالله تعالى التوفيق
وأما الحوض فقد صحت الآثار فيه وهو كرامة للنبي صلى الله عليه و سلم ولمن ورد عليه من أمته ولا ندري لمن أنكره متعلقا ولا يجوز مخالفة ما صح عن النبي صلى الله عليه و سلم في هذا وغيره وبالله تعالى التوفيق
وأما الصراط فقد ذكرناه في الباب الأول الذي قبل هذا وأنه كما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يوضع الصراط بين ظهراني جهنم ويمر عليه الناس فمخدوش وناج ومكردس في نار جهنم وأن الناس يمرون عليه على قدر أعمالهم كمر الطرف فما دون لك إلى من يقع في النار وهو طريق أهل الجنة إليها من المحشر في الأرض إلى السماء وهو معنى قول الله تعالى وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جيثا وأما كتاب الملائكة لأعمالنا فحق قال الله تعالى وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين وقال تعالى إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعلمون وقال تعالى وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا اقرأ كتابك وقال تعالى إ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد
قال أبو محمد وكل هذا ما لا خلاف فيه بين أحد ممن ينتمي إلى الإسلام إلا أنه لا يعلم أحد من الناس كيفية ذلك الكتاب
عذاب القبر قال أبو محمد ذهب ضرار بن عمرو الغطفاني أحد شيوخ المعتزلة إلى إنكار

عذاب القبر وهو قول من لقينا من الخوارج وذهب أهل السنة وبشر بن المعتمر والجبائي وسائر المعتزلة إلى القول به وبه نقول لصحة الآثار عن رسول الله صلى الله عليه و سلم به
قال أبو محمد وقد احتج من أنكره بقول الله تعالى ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين وبقوله تعالى كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم الآية
قال أبو محمد وهذا حق لا يدفع عذاب القبر لأن فتنة القبر وعذابه والمسألة إنما هي للروح فقط بعد فراقه للجسد أثر ذلك قبر أو لم يقبر برهان ذلك قول الله تعالى ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم الآية وهذا قبل القيامة بلا شك وأثر الموت وهذا عذاب القبر وقال إنما توفون أجوركم يوم القيامة وقال لي تعالى في آل فرعون النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة ادخلوا آل فرعون أشد العذاب فهذا العرض المكور هو عذاب القبر وإنما قيل عذاب القبر فأضيف إلى القبر لأن المعهود في أكثر الموتى أنهم يقبرون وقد علمنا أن فيهم أكيل السبع والغريق تأكله دواب البحر والمحرق والمصلوب والمعلق فلو كان على ما يقدر من يظن أنه لاعذاب إلا في القبر المعهود لما كان هؤلاء فتنة ولا عذاب قبر ولا مسألة ونعوذ بالله من هذا بل كل ميت فلا بد من فتنة وسؤال وبعد ذلك سرور أو نكد إلى يوم القيامة فيوفون حينئذ أجورهم وينقلبون إلى الجنة أو النار وأيضا فإن جسد كل إنسان فلا بد من العود إلى التراب يوما ما كما قال اله تعالى منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى فكل من ذكرنا من مصلوب أو معلق أو محرق أو أكيل سبع أو دابة فإنه يعود رمادا أو رجيعا أو يتقطع فيعود إلى الأرض ولا بد وكل مكان استقرت فيه النفس أثر خروجها من الجسد فهو قبر لها إلى يوم اليقيامة وأما من ظن أن الميت يحيى في قبره فخطأ لأن الآيات التي ذكرنا تمنع من ذلك ولو كان ذلك لكان تعالى قد أماتنا ثلاثا وأحيانا ثلاثا وهذا باطل وخلاف القرآن إلا من أحياه الله تعالى آية لنبي من الأنبياء والذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم والذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال إنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه وكذلك الله قوله تعالى الله يتوفى الأنفس حين موتها إلى قوله إلى أجل مسمى فصح بنص القرآن أن روح من مات لا يرجع إلى جسده إلا إلى أجل مسمى وهو يوم القيامة وكذلك أخبر رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه رأى الأرواح ليلة أسري به عند سماء الدنيا عن يمين آدم عليه السلام أرواح أهل السعادة وعن شماله أرواح أهل الشقاء وأخبر عليه السلام يوم بدر إذ خاطب القتلى وأخبر أنهم وجدوا ما توعدهم به حقا قبل أن يكون لهم قبور فقال المسلمون يا رسول الله أتخاطب قوما قد جيفوا فقال عليه السلام ما أنتم بأسمع لما أقول منهم فلم ينكر عليه السلام على المسلمين قولهم أنهم قد جيفوا وأعلمهم أنهم سامعون فصح أن ذلك لأرواحهم فقط بلا شك وأما الجسد فلا حس له

قال أبو محمد ولم يأت قط عن رسول الله صلى الله عليه و سلم في خبر يصح أن أرواح الموتى ترد إلى أجسادهم عند المسألة ولو صح ذلك عنه عليه السلام لقلنا به فإذ لا يصح فلا يحل لأحد أن يقوله وإنما أنفرد بهذه الزيادة من رد الأرواح المنهال بن عمرو وحده وليس بالقوي تركه شعبة وغيره وسائر الأخبار الثابتة على خلاف ذلك وهذا الذي قلنا هو الذي صح أيضا عن الصحابة رضي الله عنهم لم يصح عن أحد منهم غير ما قلنا كما حدثنا محمد بن سعيد بن بيان حدثنا إسماعيل بن إسحاق حدثنا عيسى بن حبيب حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن ابن محمد عبد الله بن يزيد المقري عن جده محمد بن عبد الله عن سفيان بن عيينه عن منصور بن صفية عن أمه صفية بنت شيبة قالت دخل ابن عمر المسجد فأبصر ابن الزبير مرطوحا قبل أن يصلب فقيل له هذه أسماء بنت أبي بكر الصديق فمال إليها فعزاها وقال إن هذه الجثث ليست بشيء وإن الأرواح عند الله فقالت أسماء وما يمنعني وقد أهدي رأس يحيى بن زكريا إلى بغي من بغايا بني إسرائيل وحدثنا محمد بن بيان ثنا أحمد بن عون الله حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا محمد بن عبد السلام الحسيني ثنا أبو موسى محمد بن المثنى الزمن ثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا سفيان الثوري عن أبي إسحاق السبيعي عن أبي الأحوص عن ابن مسعود في قول الله عز و جل ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين قال ابن مسعود هي التي في البقرة وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم فهذا ابن مسعود وأسماء بنت أبي بكر الصديق وابن عمر رضي الله عنهم ولا مخالف من الصحابة رضي الله عنهم تقطع أسماء وابن عمر على أن الأرواح باقية عند الله وأن الجثث ليست بشيء ويقطع ابن مسعود بأن الحياة مرتان والوفاة كذلك وهذا قولنا وبالله التوفيق
قال أبو محمد وقد صح عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه رأى موسى عليه السلام قائما في قبره يصلي ليلة الإسراء وأخبر أنه رآه في السماء السادسة أو السابعة وبلا شك إنما رأى روحه وأما جسده فتوارى بالتراب بلا شك فعلى هذا أن موضع كل روح يسمى قبرا فتعذب الأرواح حينئذ ولا تسأل حيث كانت وبالله تعالى التوفيق
مستقر الأرواح قال أبو محمد اختلف الناس في مستقر الأرواح وقد ذكرنا بطلان قول أصحاب التناسخ في صدر كتابنا هذا والحمد لله رب العالمين فذهب قوم من الروافض إلى أن أرواح الكفار ببرهوت وهو بئر بحضرموت وأن أرواح المؤمنين بموضع آخر أظنه الجابية وهذا قول فاسد لأنه لا دليل عليه أصلا وما لا دليل عليه فهو ساقط ولا يعجز أحد عن أن يدعي للأرواح مكانا آخر غير ما ادعاه هؤلاء وما كان هكذا فلا يدين به إلا مخذول وبالله تعالى التوفيق وذهب عوام أصحاب الحديث إلى أن الأرواح على أفنية قبورها وهذا قول لا حجة له أصلا تصححه إلا خبر ضعيف لا يحتج بمثله لأنه في غاية السقوط لا يشتغل به أحد من علماء الحديث وما كان هكذا فهو ساقط أيضا وذهب أبو الهذيل العلاف والأشعرية

إلى أن الأرواح أعراض تفنى ولا تبقى وقتين فإذا مات الميت فلا روح هنالك أصلا ومن عجائب أصحاب هذه المقالة الفاسدة قولهم أن روح الإنسان الأن غير روحه قبل ذلك وأنه لا ينفك تحدث له روح ثم تفنى ثم روح ثم تفنى وهكذا أبدا وأن الإنسان يبدل ألف ألف روح وأكثر في مقدار أقل من ساعة زمانية وهذا يشبه تخليط من هاج به البرسام وزاد بعضهم فقال إن صحت الآثار في عذاب الأرواح فإن الحياة ترد إلى أقل جزء لا يتجزأ من الجسم فهو يعذب وهذا أيضا حمق آخر ودعاوي في غاية الفساد وبلغني عن بعضهم أنه يزعم أن الحياة ترد إلى عجب الذنب فهو يعذب أو ينعم وتعلق بالحديث الثابت عن رسول الله صلى الله عليه و سلم كل ابن آدم يأكله التراب إلا عجب الذنب منه خلق وفيه يركب
قال أبو محمد وهذا الخبر صحيح إلا أنه لا حجة فيه لأنه ليس فيه أن عجب الذنب يحيا ولا أنه يركب فيه حياة ولا أنه يعذب ولا ينتقم وهذا كله مفحم في كلام النبي صلى الله عليه و سلم وإنما في الحديث أن عجب الذنب خاصة لا يأكله التراب فلا يحول ترابا وأنه منه ابتدآء خلق المرء ومنه يبتدأ انشاؤه ثانية فقط وهذا خارج أحسن خروج على ظاهره وإن عجب الذنب خاصة تتبدد أجزاؤه وهي عظام تحسها لا تحول ترابا وأن الله تعالى بيتدىء الإنشاء الثاني يجمعها ثم يركب تمام الخلق للإنسان عليه وأنه أول ما خلق من جسم الإنسان ثم ركب عليه سائره وإذ هذا ممكن لو لم يأت به نص فخبر رسول الله صلى الله عليه و سلم أحق بالتصديق من كل خبر لأنه عن الله عز و جل قال تعالى هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم وقال تعالى ما أشهدتم خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم وقال أبو بكر بن كيسان الأصم لا أدري ما الروح ولم يثبت شيء غير الجسد
قال أبو محمد وسنبين إن شاء الله تعالى فساد هاتين المقالتين في باب الكلام في الروح والنفس من كتابنا هذا بحول الله وقوته والذي نقول به في مستقر الأرواح هو ما قاله تعالى ونبيه صلى الله عليه و سلم لا يتعداه فهو البرهان الواضح وهو أن الله تعالى قال وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة أنا كنا عن هذا غافلين وقال تعالى ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا فصح أن الله عز و جل خلق الأرواح جملة وهي الأنفس وكذلك أخبر عليه السلام أن الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف
قال أبو محمد وهي العاقلة الحساسة وأخذ عز و جل عهدها وشهادتها وهي مخلوقة مصورة عاقلة قبل أن يأمر الملائكة بالسجود لآدم على جميعهم السلام وقبل أن يدخلها في الأجساد والأجساد يومئذ تراب وماء ثم أقرها تعالى حيث شاء لأن الله تعالى ذكر ذلك بلفظه ثم التي توجب التعقيب والمهلة ثم أقرها عز و جل حيث شاء وهو البرزخ الذي ترجع إليه عند

الموت لا تزال يبعث منهاجملة بعد الجملة فينفخها في الأجساد المتولدة من المني المتحدر من أصلاب الرجال وأرحام النساء كما قال تعالى ألم يك من نطفة من مني يمنى ثم كان علقة فخلق فسوى وقال عز و جل ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما الآية وكذلك أخبر رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه يجمع خلق ابن آدم في بطن أمه أربعين يوما ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح وهذا نص قولنا والحمد لله فيبلوهم الله عز و جل في الدنيا كما شاء ثم يتوفاها فترجع إلى البرزخ الذي رآها فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم ليلة أسرى به عند سماء الدنيا أرواح أهل السعادة عن يمين آدم عليه الصلاة و السلام وأرواح أهل الشقاوة وعن يساره عليه السلام وذلك عند منقطع العناصر وتعجل أرواح الأنبياء عليهم السلام وأرواح الشهداء إلى الجنة وقد ذكر محمد بن نصر المروزي عن إسحاق بن راهوية أنه ذكر هذا القول الذي قلناه بعينه وقال علي هذا أجمع أهل العلم
قال أبو محمد وهو قول جميع أهل الإسلام حتى خالف من ذكرنا وهذا هو قول الله عز و جل وأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشئمة ما أصحاب المشئمة والسابقون السابقون أولئك المقربون في جنات النعيم وقوله تعالى فأما إن كان من أصحاب اليمين فسلام لك من أصحاب اليمن وأما إن كان من المكذبين الضالين فنزل من حميم وتصلية جحيم إن هذا لهو حق اليقين ولا تزال الأرواح هنالك حتى يتم عدد الأرواح كلها بنفخها في أجسادها ثم برجوعها إلى البرزخ المذكور فتقوم الساعة ويعيد عز و جل الأرواح ثانية إلى الأجساد وهي الحياة الثانية ويحاسب الخلق فريق في الجنة وفريق في السعير مخلدين أبدا
قال أبو محمد قول بعض الأشعرية معنى قول النبي صلى الله عليه و سلم في العهد المأخوذ في قول الله عز و جل وإذا أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم إن إذ هاهنا بمعنى إذا فقول في غاية السقوط لوجوده خمسة أولها أنه دعوى بلا دليل والثانية أن إذا بمعنى إذا لا يعرف في اللغة وثالثها أنه لو صح له تأويله هذا الفاسد وهو لا يصح لكان كلاما لا يعقل ولا يفهم وإنما أورده عز و جل حجة علينا ولا يحتج الله عز و جل إلا بما يفهم لا بما لا يفهم لأن الله تعالى قد تطول علينا بإسقاط الإصر عنا ولا إصر أعظم من تكليفنا فهم ما ليس في بنيتنا فهمه ورابعها أنه لو كان كما ادعى لما كان على ظهر الأرض إلا مؤمن والعيان يبطل هذا لأننا نشاهد كثيرا من الناس لم يقولوا قط ربنا الله ممن نشأ على الكفر وولدت عليه إلى أن مات وممن يقول بأن العالم لم يزل ولا محدث له من الأوائل والمتأخرين وخامسها أن الله عز و جل إنما أخبر بهذه الآية عما فعل ودلنا على أن الذكر يعود بعد فراق الروح للجسد كما كان قبل حلوله فيه لأنه تعالى أخبرنا أنه أقام علينا الحجة بذلك الإشهاد

دليلا كراهية أن نقول يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين أي عن ذلك الإشهاد المذكور فصح أن ذلك الإشهاد قبل هذه الدار التي نحن فيها التي أخبرنا الله عز و جل فيها بذلك الخبر وقبل يوم القيامة أيضا فبطل بذلك قول بعض الأشعرية وغيرها وصح أن قولنا هو نص الآية والحمد لله رب العالمين
قال أبو محمد وإنما أتى المخالفون منهم أنهم عقدوا على أقوال ثم راموا رد كلام الله تعالى وكلام رسول الله صلى الله عليه و سلم إليها وهذا هو الباطل الذي لا يحل ونحن ولله الحمد إنما أتينا إلى ما قاله الله عز و جل وما صح عن رسوله صلى الله عليه و سلم فقلنا به ولم نحكم في ذلك بطرا ولا هوى ولا رددنا هما إلى قول أحد بل رددنا جميع الأقوال إلى نصوص القرآن والسنن والحمد لله رب العالمين كثيرا و هذا هو الحق الذي لا يحل تعديه
قال أبو محمد وأما أرواح الأنبياء عليهم السلام فهم الذين ذكر الله تعالى أنهم المقربون في جنات النعيم وأنهم غير أصحاب اليمين وكذلك أخبر عليهم السلام أنه رآهم في السموات ليلة أسرى به في سماء سماء وكذلك الشهداء أيضا هم في الجنة لقول الله عز و جل ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون وهذا الرزق للأرواح بلا شك ولا يكون إلا في الجنة وقد بين رسول الله صلى الله عليه و سلم بالحديث الذي روى نسمة المؤمن طائر يعلق من ثمار الجنة ثم تأوى إلى قناديل تحت العرش وروينا هذا الحديث مبينا من طريق ابن مسعود رضي الله عنه وأنهم الشهداء وبهذا تتألف الأحاديث والآيات والحمد لله رب العالمين فإن قال قائل كيف تخرج الأنبياء عليهم السلام والشهداء من الجنة إلى حضور الموقف يوم القيامة قيل له وبالله تعالى التوفيق لسنا ننكر شهادة القرآن والحديث الصحيح بدخول الجنة والخروج عنها قبل يوم القيامة فقد خلق الله عز و جل فيها آدم عليه السلام وحواء ثم أخرجهما منها إلى الدنيا والملائكة في الجنة ويخرجون منها برسالات رب العالمين إلى الرسل والأنبياء إلى الدنيا وكل ما جاء به نص قرآن أو سنة فلا ينكره الأجاهل أو مغفل أو رديء الدين وأما الذي ينكر ولا يجوز أن يكون البتة فخروج روح من دخل الجنة إلى النار فالمنع من هذا إجماع من جميع الأمة من مقطوع به وكذلك من دخلها يوم القيامة جزاء وتفضلا من الله عز و جل فلا سبيل إلى خروجه منها أبدا بالنص وبالله تعالى التوفيق
الكلام على من مات من أطفال المسلمين والمشركين قبل البلوغ قال أبو محمد اختلف الناس في حكم من مات من أطفال المسلمين والمشركين ذكورهم وإناثهم فقالت الأزارقة من الخووارج أما أطفال المشركين ففي النار وذهبت طائفة إلى أنه يوقد لهم يوم القيامة نار ويؤمرون باقتحامها فمن دخلها منهم دخل الجنة ومن لم يدخلها منهم أدخل النار وذهب آخرون إلى الوقوف فيهم وذهب الناس إلى أنهم في الجنة وبه نقول

قال أبو محمد فأما الأزارقة فأحتجوا بقول الله تعالى حاكيا عن نوع نوح عليه السلام أنه قال رب لا على الأرض من الكافرين ديارا أنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا ويقول روى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أن خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت يا رسول الله أين أطفالي منك قال في الجنة قالت فأطفالي من غيرك قال في النار فأعادت عليه فقال لها إن شئت أسمعتك تضاغيهم وبحديث آخر فيه الوائدة والموؤدة في النار وقالوا إن كانوا عندكم في الجنة فهم مؤمنين لأنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة فإن كانوا مؤمنين فيلزمكم أن تدفنوا أطفال المشركين مع المسلمين وإن لا تتركوه يلتزم إذا بلغ دين أبيه فتكون ردة وخروجا عن الأسلام والكفر وينبغي لكم أن ترثوه وتورثوه من أقاربه من المسلمين قال أبو محمد هذا كل ما احتجرا به ما يعلم لهم حجة غير هذا أصلا وكله لا حجة لهم فيه البتة اما قول نوح عليه السلام فلم يقل ذلك على كفار قومه خاصة لأن الله تعالى قال له إنه لن يؤمن من فومك إلا من قد آمن فأيقن نوح عليه السلام بهذا الوحي أنه لا يحدث فيهم مؤمن أبدا وإن كل من ولدوه إن ولدوه لم يكن إلا كافرا ولا بد وهذا هو نص الآية لأنه تعالى حكى أنه قال رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا وإنما أراد كفار وقته الذين كانوا على الأرض حينئذ فقط ولو كان للازارقة أدنى علم وفقه لعلموا أن هذا من كلام نوح عليه السلام ليس على كل كافر لكن على قوم نوح خاصة لأن إبراهيم ومحمدا صلى الله عليهما وسلم كان أبواهما كافرين مشركين وقد ولدا خير الإنس والجن قد من المؤمنين وأكمل الناس إيمانا ولكن الأزارقة كانوا أعرابا جهالا كالأنعام بل هم أضل سبيلا وهكذا صح عن النبي صلى الله عليه و سلم من طريق الأسود بن سريع التميمي أنه عليه السلام قال أو ليس خياركم أولاد المشركين
قال أبو محمد وهل كان أفاضل الصحابة رضي الله عنهم الذين يتولاهم الأزارقة كابن أبي قحافة وعمر بن الخطاب وخديجة أم المؤمنين وغيرهم رضي الله عنهم إلا أولاد الكفار فهل ولد أباؤهم كفارا أو هل ولدوا إلا أ هل الإيمان الصريح ثم آباء الأزارقة أنفسهم كوالد نافع ابن الأزرق وغيرهم من شيوخهم هل كانوا إلا أولاد المشركين ولكن من يضل الله فلا هادي له وأما حديث خديجة رضي الله عنها فساقط مطرح لم يروه قط من فيه خير وأما حديث الوائدة فإنه جاء كما نذكره حدثنا يوسف بن عبد البر أنا عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن اصبغ حدثنا بكر بن حماد حدثنا مسدد عن المعتمر بن سليمان التميمي قال سمعت داود بن أبي هند يحدث عن عامر الشعبي عن علقمة ابن قيس عن سلمة بن يزيد الجعفي قال

أتيت أنا وأخي قال رسول الله صلى الله عليه و سلم فقلنا له أن أمنا ماتت في الجاهلية وكانت تقري الضيف وتصل الرحم فهل ينفعها من عملها ذلك شيء قال لا قلنا فإن أمنا وأدت أختا لنا في الجاهلية لم تبلغ الحنث فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم المؤودة والوائدة في النار إلا أن تدرك الوائدة الإسلام فتسلم
قال أبو محمد وهذه اللفظة يعني لم تبلغ الحنث ليس بلا شك من كلام رسول الله صلى الله عليه و سلم ولكنها من كلام سلمة بن يزيد الجعفي وأخيه فلما أخبر عليه السلام بأن تلك المؤودة في النار كان ذلك إنكارا وإبطالا لقولهما أنها تبلغ الحنث وتصحيحها لأنها قد كانت بلغت الحنث بخلاف ظنها لا يجوز إلا هذا القول لأن كلامه عليه السلام لا يتناقض ولا يتكاذب ولا يخالف كلام ربه عز و جل بل كلامه عليه السلام يصدق بعضه بعضا ويوافق لما أخبر به عز و جل ومعاذ الله من غير ذلك وقد صح إخبار النبي صلى الله عليه و سلم بأن أطفال المشركين في الجنة قال الله تعالى وإذا المؤودة سئلت بأي ذنب قتلت فنص تعالى على أنه لا ذنب للموؤدة فكان هذا مبين لأن إخبار النبي صلى الله عليه و سلم بأن تلك المؤودة في النار إخبار عن أنها قد كانت بلغت الحنث بخلاف ظن أخويها وقد روى هذا الحديث عن داود بن أبي هند محمد بن عدي وليس هو دون المعتمر ولم يذكر فيه لم تبلغ الحنث ورواه أيضا عن داود بن أبي عبيدة بن حميد فلم يذكر هذه اللفظة التي ذكرها المعتمر فأما حديث عبيدة فحدثناه أحمد بن محمد بن الجسور قال أنا وهب بن ميسرة قال حدثنا محمد بن وضاح حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبيدة ابن حميد عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن علقمة بن قيس عن سلمة بن يزيد قال أتيت النبي صلى الله عليه و سلم أنا وأخي فقلنا يا رسول الله إن أمنا كانت تقري الضيف وتصل الرحم في الجاهلية فهل ينفعها ذلك الشيء قال لا قال فإنها وأدت اختا لنا في الجاهلية فهل ينفع ذلك اختنا شيئا قال لا الوائدة والموؤدة في النار إلا أن تدرك الإسلام فيعفوا الله عنها وأما حديث بن أبي عدي فحدثناه أحمد ابن عمر بن أنس العذري حدثنا أبو بدر عبد بن أحمد الهروي الأنصاري حدثنا أبو سعيد الخليل بن أحمد السجستاني حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل حدثنا محمد بن أبي عدي عن داود بن أبي هند عن العشبي عن علقمة عن سلمة بن يزيد الجعفي قال انطلقت أنا وأخي إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقلنا يا رسول الله أن مليكه كانت تصل الرحم وتقري الضيف وتفعل وتفعل هلكت في الجاهلية فهل ذلك نافعها شيئا قال لا قال فإنها وأدت اختا لها في الجاهلية فهل ذلك ينفع أختها قال لا الوائدة والموؤدة في النار إلا أن تدرك الوائدة الإسلام فيعفوا الله عنها
قال أبو محمد هكذا رويناه لها بالهاء على أنها أخت الوائد

قال أبو محمد وهذا حديث قد رويناه مختصرا كما حدثاه عبد الله بن ربيع التميمي حدثنا عمر ابن عبد الملك الخولاني حدثنا محمد بن بكر الوراق البصري حدثنا أبو داود السجستاني حدثنا إبراهيم بن موسى حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة حدثني أبي عن عامر الشعبي قال رسول الله صلى الله عليه و سلم الوائدة والمؤودة في النار قال بن زكريا ياابن أبي زائدة قال ابي فحدثني أبو إسحاق بن عامر حدثه بذلك عن علقمة عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه و سلم
قال أبو محمد وهذا مختصر وهو على ما ذكرنا أنه عليه السلام إنما عني بذلك التي بلغت لا يجوز غير هذا لما ذكرنا وبالله تعالى التوفيق وأما احتجاجهم بقول رسول الله صلى الله عليه و سلم هم من آبائهم فإنما قاله عليه السلام في الحكم لا في الدين ولله تعالى أن يفرق بين أحكام عباده ويفعل ما يشاء لا معقب لحكمه وأيضا فلا متعلق لهم بهذا اللفظ أصلا لأنه إنما فيه أنهم من آبائهم وهذا لا شك فيه أنهم توالدوا من آبائهم ولم يقل عليه السلام أنهم على دين آبائهم وأما قولهم ينبغي أن تصلوا على أطفال المشركين وتورثوهم وترثوهم وأن لا تتركوهم يلتزموا دين آبائهم إذا بلغوا فإنها ردة فليس لهم أن يعترضوا على الله تعالى فليس تركنا لصلاة عليهم يوجب أنهم ليسوا مؤمنين فهؤلاء الشهداء وهم أفاضل المؤمنين لا يصلي عليهم وأما انقطاع المواريث بيننا وبينهم فلا حجة في ذلك على أنهم ليسوا مؤمنين فإن العبد مؤمن فاضل ولا يورث وقد يأخذ المسلم مال عبده الكافر إذا مات وكثير من الفقهاء يورثون الكافر مال العبد من عبيدة يسلم ثم يموت قبل أن يباع عليه وكثير من الفقهاء يورثون المسلمين مال المرتد إذا مات كافرا مرتدا أو قتل على الردة وهذا معاذ بن جبل ومعاوية بن أبي سفيان ومسرق بن الأجدع وغيرهم من الأئمة رضي الله عنهم يورثون المسلمين من أقاربهم الكفار إذا ماتوا ولله تعالى أن يفرق بين أحكام من شاء من عباده وإنما نقف حيث أوقفنا النص ولا مزيد وكذلك دفنهم في مقابر آبائهم أيضا وكذلك تركهم يخرجون إلى أديان آبائهم إذا بلغوا فإن الله تعالى أوجب علينا أن نتركهم وذلك ولا نعترض على أحكام الله عز و جل ولا يسأل عما يفعل وقد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم كل مولود يولد على الملة حتى يكون أبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه ويشركانه
قال أبو محمد فبطل أن يكون لهم في شيء مما ذكرنا متعلق وإنما هو تشغيب موهوا به لأن كل ما ذكرنا فإنما هي أحكام مجردة فقط وليس في شيء من هذه الاستدلالات تنص على أن أطفال المشركين كفار ولا على أنهم غير كفار وهذه النكتتان هما اللتان قصدنا بالكلام فقط وبالله تعالى التوفيق وأما من قال فيهم بالوقف فإنهم احتجوا بقول رسول الله صلى الله عليه و سلم إذ سئل عن الأطفال يموتون فقال عليه السلام أعلم بما كانوا عاملين وبقوله صلى الله عليه و سلم لعائشة أم المؤمنين رضي الله عنها إذا مات صبي من أبناء الأنصار فقالت

عصفور من عصافير الجنة فقال لها عليه السلام وما يدريك يا عائشة أن الله خلق خلقا للنار وهم في أصلاب آبائهم
قال أبو محمد وهذان الخبران لا حجة لهم في شيء منهما إلا أنهما إنما قالهما رسول الله صلى الله عليه و سلم قبل أن يوحي إليه أنهم في الجنة وقد قال تعالى آمرا لرسوله صلى الله عليه و سلم أن يقول وما أدري ما يفعل بي ولا بكم قبل ان يخبره الله عز و جل بأنه قد غفر له الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر وكما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم عن عثمان بن مظعون رضي الله عنه وما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي وكان هذا قبل أن يخبره الله عز و جل بأنه لا يدخل النار من شهد بدرا وهو عليه السلام لا يقول إلا ما جاء به الوحي كما أمر الله عز و جل أن يقول إن أتبع إلا ما يوحى إلى فحكم كل شيء من الدين لم يأت به الوحي أن يتوقف فيه المرء فإذا جاء للبيان فلا يحل التوقف عن القول بما جاء به النص وقد صح الإجماع على أن ما عملت الأطفال قبل بلوغها من قتل أو وطئ أجنبية أو شرب خمر أو قذف أو تعطيل صلاة أو صوم فإنهم غير مؤاخذين في الآخرة بشيء من ذلك ما لم يبلغوا وكذلك لا خلاف في أنه لا يؤاخذ الله عز و جل أخذا بما لم يفعله بل قد صح عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أن من هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب عليه فمن المحال المنفي أن يكون الله عز و جل يؤاخذ الأطفال بما لم يعملوا مما لو عاشوا بعده لعملوه وهم لا يؤاخذهم بما عملوا ولا يختلف اثنان في أن إنسانا بالغامات ولو عاش لزنا أنه لا يؤاخذ بالزنا الذي لم يعمله وقد كذب الله عز و جل من ظن هذا بقوله الصادق اليوم تجزى كل نفس ما عملت وبقوله تعالى هل تجزون إلا ما كنتم تعملون فصح أنه لا يجزي أحد بما لم يعمل ولا مما لم يسن فصح أن قول رسول الله صلى الله عليه و سلم أعلم بما كانوا عاملين ليس فيه أنهم كفار ولا أنهم في النار ولا أنهم مؤاخذين بما لو عاشوا لكانوا عاملين به مما لم يعملوه بعد وفي هذا اختلفنا لا فيما عداه وإنما فيه أن الله تعالى يعلم ما لم يكن وما لا يكون لو كان كيف كان يكون فقط ونعم هذا حق لا يشك فيه مسلم فبطل أن يكون لأهل التوقف حجة في شيء من هذين الخبرين إذ لم يصح عن رسول الله صلى الله عليه و سلم في هذه المسألة بيان وأما من قال أنهم يعذبون بعذاب آبائهم فباطل لأن الله تعالى يقول ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى وأما من قال أنهم توقد لهم نار فباطل لأن الأثر الذي فيه هذه القصة إنما جاء في المجانين وفيمن لا يبلغه ذكر الإسلام من البالغين على ما نذكر بعد هذا إن شاء الله تعالى
قال أبو محمد فلما بطلت هذه الأقاويل كلها أوجب النظر فيما صح من النصوص من حكم هذه المسألة ففعلنا فوجدنا الله تعالى قد قال فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم وقال عز و جل قولوا آمنا بالله وما أنزل

إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط إلى قوله لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون إلى قوله صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون فنص عز و جل على أن فطر الناس على الإيمان وأن الإيمان هو صبغة الله تعالى وقال عز و جل وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى فصح يقينا أن كل نفس خلقها الله تعالى من بني آدم ومن الجن والملائكة فمؤمنون كلهم عقلا مميزون فإذ ذلك كذلك فقد استحقوا كلهم الجنة بإيمانهم حاشا من بدل هذا العهد وهذه الفطرة وهذه الصبغة وخرج عنها إلى غيرها ومات على التبديل وبيقين ندري أن الأطفال لم يغيروا شيئا من ذلك فهم من أهل الجنة وصح عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال كل مولود يولد على الفطرة وروى عنه عليه السلام أنه قال على الملة فأباه يهودانه وينصرانه ويمجسانه ويشركانه كما تنتج البهيمة يهيمه جمعا وهل يجدونفيها من جدعاء حتى تكونوا أنتم الذي تجدعونها وهذا تفسير الآيات المذكورات حدثنا عبد الله بن ربيع حدثنا محمد بن إسحاق السكن حدثنا أبو سعيد بن الأعرابي حدثنا أبو داود سليمان بن الأشعث حدثنا الحسن بن علي حدثنا الحجاج بن المنهال قال سمعت حماد بن سلمة يفسر حديث كل مولود يولد على الفطرة فقال هذا عندنا حيث أخذ الله العهد عليهم في أصلاب آبائهم حيث قال ألست بربكم قالوا بلى وقد صح أيضا عن رسول الله صلى الله عليه و سلم من طريق عياض بن حمار المجاشعي قال عن الله تعالى أنه قال خلقت عبادي حنفاء كلهم فاجتالهم الشياطين عن دينهم فصح يقينا أنه كل من مات قبل أن تجتاله الشياطين عن دينه فقد مات حنيفا وهذا حديث تدخل فيه الملائكة والجن والأنس عباد له عز و جل مخلوقين وأيضا فإن الله عز و جل أخبر بقول إبليس له تعالى أن يغوي الناس فقال تعالى أن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من ابتعك من الغاوين فصح يقينا أن الغواية داخلة على الإيمان وأن الأصل من كل واحد فهو الإيمان وكل مؤمن ففي الجنة وأيضا فإن الله تعالى قال فأنذرتكم نار ا تلظى لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى وليست هذه صفة الصبيان فصح أنهم لا يدخلون النار ولا دار إلا الجنة أو النار فإذا لم يدخلوا النار فهم بلا شك في الجنة وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه و سلم في الرؤيا الكبيرة التي رآها أنه رأى إبراهيم عليه السلام في روضة خضراء مفتخر وفيها من كل نور ونعيم وحواليه من أحسن صبيان وأكثرهم فسأل عليه السلام عنهم فأخبر أنهم من مات من أولاد الناس قبل أن يبلغوا فقيل له يا رسول الله وأولاد المشركين قال وأولاد المشركين فارتفع الإشكال وصح بالثابت من السنن وصحيحها أن جميع من لم يبلغ من أطفال المسلمين والمشركين ففي الجنة ولا يحل لأحد تعدي ما صح بالقرآن والسنن وبالله تعالى التوفيق فإن قال قائل إذا قلتم أن النار دار جزاء فالجنة كذلك ولا جزاء للصبيان قلنا

وبالله تعالى التوفيق إنما نقف عندما جاءت به النصوص في الشريعة قد جاء النص بأن النار دار جزاء فقط وأن الجنة دار جزاء وتفضل فهي لأصحاب الأعمال دار جزاء بقدر أعمالهم ولمن لا عمل له دار تفضل من الله تعالى مجرد وقد قال قوم أن الصبيان هم خدم أهل الجنة وقد ذكر الله تعالى الوالدان المخلدين في غير موضع من كتابه وأنهم خدم أهل الجنة فلعلهم هؤلاء والله أعلم
قال أبو محمد وأما المجانين الذين لا يعقلون حتى يموتوا فإنهم كما ذكرنا يولدون على الملة حنفاء مؤمنين ولم يغيروا ولا بدلوا فماتوا مؤمنين فهم في الجنة حدثنا أحمد بن محمد الطلمنكي بالثغرى قال حدثنا محمد بن أحمد بن يحيى بن المفرج القاضي حدثنا محمد بن أيوب السموط البرقي أنبأنا محمد بن عمر بن عبد الخالق البزاز حدثنا محمد بن المئني أبو موسى الزمن حدثنا معاذ بن هشام الدستواي حدثنا أبي عن قتادة عن الأسود بن سريع التيمي عن النبي صلى الله عليه و سلم قال يعرض على الله الأصم الذي لا يسمع شيئا والأحمق والهرم ورجل مات في الفترة فيقول الأصم رب جاء الإسلام وما أسمع شيئا ويقول الأحمق والهرم ورجل مات في الفترة فيقول الأصم رب جاء الإسلام وما أسمع شيئا ويقول الأحمق جاء الإسلام وما أعقل شيئا ويقول الذي مات في الفترة ما أتانا لك من رسول قال البزاز وذهب عني ما قال الرابع قال فيأخذ مواثيقهم ليطعنه فيرسل الله إليهم ادخلوا النار فوالذي نفسي بيده لو دخلوها لكانت عليهم بردا وسلاما

الكلام في القيامة وتغيير الأجساد اتفق جميع أهل القبلة على تنابذ فرقهم على القول بالبعث في القيمة وعلى تكفير من أنكر ذلك ومعنى هذا القول أن لمكث الناس في دار الإبتلاء التي هي الدنيا أمدا يعلمه الله تعالى فإذا انتهى ذلك الأمد مات كل من في الأرض ثم يحيي الله عز و جل كل من مات مذ خلق الله عز و جل الحيوان إلى انقضاء الأجل المذكور ورد أرواحهم التي كانت بأعيانها وجمعهم في موقف واحد وحاسبهم عن جميع أعمالهم ووفاهم جزاءهم ففريق من الجن والإنس في الجنة وفريق في السعير وبهذا جاء القرآن والسنن قال تعالى من يحيي العظام وهي رميم قل يحيها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم وقال تعالى وإن الله يبعث من في القبور وقال تعالى عن إبراهيم عليه السلام أنه قال رب أرني كيف تحي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي إلى آخر الآية وقال تعالى ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر لموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم وقال تعالى فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام إلى قوله وأنظروا إلى العظام كيف ننشزها نكسوها لحما الآية وقال تعالى عن المسيح عليه السلام وأحيى الموتى بإن الله ولا يمكن البتة أن يكون الأحياء المذكور في جميع هذه الآيات

إلا رد الروح إلى الجسد ورجوع الحس والحركة الإرادية التي بعد عدمها منه لم يكن غير هذه ا لبتة إلا أن أبا العاص حكم بن المنذر بن سعيد القاضي أخبرني عن إسماعيل بن عبد الله الرعيني أنه كان ينكر بعث الأجساد ويقول أن النفس حال فراقها الجسد تصير إلى معادها في الجنة أو النار ووقفت على هذا ويقول أن النفس حال فراقها الجسد تصير إلى معادها في الجنة أو النار ووقفت على هذا القول بعض العارفين بإسماعيل فذكر لي ثقاة منهم أنهم سمعوه يقول أن الله تعالى يأخذ من الأجساد جزء الحياة منها
قال أبو محمد وهذا تلبيس من القول لم يخرج به عما حكى لي عنه حكم بن المنذر لأنه ليس في الأجساد جزء الحياة إلا النفس وحدها
قال أبو محمد ولم ألق إسماعيل الرعيني قط على إني قد أدركته وكان ساكنا معي في مدينة من مداين الأندلس تسمى نجاية مدة ولكنه كان مختفيا وكان له اجتهاد عظيم ونسك وعبادة وصلاة وصيام والله أعلم وحكم بن المنذر ثقة في قوله بعيد من الكذب وتبرأ منه حكم بن المنذر وكان قبل ذلك يجمعهما مذهب بن مسرة في القدر وتبرأ منه أيضا إبراهيم بن سهل الإريواني وكان من رؤوس المرية وتبرأ منه أيضا صهره أحمد الطبيب وجماعة من المرية وتولته جماعة منهم وبلغني عنه أنه كان يحتج لقوله هذا بقول رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا وقف على ميت فقال أما هذا فقد قامت قيامته وبأنه عليه السلام كانت الأعراب تسأله عن الساعة ... فينظر إلى أصغرهم فيخبرهم أنه استوفى عن يمت حتى تقوم قيامتهم أو ساعتهم
قال أبو محمد وإنما عنى رسول ا لله صلى الله عليه و سلم بهذا القيام الموت فقط بعد ذلك إلى يوم البعث كما قال عز و جل ثم إنكم يوم القيامة تبعثون فنص تعالى على أن البعث يوم القيامة بعد الموت بلفظة ثم التي هي للمهله وهكذا أخبر عز و جل عن قولهم يوم القيامة يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا وأنه يوم مقداره خمسون ألف سنة وأنه يحيي العظام ويبعث من في القبور في مواضع كثيرة من القرآن وبرهان ضروري وهو أن الجنة والنار موضعان ومكانان وكل موضع ومكان ومساحة متناهية بحدوده وبالبرهان الذي قدمناه على وجوب تناهي الأجسام وتناهي كل ما له عدد ويقول الله تعالى جنة عرضها السموات والأرض فلو لم يكن لتولد الخلق نهاية لكانوا أبدا يحدثون بلا آخر وقد علمنا أن مصيرهم الجنة أو النار ومحال ممتنع غير ممكن أن يسع ما لا نهاية له فيماله نهاية من الماكن فوجب ضرورة أن للخلق نهاية فإذا ذلك واجب فقد وجب تناهي عالم الذر والتناسل ضرورة وإنما كلامنا هذا مع من يؤمن بالقرآن وبنبوة محمد صلى الله عليه و سلم وادعى الإسلام وأما من أنكر الإسلام فكلامنا معه على ما رتبناه في ديواننا هذا من النقض على أهل الإلحاد حتى تثبت نبوة محمد صلى الله عليه و سلم وصحة ما جاء به فنرجع إليه بعد التنازع وبالله تعالى التوفيق وقد نص الله تعالى على أن العظام يعيدها ويحيها كما كانت أول مرة وأما اللحم فإنما هو كسوة كما قال ولقد خلقنا الإنسان

من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين إلى قوله فكسونا العظام لحما ثم أنشاناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين فأخبر عز و جل أن عنصر الإنسان إنما هو العظام الذي انتقلت عن السلالة التي من طين إلى النطفة إلى العلقة إلى المضغة إلى العظام وأن اللحم كسوة العظام وهذا أمر مشاهد لأن اللحم يذهب بالمرض حتى لا يبقى منه ما لا قدر له ثم يكثر عليه لحم آخر إذا خصب الجسم وكذلك أخبرنا عز و جل أنه يبدل الخلق في الآخرة فقال كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب وفي الآثار الثابتة أن جلود الكفار تغلظ حتى تكون نيفا وسبعين ذراعا وأن ضرسه في النار كأحد وكذلك نجد اللحم الذي في جسد الإنسان يتغذى به حيوان آخر فيستحيل لحما لذلك الحيوان إذ ينقلب دودا فصح بنص القرآن العظام هي التي تحيى يوم القيامة ومن أنكر ما جاء به القرآن فلا حظ له في الإسلام ونعوذ بالله من الخذلان

الكلام في خلق الجنة والنار ذهبت طائفة من المعتزلة والخوارج إلى أن الجنة والنار لم يخلقا بعد وذهب جمهور المسلمين إلى أنهما قد خلقتا وما نعلم لمن قال أنهما لم يخلقا بعد حجة أصلا أكثر من أن بعضهم قال قد صح عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال وذكر أشياء من أعمال البر من عملها غرس له في الجنة كذا وكذا شجرة وبقول الله تعالى حاكيا عن امرأة فرعون أنها قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة قالوا ولو كانت مخلوقة لم يكن في الدعاء في استئناف البناء والغرس معنى
قال أبو محمد وإنما قلنا أنهما مخلوقتان على الجملة كما أن الأرض مخلوقة ثم يحدث الله تعالى فيها ما يشاء من البنيان
قال أبو محمد والبرهان على أنهما مخلوقتان بعد إخبار النبي صلى الله عليه و سلم أنه رأى الجنة ليلة الإسراء وأخبر عليه السلام أنه رأى سدرة المنتهى في السماء السادسة وقال تعالى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى فصح أن جنة المأوى هي السماء السادسة وقد أخبر الله عز و جل أنها الجنة التي يدخلها المؤمنون يوم القيامة قال تعالى لهم جنات المأوى نزلا بما كانوا يعملون فليس لأحد بعد هذا أن يقول أنها جنة غير جنة الخلد وأخبر عليه السلام أنه رأى الأنبياء عليهم السلام في السموات سماء سماء ولا شك في أن أرواح الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في الجنة فصح أن الجنات هي السموات وكذلك أخبر عليه السلام أن الفردوس الأعلى من الجنة التي أمرنا الله تعالى أن نسأله إياها فوقها عرش الرحمن والعرش مخلوق بعد الجنة فالجنة مخلوقة وكذلك أخبر عليه السلام أن النار اشتكت إلى ربها فأذن لها بنفسين وأن ذلك أشد ما نجده من الحر والبرد وكان القاضي منذر بن سعيد يذهب إلى أن الجنة والنار مخلوقتان إلا أنه كان يقول أنها ليست التي كان فيها آدم عليه السلام وامرأته واحتج في ذلك

بأشياء منها أنه لو كانت جنة الخلد لما أكل من الشجرة رجاء أن يكون من الخالدين واحتج أيضا بأن جنة الخلد لا كذب فيها وقد كذب فيها ابليس وقال من دخل الجنة لم يخرج منها وآدم وامرأته عليهما السلام قد خرجا منها
قال أبو محمد كل هذا لا دليل له فيه أما قوله أن آدم عليه السلام أكل من الشجرة رجاء أن يكون من الخالدين فقد علمنا أن أكله من الشجرة لم يكن ظنه فيه صوابا ولا أكله لها صوابا وإنما ظنا ولا حجة فيما كان هذه صفته والله عز و جل لم يخبره بأنه مخلد في الجنة بل قد كان في علم الله تعالى أنه سيخرجه منها فأكل عليه السلام من الشجرة رجاء الخلد الذي لم يضمن ولا تيقن به لنفسه وأما قوله أن الجنة لا كذب فيها وأن من دخلها لم يخرج منها آدم وامرأته فهذا لا حجة له فيه وإنما تكون كذلك إذا كانت جزاء لأهلها كما أخبر عز و جل عنها حيث يقول لا تسمع فيها لاغية فإنما هذا على المستأنف لا على ما سلف ولا نص معه على ما ادعى ولا إجماع واحتج أيضا بقول الله عز و جل لآدم عليه السلام إن لك ألا تجوع فيها ولا تعري قال وقد عرى فيها آدم عليه السلام
قال أبو محمد وهذا لا حجة فيها بل هو حجة عليه لأن الله عز و جل وصف الجنة التي أسكن فيها آدم بأنها لا يجاع فيها ولا يعرى ولا يظمأ فيها ولا يضحي وهذه صفة الجنة بلا شك وليس في شيء ممادون السماء مكان هذه صفته بلا شك بل كل موضع دون السماء فإنه لا بد أن يجاع فيه ويعرى ويظمأ ويضحي ولا بد من ذلك ضرورة فصح أنه إنما سكن المكان الذي هذه صفته وليس هذا غير الجنة البتة وأنما عرى آدم حين أكل من الشجرة فاهبط عقوبة وقال الله عز و جل لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا وأخبر آدم أنه لا يضحي
قال أبو محمد وهذا أعظم حجة عليه لأنه لو كان في المكان الذي هو فيه شمس لا ضحى فيه ولا بد فصح أن الجنة التي أسكن فيها آدم كانت لا شمس فيها فهي جنة الخلد بلا شك وأيضا فإن قوله عز و جل أسكن أنت وزوجك الجنة إشارة بالآلف واللام ولا يكون ذلك إلا على معهود ولا تنطلق الجنة هكذا إلا على جنة الخلد ولا ينطلق هذا الإسم على غيرها إلا بالإضافة وأيضا فلو أسكن آدم عليه السلام جنة في الأرض لما كان في إخراجه منها إلى غيرها من الأرض عقوبة بل قد بين تعالى أنها ليست في الأرض بقوله تعالى أهبطوا منها جميعا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين فصح يقينا بالنص أنه قد أهبط من الجنة إلى الأرض فصح أنها لم تكن في الأرض البتة وبالله تعالى التوفيق

الكلام في بقاء أهل الجنة والنار أبدا قال أبو محمد اتفقت فرق الأمة كلها على أنه لا فناء للجنة ولا لنعيمها ولا للنار ولا لعذابها

الأجهم بن صفوان وأبا الهذيل العلاف وقوما من الروافض فأما جهم فقال أن الجنة والنار بفنيان ويفنى أهلهما وقال أبو الهذيل أن الجنة والنار لا يفنيان ولا يفنى أهلها إلا أن رحكاتهم تفنى ويبقون بمنزلة الجماد لا يتحركون وهم في ذلك أحياء متلذذون أو معذبون وقالت تلك الطائفة من الروافض أن أهل الجنة يخرجون من الجنة وكذا أهل النار من النار إلى حيث شاء الله
قال أبو محمد أما هذه المقالة ففي غاية الغثاثة والتعري من شيء يشغب به فكيف من إقناع أو برهان وما كان هكذا فهو ساقط وأما قول أبي الهذيل فإنه لا حجة له إلا أنه قال كلما أحصاه العدد فهو ذو نهاية ولا بد والحركات ذات عدد فهي متناهية
قال أبو محمد فظن أبو الهذيل لجهله بحدود الكلام وطبائع الموجودات أن ما لم يخرج إلى الفعل فإنه يقع عليه العدد وهذا خطأ فاحش لأن ما لم يخرج إلى الفعل فليس شيئا ولا يجوز أن يقع العدد إلا على شيء وإنما يقع العدد على ما خرج إلى الفعل من حركات أهل النار والجنة متى ما خرج فهو محدود متناه وهكذا أبدا وقد أحكمنا هذا المعنى في أول هذا الكتاب في باب إيجاب حدوث العالم وتناهي الموجودات فأغنى عن إعادته وبالله تعالى التوفيق فبطل ما موه به أبو ا لهذيل ولله الحمد ثم نقول أن قوله هذا خلاف للإجماع المتيقن وأيضا فإن الذي فر منه في الحركات فإنه لازم له في مدد سكونهم وتنعمهم وتأملهم لأنه مقر بأنهم يبقون ساكنين متنعمين متألمين بالعذاب وبالضرورة ندري أن للسكون والنعيم والعذاب مددا يعد كل ذلك كما تعد الحركة ومددها ولا فرق وأيضا فلو كان ما قاله أبو الهذيل صحيحا لكان أهل الجنة في عذاب واصب وفي صفة المخدور والمفلوج ومن أخذه الكابوس ومن سقى البنج وهذا في غاية النكد والشقاء ونعوذ بالله من هذا الحال وأما جهم بن صفوان فإنه احتج بقول الله تعالى وأحصى كل شيء عددا وبقوله تعالى كل شيء هالك إلا وجهه وقال كما لا يجوز أن يوجد شيء لم يزل غير الله تعالى فكذلك لا يجوز أن يوجد شيء لا يزال غير الله تعالى
قال أبو محمد ما نعلم له حجة غير هذا أصلا وكل هذا لا حجة له فيه أما قوله تعالى كل شيء هالك إلا وجهه فإنما عنى تعالى الاستحالة من شيء إلى شيء ومن حال إلى حال وهذا عام لجميع المخلوقات دون الله تعالى وكذلك مدد النعيم في الجنة والعذاب في النار كلما فنيت مدة أحدث الله عز و جل أخرى وهكذا أبدا بلا نهاية ولا آخر يدل على هذا ما نذكره بعد إن شاء الله تعالى من الدلائل على خلود الجنة والنار وأهلها وأما قوله تعالى وأحصى كل شيء عددا فإن اسم الشيء لا يقع إلا على موجود والإحصاء لا يقع على ما ذكرنا لا على ما خرج إلى الفعل ووجد بعد وإذا لم يخرج من الفعل فهو لا شيء بعد ولا يجوز أن يعد لا شيء وكل ما خرج إلى الفعل من مدة بقاء الجنة والنار وأهلهما فمحصي بلا شك ثم يحدث الله تعالى لهم مددا آخر وهكذا أبدا بلا نهاية ولا آخر وقالوا هل أحاط الله تعالى علما بجميع مدة الجنة والنار أم لا فإن قلتم لا جهلتم الله وإن قلتم نعم جعلتم مدتها محاطا بها وهذا هو التناهي نفسه

قال أبو محمد إن الله تعالى إنما يعلم بالأشياء على ما هي عليه لأن من علم الشيء على خلاف ما هو عليه فهو جاهل به مخطئ في اعتقاده ظان للباطل وليس علما ولا حقا ولا عالم به وهذا ما لا شك فيه وعلم الله عز و جل هو الحق اليقين على ما هي عليه فكل ما كان ذا نهاية فهو في علم الله تعالى ذو نهاية ولا سبيل إلى غير هذا البتة وليس للجنة والنار مدد غير متناهية محاط بها وإنما لهما مدد كل ما خرج منها إلى الفعل فهو محصي محاط بعدده وما لم يخرج إلى الفعل فليس بمحصي لكن علم الله تعالى أحاط أنه لا نهاية لهما وأما قوله كما لا يجوز أن يوجد شيء غير الله تعالى لا نهاية له لم يزل فإن هذه القضية فاسدة وقياس فاسد لا يصح والفرق بينهما أن أشياء ذوات عدد لا أول لها ولم تزل لا يمكن أن نتوهم البتة ولا يشكك بل هي محال في الوجود كما ذكرنا في الرد على من قال بأن العالم لم يزل فأغنى عن إعادته وليس كذلك قولنا لا يزال لأن أحداث الله تعالى بعد شيء أبدا بلا غاية متوهم ممكن لا حوالة فيه فقياس الممكن المتوهم على الممتنع المستحيل الذي لا يتوهم باطل عند القائلين بالقياس فكيف عند من لا يقول به فإن قال قائل أن كل ما له أول فله آخر هذه قضية فاسدة ودعوى مجردة وما وجب هذا قط لا بقضية عقل ولا بخبر لأن كون الموجودات لها أوائل معلوم بالضرورة لأن ما وجد بعد فقد حصره عدد زمان وجوده وكل ما حصره عدد فلذلك العدد أول ضرورة وهو قولنا واحد ثم يتمادى العدد أبدا فيمكن الزيادة بلا نهاية وتمادي ا لموجود بخلاف المبدأ لأنه إذا أبقى وقتا جاز أن يبقى وقتين وهكذا أبدا بلا نهاية وكل ما خرج من مدد البقاء إلى حد الفعل فذو نهاية بلا شك كذلك من العدد أيضا ولم نقل أن بقاء الناس في هذه الدنيا له نهاية إلا من طريق النص ولو أخبر الله تعالى بذلك لأمكن وجاز أن تبقى الدنيا أبدا بلا نهاية ولكن الله تعالى قادرا على ذلك ولكن النص لا يحل خلافه وكذلك لو لا إخبار الله تعالى لحل احتارمها وبالله تعالى التوفيق
قال أبو محمد والبرهان على بقاء الجنة والنار بلا نهاية قول الله تعالى خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ وقوله تعالى في غير موضع من القرآن خالدين فيها أبدا وقوله تعالى لا يذقون فيها الموت إلا الموتة الأولى مع صحة الإجماع بذلك وبالله تعالى التوفيق
قال أبو محمد وروينا عن عبد الله بن عمرو بن العاص لو أقام أهل النار في النار ما شاء الله أن يبقوا لكان لهم على ذلك يوم يخرجون فيه منها
قال أبو محمد وهذا إنما هو في أهل الإسلام الداخلين في النار بكبائرهم ثم يخرجون منهم بالشفاعة ويبقى ذلك المكان خاليا ولا يحل لأحد أن يظن في الصالحين الفاضلين خلاف القرآن وحاشا لهما من ذلك وبالله تعالى التوفيق ثم كتاب الإيمان والوعيد وتوابعه بحمد الله وشكره على حسن تأييده وعونه وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم

بسم الله الرحمن الرحيم لا إله إلا الله عدة للقائه
الكلام في الإمامة والمفاضلة بي الصحابة
قال الفقيه الإمام الأوحد أبو محمد علي بن أحمد بن حزم رضي الله عنه اتفق جميع أهل السنة وجميع المرجئة وجميع الشيعة وجميع الخوارج على وجوب الإمامة وأن الامة واجب عليها الإنقياد لإمام عادل يقيم فيهم أحكام الله ويسوسهم بأحكام الشريعة التي آتى بها رسول الله صلى الله عليه و سلم حاشا النجدات من الخوارج فإنهم قالوا لا يلزم الناس فرض الإمامة وإنما عليهم أن يشاطوا الحق بينهم وهذه فرقة ما نرى بقي منهم أحد وهم المنسوبون إلى نجدة بن عمير الحنفي القائم باليمامة
قال أبو محمد وقول هذه الفرقة ساقط يكفي من الرد عليه وإبطاله إجماع كل من ذكرنا على بطلانه والقرآن والسنة قد ورد بإيجاب الإمام من ذلك قول الله تعالى أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم مع أحاديث كثيرة صحاح في طاعة الأئمة وإيجاب الإمامة وأيضا فإن الله عز و جل يقول لا يكلف الله نفسا إلا وسعها فوجب اليقين بأن الله تعالى لا يكلف الناس ما ليس في بنيتهم واحتمالهم وقد علمنا بضرورة العقل وبديهته أن قيام ا لناس بما أوجبه الله تعالى من الأحكام عليهم في الأموال والجنايات والدماء والنكاح والطلاق وسائر الأحكام كلها ومنع الظالم وإنصاف المظلوم وأخ القصاص على تباعد أقطارهم وشواغلهم واختلاف آرائهم وامتناع من تحرى في كل ذلك ممتنع غير ممكن إذ قد يريد واحد أو جماعة أن يحكم عليهم انسان ويريد آخر أو جماعة أخرى أن لا يحكم عليهم أما لأنها ترى في اجتهادها خلاف ما رأى هؤلاء وإما خلافا مجردا عليهم وهذا الذي لا بد منه ضرورة وهذا مشاهد في البلاد التي لا رئيس لها فإنه لا يقام هناك حكم حق ولا حد حتى قد ذهب الدين في أكثرها فلا تصح إقامة الدين إلا بالإسناد إلى واحد أو إلى أكثر من واحد فإذ لا بد من أحد هذين الوجهين فإن الاثنين فصاعدا بينهما ما ذكرنا فلا يتم أمر البتة فلم يبق وجه تتم به الأمور إلا لإسناد إلى واحد فاضل عالم حسن السياسة قوي على الإنفاذ إلا أنه وإن كان بخلاف ما ذكرنا فالظلم والإهمال معه أقل منه مع الإثنين فصاعدا وإذ ذلك كذلك ففرض لازم لكل الناس أن يكفوا من الظلم ما أمكنهم إن قدروا على كف كله لزمهم ذلك

وإلا فكف ما قدروا على كفه منه ولو قضية واحدة لا يجوز غير ذلك ثم اتفق من ذكرنا ممن يرى فرض الإمامة على أنه لا يجوز كون إمامين في وقت واحد في العالم ولا يجوز إلا إمام واحد إلا محمد بن كرام السجستاني وأبا الصباح السمرقندي وأصحابهما فإنهم أجازوا كون إمامين في وقت وأكثر في وقت واحد واحتج هؤلاء بقول الأنصار ومن قال منهم يوم السقيفة للمهاجرين منا أمير ومنكم أمير واحتجوا أيضا بأمر علي والحسن مع معاوية رضي الله عنهم
قال أبو محمد وكل هذا لا حجة لهم فيه لأن قول الأنصار رضي الله عنهم ما ذكرنا لم يكن صوابا بل كان خطأ إذ اداهم إليها الإجتهاد وخالفهم فيه المهاجرون ولا بد إذ اختلف القائلان على قولين متنافين من أن يكون أحدهما حقا والآخر خطأ وإذ ذلك كذلك فواجب رد ما تنازعوا فيه إلى ما افترض الله عز و جل الرد إليه عند التنازع إذ يقول الله تعالى فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله وباليوم الآخر فنظرنا في ذلك فوجدنا رسول الله صلى الله عليه و سلم قد قال إذا بويع لإمامين فاقتلوا الآخر منهما وقال تعالى ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا وقال تعالى ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم فحرم الله عز و جل التفرق والتنازع وإذا كان إمامان فقد حصل التفرق المحرم فوجد التنازع ووقعت المعصية لله تعالى وقلنا ما لا يحل لنا وأما من طريق النظر والمصلحة فلو جاز أن يكون في العالم إمامان لجاز أن يكون فيه ثلاثة وأربعة وأكثر فإن منع من ذلك مانع كان متحكما بلا برهان ومدعيا بلا دليل وهذا الباطل الذي لا يعجز عنه أحد وإن جاز ذلك زاد الأمر حتى يكون في العالم إمام أو في كل مدينة إمام أو في كل قرية إمام أو يكون كل أحد وخليفة في منزله وهذا هو الفساد المحض وهلاك الدين والدنيا فصح أن قول الأنصار رضي الله عنهم وهلة وخطار رجعوا عنه إلى الحق وعصمهم الله تعالى من التمادي عليه وأما أمر علي والحسن ومعاوية فقد صح عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه أنذر بخارجة تخرج من طائفتين من أمة يقتلها أولى الطائفتين بالحق فكان قاتل تلك الطائفة علي رضي الله عنهم فهو صاحب الحق بلا شك وكذلك أنذر عليه السلام بأن عمارا تقتله الفئة الباغية فصح أن عليا هو صاحب الحق وكان علي السابق إلى الإمامة فصح بعد أن صاحبها وإن من نازعه فيها فمخطئ فمعاوية رحمه الله مخطئ مأجور مرة لأنه مجتهد ولا حجة في خطأ المخطئ فبطل قول هذه الطائفة وأيضا فإن قول الأنصار رضي الله عنهم منا أمير ومنكم أمير يخرج على أنهم إنما أرادوا أن يلي وال منهم فإذا مات ولي من المهاجرين آخر وهكذا أبدالا على أن يكون إمامان في وقت وهذا هو الأظهر من كلامهم وأما علي ومعوية رضي الله عنهما فما سلم قط أحدهما للآخر بل كل واحد منهما يزعم أنه المحق وكذلك كان الحسن رضي الله عنه إلى أن

أسلم الأمر إلى معاوية فإذا هذا كذلك فقد صح الإجماع على بطلان قول ابن كرام وأبي الصباح وبطل أن يكون لهم تعلق في شيء أصلا وبالله تعالى التوفيق ثم اختلف القائلون بوجوب الإمامة على قريش فذهب أهل السنة وجميع أهل الشيعة وبعض المعتزلة وجمهور المرجئة إلى أن الإمامة لا تجوز إلا في قريش خاصة من كان من ولد فهر بن مالك وأنها لا تجوز فيمن كان أبوه من غير بني فهر بن مالك وإن كانت أمه من قريش ولا في حليف ولا في مولى وهبت الخوارج كلها و جمهور المعتزلة وبعض المرجئة إلى أنها جائزة في كل من قام بالكتاب والسنة قرشيا كان أو عربيا أو ابن عبد وقال ضرار بن عمرو الغطفاني إذا اجتمع حبشي وقرشي كلاهما قائم بالكتاب والسنة قالوا وجب أن يقدم الحبشي لأنه أسهل لخلعه إذا حاد عن الطريقة
قال أبو محمد وبوجوب الإمامة في ولد فهر ابن مالك خاصة نقول بنص رسول الله صلى الله عليه و سلم على أن الأئمة من قريش وعلى أن الإمامة في قريش وهذه رواية جاءت مجيء ا لتواتر ورواها أنس بن مالك وعبد الله ابن عمر بن الخطاب ومعوية وروى جابر بن عبد الله وجابر بن سمرة وعبادة بن الصامت معناها ومما يدل على صحة ذلك إذعان الأنصار رضي الله عنم يوم السقيفة وهم أهل الدار والمنعة والعدد والسابقة في الإسلام رضي الله عنهم ومن المحال أن يتركوا اجتهادهم لاجتهاد غيرهم لولا قيام الحجة عليهم بنص رسول الله صلى الله عليه و سلم على أن الحق لغيرهم في ذلك فإن قال قائل أن قول رسول الله صلى الله عليه و سلم الأئمة من قريش يدخل في لك الحليف والمولى وابن الأخت لقول رسول الله صلى الله عليه و سلم مولى القوم منهم ومن أنفسهم وابن أخت القوم منهم فالجواب وبالله تعالى التوفيق أن الإجماع قد تيقن وصح على أن حكم الحليف والمولى وابن الأخت كحكم من ليس له حليف ولا مولى ولا ابن أخت فمن أجاز الإمامة في غير هؤلاء جوزها في هؤلاء ومن منعها من غير قريش منعها من الحيف والمولى وابن الأخت فإذا صح البرهان بأن لا يكون إلا في قريش لا فيمن ليس قرشيا صح بالإجماع أن حليف قريش مولاهم وابن أختهم كحكم من ليس قرشيا وبالله تعالى التوفيق
قال أبو محمد وقال قوم إن اسم الإمامة قد يقع على الفقيه العالم وعلى متولى الصلاة بأهل مسجد ما قلنا نعم لا يقع على هؤلاء إلا بالإضافة لا بالإطلاق فيقال فلان إمام في الدين وإمام بني فلان فلا يطلق لأحدهم اسم الإمامة بلا خلاف من أحد من الأمة إلا على المتولى لأمور أهل الإسلام فإن قال قائل بأن اسم الإمارة واقع بلا خلاف على من ولي جهة من جهات المسلمين وقد سمى بالإمارة كل من ولاه رسول الله صلى الله عليه و سلم جهة من الجهات أو سرية أو جيشا وولاه مؤمنون فما المانع من أن يوقع على كل واحد إسم أمير المؤمنين فجوابنا وبالله تعالى التوفيق أن الكذب محرم بلا خلاف وكل ما ذكرنا قائما فهو أمير لبعض

المؤمنين لا لكلهم فلو سمى أمير المؤمنين لكان مسميه بذلك كاذبا لأن هذه اللفظة تقتضى عموم جميع المؤمنين وهو ليس كذلك وإنما هو أمير بعض المؤمنين فصح أنه ليس بحوز البتة أن يوقع إسم الأمامة مطلقا ولا إسم أمير المؤمنين إلا على القرشى المتولي لجميع أمور المؤمنين كلهم أو الواجب له ذلك وإن عصاه كثير من المؤمنين وخرجوا عن الواجب عليهم من طاعته والمفترض عليهم من بيعته فكانوا بذلك فئة باغية حلالا قتالهم وحربهم وكذلك إسم الخلافة بإطلاق لا يجوز أيضا إلا لمن هذه صفته وبالله التوفيق وأختلف القائلون بأن الآمامة لا تجوز إلا في صلبة قريش فقالت طائفة هي جائزة في جميع ولد فهر بن مالك فقط وهذا قول أهل السنة وجمهور المرجئة وبعض المعتزلة وقالت طائفة لا تجوز الخلافة إلا في ولد العباس بن عبد المطلب وهو قول الرلوندية وقالت طائفة لا تجوز الخلافة إلا في ولد على إبن أبي طالب ثم قصروها على عبد الله بن معاوية بن جعفر بن أبي طالب وبلغنا عن بعض بني الحارث بن عبد المطلب أنه كان يقول لا تجوز الخلافة إلا في بني عبد المطلب خاصة ويراها في جميع ولد عبد المطلب وهم أبو طالب وأبو لهب والحارث والعباس وبلغنا عن رجل كان بالأردن يقول لا تجوز الخلافة إلا في بني أمية بن عبد شمس وكان له في ذلك تأليف مجموع وروبنا كتابا مؤلفا الرجل من ولد عمر بن الخطاب رضي الله عنه يحتج فيه بأن الخلافة لا تجوز إلا لولد أبي بكر وعمر رضي الله عنهما قال أبو محمد فأما هذه الفرق الأرع فما وجدنا لهم شبهة يستحق أن يشتغل بها إلا دعاوى كاذبة لا وجه لها وإنما الكلام مع الذين يرون الأمر لولد العباس أو لولد على فقط لكثرة عددهم قال أبو محمد احتج من ذهب الى ان الخلافة لا تجوز إلا في ولد العباس فقط على أن الخلفاء من ولده وكل من له حظ من علم من غير الخلفاء منهم لا يرضون بهذا ولا يقولون به لكن تلك الطائفة قالت كان العباس عصب رسول الله صلى الله عليه و سلم ووارثه فإذا كان ذلك كذلك فقد ورث مكانه قال أبو محمد وهذا ليس بشيء لأن ميراث العباس رضي الله عنه لو وجب له لكان ذلك في المال خاصة وأما المرتبة فما جاء قط في الديانات إنها تورث فبطل هذا التمويه جملة ولله الحمد ولو جاز ان تورث المراتب لكان من رسول الله صلى الله عليه و سلم مكانا ما إذا مات وجب أن يرث تلك الولاية عاصبة ووارثة وهذا مالا يقولونه فكيف وقد صح بإجماع جميع أهل القبلة حاشا الروافض أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لا نورث ما تركناه صدقة فإن إعترض معترض بقول الله عز و جل وورث سليمان داود وبقوله تعالى

حاكيا عن زكريا عليه السلام أنه قال فهب من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب وأجعله رب رضيا
قال أبو محمد وهذا لا حجة فيه لأن الرواة حملة الأخبار وجميع التواريخ القديمة كلها وكواف بني إسرائيل ينقلون بلا خلاف نقلا يوجب العلم إن داود عليه السلام كان له بنون غير سليمان عليه السلام فصح أنه ورث النبوة وبرهان ذلك أنهم كلهم مجمعون على أنه عليه السلام ولي مكان أبيه عليهما السلام وليس له إلا إثنتي عشرة سنة ولداود أربعة وعشرون إبنا كبارا وصغارا وهكذا القول في ميراث يحي بن زكريا عليهما السلام وبرهان ذلك من نص الآية نفسها قوله عليه السلام يرثني ويرث من آل يعقوب وهم مئوا الوف يرث عنه النبوة فقط وأيضا فمن المحال أن يرغب زكريا عليه السلام في ولد يحجب عصبته عم ميراث فإنما يرغب في هذه الخطة ذو الحرص على الدنيا وحطامها وقد نزه الله عز و جل مريم عليها السلام التي كانت في كفالته من المعجزات قال تعالى كلما دخل عليه زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن ا لله يرزق من يشاء بغير حساب إلى قوله إنك سميع الدعاء وعلى هذا المعنى دعا فقال هب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب وأجعله رب رضيا وأما من اغتر بقوله تعالى حاكيا عنه عليه السلام أنه قال وإني خفت الموالي من ورائي قيل له بطلان هذا الظن أن الله تعالى لم يعطه ولدا يكون له عقب فيتصل الميراث لهم بل أعطاه ولدا حصورا لا يقرب ا لنساء قال تعالى وسيدا وحصورا ونبيا من الصاحلين فصح ضرورة أنه عليه السلام إنما طلب ولدا نبيا لا ولد يرث المال وأيضا فلم يكن العباس محيطا بميراث النبي صلى الله عليه و سلم وإنما كان يكون له ثلاثة أثمانه فقط وأما ميراث المكانة فقد كان العباس رضي الله عنه حيا قائما إذ مات النبي صلى الله عليه و سلم فما أدعى العباس لنفسه فقط في ذلك حقا لا حينئذ ولا بعد ذلك وجاءت الشورى فما ذكر فيها ولا أنكر هو ولا غيره ترك ذكره فيها فصح أنه رأى محدث فاسد لا وجه له للاشتغال به والخلفاء من ولده والأفاضل منهم من غير الخلفاء لا يرون لأنفسهم بهذه الدعوة ترفعا عن سقوطها ووهيها وبالله تعالى التوفيق وأما القائلون بأن الإمامة لا تكون إلا في ولد علي رضي الله عنه فإنهم انقسموا قسمين فطائفة قالت أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نص على علي بن أبي طالب أنه الخليفة وأن الصحابة بعده عليه السلام اتفقوا على ظلمه وعلى كتمان نص النبي صلى الله عليه و سلم وهؤلاء المسلمون الروافض وطائفة قالت لم ينص النبي صلى الله عليه و سلم علي على لكنه كان أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم وأحقهم بالأمر وهؤلاء هم الزيدية نسبوا إلى زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ثم اختلف الزيدية فرقا فقالت طائفة أن الصحابة ظلموه وكفروا من خالفه

من الصحابة وهم الجارودية وقالت أخرى أن الصحابة رضي الله عنهم لم يظلموه لكنه طربت نفسه بتسليم حقه إلى أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وأنه إماما وهدى ووقف بعضهم في عثمان رضي الله عنه وتولاه بعضهم وذكر طائفة أن هذا مذهب الفقيه الحسن بن صالح بن حي الهمداني
قال أبو محمد وهذا خطأ وقد رأيت الهشام ابن الحكم الرافضي الكوفي في كتابه المعروف بالميزان وقد ذكر الحسن ابن حي وأن مذهبه كان أن الإمامة في جميع ولد فهر ابن مالك
قال أبو محمد وهذا الذي لا يليق بالحسن بن حي غيره فإنه كان أحد أئمة الدين وهشام ابن الحكم أعلم به ممن نسب إليه غير ذلك لأن هشاما كان جاره بالكوفة وأعرف الناس به وأدركه وشاهده والحسن بن حي رحمه الله يحتج بمعاوية رضي الله عنهم وبإبن الزبير رضي الله عنهما وهذا مشهور عنه في كتبه ورواياته من روى عنه وجميع الزيدية لا يختلفون في أن الإمامة في جميع ولد علي بن أبي طالب من خرج منهم يدعو إلى الكتاب والسنة وجب سل السيف معه وقالت الروافض الإمامة في علي وحده بالنص عليه ثم في الحسن ثم في الحسين وادعوا نصا آخر من النبي صلى الله عليه و سلم عليهما بعد أبيهما ثم على ابن الحسين لقول الله عز و جل وأولوا الأرحام بعضهم أولى بعض في كتاب الله قالوا فولد الحسين أحق من أخيه ثم محمد بن علي بن الحسين ثم جعفر بن علي ابن الحسين وهذا مذهب جميع متكلميهم كهشام بن الحكم وهشام الجواليقي وداود الحواري وداود الرقي وعلي بن منصور وعلي بن هيثم وأبي علي السكاك تلميذ هشام بن الحكم ومحمد بن جعفر بن النعمان شيطان الطاق وأبي ملك الحضرمي وغيرهم ثم افترقت الرافضة بعد موت هؤلاء المذكورين وموت جعفر بن محمد فقالت طائفة بإمامة بن إسماعيل بن جعفر وقالت طائفة ابنه محمد بن جعفر وهم قليل وقالت طائفة جعفر حي لم يمت وقال جمهور الرافضة بإمامة ابنه موسى بن جعفر ثم علي ابن موسى ثم محمد بن علي بن موسى ثم علي بن محمد بن موسى ثم الحسن بن علي ثم مات الحسن غير معقب فافترقوا فرقا وثبت جمهورهم على أنه ولد للحسن بن علي ولد فأخفاه وقيل بل ولد له بعد موته من جارية له اسمها صقيل وهو الأشهر وقال بعضهم بل من جارية له اسمها نرجس وقال بعضهم من جارية له اسمها سوسن والأظهر أن اسمها صقيل هذه ادعت الحمل بعد الحسن بن علي سيدها فوقف ميراثه لذلك سبع سنين ونازعهل في لك أخوه جعفر ابن علي وتعصب لها جماعة من أرباب الدولة وتعصب لجعفر آخرون ثم انفش ذلك الحمل وبطل أخذ الميراث جعفر أخوه وكان موت الحسن هذا سنة ستين ومائتين وزادت فتنة الروافض بصقيل هذه ودعواها إلى أن حبسها المعتضد بعد نيف وعشرين سنة من موت سيدها وقد عير بها أنها في منزل الحسن بن جعفر النوبختي

الكاتب فوجدت فيه وحملت إلى قصر المعتضد فبقيت هنالك إلى أن ماتت في القصر في أيام المقتدر فهم إلى اليوم ينتظرون ضالة من مائة عام وثمانين عاما وكانت طائفة قديمة قد بادت كان رئيسهم المختار بن عبيد وكيسان أبا عمرة وغيرهما يذهبون إلى أن الإمام بعد الحسين محمد أخوه المعروف بابن الحنيفة ومن هذه الطائفة كان السيد الحميري وكثير عزة الشاعر أن وكانوا يقولون أن محمدا بن الحنفية حي بجبل رضوى ولهم من التخليط ما تضيق عنه الصحف
وقال أبو محمد وعمدة هذه الطوائف كلها في الإحتجاج أحاديث موضوعة مكذوبة لا يعجز عن توليد مثلها من لا دين له ولا حياء
قال أبو محمد لا معنى لاحتجاجنا عليهم برواياتنا فهم لا يصدقونا ولا معنى لاحتجاجهم علينا بروياتهم فنحن لا نصدقها وإنما يجب أن يحتج الخصوم بعضهم على بعض بما يصدقه الذي تقام عليه الحجة به سواء صدقه المحتج أو لم يصدقه لأن من صدق بشيء ملزمه القول به أو بما يوجبه العلم الضروري فيصير الخصم يومئذ مكابرا منقطعا أن ثبت على ما كان عليه إلا أن بعض ما يشغبون به أحاديث صحاح نوافقهم على صحتها منها قول رسول ا لله صلى الله عليه و سلم لعلي رضي الله عنه أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي
قال أبو محمد وهذا لا يوجب له فضلا على من سواه ولا استحقاق الإمامة بعده عليه السلام لأن هارون لم يل أمر نبي إسرائيل بعد موسى عليهما السلام وإنما ولي الأمر بعد موسى عليه السلام يوشع بن نون فتى موسى وصاحبه الي سافر معه في طلب الخضر عليهما السلام كما ولي الأمر بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم صاحبه في الغار الذي سافر معه إلى المدينة وإذا لم يكن علي نبيا كما كان هارون نبيا نبيا ولا كان هارون خليفة بعد موت موسى على بني إسرائيل فقد صح أن كونه رضي الله عنه صلى الله عليه و سلم بمنزلة هارون من موسى إنما هو في القرابة فقط وأيضا فإنما قال له رسول الله صلى الله عليه و سلم هذا القول إذا استخلفه على المدينة في غزوة تبوك فقال المنافقون استقله فخلفه فلحق علي برسول الله صلى الله عليه و سلم فشكى ذلك إليه فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم حينئذ أنت مني بمنزلة هارون من موسى يريد عليه السلام أنه استخلفه على المدينة مختارا استخلافه كما استخلف موسى عليه السلام هارون عليه السلام أيضا مختار الإستخلافة ثم قد استخلف عليه السلام قبل تبوك وبعد تبوك على المدينة في أسفاره رجالا سوى علي رضي الله عنه فصح أن هذا الاستخلاف لا يوجب لعلي فضلا على غيره ولا ولاية الأمر بعده كما لم يوجب ذلك لغيره من المستخلفين
قال أبو محمد وعمدة ما احتجت به الإمامية أن قالوا لا بد من أن يكون إمام معصوم عنده جميع علم الشريعة ترجع الناس إليه في أحكام الدين ليكونوا مما تعبدوا به علي يقين

قال أبو محمد هذا لا شك فيه وذلك معروف ببراهينة الواضحة وإعلامه المعجزة وآياته الباهرة وهو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب رسول الله صلى الله عليه و سلم إلينا تبيان دينه الذي ألزمنا إياه صلى الله عليه و سلم فكان كلامه وعهوده وما بلغ من كلام الله تعالى حجة نافذة معصومة من كل آفة أتى بحضرته وإلى من كان في حياته غائبا عن حضرته وإلى كل من يأتي بعد موته صلى الله عليه و سلم إلى يوم القيامة من جن وأنس قال عز و جل اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء فهذا نص ما قلنا اتباع أحد دون رسول الله صلى الله عليه و سلم وإنما الحاجة إلى فرض الإمامة لتنفيذ الإمام عهود الله تعالى الواردة إلينا على من عنده فقط لا لأن يأتي الناس ما لا يشاؤنه في معرفته من الدين الذي أتاهم به رسول الله صلى الله عليه و سلم ووجدنا عليا رضي الله عنه إذ دعي إلى التحاكم إلى القرآن أجاب وأخبر أن ا لتحاكم إلى القرآن حق فإن كان على صواب في لك فهو قولنا وإن كان أجاب وأخبر أن التحاكم إلى القرآن فإن كان على أصاب في ذلك فهو قولنا وإن كان أجاب إلى الباطل فهذه غير صفته رضي الله عنه ولو كان التحاكم إلى القرآن لا يجوز بحضرة الإمام لقال علي حينئذ كيف تطلبون تحكيم القرآن وأنا الإمام المبلغ عن رسول الله صلى الله عليه و سلم فإن قالوا إذ مات رسول الله صلى الله عليه و سلم فلا بد من إمام يبلغ الدين قلنا هذا باطل ودعوى بلا برهان وقول لا دليل على صحته وإنما الذي يحتاج إليه أهل الأرض من رسول الله صلى الله عليه و سلم ببيانه وتبليغه فقط سواء في ذلك من كان بحضرته ومن غاب عنه ومن جاء بعده إذ ليس في شخصه صلى الله عليه و سلم إذا لم يتكلم بيان عن شيء من الدين فالمراد منه عليه السلام كلام باق أبدا مبلغ إلى كل من في الأرض وأيضا فلوا كان ما قال أمن الحاجة إلى إمام موجودا بدا لا ننقض ذلك عليهم بمن كان غائبا عن حضرة الإمام في أقطار الأرض إذ لا سبيل إلى أن يشاهد الإمام جميع أهل الأرض الذين في ا لمشرق والمغرب من فقير وضعيف وامرأة ومرسض ومشغول بمعاشه الذي يضيع أن أغفله فلا بد من التبليغ عن الإمام فالتبيلغ عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أولى بالإتباع من التبليغ عمن هو دونه وهذا ما لا إنفكاك لهم منه
قال أبو محمد لا سيما وجميع أئمتهم الذين يدعون بعد علي والحسن والحسين رضي الله عنهم ما أمروا قط في غير منازل سكناهم وما حكموا على قرية فما فوقها بحكم فما الحاجة إليهم لا سيما مذ مائة عام وثمانين عاما فإنهم يدعون إماما ضالا لم يخلق كعنقاء مغرب وهم أولو فحش وقحة وبهتان ودعوى كاذبة لم يعجز عن مثلها أحد وأيضا فإن الإمام المعصوم لا يعرف أنه معصوم إلا بمعجزة ظاهرة عليه أو بنص تنقله العلماء عن النبي صلى الله عليه و سلم على كل إمام بعينه واسمه ونسبه وإلا فهي دعوى لا يعجز عن مثلها أحد لنفسه أو لمن شاء ولقد يلزم كل ذي عقل سليم أن يرغب بنفسه عن اعتقاد هذا الجهل الغث البارد السخيف الذي ترتفع عقول الصبيان عنه وما توفيقنا إلا بالله عز و جل وبرهان آخر ضروري وهو أن رسول الله

صلى الله عليه و سلم مات وجمهور الصحابة رضي الله عنهم حاشا من كان منهم في النواحي يعلم الناس الدين فما منهم أحد أشار إلى علي بكلمة يذكر فيها أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نص عليه ولا أدعي ذلك علي قط لا في ذلك الوقت ولا بعده ولا إدعاء له أحد في ذلك الوقت ولا بعده ولا ادعاه له أحد في ذلك الوقت ولا بعده ومن المحال الممتنع الذي لا يمكن البتة ولا يجوز اتفاق أكثر من عشرين ألف إنسان متنا بذي الهمم والنيات والأنساب أكثرهم موتور في صاحبه في الدماء من الجاهلية على طي على عهد عاهده رسول الله صلى الله عليه و سلم إليهم وما وجدنا قط رواية عن أحد بهذا النص المدعي إلا رواية واحدة واهية عن مجهولين إلى مجهول يكنى بالحمراء لا يعرف من هو في الخلق ووجدنا عليا رضي الله عنه تأخر عن البيعة ستة أشهر فما أكرهه أبو بكر على البيعة حتى بايع طائعا مراجعا غير مكره فكيف حل لعي رضي الله عنه عند هؤلاء النوكي أن يبايع طائعا رجلا أما كافرا وأما فاسقا جاحدا لنص رسول الله صلى الله عليه و سلم ويعينه على أمره ويجالسه في مجالسه ويواليه إلى أن مات ثم يبايع بعده عمر بن الخطاب مبادرا غير متاردد ساعة فما فوقها غير مركه بل طائعا وصحبه وأعانه على أمره وأنكحه من ابنته فاطمة رضي الله عنها ثم قبل ادخاله في الشورى أحد ستة رجال فكيف حل لعلي عند هؤلاء الجهال أن يشارك بنفسه في شورى ضالة وكفر ويغر الأمة هذا الغرور وهذا الأمر أدى أبا كامل إلى تكفير علي بن أبي طالب رضي الله عنه لأنه في زعمه أعان الكفار على كفرهم وأيدهم على كتمان الديانة وعلى ما لا يتم الدين إلا به
قال أبو محمد ولا يجوز أن يظن بعلي رضي الله عنه أنه أمسك عن ذكر النص عليه خوف الموت وهو الأسد شجاعة قد عرض نفسه للموت بين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم مرات ثم يوم الجمل وصفين فما الذي جبنه بين هاتين الحالتين وما الذي ألف بين بصائر الناس على كتمان حق علي ومنعه ما هو أحق به مذ مات رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى أن قتل عثمان رضي الله عنه ثم ما الذي جلى بصائرهم في عونه إذ دعا إلى نفسه فقامت معه طوائف من المسلمين عظيمة وبذلوا دماءهم دونه ورأوه حينئذ صاحب الأمر والأولى بالحق ممن نازعه فما الذي منعه ومنعهم من الكلام وإظهار النص الذي يدعيه الكذابون إذ مات عمر رضي الله عنه وبقي الناس بلا رأس ثلاثة أيام أو يوم السقيفة وأظرف من هذا بقاؤه ممسكا عن بيعة أبي بكر رضي الله عنه ستة أشهر فما سألها ولا أجبر عليها ولا كلفها وهو يتصرف بينهم في أموره فلولا أنه رأى أحق فيها واستدرك أمره فبايع طالبا حفظه نفسه في دينه راجعا إلى الحق لما بايع فإن قالت الروافض أنه بعد ستة أشهر رأى الرجوع إلى الباطل فهذا هو الباطل حقا لا ما فعل علي رضي الله عنه ثم ولي علي رضي الله عنه فما غير حكما من أحكام أبي بكر وعمر وعثمان ولا أبطل عهدا من عهودهم ولو كان ذلك عنده باطلا لما كان في

سعة من أن يمضي الباطل وينفذه وقد ارتفعت التقية عنه وأيضا فقد نازع الأنصار رضي الله عنهم أبا بكر رضي الله عنه ودعوا إلى بيعة سعد بن عبادة رضي الله عنهم ودعا المهاجرون إلى بيعة أبي بكر رضي الله عن جميعهم وقعد علي رضي الله عنه في بيته لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ليس معه أحد غير الزبير بن العوام ثم استبان الحق للزبير رضي الله عنه فبايع سريعا وبقي علي وحده لا يرقب عليه ولا يمنع من لقاء الناس ولا يمنع من لقائه فلا يخلو رجوع الأنصار كلهم إلى بيعة أبي بكر من أن يكون عن غلبة أو عن ظهور حقه إليهم فأوجب ذلك الإنقياد لبيعته أو فعلوا ذلك مطارفة لغير معنى ولا سبيل إلى قسم رابع بوجه من الوجوه فإن قالوا بايعوه بغلبة كذبوا لأنه لم يكن هنالك قتال لا تضارب ولا سباب ولا تهديد ولا وقت طويل ينفسخ للوعيد ولا سلاح مأخوذ ومحال أن يترك أزيد من ألفي فارس انجاد أبطال كلهم عشيرة واحدة قد ظهر من شجاعتهم ما لا مرمى وراءه وهو أنهم بقو ثمانية أعوام متصلة محاربين لجميع العرب في أقطار بلادهم موطنين على الموت متعرضين مع ذلك للحرب مع قيصر والروم بمؤنة وغيرها ولكسرى والفرس ببصرى من يخاطبهم يدعوه إلى إتباعه وأن يكون كأحد من بين يديه هذه صفة الأنصار التي لا ينكرها إلا رقيع مجاهر بالكذب فمن المحال الممتنع أن يرهبوا أبا بكر ورجلين أتيا معه فقط لا يرجع إلى عشيرة كثيرة ولا إلى موال ولا إلى عصبة ولا مال فرجعوا إليه وهو عندهم مبطل وبايعوه بلا تردد ولا تطويل وكذلك يبطل أن يرجعوا عن قولهم وما كانوا قد رأوه من أن الحق حقهم وعن بيعة ابن عمهم مطارفة بلا خوف ولا ظهور الحق إليهم فمن المحال اتفاق أهواء هذا العدد العظيم على ما يعرفون أنه باطل دون خوف يضطرهم إلى ذلك ودون طمع يتعجلونه من مال أو جاه بل فيما فيه ترك العز والدنيا والرياسة وتسليم كل ذلك إلى رجل لا عشيرة له ولا منعة ولا حاجب ولا حرس على بابه ولا قصر ممتنع فيه ولا موالي ولا مال فأين كان على وهو الذي لا نظير له في الشجاعة ومعه جماعة من بني هاشم وبني المطلب من قتل هذا الشيخ الذي لا دافع دونه لو كان عنده ظالما وعن منعه وزجره بل قد علم والله علي رضي الله عنه أن أبا بكر رضي الله عنه على الحق وأن من خالفه على الباطل فإذ عن للحق بعد أن عرضت له فيه كبوة كذلك الأنصار رضي الله عنهم وإذ قد بطل كل هذا فلم يبق إلا أن عليا والأنصار رضي الله عنهم إنما رجعوا إلى بيعة أبي بكر رضي الله عنهم لبرهان حق صح عندهم عن النبي صلى الله عليه و سلم لا لاجتهاد كاجتهادهم ولا لظن كظنونهم فإذ قد بطل أن يكون الأمر في الأنصار وزالت الرياسة عنهم فما الذي حملهم كلهم أولهم عن آخرهم على أن يتفقوا على جحد نص النبي صلى الله عليه و سلم علي أماة على ومن المحال أن تتفق آرائهم كلهم على معونة من ظلمهم وغصبهم حقهم إلا أن تدعي الروافض أنهم كلهم اتفق لهم نيسان فهذه أعجوبة من المحال غير ممكنة ثم لو أمكنت لجاز لكل أحد أن يدعي فيما شاء من المحال أنه قد كان وإن الناس كفهم نسوه وفي هذا ابطال الحقائق كلهم وأيضا فإن كان جميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم اتفقوا على جحد ذلك النص وكتمانه واتفقت طبائعهم كلهم على نسيانه فمن أين وقع الروافض أمره ومن بلغه إليهم وكل هذا عن هوس ومحال فبطل أمر النص على علي رضي الله عنه بيقين لا إشكال فيه والحمد لله رب العالمين فإن قال قائل أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان قد قتل الأقارب بين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم فتولد له بذلك حقد في قلوب جماعة من الصحابة ولذلك انحرفوا عنه قيل له هذا تمويه

ضعيف كاذب لأنه إن ساغ لكم ذلك في بني عبد شمس وبني مخزوم وبني عبد الدار وبني عامر لأنه قتل من كل قبيلة من هذه القبائل رجلا أو رجالا فقتل من بني عامر بن لؤي رجلا واحدا وهو عمرو بن ود وقتل من بني مخزوم وبني عبد الدار رجالا وقتل من بني عبد شمس الوليد بن عقبة والعاص بن سهل بن العاص بلا شك وشارك في قتل عتبة بن ربيعة وقيل قتل عقبة بن أبي معيط وقيل قتله غيره وهو عاصم بن ثابت الأنصاري ولا مزيد فقد علم كل من له أقل من علم بالأخبار أنه لم يكن لهذه القبائل ولا لأحد منها يوم السقيفة حل ولا عقد ولا رأي ولا أمر اللهم إلا أن أبا سفيان بن حرب بن أمية كان ماثلا إلى علي في ذلك الوقت عصبية للقرابة لا تدينا وكان ابنه يزيد وخالد بن سعيد بن العاص والحارث بن هشام ابن المغيرة المخزومي مائلين إلى الأنصار تدينا والأنصار قتلوا أبا جهل بن هشام أخاه وقد كان محمد بن أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة شديد الميل إلى علي حين قصه عثمان وبعدها حتى قبله معاوية على ذلك فعرفونا من قتل على من بني تيم بن مرة أو من عدي بن كعب حتى يظن أهل القحة أنهما حقدا عليه ثم أخبرونا من قتل من الأنصار أو من جرح منهم أو من أذى منهم ألم يكونوا معه في تلك المشاهد كلها بعضهم متقدم وبعضهم مساو له وبعضهم متأخر عنه فأي حقد كان له في قلوب الأنصار حتى يتفقوا كلهم على جحد النص عليه وعلى إبطال حقه وعلى ترك كر اسمه جملة واينار سعد بن عبادة عليه ثم على إيثار أبي بكر وعمر عليه والمسارعة إلى بيعته بالخلافة دونه وهو معهم وبين أظهرهم يورنه غدوا وعشيا لا يحول بينهم وبينه أحد ثم أخبرونا من قتل على من أقارب أولا المهاجرين من العرب من مضر وربيعة واليمين وقضاعة حتى يصفقوا 1 كلهم على كراهية ولا يته ويتفقوا كلهم على جحد النص عليه إن هذه لعجائب لا يمكن اتفاق مثلها في العالم أصلا ولقد كان لطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص من القتل في المشركين كالذي كان لعلي فما الذي خصه باعتقاد الأحقاد له دونهم لو كان للروافض حياء أو عقل ولقد كان لأبي بكر رحمه الله ورضي عنه في مضادة قريش في الدعاء إلى الإسلام ما لم يكن لعلي فما منعهم ذلك من بيعته وهو أسوأ الناس أثرا عند كفارهم ولقد كان لعمر بن الخطاب رضي الله عنه في مغالبة كفار قريش وإعلانه الإسلام على زعمهم ما لم يكن لعلي رضي الله عنه فليت شعري ما الذي أوجب أن ينسى آثارها هؤلاء كلهم ويعادوا عليا من بينهم كلهم لولا قلة حياء الروافض وصفاته وجهودهم حتى بلغ الأمر بهم إلى أن عدوا على سعد بن أبي وقاص وابن عمر وأسامة بن زيد مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم ورافع بن خديج الأنصاري ومحمد بن مسلمة الأنصاري وزيد بن ثابت الأنصاري وأبي هريرة وأبي الدرداء وجماعة غير هؤلاء من المهاجرين لم يبايعوا عليا إذ ولى الخلافة ثم بايعوا معاوية ويزيد ابنه من أدركه وادعوا أن تلك الأحقاد حملنهم على ذلك
قال أبو محمد حمق الرافضة وشدة ظلمة جهلهم وقلة حياتهم هورهم في الدمار والبوار والعار والنار وقلة المبالاة بالفضائح وليت شعري أي حماسة وأي كلمة حسنة كانت بين علي وبين هؤلاء أو أحد منهم وإنما كان هؤلاء ومن جرى مجراهم لا يرون بيعة في فرقة فلما اتفق المسلمون على ما اتفقوا عليه كائنا من كان دخلوا في الجماعة وهكذا فعل من أدرك من هؤلاء ابن الزبير رضي الله عنه ومروان فإنهم قعدوا عنهما فلما انفرد عبد الملك بن

مروان بايعه من أدركه منهم لأرضا عنه ولا عداوة لإبن زبير ولا تفصيلا لعبد الملك على ابن الزبير لكن لما ذكرنا وهكذا كان أمرهم في علي ومعاوية فلاحت لوكة هؤلاء المجانين والحمد لله رب العالمين
قال أبو محمد وهذا زيد بن حارثة قتل يوم بدر حنظلة بن أبي سفيان وهذا الزبير العوام قتل يوم بدرا أيضا عبيدة بن سعيد بن العاص وهذا عمر بن الخطاب قتل يومئذ العاص بن هشام بن المغيرة فهلا عاداهم أهل هؤلاء المقتولين وما إلى خص عليا أولياء من قتل دون سائر من قلنا لولا جنون الرافضة وعدم الحياء من وجوههم ثم لو كان على ما ذكروه حقا فما الذي كان دعا عمر إلى إدخاله في الشورى مع من أدخله فيها ولو أخرجه منها كما أخرج سعيد بن زيد أو قصد إلى رجل غيره فولاه ما اعترض عليه أحد في ذلك بكلمة فصح ضرورة بكل ما ذكرنا أن القوم أنزلوه منزلته غير عالين ولا مقصرين رضي الله عنهم أجمعين وأنهم قدموا الأحق فالحق والأفضل فالأفضل وساوه بنظرائه منهم ثم أوضح برهان وأبين بيان في بطلان أكاذيب الرافضة أن عليا رضي الله عنه لما ادعى إلى نفسه بعد قتل عثمان رضي الله عنه سارعت طوائف المهاجرين والأنصار إلى بيعته فهل كر أحد من الناس أنت أحدا منهم اعتذر إليه مما سلف من بيعتهم لأبي بكر وعمر وعثمان أو هل تاب أحد منهم من جحده للنص على إمامته أو قال أحد منهم لقد ذكرت هذا النص الذي كنت أنسيته في أمر هذا الرجل أن عقولا خفي عليها هذا الظاهر اللائح لعقول مخذولة لم يرد الله أن يهديها ثم مات عمر رضي الله عنه وترك الأمر شورى بين ستة من الصحابة على أحدهم ولم يكن في تلك الأيام الثلاثة سلطان يخاف ولا رئيس يتوقى ولا مخافة من أحد ولا جند معد للتغلب افترى لو كان لعلي رضي الله عنه حق ظاهر يختص به ومن نص عليه من رسول الله صلى الله عليه و سلم أو من فضل بائن على من معه ينفرد به عنهم أما كان الواجب على علي أن يقول أيها الناس كم هذا الظلم لي وكم هذا الكتمان بحقي وكم هذا الجحد لنص رسول الله صلى الله عليه و سلم وكم هذا الإعراض عن فضلي البائن على هؤلاء المقرونين بي فإذا لم يفعل لا يدري لماذا أما كان في بني هاشم أحد له دين يقول هذا الكلام أما العباس عمه وجميع العالمين على توقيره وتعظيمه حتى أن عمر نوسل به إلى الله تعالى بحضرة الناس في الاستسقاء وأما أحد بنيه وأما عقيل أخوه وأما أحد بني جعفر أخيه أو غيرهم فإذا لم يكن في بني هاشم أحد يتقي الله عز و جل ولا يأخذه في قول الحق مداهنة أما كان في جميع أهل الإسلام من المهاجرين والأنصار وغيرهم واحد يقول يا معشر المسلمين قد زالت الرقبة وهذا علي له حق واجب بالنص وله فضل بائن ظاهر لا يمتري فيه فبايعوه فأمر وبين أن اتفاق جميع الأمة أولها عن آخرها من برقة إلى أول خراسان ومن الجزيرة إلى أقصى اليمين إذ بلغهم الخبر على السكوت عن حق هذا الرجل واتفاقهم على ظلمه ومنعه من حقه وليس هناك شيء يخافونه لإحدى عجائب المحال الممتنع وفيهم إلى بايعوه بعد ذلك إذ صار الحق حقه وقتلوا أنفسهم دونه فأين كانوا عن إظهار ما تنبهت له الروافض الإنذال ثم العجب إذ كان غيظهم عليه هذا الغيظ واتفاقهم على جحده حقه هذا الاتفاق كيف تورعوا عن قتله ليستريحوا منه أم كيف أكرموه وبروه وأدخلوه في الشورى وقا لهشام بن الحكم كيف يحسن الظن بالصحابة أن لا يكتموا النص على علي وهم قد اقتتلوا وقتل بعضهم بعضا فهل يحسن بهم الظن في هذا

قال أبو محمد ولو علم الفاسق أن هذا القول أعظم حجة عليه لم ينطق بهذا السخف لأن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أول من قاتل حين افترق الناس فكل ما لحق المقتتلين منهم من حسن الظن بهم أو من سوء الظن بهم فهو لا حق لعلي في قتاله ولا فرق بينه وبين سائر الصحابة في لك كله وبالله تعالى التوفيق فإن خصه متحكم كان كمن خصه غيره منهم متحكما ولا فرق وأيضا فإن اقتتالهم رضي الله عنهم أو كد برهان على أنهم لم يغاروا على ما رأوه باطلا بل قاتل كل فريق منهم على ما رأوه حقا ورضي بالموت دون الصبر على خلاف ما عنده وطائفة منهم قعدت إذ لم تر الحق في القتال فدل علي بأنه لو كان عندهم نص على علي أو عند واحد منهم لأظهروه أو لأظهره كما أظهروا ما رأوا أن يبدلوا أنفسهم للقتال والموت دونه فإن قالوا قد أقررتم أنه لا بد من إمام فبأي شيء يعرف الإمام لا سيما وأنتم خاصة معشر أهل الظاهر لا تأخذون إلا بنص قرآن أو خبر صحيح وهذا أيضا مما سألنا عنه أصحاب القياس والرأي
قال أبو محمد فجوابنا وبالله تعالى التوفيق أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نص على وجوب الإمامة وأنه لا يحل بقاء ليلة دون بيعة وافترض علينا بنص قوله الطاعة للقرشي إماما واحد ألا ينازع إذا قادنا بكتاب الله عز و جل فصح من هذه النصوص النص على صفة الإمام الواجب طاعته كما صح النص على صفة الإمام الواجب طاعته كما صح النص على صفة الشهود في الأحكام وصفة المساكين والفقراء الواجب لهم الزكاة وصفة من يؤم في الصلاة وصفة من يجوز نكاحها من النساء وكذلك سائر الشريعة كلها ولا يحتاج إلى ذكر الأسماء إذ لم يكلفنا الله عز و جل ذلك فكل قرشي بالغ عاقل بادر أثر موت الإمام الذي لم يعهد إلى أحد فبايعه واحد فصاعدا فهو الإمام الواجب طاعته مما قادنا بكتاب الله تعالى وبسنة رسول الله صلى الله عليه و سلم الذي أمر الكتاب بإتباعها فإن زاغ عن شيء منهما منع من ذلك وأقيم الحد والحق فإن لم يؤثر أذاه إلا بخلعه خلع وولي غيره ومنهم فإن قالوا قد اختلف الناس في تأويل القرآن والسنة ومنع من تأويلهما بغير نص آخر قلنا أن التأويل الذي لم يقم عليه برهان تحريف الكلم عن مواضعه وقد جاء النص بالمنع من ذلك وليس الاختلاف حجة وإنما الحجة في نص القرآن والسنن وما اقتضاه لفظهما العربي الذي خوطبنا به وبه ألزمتنا الشريعة
قال أبو محمد ثم نسألهم فنقول لهم أن عمدة احتجاجكم في إيجاب إمامتكم التي تدعيها جميع فرقكم إنما هي وجهان فقط أحدهما النص الذي عليه باسمه والثاني شدة الفاقة إليه في بيان الشريعة إذ علمها عنده لا عند غيره ولا مزيد فأخبروني بأي شيء صار محمد بن علي بن الحسين أولى بالإمامة من إخوته زيد وعمرو وعبد ا لله وعلي والحسين فإن ادعوا نصا من أبيه عليه أو من النبي صلى الله عليه و سلم أنه الباقر لم يكن ذلك ببدع من كذبهم ولم يكونوا أولى بتلك الدعوى من الكيسانية في دعواهم النص على ابن حنيفة وإن ادعوا أنه كان أفضل من اخوته كانت أيضا دعوى بلا برهان والفضل لا يقطع على ما عند الله عز و جل فيه بما يبدو من الإنسان فقد يكون باطنه خلاف ظاهر وكذلك يسألون أيضا ما الذي جعل موسى بن جعفر أولى بالإمامة من أخيه محمد وإسحاق أو علي فلا يجدون إلى غير الدعوى سبيلا وكذلك أيضا يسألون ما إلى خص علي بن موسى بالإمامة دون اخوته وهم سبعة عشر ذكرا فلا يجدون شيئا غير الدعوى وكذلك يسألون ما الذي جعل محمد بن علي بن موسى أولى بالإمامة من أخيه علي بن علي وما إلى جعل علي بن محمد أولى بالإمامة من أخيه موسى بن محمد وما

الذي جعل الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى أحق بالإمامة من أخيه جعفر بن علي فهل ها هنا شيء غير الدعوى الكاذبة التي لا حياء لصاحبها والتي لو ادعى مثلها مدع للحسن ابن الحسن ولعبد الله بن الحسن أو لأخيه الحسن بن الحسن أو لإبن علي بن الحسن أو لمحمد بن عبد الله القائم بالمدينة أو لأخيه إبراهيم أو لرجل من ولد العباس أو من بني أمية أو من أي قوم من الناس كان لساواهم في الحماقة ومثل هذا لا يشتغل به من له مسكة من عقل أو منحة من دين ولو قلت أو رقعة من الحياء فبطل وجه النص وأما وجه الحاجة إليه في بيان الشريعة فما ظهر قط من أكثر أئمتهم بيان لشيء مما اختلف فيه الناس وما بأيدهم من ذلك شيء إلا دعاوى مفتعلة قد اختلفوا أيضا فيها كما اختلف غيرهم من الفرق بسواء سواء إلا أنهم أسوأ حالا من غيرهم لأن كل من قلد إنسانا كأصحاب أبي حنيفة لأبي حنيفة وأصحاب مالك لمالك وأصحاب الشافعي للشافعي وأصحاب أحمد لأحمد فإن لهؤلاء المذكورين أصحابا مشاهير نقلت عنهم أقوال صاحبهم ونقلوها هم عنه ولا سبيل إلى اتصال خبر عندهم ظاهر مكشوف يضطر الخصم إلى أن هذا قول موسى بن جعفر ولا أنه قول علي بن موسى ولا أنه قول محمد بن موسى ولا أنه قول علي بن محمد وأنه قول الحسن بن علي وأما من بعد الحسن بن علي فعدم بالكلية وحماقة ظاهرة وأما من قبل موسى ابن جعفر فلو جمع كل ما روي في الفقة عن الحسن والحسين رضي الله عنهما لما أبلغ أوراق فما ترى المصلحة التي يدعونها في إمامهم ظهرت ولا نفع الله تعالى بها قط في علم ولا عمل لا عندهم ولا عند غيرهم ولا ظهر منهم بعد الحسين رضي الله عنه من هؤلاء الذين سموا واحدا ولا أمر منهم أحد قط بمعروف معلن وقد قرأنا صفة هؤلاء المخالين المنتمين إلى الإمامية القائلين بأن الدين عند أئمتهم فما رأينا إلا دعاوى باردة وآراء فاسدة كأسخف ما يكون من الأقوال ولا يخلو هؤلاء الأئمة الذين يذكرون من أن يكونوا مأمورين بالسكوت أو مفسوحا لهم فيه فإن يكونا مأمورين بالسكوت فقد أبيح للناس البقاء في الضلال وسقطت الحجة في الديانة عن جميع الناس وبطل الدين ولم يلزم فرض الإسلام وهذا كفر مجرد وهم لا يقولون بهذا أو يكونوا مأمورين بالكلام والبيان فقد عصوا الله إذ سكتوا وبطلت إمامتهم وقد لجأ بعضهم إذ سئلوا عن صحة دعواهم في الأئمة إلى أن ادعوا الإلهام في ذلك فإذ قد صاروا إلى هذا الشغب فإنه لا يضيق عن أحد من الناس ولا يعجز خصومهم عن أن سدعوا أنهم ألهموا بطلان دعواهم قال هشام بن الحكم لا بد أن يكون في أخوة افمام آفات يبين بها أنهم لا يستحقون الإمامة
قال أبو محمد وهذه دعوى مردودة تزيد في الحماقة ولا ندري في زيد وعمرو وعبد الله والحسن وعلي بن علي بن الحسين آفات تمنع إلا أن الحسن أخا زيد ومحمد كان أعرج وما علمنا أن العرج عيب يمنع من الإمامة إنما هو عيب في العبيد المتخين للمشي وما يعجز خصومهم أن يدعوا في محمد بن علي وفي جعفر بن محمد وفي سائر أئمتهم تلك الآفات التي ادعاها هشام لإخوتهم ثم أن بعض أئمتهم المذكورين مات أبوه وهو ابن ثلاث سنين فنسألهم من أين علم هذا الصغير جمع علم الشريعة وقد عدم توقيف أبيه له عليها لصغره فلم يبق إلا أن يدعوا له الوحي فهذه نبوة وكفر صريح وهم لا يبلغون إلى أن يدعوا له النبوة وأن يدعوا له معجزة تصحح قوله فهذه دعوى باطلة ما ظهر منها في شيء أو يدعوا له الإلهام فما يعجز أحد عن هذه الدعوى

لكل أمة عملها إلا وجود من يعتقد هذا الأقوال السخيفة لكان أقوى حجة وأوضح برهان وإلا فما خلق الله عقلا يسع فيه مثل هذه الحماقات والحمد لله على عظيم منه علينا وهو المسؤول منه دوامها بمنه آمين
قال أبو محمد وأيضا فلو كان الأمر في الإمامة على ما يقول هؤلاء السخفاء لما كان الحسن رضي الله عنه في سعة من أن يسلمها لمعاوية رضي الله عنه فيعينه على الضلال وعلى إبطال الحق وهدم الدين فيكون شريكه في كل مظلمة ويبطل عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم ويوافقه على ذلك الحسين أخوه رضي الله عنهما فما نقض قط بيعة معاوية إلى أن مات فكيف استحل الحسن والحسين رضي الله عنهما إبطال عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم إليهما طائعين غير مكرهين فلما مات معاوية قام الحسين يطلب حقه إذ رأى أنها بيعة ضلالة فلو لا أنه رأى بيعة معاوية حقا لما سلمها له ولفعل كما فعل بيزيد إذ ولى يزيد هذا ما لا يمترى فيه ذو إنصاف هذا ومع الحسن أزيد من مائة ألف عنان يموتون دون فتالله لولا أن الحسن رضي الله عنه علم أنه في سعة من إسلامها إلى معاوية وفي سعة من أن لا يسلمها لما جمع بين الأمرين فأمسكها ستة أشهر لنفسه وهي حقه وسلمها بعد ذلك لغير ضرورة وذلك له مباح بل هو الأفضل بلا شك لأن جده رسول الله صلى الله عليه و سلم قد خطب بذلك على المنبر بحضرة المسلمين وأراهم الحسن معه على المنبر وقال أن ابني هذا لسيد ولعل الله أن يصلح به بين طائفتين عظيمتين من المسلمين رويناه من طريق البخاري حدثنا صدقة أنبأنا ابن عيينة أنا موسى أنا الحسن سمع أبا بكرة يقول أنه سمع ذلك وشهده من رسول الله صلى الله عليه و سلم وهذا من أعلامه صلى الله عليه و سلم وإنذاره بالغيوب التي لا تعلم البتة إلا بالوحي ولقد امتنع زياد وهو فقعة 1 القاع لا عشيرة ولا نسب ولا سابقة ولا قدم فما أطاقه معاوية إلا بالمداراة حتى أرضاه وولاه فإن ادعوا أنه قد كان في ذلك عند الحسن عهد فقد كفروا لأن رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يأمر أحدا بالعيون على إطفاء نور الإسلام بالكفر وعلى نقض عهود الله تعالى بالباطل عن غير ضرورة ولا إكراه وهذه صفة الحسن والحسين رضي الله عنهما عند الروافض واحتج بعض الإمامية وجميع الزيدية بأن عليا كان أحق الناس بالإمامة لبينونة فضله على جميعهم ولكثرة فضائله دونهم
قال أبو محمد وهذا يقع الكلام فيه إن شاء الله تعالى في الكلام في المفاضلة بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم وأن الكلام هاهنا في الإمامة فقط فنقول وبالله تعالى التوفيق هبكم أنكم وجدتم لعلي رضي الله عنه فضائل معلومة كالسبق إلى الإسلام والجهاد مع رسول الله صلى الله عليه و سلم وسعة العلم والزهد فهل وجدتم مثل ذلك للحسن والحسين رضي الله عنهما حتى أوجبتهم لهما بذلك فضلا في شيء مما ذكرنا على سعد بن أبي وقاص وسيد بن زيد

وعبد الله بن عمر وعبد الله بن العباس هذا ما لا يقدر احد على أن يدعي لهما فيه كلمة فما فوقها يعني مما يكونان به فوق من قد ذكرنا في شيء من هذه الفضائل فلم يبق إلا دعوى النص عليهما وهذا مالا يعجز عن مثله أحد لو استجازت الخوارج التوقح بالكذب في دعوى النص على عبد الله بن وهب الراسي لما كانوا الأمثل الرافضة في ذلك سواء بسواء ولو استحلت الأموية أن تجاهر بالكذب في دعوى النص على معاوية لكان أمرهم في ذلك أقوى من أمر ا لرافضة لقوله تعالى ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل أنه كان منصورا ولكن كل أمة ما عدا الرافضة والنصارى فإنها تستحي وتصون أنفسها عما لا تصون النصارى والروافض أنفسهم عنه من الكذب الفاضح البارد وقلة الحياء فيما يأتون به ونعوذ بالله من الخذلان
قال أبو محمد وكذلك لا يجدون لعلي بن الحسين بسوقا في علم ولا في عمل على سعيد بن المسيب والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله بن عمرو وعروة بن الزبير ولا على أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ولا على ابن عمه الحسن بن الحسن وكذلك لا يجدون لمحمد بن علي بن الحسين بسوقا في علم ولا في عمل ولا ورع على عبد الرحمن بن القاسم بن محمد ولا على محمد بن عمرو وبن أبي بكر بن المنكدر ولا على أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ولا على أخيه زيد بن علي ولا على عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي ولا على عمر بن عبد العزيز وكذلك لا يجدون لحعفر بن محمد بسوقا في علم ولا في دين ولا في عمل على محمد بن مسلم الزهري ولا على ابن أبي ذؤيب ولا على عبد الله بن عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الله بن عمر ولا على عبيد الله بن عمر وبن حفص بن عاصم بن عمر ولا على ابني عمه محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن وعلي بن الحسن بن الحسن بن الحسن بل كل ما ذكرنا فوقه في العلم والزهد وكلهم أرفع محلا في الفتيا والحديث لا يمنع أحد منهم من شيء من ذلك وهذا ابن عباس رضي الله عنه قد جمع فقهه في عشرين كتابا ويبلغ حديثه نحو ذلك إذا تقصى ولا تبلغ فتيا الحسن والحسين ورقتين ويبلغ حديثهما ورقة أو روقتين وكذلك علي بن الحسين إلا أن محمد بن علي يبلغ حديثه وفيتاه جزأ صغيرا وكذلك جعفر بن محمد وهم يقولون أن الإمام عنده جميع علم الشريعة فما بال من ذكرنا أظهروا بعض ذلك وهو الأقل إلا نقص وكتموا سائره وهو الأكثر الأعظم فإن كان فرضهم الكتمان فقد خالفوا الحق إذ أعلنوا ما أعلنوا وإن كان فرضهم البيان فقد خالفوا الحق إذ كتموا ما كتموا وأما من بعده جعفر بن محمد مما عرفنا لهم علما أصلا لا من رواية ولا من فتيا على قرب عهدهم منا ولو كان عندهم من ذلك شيء لعرف كما عرف عن محمد بن علي وابنه جعفر وعن غيره منهم ممن حدث الناس عنه فبطلت دعواهم الظاهرة الكاذبة اللائحة السخيفة التي هي من خرافات السمر ومضاحك السخفاء فإن رجعوا إلى إدعاء المعجزات لهم قلنا لهم أن ا لمعجزات لا تثبت إلا بنقل التواتر لا بنقل الأحاد الثقات فكيف بولد الوقحاء الكذابين الذين لا يدري من هم وقد وجدنا من يروي لبشر الحافي وشيبان الراعي ورابعة العدوية أضعاف ما يدعونه من الكذب لأئمتهم وأظهر وأفشى وكل لك حماقة لا يشتغل ذو دين لا ذو عقل بها ونحمد الله على السلامة فإذا قد بطل كل ما يدعونه ولله تعالى الحمد فلنقل على الإمامة بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم بالبرهان وبالله تعالى نتأيد
قال أبو محمد قد اختلف الناس في هذا فقالت طائفة أن ا لنبي صلى الله عليه و سلم لم يستخلف أحدا ثم اختلفوا فقال بعضهم لكن لما استخلف أبا بكر رضي الله عنه على الصلاة كان ذلك

دليلا على أنه ألاوهم بالإمامة والخلافة على الأمور وقال بعضهم لا ولكن كان أبينهم فضلا فقدموه لذلك وقالت طائفة بل نص رسول الله صلى الله عليه و سلم على استخلاف أبي بكر بعده على أمور ا لناس نصا جليا
قال أبو محمد وبهذا نقول لبراهين أحدها أطباق الناس كلهم وهم الذين قال الله تعالى فيهم للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون فقد أصفق هؤلاء الذين شهد الله لهم بالصدق وجميع اخوانهم من الأنصار رضي الله عنهم على أن سموه خليفة رسول الله صلى الله عليه و سلم ومعنى الخليفة في اللغة هو الذي يستخلفه لا الذي يخلفه دون أن يستخلفه هو لا يجوز غير هذا البتة في اللغة بلا خلاف تقول استخلف فلان فلانا يستخلفه فهو خليفته ومستخلفه فإن قام مكانه دون أن يستخلفه هو لم يقل إلا خلف فلان فلانا يخلفه فهو خالف ومحال أن يعنوا بذلك الاستخلاف على الصلاة لوجهين ضرورين أحدهما أنه لا يستحق أبو بكر هذا الاسم على الإطلاق في حياة رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو حينئذ خليفته على الصلاة فصح يقينا أن خلافته المسمى هو بها هي غير خلافته على الصلاة والثاني أن كل من استخلفه رسول الله صلى الله عليه و سلم في حياته كعلي في غزوة تبوك وابن أم مكتوم في غزوة الخندق وعثمان بن عفان في غزوة ذات الرقاع وسائر من استخلفه على البلاد باليمن والبحرين والطائف وغيرها لم يستحق أحد منهم قط بلا خلاف من أحد من الأمة أن يسمي خليفة رسول الله صلى الله عليه و سلم على الإطلاق فصح يقينا بالضرورة التي لا محيد عنها أنها للخلافة بعده على أمته ومن الممتنع أن يجمعوا على ذلك وهو عليه السلام لم يستخلفه نصا ولو لم يكن ها هنا إلا استخلافه إياه على الصلاة ما كان أبو بكر أولى بهذه التسمية من غيره ممن ذكرنا وهذا برهان ضروري نعارض به جميع الخصوم وأيضا فإن الرواية قد صحت بأن امرأة قالت يا رسول الله أرأيت أن رجعت ولم أجدك كأنها تريد الموت قال فات أبا بكر وهذا نص جلي على استخلاف أبي بكر وايضا فإن الخبر قد جاء من الطرق الثابتة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لعائشة رضي الله عنها في مرضه الذي توفي فيه عليه السلام لقد هممت أن أبعث إلى أبيك وأخيك فاكتب كتابا واعهد عهدا لكيلا يقول قائل أنا أحق أو يتمنى متمن ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر وروي أيضا ويأبى الله والببون إلا أبا بكر فهذا نص جلي علي استخلافه عليه الصلاة و السلام أبا بكر على ولاية الأمة بعده
قال أبو محمد ولو أننا نستجيز التدليس والأمر الذي لو ظفر به خصومنا طاروا به فرحا أو أبلسوا أسفا لاحتججنا بما روي افتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر
قال أبو محمد ولكنه لم يصح ويعيذنا الله من الاحتجاج بما لا يصح
قال أبو محمد واحتج من قال لم يستخلف رسول الله صلى الله علبه وسلم بالخبر المأثور عن عبد الله بن عمر عن أبيه أنه قال ان استخلف فقد استخلف من هو خير مني يعني أبا بكر وإن لا استخلف فلم يستخلف من هو خير مني يعني رسول الله صلى الله عليه و سلم وبما روي عن عائشة رضي الله عنها أمن كان رسول الله صلى الله عليه و سلم مستخلفا لو استخلف فمن المحال أن يعارض الإجماع من الصحابة الذي ذكرنا والأثران الصحيحان المسندان إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم من لفظة بمثل هذين الأثرين الموقوفين على عمر وعائشة رضي الله عنهما

مما لا يقوم به حجة ممالة وجه ظاهر من أن هذا الأثر خفي على عمر رضي الله عنه كما خفي عليه كثير من أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم كالاستئذان وغيره أو أنه أراد استخلافا بعد مكتوب ونحن نقر أن استخلاف أبي بكر لم يكن بكتاب مكتوب واما الخبر في ذلك عن عائشة فكذلك نصا وقد يخرج كلامها على سؤال سائل وانما الحجة في روايتها لا في قولها وأما من ادعى أنه إنما قدم قياسا على تقديمه إلى الصالة فباطل بيقين لأنه ليس كل من استحق الإمامة في الصالة يستحق الإمامة في الخلافة إذ يستحق الإمامة في الصلاة اقرأ القوم وإن كان أعجميا او عربيا ولا يستحق الخلافة إلا فرشى فكيف والقياس كله باطل
قال أبو محمد في نص القرآن دليل على صحة خلافة أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم وعلى وجوب الطاعة لهم وهو أن الله تعالى قال مخاطبا لنبيه صلى الله عليه و سلم في الأعراب فإن رجعك الله إلى طائفة منهم فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا وكان نزول سورة براءة التي فيها هذا الحكم بعد غزوة تبوك بلا شك التي لا تخلف فيها الثلاثة المعذورون الذين تاب الله عليهم في سورة براءة ولم يغز عليه السلام بعد غزوة تبوك إلى ان مات صلى الله عليه و سلم وقال تعالى أيضا سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم يريدون أن يبدلوا كلام الله قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل فبين أن العرب لا يغزون مع رسول الله صلى الله عليه و سلم بعد تبوك لهذا ثم عطف سبحانه وتعالى عليهم أثر منعه إياهم من الغزو مع رسول الله صلى الله عليه و سلم وغلق باب التوبة فقال تعالى قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون فإن تطيعوا يؤتكم الله أجرا حسنا وإن تتولوا كما توليتم من قبل يعذبكم عذابا أليما فأخبر تعالى أنهم سيدعوهم غير النبي صلى الله عليه و سلم إلى قوم يقاتلونهم أو يسلمون ووعدهم على طاعة من دعاهم إلى ذلك بجزيل الأجر العظيم وتوعدهم على عصيان الداعي لهم إلى ذلك العذاب الأليم
قال أبو محمد وما دعا أولئك الأعراب أحد بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى قوم يقاتلونهم أو يسلمون إلا أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم فإن أبا بكر رضي الله عنه دعاهم إلى قتال مرتدي العرب بني حنيفة وأصحاب الأسود وسجاع وطليحة والروم والفرس وغيرهم ودعاهم عمر إلى قتال الروم والفرس وعثمان دعاهم إلى قتال الروم والفرس والترك فوجب طاعة أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم بنص القرآن الذي لا يحتمل تأويلا وإذ قد وجبت طاعتهم فرضا فقد صحت إمامتهم وخلافتهم رضي الله عنهم وليس هذا بموجب تقليدهم في غير ما أمر ا لله تعالى بطاعتهم فيه لأن الله تعالى لم يأمر بذلك إلا في دعائهم إلى قتال هؤلاء القوم وفيما يجب الطاعة فيه للأئمة جملة وبالله تعالى التوفيق وأما ما أفتوا به بإجتهادهم فما أوجبوهم قط اتباع أقوالهم فيه فكيف أن يوجب ذلك غيرهم وبالله تعالى التوفيق وأيضا فإن هذا إجماع الأئمة كلها إذ ليس أحد من أهل العلم إلا وقد خالف بعض فتاوى هؤلاء الأئمة الثلاثة رضي الله عنهم فصح ما ذكرنا والحمد لله رب العالمين
فصل قال أبو محمد وجميع فرق أهل القبلة ليس منهم أحد يجيز إمامة امرأة ولا إمامة صبي لم يبلغ إلا الرافضة فإنها تجيز إمامة الصغير الذي لم يبلغ والحمل في بطن أمه وهذا خطأ لأن من لم يبلغ فهو غير مخاطب والإمام مخاطب بإقامة الدين وبالله تعالى التوفيق وقال الباقلاني واجب أن يكون الإمام أفضل الأمة

قال أبو محمد وهذا هو خطأ متيقن لبرهانين أحدهما أنه لا يمكن أن يعرف الأفضل إلا بالظن في ظاهر أمره وقد قال تعالى إن الظن لا يغني من الحق شيئا والثاني أن قريشا قد كثرت وطبقت الأرض من أقصى المشرق إلى أقصى المغرب ومن الجنوب إلى الشمال ولا سبيل أن يعرف الأفضل من قوم هذا مبلغ عددهم بوجه من الوجوه ولا يمكن ذلك أصلا ثم يكفي من بطلان هذا القول إجماع الأمة على بطلانه فإن جميع من أدرك من الصحابة رضي الله عنه من جميع المسلمين في ذلك العصر قد أجمعوا على صحة إمامة الحسن أو معاوية وقد كان في الناس أفضل منهم بلا شك كسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد وابن عمرو وغيرهم فلو كان ما قاله الباقلاني حقا لكانت إمامة الحسن ومعاوية باطله وحاشا لله عز و جل من ذلك وأيضا فإن هذا القول الذي قاله هذا المذكور دعوى فاسدة ولا على صحتها دليل لا من قرآن ولا من سنة صحيحة ولا سقيمة ولا من قول صاحب ولا من قياس والعجب كله أن يقول أنه جائز أن يكون في هذه الأمة من هو أفضل من رسول الله صلى الله عليه و سلم من حيث بعث إلى أن مات ثم لا يجيز أن يكون أحد أفضل من الإمام
قال أبو محمد وهذا القول منه في النبي صلى الله عليه و سلم كفر مجرد ولا خفاء به وفيه خلاف لأهل الإسلام وإنما يجب أن يكون الإمام قرشيا بالغا ذكرا مميزا بريئا من المعاصي الظاهرة حاكما بالقرآن والسنة فقط ولا يجوز خلعه ما دام يمكن منعه من الظلم فإن لم يمكن إلا بإزالته ففرض أن يقام كل ما يوصل به إلى دفع الظلم لقول الله تعالى وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان وبالله تعالى التوفيق

=================

ج4. كتاب : الفصل في الملل والأهواء والنحل علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري


الكلام في وجوه الفضل والمفاضلة بين الصحابة قال أبو محمد اختلف المسلمون فيمن هو أفضل الناس بعد الأنبياء عليهم السلام فذهب بعض أهل السنة وبعض أهل المعتزلة وبعض المرجئة وجميع الشيعة إلى أن أفضل الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم علي بن أبي طالب وقد روينا هذا القول نصا عن بعض الصحابة رضي الله عنهم وعن جماعة من التابعين والفقهاء وذهبت الخوارج كلها وبعض أهل السنة وبعض المعتزلة وبعض المرجئة إلى أن أفضل الصحابة بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم أبو بكر وعمر وروينا عن أبي هريرة رضي الله عنه أن أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم جعفر بن أبي طالب وبهذا قال عاصم النبيل وهو الضحاك بن مخلد وعيسى بن حاضر قال عيسى وبعد جعفر حمزة رضي الله عنه وروينا عن نحو عشرين من الصحابة أن أكرم الناس على رسول الله صلى الله عليه و سلم علي بن أبي طالب والزبير بن العوام وروينا عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها مات رسول الله صلى الله عليه و سلم وثلاث رجال لا يعد أحد عليهم بفضل سعد بن معاذ وأسيد بن حضير وعباد بن بشر وروينا عن أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها تذكرت الفضل ومن هو خير فقالت ومن هو خير من أبي سلمة أول بيت هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم وروينا عن مسروق بن الأجدع أو تميم بن حذلم وإبراهيم النخعي وغيرهم أنأفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم عبد الله بن مسعود قال تميم وهو من كبار التابعين رأيت أبا بكر وعمر فلما رأيت مثل عبد الله بن مسعود وروينا عن بعض من أدرك النبي صلى الله عليه و سلم أن أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم عمر بن الخطاب وأنه أفضل من أبي بكر رضي الله عنهما وبلغني عن محمد بن

عبد الله الحاكم النيسابوري أنه كان يذهب إلى هذا القول قال داود بن علي الفقيه رضي الله عنه أفضل الناس بعد الأنبياء أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم وأفضل الصحابة الأولون من المهاجرين ثم الأولون من الأنصار ثم من بعدهم منهم ولا نقطع على إنسان منهم بعينه أنه أفضل من آخر من طبقته ولقد رأينا من متقدمي أهل العلم ممن يذهب إلى هذا القول وقال لي يوسف بن عبد الله بن عبد البر النميري غير ما مرة أن هذا هو قوله ومعتقده
قال أبو محمد والذي نقول به وندين الله تعالى عليه ونقطع على أنه الحق عند الله عز و جل أن أفضل الناس بعد الأنبياء عليهم السلام نساء رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم أبو بكر ولا خلاف بين أحد من المسلمين في أن أمة محمد صلى الله عليه و سلم أفضل الأمم لقول الله عز و جل كنتم خير أمة أخرجت للناس وإن هذه قاضية على قوله تعالى لبني إسرائيل وفضلناكم على العالمين وإنها مبينة لأن مراد الله تعالى من ذلك عالم الإمم حاشا هذه الأمة
قال أبو محمد ثم نقول وبالله تعالى التوفيق أن ا لكلام المهمل دون تحقيق المعنى المارد بذلك الكلام فإنه طمس للمعاني وصد عن إدراك الصواب وتعريج عن الحق وإبعاد عن الفهم وتخليط عمي فلنبدأ بعون الله تعالى وتأييد بتقسيم وجوه الفضل التي بها يستحق التفاضل فإذا استبان معنى الفضل وعلى ماذا تقع هذه اللفظة فبالضرورة نعلم حينئذ أن من وجدت فيه هذه الصفات أكثر فهو بلا شك فنقول ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم أن ا لفضل ينقسم إلى قسمين لا ثالث لهما فضل اختصاص من الله عز و جل بلا عمل وفضل مجازاة من الله تعالى بعمل فأما فضل الاختصاص دون عمل فإنه يشترك فيه جميع المخلوقين من الحيوان الناطق والحيوان غير الناطق والجمادات كفضل الملائكة في ابتداء خلقهم على سائر الخلق وكفضل الأنبياء على سائر الجن والإنس وكفضل إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه و سلم على سائر الأطفال وكفضل ناقة صالح عليه السلام على سائر النوق وكفضل ذبيحة إبراهيم عليه السلام على سائر الذبائح وكفضل مكة على سائر البلاد وكفضل المدينة بعد مكة على غيرها من البلاد وكفضل المساجد على سائر البقاع وكفضل الحجر الأسود على سائر الحجارة وكفضل شهر رمضان على سائر الشهور وكفضل يوم الجمعة عرفة وعاشوراء والعشر على سائر الأيام وكفضل ليلة القدر على سائر الليالي وكفضل صلاة الفرض على النافلة وكفضل صلاة العصر وصلاة ا لصبح على سائر الصلوات وكفضل السجود على القعود وكفضل بعض الذكر على بعض فهذا فضل الاختصاص المجرد بلا عمل فأما فضل المجازاة بالعمل فلا يكون البتة إلا للحي الناطق من الملائكة والإنس والجن فقط وهذا هو القسم الذي تنازع فيه في هذا الباب الذي نتكلم فيه الأن من أحق به فوجب أن ننظر أيضا في أقسام هذا القسم التي بها يستحق الفضل فيه والتقدم فنحصرها ونذكرها بحول الله وقوته ثم ننظر حينئذ من هو أحق به وأسعد بالبسوق فيه فيكون بلا شك أفضل ممن هو أقل حظا فيها بلا شك وبالله تعالى التوفيق فنقول وبالله تعالى نستعين أن العامل في عمله بسبعة أوجه لا ثامن لها وهي المائية وهي عين العمل وذاته والكمية وهي العرض في العمل والكيفية والكم والزمان والمكان والإضافة فأما المائية فهي أن تكون الفروض من أعمال أحدهما موفاة كلها ويكون الأخر يضيع بعض فروضه وله نوافل أو يكون كلاهما وفي جميع فرضه ويعملان نوافل زائدة إلا أن نوافل أحدهما أفضل من نوافل

الآخر كأن يكون أحدهما يكثر الذكر في الصلاة والآخر يكثر الذكر في حال جلوسه وما أشبه هذا وكإنسانين قاتل أحدهما في المعركة والموضع المخوف وقاتل الآخر في الردة أو جاهد أحدهما واشتغل الآخر بصيام وصلاة تطوع أو يجتهدان فيصادف أحدهما ويحرمه الآخر فيفضل أحدهما الآخر في هذه الوجوه بنفس عمله أو بأن ذات عمله أفضل من ذات عمل الآخر فهذا هو التفاضل في المائية من العمل وأما الكمية وهي العرض فأن يكون أحدهما يقصد بعمله وجه الله تعالى لا يمزج به شيئا البتة ويكون الآخر يساويه في جميع عمله إلا أنه ربما مزج بعمله شيئا من حب البر في الدنيا وأن يستدفع بذلك الأذى عن نفسه وربما مزجه بشيء من الرياء ففضله الأول بعرضه في عمله وأما الكيفية فأن يكون أحدهما يوفي عمله جميع حقوقه ورتبه لا منتقصا ولا متزيدا ويكون الآخر ربما انتقص بعض رتب ذلك العمل وسنته وإن لم يعطل منه فرضا أو يكون أحدهما يصفي يصفي عمله من الكبائر وربما بما أتى الآخر ببعض الكبائر ففضله الآخر بكيفية عمله وأما لكم فإن يستوا في أداء الفرض ويكون أحدهما أكثر نوافل ففضله هذا بكثرة عدد نوافله كما روى في رجلين أسلما وهاجرا أيام رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم استشهد أحدهما وعاش الآخر بعده سنة ثم مات على فراشه فرأى بعض أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم أحدهما في النوم وهو آخرهما موتا في أفضل من حال الشهيد فسأل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال عليه السلام كلام معناه فأين صلاته وصيامه بعده ففضل أحدهما الآخر بالزيادة التي زادها عليه في عدد أعماله وأما الزمان فكمن عمل في صدر الإسلام أو في عام المجاعة أو في وقت نازلة بالمسلمين وعمل غيره بعد قوة الإسلام وفي زمن رخاء وأمن فإن الكلمة في أول الإسلام والتمرة والصبر حينئذ وركعة في لك الوقت تعدل إجتهاد الأزمان الطوال وجهادها وبذل الأموال الجسام بعد ذلك ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه و سلم دعوا إلى أصحابي فلو كان لأحدكم مثل أحد ذهبا فأنفقه ما بلغ مد أحدهم ولا نيصفه فكان نصف مد شعيرا وتمر في ذلك الوقت أفضل من جبل أحد ذهبا ننفقه نحن في سبيل الله عز و جل بعد ذلك قال الله تعالى لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى
قال أبو محمد هذا في الصحابة فيما بينهم فكيف بمن بعدهم معهم رضي الله عنهم أجمعين
قال أبو محمد وهذا يكذب قول أبي هاشم محمد بن علي الجبائي وقول محمد بن الطيب الباقلاني فإن الجبائي قال جائز أن طال عمر امرئ يعمل ما يوازي عمل نبي من الأنبياء وقال الباقلاني جائز أن يكون في الناس من هو أفضل من رسول الله صلى الله عليه و سلم من حيث بعث بالنبوة إلى أن مات
قال أبو محمد وهذا كفر مجرد وردة وخروج عن دين الإسلام بلا مرية وتكذيب لرسول الله صلى الله عليه و سلم في إخباره أنا لا ندرك أحد من اصحابه وفي إخباره عليه السلام عن أصحابه رضي الله عنهم بأنه ليس مثلهم وأنه اتقاهم لله واعلمهم بما يأتي وما يذر وكذلك قالت الخوارج والشيعة فإن الشيعة يفضلون أنفسهم وهم شر خلق الله عز و جل على أبي بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وعائشة وجميع الصحابة رضي الله عنهم حاشا عليا والحسن والحسين وعمار بن ياسر والخوارج يفضلون أنفسهم وهم شر خلق الله تعالى وكلاب النار على عثمان

وعلى طلحة والزبير ولقد خاب من خالف كلام الله تعالى وقضاء رسول الله صلى الله عليه و سلم
قال أبو محمد وكذلك القليل من الجهاد والصدقة في زمان الشدائد أفضل من كثيرهما في وقت القوة والسعة وكذلك صدقة المرء بدرهم في زمان فقر وصحته يرجو الحياة ويخاف الفقر أفضل من الكبير يتصدق به في عرض غناه وفيه وصيته بعد موته وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه و سلم سبق درهم مائة ألف وهو إنسان كان له درهمان تصدق بأحدهما والآخر عمد إلى عرض ماله تصدق منه بمائة ألف وكلك صبر المرء على أداء الفرائض في حال خوفه ومرضه وقليل تنفله في زمان مرضه وخوفه أفضل من عمله وكثير تنفله في زمان صحته وأمنه ففضل من ذكرنا غيرهم بزمان عملهم وكذلك من وفق لعمل الخير في زمان آخر أجله هو أفضل ممن خلط في زمان آخر أحله وأما المكان فكصلاة في المسجد الحرام أو مسجد المدينة فهما أفضل من ألف صلاة فيما عداهما وتفضل الصلاة في المسجد الحرام على الصلاة في مسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم بمائة درجة وكصيام في بلد العدو أو في الجهاد على صيام في غير الجهاد ففضل من عمل في المكان الفاضل غيره ممن عمل في غير ذلك المكان بمكان عمله وأن تساوى العملان وأما الإضافة فركعة من نبي أو ركعة مع نبي أو صدقة من نبي أو صدقة معه أو ذكر منه أو ذكر معه وسائر أعمال البر منه أو معه فقليل من ذلك أفضل من كثير الأعمال بعده ويبين ذلك ما قد ذكرنا آنفا من قول الله عز و جل لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل وإخباره عليه السلام أن أحدنا لو أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ نصف مد من أحد من الصحابة رضي الله عنهم
قال أبو محمد وبهذا قطعنا على أن كل عمل عملوه بأنفسهم بعد موت النبي صلى الله عليه و سلم لا يوازي شيئا من البر عمله ذلك الصاحب بنفسه مع النبي صلى الله عليه و سلم ولا ما عمله غير ذلك الصاحب بعد النبي صلى الله عليه و سلم ولو كان غير ما نقول لجاز أن يكون أنس وأبو أمامة الباهلي وعبد الله بن أبي أوفى وعبد الله بن بسر وعبد الله بن الحارث بن حزم وسهل بن سعد الساعدي رضي الله عنهم أفضل من أبي بكر وعمر وعثمان وأبي عبيدة وزيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب ومصعب بن عمير وعبد الله بن جحش وسعد بن معاذ وعثمان بن مظعون وسائر السابقين من المهاجرين والأنصار المتقدمين رضي الله عنهم أجمعين لأن بعض أولئك عبدوا الله عز و جل بعد موت أولئك بعضهم بعد موت بعض بتسعين عاما فما بين ذلك إلى خمسين عاما وهذا مالا يقوله أحد يعتد به
قال أبو محمد وبهذا قطعنا على أن من كان من الصحابة حين موت رسول الله صلى الله عليه و سلم أفضل من آخر منهم فإن ذلك المفضول لا يلحق درجة الفاضل له حينئذ أبدا وأن طال عمر المفضول وتعجل موت الفاضل وبهذا أيضا لم نقطع على فضل أحد منهم رضي الله عنهم حاشا من ورد فيه النص من النبي صلى الله عليه و سلم ممن مات منهم في حياة النبي صلى الله عليه و سلم بل نقف في هؤلاء على ما نبينه بعد هذا إن شاء الله تعالى
قال أبو محمد فهذه وجوه الفضائل بالأعمال التي لا يفضل ذو عمل ذا عمل فيما سواها البتة ثم نتيجة هذه الوجوه كلها وثمرتها ونتيجة فضل الإختصاص المجرد دون عمل أيضا لا ثالث لهما البتة أحدهما إيجاب لاله تعالى تعظيم الفاضل في الدنيا على المفضول فهذا الوجه يشترك فيه كل فاضل بعمل أو إختصاص مجرد بلا عمل من عرض أو جماد أو حي ناطق أو غير ناطق

وقد أمرنا الله تعالى بتعظيم الكعبة والمساجد ويوم الجمعة والشهر الحارم وشهر رمضان وناقة صالح وإبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه و سلم وذكر الله والملائكة والنبيين على جميعهم صلوات الله وسلامه والصحابة أكثر من تعظيمنا وتوقيرنا غير ما ذكرنا ومن ذكرنا من المواضع والأيام والنوق والأطفال والكلام والناس هذا ما لا شك فيه وهذا خاصة كل فاضل لا يخلو منها فاضل أصلا ولا يكون البتة إلا الفاضل والوجه الثاني هو إيجاب الله تعالى لفاضل درجة في الجنة أعلى من درجة المفضول إذ لا يجوز عند أحد من خلق الله تعالى أن يأمر بإجلال المفضول أكثر من إجلال الفاضل ولا أن يكون المفضول إلى درجة في الجنة من الفاضل ولو جاز ذلك لبطل معنى الفضل جملة ولكان لفظا لا حقيقة له ولا معنى تحية وهذا الوجه الثاني الذي هو علو الدرجة في الجنة هو خاصة لكل فاضل يعمل فقط من الملائكة والإنس والجن وبالله تعالى التوفيق
قال أبو محمد فكل ما هو مأمور بتعظيمه فاضل وكل فاضل فمأمور بتعظيمه وليس الإحسان والبر والتوقير والتذلل المفترض في الأبوين الكافرين من التعظيم في شيء فقد يحسن المرء إلى من لا يعظم ولا يهبن كإحسان المرء إلى جاره وغلامه وأجيره ولا يكون ذلك تعظيما وقد يبر الإنسان جاره والشيخ من أكرته 1 ولا يسمى ذلك تعظيما وقد يوفر الإنسان من يخاف ضره ولا يسمى ذلك تعظيما وقد يتذذلل الإنسان للمتسلط الظالم ولا يسمى ذلك تعظيما وفرض على كل مسلم البراءة من أبويه الكافرين وعداوتهما في الله عز و جل قال الله عز و جل لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو أخوانهم أو عشريتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيديهم بروح منه وقال عز و جل قد كانت لكم اسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم أنا براء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده وقال عز و جل وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرء منه أن إبراهيم لأواه حليم فقد صح بيقين أن ما وجب للأبوين الكافرين من بر وإحسان وتذلل ليس هو التعظيم الواجب لمن فضله الله عز و جل لأن التعظيم الواجب لمن فضله الله عز و جل هو مودة في الله ومحبة فيه وولاية له وأما البر الواجب للأبوين الكافرين والتذلل لهما والإحسان إليهما فكل ذلك مرتبط بالعداوة ولله تعالى وللبراءة منه وإسقاط المودة كما قاله تعالى في نص القرآن وبالله تعالى التوفيق
قال أبو محمد وقد يكون دخول الجنة اختصاص مجردا دون عمل وذلك للأطفال كما ذكرنا قبل فإذ قد صح ما ذكرنا قبل يقينا بلا خلاف من أحد في شيء منه فبيقين ندري أنه لا تعظيم يستحقه أحد من الناس في الدنيا بإيجاب الله تعالى علينا بعد التعظيم الواجب علينا للأنبياء عليهم السلام أوجب ولا أوكد مما ألزمناه الله تعالى من التعظيم الواجب علينا لنساء النبي صلى الله عليه و سلم بقول الله تعالى النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهامتهم فأوجب الله لهن حكم الأمومة على كل مسلم هذا سوى حق إعظامهن بالصحبة مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فلهن رضي الله تعالى عنهن مع ذلك حق الصحبة له كسائر الصحابة إلا أن لهن من الإختصاص في الصحبة ووكيد الملازمة له عليه السلام ولطيف المنزلة عنده عليه السلام والقرب منه والحظوة لديه ما ليس لأحد من الصحابة رضي الله عنهم فمن أعلى

درجة في الصحبة من جميع الصحابة ثم فضلهن سائر الصحابة بحق زائد وهو حق الأمومة الواجب لهن كلهن بنص القرآن لهن كلهن بنص القرآن فوجدنا الحق الذي به استحق الصحابة الفضل قد شاركنهم فيه وفضلهم فيه أيضا ثم فضلنهم بحق زائد و هو حق الأمومة ثم وجدناهن لا عمل من الصلاة والصدقة والصيام والحج وحضور الجهاد يسبق فيه صاحب من الصحابة إلا كان فيهن فقد كن يجهدن أنفسهن في ضيق عيشهن على الكد في العمل بالصدقة والعتق ويشهدن الجهاد معه عليه السلام وفي هذا كفاية بينة في أنهن أفضل من كل صاحب ثم لا شك عند كل مسلم وبشهادة نص القرآن إذ لا خيره الله عز و جل بين الدنيا وبين الدار الآخرة والله ورسوله فاخترن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه و سلم والدار الآخرة فهن أزواجه في الآخرة بيقين فإذا هن كذلك معه صلى الله عليه و سلم بلا شك في درجة واحدة في الجنة في قصوره وعلى سرره إذ لا يمكن البتة أن يحال بينه وبينهن في الجنة ولا أن ينحط عليه السلام إلى درجة يسفل فيها عن أحد من الصحابة هذا ما لا يظنه مسلم فإذا لا شك في حصولهن على هذه المنزلة فالبعض والإجماع علمنا أنهن لم يؤتين ذلك اختصاصا مجردا دون عمل بل باستحقاقهن لذلك باختيارهن الله ورسوله والدار الآخرة إذ أمره الله عز و جل أن يخيرهن فاخترن الله عز و جل ونبيه صلى الله عليه و سلم وهو أفضل الناس ثم قد حصل لهن أفضل الأعمال في جميع الوجوه السبعة التي قدمنا أنفا أنه لا يكون التفاضل إلا بها في الأعمال خاصة ثم قد حصل لهن على ذلك أوكد التعظيم في الدنيا ثم قد حصل لهن أرفع الدرجات في الآخرة فلا وجه من وجوه الفضل إلا ولهن فيه أعلى الحظوظ كلها بلا شك ومارية أم إبراهيم داخلة معهن في ذلك لأنها معه عليه السلام في الجنة ومع ابنها منه بلا شك فإذ قد ثبت كل ذلك على رغم الأبي فقد وجب ضرورة أن يشهد لهن كلهن بأنهن أفضل من جميع الحلق كلهن بعد الملائكة والنبيين عليهم السلام وكيف ومعنا نص النبي صلى الله عليه و سلم كما حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الله الطلمنكي ثنا محمد بن أحمد بن مفرج ثنا محمد بن أيوب الرقي الصموت ثنا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق الزار ثنا أحمد بن عمر وحدثنا المعتمر بن سليمان التميمي ثنا حميد الطويل عن أنس بن مالك قال قيل يا رسول الله من أحب الناس إليك قال عائشة قال من الرجال قال فأبوها حدثنا عبد الله بن يوسف بن نامي قال حدثنا أحمد بن فتح حدثنا عبد الوهاب بن قيس حدثنا أحمد بن محمد الأشقر حدثنا أحمد بن علي القلانسي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا يحيى بن يحيى بن خالد بن عبد الله هو الطلحان عن خالد الحذاء عن أبي عثمان النهدي قال أخبرني عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعثه إلى جيش ذات السلاسل قال فأتيته فقلت أي الناس أحب إليك فقال عائشة قلت من الرجال قال أبوها قلت ثم من قال عمر فعد رجالا فهذان عدلان أنس وعمر ويشهدان أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أخبر بأن عائشة أحب الناس إليه ثم أبوها وقد قال عز و جل عليه السلام وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى فصح أن كلامه عليه السلام أحب الناس إليه وحي أوحاه الله تعالى إليه ليكون كذلك ويخبر بذلك لا عن هوى له ومن ظن ذلك فقد كذب الله تعالى لكن لاستحقاقها لذلك الفضل في الدين والتقديم فيه على جميع الناس الموجب لأن يحبها رسول الله صلى الله عليه و سلم أكثر من محبته لجميع الناس فقد فضلها رسول الله صلى الله عليه و سلم على أبيها وعلى عمرو وعلى علي وعلى فاطمة تفضيلا ظاهرا بلا شك فإن قال قائل فقل أن إبراهيم ابن

رسول الله صلى الله عليه و سلم أفضل من أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم لكونه مع أبيه عليه السلام في الجنة في درجة واحدة قلنا له وبالله تعالى التوفيق أن إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه و سلم ما إستحق تلك المنزلة بعمل كان منه وإنما هو اختصاص مجرد وإنما تقع المفاضلة بين الفاضلين إذا كان فضلهما واحدا من وجه واحد فتفاضلا فيه وأما إن كان الفضل من المفاضلة بين الفاضلين إذا كان فضلهما واحدا من وجه واحد فتفاضلا فيه وأما إن كان الفضل من وجهين اثنين فلا سبيل إلى المفاضلة بينهما لأن معنى قول القائل أي هذين أفضل إنما هو أي هذين أكثر أوصافا في الباب الذي اشتركا فيه ألا ترى أنه لا يقال أيهما أفضل رمضان أو ناقة صالح ولا أيهما أفضل الكعبة أو الصلاة بل نقول أيهما أفضل مكة أو المدينة وأيهما أفضل رمضان أو ذو الحجة وأيهما أفضل الزكاة أم الصلاة وأيهما أفضل ناقة صالح أو ناقة غيره من الأنبياء فقد صح أن التفاضل إنما يكون في وجه اشتراك فيه المسؤل عنهما فسبق أحدهما فيه فاستحق أن يكون أفضل وفضل إبراهيم ليس على عمل أصلا وإنما هو اختصاص مجرد وإكرام لأبيه صلى الله عليه و سلم وأما نساؤه عليه السلام فكونهن وكون سائر أصحابه عليهم السلام في الجنة إنما هو جزاء لهن ولهم على أعمالهن و أعمالهم قال الله بعد ذكر الصحا رضي الله عنهم جزاء بما كانوا يعملون وقال بعد ذكر الصحابة وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما وقال تعالى مخاطبا لنسائه عليه السلام ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا يؤتها أجرها مرتين وهذا نص قولنا ولله الحمد وقال تعالى وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون وقال تعالى غرف من فوقها غرف مبنية وقال تعالى وإن ليس للإنسان إلا ما سعى وإن سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى فإن قال قائل فكيف تقولون في قوله عليه السلام لن يدخل الجنة أحد بعمله قيل ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل قلنا نعم هذا حق موافق للآيات المذكورة وهكذا نقول أنه لو عمل الإنسان دهره كله ما استحق على الله تعالى شيئا لأنه لا يجب على الله تعالى شيء إذ لا موجب للأشياء الواجبة غيره تعالى لأنه المبتدئ لكل ما في العالم والخالق له فلولا أن الله تعالى رحم عباده فحكم بأن طاعتهم له يعطيهم بها الجنة لما وجب ذلك عليه فصح أنه لا يدخل أحد الجنة بعمله مجردا دون رحمة الله تعالى لكن يدخلها برحمة لله تعالى التي جعل بها الجنة جزاء على أعمالهم التي أطاعوه بها ما اتفقت الآيات مع هذا الحديث والحمد لله رب العالمين
قال أبو محمد فإذا لا شك في هذا كله فقد امتنع يقينا أن يجازى بالأفضل من كان أنقص فضلا وأن يجارى بالأنقص من كان أتم فضلا وصح ضرورة أنه لا يجزى أحد من أهل الأعمال في الجنة إلا بم استحقه برحمة الله تعالى جزاء على عمله ولله تعالى أن يتفضل على من شاء بما شاء وجائز أن يقدم على ذوي الأعمال الرفيعة قال تعالى يختص برحمته من يشاء وقال تعالى ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء فلا يجوز خلاف هذه النصوص لأحد لأن من خالفها كذب القرآن ولولا هذه النصوص لما أبعدنا أن يعذب الله تعالى على الطاعة له وأن ينعم على معصيته وأن يجازي الأفضل بالأنقص والأنقص بالأفضل لأن كل شيء ملكه وخلقه لا مالك لشيء سواه ولا معقب لحكمه ولا حق لأحد عليه لكن قد أمنا ذلك كله بإخبار الله تعالى أنه لا يجازى ذا عمل إلا بعمله وأنه يتفضل على من يشاء فلزم الإقرار بكل ذلك وبالله تعالى التوفيق فلو قال قائل إنما فضل في الجنة وأعلى قدرا مكان إبراهيم ابن رسول

الله عليه وسلم أو مكان أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم قلنا مكان إبراهيم أعلى بلا شك ولكن ذلك المكان اختصاص مجرد لإبراهيم المذكور لم يستحقه بعمل ولا استحق أيضا أن يقصر به عنه ومواضيع هؤلاء المذكورين جزآء لهم على قدر فضلهم وسوابقهم وكذلك نساؤه صلى الله عليه و سلم مكانهم جزاء لهن على قدر فضلهن وسوابقهن فلا يقال أن إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه و سلم أفضل من أبي بكر أو عمر ولا يقال أيضا أن أبا بكر وعمر أفضل من إبراهيم والمفاضلة واقعة بين الصحابة وبين نساء رسول الله صلى الله عليه و سلم لأن أعمالهم وسوابقهم لها مراتب متناسبة بلا شك فإن قال قائل أنهن لولا رسول الله صلى الله عليه و سلم ما حصلن تلك الدرجة وإنما تلك الدرجة له عليه السلام قلنا وبالله تعالى التوفيق نعم ولا شك أيضا في أن جميع الصحابة لولا رسول الله صلى الله عليه و سلم ما حصلوا على الدرج التي لهم فيها فإنما هي إذ على قولكم لرسول الله صلى الله عليه و سلم كما قلتم ولا فرق وبقي الفضل والتقدم لهن كما كان في كل ذلك ولا فرق
قال أبو محمد وأما فضلهن على بنات النبي صلى الله عليه و سلم فبين بنص القرآن لا شك فيه قال الله عز و جل يا نساء النبي لستن كأحد من النساء أن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فهذا بيان قاطع لا يسع أحدا جهله فإن عارضنا معارض يقول رسول الله صلى الله عليه و سلم خير نسائها فاطمة بنت محمد قلنا له وبالله تعالى التوفيق في هذا الحديث بيان جلي لما قلنا وهو أنه عليه السلام لم يقل خير النساء فاطمة وإنما قال خير نسائها فخص ولم يعم وتفضيل الله عز و جل النساء النبي صلى الله عليه و سلم على النساء على عموم ولا خصوص لا يجوز أن يستثنى منه أحدا من استثناء نص آخر فصح أنه عليه السلام إنما فضل فاطمة على نساء المؤمنين بعد نسائه صلى الله عليه و سلم فاتفقت الآية مع الحديث وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام فهذا أيضا عموم موفق الآية ووجب أن يستثنى ما خصه النبي صلى الله عليه و سلم بقوله نسائها من هذا العموم فصح أن نساءه عليه السلام ما خصه النبي صلى الله عليه و سلم بقوله نسائها من هذا العموم فصح أن نساءه عليه السلام أفضل النساء جملة حاشا اللواتي خصهن الله تعالى بالنبوة كأم إسحاق وأم موسى وأم عيسى عليهم السلام وقد نص الله تعالى على هذا بقوله الصادق يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين ولا خلاف بين المسلمين في أن جميع الأنبياء كل نبي منهم أفضل ممن ليس نبي من سائر الناس ومن خالف هذا فقد كفر وكذلك أخبر عليه السلام فاطمة أنها سيدة نساء المؤمنين ولم يدخل نفسه صلى الله عليه و سلم في هذه الجملة بل أخبر عمن سواه وبرهان آخر وهو قول الله تعالى مخاطبا لهن ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين
قال أبو محمد فهذا فضل ظاهر وبيان لائح في أنهن أفضل من جميع الصحابة رضي الله عنهم وبهذه الآية صحة متيقنة لا يمتري فيها مسلم فأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وفاطمة وسائر الصحابة رضي الله عنهم إذا عمل الواحد منهم عملا يستحق عليه مقدارا ما من الأجر وعملت امرأة من نساء النبي صلى الله عليه و سلم مثل ذلك العمل بعينه كان لها مثل ذلك المقدار من الأجر فإذا كان نصيف الصحابي وفاطمة رضي الله عنهم بفي بأكثر من مثل جبل أحد ذهبا ممن بعده كان للمرأة من نسائه عليه السلام في نصيفها أكثر من مليء جبلين اثنين مثل جبل أحد ذهبا وهذه فضيلة ليست لأحد بعد الأنبياء عليهم السلام إلا هن وقد صح عن النبي صلى

الله عليه وسلم أنه يوعك كوعك رجلين من أصحابه لأن له 1 على ذلك كفاين من الأجر
قال أبو محمد وليس بعد هذا بيان في فضلهن على كل أحد من الصحابة إلا من أعمى الله قلبه من الحق ونعوذ بالله من الخذلان
قال أبو محمد وقد اعترض علينا بعض أصحابنا في هذا المكان بقول الله تعالى عن أهل الكتاب إذا آمنوا أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا قال فيلزم أنهم أفضل منا فقلت له إن هذه الآية والخبر الذي فيه ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين فذكر مؤمن أهل الكتاب والعبد الناصح معتق أمته ثم يتزوجها فيهما بيان الوجه الذي أجروا به مرتين وهو الإيمان بالنبي صلى الله عليه و سلم وبالنبي الأول المبعوث بالكتاب الأول ونحن نؤمن بهذا كله كما آمنوا فنحن شركاء ذلك المؤمن منهم في ذينك الإيمانين وكذلك العبد الناصح يؤجر لطاعة سيده أجرا ولطاعة الله أجرا وكذلك معتق أمته ثم يتزوجها يؤجر على عتقه أجرا ثم يتزوجها يؤجر على عنقه أجرا ثم على نكاحه إذا أراد به وجه الله تعالى أجرا ثانيا فصح يقينا أن هؤلاء إنما يؤتون أجرهم مرتين في خاص من أعمالهم لا في جميع أعمالهم وليس في هذا ما يمنع من أن يؤجر غيرهم في غير هذه الأعمال أكثر من أجورهم وأيضا فإنما يضاعف لهؤلاء على ما عمله أهل طبقتهم وليست المضاعفة لأجور نساء النبي صلى الله عليه و سلم مرتين من هذا في ورد ولا صدر لأن المضاعفة لهن إنما هي في كل عمل عملته بنص القرآن إذ يقول القرآن يقول الله تعالى ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين فكل عمل عمله صاحب من الصحابة له فيه أجر فلكل امرأة منهن في مثل ذلك العمل أجران والمضاعفة لهن إنما تكون على ما عمله طبقتهن من الصحابة وقد علمنا أن بين الصاحب وعمل غير أعظم مما بين أحد ذهبا ونصف مد شعير فيقع لكل واحدة منهن مثلا ذلك مرتين وهذا لا يخفى على ذي حس سليم فبطأت المعارضة التي ذكرنا والحمد لله رب العالمين
قال أبو محمد واعترض علينا أيضا بعض الناس في الحديث الذي فيه أن عائشة أحب الناس إليه ومن الرجال أبوها بأن قال قد صح عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال لأسامة بن زيد أن أباه كان أحب الناس إلي وأن هذا أحب الناس إلي بعده وصح أنه عليه السلام قال للأنصار أنكم أحب الناس إلي
قال أبو محمد وأما هذا اللفظ الذي في حديث أسامة بن زيد أنه أحب الناس إليه عليه الصلاة و السلام فقد روي من طريق حماد بن سلمة عن موسى بن عقبة عن سالم عن أبيه وأما الذي فيه ذكر أسامة وزيد رضي الله عنهما فإنما رواه عمر بن حمزة عن سالم بن عبد الله عن أبيه وعمر وحمزة هذا ضعيف والصحيح من هذا الخبر هو ما رواه عبد الله بن دينار عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم بإسناد لا مغمز فيه فذكر فيه أنه صلى الله عليه و سلم قال بعني ليزيد بن حارثة وأيم الله أن كان لخليق بالإمارة وأن كان لمن أحب الناس إلي وأن هذا من أحب الناس إلي بعده وهذا يقضي على حديث موسى بن عقبة عن سالم عن أبيه لأنه مختصر من حديث عبد الله بن دينار وبهذا ينتفي التعارض بين الروايتين عن ابن عمر وعن أنس وعمر وإلا فليس أحدهما أولى من الآخر وأما حديث الأنصار فرووه كما ذكره هشام بن زيد عن أنس ورواه عبد العزيز بن صهيب عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه

وسلم أنه قال أنتم من أحب الناس إلي وهو حديث واحد وزيادة العدل مقبولة فصح بزيادة من في الحديث من طريق العدول أن الأنصار وزيدا وأسامة رضي الله عنهم من جملة قوم هم أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم وهذا حق لا يشك فيه لأنهم من أصحابه وأصحابه أحب الناس إليه بلا شك وليس هكذا جوابه في عائشة رضي الله عنها إذ سئل في أحب الناس إليك فقال عائشة فقيل من الرجال قال أبوها لأن هذا قطع على بيان ما سأل عنه السائل من معرفة من المنفرد البائن عن الناس بمحبته عليه السلام واعترض علينا بعض الأشعرية بأن قال أن الله تعالى يقول إنك لا تهتدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء فصح أن محبته عليه السلام لمن أحب ليس فضولا لأنه قد أحب عمه وهو كافر
قال أبو محمد فقلنا أن هذه الآية ليست على ما ظن وإنما مراد الله تعالى إنك لا تهتدي من أحببت أي أحييت هداه برهان ذلك قوله تعالى ولكن الله يهدي من يشاء أي من يشاء هداه وفرض على النبي صلى الله عليه و سلم وعلينا أن نحب الهدى لكل كافر لا أن نحب الكافر وأيضا فلو صح أن معنى الآية من أحببت كما ظن هذا المعترض لما كان علينا بذلك حجة لأن هذه أية مكية نزلت في أبي طالب ثم أنزل الله تعالى في المدينة لا تجد قوما يؤمنون بالله وباليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا أباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم وأنزل الله تعالى في المدينة لقد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم أنا براء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده وإن كان رسول الله صلى الله عليه و سلم أحب أبا طالب فقد حرم الله تعالى عليه بعد ذلك ونهاه عن محبته وافترض عليه عداوته وبالضرورة يدري كل ذي حس سليم أن العداوة والمحبة لا يجتمعان أصلا والمودة هي المحبة في اللغة التي بها نزل القرآن بلا خلاف من أحد من أهل اللغة فقد بطل أن يحب النبي صلى الله عليه و سلم أحدا غير مؤمن ومن قد صحت النصوص والإجماع على أن محبة رسول الله صلى الله عليه و سلم لمن أحب فضيلة وذلك كقوله عليه السلام لعلي لأعطين الرابة غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله فإذ لا شك ولا خلاف في أن محبة رسول الله صلى الله عليه و سلم بخلاف ما قال أهل الجهل والكذب فقد صح يقينا أن كان أتم حظا في الفضيلة فهو فضل ممن هو أقل حظا في تلك الفضيلة هذا شيء يعلم ضرورة فإذا كانت عائشة أتم حظا في المحبة التي هي أتم فضيلة فهي أفضل ممن حظه في ذلك أقل من حظها ولذلك لما قيل له عليه السلام من الرجال قال أبوها ثم عمر فكان ذلك موجبا لفضل أبي بكر ثم عمر على سائر الصحابة رضي الله عنهم فالحكم بالباطل لا يجوز في أن يكون يقدم أبو بكر ثم عمر في الفضل من أجل تقدمها في المحبة عليهما وما نعلم نصا في وجوب القول بتقديم أبي بكر ثم عمر على سائر الصحابة إلا هذا الخبر وحده
قال أبو محمد وقد نص النبي صلى الله عليه و سلم على ما ينكح له من النساء فذكر الحسب والمال والجمال والدين ونهى صلى الله عليه و سلم عن كل ذلك بقوله فعليك بذات الدين تربت يداك فمن المحال الممتنع أن يكون يحض على نكاح النساء واختيارهن للدين فقط ثم يكون هو عليه السلام يخالف ذلك فيحب عائشة لغير الدين وكذلك قوله عليه السلام فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام لا يحل لمسلم أن يظن في ذلك شيئا غير الفضل عند الله تعالى في الدين فوصف الرجل امرأته للرجال لا يرضى به إلا خسيس نذل ساقط ولا

يحل لمن له أدنى مسكة من عقل أن يمر هذا في باله عن فاضل من الناس فكيف عن المقدس المطهر البائن فضله على جميع الناس صلى الله عليه و سلم
قال أبو محمد ولولا أنه بلغنا عن بعض من تصدر لنشر العلم من زماننا وهو المهلب بن أبي صفرة التميمي صاحب عبد الله بن إبراهيم الأصيل أنه أشار إلى هذا المعنى القبيح وصرح به ما انطلق لنا بالإيماء إليه لسان ولكن المنكر إذا ظهر وجب على المسلمين تغييره فرضا على حسب طاقتهم وحسبنا الله ونعم الوكيل
قال أبو محمد وكذلك عرض الملك لها رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه و سلم قبل ولادتها في سرعة من حرير يقول له هذه زوجتك فيقول عليه السلام أن يكن من عند الله يمضيه فهل بعد هذا في الفضل غاية
قال أبو محمد واعترض علينا مكي بن أبي طالب المقري بأن قال يلزم على هذا أن تكون امرأة أبي بكر أفضل من علي لأن امرأة أبي بكر مع أبي بكر في الجنة في درجة واحدة وهي أعلى من درجة علي فمنزلة امرأة أبي برك أعلى من منزلة علي فهي أفضل من علي
قال أبو محمد فأجبناه بأن قلنا له وبالله تعالى نتأيد أن هذا الاعتراض ليس بشيء لوجوه أحدها أن ما بين درجة أبي بكر ودرجة علي في الفضل الموجب لعلو درجته في الجنة لعلو درجته في الجنة على درجة علي ليست من التباين بحيث ما هو بين درجة النبي صلى الله عليه و سلم وبين درجة أبي بكر في الفضل الموجب لعلو درجته عليه السلام على درجات سائر الصحابة رضي الله عنهم بل قد أيقنا أن درجة أقل رجل منا في الفضل أقرب نسبة من أعلى درجة لأعلى رجل من الصحابة من نسبة درجة أفضل الصحابة إلى درجة النبي صلى الله عليه و سلم وأيضا فليس بين أبي بكر وعلي في المباينة في الفضل ما يوجب أن تكون امرأة أبي بكر التابعة له أفضل من علي بل منازل المهاجرين الأولين الذين أوذوا في سبيل الله عز و جل متقاربة وإن تفاضلت ثم كذلك أهل السوابق مشهدا مشهدا درجهم في الفضل متقاربة وإن تفاضلت ثم منازل الأنصار الأولين متقاربة وإن تفاضلت ثم كذلك أهل السابق بعد الهجرة مشهدا مشهدا درجهم متقاربة في الفضل ثم كذلك من أسلم بعد الفتح أيضا ويزداد الأفضل فالأفضل من المشركين في المشاهد جزاء علي على ذلك فنقول أن امرأة أبي برك المستحقة بعملها الكون معه في درجته مثل أم رومان لسنا ندري أهي أفضل أم علي لأنا لا نص معنا في ذلك والتفضيل لا يعرف إلا بنص وقد قال عليه السلام حيركم القرن الذي بعثت فيه قم الذين يلونهم أو كما قال عليه السلام فجعلهم طبقات في الخير والفضل فلا شك هم كذلك في الجزاء في الجنة وإلا فكان يكون الفضل لا معنى له وقال عز و جل هل تجزون إلا ما كنتم تعملون وأيضا فلسنا نشك أن المهاجرات الأوليات من نساء الصحابة رضي الله عنهم يشاركن الصحابة في الفضل ففاضلة ومفضولة وفاضل ومفضول ففيهن من يفضل كثيرا من الرجال وفي الرجال من يفل كثيرا منهن وما ذكر الله تعالى منزلة من الفضل إلا وقرن النساء مع الرجال فيها كقوله تعالى إن المسلمين والمسلمات الآية حاشا الجهاد فإنه فرض على الرجال دون ولسنا ننكر أن يكون لأبي بكر رضي الله عنه قصور ومنازل مقدمة على جميع الصحابة ثم يكون لمن لم تستاهل من نسائه تلك المنزلة في الجنة دون منازل من هو أفضل منهن من الصحابة فقد نكح الصحابة رضي الله

عنهم التابعيات بعد الصاحبات وعليهن فتكون تلك المنازل زائدة في فضل أزواجهن من الصحابة فينزلون إليهن ثم ينصرفون إلى منازلهن العالية بل قد صح هذا عن النبي صلى الله عليه و سلم وأنه قال كلاما معناه وأكثر نصه أنه عليه السلام زعيم بيت في ربض الجنة في وسط الجنة وفي أعلى الجنة لمن فعل كذا أمرا وصفه رسول الله صلى الله عليه و سلم فصح نص ما قلنا من أن لمن دونه عليه السلام منازل عالية وأخر مسفلة عن تلك المنازل ينزلون إليها ثم يصعدون إلى الأعالي وهذا مبعد عن النبي صلى الله عليه و سلم لوجهين أحدهما أن جميع نسائه عليه السلام لهن حق الصحبة التي يشتركن فيها جميع الصحابة ويفضلنهم فيها بقرب الخاصة فليس في نسائه عليه السلام ولا واحدة يفضلها بالصحبة التي هي فضيلتهم التي بها بانوا عمن سواهم فقط وقد كفينا الباب والوجه الثاني أن تأخر بعض الصحابة عن بعضهم في بعض الأماكن موجودة وإن كان ذلك المتأخر في بعض الأماكن متقدما في مكان آخر فقد علمنا أن بلالا عذب في الله عز و جل ما لم يعذب علي وأن عليا قاتل ما لم يقاتل بلال وأن عثمان أنفق ما لم ينفق بلال ولا علي فيكون المفضول منهم في الجملة متقدما للذي فضله في بعض فضائله ولا سبيل أن يوجد هذا فيما بينهم وبين النبي صلى الله عليه و سلم ولا يجوز أن يتقدمه أحد من ولد آدم في شيء من الفضائل أولها عن آخرها ولا إلى أن يلحقه لاحق في شيء من الفضائل من بني آدم فلا سبيل إلى ينسفل النبي صلى الله عليه و سلم إلى درجة يوازيها فيها صاحب من الصحابة فكيف أن يعلو عليه الصاحب هذا أمر تقشعر منه جلود المؤمنين وقد استعظم أبو أيوب رضي الله عنه أن يسكن في غرفة على بيت يسكنه رسول الله صلى الله عليه و سلم فكيف يظن بأن هذا يكون في دار الجزاء فإذا كان العالي من الصحابة في أكثر منازله ينسفل أيضا في بعضها عن صاحب آخر قد علاه في منازل أخر على قدر تفاضلهم في أعمالهم كما ذكرنا آنفا فقد أخبر النبي صلى الله عليه و سلم أن الصائمين يدعون من باب الريان وأن المجاهدين يدعون من باب الجهاد وأن المتصدقين يدعون من باب الصدقة وأن أبا بكر يرجو له رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يدعى من جميع تلك الأبواب وقد يجوز أن يفضل أبا بكر رضي الله عنه غيره من الصحابة في بعض تلك الوجوه مما انفرد بباب منها ولا يجوز أن يفضل أحد رسول الله صلى الله عليه و سلم في شيء من أبواب البر فبطل هذا الاعتراض جملة والحمد لله رب العالمين واعترض أيضا علينا مكي بن أبي طالب بأن قال إذا كان رسول الله صلى الله عليه و سلم أفضل من موسى عليه السلام ومن كل واحد من الأنبياء عليهم السلام وكان عليه السلام أعلى درجة في الجنة من جميع الأنبياء عليهم السلام وكان نساؤه عليه السلام معه في درجته في الجنة فدرجتهن فيها أعلى من درجة موسى عليه السلام ومن درج سائر الأنبياء عليهم السلام فهن على هذا الحكم أفضل من موسى وسائر الأنبياء عليهم السلام
قال أبو محمد فأجبناه بأن هذا الإعتراض أيضا لا يلزمنا ولله الحمد لأن الجنة دار ملك وطاعة وعلو منزلة ورياسة واتباع من التابع للمتبوع كما قال عز و جل وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا وقال تعالى عن موسى عليه السلام وكان عند الله وجيها وأخبر عز و جل عن جبريل صلى الله عليه و سلم فقال ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين فقد علمنا أن ملك الدنيا غرور وأن ملك الآخرة و الحقيقة وقد أخبر عليه السلام أنه رأى الأنبياء عليهم السلام مع إتباعهم فالنبي معه الواحد والإثنان والثلاثة والنفر والجماعة فأخبر عز و جل

أن هنالك الملك الكبير والطاعة والوجاهة والإتباع والإستثمار وإنما عرض الله تعالى علينا في الدنيا من الملك طرفا لنعلم به مقدار الملك الذي في دار الجزاء كما عرض علينا من اللذات والحرير والديباج والخمر والذهب والفضة والمسك والجواري والحلي وأعلمنا أن هذا كله خالصة لنا هنالك وكما صح عن النبي صلى الله عليه و سلم أن آخر من يدخل الجنة يزكو على أعظم ملك عرفه في الدنيا فيتمنى مثل ملكه فيعطيه الله تعالى مثل الدنيا عشر مرات
قال أبو محمد فلما صح ما ذكرنا وكانت الملائكة طبقة واحدة إلا أنهم يتعاضلون فيها وكانت طبقة المرسلين النبيين طبقة واحدة لنهما أيضا يتفاضلون فيها وكل الصحابة طبقة واحدة إلا أنهم يتفاضلون فيها فوجب بلا شك أن لا يكون اتباع الرسل من النساء والأصحاب كالمتبوعين الذين هم الرسل لأن بالضرورة نعلم أن تابع الأعلى ليس لاحقا نظير متبوعه فكيف أن يكون أعلى منه كما أن التابعيات من نساء الصحابة رضي الله عنهم لا يلحقن نظراء أزواجهن من الصحابة إذ ليس هن معهم في طبقة وإنما ينظر بين أهل كل طبقة ومن هو في طبقته ونساء النبي صلى الله عليه و سلم طبقة واحدة مع الصحابة فصح التفاضل بينهم وليس واحدة منهن ولا منهم مع الأنبياء في طبقة فلم يجز أن ينظر بينهم وقد أخبر عليه السلام أنه رأى ليلة الإسراء الأنبياء عليهم السلام في السموات سماء سماء وبالضرورة نعلم أن منزلة النبي الذي هو متبوع في سماء الدنيا أمره هناك مطاع أعلى من منزلة التابع في السماء السابعة للنبي الذي هنالك وإذ قد صح عن النبي صلى الله عليه و سلم أن كل نبي يأتي مع أمته فنحن مع نبينا صلى الله عليه و سلم فإن كل ما ألزمناه مكي لازما لنا فيلزمه مثل ذلك فينا أيضا أن نكون أفضل من الأنبياء وهذا غير لازم لما ذكرنا من أنه لا ينظر في الفضل إلا بين من كان من أهل طبقة واحدة فمن كان منهم أعلى منزلة من الآخر كان أفضل منه بلا شك وليس ذلك في الطباق المختلفة ألا ترى أن كون مالك خازن النار في مكان غير مكان خازن الجنة وغير مكان جبرائيل لا تحط درجته عن درجة من في الجنة من الناس الذين الملائكة جملة أفضل منهم لأن مالكا متبوع للنار ومقدم مطاع مفضل بذلك على التابعين والخدمة في الجنة بلا شك فبطل هذا الشعب ويجمع هذا الجواب بإختصار وهو أن الرؤساء والمتبوعين في كل طبقة في الجنة أعلى من التابعين لهم ونساء النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه كلهم أتباع له عليه السلام وجميع الأنبياء متبوعون فإنما ينظر بين المتبوعين أيهم أفضل وينظر بين الأتباع أيهم أفضل ويعلم الفضل بعلو درجة كل فاضل من دونه في الفضل ولا يجوز أن ينظر بين الأتباع والمتبوعين لأن المتبوعين لا يكونون البتة أحط درجة من التابعين وبالله تعالى التوفيق فإن قال قائل فكيف يقولون في الحور العين أهن أفضل من الناس ومن الأنبياء كما قلتم في الملائكة فجوابنا وبالله تعالى التوفيق أن الفضل لا يعرف إلا ببرهان مسموع من الله تعالى في القرآن أو من كلام الرسول صلى الله عليه و سلم ولم نجد الله تعالى نص على فضل الحور العين كما نص على فضل الملائكة وإنما نص على أنهن مطهرات حسان عرب أتراب يجامعن ويشاركن أزواجهن في اللذات كلها وأنهن خلقن ليلتذ بهن المؤمنون فإذا الأمر هكذا فإنما محل الحور العين محل من هن له فقط أن ذلك اختصاص لهن بلا عمل وتكليف فهن خلاف الملائكة في ذلك وبالله الله تعالى التوفيق
قال أبو محمد ومما يؤكد قولنا قول الله تعالى أن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون وهذا النص إذ قد صح فقد وجب الإقرار به

فلو عجزنا عن تفضيل بعض أقسام هذه الإعتراضات لما ألزمنا في ذلك نقصا إذ لا يجوز الإعتراض على هذا النص وكلما صح بيقين فلا يجوز أن يعارض بيقين آخر والبرهان لا يبطله برهان وقد أوضحنا أن الجنة دار جزاء على أعمال المكلفين فأعلاهم درجة أعلاهم فضلا ونساء النبي صلى الله عليه و سلم أعلا درجة في الجنة من جميع الصحابة فهن أفضل منهن فمن أبى هذا فليخبرنا ما معنى الفضل عنده إذ لا بد أن يكون لهذه الكلمة معنى فإن قال لا معنى لها فقد كفانا مؤنته وإن قال لها معنى سألناه ما هو فإنه لا يجد غير ما قلناه وبالله تعالى التوفيق فكيف وقد أتينا بتأييد الله عز و جل لنا على كل ما اعترض علينا به في هذا الباب ولاح وجه في ذلك بيننا والحمد لله رب العالمين
قال أبو محمد واستدركنا بيانا زائدة في قول النبي صلى الله عليه و سلم في أن فاطمة سيدة نساء المؤمنين أو نساء هذه الأمة فنقول وبالله تعالى التوفيق أن الواجب مراعاة ألفاظ الحديث وإ نما ذكر عليه السلام في هذا الحديث السيادة ولم يذكر الفضل وذكر عليه السلام في حديث عائشة الفضل نصا بقوله عليه السلام فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام
قال أبو محمد والسيادة غير الفضل ولا شك أن فاطمة رضي الله عنها سيدة نساء العالمين بولادة النبي صلى الله عليه و سلم لها فالسيادة من باب الشرف لا من باب الفضل فلا تعارض بين الحديث البتة والحمد لله رب العالمين وقد قال ابن عمر رضي الله عنهما هو حجة في اللغة العربية كان أبو بكر خير وأفضل من معاوية وكان معاوية أسود من أبي بكر ففرق ابن عمر كما ترى بين السادة وبين الفضل والخير وقد علمنا أن الفضل هو الخير نفسه لأن الشيء إذا كان خيرا من شيء آخر فهو أفضل منه بلا شك
قال أبو محمد وقد قال قائل ممن يخالفنا في هذا قال الله عز و جل وليس الذكر كالأنثى فقلنا وبالله تعالى التوفيق فأنت إذا عند نفسك أفضل من مريم وعائشة وفاطمة لأنك ذكر وهؤلاء أناث فإن قال هذا الحق بالنوكي وكفر بأن سئل عن معنى الآية قيل له الآية على ظاهرها ولا شك في أن الذكر ليس كالأنثى لأنه لو كان كالأنثى والأنثى أيضا ليست كالذكر لأن هذه أنثى وهذا ذكر وليس هذا من الفضل في شيء البتة وكذلك الحمرة غير الخضرة والخضرة ليست كالحمرة وليس هذا من باب الفضل فإن اعترض معترض بقول الله تعالى وللرجال عليهن درجة قيل له إنما هذا في حقوق الأزواج على الزوجات ومن أراد حمل هذه الآية على ظاهرها لزمه أن يكون كل يهودي وكل مجوسي وكل فاسق من الرجال أفضل من أم موسى وأم عيسى وأم إسحاق عليهم السلام ومن نساء النبي صلى الله عليه و سلم وبناته وهذ1 كفر ممن قاله بإجماع الأمة وكذلك قوله تعالى أو من ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين إنما لك في تقصيرهن في الأغلب عن المحاجة لقلة ذريتهن وليس في هذا ما يحط من الفضل عن ذوات الفضل منهن فإن اعترض معترض فقال الذي أمرنا بطاعتهم من خلفاء الصحابة رضي الله عنهم أفضل من نساء النبي صلى الله عليه و سلم بقوله تعالى وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فالجواب وبالله تعالى التوفيق أن هذا خطأ من جهات إحداها أن نساء النبي صلى الله عليه و سلم من جملة أولى الأمر منا الذين أمرنا بطاعتهم فيما بلغن الينا عن النبي صلى الله عليه و سلم كالأئمة من الصحابة سواء

ولا فرق والوجه الثاني أن الخلافة ليست من قبل فضل الواحد في دينه فقط وجبت لمن وجبت له وكذلك الإمارة لأن الإمارة قد تجوز لمن غيره أفضل منه وقد كان عمر رضي الله عنه مأمور بطاعة عمرو بن العاص إذ أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم في غزوة ذات السلاسل فبطل أن تكون الطاعة إنما تجب للأفضل فالأفضل وقد أمر النبي صلى الله عليه و سلم عمرو بن العاص وخالد بن الوليد كثيرا ولم يأمر أبا ذر أفضل وأبو ذر أفضل خيرا منهما بلا شك وأيضا فإنما وجبت طاعة الخلفاء من الصحابة رضي الله عنهم في أموامر هم مذ ولوا لا قبل ذلك ولا خلاف في أن الولاية لم تزدهم فضلا على ما كانوا عليه وإنما زادهم فضلا عدلهم في الولاية لا الولاية نفسها وعدلهم داخل في جملة أعمالهم التي يستحقون والفضل بها ألا ترى أن معاوية والحسن إذ وليا كانت طاعتهما واجبة على سعد بن أبي وقاص وسعد أفضل منهما ببون بعيد جدا وهي حي معهما مأمور بطاعتهما وكذلك القول في جابر وأنس بن مالك وابن عمر رضي الله عنهم في وجوب طاعة عبد الملك بن مروان والذي بين جابر وأنس وابن عمرو بين عبد الملك في الفضل كالذي بين النور والظلمة فليس في وجوب طاعة الولاة ما يوجب فضلا في الجنة فإن اعترض معترض بقول الله تعالى والذين أمنوا واتبعهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما التناهم من عملهم من شيء كل امريء بما كسب رهين فبيان اعتراضه ظاهر في آخر الآية وهو أن إلحاق الذرية بالآباء لا يقتضي كونهم معهم في درجة ولا هذا مفهوم من نص الآية بل إنما فيها إلحاقهم بهم فيما ساورهم فيه بنص الآية ثم بين تعالى ذلك ولم يدعنا في شك بقوله كل امريء بما كسب رهين فصح أن كل واحد من الآباء والأبناء يجازى حسب ما كسب فقط وليس حكم الأزواج كذلك بل أزواج النبي صلى الله عليه و سلم معه في قصوره وعلى سرره ملتذ بهن ومعهن جزاء لهن بما عملن من الخبر وبصبرهن واختبار الله تعالى ورسوله صلى الله عليه و سلم والدار الآخرة وهذه منزلة لا يحلها أحد بعد النبيين والمرسلين عليهم الصلاة والسلام فهن أفضل من كل واحد دون الأنبياء عليهم السلام فإن شغب مشغب بقول رسول الله صلى الله عليه و سلم ما رأيت من ناقصات عقل ودين أسلب للب الرجل الحازم من إحداكن قلنا وبالله تعالى التوفيق إن حملت هذا الحديث على ظاهره فيلزمك أن تقول أنك أتم عقلا ودينا من مريم وأم موسى وأم إسحاق ومن عائشة وفاطمة فإن تمادى على هذا سقط الكلام معه ولم يبعد عن الكفر وإن قال لا سقط اعتراضه واعترض بأن من الرجال من هو أنقص دينا وعلاقلا من كثير من النساء فإن سأل عن معنى هذا الحديث قيل له قد بين رسول الله صلى الله عليه و سلم وجه لك النقص وهو كون شهادة على المرأة على النصف من شهادة الرجل وكونها إذا حاضت لا تصلي ولا تصوم وليس هذا بموجب نقصان الفضل ولا نقصان الدين والعقل في غير هذين الوجهين فقط إذ بالضرورة ندري أن في النساء من هن أفضل من كثير من الرجال وأتم دينا وعقلا غير الوجوه التي ذكر النبي صلى الله عليه و سلم وهو عليه السلام لا يقول إلا حقا فصح يقينا أنه إنما عبر عليه السلام ما قد بينه في الحديث نفسه من الشهادة والحيض فقط وليس ذلك مما ينقص الفضل فقد علمنا أن أبا بكر وعليا لو شهدوا في زنا لم يحكم بشهادتهم ولو شهد به أربعة منا عدول في الظاهر حكم بشهادتهم وليس ذلك بموجب أننا أفضل من هؤلاء المذكورين وكذلك القول في شهادة النساء فليست الشهادة

من باب التفاضل في ورد ولا صدر لكن نقف فيها عندما حده النص فقط ولا شك عند كل مسلم في أن صواحبه من نسائه وبناته عليهم السلام كخديجة وعائشة وفاطمة وأم سلمة أفضل دينا ومنزلة عند الله تعالى من كل تابع أتى بعدهن ومن كل رجل يأتي في هذه الأمة إلى يوم القيامة فبطل الإعتراض بالحديث المذكور وصح أنه على ما فسرناه وبيناه والحمد لله رب العالمين وأيضا فقول الله تعالى يا نساء النبي لستن كأحد من النساء مخرج لهن عن سائر النساء في كل ما اعترض به معترض مما ذكرناه وشبهه
قال أبو محمد فإن اعترض معترض بقول النبي صلى الله عليه و سلم كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران وامرأة فرعون فإن هذا الكمال إنما هو الرسالة والبوة التي انفرد بها الرجال وشاركهم بعض النساء في النبوة وقد يتفاضلون أيضا فيها فيكون بعض الأنبياء أكمل بعض ويكون بعض الرسل أكمل من بعض قال الله عز و جل تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات فإنما ذكر في هذا الخبر من بلغ غاية الكمال في طبقته ولم يتقدمه منهم أحد وبالله تعالى التوفيق فإن اعترض معترض بقوله عليه السلام لا يفلح قوم أسندوا أمرهم إلى امرأة فلا حاجة له في ذلك لأنه ليس امتناع الولاية فيهن بموجب لهن نقص الفضل فقد علمنا أن ابن مسعود وبلالا وزيد ابن حارثة رضي الله عنهم لم يكن لهم حظ في الخلافة وليس بموجب أن يكون الحسن وابن الزبير ومعاوية أفضل منهم والخلافة جائزة لهؤلاء غير جائزة لأولئك ومنهم في الفضل ما لا يجهله المسلم
قال أبو محمد وأما أفضل نسائه فعائشة وخديجة رضي الله عنهما لعظم فضائلهما وإخباره عليه السلام أن عائشة أحب الناس اليه وأن فضلها على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام وقد ذكر عليه السلام خديجة بنت خويلد فقال أفضل نسائهما مريم بنت عمران وأفضل نسائها خديجة بنت خويلد مع سابقة خديجة في الإسلام وثباتها رضي الله عنها ولأم سلمة وسودة وزينب بنت جحش وزينب بنت خزيمة وحفصة سوابق في الإسلام عظيمة وأحمال للمشقات في الله عز و جل ورسوله صلى الله عليه و سلم والهجرة والغربة عن الوطن والدعاء إلى الإسلام والبلاء في الله عز و جل ورسوله صلى الله عليه و سلم ولكهن بعد ذلك الفضل المبين رضوان الله عليهن أجمعين
قال أبو محمد وهذه مسألة نقطع فيها أننا المحققون عند الله عز و جل وأن من خالفنا فيها مخطيء عند الله عز و جل بلا شك وليست مما يسع الشك فيه أصلا
قال أبو محمد فإن قال قائل هل قال هذا أحكم قبلكم قلنا له وبالله تعالى التوفيق وهل قال غير هذا أحد قبل من يخالفنا الآن وقد علمنا ضرورة أن لنساء النبي صلى الله عليه و سلم منزلة من الفضل بلا شك فلا بد من البحث عنها فليقل مخالفنا في أي منزلة نضعهن أبعد جميع الصحابة كلهم فهذا مالا يقوله أحد أم بعد طائفة منهم فعليه الدليل وهذا ما لا سبيل له إلى وجوده وإذ قد بطل هذان القولان أحدهما بالإجماع على أنه باطل والثاني لأنه دعوى لا دليل عليها ولا برهان فلم يبق إلا قولنا والحمد لله رب العالمين الموفق للصواب بفضله ثم نقول وبالله تعالى نستعين قد صح أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه خطب الناس حين ولي بعد موت رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال أيها الناس إني وليتكم ولست بخيركم فقد صح

عنه رضي الله عنه أنه أعلن بحضرة جميع الصحابة رضي الله عنهم أنه ليس بخيرهم ولم ينكر هذا القول منهم أحد فدل على متابعتهم له ولا خلاف أنه ليس في أحد من الحاضرين لخطبته إنسان يقول فيه أحد من الناس أنه خير من أبي بكر إلا علي وابن مسعود وعمر وأما جمهور الحاضرين من مخالفينا في هذه المسألة من أهل السنة والمرجئة والمعتزلة والخوارج فإنهم لا يختلفون في أن أبا بكر أفضل من علي وعمر وابن مسعود وخير منهم فصح أنه لم يبق إلا أزواج النبي صلى الله عليه و سلم فإن قال قائل إنما قال أبو بكر هذا تواضعا قلنا له هذا هو الباطل المتيقن لأن الصديق الذي سماه رسول الله صلى الله عليه و سلم بهذا الإسم لا يجوز أن يكذب وحاشا له من ذلك ولا يقول إلا الحق والصدق فصح أن الصحابة متفقون في الأغلب على تصديقه في ذلك فإذ ذلك كذلك وسقط بالبرهان الواضح أن يكون أحد من الصحابة رضي الله عنهم خيرا من أبي بكر ولم يبق إلا أزواج النبي صلى الله عليه و سلم ونساؤه ووضح أننا لو قلنا أنه إجماع من جمهور الصحابة لم يبعد من الصدق
قال أبو محمد وأيضا فإن يوسف ابن عبد الله النمري حدثنا قال حدثنا خلف بن قاسم ثنا أبو العباس أحمد بن إبراهيم بن علي الكندي حدثنا محمد بن العباس البغدادي ثنا إبراهيم بن محمد البصري ثنا أبو أيوب سليمان بن داود الشاذ كوني قال كان عمار بن ياسر والحسن ابن علي يفضلان علي بن أبي طالب على أبي بكر الصديق وعمر حدثنا أحمد بن محمد الخوزي ثنا أحمد بن الفضل الدينوري ثنا محمد بن جرير الطبري أن علي بن أبي طالب بعث عمار بن ياسر والحسن بن علي إلى الكوفة إذ خرجت أم المؤمنين إلى البصرة فلما أتياها اجتمع اليهما الناس في المسجد فخطبهم عمار وذكر لهم خروج عائشة أم المؤمنين إلى البصرة ثم قال لهم إني لملول لكم والله إني لا أعلم أنها زوجة رسول الله صلى الله عليه و سلم في الجنة كما هي زوجته في الدنيا ولكن الله ابتلاكم بها لتطيعوها أو لتطيعوه فقال له مسروق أو أبو الأسود يا أبا اليقظان فنحن مع من شهدت له بالجنة دون من لم تشهد له فسكت عمار وقال له الحسن أعن نفسك عنا فهذا عمار والحسن وكل من حضر من الصحابة رضي الله عنهم والتابعين والكوفة يومئذ مملؤة منهم يسمعون تفضيل عائشة على علي وهو عند عمار والحسن أفضل من أبي بكر وعمر فلا ينكرون ذلك ولا يعترضونه أحوج ما كانوا إلى إنكاره فصح أنهم متفقون على أنها وأزواجه عليه السلام أفضل من كل الناس بعد الأنبياء عليهم السلام ومما يبين أن أبا بكر رضي الله عنه لم يقل وليتكم ولست بخيركم إلا محقا صادقا لا تواضعا يقول فيه الباطل وحاشا له من ذلك ما حدثناه أحمد بن محمد الطلمنكي قال حدثنا أحمد بن محمد بن مفرج ثنا محمد بن أيوب الصموت الرفي أنا أحمد بن عمر بن عبد الخالق البر أن ثنا عبد الملك بن سعد ثنا عقبة بن خالد ثنا شعبة بن الحجاج ثنا الحريري عن أبي بصرة عن أبي سعيد الخدري قال قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه ألست أحق الناس بها أو لست أول من أسلم ألست صاحب كداء
قال أبو محمد فهذا أبو بكر رضي الله عنه يذكر فضائل نفسه إذا كان صادقا فيها فلو كان أفضلهم لصرح به وما كتمه وقد نزهه الله تعالى عن الكذب فصح قولنا نصا والحمد لله رب العالمين
قال أبو محمد ثم وجب القول فيمن هو أفضل الصحابة بعد نساء النبي صلى الله عليه و سلم

فلم نجد لمن فضل ابن مسعود أو عمر أو جعفر بن أبي طالب أو أبا سلمة والثلاثة الأسهليين على جميع الصحابة حجة يعتمد عليها ووجدنا من يوقف لم يزد على أنه لم يلح له البرهان أنهم أفضل ولو لاح له لقال به ووجدنا العدد والمعارضة في القائلين بأن عليا أفضل أكثر فوجب أن آتي بما شغبوا به ليلوح الحق في ذلك وبالله تعالى التوفيق
قال أبو محمد وجدناهم يحتجون بأن عليا كان أكثر الصحابة جهادا وطعنا في الكفار وضربا والجهاد أفضل الأعمال
قال أبو محمد هذا خطأ لأن الجهاد ينقسم أقساما ثلاثة أحدها الدعاء إلى الله عز و جل باللسان والثاني الجهاد عند الحرب بالرأي والتدبير والثالث الجهاد باليد في الطعن والضرب فوجدنا الجهاد في اللسان لا يلحق فيه أحد بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم أبا بكر وعمر أما أبو بكر فإن أكابر الصحابة رضي الله عنهم أسلموا على يديه فهذا أفضل عمل وليس لعلي من هذا كثير حظ وأما عمر فإنه من يوم أسلم عز الإسلام وعبد الله تعالى بمكة جهرا وجاهد المشركين بمكة بيديه فضرب وضرب حتى ملوه فتركوه فعبد الله تعالى علانية وهذا أعظم الجهاد فقد انفرد هذان الرجلان بهذين الجهادين الذين لا نظير لهما ولاحظ لعلي في هذا أصلا وبقي القسم الثاني وهو الرأي والمشورة فوجدناه خالصا لأبي بكر ثم لعمرو بقي القسم الثالث وهو الطعن والضرب والمبارزة فوجدناه أقل من مراتب الجهاد ببرهان ضروري وهو أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لا شك عند كل مسلم أنه المخصوص بكل فضيلة فوجدنا جهاده عليه السلام إنما كان في أكثر أعماله وأحواله القسمين الأولين من الدعاء إلى الله عز و جل والتدبير والإرادة وكان أقل عمله صلى الله عليه و سلم الطعن والضرب والمبارزة لا عن جبن بل كان عليه السلام أشجع أهل الأرض قاطبة نفسا ويدا وأتمهم نجدة ولكنه كان يؤثر الأفضل فالأفضل من الأفعال فيقدمه عليه السلام ويشتغل به ووجدناه عليه السلام يوم بدر وغيره وكان أبو بكر رضي الله عنه معه لا يفارقه إيثارا من رسول الله صلى الله عليه و سلم له بذلك واستظهارا برأيه في الحرب وأنسا بمكانه ثم كان عمر ربما شورك في ذلك أيضا وقد انفرد بهذا المحل دون علي ودون سائر الصحابة إلا في الندرة ثم نظرنا مع ذلك في هذا القسم من الجهاد الذي هو الطعن والضرب والمبارزة فوجدنا عليا رضي الله عنه لم ينفرد بالبسوق فيه بل قد شاركه في ذلك غيره شركة العنان كطلحة والزبير وسعد وممن قتل في صدر الإسلام كحمزة وعبيدة بن الحارث بن المطلب ومصعب بن عمير ومن الأنصار سعد بن معاذ وسماك بن خرسة وغيرهما ووجدنا أبا بكر وعمر قد شاركاه في ذلك بحظ حسن وإن لم يلحقا بحظوظ هؤلاء وإنما ذلك لشغلهما بالأفضل من ملازمة رسول الله صلى الله عليه و سلم وموازنة في حين الحرب وقد بعثهما رسول الله صلى الله عليه و سلم على البعوث أكثر مما بعث عليا وقد بعث أبا بكر إلى بني فزارة وغيرهم وبعث عمر إلى بني فلان وما نعلم لعلي بعثا إلا إلى بعض حصون خيبر ففتحه وقد بعث قبله أبا بكر وعمر فلم يفتحاه فحصل أربع أنواع الجهاد لأبي بكر وعمر وقد شاركا عليا في أقل انواع الجهاد مع جماعة غيرهم قل عمله صلى الله عليه و سلم الطعن والضرب والمبارزة لا عن جبن بل كان عليه السلام أشجع أهل الأرض قاطبة نفسا ويدا وأتمهم نجدة ولكنه كان يؤثر الأفضل فالأفضل من الأفعال فيقدمه عليه السلام ويشتغل به ووجدناه عليه السلام يوم بدر وغيره وكان أبو بكر رضي الله عنها معه لا يفارقه إيثارا من رسول الله صلى الله عليه و سلم له بذلك واستظهارا برأيه في الحرب وأنسا بمكانه ثم كان عمر ربما شورك في ذلك أيضا وقد انفرد بهذا المحل دون علي ودون سائر الصحابة إلا في الندرة ثم نظرنا مع ذلك في هذا القسم من الجهاد الذي هو الطعن والضرب والمبارزة فوجدنا عليا رضي الله عنه لم ينفرد بالبسوق فيه بل قد شاركه في لك غيره شركة العنان كطلحة والزبير وسعد وممن قتل في صدر الإسلام كحمزة وعبيدة بن الحارث بن المطلب ومصعب بن عمير ومن الأنصار سعد بن معاذ وسماك بن خرسة وغيرهما ووجدنا أبا برك وعمر قد شاركاه في لك بحظ حسن وإن لم يلحقا بحظوظ هؤلاء وإنما ذلك لشغلهما بالأفضل من ملازمة رسول الله صلى الله عليه و سلم وموازنة في حين الحرب وقد بعثهما رسول الله صلى الله عليه و سلم على البعوث أكثر مما بعث عليا وقد بعث أبا بكر إلى بني فزارة وغيرهم وبعث عمر إلى بني فلان وما نعلم لعلي بعثا إلا إلى بعض حصون خيبر ففتحه وقد بعث قبله أبا بكر وعمر فلم يفتحاه فحصل أربع أنواع الجهاد لأبي بكر وعمر وقد شاركا عليا في أقل انواع الجهاد مع جماعة غيرهم
قال أبو محمد واحتج أيضا من قال بأن عليا كان أكثرهم علما
قال أبو محمد كذب هذا القائل وإنما يعرف علم الصحابي لأحد وجهين لا ثالث لهما أحدهما كثرة روايته وفتاويه والثاني كثرة استعمال النبي صلى الله عليه و سلم له فمن المحال

الباطل أن يستعمل النبي صلى الله عليه و سلم من لا علم له وهذه أكبر شهادات على العلم وسعته فنظرنا في ذلك فوجدنا النبي صلى الله عليه و سلم قد ولى أبا بكر الصلاة بحضرته طول علته وجميع أكابر الصحابة حضور كعلي وعمر وابن مسعود وأبي وغيرهم فأثره بذلك على جميعهم وهذا خلاف استخلافه عليه السلام إذا غزا لأن المستخلف في الغزوة لم يتسخلف إلا على النساء وذوي الأعذار فقط فوجب ضرورة أن نعلم أن أبا بكر أعلم الناس بالصلاة وشرائعهما وأعلم المذكورين بها وهي عمود الدين ووجدناه صلى الله عليه و سلم قد استعمله على الصدقات فوجب ضرورة أن عنده من علم الصدقات كالذي عند غيره من علماء الصحابة لا أقل وربما كان أكثر إذ قد استعمل عليه السلام أيضا عليها غيره وهو عليه السلام لا يستعمل إلا عالما بما استعمله عليه والزكاة ركن من أركان الدين بعد الصلاة وبرهان ما قلنا من تمام علم أبي بكر رضي الله عنه بالصدقات إن الأخبار الواردة في الزكاة أصحها والذي يلزم العلم به ولا يجوز خلافه فهو حديث أبي بكر ثم الذي من طريق عمر وأما من طريق علي فمضطرب وفيه ما قد تركه الفقهاء جملة وهو أن في خمس وعشرين من الإبل خمس شياه ووجدنا عليه السلام قد استعمل أبا بكر على الحج فصح ضرورة أنه أعلم من جميع الصحابة بالحج وهذه دعائم الإسلام ثم وجدناه عليه السلام قد استعمله على البعوث فصح أن عنده من أحكام الجهاد مثل ما عند سائر من استعمله رسول الله صلى الله عليه و سلم على البعوث في الجهاد إذ لا يستعمل عليه السلام على العمل إلا عالما به فعند أبي بكر من الجهاد من العلم به كالذي عند علي وسائر امراء البعوث لا أكثر ولا أقل فإذ قد صح التقدم لأبي بكر على علي وغيره في علم الصلاة والزكاة والحج وساواه في علم الجهاد فهذه عمدة العلم ثم وجدناه عليه السلام قد ألزم نفسه في جلوسه ومرآته وظعنه واقامته أبا بكر مشاهد أحكامه عليه السلام وفتاويه أكثر من مشاهدة علي لها فصح ضرورة أنه أعلم بها فهل بقيت من العلم بقية إلا وأبو بكر المتقدم فيها الذي لا يلحق أو المشارك الذي لا يسبق فبطلت دعواهم في العلم والحمد لله رب العالمين وأما الرواية والفتوى فإن أبا بكر رضي الله عنه لم يعش بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا سنتين وستة أشهر ولم يفارق المدينة إلا حاجا أو معتمرا ولم يحتج الناس إلى ما عنده من الرواية عن رسول الله صلى الله عليه و سلم لأن كل من حواليه أدركوا النبي صلى الله عليه و سلم وعلى ذلك كله فقد روي عن النبي صلى الله عليه و سلم مائة حديث واثنان وأربعون حديثا مستندة ولم يرو عن على إلا خمس مائة وست وثمانون حديثا مسندة يصح منها نحو خمسين وقد عاش بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم أزيد من ثلاثين سنة وكثر لقاء الناس إياه وحاجتهم إلى ما عنده لذهاب جمهور الصحابة رضي الله عنهم وكثر سماع أهل الآفاق منه مرة بصفين وأعواما بالكوفة ومرة بالبصرة والمدينة فإذا نسبنا مدة أبي بكر من حياته وأضفنا تقري 1 على البلاد بلدا بلدا وكثرة سماع الناس منه إلى لزوم أبي بكر موطنه وأنه لم تكثر حاجة من حواليه إلى الرواية عنه ثم نسبنا عدد حديث من عدد حديث وفتاوى من فتاوى علم كل ذي حظ من العلم أن الذي كان عند أبي بكر من العلم أضعاف ما كان عند علي منه وبرهان على ذلك أن من عمر من

أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم عمرا قليلا قل النقل عنهم ومن طال عمره منهم كثر النقل عنهم إلا اليسير من اكتفا بنيابة غيره عنه في تعليم الناس وقد عاش علي بعد عمر بن الخطاب سبعة عشر عاما غير أشهر ومسند عمر خمسمائة حديث وسبعة وثلاثون حديثا يصح منها نحو خمسين كالذي عن علي سواء بسواء فكل ما زاد حديث علي على حديث عمر تسعة وأربعين حديثا في هذه المدة الطويلة ولم يزد عليه في الصحيح إلا حديثا أو حديثين وفتاوى عمر موازنة لفتاوى علي في أبواب الفقه فإذا نسبنا مدة من مدة وضربنا في البلاد من ضرب فيها وأضفنا حديث إلى حديث وفتاوى إلى فتاوى علم كل ذي حس علما ضروريا أن الذي كان عند عمر من العلم أضعاف ما كان عند علي من العلم ثم وجدنا الامر كل ما أطال كثرت الحاجة إلى الصحابة فيما عندهم من العلم فوجدنا حديث عائشة رضي الله عنها ألفي مسند ومائتي مسند وعشرة مسانيد وحديث أبي هريره خمسة آلاف مسند وثلاثمائة مسند وأربع وسبعين مسندا ووجدنا مسند ابن عمر وأنس قريبا من مسند عائشة لكل واحد منهما ووجدنا مسند جابر ابن عبد الله وعبد الله بان عباس لكل واحد منهما أزيد من ألف وخمسمائة ووجدنا لإبن مسعود ثمان ماية مسند ونيف ولكل من ذكرنا حاشا أبا هريرة وأنس بن مالك من الفتاوى أكثر من فتاوى علي أو نحوها فبطل قول هذه الطائفة الوقاح الجهال فإن عاندنا معاند في هذا الباب جاهل أو قليل الحياء لاح كذبه وجهله فإنا غير مهتمين على حط أحد من الصحابة رضي الله عنهم عن مرتبته ولا على رفعته فوق مرتبته لاننا لو انحرفنا عن علي رضي الله عنه ونعوذ بالله من ذلك لذهبنا فيه مذهب الخوارج وقد نزهنا الله عز و جل عن هذا الضلال في التعصب ولو غلونا فيه لذهبنا فيه مذهب الشيعة وقد أعاذنا الله تعالى من هذا الإفك في التعصب فصار غيرنا من المنحرفين عنه أو الغالبين فيه هم المتهمون فيه أما له وأما عليه وبعد هذا كله ليس يقدر من ينتمي إلى الإسلام أن يعاند في الإستدلال على كثرة العلم بإستعمال النبي صلى الله عليه و سلم بمن استعمله منهم على ما استعمله عليه من أمور الدين فإن قالوا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد استعمل عليا على الأخماس وعلى القضاءء باليمين قلنا لهم نعم ولكن مشاهدة أبي بكر لا قضية رسول الله صلى الله عليه و سلم أقوى في العلم وأثبت مما عنده على وهو باليمين وقد استعمل رسول الله صلى الله عليه و سلم أبا بكر على بعوث فيها الأخماس فقد ساوى علمه علم علي في حكمها بلا شك إذ لا يستعمل عليه السلام إلا عالما بما يستعمله عليه وقد صح أن أبا بكر وعمر كانا يفتيان على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو عليه السلام يعلم ذلك ومحال ذلك أن يبيح لهما ذلك ألا وهما أعلم ممن دونهما وقد استعمل عليه السلام أيضا على القضاء باليمين مع علي معاذا بن جبل وأبا موسى الأشعري فلعلي في هذا شركاء كثير منهم أبو بكر وعمر ثم قد انفرد أبو بكر بالجمهور الأغلب من العلم على ما كرنا وقال هذا القائل أن عليا كان أقرأ الصحابة
قال أبو محمد وهذه القصة المتجردة والبهتان لوجوه أولها أنه رد على رسول الله صلى الله عليه و سلم لأنه عليه السلام قال يؤم القوم أقرؤهم فإن استووا فاقههم فإن استووا فاقدمهم هجرة ثم وجدنا عليه السلام قد قدم أبا بكر على الصلاة مدة الأيام التي مرض فيها وعلي بالحضرة يراه النبي صلى الله عليه و سلم غدوة وعشية فما رأى لها عليه السلام أحد أحق من أبي بكر بها فصح أنه كان أقرأهم وافقههم وأقدمهم هجرة وقد يكون من لم يجمع حفظ

القرآن كله على ظهر قلب أقرأن ممن جمعه كله عن ظهر قلب فيكون ألفظ به وأحسنهم ترتيلا هذا على أن أبا بكر وعمر وعلي لم يستكمل أحد منهم حظ سور القرآن كله ظاهرا إلا أنه قد وجب يقينا بتقديم النبي صلى الله عليه و سلم لأبي بكر على الصلاة وعلي حاضر أن أبا بكر أقرأ من علي وما كان النبي صلى الله عليه و سلم ليقدم إلى الإمامة الأقل علما بالقراءة على الأقرأ أو الأقل فقها على الأفقه فبطل أيضا شغبهم في هذا الباب والحمد لله رب العالمين وقال قائلهم أن عليا كان أتقاهم
قال أبو محمد كذب هذا الأفاك ولقد كان علي رضي الله عنه تقيا إلا أن الفضائل يتفاضل فيها أهلها وما كان أتقاهم لله إلا أبو بكر والبرهان على ذلك أنه لم يسوء قط أبو بكر رسول الله صلى الله عليه و سلم في كلمة ولا خالف ارادته عليه السلام في شيء قط ولا تأخر عن تصديقه ولا تردد عن الإتمار له يوم الحديبية إذ تردد من تردد وقد تظلم رسول الله صلى الله عليه و سلم على المنبر إذ أراد نكاح ابنه أبي جهل بما قد عرف وما وجدنا قط لأبي بكر توقفا عن شيء أمر به رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا مرة واحدة عذره فيها رسول الله صلى الله عليه و سلم وأجاز له فعله وهي إذا أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم من قبا فوجده يصلي بالناس فلما رآه أبو بكر تأخر فأشار اليه النبي صلى الله عليه و سلم أن أقم مكانك فحمد الله تعالى أبو بكر على ذلك ثم تأخر فصار في الصف وتقدم رسول الله صلى الله عليه و سلم فصلى بالناس فلما سلم قال له رسول الله صلى الله عليه و سلم ما منعك أن تثبت حين أمرتك فقال أبو بكر ما كان لإبن أبي قحافة أن يتقدم بين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم
قال أبو محمد فهذا غاية التعظيم والطاعة والخضوع لرسول الله صلى الله عليه و سلم وما أنكر عليه السلام ذلك عليه وإذ قد صح بالبرهان الضروري الذي ذكرنا أن أبا بكر أعلم أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فقد وجب أنه أخشاهم لله عز و جل قال الله عز و جل إنما يخشى الله من عباده العلماء والتقى هو الخشية لله عز و جل وقال قائلون علي كان أزهدهم
قال أبو محمد كذب هو الجاهل وبرهان ذلك أن الزاهد إنما هو عزوب 1 النفس عن حب الصوت وعن المال وعن اللذات وعن الميل إلى الولد والحاشية ليس الزاهد معنى يقع عليه اسم الزهد إلا هذا المعنى فإما عزوب النفس عن المال فقد علم كل من له أدنى بصر بشيء من الأخبار الخالية ان أبا بكر أسلم وله مال عظيم قيل أربعين ألف درهم فأنفقها كلها في ذات الله تعالى وأعتق المستضعفين من العبيد المؤمنين المعذبين في ذات الله عز و جل ولم يعتق عبيدا جلدا يمنعونه 2 لكن كل معذب ومعذبة في الله عز و جل حتى هاجر مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ولم يبق لأبي بكر من جميع ما له إلا ستة ألف درهم حملها كلها مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ولم يبق لبنيه منها درهم ثم أنفقها كلها في سبيل الله عز و جل حتى لم يبق له شيء سوى عباءة له قد خللها بعود إذا نزل افترشها وإذا ركب لبسها إذ تمول غيره من الصحابة رضي الله عن جميعهم واقتنوا الرباع 3 الواسعة والضياع العظيمة من حلها وحقها إلا أن من آثر بذلك

سبيل الله عز و جل أزهد ممن أنفقت وأمسك ثم ولى الخلافة فما اتخذ جارية ولا توسع في مال وعد عند موته وما أنفق على نفسه وولده من مال الله عز و جل الذي لم يستوف منه إلا بعض حقه وأمر بصرفه إلى بيت المال من صلب ماله الذي حصله من شهامة المغازي والمقاسم مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فهذا هو الزهد في اللذات والمال الذي لا يدانيه فيه أحد من الصحابة لا علي ولا غيره إلا أن يكون أبا ذر وأبا عبيدة من المهاجرين الأولين فإنهما جريا على هذه الطريقة التي فارقا عليها رسول الله صلى الله عليه و سلم وتوسع من سواهم من الصحابة رضي الله عنهم في المباح الذي أحله الله عز و جل لهم إلا من آثر سبيل الله على نفسه أفضل ولولا أن أبا ذر لم يكن له سابقة غيره لما تقدمه إلا من كان مثله فهذا هو الزهد في المال واللذات ولقد تلا أبا بكر عمر رضي الله عنهما في هذا الزهد فكان فوق علي في ذلك يعني في إعراضه عن المال واللذات وأما علي رضي الله عنه فتوسع في هذا الباب من حله ومات عن أربع زوجات وتسع عشرة أم ولد سوى الخدم والعبيد وتوفي عن أربعة وعشرين ولدا من ذكر وانثى وترك لهم من العقار والضياع هما ما كانوا به من أغنياء قومهم ومياسيرهم هذا أمر مشهور لا يقدر على إنكاره من له أقل علم بالأخبار والآثار ومن جملة عقاره التي تصدق بها ضبعة كانت تغل ألف وسق تمر أسوى زرعها فأين هذا من هذا وأما حب الولد والميل اليهم وإلى الحاشية فالآمر في هذا ابين من أن يخفى على أحد له أقل علم بالأخبار فقد كان لأبي بكر رضي الله عنه من القرابة والولد مثل طلحة بن عبيد الله من المهاجرين الأولين والسابقين من ذوي الفضائل العظيمة في كل باب من أبواب الفضل في الإسلام ومثل ابنه عبد الرحمن بن أبي بكر وله مع النبي صلى الله عليه و سلم صحبة قديمة وهجرة سابقة وفضل ظاهر فما استعمل أبو بكر رضي الله منهم أحدا على شيء من الجهات وهي بلاد اليمن كلها على سعتها وكثرة استعمالها وعمان وحضرموت والبحرين واليمامة والطائف ومكة وخيبر وسائر أعمال الحجاز ولو استعملهم لكانوا لذلك أهلا ولكن خشيء المحاباة وتوقع أن يميله اليهم شيء من الهوى ثم جرى عمر على مجراه في ذلك فلم يستعمل من بني عدي بن كعب أحدا على سعة البلاد وكثرتها وقد فتح الشام ومصر وجميع مملكة الفرس إلى خراسان إلا النعمان بن عدي وحده على ميسان ثم أسرع إلى عزله وفيهم من الهجرة ما ليس في شيء من اتخاذ قريش لأن بني عدي لم يبق أحد منهم بمكة إلا هاجر وكان فيهم مثل سعيد بن زيد أحد المهاجرين الأولين ذوي السوابق وأبي الجهم ابن حذيفة وخارجة بن حذافة ومعمر بن عبد الله وابنه عبد الله بن عمر ثم لم يستخلف أبو بكر ابنه عبد الرحمن وهو صاحب من الصحابة ولا استعمل عمر ابنه عبد الله على الخلافة وهو من فضلاء الصحابة وخيارهم وقد رضي به الناس وكان لذلك أهلا ولو استخلفه لما اختلف عليه أحد فما فعل ووجدنا عليا رضي الله عنه إذا ولي قد استعمل أقاربه عبد الملك بن عباس على البصرة وعبد الله بن عباس على اليمن وخثعم ومعبدا ابني العباس على مكة والمدينة وجعدة بن نميرة وهو ابن أخته أم هانيء بنت أبي طالب على خراسان ومحمد بن أبي بكر وهو ابن امرأة وأخو ولده على مصر ورضي ببيعة الناس الحسن ابنه بالخلافة ولسنا ننكر استحقاق الحسن للخلافة ولا إستحقاق عبد الله بن العباس للخلافة فكيف إمارة البصرة لكنا نقول أن من زهد في الخلافة لولد مثل عبد الله بن عمر وعبد الرحمن بن أبي بكر والناس متفقون عليه وفي تأمير مثل طلحة بن عبد الله وسعيد بن زيد فلا شك في أنه أتم زهدا وأعرب 1 عن جميع

معاني الدنيا نفسا ممن أخذ منها ما أبيح له أخذه فصح بالبرهان الضروري أن أبا بكر أوهد من جميع الصحابة ثم عمر بن الخطاب بعده وقال هذا القائل وكان علي أكثرهم صدقة
قال أبو محمد وهذه مجاهرة بالباطل لأنه لم يحفظ لعلي مشاركة ظاهرة بالمال وأما أمر أبي بكر رضي الله عنه في إنفاق ماله في سبيل الله عز و جل فأشهر من أن تخفى على اليهود والنصارى فكيف على المسلمين ثم لعثمان بن عفان رضي الله عنه في هذا المعنى من تجهيز جيش العسرة ما ليس لغيره فصح أن أبا بكر أعظم صدقة وأكثر مشاركة وغناء 2 في الإسلام بماله من علي رضي الله عنه وقالوا علي هو السابق إلى الإسلام ولم يعبد قط وثنا
قال أبو محمد أما السابقة فلم يقل قط أحد يعتد به أن عليا مات وله أكثر من ثلاث وستين سنة ومات بلا شك سنة أربعين من الهجرة فصح أنه كان حين هاجر النبي صلى الله عليه و سلم ابن ثلاث وعشرين سنة وكانت مدة النبي صلى الله عليه و سلم بمكة في النبوة ثلاث عشرة سنة فبعث عليه السلام ولعلي عشرة أعوام فإسلام ابن عشرة أعوام ودعاؤه اليه إنما هو كتدريب المرء ولده الصغير على الدين لا أن عنده غناء ولا أن عليه إثما إن أبى فإن أخذ الأمر على قول من قال أن عليا مات وله ثمان وخمسون سنة فإنه كان إذ بعث النبي صلى الله عليه و سلم ابن خمسة أعوام وكان إسلام أبي بكر بن ثمان وثلاثين سنة وهو الإسلام المأمور به من عند الله عز و جل وأما من لم يبلغ الحلم فغير مكلف ولا مخاطب فسابقة أبي بكر وعمر بلا شك أسبق من سابقة علي وأما عمر فإنه كان إسلامه تأخر بعد البعث بستة أعوام فإن غنآءه كان أكثر من غنآء أكثر من أسلم قبله ولم يبلغ علي حد التكليف إلا بعد أعوام من مبعث النبي صلى الله عليه و سلم وبعد أن أسلم كثير من ا لصحابة رجال ونساء بعد أن عذبوا في الله تعالى ولقوا فيه الالاقي 3 وأما كونه لم يعبد وثنا فنحن وكل مولود في لإسلام لم يعبد قط وثنا وعمار والمقداد وسلمان وأبو ذر وحمزة وجعفر رضي الله عنهم قد عبدوا الأوثان أفترانا أفضل منهم من أجل ذلك معاذ الله من هذا فإنه لا يقوله مسلم فبطل أن يكون هذا يوجب لعلي فضلا زائدا وإلا لكانت عائشة سابقة لعلي رضي الله عنهما في هذا الفضل لأنها كانت إذ هاجر النبي صلى الله عليه و سلم بنت ثماني سنين وأشهر ولم تولد إلا بعد إسلام أبيها بسنين وعلى ولد وأبوه عابد وثن قبل مبعث النبي صلى الله عليه و سلم بسنين وعبد الله بن عمر أيضا أسلم أبوه وله أربع سنين ولم يعبد قط وثنا فهو شريك لعلي في هذه الفضيلة وقال بعضهم علي كان أسوسهم
قال أبو محمد وهذا باطل لا خفاء به على مؤمن ولا كافر فقد دري القريب والبعيد والعالم والجاهل والمؤمن والكافر من سائر الإسلام إذ كفر من كفر من أهل الأرض بعد موت النبي صلى الله عليه و سلم وإذ عن الجميع للبقية وقبول ما دعت اليه العرب حاشا أبا بكر فهل ثبت أحد ثبات أبي بكر على كلب العدو وشدة الخوف حتى دخلوا في الإسلام أفواجا كما خرجوا منه أفواجا واعطوا الزكاة طائعين وكارهين ولم تهله جموعهم ولا تضافرهم ولا قلة أهل الإسلام حتى أنار الله الإسلام وأظهره ثم هل ناطح كسرى وقيصر على أسرة

ملكها حتى أخضع حدود فارس والروم وصرع جنودهم ونكس راياتهم وظهر الإسلام في أقطار الأرض وذل الكفر وأهله وشبع جائع المسلمين وعز ذليلهم واستغنى فقيرهم وصاروا أخوة لا إختلاف بينهم وقرؤا القرآن وتفقهوا في الدين إلا أبو بكر ثم ثنى عمر ثم ثنى عمر ثم ثلث عثمان ثم لاقدر أي الناس خلاف ذلك كله وافتراق كلمة المؤمنين وضرب المسلمين بعضهم وجوه بعض بالسيوف وشكت بعضهم قلوب بعض بالرماح وقتل بعضهم من بعض عشرات الالوف وشغلهم بذلك عن أن يفتح من بلاد الكفر قرية أو يذعر لهم سرب أو يجاهد منهم أحد حتى ارتجع أهل الكفر كثيرا مما صار بأيدي المسلمين من بلادهم فلم يجتمع المسلمون إلى يوم القيامة فأين سياسة من سياسة
قال أبو محمد فإذ قد بطل كل ما ادعاه هؤلاء الجهال ولم يحصلوا إلى على دعاوى ظاهرة الكذب لا دليل على صحة شيء منها وصح بالبرهان كما أوردنا أن أبا بكر هو الذي فاز بالقدح المعلى والمسبق المبرز والحظ الأسني في العلم والقرآن والجهاد والزهد والتقوى والخشية والصدقة والعتق والمشاركة والطاعة والسياسة فهذه وجوه الفضل كلها فهو بلا شك أفضل من جميع الصحابة كلهم بعد نساء النبي صلى الله عليه و سلم
قال أبو محمد ولم يحتج عليهم بالأحاديث لأنهم لا يصدقون أحاديثنا ولا نصدق أحاديثهم إنما اقتصرنا على البراهين الضرورية بنقل الكواف فإن كانت الإمامة تستحق بالتقدم في الفضل فأبو بكر أحق الناس بها بعد موت النبي صلى الله عليه و سلم يقينا فكيف والنص على خلافته صحيح وإذ قد صحت إمامة أبي بكر رضي الله عنه فطاعته فرض في استخلافه عمر رضي الله عنه فوجبت أمامة عمر فرضا بما ذكرنا وبإجماع أهل الإسلام عليهما دون خلاف من أحد قطعا ثم أجمعت الأمة كلها أيضا بلا خلاف من أحد منهم على صحة أمامة عثمان والدينونة بها وأما خلافة علي فحق لا بنص ولا بإجماع لكن ببرهان سنذكره إن شاء الله في الكلام في حروبه
قال أبو محمد ومن فضائل أبا بكر المشهورة قوله عز و جل إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فهذه فضيلة منقولة بنقل الكافة لا خلاف بين أحد في أنه أبو بكر فأوجب الله تعالى له فضيلة المشاركة في إخراجه مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في أنه خصه بإسم الصحبة له وبأنه ثانية في الغار وأعظم من ذلك كله أن الله معهما وهذا ما لا يلحقه فيه أحد
قال أبو محمد فاعترض في هذا بعض أهل القحة فقال قد قال الله عز و جل إذ قال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالا قال وقد حزن أبو بكر فنهاه رسول الله صلى الله عليه و سلم عن ذلك فلو كان حزنه رضا لله عز و جل لما نهاه رسول الله صلى الله عليه و سلم
قال أبو محمد وهذه مجاهرة بالباطل أما قوله تعالى في الآية لصاحبه وهو يحاوره قد أخبر الله تعالى بأن أحدهما مؤمن والآخر كافر وبأنهما مختلفان فإنما سماه صاحبه في المحاورة والمجالسة فقط كما قال تعالى وإلى مدين أخاهم شعيبا فلم يجعله أخاهم في الدين لكن في الدار والنسب فليس هكذا قوله تعالى إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا بل جعله صاحبه في الدين والهجرة وفي الإخراج وفي الغار وفي نصرة الله لهما أخافة الكفار لهما وفي كونه تعالى معهما فهذه الصحبة غاية الفضل وتلك الأخرى غاية النقص بنص القرآن وأما حزن أبي

بكر رضي ا لله عنه فإنه قبل أن ينهاه رسول الله صلى الله عليه و سلم كان غاية الرضا لله لأنه كان اشفاقا على رسول الله صلى الله عليه و سلم ولذلك كان الله معه وهو تعالى لا يكون مع العصاة بل عليهم وما حزن أبو بكر قط بعد أن نهاه رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الحزن ولكان ذلك على محمد وموسى رسول الله صلى الله عليه و سلم لهؤلاء الأرذال حياء أو علم لم يأتوا بمثل هذا اذ لو كان حزن أبي بكر عيبا عليه لكان عيبا لأن الله عز و جل قال لموسى عليه السلام سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون اليكما بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون ثم قال تعالى عن السحرة أنهم قالوا لموسى أما أن تلقى وإما أن نكون أول من ألقى بل القوا فإذا حبالهم وعصيهم يخيل اليهم من سحرهم أنها تسعى فأوجس في نفسه خيفة موسى قلنا لا تخف أنك أنت الأعلى فهذا رسول الله صلى الله عليه و سلم وكليمه قد كان أخبره الله عز و جل بأن فرعون وملأه لا يصلون اليه وأن موسى ومن اتبعه هو الغالب ثم أوجس في نفسه خيفة بعد ذلك إذ رأى أمر السحرة حتى أوحى الله عز و جل اليه لا تخف فهذا أمر أشد من أمر أبي بكر وإذا لزم ما يقول هؤلاء الفساق أبا بكر وحاشا لله أن يلزمه من أن حزنه لو كان لما نهاه رسول الله صلى الله عليه و سلم لزم أشد منه لموسى عليه السلام وأن إيجاسه الخيفة في نفسه لو كان رضا لله تعالى ما نهاه الله تعالى عنه ومعاذ الله من هذا بل إيجاس موسى الخيفة في نفسه لم يكن إلا نسيان الوعد المتقدم وحزن أبي بكر رضي الله عنه رضا لله تعالى قبل أن ينهي عنه ولم يكن تقدم اليه نهى عن الحزن وأما محمد صلى الله عليه و سلم فإن الله عز و جل قال ومن كفر فلا يحزنك كفره وقال تعالى ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق وقال تعالى ولا يحزنك قولهم إن العزة لله جميعا وقال تعالى ولا تذهب نفسك عليهم حسرات وقال تعالى فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا ووجدناه عز و جل قد قال ولقد نعلم أنه ليحزنك الذي يقولون وقال أيضا في الأنعام فهذا الله تعالى أخبرنا أنه يعلم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم يحزنه الذي يقولون ونهاه الله عز و جل عن ذلك نصا فيلزمهم في حزن رسول الله صلى الله عليه و سلم الذي نهاه الله تعالى عنه كالذي أراد في حزن أبي بكر سواء بسواء ونعم أن حزن رسول الله صلى الله عليه و سلم بما كانوا يقولن من الكفر كان طاعة لله تعالى قبل أن ينهاه الله عز و جل وما حزن عليه السلام بعد أن نهاه ربه تعالى عن الحزن كما كان حزن أبي بكر طاعة لله عز و جل قبل أن ينهاه الله عز و جل عن الحزن وما حزن أبو بكر قط بعد أن نهاه عليه السلام عن الحزن فكيف وقد يمكن أن يكون أبو بكر لم يحزن يومئذ لكن نهاه عليه السلام عن أن يكون منه حزن كما قال تعالى لنبيه عليه السلام ولا تطع منهم آثما أو كفورا فنهاه عن أن يطيعهم ولم تكن منه طاعة لهم وهذا إنما يعترض به أهل الجهل والسخافة ونعوذ بالله من الضلال
قال أبو محمد واعترض علينا بعض الجهال ببعثة رسول الله صلى الله عليه و سلم علي بن أبي طالب خلف أبي بكر رضي الله عنه عنهما في الحجة التي حجها أبو بكر وأخذ براءة من أبي بكر وتولى علي تبليغها إلى أهل الموسم وقرأئتها عليهم
قال أبو محمد وهذا من أعظم فضائل أبي بكر لأنه كان أميرا على علي بن أبي طالب وغيره من أهل الموسم لا يدفعون إلا بدفعه ولا يقفون إلا بوقوفه ولا يصلون إلا بصلاته

وينصتون إذا خطب وعلي في الجملة كذلك وسورة براءة وقع فيها فضل أبي بكر رضي الله عنه وذكره في أمر الغار وخروجه مع النبي صلى الله عليه و سلم وكون الله تعالى معها فقراءة علي لها أبلغ في إعلان فضل أبي بكر على علي وعلى وسواه وحجة لأبي بكر قاطعة وبالله تعالى التوفيق
قال أبو محمد إلا أن ترجع الروافض إلى إنكار القرآن والنقص منه والزيادة فيه فهذا أمر يظهر فيه قحتهم وجهلهم وسخفهم إلى كل عالم وجاهل فإنه لا يمتري كافر ولا مؤمن في أن هذا الذي بين اللوحين من الكتاب هو الذي أتي به محمد صلى الله عليه و سلم وأخبرنا بأنه أوحاه لله تعالى إليه فمن تعرض هذا فقد أقر بعين عدوه
قال أبو محمد وما يعترض إمامة أبي بكر إلا زار 1 على رسول الله صلى الله عليه و سلم راد لأمره في تقديمه أبا بكر إلى الصلاة بأهل الإسلام مريد لإزالته عن مقام إقامة فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم
قال أبو محمد ولسنا من كذبهم في تأويلهم ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا وإن المراد بذلك علي رضي الله عنه بل هذا لا يصح لأن الآية على عمومها وظاهرها لكل من فعل ذلك
قال أبو محمد فصح بما ذكرنا فضل أبي بكر على جميع الصحابة رضي الله عنهم بعد نساء النبي صلى الله عليه و سلم بالبراهين المذكورة وأما الأحاديث في ذلك فكثيرة كقول رسول الله صلى الله عليه و سلم في أبي بكر دعوا لي صاحبي فإن الناس قالوا كذبت وقال أبو بكر صدقت وقوله صلى الله عليه و سلم لو كنت متخذا خليلا لأتخذت أبا بكر خليلا ولكن أخي وصاحبي وهذا الذي لا يصح غيره وأما أخوة علي فلا تصح إلا مع سهل بن حنيف ومنها أمره صلى الله عليه و سلم بسد كل باب وخوخة في المسجد حاشا خوخة أبي بكر وهذا هو الذي لا يصح غيره ومنها غضبه صلى الله عليه و سلم على من خارج أبا بكر وعلى من أشار عليه بغير أبي بكر للصلاة ومنها قوله صلى الله عليه و سلم أن أمن الناس على علي في ماله أبو بكر وعمدتنا في تفضيل أبي بكر ثم عمر على جميع الصحابة بعد نساء النبي صلى الله عليه و سلم هو قول رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا سئل من أحب الناس اليك يا رسول الله قال عائشة قيل فمن الرجال قال أبوها قيل ثم من يا رسول الله قال عمر
قال أبو محمد فقطعنا بهذا ثم وقفنا ولو زادنا رسول الله صلى الله عليه و سلم بيانا لزدنا لكنا لا نقول في شيء من الدين إلا بما جاء به النص
قال أبو محمد واختلف الناس فيمن أفضل أعثمان أم علي رضي الله عنهما
قال أبو محمد والذي يقع في نفوسنا دون أن نقطع به ولا نخطيء من خالفنا في ذلك فهو أن عثمان أفضل من علي والله أعلم لأن فضائلهما تتقاوم في الأكثر فكان عثمان أقرأ وكان علي أكثر فتيا ورواية ولعلي أيضا حظ قوي في القراءة ولعثمان أيضا حظ قوي في الفتيا والرواية ولعلي مقامات عظيمة في الجهاد بنفسه ولعثمان مثل ذلك بماله ثم انفرد عثمان بأن رسول الله صلى الله عليه و سلم بايع ليساره المقدسة عن يمين عثمان في بيعة الرضوان وله هجرتان وسابقة قديمة وصهر مكرم محمود ولم يحضر بدرا فألحقه الله عز و جل فيه بأجره التام وسهمه فألحقه

بمن حضرها فهو معدود فيهم ثم كانت له فتوحات في الإسلام عظيمة لم تكن لعلي وسيرة في الإسلام هادية ولم يتسبب بسفك دم مسلم وجاءت فيه آثار صحاح وأن الملائكة تستحي منه وأنه ومن اتبعه على الحق والذي صح من فضائل علي فهو قول النبي صلى الله عليه و سلم أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي وقوله عليه السلام لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله وهذه صفة واجبة لكل مؤمن وفاضل وعهده علي السلام أن عليا لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق وقد صح مثل هذه في الأنصار رضي الله عنهم أنه لا يبغضهم من مؤمن بالله وباليوم الآخر وأما من كنت مولاه فعلى مولاه فلا يصح من طريق الثقات أصلا وأما سائر الأحاديث التي تتعلق بها الرافضة فموضوعة يعرف ذلك من له أدنى علم بالأخبار ونقلتها
قال أبو محمد ونقول بفضل المهاجرين الأولين بعد عمر بن الخطاب قطعا إلا أننا لا نقطع بفضل أحد منهم على صاحبه كعثمان بن عفان وعثمان بن مظغون وعلي وجعفر وحمزة وطلحة والزبير ومصعب بن عمير وعبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن مسعود وسعد وزيد بن حارثة وأبي عبيدة وبلال وسعيد بن زيد وعمار بن ياسر وأبي سلمة وعبد الله بن جحش وغيرهم من نظرائهم ثم بعد هؤلاء أهل العقبة ثم أهل بدر ثم أهل المشاهد كلها مشهدا مشهدا فأهل كل مشهد أفضل من اهل المشهد الذي بعده حتى بلغ الأمر إلى الحديبية فكل من تقدم ذكره من المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم إلى تمام بيعة الرضوان فإننا نقطع على غيب قلوبهم وأنهم كلهم مؤمنون صالحون ماتوا على الإيمان والهدى والبر كلهم من أهل الجنة لا يلج أحد منهم النار البتة لقول الله تعالى والسابقون السابقون أولئك المقربون في جنات النعيم وكقوله عز و جل لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم
قال أبو محمد فمن أخبرنا الله عز و جل أنه علم ما في قلوبهم رضي الله عنهم وأنزل السكينة عليهم فلا يحل لأحد التوقف في أمرهم ولا الشك فيهم البتة ولقول رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة إلا صاحب الجمل الأحمر ولإخباره عليه السلام أنه لا يدخل النار أحد شهد بدرا ثم تقطع على أن كل من صحب رسول الله صلى الله عليه و سلم بنية صادقة ولو ساعة فإنه من أهل الجنة لا يدخل النار لتعذيب إلا أنهم لا يلحقون بمن أسلم قبل الفتح وذلك لقول الله عز و جل لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى وقال تعالى وعد الله لا يخلف الله وعده وقال تعالى إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون لا يسمعون حسيسها وهم فيما اشتهت أنفسهم خالدون لا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون فصح بالضرورة أن كل اتفق قبل الفتح وقاتل فهو مقطوع على غيبه لتفضيل الله تعالى إياهم والله تعالى لا يفضل إلا مؤمنا فاضلا وأما من أتفق بعد الفتح وقاتل فقد كان فيهم منافقون لم يعلمهم رسول الله صلى الله عليه و سلم فكيف نحن قال تعالى وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردودا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتي ثم يردون إلى عذاب عظيم
قال أبو محمد فلهذا لم نقطع على كل امريء منهم بعينه لكن نقول كل من لم يكن منههم

من المنافقين فهو من أهل الجنة يقينا لأنه قد وعدهم الله تعالى الحسنى كلهم وأخبر أنه لا يخلف وعده وأن من سبقت له الحسنى فهو مبعد من النار لا يسمع حسيسها ولا يحزنه الفزع الأكبر وهو فيما اشتهى خالد وهذا نص قولنا والحمد لله رب العالمين
قال أبو محمد لقد خاب وخسر من رد قول ربه عز و جل أنه رضي عن المبايعين تحت الشجرة وعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وقد علم كل أحد له أدنى علم أن أبا بكر وعمر وعثمان وعليا وطلحة والزبير وعمار والمغيرة بن شعبة رضي الله عنهم من أهل هذه الصفة والخوارج والروافض قد انتظمت الطائفتان الملعونتان البريئة منهم خلافا لله عز و جل وعنادا له ونعوذ بالله من الخذلان
قال أبو محمد فهذا قولنا في الصحابة رضي الله عنهم فأما التابعون ومن بعدهم فلا نقطع على غيبهم واحدا واحدا الأمر بأن منه احتمال المشقة في الصبر للدين ورفض الدنيا لغير غرض استعجله إلا أننا لا ندري على ماذا مات وإن بلغنا الغاية في تعظيمهم وتوقيرهم والدعاء بالمغفرة والرحمة والرضوان لهم لكن نتولاهم جملة قطعا ونتولى كل إنسان منهم بظاهره ولا نقطع على أحد منهم بجنة ولا نار لكن نرجو لهم ونخاف عليهم إذ لا نص في إنسان منهم بعينه ولا يحل الإخبار عن الله عز و جل إلا بنص من عنده لكن نقول كما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم خيركم القرن الذي بعثت فيهم ثم الذي يلونهم ثم الذي يلونهم ومعنى هذا الحديث إنما هو كل قرن من هذه القرون التي ذكر عليه السلام أكثر فضلا بالجملة من القرن الذي بعده لا يجوز غير هذا البتة وبرهان ذلك أن قد كان في عصر التابعين من هو أفسق الفاسقين كمسلم بن عقبة المري وحبيش بن دلحة القبني والحجاج بن يوسف الثقفي وقتلة عثمان وقتلة ابن الزبير وقتلة الحسين رضي الله عنهم ولعن قتلتهم ومن بعثهم فمن خالف قولنا في هذا الخبر لزمه أن يقول أن هؤلاء الفساق الأخابث أفضل من كل فاضل في القرن الثالث ومن بعده كسفيان الثوري والفضيل بن عياض ومسعر بن كدام وشعبة ومنصور بن المعتمر ومالك والأوزاعي والليث وسفيان بن عيينة ووكيع وابن مبارك والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهوية وداود بن علي رضي الله عنهم وهذا ما لا يقوله أحد وما يبعد أن يكون في زماننا وفيمن يأتي بعدنا من هو أفضل رجل من التابعين عند الله عز و جل إذ لم يأت في المنع من ذلك نص ولا دليل أصلا والحديث المأثور في أويس الفرني لا يصح لأن مداره على أسيد بن جابر وليس بالقوي وقد ذكر شعبة أنه سأل عمرو بن مرة وهو كوفي قرني مرادي من أشرف مرادا وأعلمهم عن أويس القرني فلم يعرفه في قومه وأما الصحابة رضي الله عنهم فبخلاف هذا ولا سبيل إلى أن يلحق أقلهم درجة أحد من أهل الأرض وبالله تعالى التوفيق
قال أبو محمد وذهب بعض الروافض إلى أن لذوي قرابة رسول الله صلى الله عليه و سلم فضلا بالقرابة فقط واحتج بقوله تعالى إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض وبقوله عز و جل قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربي وبقوله تعالى وابعث فيهم رسولا منهم
قال أبو محمد وهذا كله لا حجة فيه أما إخباره تعالى بأنه اصطفى آل إبراهيم وآل عمران على العالمين فإنه لا يخلو من أحد وجهين لا ثالث لهما أما أن يعني كل مؤمن فقد قال ذلك بعض العلماء أو يعني مؤمن أهل بيت إبراهيم وعمر أن لا يجوز غير هذا لأن آزر والد إبراهيم

عليه السلام كان كافرا عدو الله لم يصطفه الله تعالى إلا لدخول النار فإن أراد الوجه الذي ذكرنا لم نمانعه ولا تنازعه في أن موسى وهارون من آل عمران وآل إسماعيل وإسحاق ويوسف ويعقوب من آل إبراهيم مصطفون على العالمين فأي حجة ها هنا لبني هاشم فإن ذكروا الدعاء المأمور به وهو اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وبارك على محمد وعلى محمد فالقول في هذا كما قلنا ولا فرق وهذا دعاء لكل مؤمن وقد قال تعالى خذ من اموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم اللهم صلي على آل أبي أوفي فهذا هو الدعاء لهم بالصلاة على كل مؤمن ومؤمنة بلا خلاف وكذلك الدعاء في التشهد المفترض في كل صلاة من قول المصطفى السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فهذا السلام على كل مؤمن ومؤمنة فاستوى بنو هاشم وغيرهم في إطلاق الدعاء بالصلاة عليهم وبالسلام عليهم ولا فرق وقال تعالى وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا الذيه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون فوجبت صلوات الله تعالى على كل مؤمن صابر فاستوى كله بنو هاشم وقريش والعرب والعجم ومن كان جميعهم بهذه الصفة وأيضا فيلزم من احتج بقوله تعالى إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين أن يقول أن من أسلم من الهارونيين من اليهود أفضل من بني هاشم وأشرف وأولى بالتقديم لأنه من آل عمران ومن آل إبراهيم وفيهم ورد النص
قال أبو محمد فصح يقينا أن الله عز و جل إنما أراد بذلك الأنبياء عليهم السلام فقط وبين هذا بيان جليا قول الله عز و جل حاكيا عن إبراهيم عليه السلام أنه قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين ومن ذرية إبراهيم عليه السلام الظالمين من ذرية غيره وقال عز و جل أن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا فخص الله تعالى بولاية إبراهيم عليه السلام من اتبع إبراهيم كائنا من كان فدخل في هذا كل مؤمن ومؤمنة ولا فضل وأما قول الله عز و جل قل لا أسألكم عليه أجر إلا المودة في القربى فهذا حق على ظاهره وإنما أراد عليه السلام من قريش أن يودوه لقرابته منهم ولا يختلف أحد من الأمة في أنه عليه السلام لم يرد قط من المسلمين أن يودوا أبا لهب وهو عمه ولا شك في أنه عليه السلام أراد من المسلمين مودة بلال وعمار وصهيب وسليمان وسالم مولى أبي حذيفة وأما قوله عز و جل عن إبراهيم عليه السلام وابعث فيهم رسولا منهم فقد قال عز و جل وإن من أمةإلا خلا فيها نذير وقال تعالى وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم فاستوت الأمم كلها في هذه الدعوة بأن يبعث فيهم رسولا منهم ممن هم قومه فإن احتج محتج بالحديث الثابت الذي فيه أن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريشا من كنانة واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بين هاشم فمعناه ظاهر وهو أنه تعالى اختار كونه عليه الصلاة و السلام من بني هاشم وكون بني هاشم من قريش وكون قريش من كنانة وكون كنانة من بني إسماعيل كما اصطفى أن يكون موسى من بني لاوى وأن يكون بنو لاوى من بني إسحاق عليه السلام وكل نبي من عشيرته التي هو منها ولا يجوز غير هذا البتة ونسأل من أراد حمل ها الحديث على غير هذا لمعنى أيدخل أحد من بني هاشم أو من قريش أو من كنانة أو من إسماعيل النار أم لا فإن أنكروا هذا

كفروا وخالفوا الإجماع والقرآن والسنن وقد قال عليه السلام أبي وأبوك في النار وإن أبا طالب في النار وجاء القرآن بأن أبا لهب في النار وسائر كفار قريش في النار كلك قال الله تعالى تبت يد أبي لهب وتب ما أغنى عنه ماله وما كسب سيصلى نارا ذات لهب فإذا أقر بأنه قد يدخل الار منهم من يستحق أن يدخلها صحت المساواة بينهم وبين سائر الناس
قال أبو محمد و يكذب الظن الفاسد قول رسول الله صلى الله عليه و سلم يا فاطمة بنت محمد لا أغنى عنك من الله شيئا يا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئا يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئا يا بني عبد المطلب لا أغني عنكم من الله شيئا وأبين من هذا كله قول الله تعالى يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم وقوله تعالى لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة يفصل بينكم وقوله تعالى وأخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا وقال تعالى وذكر عاد وثمودا وقوم نوح وقوم لوط ثم قال أكفاركم خير من أولئكم أم لكم براءة في الزبر فصح ضرورة أنه لا ينتفع أحد بقرابته من رسول الله صلى الله عليه و سلم ولا من نبي من الأنبياء والرسل عليهم السلام ولو أن النبي ابنه أو أبوه وأمه نبية وقد نص الله تعالى في ابن نوح ووالد إبراهيم وعم محمد على رسل الله الصلاة والسلام ما فيه الكفاية وقد نص الله تعالى على أن من أنفق من قبل الفتح وقاتل أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا فصح ضرورة أن بلالا وصهيبا والمقداد وعمارا وسالما وسلمان أفضل من العباس وبنيه عبد الله والفضل وقثم وعبيد الله وعقيل بن أبي طالب والحسن والحسين رضي الله عن جميعهم بشهادة الله تعالى فإذ هذا لا شك فيه ولا جزاء في الآخرة إلا على عمل ولا ينتفع عند الله تعالى بالأرحام ولا بالولادات وليست الدنيا دار جزاء فلا فرق بين هاشمي وقرشي وعربي وعجمي وحبشي وابن زنجية والكرم والفوز لمن اتقى الله عز و جل حدثنا محمد بن سعيد بن بيان أنبأنا أحمد بن عبد الله البصير حدثنا قاسم بن أصبع حدثنا عبد السلام بن الخثن حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا سفيان الثوري عن أبي إسحاق السبيعي عن حسان بن قايد العبسي قال قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه كرم الرجل دينه وحسبه وخلقه وإن كان فارسيا أو نبطيا

الكلام في حرب علي من حاربه من الصحابة رضي الله عنهم قال أبو محمد اختلف الناس في تلك الحرب على ثلاث فرق فقال جميع الشيعة وبعض المرجئة وجمهور المعتزلة وبعض أهل السنة أن عليا كان المصيب في حربه وكل من خالفه على خطأ وقال واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد وأبو الهذيل وطوائف من المعتزلة أن عليا مصيبا في قتاله مع معاوية وأهل النهر ووقفوا في قتاله مع أهل الجمل وقالوا احدى الطائفتين مخطئة ولا نعرف أيهما هي وقالت الخوارج علي المصيب في قتاله أهل الجمل وأهل صفين وهو مخطيء في قتاله أهل النهر وذهب سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر وجمهور الصحابة إلى الوقوف في علي وأهل الجمل وأهل صفين وبه يقول جمهور أهل السنة وأبو بكر بن كيسان وذهب جماعة من الصحابة وخيار التابعين وطوائف ممن بعدهم إلى تصويب محاربي علي من أصحاب الجمل وأصحاب صفين وهم الحاضرون لقتاله في اليومين المذكورين وقد أشار إلى هذا أيضا أبو بكر بن كيسان

قال أبو محمد أما الخوارج فقد أوضحنا خطأهم وخطأ أسلافهم فيما سلف من كتابنا هذا حاشا احتجاجهم بإنكار تحكيم على الحكمين فسنتكلم في ذلك إن شاء الله تعالى كما تكلمنا في سائر أحكامهم والحمد له رب العالمين وأما من وقف فلا حجة له أكثر من أنه لم يتبين له الحق ومن لم يتبين له الحق فلا سبيل إلى مناطرته بأكثر من ان نبين له وجه الحق حتى يراه وذكروا أيضا أحاديث في ترك القتال في الإختلاف سنذكر لكم جملتها إن شاء الله تعالى فلم يبق إلا الطائفة المصوبة لعلي في جميع حروبه والطائفة المصوبة لمن حاربه من أهل الجمل وأهل صفين
قال أبو محمد احتج من ذهب إلى تصويب محاربي علي يوم الجمل ويوم صفين بأن قال إن عثمان رضي الله عنه قتل مظلوما فالطلب بأخذ القود من قاتليه فرض قال عز و جل ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا وقال تعالى وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان قالوا ومن آوى الظالمين فهو إما مشارك لهم وإما ضعيف عن أخذ الحق منهم قالوا وكلا الأمرين حجة في إسقاط إمامته على من فعل ذلك ووجوب حربه قالوا وما أنكروا على عثمان إلا أقل من هذا من جواز إنفاذ أشياء بغير علمه فقد ينفذ مثلها سر أو لا يعلمها أحد إلا بعد ظهورها قالوا وحتى لو أن كل ما أنكر على عثمان أن يصح ما حل بذلك قتله بلا خلاف من أحد من أهل الإسلام لأنهم إنما أنكروا عليه استئثار بشيء يسير من فضلات الأموال لم يجب لأحد بعينه فمنعها وتولية أقاربه فلما شكوا اليه عزلهم وأقام الحد على من استحقه وأنه صرف الحكم بن أبي العاص إلى المدينة ونفى رسول الله صلى الله عليه و سلم للحكم لم يكن حدا واجبا ولا شريعة على التأييد وإنما كان عقوبة على ذنب استحق به النفي والتوبة مبسوطة فإذا تاب سقطت عنه تلك العقوبة بلا خلاف من أحد من أهل الإسلام وصارت الأرض كلها مباحة وأنه ضرب عمارا خمسة أسواط ونفي أبا ذر إلى الربذة وهذا كله لا يبيح الدم قالوا وإيواء على المحدثين أعظم الأحداث من سفك الدم الحرام في حرم رسول الله صلى الله عليه و سلم لا سيما دم الإمام وصاحب رسول الله صلى الله عليه و سلم أعظم والمنع من إنفاذ الحق عليهم أشد من كل ما ذكرنا بلا شك قالوا وامتناع معاوية من بيعة علي كإمتناع علي من بيعة أبي بكر فما حاربه أبو بكر ولا أكرهه وأبو بكر أقدر على علي من علي على معاوية ومعاوية في تأخيره عن بيعة علي أعذر وأفسح مقالا من علي في تأخيره عن بيعة أبي بكر لأن عليا لم يمتنع من بيعة أبي بكر أحد من المسلمين غيره بعد أن بايعه الأنصار والزبير وأما بيعة علي فإن جمهور الصحابة تأخروا عنها أما عليه وأما لا له ولا عليه وما تابعه فيهم إلا الأقل سوى أزيد من مائة ألف مسلم بالشام والعراق ومصر والحجاز كلهم امتنع من بيعته فهل معاوية إلا كواحد من هؤلاء في ذلك وأيضا فإن بيعة علي لم تكن على عهد من النبي صلى الله عليه و سلم كما كانت بيعة أبي بكر ولا عن إجماع من الأمة كما كانت بيعة عثمان ولا عن عهد من خليفة واجب الطاعة كما كانت بيعة عمر ولا بسوق بائن 1 في الفضل على غيره لا يختلف فيه أحد ولا عن شورى فالقا عدون عنها بلا شك ومعاوية من جملتهم أعذر من علي في قعوده عن بيعة أبي بكر ستة أشهر حتى رأى البصيرة وراجع الحق عليه في ذلك قالوا فإن قلتم خفي على علي نص رسول الله صلى الله عليه و سلم على أبي بكر قلنا لكم لم يخف عليه بلا شك تقديم رسول الله صلى الله عليه و سلم أبا بكر إلى الصلاة وأمره عليا بأن يصلي وراءه في جماعة المسلمين فتأخر عن بيعة

أبي بكر سعى منه في حطه عن مكان جعله رسول الله صلى الله عليه و سلم حقا لأبي بكر وسعي منه في فسخ نص رسول الله صلى الله عليه و سلم على تقديمه إلى الصلاة وهذا أشد من رد إنسان نفاه رسول الله صلى الله عليه و سلم لذنب ثم تاب منه وأيضا فإن عليا قد تاب واعترف بالخطأ لأنه إذا بايع أبا بكر بعد ستة أشهر تأخر فيها عن بيعته لا يخلو ضرورة من أحد وجهين إما أن يكون مصيبا في تأخره فقد أخطأ إذ بايع أو يكون مصيبا في بيعته فقد أخطأ إذا تأخر عنها قالوا والممتنعون من بيعة علي لم يعترفوا قط بالخطأ على أنفسهم في تأخرهم عن بيعته قالوا فإن كان فعلهم خطأ فهو أخف من الخطأ في تأخر علي عن بيعة أبي بكر وإن كان فعلهم صوابا فقد برئوا من الخطأ جملة قالوا والبون بين طلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وعلي خفي جدا فقد كانوا في الشورى معه لا يبدو له فضل تفوق عليهم ولا على واحد منهم وأما البون بين علي وأبي بكر فأبين وأظهر فهم من امتناعهم عن بيعته أعذر لخفاء التفاضل قالوا وهلا فعل علي في قتله عثمان كما فعل بقتله عبد الله بن خباب بن الأرث فإن القصتين استويا في التحريم فالمصيبة في قتل عثمان في الإسلام وعند الله عز و جل وعلى المسلمين أعظم جرما وأوسع خرقا وأشنع إثما وأهول فسقا من المصيبة في قتل عبد الله بن خباب قالوا وفعله في طلب دم عبد الله بن خباب يقطع حجة من تأول على علي أنه يمكن أن يكون لا يرى قتل الجماعة بالواحد
قال أبو محمد هذا كل ما يمكن أن تحتج به هذه الطائفة قد تقصيناه ونحن إن شاء الله تعالى متكلمون على ما ذهبت اليه كل طائفة من هذه الطوائف حتى يلوح الحق في ذلك بعون الله تعالى وتأييده
قال أبو محمد نبدأ بعون الله عز و جل بإنكار الخوارج للتحكيم
قال أبو محمد قالوا حكم على الرجال في دين الله تعالى والله عز و جل قد حرم ذلك بقوله إن الحكم إلا لله وبقوله تعالى وما أختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله
قال أبو محمد ما حكم علي رضي الله عنه قط رجلا في دين الله وحاشاه من ذلك وإنما حكم كلام الله عز و جل كما افترض الله تعالى عليه وإنما اتفق القوم كلهم إذا رفعت المصاحف على الرماح وتداعوا إلى ما فيها على الحكم بما أنزل الله عز و جل في القرآن وهذا وهو الحق الذي لا يحل لأحد غيره لأن الله تعالى يقول فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر فإنما حكم علي رضي الله عنه أبا موسى وعمرو رضي الله عنهما ليكون كل واحد منهما مدليا بحجة من قدمه وليكونا متخاصمين عن الطائفتين ثم حاكمين لمن أوجب القرآن الحكم له وإذ من المحال الممتنع الذي لا يمكن الذي لا يفهم لغط العسكرين أو أن يتكلم جميع أهل العسكر بحجتهم فصح يقينا لا محيد عنه صواب علي في تحكيم الحكمين والرجوع إلى ما أوجبه القرآن وهذا الذي لا يجوز غيره ولكن أسلاف الخوارج كانوا أعرابا قرؤا القرآن قبل أن يتفقهوا في السنن الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ولم يكن فيهم أحد من الفقهاء لا من أصحاب ابن مسعود ولا أصحاب عمرو ولا أصحاب علي ولا أصحاب عائشة ولا أصحاب أبي موسى ولا أصحاب معاذ بن جبل ولا أصحاب أبي الدرداء ولا أصحاب سلمان ولا أصحاب زيد وابن عباس وابن عمر ولهذا تجدهم يكفر بعضهم بعضا عند أقل نازلة تنزل بهم من دقائق الفتيا وصغارها فظهر ضعف القوم وقوة جهلهم وأنهم أنكروا

ما قام البرهان الذي أوردنا بأنه حق ولو لم يكن من جهلهم لأقرب عهدهم بخبر الأنصار يوم السقيفة وإذعانهم رضي الله عنهم من جميع المهاجرين لوجب الأمر في قريش دون الأنصار وغيرهم وإن عهدهم بذلك قريب منذ خمسة وعشرين عاما وأشهر وجمهورهم أدرك ذلك بسنة وثبت عند جميعهم كثبات أمر النبي صلى الله عليه و سلم ولا فرق لأن الذين نقلوا اليهم أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم ونقلوا اليهم القرآن والشرائع فدانوا بكل ذلك هم بأعيانهم لا زيادة فيهم ولا نقص نقلوا اليهم خبر السقيفة ورجوع الأنصار إلى أن الأمر لا يكون إلا في قريش وهم يقرؤن قوله تعالى لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى وقوله تعالى محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا الآية وقوله تعالى لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأنابهم فتحا قريبا ثم أعماهم الشيطان وأضلهم الله تعالى على علم فحلوا بينه مثل علي وأعرضوا عن مثل سعيد بن زيد وسعد وابن عمر وغيرهم ممن أنفق من قبل الفتح وقاتل وأعرضوا عن سائر الصحابة الذين أنفقوا بعد الفتح وقاتلوا ووعدهم الله الحسنى وتركوا من يقرون بأن الله تعالى عز و جل علم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم ورضي عنهم وبايعوا الله وتركوا جميع الصحابة وهم الأشداء على الكفار الرحماء بينهم الركع السجد المبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود المثني عليهم في التوراة والإنجيل من عند الله عز و جل الذين غظ الله بهم الكفار المقطوع على أن باطنهم في الخير كظاهرهم لأن الله عز و جل شهد بذلك فلم يبايعوا أحدا منهم وبايعوا شيث بن ربعي مؤذن سجاح أيام ادعت النبوة بعد موت النبي صلى الله عليه و سلم حتى تداركه الله عز و جل فر عنهم وتبين لهم ضلالتهم فلم يقع اختيارهم إلا على عبد الله بن وهب الراسبي أعرابي وآل علي عقيبة لا سابقة لاه ولا صحبة ولا فقه ولا شهد الله له بخير قط فمن أضل ممن هذه سيرته واختياره ولكن حق لمن كان أحدا يمينه ذو خو يصره الذي بلغه ضعف عقله وقلة دينه إلى تجويره رسول الله صلى الله عليه و سلم في حكمه والإستدارك ورأى نفسه أورع من رسول الله صلى الله عليه و سلم هذا وهو يقر أنه رسول الله صلى الله عليه و سلم اليه وبه اهتدى وبه عرف الدين ولولاه لكان حمارا أو أضل ونعوذ بالله من الخذلان وأما الطائفة المصوبة للقاعدين فإن من لم يلح له الحق منهم فإنما يكلم حتى يبين له الحق فيلزمه المصير الذيه فنقول وبالله تعالى التوفيق أنه قد صح ووجب فرض الإمامة بما ذكرنا قبل في إيجاب الإمامة وإذ هي فرض فلا يجوز تضييع الفرض وإذ ذلك كلك فالمبادرة إلى تقديم إمام عند موت الإمام فرض واجب وقد ذكرنا وجوب الإئتمام بالإمام فإذ هذا كله كما كرنا فإذ مات عثمان رضي الله عنه وهو الإمام ففرض إقامة إمام يأتم به الناس لئلا يبقوا بلا إمام فإذا فإذ بادر علي فبايعه واحد من المسلمين فصاعدا فهو إمام قائم ففرض طاعته لا سيما ولم يتقدم ببيعته بيعة ولم ينازعه الإمامة أحد فهذا أوضح وواجب في وجوب إمامته وصحة بيعته ولزوم أمرته للمؤمنين فهو الإمام بحقه وما ظهر منه قط إلى أن مات رضي الله عنه شيء يوجب نقض بيعته وما ظهر منه قط إلا العدل والجد والبر والتقوى كما لو سبقت بيعة طلحة أو الزبير أو سعد أو سعيدا أو من يستحق الإمامة لكانت أيضا بيعة حق لازمة لعلي ولغيره ولا فرق فعلى مصيب في الدعاء إلى نفسه وإلى

الدخول تحت إمامته وهذا برهان لا محيد عنه وأما أم المؤمنين والزبير وطلحة رضي الله عنهم ومن كان معهم فما أبطلوا قط إمامة علي ولا طعنوا فيها ولا ذكروا فيه جرحة تحطه عن الإمامة ولا أحدثوا إمامة أخرى ولا جددوا بيعة لغيره هذا ما لا يقدر أن يدعيه أحد بوجه من الوجوه بل يقطع كل ذي علم على أن كل لك لم يكن فإذ لا شك في كل هذا فقد صح صحة ضرورية لا إشكال فيها أنهم لم يمضوا إلى البصرة لحرب علي ولا خلافا عليه ولا نقضا لبيعته ولو أرادوا ذلك لأحدثوا بيعة غير بيعته هذا ما لا يشك فيه أحد ولا ينكره أحد فصح أنهم إنما نهضوا إلى البصرة لسد الفتق الحادث في الإسلام من قتل أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه ظلما وبرهان ذلك أنهم اجتمعوا ولم يقتتلوا ولا تحاربوا فلما كان الليل عرف قتله عثمان إلا أن الأراغة والتدبير عليهم فبينوا عسكر طلحة والزبير وبذلوا السيف فيهم فدفع القوم عن أنفسهم في دعوى حتى خالطوا عسكر علي فدفع أهله عن أنفسهم وكل طائفة تظن ولا شك أن الأخرى بدأ بها بالقتال واختلط الأمر اختلاطا لم يقدر أحد على أكثر من الدفاع عن نفسه والفسقة من قتلة عثمان لا يغترون من شن الحرب وأضر أمه فكلتا الطائفتين مصيبة في غرضها ومقصدها مدافعة عن نفسها ورجع الزبير وترك الحرب بحالها وأتى طلحة سهم غاير وهو قائم لا يدري حقيقة ذلك الإختلاط فصادف جرحا في ساقه كان أصابه يوم أحد بين يدري رسول الله صلى الله عليه و سلم فإنصرف ومات من وقته رضي الله عنه وقتل الزبير رضي الله عنه بوادي السباع على أقل من يوم من البصرة فهكذا كان الأمر وكذلك كان قتل عثمان رضي الله عنه إنما حاصره المصريون ومن لف لفهم يديرونه على إسلام مروان اليهم وهو رضي الله عنه يأبى من ذلك ويعلم أنه إن أسلمه قتل دون تثبت فهو على ذلك وجماعات من الصحابة فيهم الحسن والحسين ابنا علي وعبد الله بن الزبير ومحمد بن طلحة وأبو هريرة وعبد الله بن عمر وغيرهم في نحو سبعمائة من الصحابة وغيرهم معه في الدار يحمونه وينفلتون إلى القتال فيردعهم تشتا إلى أن تسوروا عليه من خوخة في دار ابن حزم النصارى جاره غيلة فقتلوه ولا خبر من ذلك عند أحد لعن الله من قتله والراضين بقتله فما رضي أحد منهم قط بقتله ولا علموا أنه يراد قتله لأنه لم يأت منه شيء يبيح الدم الحرام وأما قوله من قال أنه رضي الله عنه أقام مطروحا على مزبلة ثلاثة أيام فكذب بحت وإفك موضوع وتوليد من لا حياء في وجهه بل قتل عشية ودفن من ليلته رضي الله عنه شهد دفنه طائفة من الصحابة وهم جبير بن مطعم وأبو الجهم بن حيفة وعبد الله بن الزبير ومكرم بن نيار وجماعة غيرهم هذا مما لا يتمادى فيه أحد ممن له علم بالأخبار ولقد أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم يرمي أجساد قتلى الكفار من قريش يوم بدر في القليب وألقى التراب عليهم وهم شر خلق الله تعالى وأمر عليه السلام أن يحفر أخاديد لقتلى يهود قريظة وهم شر من وارته الأرض فمواراة المؤمن والكافر فرض على المسلمين فكيف يجوز لذلك حياء في وجهه أن ينسب إلى علي وهو الإمام ومن بالمدينة من الصحابة أنهم تركوا رجلا ميتا ملقى بين أظهرهم على مزبلة لا يوارونه ولا نبالي مؤمنا كان أو كافرا ولكن الله يأبى إلا أن يفضح الكذابين بألسنتهم ولو فعل هذا علي لكانت جرحه لأنه لا يخلوا أن يكون عثمان كافرا أو فاسقا أو مؤمنا فإن كان كافرا أو فاسقا عنده فقد كان فرضا على علي أن يفسخ أحكامه في المسلمين فإذا لم يفعل فقد صح أنه كان مؤمنا عنده فكيف يجوز ان ينسب ذو حياء إلى علي أنه ترك مؤمنا مطروحا ميتا على مزبلة لا يأمر بموارته

أم كيف يجوز أن يظنه به أنه أنفذ أحكام كافر أو فاسق على أهل الإسلام ما أحد أسوأ ثناء على علي من هؤلاء الكذبة الفجرة
قال أبو محمد ومن البرهان على صحة ما قلناه أن من الجهل الفاضح أن يظن ظان أن عليا رضي الله عنه بلغ من ا لتناقض في أحكامه وإتباع الهوى في دينه والجهل أن يترك سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر وأسامة بن زيد وزيد بن ثابت بن حسان ورافع بن خديج ومحمد بن مسلمة وكعب بن مالك وسائر الصحابة الذين لم يبايعوه فلا يجهزهم عليا وهم معه في المدينة وغيرها نعم والخوارج وهو يصيحون في نواحي المسجد بأعلى أصواتهم بحضرته وهو على المنبر في مسجد الكوفة لا حكم إلا الله لا حكم إلا الله فيقول لهم رضي الله عنه لكم علينا ثلاث لا نمنعكم المساجد ولا نمنعكم حقكم من الفيء ولا نبدوكم بقتال أو لم يبدأ بحرب حتى قتلوا عبد الله بن خباب ثم لم يقاتلهم بعد ذلك حتى دعاهم إلى أن يسلموا الذيه قتلة عبد الله بن خباب فلما قالوا كلنا قتله قاتلهم حينئذ ثم يظن به مع هذا كله أنه يقاتل أهل الجهل لإمتناعهم من بيعته هذا إفك وجنون مختلق بحت بلا شك
قال أبو محمد وأما أمر معاوية رضي الله عنه فبخلاف ذلك ولم يقاتله علي رضي الله عنه لإمتناعه من بيعته لأنه كان يسعه في ذلك ما وسع ابن عمر وغيره لكن قاتله لإمتناعه من إنفاذ أوامره في جميع أرض الشام وهو الإمام الواجبة طاعته فعلى المصيب في هذا ولم ينكر معاوية قط فضل علي وإستحقاقه الخلافة لكن اجتهاده أداه إلى أن رأى تقديم أخذ القود من قتلة عثمان رضي الله عنه على البيعة ورأى نفسه أحق بطلب دم عثمان والكلام فيه عن ولد عثمان وولد الحكم ابن أبي العاص لسنه ولقوته على الطلب بذلك كما أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم وعبد الرحمن بن سهل أخا عبد الله بن سهل المقتول بخيبر بالسكوت وهو أخو المقتول وقال له كبر كبر وروى الكبر الكبر فسكت عبد الرحمن وتكلم محيصة وحويصة أبناء مسعود وهما أبنا عم المقتول لأنهما كانا أسن من أخيه فلم يطلب معاوية من ذلك إلا ما كان له من الحق أن يطلبه وأصاب في ذلك الأثر الذي ذكرنا وإنما أخطأ في تقديمه ذلك على البيعة فقط فله أجر الإجتهاد في ذلك ولا إثم عليه فيما حرم من الإصابة كسائر المخطئين في اجتهادهم الذين أخبر رسول الله صلى الله عليه و سلم أن لهم أجرا واحدا وللمصيب أجرين ولا عجب أعجب ممن يجيز الإجتهاد في الدماء وفي الفروج والأنساب والأموال والشرائع التي يدان الله بها من تحريم و إيجاب ويعذر المخطئين في ذلك ويرى لك مباحا لليث والبتي أبي حنيفة والثوري ومالك والشافعي وأحمد وداود وإسحاق وأبي ثور وغيرهم كزفر وأبي يوسف ومحمد بن الحسن والحسن بن زياد وابن القاسم وأشهب وابن الماجشون والمزني وغيرهم فواحد من هؤلاء يبيح دم هذا الإنسان وآخر منهم يحرمه كمن حارب ولم يقتل أو عمل عمل قوم لوط وغير هذا كثير وواحد منهم يبيح هذا الفرج وآخر منهم يحرمه كبكرا نكحها أبوها وهي بالغة عاقلة بغير إذنها ولا رضاها وغير هذا كثير وكذلك في الشرائع والأوامر والأنساب وهكذا فعلت المعتزلة بشيوخهم كواصل وعمرو وسائر شيوخهم وفقهائهم وهكذا فعلت الخوارج بفقهائهم ومفتيهم ثم يضيقون ذلك على من له الصحبة والفضل والعلم والتقدم والإجتهاد كمعاوية وعمروا ومن معهما من الصحابة رضي الله عنه وإنما اجتهد في مسائل دماء كالتي اجتهد فيها المفتون وفي المفتين من يرى قتل الساحر وفيهم من لا يراه وفيهم من يرى

قتل الحر بالعبد وفيهم من يرى قتل المؤمن بالكافر وفيهم من لا يراه فأي فرق بين هذه الاجتهادات واجتهاد معاوية وعمرو وغيرهما لولا الجهل والعمى والتخليط بغير علم وقد علمنا أن من لزمه حق واجب وامتنع من أدائه وقاتل دونه فانه يجب على الإمام أن يقاتله وإن كان منا وليس ذلك بمؤثر في عدالته وفضله ولا بمحب له فبالمقابل هو مأجور لإجهاده ونيته في طلب الخير فبهذا قطعنا على صواب علي رضي الله عه وصحة أمانته وانه صاحب الحق وان له اجرين اجر الاجتهاد واجر الإصابة وقطعنا أن معاوية رضي الله عنه ومن معه مخطئون مجتهدون مأجورون أجرا واحدا وأيضا في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه و سلم انه أخبر عن مارقة تمرق بين طائفتين من أمته يقتلها أولى الطائفتين بالحق فمرقت تلك المارقة وهم الخوارج من أصحاب علي و أصحاب معاوية فقتلهم علي وأصحابه فصح انهم أولى الطائفتين بالحق وأيضا الخبر الصحيح من رسول الله صلى الله عليه و سلم تقتل عمارا الفئة الباغية
قال أبو محمد المجتهد المخطئ إذا قاتل على ما يرى انه الحق قاصدا إلى الله تعالى نيته غير عالم بأنه مخطئ فهو باعثه وان كان مأجور أو لا حد عليه إذا ترك القاتل ولا قود وأما إذا قاتل وهو يدري انه مخطئ فهذا المحارب تلزمه المحاربة والقود وهذا يفسق ويخرج لا المجتهد المخطئ وبيان ذلك قول الله تعالى وان طائفتان من المؤمنين اقتلوا فاصلحوا بينهما فان بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله إلى قوله إنما المؤمنون اخوة فاصلحوا بين أخويكم فهذا نص قولنا دون تكلف تأويل ولا زوال عن موجب ظاهر الآية وقد سماهم الله عز و جل مؤمنين باغين بعضهم اخوة بعض في حين تقاتلهم وأهل العدل المبغي عليهم والمأمورين بالإصلاح بينهم وبينهم ولم يصفهم عز و جل بفسق من اجل ذلك التقاتل ولا ينقص إيمان وإنما هم مخطئون باغون ولا يريد واحدا منهم قتل آخر وعمر رضي الله عنه قتله أبو العادية يسار ابن سبع السلمي شهد بيعة الرضوان فهو من شهداء الله له بأنه علم ما في قلبه وانزل السكينة عليه ورضي عنه فأبو العادية رضي الله عنه متأول مجتهد مخطئ فيه باغ عليه مأجور أجرا واحدا وليس هذا كقتلة عثمان رضي الله عنه لأنهم لا مجال للاجتهاد في قتله لأنه لم يقتل أحدا ولا حارب ولا قاتل ولا دافع ولا زنى بعد إحسان ولا ارتد فيسوغ المحاربة تأويل بل هم فساق محاربون سافكون دما حراما عمدا بلا تأويل على سبيل الظلم والعدوان فهم فساق ملعون
قال أبو محمد فإذ قد بطل هذا الأمر وصح أن عليا هو صاحب الحق فالأحاديث التي فيها التزام البيوت وترك القتال إنما هو بلا شك فيمن لم يلح له يقين الحق أين هو وهكذا نقول فإذا تبين الحق فقتال الفئة الباغية فرض بنص القرآن وكذلك ان كانتا معا باغيتين فقتالهما واجب لان كلام الله عز و جل لا يعارض كلام نبيه صلى الله عليه و سلم لأنه كله من عند الله عز و جل قال الله عز و جل وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى وقال عز و جل ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا فصح يقينا إن كل ما قاله رسول الله صلى الله عليه و سلم فهو وحي من عند الله عز و جل وإذ هو كذلك فليس شئ مما عند الله تعالى مختلفا والحمد لله رب العالمين
قال أبو محمد فلم يبق إلا الكلام على الوجوه التي اعترض بها من رأى قتال علي رضي الله عنه

قال أبو محمد فنقول وبالله التوفيق إما قولهم أن اخذ القود واجب من قتلة عثمان رضي الله عنه المحار بين لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه و سلم الساعين في الأرض بالفساد والهاتكين حرمة الإسلام والحرم والأمانة والهجرة والخلافة والصحبة والسابقة فنعم وما خالفهم قط على في ذلك ولا في البراءة منهم ولكنهم كانوا عددا ضخما جمالا طاقه له عليهم فقد سقط عن علي رضي الله عنه مالا يستطيع عليه كما سقط عنه وعن كل مسلم ما عجز عنه من قيام بالصلاة والصوم والحج ولا فرق قال الله تعالى لا يكلف الله نفسا إلا وسعها وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم ولو أن معاوية بايع عليا لقوى به على احذ الحق من قتلة عثمان فصح أن الاختلاف هو الذي اضعف يد علي عن إنقاذ الحق عليهم ولولا ذلك لأنقذ الحق عليهم كما أنقذه علي قتلة عبد الله بن خباب إذ قدر على مطالبة قتلته وإما تأسي معاوية في امتناعه من بيعة علي بتأخر علي عن بيعة أبى بكر فليس في الخطأ أسوة وعلى استقال ورجع وبايع بعد يسير فلو فعل معاوية مثل ذلك لأصاب ولبايع حينئذ بلا شك كل من امتنع من الصحابة من البيعة من اجل الفرقة وأما تقارب ما بين علي وطلحه والزبير وسعد فنعم ولكن من سبقت بيعته وهو من أهل الاستحقاق والخلافة فهو الإمام الواجبة طاعته فيما أمر به من طاعة الله عز و جل سواء كان هنالك من هو مثله أو افضل كما سبقت بيعة عثمان فوجبت طاعته وإمامته علي غيره ولو بويع هنالك حينئذ وقت الشورى علي أو طلحه أو الزبير أو عبد الرحمن أو سعد لكان الإمام وللزمت عثمان طاعته ولا فرق فصح إن عليا هو صاحب الحق والإمام المفترضة طاعته ومعاوية مخطئ مأجور مجتهد وقد يخفى الصواب على الصاحب العالم فيما هو أبين و أوضح من هذا الأمر من أحكام الدين فربما رجع إذ استبان له وربما لم يستبن له حق يموت عليه وما توفيقنا إلا بالله عز و جل وهو المسئول العصمة والهداية لا اله إلا هو
قال أبو محمد نطلب على حقه نقاتل عليه وقد كان تركه ليجمع كلمة المسلمين كما فعل الحسن ابنه رضي الله عنهما فكأن له بذلك فضل عظيم قد تقدم به إنذار رسول الله صلى الله عليه و سلم إذ قال ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به طائفتين عظيمتين من أمتي فغبطه رسول الله صلى الله عليه و سلم بذلك ومن ترك حقه رغبة في حقن دماء المسلمين فقد أتى من الفضل بما لا وراء ولا لوم عليه بل هو مصيب في ذلك وبالله تعالى التوفيق

الكلام في أمامه المفضول قال أبو محمد ذهبت طوائف من الخوارج وطوائف من المعتزلة وطوائف من المرجئة منهم محمد بن الطيب ألبا فلاني ومن اتبعه وجميع الرافضة من الشيعة إلى انه لا يجوز إمامة من يوجد في الناس افضل منه وذهبت طائفة من الخوارج وطائفة من الممتزلة وطائفة من المرجئة وجميع الزيدية من الشيعة وجميع أهل السنة إلى أن الإمامة جائزة لمن غيره افضل منه
قال أبو محمد وأما الرافضة فقالوا أن الإمام واجد معروف بعينه في العالم على ما ذكرنا من أقوالهم الذي قد تقدم إفسادنا لها والحمد لله رب العالمين وما نعلم لمن قال أن الإمام لا تجوز إلا لأفضل من يوجد حجه أصلا لا من قرآن ولا من سنه ولا من إجماع ولا من صحة عقل ولا من قياس ولا قول صاحب وما كان هكذا فهو أحق قول بالاطراح وقد قال أبو بكر رضي الله عنه يوم السقيفة قد رضيت لكم أحدا هذين الرجلين يعني أبا عبيده وعمر وأبو

بكر أفضل منهما بلا شك فما قال أحد من المسلمين أنه قال من ذلك بما لا يحل في الدين ودعت الأنصار إلى بيعة سعد بن عبادة وفي المسلمين عدد كثير كلهم أفضل منه بلا شك فصح بما ذكرنا إجماع جميع الصحابة رضي الله عنهم على جواز إمامة المفضول ثم عبدهم عمر رضي الله عنه إلى ستة رجال ولا بد أن لبعضهم على بعض فضلا وقد أجمع أهل الإسلام حينئذ على أنه إن بويع أحدهم فهو الإمام الواجبة طاعته وفي هذا إطباق منهم على جواز إمامة المفضول ثم مات علي رضي الله عنه فهو فبويع الحسن ثم سلم الأمر إلى معوية وفي بقايا الصحابة من هو افضل منهما بلا خلاف ممن أنفق قبل الفتح وقاتل فكلهم أولهم عن آخرهم بايع معاوية ورأى إمامته وهذا إجماع متيقن بعد إجماع على جواز إمامة من غيره أفضل بيقين لا شك فيه إلى أن حدث من لا وزن له عند الله تعالى فخرقوا الإجماع بآرائهم الفاسدة بلا دليل ونعوذ بالله من الخذلان
قال أبو محمد والعجب كله كيف يجتمع قول الباقلاني أنه لا تجوز الإمامة لمن غيره من الناس أفضل منه وهو قد جوز النبوة والرسالة لمن غيره من الناس أفضل منه فإنه صرح فيما ذكره عنه صاحبه أبو جعفر السمناني الاعمى قاضي الموصل بأنه جائز أن يكون في الإمامة من هو أفضل من رسول الله صلى الله عليه و سلم من حيث بعث إلى أن مات
قال أبو محمد ما في خذلان الله عز و جل أحق من هاتين القضيتين لا سيما إذا اقترننا والحمد لله على الإسلام فإن قال قائل كيف يحتجون هنا بقول الأنصار رضي الله عنهم في دعائهم إلى سعد بن عبادة وهو عندكم خطأ وخلاف للنص مع رسول الله صلى الله عليه و سلم وكيف تحتجون في هذا أيضا بقول أبي بكر رضيت لكم أحد هذين وخلافه أبي بكر عندكم نص من رسول الله صلى الله عليه و سلم فمن أين له أن يترك ما نص عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم قلنا وبالله تعالى التوفيق أن فعل الأنصار رضي الله عنهم انتظم حكمين أحدهما تقديم من ليس قرشيا وهذا خطأ وقد خالفهم فيه المهاجرون فسقطت هذه القضية والثاني جواز تقديم من غيره أفضل منه وهذا صواب وأفقهم عليه أبو بكر وغيره فصاروا جماعا فقامت به الحجة وليس خطأ من أخطأ وخالفه في قول وخالفه فيه من أصاب الحق بموجب أن لا يحتج بصوابه الذي وافقه فيه أهل الحق وهذا ما لا خلاف فيه وبالله تعالى التوفيق وأما أمر أبي بكر فإن الحق كان له بالنص وللمرء أن يترك حقه إذا رأى في تركه إصلاح ذات بين المسلمين ولا فرق بين عطية أعطاها رسول الله صلى الله عليه و سلم وبين منزلة صبرها رسول الله صلى الله عليه و سلم لإنسان فكان له أن يتحافى عنها لغيره إذ لم يمنعه من ذلك نص ولا إجماع وبالله تعالى التوفيق
قال أبو محمد وبرهان صحة قول من قال بأن الأمامة جائزة لمن غيره أفضل منه وبطلان قول من خالف ذلك أنه لا سبيل إلى أن يعرف الأفضل إلا بنص إو إجماع أو معجزة تظهر فالمعجزة ممتنعة هاهنا بلا خلاف وكذلك الإجماع وكذلك النص وبرهان آخر وهو أن الذي كلفوا به من معرفة الأفضل ممتنع حال لن قريشا مفترقون في البلاد من أقصى السند إلى أقصى الأندلس إلى أقصى اليمن وصحارى البربر إلى أقصى أرمينية وأذربيجان وخراسان فما بين ذلك من البلاد فمعرفة أسمائهم ممتنع فكيف معرفة أحوالهم فكيف معرفة أفضلهم وبرهان آخر وهو أنا بالحس والمشاهدة ندري أنه لا يدري أحد فضل إنسان على غيره ممن

بعد الصحابة رضي الله عنهم إلا بالظن والحكم بالظن لا يحل قال الله تعالى ذاما لقوم إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستبقين وقال تعالى ما لهم بذلك من علم إن هم إلا يخرسون وقال تعالى قتل الخراصون وقال تعالى إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى أم للإنسان ما تمنى وقال تعالى إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث وأيضا فإننا وجدنا الناس يتباينون في الفضائل فيكون الواحد أزهد ويكون الواحد أورع ويكون الآخر أسوس ويكون الرابع أشجع ويكون الخامس أعلم وقد يكونون متقاربين في التفاضل لا يبين التفاوت بينهم فبطل معرفة الأفضل وصح أن هذا القول فاسد وتكليف ما لا يطاق وإلزام ما لا يستطاع وهذا باطل لا يحل والحمد لله رب العالمين ثم قد وجدنا رسول الله صلى الله عليه و سلم قد قلد النواحي وصرف تنفيذ جميع الأحكام التي تنفذها الأئمة إلى قوم كان غيرهم بلا شك أفضل منهم فاستعمل على أعمال اليمن معاذ بن جبل وأبا موسى وخالد بن الوليد وعلى عمان عمرو بن العاص وعلى نجران أبا سفيان وعلى مكة عتاب ابن أسيد وعلى الطائف عثمان بن أبي العاص وعلى البحرين العلاء بن الحضرمي ولا خلاف في أن أبا بكر وعمرو وعثمان وعلي وطلحة والزبير بن عمار بن ياسر وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف وأبا عبيدة وابن مسعود و بلال وأبا ذر أفضل ممن ذكرنا فصح يقينا أن الصفات التي يستحق بها الإمامة والخلافة ليس منها التقدم في الفضل وأيضا فإن الفضائل كثيرة جدا منها الورع والزهد والعلم والشجاعة والسخاء والحلم والعفة والصبر والصرامة وغير ذلك ولا يوجد أحد يبين في جميعها بل يكون بائنا في بعضها ومتأخرا في بعضها ففي أيها يراعى الفضل من لا يجيز إمامة المفضول فإن اقتصر على بعضها كان مدعيا بلا دليل وإن عم جميعها كلف من لا سبيل إلى وجوده أبدا في أحد بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم فإذ لا شك في ذلك فقد صح القول في إمامة المفضول وبطل قول من قال غير ذلك وبالله تعالى التوفيق
قال أبو محمد وذكر الباقلاني في شروط الإمامة أنها أحد عشر شرطا وهذا أيضا دعوى بلا برهان وما كان هكذا فهو باطل فوجب أن ينظر في شروط الإمامة التي لا تجوز الإمامة لغير من هن فيه فوجدناها أن يكون صليبة من قريش لإخبار رسول الله صلى الله عليه و سلم أن الإمامة فيهم وأن يكون بالغا مميزا لقول رسول الله صلى الله عليه و سلم رفع القلم عن ثلاث فذكر الصبي حتى يحتلم والمجنون حتى يفيق وأن يكون رجلا لقول رسول ا لله صلى الله عليه و سلم لا يفلح قوم أسندوا أمرهم إلى امرأة وأن يكون مسلما لأن الله تعالى يقول ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا والخلافة أعظم السبيل ولأمره تعالى بإصغار أهل الكتاب وأخذهم بأداء الجزية وقتل من لم يكن من أهل الكتاب حتى يسلموا وأن يكون متقدما لأمره عالما بما يلزمه من فرائض الدين متقيا لله تعالى بالجملة غير معلن بالفساد في الأرض لقول الله تعالى وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان لأن من قدم من لا يتقي الله عز و جل ولا في شيء من الأشياء معلنا بالفساد في الأرض غير مأمون أو من لا ينفذ أمرا من لا يدري شيئا من دينه فقد أعان على الإثم والعدوان ولم يعن على البر والتقوى وقد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من عمل عملا ليس عليه امرنا فهو ورد وقال عليه السلام يا أبا ذر إنك ضعيف لا تأمرن على اثنين ولا تولين مال يتيم وقال تعالى

فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا الآية فصح أن السفيه والضعيف ومن لا يقدر على شيء فلا بد له من ولي ومن لا بد له من ولي فلا يجوز أن يكون وليا للمسلمين فصح أن ولاية من لم يستكمل هذه الشروط الثمانية باطل لا يجوز ولا ينعقد أصلا ثم يستحب أن يكون عالما بما يخصه أمور الدين من العبادات والسياسة والأحكام مؤديا لفرائض كلها لا يخل بشيء منها مجتنبا لجميع الكبائر سرا وجهرا مستترا بالصغائر إن كانت منه فهذه أربع صفات يكره المرء أن يلي الأمة من لم ينتظمها فإن ولى فولايته صحيحة ونكرهها وطاعته فيما أطاع الله فيه واجبة ومنعه مما لم يطع الله فيه واجب والغاية المأهولة فيه أن يكون رفيقا بالناس في غير ضعف شديدا في إنكار المنكر من غير عف ولا تجاوز للواجب مستيقظا غير غافل شجاع النفس غير مانع للمال في حقه ولا مبذر لبه في غير حقه ويجمع هذا كله أن يكون الإمام قائما بأحكام القرآن وسنن رسول الله صلى الله عليه و سلم فهذا يجمع كل فضيلة
قال أبو محمد ولا يضر الإمام أن يكون في خلقه عيب كالأعمى والأصم والأجدع والأجذم والذي لا يدان له ولا رجلان ومن بلغ الهرم ما دام يعقل ولو أنه ابن مائة عام ومن يعرض له الصرع ثم يفيق ومن بويع أثر بلوغه الحلم وهو مستوف لشروط الإمامة فكل هؤلاء إمامتهم جائزة إذ لم يمنع منها نص قرآن ولا سنة ولا إجماع ولا نظر ولا دليل أصلا بل قال تعالى كونوا قوامين بالقسط فمن قام بالقسط فقد أدى ما أمر به ولا خلاف بين أحد من أهل الإسلام في أنه لا يجوز التوارث فيها ولا في أنها لا تجوز لمن لم يبلغ حاشا الروافض فإنهم أجازوا كلا الأمرين ولا خلاف بين أحد في أنها لا تجوز لامرأة وبالله تعالى نتأيد

الكلام في عقد الأمامة بماذا تصح قال أبو محمد ذهب قوم إلى أن الأمامة لا تصح إلا بإجماع فضلاء الأمة في أقطار البلاد وذهب آخرون إلى أن الأمامة أنما تصح بعقد أهل حضرة الإمام والموضع الذي فيه قرار الأئمة وذهب أبو علي محمد بن عبد الوهاب الجبائي إلى أن الإمام لا تصح بأقل من عقد خمس رجال ولم يختلفوا في أن عقد الإمامة تصح بعهد من الإمام الميت إذا قصد فيه حسن الاختيار للأمة عند موته ولم يقصد بذلك هوي وقد ذكر في فساد قول الروافض وقول الكيسانية ومن ادعى إمامة رجل بعينه وأنبأ أن كل ذلك دعا ولا يعجز عنها ذو لسان إذا لم يتق الله ولا استحياء من الناس إذ لا دليل على شيء منها
قال أبو محمد أما من قال أن الإمامة لا تصح إلا بعقد فضلاء الأمة في أقطار البلاد فباطل لأنه تكليف ما لا يطاق وما ليس في الوسع وما هو أعظم الحرج والله تعالى لا يكلف نفسا وقال تعالى وما جعل عليكم في الدين من حرج
قال أبو محمد ولا حرج ولا تعجيز أكثر من تعرف إجماع فضلاء من في المولتان والمنصورة إلى بلاد مهرة إلى عدن إلى أقاصي المصامدة بل طنجة إلى الأشبونة إلى جزائر البحر إلى سواحل الشام إلى أرمينية وجبل القبج إلى اسينجاب وفرغانة وأسروسنة إلى أقاصي خراسان إلى الجوز جان إلى كابل المولتان فما بين ذلك من المدن والقرى ولا بد من ضياع أمور المسلمين قبل أن يجمع جزء من مائة جزء من فضلاء أهل هذه البلاد فبطل هذا القول الفاسد مع أنه لو كان ممكنا لما لزم لأنه دعوى بلا برهان وإنما قال تعالى تعاونوا على البر

والتقوى وكونوا قوامين بالقسط فهذان الأمران متوجهان أحدهما إلى كل إنسان في ذاته ولا يسقط عنه وجوب القيام بالقسط انتظار غيره في ذلك وأما التعاون على البر والتقوى فمتوجه إلى كل اثنين فصعدا لأن التعاون فعل من فاعلين وليس فعل واحد ولا يسقط عن الاثنين فرض تعاونهما على البر والتقوى انتظار ثالث إذ لو كان ذلك لما لزم أحدا قيام بقسط ولا تعاون على بر وتقوى إذ لا سبيل إلى اجتماع أهل الأرض على ذلك أبدا لتباعد أقطارهم ولتخلف من تخلف عن ذلك لعذر أو على وجه المعصية ولو كان هذا لكان أمر الله تعالى بالقيام بالقسط وبالتعاون على البر والتقوى باطلا فارغا وهذا خروج عن الإسلام فسقط القول المذكور وبالله تعالى التوفيق وأما قول من قال أن عقد الإمامة لا يصح إلا بعقد أهل حضرة الإمام وأهل الموضع الذي فيه قرار الأئمة فإن أهل الشام كانوا قد دعوا ذلك لأنفسهم حتى حملهم ذلك على بيعة مروان وابنه عبد الملك واستحلوا بذلك دماء أهل الإسلام
قال أبو محمد وهو قول فاسد لا حجة لأهله وكل قول في الدين عري عن ذلك من القرآن أو من سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم أو من إجماع الأمة المتيقن فهو باطل بيقين قال الله تعالى قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين فصح أن من لا برهان له على صحة قوله فليس صادقا فيه فسقط هذا القول أيضا وأما القول الجبائي فإنه تعلق فيه بفعل عمر رضي الله عنه في الشورى إذ قلدها ستة رجال وأمرهم أن يختاروا واحدا منهم فصار الإختيار منهم بخمسة فقط
قال أبو محمد وهذا ليس بشيء لوجوه أولها أن عمر لم يقل أن تقليد الإختيار أقل من خمسة لا يجوز بل قد جاء عنه أنه قال أن مال ثلاثة منهم إلى واحد وثلاثة إلى واحد فاتبعوا الثلاثة الذين فيهم عبد الرحمن ابن عوف فقد أجاز عقد ثلاثة ووجه ثان وهو أن فعل عمر رضي الله عنه لا يلزم الأمة حتى يوافق نص قرآن أو سنة وعمر كسائر الصحابة رضي الله عنهم لا يجوز أن يخصه بوجوب اتباعه دون غيره من الصحابة رضي الله عنهم والثالث أن أولئك الخمسة رضي الله عنهم قد تبرؤا من الإختيار وجعلوه إلى واحد منهم يختار لهم وللمسلمين من رآه أهلا للإمامة وهو عبد الرحمن بن عوف وما أنكر ذلك أحد من الصحابة الحاضرين ولا الغائبين إذ بلغهم ذلك فقد صح إجماعهم على أن الإمامة تنعقد بواحد فإن قال قائل إنما جاز ذلك لأن خمسة من فضلاء المسلمين قلدوه قيل له أن كان هذا عندك اعتراضا فالتزم مثله سواء بسواء ممن قال لك إنما صح عقد أولئك الخمسة لأن الإمام الميت قلدهم ذلك ولولا ذلك لم يجز عقدهم وبرهان ذلك أنه إنما عقد لهم الإختيار منهم لا من غيرهم لما لزم الإنقياد لهم فلا يجوز عقد خمسة أو أكثر إلا إذا قلدهم الإمام ذلك أو ممن قال لك إنما صح عقد أولئك الخمسة لإجماع فضلاء أهل ذلك العصر على الرضا بمن اختاروه ولو لم يجمعوا على الرضا به لما جاز عقدهم وهذا مما لا مخلص منه أصلا فبطل هذا القول بيقين لا إشكال فيه والحمد لله رب العالمين فإذ قد بطلت هذه الأقوال كلها قالوا أجب النظر في ذلك على ما أجبه الله تعالى في القرآن والسنة وإجماع المسلمين كما افترض علينا عز و جل إذ يقول وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله وباليوم الآخر فوجدنا عقد الإمامة يصح بوجوه أولها وأفضلها وأصحها أن يعهد الإمام الميت إلى إنسان يختاره أما بعد موته

وساء فعل ذلك في صحته أو في مرضه وعند موته إذ لا نص ولا إجماع على المنع من أحد هذه الوجوه كما فعل رسول الله صلى الله عليه و سلم بأبي بكر وكما فعل أبو بكر بعمر وكما فعل سليمان بن عبد الملك بعمر بن عبد العزيز وهذا هو الوجه الذي نختاره ونكره غيره لما في هذا الوجه من إتصال الإمامة وانتظام أمر الإسلام وأهله ورفع ما يتخوف من الإختلاف والشغب مما يتوقع في غيره من بقاء الأمة فوضى ومن انتشار الأمر وارتفاع النفوس وحدوث الأطماع
قال أبو محمد إنما أنكر من أنكر من الصحابة رضي الله عنهم ومن التابعين بيعة يزيد بن معاوية والوليد وسليمان لأنهم كانوا غير مرضيين لا لأن الإمام عهد إليهم في حياته والوجه الثاني أن مات الإمام ولم يعهد إلى أحد أن يبادر رجل مستحق للإمامة فيدعو إلى نفسه ولا منازع له ففرض اتباعه والإنقياد لبيعته والتزام إمامته وطاعته كما فعل علي إذ قتل عثمان رضي الله عنهما وكما فعل ابن الزبير رضي الله عنهما وقد فعل خالد بن الوليد إذ قتل الأمراء زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة فأخذ خالد الراية عن غيره أمره وصوب ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم إذ بلغه فعلة وساعد خالدا جميع المسلمين رضي الله عنهم وأن يقوم كذلك عند ظهور منكر يراه فتلزم معاونته على البر والتقوى ولا يجوز التأخر عنه لأن ذلك معاونة على الإثم والعدوان وقد قال عز و جل وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان كما فعل يزيد بن الوليد ومحمد بن هارون المهدي رحمهم الله والوجه الثالث أن يصير الإمام عند وفاته اختيار خليفة المسلمين إلى رجل ثقة أو إلى أكثر من واحد كما فعل عمر رضي الله عنه عند موته وليس عندنا في هذا الوجه إلا التسليم لما أجمع عليه المسلمون حينئذ ولا يجوز التردد في الإختيار أكثر من ثلاث ليال للثابت عن رسول الله صلى الله عليه و سلم من قوله من بات ليلة ليس في عنقه بيعة ولأن المسلمين لم يجتمعوا على ذلك أكثر من ذلك والزيادة على ذلك باطل لا يحل على أن المسلمين يومئذ من حين موت عمر رضي الله عنه قد اعتقدوا بيعة لازمة في أعناقهم لازمة لأحد أولئك الستة بلا شك فهم وإن لم يعرفوه بعينه فهو بلا شك واحد من أولئك الستة فبأحد هذه الوجوه تصح الإمامة ولا تصح بغير هذه الوجوه البتة
قال أبو محمد فإن مات الإمام ولم يعهد إلى إنسان بعينه فوثب رجل يصلح للإمامة فبايعه واحد فأكثر ثم قام آخر ينازعه ولو بطرفة عين بعده فالحق حق حق الأول وسواء كان الثاني أفضل منه أو مثله أو دونه لقول رسول الله صلى الله عليه و سلم قوا بيعة الأول فالأول من جاء ينازعه فأضربوا عنقه كائنا من كان فلو قام اثنان فصاعدا معا في وقت واحد ويئس من معرفة أيهما بيعته نظر أفضلهما وأسوسهما فالحق له ووجب نزع الآخر لقول الله تعالى وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ومن البر تقليد الأسوس وليس هذا بيعة متقدمة يجب الوفاء بها ومحاربة من نازع صاحبها فإن استويا في الفضل قدم الأسوس نعم وإن كان أقل فضلا إذا كان مؤديا للفرائض والسنن مجتنبا للكبائر ومستترا بالصغائر لأن الغرض من الإمامة حسن السياسة والقوة على القيام بالأمور فإن استويا في الفضل والسياسة أقرع بينهما أو نظر في غيرهما والله عز و جل لا يضيق على عباده هذا الضيق ولا يوقفهم على هذا الحرج لقوله تعالى وما جعل عليكم في الدين من حرج وهذا أعظم الحرج وبالله تعالى التوفيق
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال أبو محمد أتفقت الأمة كلها على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بلا خلاف من أحد منهم لقول الله تعالى ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ثم اختلفوا في كيفيته فذهب بعض أهل السنة من القدماء من الصحابة رضي الله عنهم فمن بعدهم وهو قول أحمد بن حنبل وغيره وهو قول سعد بن أبي وقاص وأسامة ابن زيد وابن عمر ومحمد بن مسلمة وغيرهم إلى أن الغرض من ذلك إنما هو بالقلب فقط ولا بدأ وباللسان إن قدر على ذلك ولا يكون باليد ولا بسل السيوف ووضع السلاح أصلا وهو قول أبي بكر ابن كيسان الأصم وبه قالت الروافض كلهم ولو قتلوا كلهم إلا أنها لم تر ذلك إلا ما لم يخرج الناطق فإذا خرج وجب سل السيوف حينئذ معه وإلا فلا واقتدى أهل السنة في هذا بعثمان رضي الله عنه وممن ذكرنا من الصحابة رضي الله عنهم وبمن رأى القعود منهم إلا أن جميع القائلين بهذه المقالة من أهل السنة إنما رأوا ذلك ما لم يكن عدلا فإن كان عدلا وقام عليه فاسق وجب عندهم بلا خلاف سل السيوف مع الإمام العدل وقد روينا عن ابن عمرانة قال لا أدري من هي الفئة الباغية ولو علمنا ما سبقتني أنت ولا غيرك إلى قتالها
قال أبو محمد وهذا الذي لا يظن بأولئك الصحابة رضي الله عنهم غيره وذهبت طوائف من أهل السنة وجميع المعتزلة وجميع الخوارج والزيدية إلى أن سل السيوف في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب إذا لم يمكن دفع المنكر إلا بذلك قالوا فإذا كان أهل الحق في عصابة يمكنهم الدفع ولا ييئسون من الظفر ففرض عليهم ذلك وإن كانوا في عدد لا يرجون لقلتهم وضعفهم بظفر كانوا في سعة من ترك التغيير باليد وهذا قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكل من معه من الصحابة وقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وطلحة والزبير وكل من كان معهم من الصحابة وقول معاوية وعمرو والنعمان بن بشير وغيرهم ممن معهم من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين وهو قول عبد الله بن الزبير ومحمد والحسن بن علي وبقية الصحابة من المهاجرين والأنصار والقائمين يوم الحرة رضي الله عن جميعهم أجمعين وقول كل من أقام على الفاسق الحجاج ومن والاه من الصحابة رضي الله عنهم جميعهم كأنس بن مالك وكل من كان ممن ذكرنا من أفاضل التابعين كعبد الرحمن ابن أبي ليلى وسعيد بن جبير وابن البحتري الطائي وعطاء السلمي الأزدي والحسن البصري ومالك بن دينار ومسلم بن بشار وأبي الحوراء والشعبي وعبد الله بن غالب وعقبة بن عبد الغافر وعقبة بن صهبان وماهان والمطرف بن المغيرة ابن شعبة وأبي المعد وحنظلة بن عبد الله وأبي سح الهنائي وطلق بن حبيب والمطرف بن عبد الله ابن السخير والنصر بن أنس وعطاء بن السائب وإبراهيم بن يزيد التيمي وأبي الحوسا وجبلة بن زحر وغيرهم ثم من بعد هؤلاء من تابعي التابعين ومن بعدهم كعبد الله بن عبد العزيز ابن عبد الله بن عمر وكعبد الله بن عمر ومحمد بن عجلان ومن خرج مع محمد بن عبد الله بن الحسن وهاشم بن بشر ومطر ومن أخرج مع إبراهيم بن عبد الله وهو الذي تدل عليه أقوال الفقهاء كأبي حنيفة والحسن بن حيي وشريك ومالك والشافعي وداود وأصحابهم فإن كل من ذكرنا من قديم وحديث أما ناطق بذلك في فتواه وأما الفاعل لذلك بسل سيفه في إنكار ما رآه منكرا
قال أبو محمد احتجت الطائفة المذكورة أولا بأحاديث فيها أنقاتلهم يا رسول الله قال لا ما وصلوا وفي بعضها إلا أن نر كفرا بواحا عندكم فيه من الله برهان وفي بعضها وجوب

الضرب وإن ضرب ظهر أحدنا وأخذ ماله وفي بعضها فإن خشيت أن يسهرك شعاع السيف فاطرح ثوبك على وجهك وقل إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وفي بعضها كن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل وبقوله تعالى وأتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر الآية
قال أبو محمد كل هذا لا حجة لهم فيه لما قد تقصيناه غاية التقصي خبرا خبرا بأسانيدها ومعانيها في كتابنا الموسوم بالإتصال إلى فهم معرفة الخصال ونذكر منه إن شاء الله هاهنا جملا كافية وبالله تعالى نتأيد أما أمره صلى الله عليه و سلم بالصبر على أخذ المال وضرب الظهر فإنما ذلك بلا شك إذا تولى الإمام ذلك بحق وهذا ما لا شك فيه أنه فرض علينا الصبر له وإن امتنع من ذلك بل من ضرب رقبته إن وجب عليه فهو فاسق عاص لله تعالى وأما إن كان ذلك بباطل فمعاذ الله أن يأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بالصبر على ذلك برهان هذا قول الله عز و جل وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان وقد علمنا أن كلام رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يخالف كلام ربه تعالى قال الله عز و جل وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحي وقال تعالى ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا فصح أن كل ما قاله رسول الله صلى الله عليه و سلم فهو وحي من عند الله عز و جل ولا اختلاف فيه ولا تعارض ولا تناقض فإذا كان هذا كذلك فيقين لا شك فيه يدري كل مسلم أن أخذ مال مسلم أو ذمي بغير حق وضرب ظهره بغير حق إثم وعدوان وحرام قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم فإذ لا شك في هذا ولا اختلاف من أحد من المسلمين فالمسلم ماله للآخذ ظلما وظهره للضرب ظلما وهو يقدر على الإمتناع من ذلك بأي وجه أمكنه معاون لظالمه على الإثم والعدوان وهذا حرام بنص القرآن وأما سائر الأحاديث التي ذكرنا وقصة ابني آدم فلا حجة في شيء منها أما قصة ابني آدم فتلك شريعة أخرى غير شريعتنا قال الله عز و جل لكل جعالنا منكم شرعة ومنهاجا وأما الأحاديث فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه و سلم من رأى منكم منكرا فليغيره بيده إن استطاع فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ليس وراء ذلك من الإيمان شيء وصح عن رسول الله صلى الله عليه و سلم لا طاعة في معصية إنما الطاعة في الطاعة وعلى أحدكم السمع والطاعة ما لم يؤمر بمعصية فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة وأنه عليه السلام قال من قتل دون ماله فهو شهيد والمقتول دون دينه شهيد والمقتول دون مظلمة شهيد وقال عليه السلام لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليعمنكم الله بعذاب من عنده فكان ظاهر هذه الأخبار معارضا للآخر فصح أن احدى هاتين الجملتين ناسخة للأخرى لا يمكن غير ذلك فوجب النظر في أيهما هو الناسخ فوجدنا تلك الأحاديث التي منها النهي عن القتال موافقة لمعهود الأصل ولما كانت الحال فيه في أول الإسلام بلا شك وكانت هذه الأحاديث الأخر واردة بشريعة زائدة وهي القتال هذا ما لا شك فيه فقد صح نسخ معتن تلك الحاديث ورفع حكمها حين نطقه عليه السلام بهذه الأخر بلا شك فمن المحال المحرم أن يؤخذ بالمنسوخ ويترك الناسخ وأن يؤخذ الشك ويترك اليقين ومن ادعى أن هذه الأخبار بعد أن كانت هي الناسخة فعادت منسوخة فقد ادعى الباطل وقفا ما لا علم له به فقال على الله ما لم يعلم وهذا

لا يحل ولو كان هذا لما أخلا الله عز و جل هذا الحكم عن دليل وبرهان يبين به رجوع المنسوخ ناسخا لقوله تعالى في القرآن تبيانا لكل شيء وبرهان أخر وهو أن الله عز و جل قال وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت أحدهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء لم يختلف مسلمان في أن هذه الآية التي فيها فرض قتال الفئة الباغية محكمة غير منسوخة فصح أنها الحاكمة في تلك الأحاديث فما كان موافقا لهذه الآية فهو الناسخ الثابت وما كان مخالفا لها فهو المنسوخ المرفوع وقد ادعى قوم أن هذه الآية وهذه الأحاديث في اللصوص دون السلطان
قال أبو محمد وهذا باطل متيقن لأنه قول بلا برهان وما يعجز مدع أن يدعي في تلك الأحاديث أنها في قوم دون قوم وفي زمان دون زمان والدعوى دون برهان لا تصح وتخصيص النصوص بالدعوى لا يجوز لأنه قول على الله تعالى بلا علم وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أن سائلا سأله عن من طلب ماله بغير حق فقال عليه السلام لا تعطه قال فإن قاتلني قال قاتله فإن قتله قال إلى النار قال فإن قتلني قال فأنت في الجنة أو كلاما هذا معناه وصح عنه عليه السلام أنه قال المسلم أخو المسلم لا يسلبه ولا يظلمه وقد صح أنه عليه السلام قال في الزكاة من سألها على وجهها فليعطها ومن سألها على غير وجهها فلا يعطها وهذا خبر ثابت رويناه من طريق الثقات عن أنس بن مالك عن أبي بكر الصديق عن رسول الله صلى الله عليه و سلم وهذا يبطل تأويل من تأويل أحاديث القتال عن المال على اللصوص لا يطلبون الزكاة وإنما يطلبه السلطان فاقتصر عليه السلام معها إذا سألها على غير ما أمر به عليه السلام ولو اجتمع أهل الحق ما قاواهم أهل الباطل نسأل الله المعونة والتوفيق
قال أبو محمد وما اعترضوا به من فعل عثمان فما علم قط أنه يقتل وإنما كان يراهم يحاصرون فقط وهو لا يرون هذا اليوم للإمام العدل بل يرون القتال معه ودونه فرضا فلا حجة لهم في أمر عثمان رضي الله عنه وقال بعضهم أن في القيام إباحة الحريم وسفك الدماء وأخذ الأموال وهتك الأستار وانتشار الأمر فقال لهم الآخرون كلا لأنه لا يحل لمن أمر بالمعروف ونهى عن المنكر أن يهتك حريما ولا أن يأخذ مالا بغير حق ولا أن يتعرض لمن لا يقاتله فإن فعل شيئا من هذا فهو الذي فعل ما ينبغي أن يغير عليه واما قتله أهل المنكر قالوا أو كثروا فهذا فرض عليه وأما قتل أهل المنكر الناس وأخذهم أموالهم وهتكهم حريمهم كله من المنكر الذي يلزم الناس تغييره وأيضا فلو كان خوف ما ذكروا مانعا من تغيير المنكر ومن الأمر بالمعروف لكان هذا بعينه مانعا من جهاد أهل الحرب وهذا مالا يقوله مسلم وإن ادعى ذلك إلى سبي النصارى نساء المؤمنين وأولادهم وأخذ أموالهم وسفك دمائهم وهتك حريمهم ولا خلاف بين المسلمين في أن الجهاد واجب مع وجود هذا كله ولا فرق بين الأمرين وكل ذلك جهاد ودعاء إلى القرآن والسنة
قال أبو محمد ويقال لهم ما تقولون في سلطان جعل اليهود أصحاب أمره والنصارى جنده وألزم المسلمين الجزية وحمل السيف على أطفال المسلمين وأباح المسلمات للزنا وحمل السيف على كل من وجد من المسلمين وملك نساءهم وأطفالهم وأعلن العبث بهم وهو في كل ذلك مقر بالإسلام معلنا به لا يدع الصلاة فإن قالوا لا يجوز القيام عليه بل قيل لهم أنه لا يدع مسلما إلا قتله جمله وهذا إن ترك أوجب ضرورة إلا يبقى إلا هو وحده وأهل الكفر معه فإن أجازوا الصبر

على هذا خالفوا الاسلام جملة وانسلخوا منه وان قالوا بل يقام عليه ويقاتل وهو قولهم قلنا لهم فان قتل تسعة اعشار المسلمين أو جميعهم إلا واحد منهم وسبى من نسائهم كذلك واخذ من اموالهم كذلك فان منعوا من القيام عليه تناقضوا وان اوجبوا سألناهم عن أقل من ذلك ولا نزال نحيطهم إلى أن نقف بهم على قتل مسلم واحدا او على امرأة واحدة أو على أخذ مال أو على انتهاك بشرة بظلم فان فرقوا بين شيء من ذلك تناقضوا وتحكموا بلا دليل وهذا مالا يجوز وان أوجبوا انكار كل ذلك رجعوا إلى الحق ونسالهم عمن غصب سلطانه الجائر الفاجر زوجته وابنته وابنه ليفسق بهم أو ليفسق به بنفسه أهو في سعة من اسلام نفسه وامرأته وولده وابنته للفاحشة أم فرض عليه أن يدفع من اراد ذلك منهم فان قالوا فرض عليه اسلام نفسه واهله اتوا بعظيمة لا يقولها مسلم وان قالوا بل فرض عليه أن يمتنع من ذلك ويقاتل رجعوا إلى الحق ولزم ذلك كل مسلم في كل مسلم وفي المال كذلك
قال أبو محمد والواجب أن وقع شيء من الجور وان قل ان يكلم الامام في ذلك ويمنع منه فان امتنع وراجع الحق واذعن للقود من البشرة أو من الاعضاء ولاقامة حد الزنا والقذف والخمر عليه فلا سبيل إلى خلعه وهو أمام كما كان لا يحل خلعه فان امتنع من انفاذ شيء من هذه الواجبات عليه ولم يراجع وجب خلعه واقامة غيره ممن يقوم بالحق لقوله تعالى وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ولا يجوز تضييع شيء من واجبات الشرائع وبالله تعالى التوفيق
الكلام في الصلاة خلف الفاسق
والجهاد معه والحج ودفع الزكاة إليه ونفاذ احكامه من الأقضية والحدود وغير ذلك قال أبو محمد ذهبت طائفة الى أنه لا يجوز الصلاة إلا خلف الفاضل وهو قول الخوارج والزيدية والروافض وجمهور المعتزلة وبعض أهل السنة وقال آخرون الا الجمعة والعيدين وهو قول بعض أهل السنة وذهب طائفة الصحابة كلهم دون خلاف من احد منهم وجميع فقهاء التابعين كلهم دون خلاف من احد منهم واكثر من بعدهم وجمهور اصحاب الحديث وهو قول احمد والشافعي وأبي حنيفة وداود وغيرهم الى جواز الصلاة خلف الفاسق الجمعة وغيرها وبهذا نقول وخلاف هذا القول بدعة محدثة فما تاخر قط أحد من الصحابة الذين ادركوا المختار بن عبيد والحجاج وعبيد الله بن زياد وحبيش بن دلجة وغيرهم عن الصلاة خلفهم وهؤلاء افسق الفساق واما المختار فكان متهما في دينه مظنونا به الكفر
قال أبو محمد احتج من يقول بمنع الصلاة خلفهم بقول الله تعالى إنما يتقبل الله من المتقين قال أبو محمد فيقال لهم كل فاسق اذا نوى بصلاته رحمه الله تعالى فهو في ذلك من المتقين فصلاته متقبلة ولو لم يكن من المتيقن الا من لا ذنب له ماستحق احد هذا الاسم بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم قال الله عز و جل ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ولايجوز القطع على الفاسق بانه لم يرد بصلاته وجه الله تعالى ومن قطع بهذا فقد قفا ما لا علم له به وقال مالا يعلم وهذا حرام وقال تعالى ولا تقف ما ليس بك به علم وقال عز و جل وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم وقال بعضهم ان صلاة المأموم مرتبطة بصلاة الامام
قال أبو محمد وهذا غاية الفساد لانه قول بلا دليل بل البرهان يبطله لقوله تعالى ولا

تكسب كل نفس إلا عليها وقوله تعالى ولا تزر وازرة وزر أخرى ودعوى الارتباط هاهنا قول بلا برهان لامن قرآن ولا من سنة ولا من اجماع ولا من معقول وهم قد أجمعوا على أن طهارة الامام لا تنوب عن طهارة المأموم ولا قيامه ولا قعوده عن قعوده ولا سجوده عن سجوده ولا ركوعه عن ركوعه ولا نيته عن نيته فما معنى هذا الارتباط الذي تدعونه اذا وأيضا فان القطع عن سريرة الذي ظاهره الفضل لا يجوز وانما هو ظن فاستوى الأمر في ذلك في الفاضل والفاسق وصح انه لا يصلي احد عن احد وان كان احد يصلي عن نفسه وقال تعالى أجيبوا داعي الله فوجب بذلك ضرورة ان كل داع دعا الى خير من صلاة أو حج أو جهاد أو تعاون على بر وتقوى ففرض اجابته وعمل ذلك الخير معه لقول الله تعالى تعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان وان كل داع دعى الى شر فلا يجوز اجابته بل فرض دفاعه ومنعه وبالله تعالى نتأيد
قال أبو محمد وايضا فان الفسق منزلة نقص عمن هو أفضل منه والذي لا شك فيه أن النسبة بين أفجر فاجر من المسلمين وبين أفضل الصحابة رضي الله عنهم أقرب من النسبة بين افضل الصحابة رضي الله عنهم وبين رسول الله صلى الله عليه و سلم وما عرى أحد من تعمد ذنب وتقصير بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم وانما تفاضل المسلمون في كثرة الذنوب وقلتها وفي اجتناب الكبائر ومواقعتها واما الصغائر فما نجاأحد بعد الأنبياء عليهم السلام وقد صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم خلف أبي بكر وعبد الرحمن بن عوف وبهذا صح ان أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يؤم القوم اقرؤهم لكتاب الله فان استووا فافقههم ندب لا فرض فليس لفاضل بعد هذا أن يمتنع من الصلاة خلف من هو دونه في القصوى من الغايات
قال أبو محمد وأما دفع الزكاة الى الامام فان كان الامام القرشي الفاضل أو الفاسق لم ينازعه فاضل فهي جارية لقول رسول الله صلى الله عليه و سلم ارضوا مصدقيكم ولا يكون مصدقا كل من سمى نفسه مصدقا لكن من قام البرهان بانه مصدق بارسال الامام الواجبة طاعته له واما من سألها من هو غير الامام المذكور أو غير مصدقه فهو عابر سبيل لا حق في قبضها فلا يجزي دفعها إليه لأنه دفعها إلى غير من أمر بدفعها اليه وقد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من عمل عملا ليس عليه امرنا فهو رد وهكذا القول في الاحكام كلها من الحدود وغيرها ان اقامها الامام الواجبة طاعته والذي لا بد منه فان وافقت القرآن والسنة نفذت والا فهي مردودة لما ذكرنا وان اقامها غير الامام أوواليه فهي كلها مردودة ولا يحتسب بها لانه اقامها من لم يؤمر باقامتها فان لم يقدر عليها الامام فكل من قام بشيء من الحق حينئذ نفذ لامر الله تعالى لنا بان نكون قوامين بالقسط ولا خلاف بين أحد من الأمة اذا كان الامام حاضرا متمكنا أو أميره أو واليه فان من بادر الى تنفيذ حكم هو إلى الامام فانه اما مظلمة ترد واما عزل لا ينفذ علي هذا جرى عمل رسول الله صلى الله عليه و سلم جميع عماله في البلاد بنقل جميع المسلمين عصرا بعد عصر ثم عمل جميع الصحابة رضي الله عنهم واما الجهاد فهو واجب مع كل امام وكل متغلب وكل باغ وكل محارب من المسلمين لانه تعاون علىالبر والتقوى وفرض على كل أحد دعا الى الله تعالى والى دين الاسلام ومنع المسلمين ممن ارادهم قال تعالى فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد

الآية فهذا عموم لكل مسلم بنص الآية في كل مكان وكل زمان وبالله تعالى التوفيق ثم كتاب الامامةوالمفاضلة بحمد الله تعالى وشكره
ذكر العظائم المخرجة الى الكفر
والمحال من أقوال أهل البدع المعتزلة والخوارج والمرجئة والشيع
قال أبو محمد قد كتبنا في ديواننا هذا من فضائح الملل المخالفة لدين الاسلام الذي في كتبهم من اليهود والنصارى والمجوس مالا بقية لهم بعدها ولا يمترى أحد وقف عليها انهم في ضلال وباطل ونكتب ان شاء الله تعالى على هذه الفرق الاربع من فواحش أقوالهم ما لا يخفى على أحد قرأه انهم في ضلال وباطل ليكون ذلك زاجرا لمن أراد الله توفيقه عن مضامتهم واما التمادي فيهم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وليعلم من قرأ كتابنا هذا اننا لا نستحل ما يستحله من لا خير فيه من تقويل أحد مالم يقله نصا وان آل قوله اليه اذ قد لا يلزم ما ينتجه قوله فيتناقض فاعلموا ان تقويل القائل كافرا كان أو مبتدعا أو مخطئا مالا يقوله نصا كذب عليه ولا يحل الكذب على أحد لكن ربما دلسوا المعنى الفاحش بلفظ ملتبس ليسهلوه على أهل الجهل ويحسن النظر بهم من اتباعهم وليبعد فهم تلك العظيمة على العامة من مخالفتهم كقول طوائف من أهل البدعة والضلالة لا يوصف الله تعالى بالقدرة على المحال ولا على الظلم ولا على الكذب ولاعلى غير ما علم انه يكون فاخفوا أعظم الكفر في هذه القضية لما ذكرنا من تانيس الاغمار من اتباعهم وتسكين الدهماء من مخالفيهم فرارا عن كشف معتقدهم صراحا الذي هو انه تعالى لا يقدر على الظلم ولا له قوة على الكذب ولا به طاقة على المحال ولا بد لنا من ايضاح ما موهوه هكذا وايراده باظهر عباراته كشفا لتمويهم تقربا الى الله تعالى بهتك أستارهم كشف أسرارهم وحسبنا الله ونعم الوكيل
ذكر شنع الشيعة
قال أب و محمد اهل الشنع من هذه الفرقة ثلاث طوائف أولها الجارودية من الزيدية ثم الامامية من الرافضة ثم الغالية فأما الجارودية فان طائفة منهم قالت ان محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسين ابن علي بن أبي طالب القائم بالمدينة على أبي جعفر المنصور فوجه اليه المنصور عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس فقتل محمد بن عبد الله بن الحسن رحمه الله فقالت هذه الطائفة ان محمد المذكور حي لم يقتل ولا مات ولا يموت حتى يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا وقالت طائفة أخرى منهم أنه يحيى بن عمر بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب القائم بالكوفة أيام المستعين فوجه اليه محمد بن عبد الله بن طاهر ابن الحسين بامر المستعين ابن عمة الحسن بن اسماعيل ابن الحسين وهو ابن أخي طاهر بن الحسين فقتل يحيىبن عمر رحمه الله فقالت الطائفة المذكورة ان يحيى بن عمر هذا حي لم يقتل ولا مات ولا يموت حتى يملأالأرض عدلا كما ملئت جورا وقالت طائفة منهم ان محمد بن القاسم بن علي بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب القائم بالطالقان ايام المعتصم حي لم يمت ولا قتل ولا يموت حتى يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا وقالت الكيسانية وهم اصحاب المختار بن أبي عبيد وهم عندنا شيعة من الزيدية في سبيلهم ان محمد بن علي بن أبي طالب وهو ابن الحنفية حي بجبال رضوى عن يمينه اسد وعن يساره نمر تحدثه الملائكة يأتيه رزقه غدوا وعشيا لم يمت ولا يموت حتى يملأ

الأرض عدلا كما ملئت جورا وقال بعض الروافض الامامية وهي الفرقة التي تدعى الممطورة ان موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب حي لم يمت ولا يموت حتى يملأالأرض عدلا كما ملئت جورا وقالت طائفة منهم وهم الناووسية اصحاب ناوس المصري مثل ذلك في أبيه جعفر بن محمد وقالت طائفة منهم مثل ذلك في اخيه اسماعيل بن جعفر وقالت السباية اصحاب عبد الله بن سبأ الحميري اليهودي مثل ذلك في علي بن أبي طالب رضي الله عنه وزادوا انه في السحاب فليت شعري في اي سحابة هو من السحاب والسحاب كثير في اقطار الهواء مسخر بين السماء والأرض كما قال الله تعالى وقال عبد الله ابن سبا إذ بلغه قتل علي رضي الله عنه لو اتيتمونا بدماغه سبعين مرة ما صدقنا موته ولا يموت حتى يملأ الارض عدلا كما ملئت جورا وقال بعض الكيسانية بان ابا مسلم السراج حي لم يمت وسيظهر ولا بد وقال بعض الكيسانية بانه عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب حي بجبال أصبهان الى اليوم ولا بد له من ان يظهر وعبد الله هذا هو القائم بفارس ايام مروان بن محمد وقتله ابو مسلم بعد ان سجنه دهرا وكان عبد الله هذا ردي الدين معطلا مستصحبا للدهرية
قال أبو محمد فصار هؤلاءفي سبيل اليهود القائلين بأن ملكصيدق بن عامر بن ارفخشد بن سام ابن نوح والعبد الذي وجهه ابراهيم عليه السلام ليخطب ريقا بنت بنؤال بن ناخور بن تارخ على اسحاق ابنه عليه السلام والياس عليه السلام وفنحاس بن العازار بن هارون عليه السلام احياء الى اليوم وسلك هذا السبيل بعض تركي الصوفية فزعموا أن الخضر والياس عليهما السلام حيان الى اليوم وادعى بعضهم انه يلقى الياس في الفلوات والخضر في المروج والرياض وانه متى ذكر حضر على ذكراه
قال أبو محمد فان ذكر في شرق الأرض وغربها وشمالها وجنوبها وفي الف موضع في دقيقة واحدة كيف يصنع ولقد لقينا من يذهب الى هذا خلقا وكلمناهم منهم المعروف بابن شق الليل المحدث بطلبيره وهو مع ذلك من أهل العناية وسعة الرواية ومنهم محمد بن عبد الله الكاتب واخبرني انه جالس الخضر وكلمه مرارا او غيره كثير هذا مع سماعهم قول الله تعالى ولكن رسول الله وخاتم النبيين وقول رسول الله صلى الله عليه و سلم لا نبي بعدي فكيف يستجيزه مسلم ان يثبت بعده عليه السلام نبيا في الارض حاشا ما استثناه رسول الله صلى الله عليه و سلم في الآثار المسندة الثابتة في نزول عيسى بن مريم عليه السلام في آخر الزمان وكفار برغواطه الى اليوم ينتظرون صالح بن طريف الذي شرع لهم دينهم وقالت القطيعية من الامامية الرافضة كلهم وهم جمهور الشيعة ومنهم المتكلمون والنظارون والعدد العظيم بان محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي ابن موسى بن جعفر بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب حي لم يمت ولا يموت حتى يخرج فيملأالأرض عدلا كما ملئت جورا وهو عندهم المهدي المنتظر وبقول طائفة منهم ان مولد هذا الذي لم يخلق قط في سنة سنتين ومائتين سنة موت أبيه وقالت طائفة منهم بل بعد موت أبيه بمدة وقالت طائفة منهم بل في حياة أبيه ورووا ذلك عن حكيمة بنت محمد بن علي بن موسى وانها شهدت ولادته وسمعته يتكلم حين سقط من بطن أمه يقرأالقرآن وان امه نرجس وانها كانت هي القابلة وقال جمهور بل امه صقيل وقالت طائفة منهم بل امه سوسن وكل هذا هوس ولم يعقب الحسن المذكور لا ذكرا

ولا أنثى فهذا أول نوك الشيعة ومفتاح عظيماتهم واخفها وان كانت مهلكة ثم قالوا كلهم اذ سئلوا عن الحجة فيما يقولون حجتنا الالهام وان من خالفنا ليس لرشدة فكان هذا طريفا جدا ليت شعري ما الفرق بينهم وبين عيار مثلهم يدعي في ابطال قولهم الالهام وان الشيعة ليسوا لرشدة أو انهم نوكة او انهم جملة ذوو شعبة من جنون في رؤسهم وما قولهم فيمن كان منهم ثم صار في غيرهم او من كان في غيرهم فصار فيهم اتراه ينتقل من ولادة الغية الى ولادة الرشدة ومن ولادة الرشدة الى ولادة الغية فان قالوا حكمه لما يموت عليه قيل لهم فلعلكم اولاد غية اذ لا يؤمن رجوع الواحد فالواحد منكم الى خلاف ما هو عليه اليوم والقوم بالجملة ذوو اديان فاسدة وعقول مدخولة وعديمو حياء ونعوذ بالله من الضلال وذكر عمرو ابن خولة الجاحظ وهو وان كان احد المجان ومن غلب عليه الهزل واحد الضلال المضلين فاننا ما رأينا له في كتبه تعمد كذبة يوردها مثبتا لها وان كان كثيرا لا يراد كذب غيره قال أخبرني ابو اسحاق ابراهيم النظام وبشر بن خالد انهما قالا لمحمد بن جعفر الرافضي المعروف بشيطان الطاق ويحك اما استحييت من الله ان تقول في كتابك في الامامة ان الله تعالى لم يقل قط في القرآن ثاني اثنين إذ هما في الغار اذ يقول لصاحبه لا تحزن ان الله معنا قالا فضحك والله شيطان الطاق ضحكا طويلا حتى كانا نحن الذين أذنبنا قال النظام وكنا نكلم علي ابن ميتم الصابوني وكل من شيوخ الرافضة ومتكلميهم فنسأله أرأي أم سماع عن الأئمة فينكران يقوله برأي فتخبره بقوله فيها قبل ذلك قال فوالله ما رأيته خجل من ذلك ولا استحيا لفعله هذا قط ومن قول الامامية كلها قديما وحديثا ان القرآن مبدل زيد فيه ما ليس منه ونقص منه كثير وبدل منه كثير حاشا علي ابن الحسن ابن موسى بن محمد بن ابراهيم بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسن ابن علي بن أبي طالب وكان أماميا يظاهر بالاعتزال مع ذلك فانه كان ينكر هذا القول ويكفر من قاله وكذلك صاحباه أبو يعلى ميلاد الطوسي وأبوالقاسم الرازي
قال أبو محمد القول بأن بين اللوحين تبديلا كفر صحيح وتكذيب لرسول الله صلى الله عليه و سلم وقالت طائفة من الكيسانية بتناسخ الارواح وبهذا يقول السيد الحميري الشاعر لعنه الله ويبلغ الأمر بمن يذهب الى هذا الى أن يأخذ أحدهم البغل او الحمار فيعذبه ويضربه ويعطشه ويجيعه على ان روح أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فيه فاعجبوا لهذا الحمق الذي لا نظير له وما الذي خص هذا البغل الشقي او الحمار المسكين بنقله الروح اليه سائر البغال والحمير وكذلك يفعلون بالعنز على ان روح ام المؤمنين رضي الله عنها فيها وجمهور متكلميهم كهشام ابن الحكم الكوفي وتلميذه ابي علي الصكاك وغيرهما يقول ان علم الله تعالى محدث وانه لم يكن يعلم شيئا حتى أحدث لنفسه علما وهذا كفر صحيح وقد قال هشام هذا في حين مناظرته لأبي الهذيل العلاف ان ربه سبعة اشبار بشبر نفسه وهذا كفر صحيح وكان داود الجوازي من كبار متكلميهم يزعم أن ربه لحم ودم على صورة الانسان ولا يختلفون في ان الشمس ردت على علي بن أبي طالب مرتين أفيكون في صفاقة الوجه وصلابة الخد وعدم الحياء والجرأة علي الكذب أكثر من هذا على قرب العهد وكثرة الخلق وطائفة منهم تقول ان الله تعالى يريد الشيء ويعزم عليه ثم يبدوا له فلا يفعله وهذا مشهور للكيسانية ومن الامامية من يجيز نكاح تسع نسوة ومنهم من يحرم الكرنب لانه انما نبت على دم الحسين ولم يكن قبل ذلك وهذا في قلة الحياء قريب مما قبله وكما يزعم كثير منهم أن عليا لم يكن له سمي قبله

وهذا جهل عظيم بل كان في العرب كثير يسمون هذا الاسم كعلي بن بكر بن وائل اليه يرجع كل بكري في العالم في نسبه وفي الازد على وفى بجيله على وغيرها كل ذلك في الجاهلية مشهور وأقرب من ذلك عامر بن الطفيل يكنى أبا علي ومجاهراتهم اكثر مما ذكرنا ومنهم طائفة تقول بفناء الجنة والنار وفي الكيسانية من يقول أن الدنيا لا تفنى ابدا ومنهم طائفة تسمى النحلية نسبوا إلى الحسن بن علي بن ورصند النحلي كان من أهل نفطة من عمل قفصة وقسطيلية من كور افريقية ثم نهض هذا الكافر الى السوس في أقاصي بلاد المصامدة فاضلهم واضل امير السوس احمد بن ادريس بن يحيى ابن عبد الله بن الحسين بن الحسن بن علي بن أبي طالب فهم هنالك كثير سكان في ربض مدينة السوس معلنون بكفرهم وصلاتهم خلاف صلاة المسلمين لا يأكلون شيئا من الثمار زبل أصله ويقولون أن الأمامة في ولد الحسن دون ولد الحسين ومنهم أصحاب أبي كامل ومن قولهم أن جميع الصحابة رضي الله عنهم كفروا بعد موت النبي صلى الله عليه و سلم اذ جحدوا امامة علي وان عليا كفر اذا سلم الأمر الى أبي بكر ثم عمر بن عثمان ثم قال جمهورهم ان عليا ومن اتبعه رجعوا الى الاسلام اذ دعى الى نفسه بعد قتل عثمان واذ كشف وجهه وسل سيفه وانه واياهم كانوا قبل ذلك مرتدين عن الاسلام كفارا مشركين ومنهم من يرد الذنب في ذلك الى النبي صلى الله عليه و سلم اذ لم يبين الامر بيانا رافعا للاشكال
قال أبو محمد وكل هذا كفر صريح لا خفاء به فهذه مذاهب الامامية وهي المتوسطة في الغلو من فرق الشيعة واما الغالبة من الشيعة فهم قسمان قسم أوجبت النبوة بعد النبي صلى الله عليه و سلم لغيره والقسم الثاني اوجبوا الالهية لغير الله عز و جل فلحقوا بالنصارى واليهود وكفروا اشنع الكفر فالطائفة التي أوجبت النبوة بعد النبي صلى الله عليه و سلم فرق فمنهم الغرابة وقولهم ان محمدا صلى الله عليه و سلم كان اشبه بعلي من الغراب بالغراب وان الله عز و جل بعث جبريل عليه السلام بالوحي إلى علي فغلط جبريل بمحمد ولا لوم على جبريل في ذلك لأنه غلط وقالت طائفة منهم بل تعمد ذلك جبريل وكفروه ولعنوه لعنهم الله
قال أبو محمد فهل سمع بأضعف عقولا واتم رقاعة من قوم يقولون ان محمدا صلى الله عليه و سلم كان يشبه علي بن أبي طالب فياللناس أين يقع شبه ابن اربعين سنة من صبي ابن احدى عشرة سنة حتى يغلط به جبريل عليه السلام ثم محمد عليه السلام فوق الربعة الى الطول قويم القناة كث اللحية ادعج العينين ممتلئ الساقين صلى الله عليه و سلم قليل شعر الجسد افرع وعلى دون الربعة الى القصر منكب شديد الانكباب كانه كسر ثم جبر عظيم اللحية قد ملئت صدره من منكب إلى منكب اذ التحى ثقيل العينين دقيق الساقين اصلع عظيم الصلع ليس في رأسه شعر الا في مؤخره يسير شعر اللحية فاعجبوا لحمق هذه الطبقة ثم لو جاز أن يغلط جبريل وحاشا للروح القدس الأمين كيف غفل الله عز و جل عن تقويمه وتنبيهه وتركه على غلطه ثلاثا وعشرين سنة ثم اظرف من هذا كله من اخبرهم بهذا الخبر ومن خرفهم بهذه الخرافة وهذا لا يعرفه الا من شاهد أمر الله تعالى لجبريل عليه السلام ثم شاهد خلافه فعلى هؤلاء لعنة الله ولعنة اللاعنين ولعنة الناس أجمعين ما دام لله في علامه خلق
وفرقة قالت بنبوة علي وفرقة قالت بان علي بن أبي طالب والحسن والحسين رضي الله عنهم وعلي بن الحسين ومحمد ابن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن

موسى ومحمد بن علي والحسن بن محمد والمنتظر ابن الحسن أنبياء كلهم وفرقة قالت بنبوة محمد بن إسماعيل بن جعفر فقط وهم طائفة من القرامطة وفرقة قالت بنبوة علي وبنيه الثلاثة الحسن والحسين ومحمد بن الحنفية فقط وهم طائفة من الكيسانية وقد حام المختار حول أن يدعي النبوة لنفسه وسجع اسجاعا وانذر بالعيوب عن الله واتبعه على ذلك طوائف من الشيعة الملعونة وقال بامامة محمد بن الحنفية وفرقة قالت بنبوة المغيرة بن سعيد مولى بجيلة بالكوفة وهو الذي احرقه خالد بن عبد الله القسري بالنار وكان لعنه الله يقول ان معبوده صورة رجل على رأسه تاج وان أعضاؤه على عدد حرف الهجا الالف للساقين ونحو ذلك مما لا ينطق لسان ذي شيعة من دين به تعالى الله عما يقول الكافرون علوا كبيرا وكان لعنه الله يقول ان معبوده لما اراد أن يخلق الخلق تكلم باسمه الاكبر فوقع على تاجه ثم كتب باصبعه أعمال العباد من المعاصي والطاعات فلما رأى المعاصي ارفض به عرقا فاجتمع من عرقه بحران أحدهما ملح مظلم والثاني نير عذب ثم اطلع في البحر فرأى ظلمة فذهب ليأخذه فطار فاخذه فقلع عيني ذلك الظل ومحقه فخلق من عينيه الشمس وشمسا أخرى وخلق الكفار من البحر المالح وخلق المؤمنين من البحر العذب في تخليط لهم كثير وكان مما يقول ان الانبياء لم يختلفوا قط في شيء من الشرائع وقد قيل ان جابر بن يزيد الجعفي الذي يروي عن الشعبي كان خليفة المغيرة بن سعيد اذ حرقه خالد بن عبد الله القسري فلما مات جابر خلفه بكر الاعور الهجري فلما مات فوضوا أمرهم إلى عبد الله بن المغيرة رئيسهم المذكور وكان لهم عدد ضخم بالكوفة وآخر ما وقف عليه المغيره ابن سعيد القول بامامة محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسين وتحريم ماء الفرات وكل ماء نهر أو عين أو بئر وقعت فيه نجاسة فبرئت منه عند ذلك القائلون بالامامة في ولد الحسين
وفرقة قالت بنبوة بيان بن سمعان التميمي صلبه واحرقه خالد بن عبد الله القسري مع المغيرة بن سعيد في يوم واحد وجبن المغيرة بن سعيد عن اعتناق حزمة الحطب جبنا شديدا حتى ضم اليها قهرا وبادر بيان بن سمعان الى الحزمة فاعتنقها من غير اكراه ولم يظهر منه جزع فقال خالد لاصحابهما في كل شيء أنتم مجانين هذا كان ينبغي أن يكون رئيسكم لا هذا الفسل وكان بيان لعنه الله يقول ان الله تعالى يفنى كله حاشا وجهه فقط وظن المجنون انه تعلق في كفره هذا بقوله تعالى كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ولو كان له ادنى عقل او فهم لعلم أن الله تعالى إنما أخبر بالفناء عما على الأرض فقط بنص قوله الصادق كل من عليها فان ولم يصف عز و جل بالفناء غير ما على الأرض ووجه الله تعالى هو الله وليس هو شيئا غيره وحاشا لله من ان يوصف بالتبعيض والتجزي هذه صفة المخلوقين المحدودين لا صفة من لا يحد ولا له مثل وكان لعنه الله يقول انه المعنى بقول الله تعالى هذا بيان للناس وكان يذهب الى ان الامام هو هاشم عبد الله بن محمد ابن الحنفية ثم هي في سائر ولد علي كلهم وقالت فرقة منهم بنبوة منصور المستير العجلي وهو الملقب بالكسف وكان يقال انه المراد بقول الله عز و جل وان يرو كسفا من السماء ساقطا وصلبه يوسف بن عمر بالكوفة وكان لعنه الله يقول انه عرج به الى السماء وان الله تعالى مسح رأسه بيده وقال له ابني اذهب فبلغ عني وكان يمين أصحابه لا والكلة وكان لعنه الله يقول بان اول من خلق الله تعالى عيسى بن مريم ثم علي بن أبي طالب وكان يقول بتواتر الرسل واباح المحرمات من الزنا والخمر والميتة والخنازير والدم وقال انما هم أسماء رجال وجمهور

الرافضة اليوم على هذا واسقط الصلاة والزكاة والصيام والحج واصحابه كلهم خناقون رضاخون وكذلك اصحاب المغيرة بن سعيد ومعناهم في ذلك انهم لا يستحلون حمل السلاح حتى يخرج الذي ينتظرونه فهم يقتلون الناس بالخنق وبالحجارة والخشبية بالخشب فقط وذكر هشام بن الحكم الرافضي في كتابه المعروف بالميزان وهو اعلم الناس به لانه جارهم بالكوفة وجارهم في المذهب ان الكسفية خاصة يقتلون من كان منهم ومن خالفهم ويقولون نعجل المؤمن الى الجنة والكافر الى النار وكانوا بعد موت أبي منصور يؤدون الخمس مما يأخذون ممن خنقوه الى الحسن بن أبي منصور وأصحابه فرقتان فرقت قالت ان الامام بعد محمد بن علي بن الحسن صارت الى محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسين وفرقة قالت بل الى أبي المنصور الكسف ولا تعود في ولد علي ابدا وقالت فرقة بنبوة بزيغ الحائك بالكوفة وان وقع هذه الدعوة لهم في حائك لظريفة وفرقة قالت بنبوة معمر بائع الحنطة بالكوفة وقالت فرقة بنبوة عمر التبان بالكوفة لعنه الله يقول لاصحابه لو شئت ان أعيد هذا التبن تبرا لفعلت وقدم الى خالد بن عبد الله القسري بالكوفة فتجلد وسب خالدا فامر خالد بضرب عنقه فقتل الى لعنة الله وهذه الفرق الخمس كلها من فرق الخطابية وقالت فرقة من أولئك شيعة بني العباس بنبوة عمار الملقب بخداش فظفر بن أسد بن عبد الله أخو خالد بن عبد الله القسري فقتله الىلعنة الله
والقسم الثاني من فرق الغالية الذين يقولون بالالهية لغير الله عز و جل فاولهم قوم من اصحاب عبد الله بن سبأ الحميري لعنه الله اتوا إلى علي بن أبي طالب فقالوا مشافهة انت هو فقال لهم ومن هو قالوا انت الله فاستعظم الامر وامر بنار فأججت واحقهم بالنار فجعلوا يقولون وهم يرمون في النار الان ص ح عندنا انه الله لانه لا يعذب بالنار الا الله وفي ذلك يقول رضي الله عنه ... لما رأيت الأمر أمرا منكرا ... أججت نارا ودعوت قنبرا ... يريد قنبرا مولاه وهو الذي تولى طرحهم في النار نعوذ بالله من أن نفتتن بمخلوق أو يفتتن بنا مخلوق فيما جل او دق فان محنة ابي الحسن رضي الله عنه من بين اصحابه رضي الله عنهم كمحنة عيسى صلى الله عليه و سلم بين أصحابه من الرسل عليهم السلام وهذه الفرقة باقية الى اليوم فاشية عظيمة العدد يسمون العليانية منهم كان اسحاق بن محمد المخعي الاحمر الكوفي وكان من متكلميهم وله في ذلك كتاب سماه الصراط نقض عليه البهنكي والفياض لما ذكرنا ويقولون ان محمدا رسول علي وقالت طائفة من الشيعة يعرفون بالمحمدية ان محمدا عليه السلام هو الله تعالى عن كفرهم ومن هؤلاء كان البهنكي والفياض بن علي وله في هذا المعنى كتاب سماه القسطاس وابوه الكاتب المشهور الذي كتب لاسحاق بن كنداج ايام ولايته ثم لامير المؤمنين المعتضد وفيه يقول البحتري القصيدة المشهورة التي أولها ... شط من مساكن الغرير مراره ... وطوته البلاد والله حاره ...
والفياض هذا لعنه الله قتله القاسم بن عبد الله بن سليمان بن وهب لكونه من جملة من سعى به ايام المعتضد والقصة مشهورة وفرقة قالت بالاهية ادم عليه السلام والنبيين بعده نبيا نبيا إلى محمد عليه السلام ثم بالاهية علي ثم بالاهية الحسن ثم الحسين ثم محمد بن علي ثم جعفر بن محمد ووقفوا هاهنا واعلنت الخطابية بذلك نهارا بالكوفة في ولاية عيسى بن موسى بن محمد ابن علي بن عبد الله بن العباس فخرجوا صدر النهار في جموع عظيمة في أزر وأردية محرمين

ينادون بأعلى أصواتهم لبيك جعفر لبيك جعفر قال ابن عياش وغيره كاني انظر اليهم يومئذ فخرج اليهم عيسى بن موسى فقاتلوه فقتلهم واصطلمهم ثم زادت فرقة على ما ذكرنا فقالت بالاهية محمد بن اسماعيل بن جعفر بن محمد وهم القرامطة وفيهم من قال بالاهية ابي سعيد الحسن بن بهرام الجبائي وأبنائه بعده ومنهم من قال بالاهية أبي سعيد الحسن بن بهرام الجبائي وأبنائه بعده ومنهم من قال بالاهية عبيد الله ثم الولاة من ولده الى يومنا هذا وقالت طائفة بالاهية أبي الخطاب محمد بن ابي زينب مولى بني أسد بالكوفة وكثر عددهم بها حتى تجاوزوا الالوف وقالوا هو اله وجعفر بن محمد اله الا ان ابا الخطاب اكبر منه وكانوا يقولون جميع أولاد الحسن ابناء الله وأحباؤه وكانوا يقولون انهم لا يموتون ولكنهم يرفعون الى السماء واشبه على الناس بهذا الشيخ الذي ترون ثم قالت طائفة منهم بالاهية معمر بائع الحنطة بالكوفة وعبدوه وكان من أصحاب أبي الخطاب لعنهم الله اجمعين وقالت طائفة بالاهية الحسن بن منصور حلاج القطن المصلوب ببغداد بسعي الوزير ابن حامد بن العباس رحمه الله ايام المقتدر وقالت طائفة بالاهية محمد بن علي ابن السلمان الكاتب المقتول ببغداد ايام الراضي وكان امر اصحابه ان يفسق الارفع قدرا منهم به ليولج فيه النور وكل هذه الفرق ترى الاشتراك في النساء وقالت طائفة منهم بالاهية شباس المغيم في وقتنا هذا حيا بالبصرة وقالت طائفة منهم بالاهية أبي مسلم السراج ثم قالت طائفة من هؤلاء بالاهية المقنع الأعور القصار القائم بثار أبي مسلم واسم هذا القصار هاشم وقتل لعنه الله ايام المنصور واعلنوا بذلك فخرج المنصور فقتلهم وافناهم الى لعنة الله وقالت الرنودية بالاهية أبي جعفر المنصور وقالت طائفة منهم بالاهية عبد الله بن الخرب الكندي الكوفي وعبده وكان يقول بتناسخ الارواح وفرض عليهم تسعة عشر صلاة في اليوم والليلة في كل صلاة خمس عشر ركعة الى أن ناظره رجل من متكلمي الصفرية واوضح له براهين الدين فاسلم وصح اسلامه وتبرأ من كل ما كان عليه واعلم أصحابه بذلك واظهر التوبة فتبرأ منه جميع أصحابه الذين كانوا يعبدونه ويقولون بالاهيته ولعنوه وفارقوه ورجعوا لكهم الى القول بامامة عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وبقي عبد الله بن الخرب على الاسلام وعلى مذهب الصفرية الى أن مات وطائفته الى اليوم تعرف بالحزبية وهي من السباية القائلين بالاهية علي وطائفة تدعي النصرية غلبوا في وقتنا هذا على جند الاردن بالشام وعلى مدينة طبرية خاصة ومن قولهم لعن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم ولعن الحسن والحسين ابني علي رضي الله عنهم وسبهم باقذع السب وقذفهم بكل بلية والقطع بانها وابنيها رضي الله عنهم ولعن مبغضيهم شياطين تصوروا في صورة الانسان وقولهم في عبد الرحمن بن ملجم المرادي قاتل علي رضي الله عنه على علي لعنه الله ورضي عن أبي ملجم فيقول هؤلاء ان عبد الرحمن بن ملجم المرادي افضل اهل الارض واكرمهم في الآخرة لانه خلص روح اللاهوت مما كان يتشبث فيه من ظلمة الجسد وكدره فاعجبوا لهذا الجنون واسألوا الله العافية من بلاء الدنيا والآخرة فهي بيده لا بيد أحد سواه جعل الله حظنا منها الاوفى واعلموا ان كل من كفر هذه الكفرات الفاحشة ممن ينتمي الى الاسلام فانما عنصرهم الشيعة والصوفية فان من الصوفية من يقول ان من عرف الله تعالى سقطت عنه الشرائع وزاد بعضهم واتصل بالله تعالى وبلغنا أن بنيسابور اليوم في عصرنا

هذا رجلا يكنى ابا سعيد ابا الخير هكذا معا من الصوفية مرة يلبس الصوف ومرة يلبس الحرير المحرم على الرجال ومرة يصلي في اليوم ألف ركعة ومرة لا يصلى لا فريضة ولا نافلة وهذا كفر محض ونعوذ بالله من الضلال
ذكر شنع الخوارج
ذكر بعض من جمع مقالات المنتمين الى الاسلام ان فرقة من الاباضية رئيسهم رجل يدعى زيد بن أبي أبيسه وهو غير المحدث المشهور كان يقول ان في هذه الأمة شاهدين عليها هو احدهما والآخر لا يدري من هو ولا متى هو ولا يدري لعله قد كان قبله وان من كان من اليهود والنصارى لا يقول لا اله الا الله محمد رسول الله الى العرب لا الينا كما تقول العيسوية من اليهود قال فانهم مؤمنون اولياء الله تعالى وان ماتوا على هذا العقد وعلى التزام شرائع اليهود والنصارى وان دين الاسلام سينسخ بنبي من العجم ياتي بدين الصابئين وبقرآن آخر ينزل عليه جملة واحدة
قال أبو محمد الا ان جميع الاباضية يكفرون من قال بشيء من هذه المقالات ويبرؤن منه ويستحلون دمه وماله وقالت طائفة من اصحاب الحرث الاباضي أن من زنا أو سرق أو قذف فانه يقام عليه الحد ثم يستتاب مما فعل فان تاب ترك وإن أن أبى التوبة قتل على الردة
قال أبو محمد وشاهدنا الاباضية عندنا بالاندلس يحرمون طعام أهل الكتب ويحرمون اكل قضيب التيس والثور والكبش ويوجبون القضاء على من نام نهارا في رمضان فاحتلم ويتيممون وهم على الآبار التي يشربون منها الا قليلا منهم وقال ابو اسماعيل البطيحي واصحابه وهم من الخوارج ان لا صلاة واجبة الا ركعة واحدة بالغداة وركعة أخرى بالعشي فقط ويرون الحج في جميع شهور السنة ويحرمون أكل السمك حتى يذبح ولا يرون اخذ الجزية من المجوس ويكفرون من خطب في الفطرة والأضحى ويقولون ان أهل النار في النار في لذة ونعيم واهل الجنة كذلك
قال أبو محمد واصل أبي اسماعيل هذا من الازارقة الا انه غلا عن سائر الازارقة وزاد عليهم وقالت سائر الأزارفة وهم أصحاب نافع بن الأزرق بابطال رجم من زنى وهو محصن وقطعوا يد السارق من المنكب واوجبوا على الحائض الصلاة والصيام في حيضها وقال بعضهم لا ولكن تقضي الصلاة اذا طهرت كما تقتضي الصيام واباحوا دم الاطفال ممن لم يكن في عسكرهم وقتل النساء أيضا ممن ليس في عسكرهم وبرئت الازارقة ممن قعد عن الخروج لضعف او غيره وكفروا من خالف هذا القول بعد موت اول من قال به منهم ولم يكفروا من خالفه فيه في حياته وقالوا باستعراض كل من لقوه من غير أهل عسكرهم ويقتلونه اذا قال انا مسلم ويحرمون قتل من انتمى الىاليهود والى النصارى أو الى المجوس وبهذا شهد رسول الله صلى الله عليه و سلم بالمروق من الدين كما يمرق السهم من الرمية اذ قال عليه السلام انهم يقتلون اهل الاسلام ويتركون اهل الاوثان وهذا من اعلام نبوته صلى الله عليه و سلم اذ انذر بذلك وهو من جزئيات الغيب فخرج نصا كما قال
قال أبو محمد وقد بادت الازارقة انما كانوا اهل عسكر واحد اولهم نافع بن الازرق وآخرهم عبدة بن هلال العسكري واتصل امرهم بضعا وعشرين سنة الا اني أشك في صبيح مولى سوار بن الاسعر المازني مازن تميم اخرج برأي الازارفة أيام هشام بن عبد الملك أم

برأي الصفرية لأن أمره لم يطل اسر اثر خروجه وقتل وقالت النجدات وهم أصحاب نجدة بن عويم الحنفي ليس على الناس أن يتخذوا اماما انما هم عليهم ان يتعاطوا الحق بينهم وقالوا من ضعف عن الهجرة الى عسكرهم فهو منافق واستحلوا دم العقدة واموالهم وقالوا من كذب كذبة صغيرة أو عمل عملا صغيرا فاصر على ذلك فهو كافر مشرك وكذلك ايضا في الكبائر وان من عمل من الكبائر غير مصر عليها فهو مسلم وقال جائز أن يعذب الله المؤمنين بذنوبهم لكن في غير النار واما النار فلا وقالوا اصحاب الكبائر منهم ليسوا كفارا وأصحاب الكبائر من غيرهم كفار وقد بادت النجدات وقالت طائفة من الصفرية بوجوب قتل كل من أمكن قتله من مؤمن عندهم أو كافر وكانوا يؤلون الحق بالباطل وقد بادت هذه الطائفة وقالت الميمونية وهم فرقة من العجاردة والعجاردة فرقة من الصفرية باجازة نكاح بنات البنات وبنات البنين وبنات بني الاخوة والاخوات وذكر ذلك عنهم الحسين بن علي الكراسي وهو احد الأئمة في الدين والحديث ولم يبق اليوم من فرق الخوارج الا الاباضية والصفرية فقط وقالت طائفة من أصحاب البيهسية وهم أصحاب أبي بيهس وهم من فرق الصفرية ان كان صاحب كبيرة فيها حد فانه لا يكفر حتى يرفع الى الامام فاذا اقام عليه الحد فحينئذ يكفر وقالت الرشيدية وهم من فرق الثعالبة والثعالبة من فرق الصفرية ان الواجب في الزكاة نصف العشر مما سقي بالانهار والعيون وقالت العونية وهم طائفة من البيهسية التي ذكرنا آنفا ان الامام اذا قضى قضية جور وهو بخراسان أو بغيرها حيث كان من البلاد ففي ذلك الحين نفسه يكفر هو وجميع رعيته حيث كانوا من شرق الارض وغربها ولو بالاندلس واليمن فما بين ذلك من البلاد وقالوا ايضا لو وقعت قطرة خمر في جب ماء بفلاة من الارض فان كل من خطر على ذلك الجب فشرب منه وهو لا يدري ما وقع فيه كافر بالله تعالى قالوا الا ان الله تعالى يوفق المؤمن لاجتنابه وقالت الفضيلية من الصفرية من قال لا اله الا الله محمد رسول الله بلسانه ولم يعتقد ذلك بقلبه بل اعتقد الكفر اوالدهرية اواليهودية او النصرانية فهو مسلم عند الله مؤمن ولا يضره اذا قال الحق بلسانه ما اعتقد بقلبه وقالت طائفة من الصفرية ان النبي صلى الله عليه و سلم اذا بعث ففي حين بعثه في ذلك الوقت من ذلك اليوم لزم جميع اهل المشرق والمغرب الايمان به وان لم يعرفوا جميع ما جاء به من الشرائع فمن مات منهم قبل أن يبلغه شيء من ذلك مات كافرا وقالت العجاردة اصحاب عبد الكريم بن عجرد من الصفرية ان من بلغ الحلم من الوادهم وبناتهم فهم برآء منه ومن دينه حتى يقر بالاسلام فيتولوه حينئذ
قال أبو محمد فعلى هذا ان قتله قاتل قبل أن يلفظ بالاسلام فلا قود ولا دية وان مات لم يرث ولم يورث وقالت طائفة من العجاردة لا نتولى الاطفال قبل البلوغ ولا نبرأ منهم لكن نقف فيهم حتى يلفظوا بالاسلام بعد البلوغ
قال ابو محمد والعجاردة هم الغالبون على خوارج خراسان كما ان النكار من الاباضية هم الغالبون على خوارج الاندلس وقالت المكرومية وهم أصحاب أبي مكرم وهم من الثعالبة اصحاب ثعلبة وهو من الصفرية والى قول الثعالبة رجع عبد الله بن باض فبرئ منه اصحابه فهم لا يعرفونه اليوم ولقد سألنا من هو مقدمهم في علمهم ومذهبهم عنهم فما عرفه احد منهم وكان من قول المكرمية هؤلاء ان من أتى كبيرة فقد جهل الله تعالى فهو كافر ليس من أجل الكبيرة كفر لكن لانه جهل الله عزوجل فهو كافر بجهله بالله تعالى وقالت طائفة من الخوارج

ما كان من المعاصي فيه حد كالزنا والسرقة والقذف فليس فاعله كافرا ولا مؤمنا ولا منافقا واما ما كان من المعاصي لا حد فيه فهو كافر وفاعله وقالت الحفصية وهم أصحاب حفص بن أبي المقدام من الاباضية من عرف الله تعالى وكفر بالنبي صلى الله عليه و سلم فهوكافر وليس بمشرك وان جهل الله تعالى أو جحده فهو حينئذ مشرك وقال بعض أصحاب الحرث الاباضي المنافقون على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم انما كانوا موحدين لله تعالى اصحاب كبائر ومن حماقاتهم قول بكر بن اخت عبد الواحد بن زيد فانه كان يقول كل ذنب صغير أو كبير ولو كان اخذ حبة خردل بغير حق أو كذبة خفيفة على سبيل المزاح فهي شرك بالله وفاعلها كافر مشرك مخلد في النار الا ان يكون من أهل الجنة وهذا حكم طلحة والزبير رضي الله عنهما عندهم ومن حماقاتهم قول عبد الله بن عيسى تلميذ بكر بن اخت عبد الواحد بن زيد المذكور فانه كان يقول ان المجانين والبهايم والاطفال مالم يبلغوا الحلم فانهم لا يالمون البتة لشيء مما ينزل بهم من العلل وحجته في ذلك أن الله تعالى لا يظلم أحدا
قال أبو محمد لعمري لقد طرد أصل المعتزلة وان من خالفه في هذه المتلوث في الحماقة متكسع في التناقض
ذكر شنع المعتزلة
قال أبو محمد قالت المعتزلة باسرها حاشا ضرار بن عبد الله الغطفاني الكوفي ومن وافقه كحفص الفرد وكلثوم وأصحابه ان جميع افعال العباد من حركاتهم وسكونهم في أقوالهم وأفعالهم وعقودهم لم يخلقها الله عز و جل ثم اختلفوا فقالت طائفة خلقها فاعلوها دون الله تعالى وقالت طائفة هي أفعال موجودةلا خالق لها أصلا وقالت طائفة هي أفعال الطبيعة وهذا قول أهل الدهر بلا تكلف وقالت المعتزلة كلهاحاشا ضرار بن عمرو المذكور وحاشا أبا سهل بشر بن العمير البغدادي النخاس بالرقيق ان الله عز و جل لا يقدر البتة على لطف يلطف به الكافر حتى يؤمن إيمانايستحق به الجنة والله عز و جل ليس في قوته احسن مما فعل بنا وان هذا الذي فعل هو منتهى طاقته وآخر قدرته التي لا يمكنه ولا يقدر على أكثر
قال أبو محمد هذا تعجيز مجرد للباري تعالى ووصف له بالنقص وكلهم لا نحاشي أحدا يقول انه لا يقدر على المحال ولا على ان يجعل الجسم ساكنا متحركا معا في حال واحدة ولا علي أن يجعل انسانا واحدا في مكانين معا
قال أبو محمد وهذا تعجيز مجرد لله تعالى وإيجاب النهاية والانقضاء لقدرته تعالى الله عن ذلك وقال أبو الهذيل بن مكحول العلاف مولى عبد القيس بصري أحد رؤساء المعتزلة ومتقدميهم ان لما يقدر الله تعالى عليه آخر او لقدرته نهاية لو خرج إلى الفعل لم يقدر الله تعالى بعد ذلك على شيء أصلا ولا على خلق ذرة فما فوقها ولا احياء بعوضة ميتة ولا على تحريك ورقة فما فوقها ولا على أن يفعل شيئا أصلا
قال أبو محمد وهذه حالة من الضعف والمهانة والعجز قد ارتفعت البق والبراغيث والدود مدة حياتها عنها وعن أن توصف بها وهذا كفر مجرد لا خفاء به وزعم أبو الهذيل ايضا ان اهل الجنة واهل النار تفنى حركاتهم حتى يصيروا جمادا لا يقدرون على تحريك شيء من أعضائهم ولا على البراح من مواضعهم وهم في تلك الحال متلذذون ومتألمون الا انهم

لا يأكلون ولا يشربون ولا يطئون بعد هذا أبدا وكان يزعم أيضا لما يعلمه عز و جل آخر أو نهاية وكلا لا يعلم الله شيئا سواه وأدعى قوم من المعتزلة أنه تاب عن هذه الطوام الثلاث
قال أبو محمد وهذا لا يصح وإنما دعوا ذلك حياء من هذه الكفرات الصلح لإمامهم إمام الضلالة وذكر عن أبي الهذيل أيضا أنه قال أن الله عز و جل ليس خلافا لخلقه والعجب أنه مع هذه الأقدام العظيم بنكر النشبية وهذا عين النشبية لأنه ليس إلا خلاف أو مثل أو ضد فإذا بطل أن يكون خلافا وضد فهو مثل ولا بد تعالى الله عن هذا علوا كبيرا أو كان أبو الهذيل يقول إن الله لم يزل عليما وكان ينكر أن يقال أن الله لم يزل سميعا بصيرا
قال أبو محمد وهذا خلاف القرآن لآن الله عز و جل قال وكان الله سميعا بصيرا كما قال وكان الله عليما حكيما وكلهم قال أن الله تعالى لم يزل يعلم أن من مات كافرا فإنه لا يؤمن أبدا وأنه تعالى حكم وقال أن أبا لهب وامرأته سيصليان النار كافرين ثم قطعوا كلهم بأن أبا لهب وامرأته كانا قادرين على الإيمان على أن لا تمسهما النار وأنهما كان ممكنا لها تكذيب الله عز و جل إنهما كانا قادرين على إبطال علم الله عز و جل وعلى أن يجعلاه كاذبا في قوله هذا نص قولهم بلا تأويل قال وكان إبراهيم بن سيار النظام أو إسحاق البصري مولى بني بحير بن الحارث بن عباد الضبعي أكبر شيوخ المعتزلة ومقدمة علمائهم يقول أن الله تعالى لا يقدر على ظلم أحد أصلا ولا على شيء من الشر وأن الناس يقدرون على كل ذلك وأنه تعالى لو كان قادرا على ذلك لكنا لا نأمن أن يفعله أو أنه قد فعله فكان الناس عنده أتم قدرة من الله تعالى وكان يصرح بأن الله تعالى لا يقدر على إخراج أحد من جهنم ولا إخراج أحد من أهل الجنة عنها ولا على طرح طفل من جهنم وأن الناس وكل واحد من الجن والملائكة يقدرون على ذلك فكان الله عز و جل عنده أعجز من كل ضعيف من خلقه وكان كل أحد من الخلق أتم قدرة من الله تعالى وهذا الكفر المجرد الذي نعوذ بالله منه ومن العجب إتفاق النظام والعلاف شيخي المعتزلة على أنه ليس يقدر الله تعالى من الخير على أصلح ما عمل فاتفقا على أن قدرته على الخير متناهية ثم قال النظام أنه تعالى لا يقدر على الشر جملة فجعله عديم قدرة على الشر عاجزا عنه وقال العلاف بل هو قادر على الشر جملة فجعل ربه متناهي القدرة على الخير وغير متناهي القدرة على الشر فهل سمع بأخبث صفة من الصفة التي وصف بها العلاف ربه وهل في الموصوفين أخبث طبيعة من الموصوف الذي ادعى العلاف أنه ربه ونعوذ بالله مما ابتلاهم به وأما أبو المعتمر معمر بن عمر والعطار البصري مولى بني سليم أحد شيوخهم وأثمنهم فكان يقول بأن في العالم أشياء موجودة لا نهاية لها ولا يحصيها الباري تعالى ولا أحد أيضا غيره ولا لها عنده مقدار ولا عدد وذلك أنه كان يقول أن الأشياء تختلف بمعان فيها وأن تلك المعاني تختلف بمعان أخر فيها وتلك المعاني تختلف بمعان أخر فيها وهكذا بلا نهاية أيضا تكذيب واضح لله تعالى في قوله وكل شيء عنده بمقدار وفي قوله تعالى وأحصى كل شيء عددا ووافقه الدهرية في قولهم بوجود أشياء لا نهاية لها وعلى هذا طلبته المعتزلة وبالبصرة عند السلطان حتى فر إلى بغداد ومات بها مختفيا عند إبراهيم بن السيد بن شاهك بو وكان معمر أيضا يزعم أن الله عز و جل لم يخلق شيئا من الألوان ولا طولا و لا عرضا ولا طعما ولا رائحة ولا خشونة ولا إملاسا ولا حسنا ولا قبيحا ولا صوتا ولا قوة ولا ضعفا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا ولا مرضا ولا صحة ولا عافية ولا سقما ولا عمى ولا بكما ولا بصرا

ولا سمعا ولا فصاحة ولا فساد للثمار ولا صلاحها وإن كل ذلك فعل الأجسام التي وجدت فيها هذه الأعراض بطباعها فأعملوا أن هذا الفاسق قد أخرج نصف العالم عن خلق الله تعالى لأنه ليس للعالم شيء إلا الجواهر الحاملة والأعراض المحمولة فقط فالنصف الواحد عنده غير مخلوق لعنه الله من مكذب لله تعالى في نص قوله تعالى خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وقد عورض معمر بهذه الآية فقال إنما أراد انه خلق الأماتة والأحياء وذكر عنه أنه كان ينكر أن يكون الله عز و جل عالما بنفسه وذلك لأن العالم إنما يعلم غير مولا يعلم نفسه وكان يزعم أن النفس ليست جسما ولا عرضا ولا هي في مكان أصلا ولا تماس شيئا ولا تباينه ولا تتحرك ولا تسكن
قال أبو محمد وهذا قول أهل الإلحاد محضا بلا تأويل بعني القائلين منهم بقدم النفس وأنها الخالقة للإنسان نعوذ بالله من الضلال وكان يقول أن الله تعالى لا يعلم نفسه ولا يجهلها لأن العالم غير المعلوم ومحال أن يقدر على الموجودات أو أن يعلمها وأن يجهلها وقال أبو العباس عبد الله بن محمد الأنباري المعروف بالناشيء ولقبه شرسير في كتابه في المقالات وأن الله تعالى عن كفره لا يقدر على أن يسوي بنان الإنسان بعد أن سبق في علمه أنه لا يسويها
قال أبو محمد وهذا تكذيب محض لله تعالى في قوله أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه بلى قادرين على أن نسوي بنانه ورأيت للجاحظ في كتابه البرهان لو أن سائلا سأله وقال أيقدر الله على أن يخلق قبل الدنيا دنيا أخرى فجوابه نعم بمعنى أنه يخلق تلك الدنيا حين خلق هذه فتكون مثل هذه
قال أبو محمد هذا تعجيز منه للباري تعالى كما قدمنا إذ لم تحصل له تعالى قدرة على خلق دنيا قبل هذه إلا على الوجه الذي ذكره وأما على غيره فلا فإن قيل كيف تجيبون قلنا جوابنا نعم على الإطلاق فإن قيل لنا كيف يصح هذا السؤال وأنتم تقولون أنه لا يجوز أن يقال أن قبل العالم شيئا لأن قيل وبعده من الزمان ولا زمان هنالك قلنا معنى قولنا نعم أي أنه تعالى لم يزل قادرا على أن يخلق عالما ولو خلقه لكان له زمان قبل زمان هذا العالم وهكذا أبدا وبالله تعالى التوفيق وأما ضرارا بن عمر فإنه كان يقول أن ممكنا أن يكون جميع من في الأرض ممن يظهر الإسلام كفارا كلهم في باطن أمرهم لأن كل ذلك جائز على كل واحد منهم في ذاته ومن حماقات ضرار أنه كان يقول أن الأجسام إنما هي أعراض مجتمعة وإن النار ليس فيها حر ولا في الثلج برد ولا في العسل حلاوة ولا في الصبر مرارة ولا في العنب عصير ولا في الزيتون زيت ولا في المعروف دم وإن كان ذلك إنما يخلقه الله عز و جل عند القطع والذوق والعصر واللمس فقط وأما أبو عثمان عمرو بن الجاحظ القصري الكناني صليبة وقيل بل هو مولى وهو تلميذ النظام وأحد شيوخ المعتزلة فإنه كان يقول أن الله تعالى لا يقدر على إفناء الأجسام البتة إلا أن يرفقها ويفرق أجزائها فقط وأما إعدامها فلا يقدر على ذلك أصلا وأما أبو معمر وثمامة بن أشرس النميري صليبة بصرى أحد شيوخ المعتزلة وعلمائهم فذكر عنه أنه كان يقول أن العالم فعل الله عز و جل بطباعه تعالى الله عن هذا الكفر الشنيع علوا كبيرا وكان يزعم أن المقلدين من اليهود والنصارى والمجوس وعباد الأوثان لا يدخلون النار يوم القيامة لكن يصيرون ترابا وإن كل من مات من أهل الإسلام والإيمان المحض والإجتهاد في العبادة مصرا على كبيرة من الكبائر كشرب ا لخمر ونحوها وإن كان لم يواقع ذلك إلا مرة

في الدهر فإنه مخلد بين أطباق النيران أبدا مع فرعون وأب وأبي جهل
قال أبو محمد فأي كفر أعجب من قول من يقول أن كثيرا من الكفار لا يدخلون النار وأن كثيرا من المسلمين لا يدخلون الجنة وكان ثمامة يقول أن إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه و سلم وجميع أولا د المسلمين الذين يموتون قبل الحلم وجميع مجانين الإسلام لا يدخلون الجنة أبدا لكن يصيرون ترابا وأما هشام بن عمرو الفوطي أحد شيوخ المعتزلة فكان يقول إذا خلق الله تعالى شيئا فإنه لا يقدر على أن يخلق مثل ذلك الشيء أبدا لكن الله يقدر على أن يخلق غيره والغير أن عنده لا يكونان مثلين وكان لا يجيز لأحد أن يقول حسبنا الله ونعم الوكيل ولا أن الله يعذب الكفار بالنار ولا أنه يحيي الأرض بالمطر ويروي هذا القول والقول بأن الله تعالى يضل من يشاء ويهدي من يشاء ضلالا وإلحادا
قال أبو محمد وهذا رد على الله جهارا وكان يقول لا يحل القول بشيء من هذا إلا عند قراءة القرآن فقط وكان يقول قولوا حسبنا الله ونعم المتوكل عليه وكان يقول أن الله يعذب الكفار في النار ويحي الأرض عند نزول المطر وكان لا يجيز القول بأن الله ألف بين قلوب المؤمنين ولا أن ا لقرآن عما على الكافرين وكان يقول أن من هو الآن مؤمن عابد إلا أن في علم الله أنه يموت كافر فإنه الآن عند الله كافر وإن من كان كافرا مجوسيا أو نصرانيا أو دهريا أو زنديقا إلا أن في علم الله عز و جل أنه يموت مؤمنا فإنه الآن عند الله مؤمن وأما عباد بن سليمان تلميذ الفوطي المذكور فكان يزعم أن الله تعالى لا يقدر على غير ما فعل من الصلاح ولا يجوز أن يقال أن الله تعالى خلق المؤمنين ولا أنه خلق الكافرين ولكن يقال خلق الناس وذلك زعم لأن المؤمن عنده إنسان وإيمان والكافر إنسان وكفر وإن الله تعالى إنما خلق عنده الإنسان فقط ولم يخلق الإيمان ولا الكفر وكان يقول أن الله تعالى لا يقدر على أن يخلق غير ما خلق وأنه تعالى لم يخلق المجاعة ولا القحط وكلهم بزعم أن الله تعالى لم يأمر الكفار قط بأن يؤمنوا في حال كفرهم ولا نهى المؤمنين قط عن الكفر في حال إيمانهم لأنه لا يقدر أحد قط على الجمع بين الفعلين المتضادين
قال أبو محمد وهم مقرون أن الله تعالى لم يزل يعلم أن من يؤمن بعد كفره فإنه لا يزال في كفره إلى أن يؤمن وأن من يكفر بعد إيمانه فإنه لا يزال في إيمانه حتى يكفروا وإن من لا يؤمن من الكفار أبدا فإنه لا يزال في كفره إلى أن يموت وأن من لا يكفر من المؤمنين فإنه لا يزال في إيمانه إلى أن يموت وليس أحد من المأمورين يخرج عن أحد هذه الوجوه الأربعة ضرورة فإذا كان عندهم لم يؤمر قط كافر بالإيمان في حال كفره ولا نهى مؤمن عن الكفر في حال إيمانه فإنه من لم يزل مؤمنا إلى أن مات لم ينهه الله عز و جل عن الكفر قط وإن من لم يزل كافرا إلى أن مات فإن الله لم يأمره قط بالإيمان وأن الله تعالى لم يأمر قط بالإيمان ومن لم يزل كافرا إلى أن مات فإن الله تعالى لم يأمره قط بالإيمان وأن الله تعالى لم يأمر قط بالإيمان من آمن بعد كفره إلا حين آمن ولا نهي قط عن الكفر من كفر بعد إيمانه إلا حين كفر وهذا تكذيب مجرد لله تعالى في أمره الكفار وأهل الكتاب بالإيمان ونهبه المؤمنين عن الكفر وكان بشر بن المعتمر أيضا يقول أن الله تعالى لم يخلق قط لونا ولا طعما ولا رائحة ولا مجسة ولا شدة ولا ضعفا ولا عما ولا بصرا ولا سمعا ولا جبنا ولا شجاعة ولا كشفا ولا عجزا ولا صحة ولا مرضا وأن الناس يفعلون كل ذلك فقط وأما جعفر القصبي

بايع القصب والأشج وهما من رؤسائهم فكانا يقولان أن القرآن ليس هو في المصاحف وإنما في المصاحف شيء آخر وهو حكاية القرآن
قال أبو محمد وهذا كفر مجرد وخلاف جميع أهل الإسلام قديما وحديثا وكان علي الأسواري البصري أحد شيوخ المعتزلة يقول أن الله عز و جل لا يقدر على غير فعل ما فعل وأن من علم الله تعالى أنه يموت ابن ثمانين سنة فإن الله لا يقدر على أن يميته قبل ذلك ولا أن يبقيه طرفة عين بعد ذلك وأن من علم الله تعالى من مرضه يوم الخميس مع الزوال مثلا فإن الله تعالى لا يقدر على أن يبريه قبل ذلك لا بما قرب ولا بما بعد ولا على أن يزيد في مرضه طرفة عين فما فوقها وأن الناس يقدرون كل حين على إماته من علم الله أن لا يموت إلا وقت كذا وأن الله لا يقدر على ذلك وهذا كفر ما سمع قط بأفظع منه وأما أبو غفار أحد شيوخ المعتزلة فكان يزعم أن شحم الخنزير ودماغه حلال
قال أبو محمد وهذا كفر صريح لا خفاء به وكان يزعم أن تفخيذ الرجال الذكور حلال وقد ذكر هذا عن ثمامة أيضا وكل هذا كفر محض وأما أحمد ابن خابط والفضل الحربي النصريان وكانا تلميذين لإبراهيم النظام فكانا يزعمان أن للعالم خالقين أحدهما قديم وهو الله تعالى والآخر حادث وهو كلمة الله عز و جل المسيح عيس ابن مريم التي بها خلق العالم وكانا لعنهما الله يطعنان على النبي صلى الله عليه و سلم بالتزويج وأن أبا ذر كان أزهد منه وكان أحمد بن خابط يزعم أن الذي يجيء به يوم القيامة مع الملائكة صفا صفا في ظلل من الغمام إنما هو المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام وأن الذي خلق آدم على صورته إنما هو المسيح عيس ابن مريم عليه السلام وأن المسيح هو الذي يحاسب الناس يوم القيامة وكان أحمد بن خابط لعنه الله يقول أن في كل نوع من أنواع الطير والسمك وسائر حيوان البر حتى البق والبراغيث والقمل والقرود والكلاب والفيران والتيوس والحمير والدود والوزغ والجعلان أنبياء الله تعالى رسالة إلى أنواعهم مما ذكرنا من سائر الأنواع وكان لعنه الله يقول بالتناسخ والكرور وأن الله تعالى ابتدأ جميع الخلق فخلقهم كلهم جملة واحدة بصفة واحدة ثم أمرهم ونهاهم فمن عصى منهم نسخ روحه في جسد بهيمة فالعتال يبتلى بالريح كالغنم والإبل والبقر والدجاج وغير ذلك من البراغيث وكل ما يقتل في الأغلب وأن من كان منهم في فسقه وقتله للناس عفيفا كوفي بالقوة على السفناد كالتيس والعصفور والكبش وغير ذلك ومن كان زانيا وزانية كوفيا بالمنع من الجماع كالبغال والبغلات ومن كان جبارا كوفي بالمهانة كالدود والقمل ولا يزالون كذلك حتى يقتص منهم ثم يردون فمن عصى منهم كرر أيضا كذلك هكذا أبدا حتى يطيع طاعة لا معصية معها فينتقل إلى الجنة من وقته أو يعصي معصية لا طاعة معها فينتقل إلى جهنم من وقته وإنما حمله على القول بكل هذا لزومه أصل المعتزلة في العدل وطرده إياه مشيه معه واعلموا أن كل من لم يقل من المعتزلة بهذا القول فإنه متناقض تارك لا صلهم في العدل وكان لعنه الله يقول أن للثواب دارين أحداهما لا أكل فيها ولا شرب وهي أرفع قدرا من الثانية والثانية فيها أكل وشرب وهي أنقص قدرا
قال أبو محمد هذا كله كفر محض وكان لهذا الكافر أحمد بن خابط تلميذ على مذهبه يقال له أحمد بن سابوس كان يقول بقول معلمه في التناسخ ثم ادعى النبوة وقال أنه المراد بقول الله عز و جل ومبشرا برسول يأتي من بعدي إسمه أحمد وكان محمد بن عبد الله بن مرة

بن نجيح الأندلسي يوافق المعتزلة في القدر وكان يقول أن علم الله وقدرته صفتان محدثتان مخلوقتان وأن لله تعالى علمين أحدهما أحدثه جملة وهو علم الكتاب وهو علم الغيب كعلمه أنه سيكون كفار ومؤمنون والقيامة والجزاء ونحو ذلك والثاني علم الجزئيات وهو علم الشهادة وهو كفر زيد وإيمان عمر ونحو ذلك فإنه لا يعلم الله تعالى من ذلك شيئا حتى يكون وذكر قول الله تعالى عالم الغيب والشهادة
قال أبو محمد وهذا ليس كما ظن بل على ظاهره أنه يعلم ما تفعلون وإن أخفيتم ويعلم ما غاب عنكم مما كان أو يكون أو هو كائن
قال أبو محمد وإنما حمله على هذا القول طرده لأصول المعتزلة حقا فإن من قال منهم أن الله تعالى لم يزل يعلم أن فلانا لا يؤمن أبدا وأن فلانا لا يكفر أبدا ثم جعل الناس قادرين على تكذيب كلام ربهم وعلى إبطال ما لم يزل وهذا تناقض فاحش لا خفاء به ونعوذ بالله من الخذلان وكان من أصحابه جماعة يكفرون من قال أنه عز و جل لم يزل يعلم كل ما يكون قبل أن يكون وكان من أصحاب مذهبه رجل يقال له إسماعيل ابن عبد الله الرعيني متأخر الوقت وكان من المجتهدين في العبادة المنقطعين في الزهد وأدركته إلا أبى لم ألقه ثم أحدث أقوالا سبعة فبريء منه سائر المربة وكفروه إلا من أتبعه منهم فما أحدث قوله أن الأجساد لا تبعث أبدا وإنما تبعث الأرواح صح هذا عندنا عنه وذكر عنه أنه كان يقول أنه حين موت الإنسان وفراق روحه لجسده تلقى روحه الحساب ويصير إما إلى الجنة أو إلى النار وأنه كان لا يقر بالبعث إلا على هذا الوجه وأنه كان يقول أن العالم لا يفنى أبدا بل هكذا يكون الأمر بلا نهاية وحدثني الفقيه أبو أحمد المعار في الطليطلي صاحبنا أحسن الله ذكره قال أخبرني يحيي بن أحمد الطبيب وهو ابن أبنة إسماعيل الرعيني المذكور قال أن جدي كان يقول أن العرش هو المدبر للعالم وأن الله تعالى أجل من أن يوصف بفعل شيء أصلا وكان ينسب هذا القول إلى محمد بن عبد الله بن مسرة ويحتج بألفاظ في كتبه ليس فيها لعمري دليل على هذا القول وكان يقول لسائر المرية أنكم لن تفهموا عن الشيخ فبرئت منه المرية أيضا على هذا القول وكان أحمد الطبيب صهره ممن بريء منه وتثبت ابنته على هذه الأقوال متبعة لأبيها مخالفة لزوجها وابنها وكانت متكلمة ناسكة مجتهدة ووافقت أبا هارون بن إسماعيل الرعيني على هذا القول فأنكره وبريء من قائله وكذب ابن أخيه فيما ذكر عن أبيه وكان مخالفوه من المرية وكثير من موافقيه ينسبون اليه القول بإكتساب النبوة وأن من بلغ الغاية من الصلاح وطهارة النفس أدرك النبوة وأنها ليست اختصاصا أصلا وقد رأينا منهم من ينسب هذا القول إلى ابن مرة ويستدل على ذلك بألفاظ كثيرة في كتبه هي لعمري لتشير إلى ذلك ورأينا سائرهم ينكر هذا فالله أعلم ورأيت أنا من أصحاب إسماعيل الرعيني المذكور من يصفه بفهم منطق الطير وبأنه كان ينذر بأشياء قبل أن تكون فتكون وأما الذي لا شك فيه فإنه كان عند فرقته إماما واجبة طاعته يؤدون اليه زكاة أموالهم وكان يذهب إلى أن الحرام قد عم الأرض وأنه لا فرق بين ما يكتسبه المرء من صناعة أو تجارة أو ميراث أو بين ما يكتسبه من الرفاق وأن الذي يحل للمسلم من كل ذلك قوته كيف ما أخذه هذا أمر صحيح عندنا عنه يقينا وأخبرنا عنه بعض من عرف باطن أمورهم أنه كان يرى الدار دار كفر مباحة دماؤهم وأموالهم إلا أصحابه فقط وصح عندنا عنه كان يقول بنكاح المتعة وهذا لا يقدح في إيمانه ولا في عدالته لو قاله مجتهدا

ولم تقم عليه الحجة بنسخه ولو سلم من الكفرات الصلع التي ذكرنا وإنما ذكرنا عنه ما جرى لنا من ذكره ولغرابة هذا القول اليوم وقلة القائلين به من الناس ورأيت لأبي هاشم عبد السلام بن محمد بن عبد الوهاب الجبائي كبير المعتزلة وابن كبيرهم القطع بأن لله تعالى أحوالا مختصة به وهذه عظيمة جدا إذ جعله حاملا للأعراض تعالى عن هذا الإفك ورأيت له القطع في كتبه كثيرا يردد القول بأنه يجب على الله أن يزيح علل العباد في كل ما أمرهم به ولا يزال يقول في كتبه أن أمر كذا لم يزل واجبا على الله
قال أبو محمد وهذا كلام تقشعر منه ذوائب المؤمن ليت شعري من الموجب ذلك على الله تعالى والحاكم عليه بذلك والملزم له ما ذكر هذا النذل لزومه للباري تعالى ووجوبه عليه فيا لله لمن قال أن الفعل أوجب ذلك على الله تعالى أو ذكر شيئا دونه تعالى ليصرحن بأن الله تعالى متعبد للذي أوجب عليه ما أوجب محكوم عليه مدبر وأنه للكفر الصراح ولئن قال أنه تعالى هو الذي أوجب ذلك على نفسه فالإيجاب فعل فاعل لا شك فإن كان الله لم يزل موجبا ذلك على نفسه فلم يزل فاعلا فالأفعال قديمة ولا بد لم تزل وهذه دهرية محضة وإن كان تعالى أوجب ذلك على نفسه بعد أن لم يكن موجبا له فقد بطل انتفاعه بهذا القول في أصله الفاسد لأنه قد كان تعالى غير واجب عليه ما ذكر ورأيت لبعض المعتزلة سؤالا سائل عنه أبا هاشم المذكور يقول فيه ما بال كل من بعثه النبي صلى الله عليه و سلم داعيا إلى الإسلام إلى اليمن والبحرين وعمان والملوك وسائر البلاد وكل من يدعو إلى مثل ذلك إلى يوم البعث لا يسمى رسول الله كما سمي محمد عليه السلام إذ أمره الملك عن الله عز و جل بالدعاء إلى الإسلام والأمر واحد والعمل سواء
قال أبو محمد فأعجبوا لتلاعب إبليس بهذه الفرقة الملعونة وسلوا الله العافية من أن يكلكم إلى أنفسكم فحق لمن دينه أن ربه لا يقدر على أن يهديه ولا على أن يضله أن يتمكن الشيطان منه هذا التمكن ولعمري أن هذا السؤال لقد لزم أصل المعتزلة المضل لهم ولمن التزمه والمورد لجميعهم نار جهنم وهو قولهم أن التسمية موكولة الينا لا إلى الله عز و جل ورأيت لهذا الكافر أبي هاشم كلاما رد فيه بزعمه على من يقول أنه ليس لأحد أن يسمي الله عز و جل إلا بما سمى به نفسه فقال هذا النذل لو كان هذا ولم يجز لأحد أن يسمي الله تعالى عز و جل إلا بما سمى به نفسه لكان غير جائز لله أن يسمى به نفسه بإسم حتى يسميه به غيره
قال أبو محمد فهل يأتي المرور بأقبح من هذا الإستدلال وهل في التسمية أكثر من هذا ولكن من يضلل الله فلا هادي له ونعوذ بالله من أن يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين فنهلك وكان أبو هاشم أيضا يقول أنه لو طال عمر المسلم المحسن لجاز أن يعمل من الحسنات والخير أكثر مما عمل النبي صلى الله عليه و سلم
قال أبو محمد لا والله ولا كرامة ولو عمر أحدنا الدهر كله في طاعات متصلة ما وازى عمل امريء صحب النبي صلى الله عليه و سلم من غير المنافقين والكفار المجاهرين ساعة واحدة فما فوقها مع قوله صلى الله عليه و سلم أنه لو كان لأحدنا مثل أحد ذهبا فأنفقه ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه فمتى يطمع ذو عقل أن يدرك أحدا من الصحابة مع هذا القون الممتنع إدراكه قطعا وكان أبو هاشم المذكور يقول أنه لا يقبل توبة أحد من ذنب عمله أي ذنب كان حتى يتوب من جميع الذنوب

قال أبو محمد وحقا أقول لقد طرد أصل المعتزلة الذي أطبقوا عليه من إخراج المرء عن الإسلام جملة بذنب واحد عمله يصر عليه وإيجابهم الخلود في النار عليه بذلك الذنب وحده فلو كان هذا لكان أبو هاشم صادقا إذ لا منفعة له عندهم في تركه كل ذنب وهو بذنب واحد يصر عليه خارج عن الإيمان مخلد بين أطباق النيران وما ينكر هذا عليه من المعتزلة إلا جاهل بأصولهم أو عامد للتناقض وكان يقول أن تارك الصلاة وتارك الزكاة عامدا لكل لك لم يفعل شيئا ولا أنب ولا عصي وأنه مخلد بل أطباق النيران أبدا على غير فعل فعله ولا على شيء أرتكبه
قال أبو محمد فهل في التجويز لله على أصولهم وهل في مخالفة الإسلام جهارا أكثر من هذا القول السخيف وكان الذي حمله على قوله هذا قوله أنه ترك الفعل ليس فعلا وجميع المعتزلة إلا هشام بن عمر والفوطي يزعمون أن المعدودات أشياء على الحقيقة وأنها لم تزل وأنها لا نهاية لها
قال أبو محمد وهذه دهرية بلا مطل وأشياء لا نهاية لها لم تزل غير مخلوقة وكان عبد الرحيم بم محمد بن عثمان الخياط من أكابر المعتزلة ببغداد ممن يقول أن الأجسام المعدومة لم تزل أجساما بلا نهاية لها لا في عدد ولا في زمان غير مخلوقة وقال أبو محمد عبد الله الأسكافي أحد رؤساء المعتزلة أن الله تعالى لم يخلق الطنابير ولا المزامير ولا المعازف
قال أبو محمد كان من تمام هذا الكفر أن يقول أن ا لله لم يخلق الخمر ولا الخنازير ولا مردة الشياطين وقالت المعتزلة بأسرها حاشا بشر بن المعتمر وضرار ابن عمر وأنه لا يحل لأحد تمنى الشهادة ولا أن يريدها ولا أن يرضاها لأنها تغليب كافر على مسلم وإنما يجب على المسلم أن يحب الصبر على ألم الجراح فقط إذا أصابته
قال أبو محمد وهذا خلاف دين الإسلام والقرآن والسنن والإجماع المتيقن وقالوا كلهم حاشا ضررا وبشرا أن الله لم يمت رسولا ولا نبيا ولا صاحب نبي ولا أمهات المؤمنين وهو يدري أنهم لو عاشوا فعلوا خيرا لكن أمات كل من أمات منهم إذ علم أنه لو أبقاه طرفة عين لكفروا أو فسق ولا بد هذا قولهم في أبي بكر وعمر وعلي وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم وعائشة وخديجة نعم وفي رسول الله صلى الله عليه و سلم موسى وعيسى وإبراهيم عليهم السلام فأعجبوا لهذه ا لضلالات الوحشية وكان الجعد وهو من شيوخهم يقول إذا كان الجماع يتولد منه الولد فأنا صانع ولدي ومدبره وفاعله لا فاعل له غيرى وإنما يقال أن الله خلقه مجازا لا حقيقة فأخذ أبو علي محمد بن عبد ا لوهاب الجبائي الطرف الثاني من الكفر فقال أن تعالى خلق الحبل والموت وكل من فعل شيئا فهو منسوب اليه فإن الله تعالى هو محبل النساء وهو أحبل مريم بنت عمران
قال أبو محمد يلزم ولا بد إذا كان أولادنا خلقا لله عز و جل أن يضيفهم اليه فيقول هم أبنا الله والمسيح ابن الله ولا بد وقال أبو عمر وأحمد بن موسى بن أحدير صاحب السكة وهو من شيوخ المعتزلة في بعض رسائله التي جرت بينه وبين القاضي منذر بن سعيد رحمه الله أن الله عاقل وأطلق عليه هذا الإسم وقال بعض شيوخ المعتزلة أن العبد إذا عصى الله عز و جل طبع على قلبه فيصير غير مأمور ولا منهي وأما حماقاتهم فإن أبا الهذيل العلاف قال

من سرق خمسة دراهم أو قيمتها فهو فاسق منسلخ من الإسلام مخلد أبدا في النيران إلا أن يتوب وقال بشر بن المعتمر أن من سرق عشرة دراهم غير حبة فلا إثم عليه ولا وعيد فإن سرق عشرة دراهم خرج عن الإسلام ووجب عليه الخلود إلا أن يتوب وقال النظام أن سرق ماتي درهم غير حبة فلا إثم عليه ولا وعيد وإن سرق ماتي درهم خرج عن الإسلام ولزمه الخلود إلا أن يتوب وقال أبو بكر أحمد بن علي بن أحور بن الإخشيد وهو أحد رؤسائهم الثلاثة الذين انتهت رياستهم اليهم وافترقت المعتزلة على مذاهبهم والثاني منهم أبو هاشم الجبائي والثالث عبد الله بن محمد بن محمود البلخي المعروف بالكعبي وكان والد أحمد بن علي المذكور أحد قواد الفراعنة وولي الثغور للمعتضد وللمكتفي فكان من قول أحمد المذكور أن من ارتكب كل ذنب في الدنيا وهكذا أبدا متى عاد لذلك الذنب أو لغيره من القتل فما دونه إلا أنه ندم أثر فعله له فقد صحت توبته وسقط عنه ذلك الذنب أبدا وهكذا أبدا متى عاد لذلك الذنب أو لغيره
قال أبو محمد هذا قول لم يبلغه جماهير المرجئة وهو مع ذلك يدعي أن القول بإنفاذ الوعد والوعيد وما على أديم الأرض مسلم لا يندم على ذنبه وقال عبد الرحمن تلميذ أبي الهذيل أن الحجة لا تقوم في الإخبار إلا بنقل خمسة يكون فيهم ولي لله لا أعرفه بعينه وعن كل واحد من أولئك الخمسة خمسة مثلهم وهكذا أبدا وقال صالح تلميذ النظام أن من رأى رؤيا أنه بالهند أو أنه قتل أو أنه أي شيء رأى فإنه حق يقين كما رأى كما لو كان ذلك في اليقظة وقال عباد بن سليمان الحواس سبع وقال النظام الألوان جسم وقد يكون جسمان في مكان واحد وكان النظام يقول لا تعرف الأجسام بالإخبار أصلا لكن كل من رأى جسما سواء كان المرئي إنسانا أو غير إنسان فإن الناظر اليه اقتطع منه قطعة اختلطت بجسم الرائي ثم كل من أخبره ذلك الرائي عن ذلك الجسم فإن المخبر أيضا أخذ من تلك القطعة قطعة وهكذا أبدا
قال أبو محمد وهذه قصة لولا أننا وجدناها عنه من طريق تلامذته المعظمين له ذكروها في كتبهم عنه ما عرفناه على ذي مسكة من عقل فألزمه خصومه على هذا أن قطعا من جبريل وميكائيل ومن النبي صلى الله عليه و سلم ومن موسى وعيسى وإبراهيم عليهم السلام في نار جهنم وإن قطعا من فرعون وإبليس وأبي لهب وأبي جهل في الجنة وكان يزعم أنه لا سكون في شيء من العالم أصلا وأن كل سكون يعلم بتوسط البصر فهو حركة بلا شك وكان معمر يزعم أنه لا حركة في شيء من العالم وأن كل ما يسميه الناس حركة فهو سكون وكان عباد بن سليمان يقول أن الأمة إذا اجتمعت وصلحت ولم تتظالم أحتاجت حينئذ إلى إمام يسوسها ويدبرها وإن عصت وفجرت وظلمت استغنت عن الإمام وكان أبو الهذيل يقول أن الإنسان لا يفعل شيئا في حال استطاعته وإنما يفعل بالإستطاعة بعد ذهابها فألزمه خصومه أن الإنسان إنما يفعل إذا لم يكن مستطيعا وأما إذا كان مستطيعا فلا وأن الميت يفعل كل فعل في العالم
قال أبو محمد وحماقاتهم أكثر من ذلك ونعوذ بالله من الخذلان

شنع المرجئة قال أبو محمد غلاة المرجئية طائفتان أحدهما الطائفة القائلة بأن الإيمان قول باللسان وأن

اعتقد الكفر بقلبه فهو مؤمن عند الله عز و جل ولي له عز و جل من أهل الجنة وهذا قول محمد بن كرام السجستاني وأصحابه وهو بخراسان وبيت المقدس والثانية الطائفة القائلة أن الإيمان عقد بالقلب وإن أعلن الكفر بلسانه بلا نقية وعبد الأوثان أو لزم اليهودية أو النصرانية في دار الإسلام وعبد الصليب وأعلن الثتليث في دار الإسلام ومات على ذلك فهو مؤمن كامل الإيمان عند الله عز و جل ولي لله عز و جل من أهل الجنة وهذا قول أبي محرز جهم بن صفوان السمرقندي مولى بني راسب كاتب الحارث بن سريج التميمي أيام قيامه على نصرين سيار بخراسان وقول أبي الحسن علي بن إسماعيل بن أبي اليسر الأشعري البصري وأصحابهما فأما الجهمية فبخراسان وأما الأشعرية فكانوا ببغداد والبصرة ثم قامت له سوق بصقلية والقيروان وبالأندلس ثم رق أمرهم والحمد لله رب العالمين فمن فضايح الجهمية وشنعهم قولهم بأن علم الله محدث مخلوق وأنه تعالى لم يكن يعلم شيئا حتى أحدث لنفسه علما علم به وكذلك قولهم في القدرة وقال أيضا أن الجنة والنار يفنيان ويفنى كل من فيهما و هذا خلاف القرآن والثابت عن رسول الله صلى الله عليه و سلم وخلاف إجماع أهل الإسلام المتيقن وقال بعض الكرامية المنافقون مؤمنون من أهل الجنة وقد أطلق ذلك بالمربة محمد بن عيسى الصوفي الالبيري وكانت ألفاظه تدل على أنه يذهب مذهبهم في التجسيم وغيره وكان ناسكا متقللا من الدنيا واعظا مفوها مهذارا قليل الصواب كثير الخطأ رأيته مرة وسمعته يقول أن النبي صلى الله عليه و سلم كان لا يلزمه زكاة مال لأنه اختار أن يكون نبيا عبدا والعبد لا زكاة عليه ولذلك لم يورث ولا ورث فأمسكت عن معارضته لأن العامة كانت تحضره فخشيت لغطهم وتشنيعهم بالباطل ولم يكن معي أحد إلا يحيى بن عبد الكثير بن وافد كنت أتيت أنا وهو معي متنكرين لنسمع كلامه وبلغتني عنه شنع منها القول بحلول الله فيما شاء من خلقه أخبرني عنه بهذا أبو أحمد الفقيه المعافري عن أبي علي المقري وكان على بنت محمد بن عيسى المذكور وغير هذا أيضا نعوذ بالله من الضلال وقالت طائفة الكرامية المنافقون مؤمنون مشركون من أهل النار وقالت طائفة منهم أيضا من آمن بالله وكفر بالنبي صلى الله عليه و سلم فهو مؤمن كافر معا ليس مؤمنا على الإطلاق ولا كافرا على الإطلاق وقال مقاتل ابن سليمان وكان من كبار المرجئة لا يضر مع الإيمان سيئة جلت أو قلت أصلا ولا ينفع مع الشرك حسنة أصلا وكان مقاتل هذا مع جهم بخراسان في وقت واحد وكان يخالفه في التجسيم كان جهم يقول ليس الله تعالى ولا هو أيضا لا شيء لأنه تعالى خالق كل شيء فلا شيء إلا مخلوق وكان مقاتل يقول أن الله جسم ولحم ودم على صورة الإنسان وقالت الكرامية الأنبياء يجوز منهم كبائر المعاصي كلها حاشا الكذب في البلاغ فقط فإنهم معصومون منه وذكر لي سليمان بن خلف الباجي وهو من رؤس الأشعرية أن فيهم من يقول أيضا أن الكذب في البلاغ أيضا جائز من الأنبياء والرسل عليهم السلام
قال أبو محمد وكل هذا كفر محض وذكر عنهم محمد بن الحسن بن فورك الأشعري أنهم يقولون أن الله تعالى يفعل كلما يفعل في اته وأنه لا يقدر على إفناء خلقه كله حتى يبقى وحده كما كان قبل أن يخلق وقالوا أيضا أن كلام الله تعالى أصوات وحروف هجاء وجتمعة كلها أبدا لم تزل ولا تزال وقالوا أيضا لا يقدر الله على غير ما فعل وقالوا أيضا أنه متحرك

أبيض اللون ذكر عنهم أنهم يقولون أنه تعالى لا يقدر على إعادة الأجسام بعد بلائها لكن يقدر على أن يخلق مثلها ومن حماقاتهم أنهم يجيزون كون إمامين وأكثر في وقت واحد وأما الأشعرية فقالوا إن شئتم من أظهر الإسلام لله تعالى ولرسوله بأفحش ما يكون من الشتم وإعلان التكذيب بها باللسان بلا تقية ولا حكاية والإقرار بأنه يدين بذلك ليس شيء من ذلك كفرا ثم خشوا مبادرة جميع أهل الإسلام لهم فقالوا لكنه دليل على أن في قلبه كفر فقلنا لهم وتقطعون بصحة ما دل عليه هذا الدليل فقالوا لا وقالت الأشعرية أن إبليس قد كفر ثم أعلن بعصيان الله تعالى في السجود لآدم عليه السلام فإن إبليس من حينئذ لم يعرف أن الله تعالى حقا ولا أنه خلقه من نار ولا أنه خلق آدم من تراب وطين ولا عرف أن الله أمره بالسجود لآدم بعدها قط ولا عرف بعد هذا قط أن الله كرم آدم ومن قولهم بأجمعهم أن إبليس لم يسأل الله قط أن ينظره إلى يوم البعث فقلنا لهم ويلكم إن هذا تكذيب لله عز و جل ولرسوله صلى الله عليه و سلم ورد للقرآن قالوا لنا أن إبليس إنما قال كل ذلك هازئا مستهزئا بلا معرفة ولا إعتقاد كان هذا أشنع كفروا برده بعد كفر الغالية من الرافضة وقالوا أن إبليس لم يكفر بمعصيته الله في ترك السجود لآدم ولا بقوله عن آدم أنا خير منه وإنما كفر بجحد الله تعالى كان في قلبه
قال أبو محمد هذا خلاف للقرآن وتكهن لا يعرف صحته إلا من حدثه به إبليس عن نفسه على ان الشيخ غير ثقة فيما يحدث به وقالت الأشعرية أيضا أن فرعون لم يعرف قط أن موسى إنما جاء بتلك الآيات من عند الله حقا وأن اليهود والنصارى الذين كانوا في عهد النبي صلى الله عليه و سلم لم يعرفوا قط أن محمدا رسول الله صلى الله عليه و سلم حقا ولا عرفوا أنه مكتوب في التوراة والإنجيل وأن من عرف ذلك منهم وكتمه وتمادى على إعلان الكفر ومحاربة النبي صلى الله عليه و سلم بخيبر ومن بني قريظة وغيرهم فإنهم كانوا مؤمنين عند الله عز و جل أولياء لله من أهل الجنة فقلنا لهم ويلكم هذا تكذيب لله عز و جل إذ يقول يجحدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يعرفونه كما يعرفون أبناءهم و فإنهم لا يكذبونك فقالوا لنا معنى أنهم وجدوا خطأ مكتوبا عندهم لم يفهموا معناه ولا دروا ما هو ونعم عرفوا صورته فقط ودرو أن محمد بن عبد الله بن عبد المطلب كما يعرف الإنسان جاره فقط فكان هذا كفرا باردا أو تحريفا لكلام الله تعالى عن مواضعه ومكابره سمجة وحماقة ودفعا للضرورة وقد تقصينا الرد على أهل هذه المقالة الملعونة في كتاب لنا رسمه كتاب اليقين في النقض على الملحدين المحتجين عن إبليس اللعين وسائر الكافرين تقصيا فيه كلام رجل من كبارهم من أهل القيروان اسمه عطاف بن دوتاس في كتاب ألفه في نصر هذه المقالة وكان لشيخهم الأشعري في إعجاز القرآن قولان أحدهما كما يقول المسلمون أنه معجز النظم والآخر إنما هو المعجز الذي لم يفارق الله عز و جل قط والذي لم يزل غير مخلوق ولا نزل الينا ولا سمعناه قط ولا سمعه جبريل ولا محمد عليهما السلام قط وأما الذي يقرأ في المصاحف ونسمعه فليس معجزا بل مقدور على مثله وهذا كفر صحيح وخلاف لله تعالى ولجميع أهل الإسلام وقال كبيرهم وهو محمد بن الطيب الباقلاني أن لله تعالى خمسة عشر صفة كلها قديمة لم تزل مع الله تعالى وكلها غير الله وخلاف لله تعالى وكل واحدة منهن غير الأخرى منهن وخلاف لسائرها وأن الله تعالى غيرهن وخلافهن

قال أبو محمد هذا والله أعظم من قول النصارى وأدخل في الكفر والشرك لأن النصارى لم يجعلوا مع الله تعالى إلا إثنين هو ثالثهما وهؤلاء جعلوا معه تعالى خمسة عشر هو السادس عشر لهم وقد صرح الاشعري في كتابه المعروف بالمجالس بأن مع الله تعالى أشياء سواه لم تزل كما يزل
قال أبو محمد وهذا إبطال التوحيد علانية وإنما حملهم على هذا الضلال ظنهم أن إثبات علم الله تعالى وقدرته وعزته وكلامه لا يثبت إلا بهذه الطريقة الملعونة ومعاذ الله من هذا بل كل ذلك حق لم يزل غير مخلوق ليس شيء من ذلك غير الله تعالى ولا يقال في شيء من ذلك هو الله تعالى لأن هذه تسمية له عز و جل وتسميته لا تجوز إلا بنص وقد تقصينا الكلام في هذا في صدر ديواننا هذا والحمد لله رب العالمين إنما جعلنا هاهنا شنع أهل البدع تنفيرا عنهم وإيحاشا للأغمار من المسلمين من الإنس بهم ومن حسن الظن بكلامهم الفاسد ولقد قلت لبعضهم إذا قلتم أن مع الله تعالى خمسة عشر صفة كلها غيره وكلها لم تزل فما الذي أنكرتم على النصارى إذ قالوا أن الله ثالث ثلاثة فقال لي إنما أنكرنا عليهم إذ جعلوا معه شيئين فقط ولم يجعلوا معه أكثر ولقد قال لي بعضهم اسم الله تعالى وهو قولنا الله عبارة تقع على ذات الباري وجميع صفاته لا على ذاته دون صفاته فقلت له أتعبد الله أم لا فقال لي نعم فقلت له فإنما تعبد إذا بإقرارك الخالق وغيره معه فيكفيك فنفر نفرة وقال معاذ الله من هذا ما عبد إلا الخالق وحده فقلت له فإنما تعبد إذا بإقرارك بعض ما يسمى به الله فنفر أخرى وقال معاذ الله من هذا وأنا واقف في هذه المسألة وقال شيخ لهم قديم وهو عبد الله بن سعيد بن كلاب البصري أن صفات الله تعالى ليست باقية ولا فانية ولا قديمة ولا حديثة لكنها لم تزل غير مخلوقة هذا مع تصريحه بأن الله قديم باق ومن حماقات الأشعرية قولهم أن للناس أحوالا ومعاني لا معدومة ولا موجودة ولا معلومة ولا مجهولة ولا مخلوقة ولا غير ومخلوقة ولا أزلية ولا محدثة ولا حق ولا باطل وهي علم العالم بأن له علما ووجود الواجد لوجدوه كلما يجد هذا أمر سمعناه منهم نصا ورأيناه في كتبهم فهل في الرعونة أكثر من هذا وهل يمكن الموسوس والمبرسم أن يأتي بأكثر من هذا ولقد حاورني سليمان بن خلف الباجي كبيرهم هذه المسألة في مجلس حافل فقلت له هذا كما تقول العامة عندنا عنب لا من كرم ولا من دالية ومن هوسهم قولهم أن الحق غير الحقيقة ولا ندري في أي لغة وجدوا هذا أم في أي شرع وارد أم في أي طبيعة ظفروا به فقالوا إن الكفر حقيقة وليس بحق وقلنا كلا بل وجوده عن حقيقة ومعناه باطل لا حق ولا حقيقة وقالوا كلهم أن الله حامل لصفاته في ذاته هذا نص قول أبي جعفر السمناتي المكفوف قاضي الموصل وهو أكبر أصحاب الباقلاني ومقدم الأشعرية في وقتنا هذا وقال هذا السمناني أيضا إن من سمى الله تعالى جسما من أجل أنه حامل لصفاته في ذاته فقد أصاب المعنى وأخطأ في التسمية فقط وقال هذا السمناني إن الله تعالى مشارك للعالم في الوجود وفي قيامه بنفسه كقيام الجواهر والأجسام وفي أنه ذو صفات قائمة به موجودة بذاته كما ثبت ذلك فيما هو موصوف بهذه الصفات من جملة أجسام العالم وجواهر هذا نص كلام السمناني حرفا حرفا
قال أبو محمد ما أعلم أحد من غلاة المشبهة أقدم على أن يطلق ما أطلق هذا المبتدع

الجاهل الملحد المتهور من أن الله تعالى مشارك للعالم حاشا لله من هذا وقال السمناني عن شيوخه من الأشعرية أن معنى قول النبي صلى الله عليه و سلم أن الله خلق آدم على صورته إنما هو على صفة الرحمن من الحياة والعلم والاقتدار وإجماع صفات الكمال فيه واسجد له ملائكته كما أسجدهم لنفسه وجعل له الأمر والنهي على ذريته كما كان لله تعالى كل ذلك
قال أبو محمد هذا نص كلامه حرفا حرفا وهذا كفر صريح وشرك بواح إذ صرح بأن آدم على صفة الرحمن من اجتماع صفات الكمال فيهما فالله تعالى وآدم عنده مثلان مشتبهان في أجتمع صفات الكمال فيهما ثم لم يقنع بهذه السوءة حتى صرح بأن سجود الملائكة لآدم كسجودهم لله عز و جل وحاشا لله من هذا لأن سجود الملائكة لله تعالى سجود عبادة وديانة لخالقهم وسجودهم لآدم سجود سلام وتحية وتشريف منهم لآدم وإكرام له بذلك كسجود يعقوب لابنه يوسف عليهما السلام فقط ثم زاد اللعين كفرا على كفر بنصه أن الله تعالى جعل له الأمر والنهي على ذريته كما كان لله تعالى ذلك وهذا شرك لا خفاء به كشرك النصارى في المسيح ولا فرق ونسأل الله تعالى العافية وقال هذا السمناني أن مذهب شيوخه أنهم لا يقولون أن الأمر بالشيء دال على كونه مرادا للآمر قديما كان أو محدثا ولا يدل النهي على كونه مكروها وهذا نص كلامه وهذا خلاف الإسلام والإجماع والمعقول وتصريح بأن الله تعالى إذا أمر بالصلاة والزكاة والحج والصيام والجهاد وشهادة الإسلام فليس في ذلك دليل على أنه يريد شيئا من ذلك وإذ نهى عن الكفر والزنا والبغي والسرقة وقتل النفس ظلما فليس ذلك دليلا على أنه يكره شيئا من ذلك وما في الأقوال أنتن من هذا القول وقال السمناني أنه لا يصح القول بأن علم الله تعالى مخالف للعلوم كلها ولا أن قدرته مخالفة للقدر كلها لأنها كلها داخلة تحت قولنا ووصفنا للقدر والعلوم هذا نص كلامه وهذا بيان بأن دينهم أن علم الله تعالى وقدرته من نوع علمنا وقدرتنا وإذ الأمر كذلك عنده فعلمنا وقدرتنا عرضان فينا مخلوقان فوجب ضرورة أن علم الله تعالى وقدرته عرضان في الله مخلوقان إذ من الممتنع وقوع ما لم يزل مع المحدث المخلوق تحت حد واحد ونوع واحد ونص هذا السمناني ومحمد بن الحسن بن فورك في صدر كلامه في كتاب الأصول أن الحدود لا تختلف في قديم ولا محدث قالوا ذلك في كلامهم في علم الله تعالى في تحديدهم لمعنى العلم بصفة يقع تحتها علم الله تعالى وعلوم الناس وهذا نص منهم على أن الله تعالى محدود واقع معنا تحت الحدود وهو علمه وقدرته وهو شر من قول جهم شيخهم في الحقيقة وأبين من قول كل مشبه في الأرض ونص هذا السمناني على أن العالم والقادر والمريد من الله تعالى وخلقه إنما كان محتاجا إلى هذه الصفات لكونه موصوفا بها لا لجوازها عليه هذا نص كلامه وهذا تصريح منهم بلا تكلف ولا تأويل بأن الله تعالى عن كفر هذا الأرعن محتاج إلى الصفات وهذا كفر ما يدري أن أحدا بلغه ونص هذا السمناني أيضا على أن الله تعالى لما كان حيا عالما كان موصوفا بالحياة والعلم والقدرة والإرادة حتى لا يختلف الحال في ذلك في الشاهد والغائب هذا نص كلامه وهذا تصريح منه على أن الله تعالى حالا لم يخالفه فيها خلقة بل هو وهم فيها سواء ونص هذا السمناني على أنه إذا كانت الصفات الواجبة لله تعالى في كونه عالما قادرا لا يغني وجوبها له عن ما هو مصحح لها من الحياة فيه كما لا يوجب غناه

عما يوجب كونه عالما قادرا عن القدرة والعلم
قال أبو محمد هذا نص جلي على أن الله تعالى غير غني عن شيء هو غيره لأن الصفات عندهم هي غيره تعالى والله تعالى عندهم غير غني عنها تعالى الله وإذا لم يكن غنيا فهو فقير اليها هكذا قالت اليهود أن الله فقير تعالى الله عن هذا بل هو الغني جملة عما سواه وكل من دونه فقير اليه تعالى وقال السمناني إن قال قائل لم أنكرتم أن يكون الله مريدا لنفسه حسب ما قاله النجار والجاحظ قيل له أنكرنا ذلك لما قدمنا ذكره من أن الواحد من الخلق مريدا بإرادة ولا يخلو أن يكون حقيقة المريد من له الإرادة أو كونه مريدا أو جود الإرادة له وأي الأمرين كان وجبت مساواة الغائب الشاهد في هذا الباب
قال أبو محمد وهذا نص جلي على مساواة الله تعالى لخلقه عند هذا الجاهل وهذا أعظم في الكفر من قول كل مجسم لأن جميع المجسمين لم يقدم أحد منهم قط على القول بأن الله تعالى مساو لخلقه قبل هذه الفرقة الملعونة ثم العجب قطعهم بأن الله عز و جل غايب غير شاهد وحاشا لله عن هذا بل هو معنا وهو أقرب الينا من حبل الوريد كما قال عز و جل أنه حاضر في العقول غير غائب وقال الباقلاني ما وجد في الله تعالى من التسميات فإنه يجوز إطلاقها عليه وإن لم يسم بذلك نفسه ما لم يرد شرع يمنع من ذلك
قال أبو محمد هذا نص منه على أن هاهنا معاني توجد في الله تعالى مع الإلحاد في أسمائه إذ جاز تسميته بما لم يسم به عز و جل نفسه تعالى الله عن هذا علوا كبيرا وقالوا كلهم أن الله تعالى ليس له إلا كلام واحد وليس له كلمات كثيرة
قال أبو محمد هذا كفر مجرد لخلافة القرآن وتكذيب لله عز و جل في قوله قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفذ البحر قبل أن تنفذ كلمات ربي ولو جئنا بمثله مدادا وإذ يقول تعالى ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفذت كلمات الله مع أن قولهم ليس لله تعالى إلا كلام واحد قول أحمق لا يعقل ولا يقوم به برهان شرعي ولا تشكل في هاجس ولا يوجبه عقل إنما هو هذيان محض ويقال لهم لا يخلو القرآن عندهم من أنه كلام الله تعالى أو ليس هو كلام الله تعالى فإن قالوا ليس هو كلام الله تعالى كفروا ومن قرب وكفى الله تعالى مؤنتهم وإن قالوا هو كلام الله تعالى فالقرآن مائة سورة وأربعة عشر سورة فيها ستة آلاف أية ونيف كل سورة منها عند أهل الإسلام غير الأخرى وكل آية غير الأخرى فكيف يقول هؤلاء النوكى أنه ليس لله تعالى إلا كلام واحد أما هذا من الكفر البارد والقحة السمجة ونعوذ بالله من الضلال وقالوا كلهم أن القرآن لم ينزل به قط جبريل على قلب محمد عليه الصلاة و السلام وإنما نزل عليه بشيء آخر هو العبارة عن كلام الله وأن القرآن ليس عندنا البتة إلا على هذا المجاز وأن نرى في المصاحف ونسمع من القراء ونقرأ في الصلاة ونحفظ في الصدور ليس هو القرآن البتة ولا شيء منه كلام الله البتة بل شيء آخر وإن كلام الله تعالى لا يفارق ذات الله عز و جل
قال أبو محمد وهذا من أعظم الكفر لأن الله تعالى قال بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ وقال تعالى نزل به الروح الأمين على قلبك وقال تعالى فأجره حتى يسمع كلام الله وقال تعالى بل آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم وقال رسول الله

صلى الله عليه أنى أحب أن أسمعه من غيري يعني القرآن وقال عليه السلام الذي يقرأ القرآن مع السفرة الكرام البررة ونهيه صلى الله عليه و سلم أن يسافر بالقرآن إلى أرض العد والى إجماع عامة المسلمين وخاصتهم وجاهلهم وعاملهم على القول حفظ فلان القرآن وقرأ فلان القرآن وكتب فلان القرآن في المصحف وسمعنا القرآن من فلان وكلام الله تعالى ما في المصحف من أول أم القرآن إلى آخر قل أعوذ برب الناس وقال السمناني أيضا إن الباقلاني وشيوخه قالوا إن النبي صلى الله عليه و سلم إنما أطلق القول بأن ما أنزل الله هو القرآن وهو كلام الله تعالى إنما هو على معنى أنه عبارة عن كلام الله تعالى وأنه يفهم منه أمره ونهيه فقط
قال أبو محمد ويقال لهم أخبرونا عن قولكم إن الكتاب هو المصحف والقراءة المسموعة قي المحارب كل ذلك عبارة عن القرآن ماذا تعنون بذلك وهل هذا منكم إلا تمويه ضعيف وهل كل ما في المصحف إلا عبارة عن معاينة التي أرادها الله تعالى في شرع دينه من الصلاة والصيام والإيمان وغير ذلك وأحبارهم الأمم السالفة وصفة الجنة والنار والبعث وغير ذلك مما لا يختلف من أهل الإسلام أحد في أن المعبر عنه بذلك الكلام ليس هو كلام الله تعالى أصلا لأن ذات الجنة وذات النار وحركات المصلى وعمل الحاج وعمل الصائم وأجسام عاد وأشخاص ثمود ليس شيء من ذلك كلام الله تعالى ولا قرآنا فثيت أن ليس هو القرآن ولا هو كلام الله إلا العبارة المسموعة فقط والكلام المقروء والخط المكتوب في المصحف بلا شك إذ لم يبق غير ذلك أو الكفر وتكذيب الله تعالى وتكذيب رسول الله صلى الله عليه و سلم في أن القرآن أنزل عليه وأننا نسمع كلام الله فأوهمتم الضعفاء أن لذي هو كلام الله والقرآن عند جميع أهل الإسلام ليس هو هو القرآن ولا هو كلام لله ثم أوهمتوهم باستخفافكم إن حركات المتحركين وذات الجنة وذات النار هي كلام الله تعالى وهي بالقرآن فهل في الضلال والسخرية بضعفة المسلمين والهزء بآيات الله تعالى أكثر من هذا ولقد أخبرني علي بن حمزة المراوى الصقلي الصوفي أنه بعض الأشعرية يبطح المصحف برجله قال فأكبرت ذلك وقلت له ويحك هكذا تصنع بالمصحف وفيه كلام الله تعالى فقال لي ويلك وبالله ما فيه إلا السخام والسواد وأما كلام الله بلا ونحو هذا من القول الذي هذا معناه وكتب إلى أبو المرحى بن رزوار المصري أن بعض ثقاة أهل مصر أخبره من طلاب السنن أن رجلا من الأشعرية قال له مشافهة على من يقول أن الله قال قل هو الله أحد الله الصمد ألف لعنة
قال أبو محمد بل على من يقول أن الله عز و جل لم يقلها ألف ألف لعنة نترى وعلى من ينكر أننا نسمع كلام الله ونقرأ كلام الله ونحفظ كلام لله ونكتب كلام الله ألف ألف لعنة نترى من الله تعالى فإن قول هذه الفرقة في هذه المسألة نهاية الكفر بالله عز و جل ومخالفة للقرآن والنبي صلى الله عليه و سلم ومخالفة جميع أهل الإسلام قبل حدوث هذه الطائفة الملعونة
قال أبو محمد وقالت الأشعرية كلها إن الله لم يزل قائلا لكل ما خلق أو يخلق في المستأنف كن إلا أن الأشياء لم تكن إلا حين كونها وهذا تكذيب منهم مكشوف لله عز و جل إذ يقول إنما أمره إذ أراد شيئا أن يقول له كن فيكون فبين الله تعالى أنه لا يقول للشيء كن إلا إذا أراد تكوينه وانه إذا قال له كن كان الشيء في الوقت بلا مهلة لأن هذا هو مقتضى الفاء في لغة العرب التي بها نزل القرآن فجمعوا إلى تكذيب الله عز و جل في

خبريه جميعا إيجاب أزلية العالم لأن الله تعالى إذا كان لم يزل قائلا لما يكون كن فإن التكوين لم يزل وهذه دهرية محضة ثم قال السمناني بعد أسطر لأنه لو وجب وجود ما وجد في الوقت الذي وجد فيه لأجل قول الله تعالى كن لوجب أن يوجد لأجل قول غيره له كن لأن صفة الاقتضاء لا تختلف في ذلك بين القديم والمحدث
قال أبو محمد هذا نص كلام هذا الفاسق الملحد حرفا حرفا وهذا كفر محض وحماقة لإخفاء بها أما الكفر فإبطاله ان وجود الأشياء في الأوقات التي وجدت فيها إنما وجدت لأجل قول الله تعالى لها كن وإيجابه إن الأشياء لم توجد في أحيان وجودها لقول الله تعالى لها كن وهذا تكذيب لله تعالى صرف وخروج عن إجماع أهل الإسلام وكل من يصلي إلى القبلة قبلهم ومن الكفر الصريح أيضا في هذا الكلام الملعون قوله أن صفة الإقتضاء في ذلك لا تختلف بين القديم والمحدث فسوى بين الله تعالى وخلقه وأما الحماقة فقوله لو وجدت الأشياء من أجل قول الله تعالى لها كن لوجب ان يوجد لأجل قول غيره لها كن فيا للمسلمين هل سمع في الحمق والرعونة وقلة الحياء أكثر من قول من سوى بين قول الله تعالى كن للشيء إذ أراد تكوينه وبين قول غيره من الناس كن وهذا أخبث من قول الدهرية ونعوذ بالله من الضلال فلولا الخذلان ما أنطلق بهذا النوك لسان من لا يقذف بالحجارة في الشوارع وما شبهت بهذا الكلام إلا كلام النذل أبي هاشم الجبائي لو لم يجز لنا أن نسمي الله تعالى بإسم حتى يأذن لنا في ذلك لوجب أن لا يجوز لله أن يسمي نفسه حتى يأذن له غيره في ذلك
قال أبو محمد وهذه أقوال لو قالها صبيان يسيل مخاطبهم لآيس من فلاحهم وتالله لقد لعب الشيطان بهم كما شاء فإنا لله وإنا إليه راجعون وقالت الأشعرية كلها إن الله لا يقدر على ظلم أحد البتة ولا يقدر على الكذب ولا على قول أن المسيح إبن الله حتى يقول قبل ذلك وقالت النصارى وأنه لا يقدر على أن يقول عزير إبن الله حتى يقول قبل ذلك وقالت اليهود وأنه لا يقدر على أن يتخذ ولد أو أنه لا يقدر البتة على إظهار معجزة على يدي كذاب يدعي النبوة فإن ادعى الالهية كان الله تعالى قادرا على اظهار المعجزات على يديه وأنه تعالى لا يقدر على شيء من المحال ولا على إحالة الأمور عن حقائقها ولا على قلب الأجناس عن ماهيتها وأنه تعالى لا يقدر البتة على أن يقسم الجزء الذي لا يتجزأ ولا على أن يدعو أحدا إلى غبر التوحيد هذا نص كلامهم وحقيقة معتقدهم فجعلوه تعالى عاجزا متناهي القوة محدود القدرة يقدر مرة ولا يقدر أخرى يقدر على شيء ولا يقدر على آخر وهذه صفة النقص وهم مع هذا يقولون إن الساحر يقدر على قلب الأعيان وعلى أن يمسخ إنسانا فيجعله حمارا على الحقيقة وعلى المشي في الهواء وعلى الماء فكان الساحر عندهم أقوى من الله تعالى
قال أبو محمد وخشوا مبادرة أهل الإسلام لهم بالإصطلام فخنسوا عن أن يصرحوا بأن الله تعالى لا يقدر فقالوا لا يوصف الله بالقدرة على شيء مما ذكرنا
قال أبو محمد ولا راحة لهم في هذا لأننا نقول لهم ولم لا نصفه بالقدرة على ذلك إلا أنه يقدر على شيء من ذلك ولا له قدرة على كل ذلك أم لأنه لا يقدر على كل ذلك ولا له قدرة على شيء من ذلك ولا بد من أحدهما بضرورة العقل وهنا ضلت جبلتهم الضعيفة ولا بد لهم من القطع بأنه لا يقدر وبأنه لا قدرة له على ذلك وإذ قد صرحوا بهذا بالضرورة

فأول العقل ومسموع اللغة كلاهما يوجبان أن من لا يقدر على شيء فهو عاجز عنه وإن من لا قدرة له على شيء فصفة العجز والضعف لاحقة به فلا بد لهم ضرورة من إطلاق إسم العجز على الله تعالى ووصفه بأنه عاجز وهذا حقيقة مذهبهم يقينا إلا أنهم يخافون البوار إن أظهروه وقال هذا الباقلاني لا فرق بين النبي والسحر الكذاب المتنبي فيما يأتينا به إلا التحدي فقط وقول النبي لمن بحضرته هات من يعمل كعملي وهذا إبطال للنبوة مجرد وقال الباقلاني و إبن فورك واشياعهما من أهل الضلالة والجهالة ليس لله تعالى أسماء البتة وإنما له تعالى إسم واحد فقط ليس له إسم غيره وإن قول الله تعالى ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه إنما أراد أن يقول لله التسميات الحسنى فذروا الذين يلحدون في تسمياته فقال لله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه قالوا وكذلك قول رسول الله صلى الله عليه و سلم أن لله تسعة وتسعين اسما مائة غير واحد إنما أراد أن يقول تسعا وتسعين تسمية فقال تسعة وتسعين إسما
قال أبو محمد ما في البرهان على قلة الحياء وفساد الدين واستسهال الكذب أكثر من هذا وليت شعري من أخبرهم عن الله تعالى وعن رسول الله صلى الله عليه و سلم بهذا الإفك ثم ليت شعري إذا زعموا ان الله تعالى أراد أن يقول التسميات الحسنى فقال الأسماء الحسنى لأي شيء فعل ذلك اللكنة أم غفلة أم تعمد لإضلال عباده ولا سبيل والله إلى رابع فأعجبوا لعظيم ما حل بهؤلاء القوم من الدمار والتبار والكذب على الله جهارا وعلى رسول الله صلى الله عليه و سلم بلا رهبة ونعوذ بالله من الضلال مع أن هذا قول ما سبقهم اليه أحد وقالوا كلهم أن محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب ليس هو رسول الله اليوم لكنه كان رسول الله
قال أبو محمد فكذبوا القرآن في قول الله عز و جل محمد رسول الله وكذبوا الآذان وكذبوا الإقامة التي أفترضها الله تعالى خمس مرات كل يوم وليلة على كل جماعة من المسلمين وكذبوا دعوة جميع المسلمين التي الفقوا على دعاء الكفار اليها وعلى أنه لا نجاة من النار لا بها واكذبوا جميع إعصار المسلمين من الصحابة فمن بعدهم في أطباق جميعهم برهم وفاجرهم على الإعلان بلا اله إلا الله محمد رسول الله ووجب على قولهم هذا الملعون أنه يكذب المؤذنون والمقيمون ودعاة الإسلام في قولهم محمد رسول الله وان الواجب أن تقولوا محمد كان رسول الله وعلى هذه المسألة قتل الأمير محمود بن سبكتكين مولى أمير المؤمنين وصاحب خرا سان رحمه الله إبن فورك شيخ الأشعرية فأحسن الله جزاء محمود على ذلك ولعن إبن فورك وأشياعه وأتباعه
قال أبو محمد إنما حملهم على الكفر الفاحش قول لهم آخر في نهاية الضلال والإنسلاخ من الإسلام وهي قولهم أن الأرواح أعراض تفنى و لا تبقى وقتين وإن روح كل واحد منا الآن هو غير روحه الذي كان له قبل ذلك بطرفه عين وأن كل واحد منا يبدل أزيد من ألف ألف روح في كل ساعة زمانية وإن النفس إنما هو هذا الهواء الخارج بالتنفس حارا بعد دخوله باردا وإن الإنسان إذا مات فني روحه وبطل وإنه ليس لمحمد ولا لأحد من الأنبياء عند الله تعالى روح ثابتة تنعم ولا نفس قائمة تكرم وهذا خروج عن إجماع الإسلام فما قال

بهذا أحد ممن ينتمي إلى الإسلام قبل أبي الهذيل العلاف ثم تلاه هؤلاء وهذا خلاف مجرد للقرآن وتكذيب لله عز و جل إذ يقول أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون وإذ يقول عز و جل ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون وقال عز و جل ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما أتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون ولقوله تعالى ألله يتوف الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى وخلاف السنن الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم المنقولة نقل التواتر من رؤيته صلى الله عليه و سلم الأنبياء عليهم السلام ليلة أسري به في السماء وما جرى له معه موسى عليه السلام في عدد الصلوات المفروضات وأن أرواح الشهداء نسمة تعلق في ثمار الجنة وما يلقى الروح عند خروجه من الفتنة والمسائلة وأخباره عليه السلام أنه رأى عن يمين آدم اسودة نسم بنيه من أهل الجنة وعن يساره أسودة نسم بنيه من أهل النار وسائر السنن المأثورة
قال أبو