يا بلوجر ربنا يهديك لدين الاسلام الرافض قطعا لسلوكك بالتعدي علي المدونين وسيدخل نار جهنم ان لم تتب

يا بلوجر متي يهدك ربنا وتتوب عن تدخلك السافر في روابط المدونات وتحويلها الي صفحة المشاركات في كل مدوناتك –اعلم ان جوجل لن يحاسبك عن هذه التجاوزات الخطيرة للمصالح المشتركة بينكما لكن لا اعلم اين غابت عنكم  ضمائركم ونخوات المروءة والشهامة والحفاظ علي الامانة عندكم فهذا الرابط موضوع في كلمة   .Bloggerدرافتك المشؤوم الملوث{المظهر: Awesome Inc.. يتم التشغيل بواسطة Blogger. } اوف لك ولفعلك

4 دقائق مع الشيخ اسلام صبحي مقطع من سورة هود

دقائق4 مع الشيخ اسلام صبحي مقطع من سورة هو

الخميس، 27 أكتوبر 2022

ج9.وج10. ج9.كتاب : البرهان في علوم القرآن بدر

 

 اسلام صبحي في مقطغ 4 دقائق من سورة هود

https://download.tvquran.com/download/selections/315/5cca02c11a61a.mp3

 حمل المصحف

القرآن الكريم وورد word doc icon تحميل المصحف الشريف بصيغة pdf تحميل القرآن الكريم مكتوب بصيغة ووردتحميل سورة العاديات مكتوبة pdf    

ج9.وج10.
ج9.كتاب : البرهان في علوم القرآن بدر 




وأما قوله تعالى: {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ} بعد قوله: {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا} فيحتمل أن تكون الأولى هي الثانية وألا تكون
ونظيرها قوله تعالى: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى}
فإن كانت إحداهما الثانية مفعولا فالاسم الأول هو الثاني على قاعدة المعرفتين وإن كانت فاعلا فهما واحد باعتبار الجنس وأكثر النحاة على أن الإعراب إذا لم يظهر في واحد من الاسمين تعين كون الأول فاعلا خلافا لما قاله الزجاج في قوله تعالى {فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ}
وقوله: {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ} ،فالكتاب الأول ما كتبوه بأيديهم ثم كرره بقوله: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ} والكتاب الثاني التوراة والثالث جنس كتب الله تعالى أي ما هو من شيء في كتب الله تعالى وكلامه قاله الراغب
الثاني: أن يكونا نكرتين فالثاني غير الأول وإلا لكان المناسب هو التعريف بناء على كونه معهودا سابقا قالوا والمعنى في هذا والذي قبله أن النكرة تستغرق الجنس والمعرفة تتناول البعض فيكون داخلا في الكل سواء قدم أو أخر والمشهور في تمثيل هذا القسم اليسر في قوله تعالى { فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً}

وقد قيل: إن تنكير يسرا للتعميم وتعريف اليسر للعهد الذي كان عليه يؤكده سبب النزول أو الجنس الذي يعرفه كل أحد ليكون اليسر الثاني مغايرا للأول بخلاف العسر والتحقيق أن الجملة الثانية هنا تأكيد للأولى لتقديرها في النفس وتمكينها من القلب ولأنها تكرير صريح لها ولا تدل على تعدد اليسر كما لا يدل قولنا وإن مع زيد كتابا إن مع زيد كتابا على أن معه كتابين فالأفصح أن هذا تأكيد وقوله تعالى {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ} الآية فإن كلا من المذكور غير الآخر فالضعف الأول النطفة أو التراب والثاني الضعف الموجود في الطفل والجنين والثالث في الشيخوخة والقوة الأولى التي تجعل للطفل حركة وهداية لاستدعاء اللبن والدفع عن نفسه بالبكاء والثانية بعد البلوغ
قال ابن الحاجب: في قوله تعالى: {غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ}: الفائدة في إعادة لفظ شهر الإعلام بمقدار زمن الغدو وزمن الرواح والألفاظ التي تأتي مبينة للمقادير لا يحسن فيها الإضمار
واعلم أنه ينبغي أن يأتي في هذا القسم الخلاف الأصولي في نحو صل ركعتين صل ركعتين هل يكون أمرين بمأمورين والثاني تأسيس أولا وفيه قولان وقد نقضوا هذا القسم بقوله تعالى {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ} فإن فيه نكرتين والثاني هو الأول وأجاب الطيبي بأنه من باب التكرير وإناطة أمر زائد

وهذه القاعدة فيما إذا لم يقصد التكرير وهذه الآية من قصد التكرير ويدل عليه تكرير ذكر الرب فيما قبله من قوله: {سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ}
وأجاب غيره بأن إله بمعنى معبود والاسم المشتق إنما يقصد به ما تضمنه من الصفة فأنت إذا قلت زيد ضارب عمرو ضارب بكر لا يتخيل أن الثاني هو الأول وإن أخبر بهما عن ذات واحدة فإن المذكور حقيقة إنما هو المضروبان لا الضاربان ولا شك أن الضميرين مختلفان
ومنها قوله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} الثاني هو الأول
وأجيب بأن أحدهما محكي من كلام السائل والثاني من كلام النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإنما الكلام في وقوعهما من متكلم واحد
ومنها: قوله تعالى: {فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ}
ومنها: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ}
ومنها: {وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً}
الثالث: أن يكون الأول نكرة والثاني معرفة فهو كالقسم الأول يكون الثاني فيه هو الأول كقوله تعالى {كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ}

وقوله: {فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ}
وقوله: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ إِنَّمَا السَّبِيلُ}
وقوله: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ} وهذا منتقض
بقوله: {لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ}
وقوله: {فَلا جُنَاحَ عَلَيهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} فإنهم استدلوا بها على استحباب كل صلح فالأول داخل في الثاني وليس بجنسه
وكذلك {وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنّاً إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً}
وقوله: {وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ} الفضل الأول العمل والثاني الثواب
وكذلك {وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ} وكذلك {يَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ}
وكذلك {زِدْنَاهُمْ عَذَاباً فَوْقَ الْعَذَابِ} تعريفه إن المزيد غير المزيد عليه
وكذلك {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ}
وقوله: {وْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ}
الرابع: عكسه فلا يطلق القول به بل يتوقف على القرائن فتارة تقوم قرينة على التغاير

كقوله تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ}
وكذلك قوله {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً}
وقوله {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرائيلَ الْكِتَابَ هُدىً}
قال الزمخشري: المراد بالهدى جميع ما آتاه من الدين والمعجزات والشرائع والهدى والإرشاد
وتارة تقوم قرينة على الاتحاد كقوله تعالى {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ قُرْآناً عَرَبِيّاً}
وقوله: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ} إلى قوله {إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً}
وأما قوله تعالى في سورة البقرة: {بِالْمَعْرُوفِ}
وقوله أيضا: {مِنْ مَعْرُوفٍ} فهو من إعادة النكرة معرفة لأن {مِنْ مَعْرُوفٍ} وإن كان في التلاوة متأخرا عن {بِالْمَعْرُوفِ} فهو في الإنزال متقدم عليه
قواعد تتعلق بالعطف
القاعدة الأولى
ينقسم باعتبار إلى عطف المفرد على مثله وعطف الجمل

فأما عطف المفرد ففائدته تحصيل مشاركة الثاني للأول في الإعراب ليعلم أنه مثل الأول في فاعليته أو مفعوليته ليتصل الكلام بعضه ببعض أو حكم خاص دون غيره كما في قوله تعالى: {فامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} فمن قرأ بالنصب عطفا على الوجوه كانت الأرجل مغسولة ومن قرأ بالجر عطفا على الرءوس كانت ممسوحة لكن خولف ذلك لعارض يرجح ولا بد في هذا من ملاحظة المشاكلة بين المتعاطفين فتقول جاءني زيد وعمرو لأنهما معرفتان ولو قلت جاء زيد ورجل لم يستقم لكون المعطوف نكرة نعم إن تخصص فقلت ورجل آخر جاز
ولذا قال صاحب المستوفي من النحويين: وأما عطف الجملة فإن كانت الأولى لا محل لها من الإعراب فكما سبق لأنها تحل محل المفرد نحو مررت برجل خلقه حسن وخلقه قبيح وإن كان لا محل لها نحو زيد أخوك وعمرو صاحبك ففائدة العطف الاشتراك في مقتضى الحرف العاطف فإن كان العطف بغير الواو ظهر له فائدة من التعقيب كالفاء أو الترتيب كـ "ثم" أو نفي الحكم عن الباقي كـ "لا"
وأما الواو فلا تفيد شيئا هنا غير المشاركة في الإعراب
وقيل: بل تفيد أنهما كالنظيرين والشريكين بحيث إذا علم السامع حال الأول عساه أن يعرف حال الثاني ومن ثمة صار بعض الأصوليين إلى أن القران في اللفظ يوجب القران في الحكم ومن ها هنا شرط البيانيون التناسب بين الجمل لتظهر الفائدة حتى إنهم منعوا عطف الإنشاء على الخبر وعكسه
ونقله الصفار في شرح سيبويه عن سيبويه ألا ترى إلى قوله يقبح عندهم أن يدخلوا الكلام الواجب في موضع المنفي فيصيروا قد ضموا إلى الأول ما ليس بمعناه انتهى ولهذا منع الناس من الواو في بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على محمد لأن الأولى

خبرية والثانية طلبية وجوزه ابن الطراوة لأنهما يجتمعان في التبرك
وخالفهم كثير من النحويين كابن خروف والصفار وابن عمرو وقالوا يعطف الأمر على الخبر والنهي على الأمر والخبر قال تعالى {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} ،فعطف خبرا على جملة شرط وجملة الشرط على الأمر
وقال تعالى {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ}
{وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} فعطف نهيا على خبر
ومثله {يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ}
قالوا: وتعطف الجملة على الجملة ولا اشتراك بينهما كما قال تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} على قولنا بالوقف على الله وأنه سبحانه اختص به
وقال: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} فإنه علة تامة بخبرها فلا يوجب العطف المشاركة فيما تتم به الجملتان الأوليان وهو الشرط الذي تضمنه قوله تعالى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا} كقولك: إن دخلت الدار فأنت طالق وفلانة طالق لا يتعلق طلاق الثانية بالشرط وعلى هذا يختص الاستثناء به ولا يرجع لما تقدمه ويبقى المحدود في القذف غير مقبول الشهادة بعد التوبة كما كان قبلها
ومنه قوله تعالى {فَإِنْ يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ} فإنه

علة تامة معطوفة على ما قبلها غير داخل تحت الشرط ولو دخلت كان ختم القلب ومحو الباطل متعلقين بالشرط والمتعلق بالشرط معدوم قبل وجوده وقد عدم ختم القلب ووجد محو الباطل فعلمنا أنه خارج عن الشرط وإنما سقطت الواو في الخط واللفظ ليس للجزم بل سقوطه من اللفظ لالتقاء الساكنين وفي الخط اتباعا للفظ كسقوطه في قوله تعالى {وَيَدْعُ الأِنْسَانُ}وقوله {سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ}ولهذا وقف عليه يعقوب بالواو نظرا للأصل وإن وقف عليه غيره بغير واو اتباعا للخط
والدليل على أنها ابتداء إعادة الاسم في قوله {وَيَمْحُ اللَّهُ} ولو كانت معطوفة على ما قبلها لقيل ويمح الباطل ومثله {لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ}
وقوله: {وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ}
وقوله: {قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى} وغير ذلك
قلت: وكثير من هذا لا يرد عليهم فإن كلامهم في الواو العاطفة وأما {وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ} وما بعده فهي للاستئناف إذ لو كانت للعطف لانتصب "نقر" وجزم"ويتوب" وكذلك في {وَالرَّاسِخُونَ} للاستئناف {وَيَمْحُ اللَّهُ}
وقال: البيانيون للجملة ثلاثة أحوال:
فالأول: أن يكون ما قبلها بمنزلة الصفة من الموصوف والتأكيد من المؤكد فلا يدخلها عطف لشدة الامتزاج كقوله تعالى {الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ}

وقوله {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ} مع قوله {لا يُؤْمِنُونَ}
وكذلك: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ} مع قوله: {وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} فإن المخادعة ليست شيئا غير قولهم {آمَنَّا} من غير اتصافهم
وقوله: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} وذلك لأن معنى قولهم {إِنَّا مَعَكُمْ} أنا لم نؤمن وقوله: {إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} خبر لهذا المعنى بعينه
وقوله: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً}
وقوله: {مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ} فإن كونه ملكا ينفي كونه بشرا فهي مؤكدة للأولى
وقوله: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ}
وقوله {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى}
وقوله: {إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} فإنها مؤكدة لقوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ}
وقوله: {إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} فإنها بيان للأمر بالصلاة

وقوله: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ} بعد قوله: {إِنَّ هَذَا مَا كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ}
وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً} إذا جعلت {إِنَّا لا نُضِيعُ} خبرا إذ الخبر لا يعطف على المبتدأ
وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} بعد قوله {لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لا يَسْمَعُونَ}
والثانية: أن يغاير ما قبلها وليس بينهما نوع من الارتباط بوجه فلا عطف أيضا إذ شرط العطف المشاكلة وهو مفقود وذلك قوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ} بعد قوله {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}
فإن قيل: إذا كان حكم هذه الحالة والتي قبلها واحدا أدى إلى الإلباس فإنه إذا لم يعطف التبس حالة المطابقة بحالة المغايرة وهلا عطفت الحالة الأولى بالحالة الثانية فإن ترك العطف يوهم المطابقة والعطف يوهم عدمها فلما اختير الأول دون الثاني مع أنه لم يخل عن إلباس؟
قيل: العاطف يوهم الملابسة بوجه قريب أو بعيد بخلاف سقوط العاطف فإنه وإن أوهم المطابقة إلا أن أمره واضح فبأدنى نظر يعلم فزال الإلباس
الحال الثالثة: أن يغاير ما قبلها لكن بينهما نوع ارتباط وهذه هي التي يتوسطها العاطف كقوله: {أُولَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} وقوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}

فإن قلت: لم سقط العطف من {أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ} ولم يسقط من {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}؟
قلت: لأن الغفلة شأن الأنعام فالجملة الثانية كأنها هي الجملة الأولى فإن قلت لم سقط في قوله {الله يستهزئ بهم}؟
قلت: لأن الثانية كالمسئول عنها فنزل تقدير السؤال منزلة صريحه
الحال الرابعة: أن يكون بتقدير الاستئناف كأن قائلا قال لم كان كذا فقيل كذا فهاهنا لا عطف أيضا كقوله تعالى: {وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ قَالُوا يَا أَبَانَا} وقوله: {فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَإِنَّ لَنَا لأَجْراً} التقدير فما قالوا أو فعلوا فأجيب هذا التقدير بقوله قَالُوا
القاعدة الثانية
ينقسم باعتبار عطف الاسم على مثله والفعل على الفعل إلى أقسام:
الأول: عطف الاسم على الاسم وشرط ابن عمرون وصاحبه ابن مالك فيه أن يصح أن يسند أحدهما إلى ما أسند إلى الآخر ولهذا منع أن يكون {وَزَوْجُكَ} في {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ}معطوفا على المستكن في أنت وجعله من عطف الجمل بمعنى أنه مرفوع بفعل محذوف أي ولتسكن زوجك
ونظيره قوله تعالى {لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكَاناً سُوَىً} لأن من حق المعطوف حلوله محل المعطوف عليه ولا يصح حلول زوجك محل الضمير لأن فاعل

فعل الأمر الواحد المذكر نحو قم لا يكون إلا ضميرا مستترا فكيف يصح وقوع الظاهر موقع المضمر الذي قبله!
ورد عليه الشيخ أثير الدين أبو حيان بأنه لا خلاف في صحة تقوم هند وزيد ولا يصح مباشرة زيد لـ "تقوم" لتأنيثه
الثاني: عطف الفعل على الفعل قال ابن عمرون وغيره يشترط فيه اتفاق زمانهما فإن خالف رد إلى الاتفاق بالتأويل لاسيما إذا كان لا يلبس وكانت مغايرة الصيغ اتساعا قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ} عطف الماضي على المضارع لأنها من صلة الذين وهو يضارع الشرط لإيهامه والماضي في الشرط في حكم المستقبل فقد تغايرت الصيغ في هذا كما ترى واللبس مأمون ولا نظر في الجمل إلى اتفاق المعاني لأن كل جملة مستقلة بنفسها انتهى
ومثله قوله تعالى: {إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذَلِكَ} ثم قال {وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً}
وقوله: {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ} ثم قال {وَحَشَرْنَاهُمْ}
وقال صاحب المستوفى: لا يتمشى عطف الفعل على الفعل إلا في المضارع منصوبا كان كقوله تعالى {لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً} أو مجزوما كقوله {يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً}
فإن قيل: كيف حكمتم بأن العاطف مختص بالمضارع وهم يقولون قام زيد وقعد

بكر وعلى هذا قوله تعالى: {إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً} فيه عطف الماضي على الماضي وعطف الدعاء على الدعاء !
فالجواب أن المراد بالعطف هنا أن تكون لفظتان تتبع الثانية منهما الأولى في إعرابها وإذا كانت اللفظة غير معربة فكيف يصح فيها التبعية فصح أن هذه الألفاظ لا يصح أن يقال إنها معطوفة على ما قبلها العطف الذي نقصده الآن وإن صح أن يقال معطوفة العطف الذي ليس للإتباع بل يكون عطف الجملة على الجملة من حيث هما جملتان والجملة من حيث هي لا مدخل لها في الإعراب إلا أن تحل محل الفرد وظهر أنه يصح وقوع العطف عليه وعدمه باعتبارين
الثالث: عطف الفعل على الاسم والاسم على الفعل وقد اختلف فيه فمنهم من منعه والصحيح الجواز إذا كان مقدرا بالفعل كقوله تعالى: {صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ} وقوله: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ}
واحتج الزمخشري بهذا على أن اسم الفاعل حمله على معنى المصدقين الذين تصدقوا
قال ابن عمرون: ويدل لعطف الاسمية على الفعلية قوله تعالى: {فَاخْتَلَفَ الأَحْزَابُ

مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا} فعطف {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا} وهي جملة اسمية على {فَاخْتَلَفَ} وهي فعلية بالفاء
وقال تعالى: {وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ} وقال تعالى {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ}
قال وأذن جاز عطف الاسمية على الفعلية بـ" أم" في قوله تعالى {سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ} إذاً لوضع للمعادلة
وقيل: إنه أوقع الاسمية موقع الفعلية نظرا إلى المعنى "أصمتم" فما المانع هنا وجعل ابن مالك قوله تعالى {وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ} عطفا على {يُخْرِجْ} لأن الاسم في تأويل الفعل
والتحقق ما قاله الزمخشري أنه عطف على: {فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى}،
ولا يصح أن يكون عطفا على{يُخْرِجْ}لأنه ليس تفسيرا لقوله{فَالِقُ الْحَبِّ} فيعطف على تفسيره بل هو قسيم له
القاعدة الثالثة
ينقسم باعتبار المعطوف إلى أقسام عطف على اللفظ وعطف على الموضع وعطف على التوهم
فالأول: أن يكون باعتبار عمل موجود في المعطوف عليه فهو العطف على اللفظ نحو ليس زيد بقائم ولا ذاهب وهو الأصل

والثاني: أن يكون باعتبار عمل لم يوجد في المعطوف إلا أنه مقدر الوجود لوجود طالبه فهو العطف على الموضع نحو ليس زيد بقائم ولا ذاهبا بنصب ذاهبا عطفا على موضع قائم لأنه خبر ليس
ومن أمثلته قوله تعالى: {وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ} بأن يكون يوم القيامة معطوفا على محل هذه ذكره الفارسي
وقوله: {ومَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} في قراءة الجزم أنه بالعطف على محل {فَلا هَادِيَ لَهُ}
وجعل الزمخشري وأبو البقاء منه قوله تعالى: {لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى} إن بشرى في محل نصب بالعطف على محل لينذر لأنه مفعول له
وغلطا في ذلك لأن شرطه في ذلك أن يكون الموضع بحق الأصالة والمحل ليس هنا كذلك لأن الأصل هو الجر في المفعول له وإنما النصب ناشئ عن إسقاط الخافض وجوز الزمخشري أيضا في قوله تعالى {وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ} كون الشمس معطوفا على محل الليل
والثالث: أن يكون باعتبار عمل لم يوجد هو ولا طالبه هو العطف على التوهم نحو ليس زيد قائما ولا ذاهب بجر ذاهب وهو معطوف على خبر ليس المنصوب باعتبار جره بالباء ولو دخلت عليه فالجر على مفقود وعامله وهو الباء مفقود أيضا إلا أنه متوهم الوجود لكثرة دخوله في خبر ليس فلما توهم وجوده صح اعتبار مثله وهذا قليل من كلامهم
وقيل: إنه لم يجئ إلا في الشعر ولكن جوزه الخليل وسيبويه في القرآن وعليه

خرجا قوله تعالى: {فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} كأنه قيل أصدق وأكن
وقيل: هو من العطف على الموضع أي محل "أصدق"
والتحقيق قول سيبويه: هو على توهم أن الفاء لم ينطق بها
واعلم أن بعضهم قد شنع القول بهذا في القرآن على النحويين وقال كيف يجوز التوهم في القرآن
وهذا جهل منه بمرادهم فإنه ليس المراد بالتوهم الغلط بل تنزيل الموجود منه منزلة المعدوم كالفاء في قوله تعالى: {فَأَصَّدَّقَ} ليبنى على ذلك ما يقصد من الإعراب وجعل منه الزمخشري قوله تعالى: {وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} فيمن فتح الباء كأنه قيل ووهبنا له إسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب على طريقة:
مشأيم ليسوا مصلحين عشيرة
ولا ناعب إلا ببين غرابها
وقد يجيء اسم آخر وهو العطف على المعنى كقوله تعالى {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ} ثم قال {أَوْ كَالَّذِي} عطف المجرور بالكاف على المجرور ب" إلى" حملا على المعنى لأن قوله إلى الذي في معنى أرأيت كالذي
وقال بعضهم في قوله تعالى {وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ} إنه عطف على معنى

{إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا} وهو أنا خلقنا الكواكب في السماء الدنيا زينة للسماء الدنيا
وفي قوله تعالى: {لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ} على قراءة النصب: إنه عطف معنى {لَعَلِّي أَبْلُغُ} وهو لعلي أن أبلغ فإن خبر لعل يقترن بـ" أن" كثيرا
القاعدة الرابعة
الأصل في العطف التغاير وقد يعطف الشيء على نفسه في مقام التأكيد وقد سبق إفراده بنوع في فصول التأكيد
القاعدة الخامسة
يجوز في الحكاية عن المخاطبين إذا طالت قال زيد قال عمرو من غير أن تأتي بالواو وبالفاء وعلى هذا قوله تعالى {إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ} الآية
وقوله تعالى: {قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} ونظائرها
وإنما حسن ذلك للاستغناء عن حرف العطف من حيث إن المتقدم من القولين

يستدعي التأخر منهما فلهذا كان الكلام مبنيا على الانفصال وكان كل واحد من هذه الأقوال مستأنفا ظاهرا وإن كان الذهن يلائم بينهما
القاعدة السادسة
العطف على المضمر إن كان منفصلا مرفوعا فلا يجوز من غير فاصل تأكيد أو غيره كقوله تعالى {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ}
{فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا}
{اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} عند الجمهور خلافا لابن مالك في جعله من عطف الجمل بتقدير ولتسكن زوجك
وقوله: {وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آبَاؤُكُمْ}
{يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ}
{فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ}
وجعل الزمخشري منه {إِنَّا لَمَبْعُوثُونَ أو آباؤنا} فيمن قرأ بفتح الواو وجعل الفصل بالهمزة
ورد بأن الاستفهام لا يدخل على المفردات
وجعل الفارسي منه {مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا} وأعرب ابن الدهان { وَلا آبَاؤُنَا} مبتدأ خبره {أَشْرَكُوا} مقدرا

وأجاز الكوفيون العطف من غير فاصل كقوله تعالى {وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ}
فأما قوله تعالى: {فَاسْتَوَى وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى} فقال الفارسي {وَهُوَ} مبتدأ وليس معطوفا على ضمير {فَاسْتَوَى} وإن كان مجرورا فلا يجوز من غير تكرار الجار فيه نحو مررت به وبزيد كقوله تعالى { وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ}{فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ}{جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ}
وأما قوله: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ} فإن جعلنا {وَمِنْ نُوحٍ} معطوفا على {مِنْكَ} فالإعادة لازمة وإن جعل معطوفا على {النَّبِيِّينَ} فجائزة
وقال الكوفيون: لا تلزم الإعادة محتجين بآيات:
الأولى: قراءة حمزة {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ} بالجر عطفا على الضمير في{بِهِ}
فإن قيل: ليس الخفض على العطف وإنما هو على القسم وجوابه {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}
قلنا: رده الزجاج بالنهي عن الحلف بغير الله وهو عجيب فإن ذلك على المخلوقين
الثانية: قوله تعالى: {فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ} {وَمَنْ لَسْتُمْ} أو لها المانعون كابن الدهان بتقدير ويرزق من لستم والزجاج بتقدير اعني من لستم قال أبو البقاء لأن المعنى أغناكم وأغنى من لستم وقدم أنها نصب

بـ {جَعَلْنَا} قال والمراد بـ "من" العبيد والإماء والبهائم فإنها مخلوقة لمنافعها
الثالثة: قوله تعالى {وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} وليس من هذا الباب لأن {الْمَسْجِدِ} معطوف على {سَبِيلِ اللَّهِ} في قوله {وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} ويدل لذلك أنه صرح بنسبة الصد إلى المسجد في قوله {أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}
وهذا الوجه حسن لولا ما يلزم منه الفصل بين {صد} و{الْمَسْجِدِ} بقوله {وَكُفْرٌ} وهو أجنبي
ولا يحسن أن يقال: إنه معطوف على {الشَّهْرَ} لأنهم لم يسألوا عنه ولا على {سَبِيلِ} لأنه إذ ذاك من تتمة المصدر ولا يعطف على المصدر قبل تمامه
الرابعة: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ} قالوا الواو عاطفة لـ "من" على الكاف المجرورة والتقدير حسبك من اتبعك
ورد بأن الواو للمصاحبة ومن في محل نصب عطف على الموضع كقوله
*فحسبك والضحاك سيف مهند*
الخامسة: قوله تعالى: {كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً} كما تقول كذكر قريش آباءهم أو قوم أشد منهم ذكرا
لكن هذا عطف على الضمير المخفوض وذلك لا يجوز على قراءة حمزة.

وقد خالفه الجمهور وجعلوه مجرورا عطفا على { ذكركم } المجرور بكاف التشبيه تقديره أو كذكركم اشد فجعل للذكر ذكرا مجازا وهو قول الزجاج وتابعة ابن عطية وابو البقاء وغيرهما
ومما اختلف فيه العطف على عاملين نحو ليس زيد بقائم ولا قاعد عمرو على إن يكون ولا قاعد معطوفا على قائم وعمرو على زيد منعه الجمهور واجازه الاخفش محتجا بقوله تعالى { واختلاف الليل والنهار } 2 ثم قال { آيات } بالنصب عطفا على قوله { لآيات } المنصوب ب إن في اول الكلام و{ اختلاف الليل والنهار } مجرور بالعطف على { السماوات } 4 المجرور بحرف الجر الذي هو في فقد وجد العطف على عاملين واجيب بجعل { آيات } تأكيد ل آيات الاولى
قواعد في العدد
القاعدة الاولى
في اسم الفاعل المشتق من العدد له استعمالان أحدهما إن يراد به واحد من ذلك العدد فهذا يضاف للعدد الموافق له نحو رابع اربعة وخامس خمسة وليس فيه إلا الإضافة خلافا لثعلب فانه اجاز ثالث ثلاثة بالتنوين قال تعالى { ثاني اثنين } وهذا لايجوز اطلاقه في حق الله تعالى

ولهذا قال تعالى {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ}
الثاني: أن يكون بمعنى التصيير وهذا يضاف إلى العدد المخالف له في اللفظ بشرط أن يكون أنقص منه بواحد كقولك ثالث اثنين ورابع ثلاثة وخامس أربعة كقوله تعالى {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ} أي يصيرهم بعلمه وإحاطته أربعة وخمسة
فإن قيل: كيف بدا بالثلاث وهلا جاء ما يكون من نجوى واحد إلا هو ثانيه ولا اثنين إلا هو ثالثهم قيل لأنه سبحانه لما علم إن بعض عباده كفر بهذا اللفظ وأدعى أنه ثالث ثلاثة فلو قال ما يكون من نجوى واحد إلا هو ثانيه لثارت ضلالة من كفر بالله وجعله ثانيا وقال وهذا قول الله هكذا ولو قال ولا اثنين إلا هو ثالثهم لتمسك به الكفار فعدل سبحانه عن هذا لأجل ذلك ثم قال {وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ} فذكر هذين المعنيين بالتلويح لا بالتصريح فدخل تحته مالا يتناهى وهذا من بعض إعجاز القرآن
القاعدة الثانية
حق ما يضاف إليه العدد من الثلاثة إلى العشرة أن يكون اسم جنس أو اسم جمع وحينئذ فيجر بـ "من" نحو {فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ}
ويجوز إضافته نحو {تِسْعَةُ رَهْطٍ}
وإن كان غيرهما من الجموع أضيف إليه الجمع على مثال جمع القلة من التكسير وعلته أن المضاف موضوع للقلة فتلزم إضافته إلى جمع قلة طلبا لمناسبة المضاف إليه

المضاف في القلة لأن المفسر على حسب المفسر فتقول ثلاثة أفلس وأربعة أعبد قال تعالى {مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ}
وقد استشكل على هذه القاعدة قوله تعالى: { يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} فإن قروء جمع كثرة وقد أضيف إلى الثلاثة ولو جاء على القاعدة لقال أقراء
والجواب: من أوجه:
أحدها: أنه أوثر جمع الكثرة هنا لأن بناء القلة شاذ فإنه جمع قرء بفتح القاف وجمع فعل على أفعال شاذ فجمعوه على فعول إيثارا للفصيح فأشبه ما ليس له إلا جمع كثرة فإنه يضاف إليه كثلاثة دراهم ذكره ابن مالك
والثاني: أن القلة بالنسبة إلى كل واحد من المطلقات وإنما أضاف جمع الكثرة نظرا إلى كثرة المتربصات لأن كل واحدة تتربص ثلاثة حكاه في البسيط عن أهل المعاني
الثالث: أنه على حذف مضاف أي ثلاثة أقراء قروء
الرابع: أن الإضافة نعت في تقدير الانفصال لأنه بمعنى من التي للتبعيض أي ثلاثة أقراء من قروء
كما أجاز المبرد ثلاثة حمير وثلاثة كلاب على إرادة "من" أي من حمير ومن كلاب
القاعدة الثالثة
ألفاظ العدد نصوص ولهذا لا يدخلها تأكيد لأنه لدفع المجاز في إطلاق الكل

وإرادة البعض وهو منتف في العدد وقد أورد على ذلك آيات شريفة
الأولى: قوله تعالى: {تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} والجواب أن التأكيد هنا ليس لدفع نقصان أصل العدد بل لدفع نقصان الصفة لأن الغالب في البدل أن يكون دون المبدل منه معناه أن الفاقد للهدى لا ينقص من أجره شيء
الثانية: قوله تعالى: {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً} ولو كانت ألفاظ العدد نصوصا لما دخلها الاستثناء إنما يكون عاما والجواب أن التجوز قد يدخل في الألف فإنها تذكرة في سياق المبالغة للتكثير والاستثناء رفع ذلك
الثالثة : قوله تعالى: {وَقَالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ} وقد سبق في باب التأكيد الجواب عنه
الرابعة: قوله تعالى: {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً} وقوله {سَبْعُونَ ذِرَاعاً} قالوا المراد بها الكثرة وخصوص السبعين ليس مرادا وهذا مجاز وكذا قوله تعالى {ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ} قيل المراد المراجعة من غير حصر وجيء بلفظ التثنية تنبيها على أصل الكثرة وهو مجاز

أحكام الألفاظ يكثر دورانها في القرآن
لفظ "فعل"
من ذلك لفظ "فعل" كثيرا ما يجيء كناية عن أفعال متعددة وفائدته الاختصار كقوله تعالى {لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}
{وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ}
وقوله: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا} أي فإن لم تأتوا بسورة من مثله ولن تأتوا بسورة من مثله
وحيث أطلقت في كلام الله فهي محمولة على الوعيد الشديد كقوله تعالى {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ}
{وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ}
لفظ كان
ومن ذلك الإخبار عن ذات الله أو صفاته بـ" كان"
وقد اختلف النحاة وغيرهم في أنها تدل على الانقطاع على مذاهب:
أحدها: أنها تفيد الانقطاع لأنها فعل يشعر بالتجدد

والثاني: لا تفيده بل تقتضي الدوام والاستمرار وبه جزم ابن معط في ألفيته حيث قال
*وكان للماضي الذي ما انقطعا*
وقال الراغب في قوله تعالى: {وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً} نبه بقوله كان على أنه لم يزل منذ أوجد منطويا على الكفر
والثالث: أنه عبارة عن وجود الشيء في زمان ماض على سبيل الإبهام وليس فيه دليل على عدم سابق ولا على انقطاع طارئ ومنه قوله تعالى {وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} قاله الزمخشري في قوله تعالى {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}
وذكر ابن عطية في سورة الفتح أنها حيث وقعت في صفات الله فهي مسلوبة الدلالة على الزمان
والصواب من هذه المقالات مقالة الزمخشري وأنها تفيد اقتران معنى الجملة التي تليها بالزمن الماضي لا غير ولا دلالة لها نفسها على انقطاع ذلك المعنى ولا بقائه بل إن أفاد الكلام شيئا من ذلك كان لدليل آخر
إذا علمت هذا فقد وقع في القرآن إخبار الله تعالى عن صفاته الذاتية وغيرها بلفظ كان كثيرا نحو {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً} {وَاسِعاً حَكِيماً}

{غَفُوراً رَحِيماً} {تَوَّاباً رَحِيماً} {وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ}{وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ}
فحيث وقع الإخبار بـ "كان" عن صفة ذاتية فالمراد الإخبار عن وجودها وأنها لم تفارق ذاته ولهذا يقررها بعضهم بما زال فرارا مما يسبق إلى الوهم إن كان يفيد انقطاع المخبر به عن الوجود لقولهم دخل في خبر كان قالوا فكان وما زال مجازان يستعمل أحدهما في معنى الآخر مجازا بالقرينة وهو تكلف لا حاجة إليه وإنما معناها ما ذكرناه من أزلية الصفة ثم تستفيد بقاءها في الحال وفيما لا يزال بالأدلة العقلية وباستصحاب الحال
وعلى هذا التقدير سؤالان:
أحدهما: إن البارئ سبحانه وصفاته موجودة قبل الزمان والمكان فكيف تدل كان الزمانية على أزلية صفاته وهي موجودة قبل الزمان؟
وثانيهما: مدلول كان اقتران مضمون الجملة بالزمان اقترانا مطلقا فما الدليل على استغراقه الزمان؟
والجواب عن الأول أن الزمان نوعان:
حقيقي وهو مرور الليل والنهار أو مقدار حركة الفلك على ما قيل فيه
وتقديري وهو ما قبل ذلك وما بعده كما في قوله تعالى: {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً} ولا بكرة هنا ولا عشيا وإنما هو زمان تقديري فرضي
وكذلك قوله: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ}

مع أن الأيام الحقيقية لا توجد إلا بوجود السموات والأرض والشمس والقمر وإنما الإشارة إلى أيام تقديرية
وعن الثاني أن كان لما دلت على اقتران مضمون الجملة بالزمان لم يكن بعض أفراد الأزمنة أولى بذلك من بعض فإما ألا يتعلق مضمونها بزمان فيعطل أو يعلق بعضها دون بعض وهو ترجيح بلا مرجح أو يتعلق بكل زمان وهو المطلوب
وحيث وقع الإخبار بها عن صفة فعلية فالمراد تارة الإخبار عن قدرته عليها في الأزل نحو كان الله خالقا ورازقا ومحييا ومميتا وتارة تحقيق نسبتها إليه نحو: {وَكُنَّا فَاعِلِينَ} وتارة ابتداء الفعل وإنشاؤه نحو {وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ} فان الإرث إنما يكون بعد موت المورث والله سبحانه مالك كل شيء على الحقيقة من قبل ومن بعد
وحيث أخبر بها عن صفات الآدميين فالمراد التنبيه على أنها فيهم غريزة وطبيعة مركوزة في نفسه نحو {وَكَانَ الْأِنْسَانُ عَجُولاً}{إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً}
ويدل عليه قوله {إِنَّ الأِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً} أي خلق على هذه الصفة وهي مقدرة أو بالقوة ثم تخرج إلى الفعل
وحيث أخبر بها عن أفعالهم دلت على اقتران مضمون الجملة بالزمان نحو {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ}

ومن هذا الباب الحكاية عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بلفظ كان يصوم وكنا نفعل وهو عند أكثر الفقهاء والأصوليين يفيد الدوام فإن عارضه ما يقتضي عدم الدوام مثل أن يروى كان يمسح مرة ثم نقل أنه يمسح ثلاثا فهذا من باب تخصيص العموم وإن روي النفي والإثبات تعارضا
وقال الصفار في شرح سيبويه: إذا استعملت للدلالة على الماضي فهل تقتضي الدوام والاتصال أو لا مسالة خلاف وذلك أنك إذا قلت كان زيد قائما فهل هو الآن قائم الصحيح أنه ليس كذلك هذا هو المفهوم ضرورة وإنما حملهم على جعلها للدوام ما ورد من مثل قوله تعالى {وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} وقوله {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً} وهذا عندنا يتخرج على أنه جواب لمن سأل هل كان الله غفورا رحيما وأما الآية الثانية فالمعنى أي قد كان عندكم فاحشة وكنتم تعتقدون فيه ذلك فتركه يسهل عليكم
قال ابن الشجري: في أمالية اختلف في كان في نحو قوله {وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً} على قولين:
أحدهما: أنها بمعنى لم يزل كان القوم شاهدوا عزا وحكمة ومغفرة ورحمة فقيل لهم لم يزل الله كذلك قال وهذا قول سيبويه
والثاني: أنها تدل على وقوع الفعل فيما مضى من الزمان فإذا كان فعلا متطاولا لم يدل دلالة قاطعة على أنه زال وانقطع كقولك كان فلان صديقي لا يدل هذا على أن صداقته قد زالت بل يجوز بقاؤها ويجوز زوالها

فمن الأول: قوله تعالى: {إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوّاً مُبِيناً} لأن عداوتهم باقية
ومن الثاني قوله تعالى: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ}
وقال بعضهم: يدل على أن خبرها كان موجودا في الزمن الماضي وأما في الزمن الحاضر فقد يكون باقيا مستمرا وقد يكون منقطعا فالأول كقوله تعالى: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} وكذا سائر صفاته لأنها باقية مستمرة
قال السيرافي: قد يرجع الانقطاع بالنسبة للمغفور لهم والمرحومين بمعنى أنهم انقرضوا فلم يبق من يغفر له ولا من يرحم فتنقطع المغفرة والرحمة
وكذا: {وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً} ومعناه الانقطاع فيما وقع عليه العلم والحكمة لا نفس العلم والحكمة
وفيه نظر
وقال ابن بري ما معناه إن" كان" تدل على تقديم الوصف وقدمه وما ثبت قدمه استحال عدمه وهو كلام حسن
وقال منصور بن فلاح اليمني في كتاب الكافي: قد تدل على الدوام بحسب القرائن كقوله{ وكان الله غفورا رحيما} {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعاً بَصِيراً} {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً} دلت على الدوام المتصف بتلك الصفات ودوام التعبد بالصفات وقد تدل على الانقطاع نحو كان هذا الفقير غنيا وكان لي مال

وقال أبو بكر الرازي كان في القرآن على خمسة أوجه:
بمعنى الأزل والأبد كقوله تعالى: {وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً}
وبمعنى المضي المنقطع كقوله: {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ} وهو الأصل في معاني كان كما تقول كان زيد صالحا أو فقيرا أو مريضا أو نحوه
وبمعنى الحال كقوله تعالى : {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ} وقوله {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً}
وبمعنى الاستقبال كقوله تعالى: {ويخافون يوما كان شره مستطيرا}
وبمعنى صار كقوله: {وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ}
مسألة
في حكم "كان" إذا وقعت بعد "إن"
كان فعل ماض وإذا وقعت بعد إن كانت في المعنى للاستقبال
وقال المبرد تبقى على المضي لتجردها للدلالة على الزمان فلا يغيرها أداة الشرط قال تعالى: {إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ} {إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ}
وهذا ضعيف لبنائه على أنها للزمان وحده والحق خلافه بل تدل على الحدث والزمان كغيرها من الأفعال وقد استعملت مع إن للاستقبال قال تعالى {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} وأما {إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ} فتأوله ابن السراج على تقدير إن أكن قلته وكذا {إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ} إن يكن قميصه

مسألة في نفي كان وأخواتها
إذا نفيت كان وأخواتها فهي كغيرها من الأفعال وزعم ابن الطراوة أنها إذا نفيت كان اسمها مثبتا والخبر منفيا قال لأن النفي إنما يتسلط على الخبر كقوله تعالى {مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلاَّ أَنْ قَالُوا} فالقول مثبت والحجة هي المنفية وما ذهب إليه غير لازم إذ قد قرئ ما كان حجتهم بالرفع على أنه اسم كان ولكن تأوله على أن كان ملغاة أي زائدة تقديره ما حجتهم إلا
وهذا إن ساغ له هاهنا فلا يسوغ له تأويل قوله تعالى: { ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَنْ قَالُوا} فإنه قرئ بالرفع ولا يمكن أن تكون هنا ملغاة
لفظ جعل
ومن ذلك جعل وهي أحد الأفعال المشتركة التي هي أمهات أحداث وهي فعل وعمل وجعل وطفق وأنشأ وأقبل وأعمها فعل يقع على القول والهم وغيرهما {وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}
ودونه عمل لأنه يعم النية والهم والعزم والقول {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ} أي من صلاة وصدقة وجهاد
ولجعل أحوال:

أحدها: بمعنى سمى كقوله تعالى: {الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ} أي سموه كذبا وقوله: {وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثاً} على قول ويشهد له قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الأُنْثَى}
الثاني: بمعنى المقاربة مثل كاد وطفق لكنها تفيد ملابسة الفعل والشروع فيه تقول جعل يقول وجعل يفعل كذا إذا شرع فيه
الثالث: بمعنى الخلق والاختراع فتعدى لواحد كقوله تعالى {وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} أي خلقهما
فإن قيل: ما الفرق بين الجعل والخلق؟
قيل: إن الخلق فيه معنى التقدير وفي الجعل معنى التصيير كإنشاء شيء من شيء أو تصيير شيء شيئا أو نقله من مكان ويتعدى لمفعول واحد لأنه لا يتعلق إلا بواحد وهو المخلوق
وأيضا،فالخلق يكون عن عدم سابق حيث لا يتقدم مادة لا سبب محسوس والجعل يتوقف على موجود مغاير للمجعول يكون منه المجعول أو عنه كالمادة والسبب ولا يرد في القرآن العظيم لفظ جعل في الأكثر مرادا به الخلق إلا حيث يكون قبله ما يكون عنه أو منه أو شيئا فيه محسوسا عنه يكون ذلك المخلوق الثاني بخلاف خلق فإن العبارة تقع كثيرا به عما لم يتقدم وجوده وجود مغاير يكون عنه هذا الثاني قال الله تعالى {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} وإنما الظلمات والنور عن أجرام توجد بوجودها وتعدم بعدمها وقال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ}

وقال {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ}
وقال سبحانه في سورة الأعراف {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا}
وفي سورة النساء: {وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} فهو يدل على أنهما قد يستعملان استعمال المترادفين
الرابع: بمعنى النقل من حال إلى حال والتصيير فيتعدى إلى مفعولين إما حسا كقوله تعالى {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً} {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ بِسَاطاً} {فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً} {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً} {وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً} وإما عقلا مثل {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً} {جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً} ونحو قوله {اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً} وقوله {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً} لأنه يتعلق بشيئين المنقول وهو الليل والمنقول إليه وهو اللباس
وأبين منه قوله تعالى {وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيداً جُرُزاً} {جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا} {وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً}
والمعاش في قوله: {وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً} اسم زمان لكون الثاني هو الأول ويجوز أن يكون مصدر لمعنى المعيش {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً} ومعناه صيرناه لأن مريم إنما صارت مع ولدها عليه السلام لما خلق من جسدها لا من أب فصار عند ذلك آية للعالمين ومحال أنه

يريد خلقناهما لأن مريم لم تخلق في حين خلق ولدها بل كانت موجودة قبله ومحال تعلق القدرة بجعل الموجود موجودا في حال بقائه
فأما قوله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً} ،فهو من هذا الباب على جهة الاتساع أي صيرناه يقرأ بلسان عربي لأن غير القرآن ما هو عبري وسرياني ولأن معاني القرآن في الكتب السالفة بدليل قوله تعالى {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأَوَّلِينَ} {إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى}
وبهذا احتج من أجاز القراءة بالفارسية،قال: لأنه ليس في زبر الأولين من القرآن إلا المعنى والفارسية تؤدي المعنى وإذا عرف هذا فكأنه نقل المعنى من لفظ القرآن فصيره عربيا
وأخطأ الزمخشري حيث جعله بالخلق وهو مردود صناعة ومعنى أما الصناعة فلأنه يتعدى لمفعولين ولو كان بمعنى الخلق لم يتعد إلا إلى واحد وتعديته لمفعولين وإن احتمل هذا المعنى لكن بجواز إرادة التسمية أو التصيير على ما سبق وأما المعنى فلو كان بمعنى خلقنا التلاوة العربية فباطل لأنه ليس الخلاف في حدوث ما يقوم بألسنتنا وإنما الخلاف في أن كلام الله الذي هو أمره ونهيه وخبره فعندنا أنه صفة من صفات ذاته وهو قديم
وقالت: القدرية إنه صفة فعل أوجده بعد عدمه وأحدثه لنفسه فصار عند حدوثه متكلما بعد أن لم يكن فظهر أن الآية على تأويله ليس فيها تضمن لعقيدته الباطلة
وقال: الآمدي في أبكار الأفكار الجعل فيه بمعنى التسوية كقوله تعالى: {الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ} أي يسمونه كذبا

قال: ويحتمل أن الجعل على بابه والمراد القرآن بمعنى القراءة دون مدلولها فإن القرآن قد يطلق بمعنى القراءة ومنه قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ما أذن الله لشيء أذنه لنبي يتغنى في القرآن" أي بالقراءة
وقال بعضهم: قاعدة العرب في الجعل أن يتعدى لواحد وتارة يتعدى لاثنين فإن تعدى لواحد لم يكن إلا بمعنى الخلق وأما إذا تعدى لاثنين فيجيء بمعنى الخلق كقوله تعالى {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ} وبمعنى التسمية {وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثاً} {الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ}
ويجيء بمعنى التصيير كقوله تعالى: {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً} أي صيرناهما
إذا علمت هذا فإذن ثبت أن الجعل المتعدي لاثنين ليس نصا في الخلق بل يحتمل الخلق وغيره ولم يكن في الآية تعلق للقدرية على خلق القرآن لأن الدليل لابد أن يكون قطعيا لا احتمال فيه ويجوز أن يكون بمعنى الخلق على معنى جعلنا التلاوة عربية
قلت: وهذا يمنع إطلاقه وإن جوزنا حدوث الألفاظ لأنها لم تأت عن السلف بل نقول القرآن غير مخلوق على الإطلاق
الخامس: بمعنى الاعتقاد كقوله تعالى: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ} {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ}

وكذلك قوله تعالى: {وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثاً} أي اعتقدوهم إناثا
ويجوز أن يكون كما قبله ووجه النقل فيه هو أن الملائكة في نفس الأمر ليسوا إناثا فهؤلاء الكفار نقلوهم باعتقادهم فصيروهم في الوجود الذهني إناثا
ومنهم من جعلها بمعنى التسمية كقوله تعالى: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} أي لا تسموها أندادا وأنتم تعلمون أي لا تسموها أندادا ولا تعتقدوها لأنهم ما سموها حتى اعتقدوها
وكذلك: {الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ} أي سموه وجزؤوه أجزاء فجعلوا بعضه شعرا وبعضه سحرا وبعضه أساطير الأولين
وقال الزجاج في: {وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ}إنها بمعنى.......
وقوله: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ} أي اعتقدتم هذا مثل هذا
فأما قوله: {أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض} ،فالنقل والتصيير راجعان إلى الحال أي لا تجعل حال هؤلاء مثل حال هؤلاء ولا تنقلها إليها
وكذلك قوله: {أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ} أي اعتقدوا له شركاء
السادس: بمعنى الحكم بالشيء على الشيء يكون في الحق والباطل فالحق كقوله {إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ}

والباطل كقوله: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ} الآية
وبمعنى أوجب كقوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا} أي أوجبنا الاستقبال إليها
وكقوله: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ}،{وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا }ومعنى كنت عليها أي أنت عليها كقوله {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} أي أأنتم
السابع: ذكره الفارسي بمعنى ألقى فيتعدى لمفعولين أحدهما بنفسه والآخر بحرف الجر كما في قولك جعلت متاعك بعضه فوق بعض
ومثله قوله: {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ}
ومنه قوله تعالى: {وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ} وبعضه بدل من الخبيث
وقوله على بعض أي فوق بعض
ومثله قوله: {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ} أي ألقى بدليل قوله في الآية الأخرى التي علل فيها المراد بخلق الجبال وأبان إنعامه فقال {وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ}
فائدة
قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ} قيل كيف يستعمل لفظ الجعل

هنا مع أن المجعول عنه ينبغي أن يتحقق قبل الجعل مع صفة المجعول كقولك جعلت زيدا قائما فهو قبل ذلك كان متصفا بضد القيام وهنا لم يوجد الجعل إلا على هذه الصفة فكيف يصح استعمال الجعل فيه
والجواب أن الليل جوهر قام به السواد والنهار جوهر قام به النور وكذلك الشمس جسم قام به ضوء والأجسام والجواهر متقدمة على الأعراض بالذات والعرب تراعي مثل هذا نقل الفراء أنهم قالوا أحسنت إليك فكسوتك فجعلوا الإحسان متقدما على الكسوة بدليل العطف بالفاء وليس ذلك إلا تقدم ذاتي لأن الإحسان في الخارج هو نفس الكسوة
ولك أن تقول: لا نسلم أن الإحسان نفس الكسوة بل معنى يقوم بالنفس ينشأ عنه الكسوة
حسب
يتعدى لمفعولين،وحيث جاء بعدها أن الفعل كقوله تعالى {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ} {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا} ونظائره فمذهب سيبويه أنها سادة مسد المفعولين ومذهب المبرد أنها سادة مسد المفعول الواحد والثاني عنده مقدر
ويشهد لسيبويه أن العرب لم يسمع من كلامهم نطق بما ادعاه من التصريح به ولو كان كما ذكره لنطقوا به ولو مرة

كاد
وللنحويين فيها أربعة مذاهب:
أحدها: أن إثباتها إثبات ونفيها نفي كغيرها من الأفعال
والثاني : أنها تفيد الدلالة على وقوع الفعل بعسر وهو مذهب ابن جني
والثالث: أن إثباتها نفي ونفيها إثبات فإذا قيل كاد يفعل فمعناه أنه لم يفعله بدليل قوله: {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ} وإذا قيل لم يكد يفعل فمعناه أنه فعله بدليل قوله {وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ}
والرابع: التفصيل في النفي بين المضارع والماضي فنفي المضارع نفي ونفي الماضي إثبات بدليل {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} وقوله {لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} مع أنه لم ير شيئا وهذا حكاه ابن أبي الربيع في شرح الجمل وقال إنه الصحيح
والمختار هو الأول وذلك لأن معناها المقاربة فمعنى كاد يفعل قارب الفعل ومعنى ما كاد يفعل لم يقاربه فخبرها منفي دائما
أما إذا كانت منفية فواضح لأنه إذا انتفت مقاربة الفعل اقتضى عقلا عدم حصوله ويدل له قوله تعالى {إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} ولهذا كان أبلغ من قوله لم يرها لأن من لم ير قد يقارب الرؤية
وأما إذا كانت المقاربة منفية فلأن الإخبار بقرب الشيء يقتضي عرفا عدم حصوله وإلا لم يتجه الإخبار بقربه فأما قوله تعالى {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ}

فإنها منفية مع إثبات الفعل لهم في قوله {فَذَبَحُوهَا}
ووجهه أيضا إخبار عن حالهم في أول الأمر فإنهم كانوا أولا بعداء من ذبحها بدليل ما ذكر الله عنهم من تعنتهم وحصول الفعل إنما فهمناه من دليل آخر وهو قوله {فَذَبَحُوهَا}
والأقرب أن يقال: إن النفي وارد على الإثبات والمعنى هنا وما كادوا يفعلون الذبح قبل ذلك لأنهم قالوا {أتتخذنا هزوا} وغير ذلك من التشديد وأما قوله تعالى: {وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً} فالمعنى على النفي وأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يركن إليهم لا قليلا ولا كثيرا من جهة إن لولا الإمتناعية تقتضي ذلك وأنه امتنع مقاربة الركون القليل لأجل وجود التثبيت لينتفي الكثير من طريق الأولى
وتأمل كيف جاء كاد المقتضية المقاربة للفعل بقدر الظاهرة للتقليل كل ذلك تعظيما لشأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما جبلت عليه نفسه الزكية من كونه لا يكاد يركن إليهم شيئا قليلا للتثبيت مع ما جبلت عليه
وهكذا ينبغي أن يفهم معنى هذه الآية خلافا لما وقع في كتب التفسير من ابن عطية وغيره فهم عن هذا المعنى اللطيف بمعزل
وحكى الشريف الرضي في كتاب الغرر ثلاثة أقوال في قوله تعالى: {لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا}
الأول: أنها دالة على الرؤية بعسر أي رآها بعد عسر وبطء لتكاثف الظلم

والثاني: أنها زائدة والكلام على النفي المحض ونقله عن أكثر المفسرين أي لم يرها أصلا لأن الله تعالى قال: {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ} كان مقتضى هذه الظلمات تحول بين العين وبين النظر إلى البدن وسائر المناظر
والثالث: أنها بمعنى أراد من قوله {كِدْنَا لِيُوسُفَ} أي لم يرد أن يراها
وذكر غيره أن التقدير {إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ} ممتحنا لبصره لم يكد يخرجها ويراها صفة للظلمات تقديره ظلمات بعضها فوق بعض يراها
وأما قوله تعالى: {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى} فيحتمل أن المعنى أريد أخفيها لكي تجزى كل نفس بسعيها
ويجوز أن تكون زائدة أي أخفيها لتجزى
وقيل: تم الكلام عند قوله: {آتِيَةٌ أَكَادُ} والمعنى أكاد آتي بها ثم ابتدأ بقوله {أُخْفِيهَا لِتُجْزَى}
وقرأ سعيد بن جبير: أكاد أخفيها بفتح الألف أي أظهرها يقال أخفيت الشيء إذا سترته وإذا أظهرته
وقراءة الضم تحتمل الأمرين وقراءة الفتح لا تحتمل غير الإظهار ومعنى سترتها لأجل الجزاء لأنه إذا أخفي وقتها قويت الدواعي على التأهب لها خوف المجيء بغتة

وأما قوله تعالى: {يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ} فلم يثبت للزيت الضوء وإنما أثبت له المقاربة من الضوء قبل أن تمسه النار ثم أثبت النور بقوله {نُورٌ عَلَى نُورٍ}فيؤخذ منه أن النور دون الضوء لا نفسه
فإن قلت: ظاهرة أن المراد يكاد يضيء مسته النار أو لم تمسه فيعطى ذلك أنه مع أن مساس النار لا يضيء ولكن يقارب الإضاءة لكن الواقع أنه عند المساس يضيء قطعا أجيب بأن الواو ليست عاطفة وإنما هي للحال أي يكاد يضيء والحال أنه لم تمسه نار فيفهم منه أنها لو مسته لأضاء قطعا
قاعدة في مجيء كاد بمعنى أراد
تجيء كاد بمعنى أراد ومنه {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ} {أَكَادُ أُخْفِيهَا} وعكسه كقوله تعالى {جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} أي يكاد
قاعدة
فعل المطاوعة
فعل المطاوعة هو الواقع مسببا عن سبب اقتضاه نحو كسرته فانكسر قال ابن مالك في شرح الخلاصة هو الدال على قبول مفعول لأثر الفاعل ومعنى ذلك أن الفعل المطاوع بكسر الواو يدل على أن المفعول لقولك كسرت الشيء يدل على مفعول معالجتك في إيصال الفعل إلى المفعول فإذا قلت فانكسر علم أنه قبل

الفعل وإذا قلت لم ينكسر على أنه لم يقبله وأما المطاوع بفتح الواو فيدل على معالجة الفاعل في إيصال فعله إلى المفعول ولا يدل على أن المفعول قبل الفعل أو لم يقبله
وذكر الزمخشري وغيره أن المطاوِع والمطاوَع لابد وأن يشتركا في أصل المعنى والفرق بينهما إنما هو من جهة التأثر والتأثير كالكسر والانكسار إذ لا معنى للمطاوعة إلا حصول فعل عن فعل فالثاني مطاوع لأنه طاوع الأول والأول مطاوع لأنه طاوعه الثاني فيكون المطاوَع لازما للمطاوِع ومرتبا عليه
وقد استشكل هذا بقوله تعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى}
فأثبت الهدى بدون الاهتداء
وقوله: أمرته فلم يأتمر فأثبت الأمر بدون الائتمار وأيضا فاشتراط الموافقة في أصل المعنى منقوض بقوله أمرته فأتمر أي امتثل فإن الامتثال خلاف الطلب
وأجيب بأنه ليس المراد بـ {فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى} الهدى الحقيقي بل أوصلنا إليهم أسباب الهداية من بعث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلا يلزم وجود الاهتداء وأما الأمر فيقتضيه لغة ألا يثبت إلا بالامتثال والائتمار
وقال المطرزي في المغرب: الائتمار من الأضداد وعليه قول شيخنا في الأساس يقال أمرته فائتمر وأبى أن يأتمر أي أمرته فاستبد برأيه ولم يمتثل والمراد بالمؤتمر الممتثل ويقال علمته فلم يتعلم لأن التعليم فعل صالح لأن يترتب عليه حصول العلم لإيجاده

كذا قاله الإمام فخر الدين ومنعه بعضهم
وقال الشيخ علاء الدين الباجي: لو لم يصح علمته فما تعلم لما صح علمته فعلم لأنه إذا كان التعليم يقتضي إيجاد العلم وهو علة فيه فمعلوله وهو التعلم يوجد معه بناء على أن العلة مع المعلول والفاء في قولنا فتعلم تقتضي تعقب العلم وإن قلنا المعلول يتأخر فلا فائدة في فتعلم لأن التعلم قد فهم من علمته فوضح أنه لو صح علمته فما تعلم لكان إما ألا يصح علمته فتعلم بناء على أن العلة مع المعلول أو لا تكون في قولنا فتعلم فائدة بتأخر المعلول
فإن قيل: قد منعوا كسرته فما انكسر فما وجه صحة قولهم علمته فما تعلم؟
قيل: فرق بعضهم بينهما بأن العلم في القلب من الله يتوقف على أمر من المعلم ومن المتعلم وكان علمه موضوعا للجزاء الذي من المعلم فقط لعدم إمكان فعل من المخلوق يحصل به العلم ولا بد بخلاف الكسر فإن أثره لا واسطة بينه وبين الانكسار
واعلم أن الأصل في الفعل المطاوعة أن يعطف عليه بالفاء تقول دعوته فأجاب وأعطيته فأخذ ولا تقولها بالواو لأن المراد إفادة السببية وهو لا يكون في الغالب إلا بالفاء كقوله {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي}
ويجوز عطفه بالواو كقوله: {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ}
وكقوله: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ}
وفي موضع آخر: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ}

وزعم ابن جني في كتاب الخصائص أنه لا يجوز فعل المطاوعة إلا بالفاء
وأجاب عن قوله تعالى: { وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا} ،بأن أغفل في الآية بمعنى وجدناه غافلا لا جعلناه يغفل وإلا لقيل فاتبع هواه بالفاء لأنه يكون مطاوعا
وفي كلامه نظر لأنا نقول: ليس اتباع الهوى مطاوعا لـ "أغفلنا" بل المطاوع لـ "أغفلنا" غفل
فإن قيل: أنه من لازم الغفلة اتباع الهوى والمسبب عن السبب سبب
قيل: لا نسلم أن اتباع الهوى مسبب عن الغفلة بل قد يغفل عن الذكر ولا يتبع الهوى ويكون المانع له منه غفلة أخرى عنه
واعلم أن الحامل لأبي الفتح على هذا الكلام اعتقاده الاعتزالي أن معصية العبد لا تنسب إلى الله تعالى وأنها مسببة له فلهذا جعل أفعل هنا بمعنى وجد لا بمعنى التعدية خاصة وقد بينا ضعف كلامه وأن المطاوع لا يجب عطفه بالفاء
وقال الزمخشري في قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ} هذا موضع الفاء كما يقال أعطيته فشكر ومنعته فصبر وإنما عطف بالواو للإشعار بأن ما قالاه بعض ما أحدث فيهما إيتاء العلم فأضمر ذلك ثم عطف عليه بالتحميد كأنه قال فعملا به وعلماه وعرفا حق النعمة فيه والفضيلة وقالا الحمد لله
وقال السكاكي: يحتمل عندي أنه تعالى أخبر عما صنع بهما وعما قالا كأنه قال نحن فعلنا إيتاء العلم وهما فعلا الحمد من غير بيان ترتبه عليه اعتمادا على فهم السامع كقولك قم يدعوك بدل قم فإنه يدعوك

وأما قوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} فظن بعض الناس أن التقوى سبب التعليم والمحققون على منع ذلك لأنه لم يربط الفعل الثاني بالأول ربط الجزاء بالشرط فلم يقل واتقوا الله يعلمكم ولا قال فيعلمكم الله وإنما أتى بواو العطف وليس فيه ما يقتضي أن الأول سبب للثاني وإنما غايته الاقتران والتلازم كما يقال زرني وأزورك وسلم علينا ونسلم عليك ونحوه مما يقتضي اقتران الفعلين والتعارض من الطرفين كما لو قال عبد لسيده اعتقني ولك علي ألف أو قالت المرأة لزوجها طلقني ولك ألف فإن ذلك بمنزلة قولها بألف أو علي ألف وحينئذ فيكون متى علم الله العلم النافع اقترن به التقوى بحسب ذلك
ونظير الآية قوله تعالى: {فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ}
وقوله عقيب ذكر الغيبة: {وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ} ووجه هذا الختام التنبيه على التوبة من الاغتياب وهو من الظلم
وهاهنا بحث وهو أن الأئمة اختلفوا في أن العلم هل يستدعي مطاوعة أم لا على قولين
أحدهما: نعم بدليل قوله تعالى {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي} فأخبر عن كل من هداه الله بأنه يهتدي وأما قوله {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ} فليس منه لأن المراد بالهداية فيه الدعوة بدليل {فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى}
والثاني: لا يدل على المطاوعة بدليل قوله {وَمَا نُرْسِلُ بِالآياتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً} وقوله {وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً} لأن التخويف حصل ولم يحصل

للكفار خوف نافع يصرفهم إلى الإيمان فإنه المطاوع للتخويف المراد بالآية الكريمة وعلى الأول تكون الفاء للتعقيب في الزمان ويكون أخرجته فما خرج حقيقة
فائدة في قوله تعالى: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا}
قالوا في قوله: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا} إن التقدير منذر إنذارا نافعا من يخشاها قال الشيخ عز الدين ولا حاجة إلى هذا لأن فعل وأفعل إذا لم يترتب عليه مطاوعة كخوف وعلم وشبهة لا يكون حقيقة لأن خوف إذا لم يحصل الخوف وعلم إذا لم يحصل العلم كان مجازا ومنذر من يخشاها يترتب عليه أثره وهو الخشية فيكون حقيقة لمن يخشاها فإذا ليس منذرا من لم يخش لأنه لم يترتب عليه أثر فعلى هذا {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ} فيه جمع بين الحقيقة والمجاز لترتب أثره عليه بالنسبة إلى من يخشى دون من لم يخش
احتمال الفعل للجزم والنصب
فمنه قوله تعالى: {وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} يحتمل أن يكون ما بعد الفاء مجزوما ويحتمل أن يكون منصوبا وإذا كان مجزوما كان داخلا في النهي فيكون قد نهى عن الظلم كما نهى عن قربان الشجرة فكأنه قال {وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ}

ومنه قوله تعالى {وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} فإنه يحتمل أن يكون تكتموا مجزوما فهو مشترك مع الأول في حرف النهي والتقدير لا تلبسوا ولا تكتموا أي لا تفعلوا هذا كما في قولك لا تأكل السمك وتشرب اللبن بالجزم أي لا تفعل واحدا من هذين ويحتمل أن يكون منصوبا والتقدير لا تجمعوا بين هذين ويكون مثل لا تأكل السمك وتشرب اللبن والمعنى لا تجمعوا بين هذين الفعلين القبيحين كما تقول لمن لقيته أما كفاك أحدهما حتى جمعت بينهما وليس في هذا إباحة أحدهما والأول أظهر
وقوله {مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً}،أي ما لم يكن أحد الأمرين المس أو الفرض المستلزم لعدم كل منهما أي لا هذا ولا هذا فإن وجد أحدهما فعليكم الجناح وهو المهر أو نصف المفروض وتفرضوا مجزوم عطفا على تمسوهن
وقيل: نصب وأو بمعنى إلا أن
والصحيح الأول،ولا يجوز تقدير لم بعد أو لفساد المعنى إذ يؤول إلى رفع الجناح عند عدم المس مع الفرض وعدمه وعند عدم الفرض مع المس وعدمه وليس كذلك ولا يقدر فيما انتفى أحدهما للزوم نفي الجناح عند نفي أحدهما ووجود الآخر فلا بد من المحافظة على أحدهما على الإبهام وانسحاب حكم لم عليه
ونظيره {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً}
وقوله: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ}

وقوله تعالى: {إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ} والوجه الجزم ويجوز النصب وقوله تعالى: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} الآية
وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ}
وقوله: {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا}
وقوله: {فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ}
وقوله في آل عمران: {يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ}
وقوله في الأعراف: {وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ}
وقوله في الأنفال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}
وقوله في سورة التوبة: {وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا}
وقوله: {مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ}
وقوله في سورة يونس: {فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ} يجوز أن يكون معطوفا على {لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ} فيكون منصوبا ويجوز أن يكون منصوبا بالفاء

على جواب الدعاء وأن يكون مجزوما لأنه دعاء
وقوله في سورة يوسف: {اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ}
وقوله: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}
وقوله في سورة هود: {ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ أَلاَّ تَعْبُدُوا} أي بأن لا تعبدوا فيكون منصوبا ويجوز جزمه لأنه نهي
وقوله في سورة النحل: {وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ} يجوز عطف { وَتَذُوقُوا} على {تَّخِذُوا} أو {فَتَزِلَّ} قبل دخول الفاء فيكون مجزوما
وقوله في سورة الإسراء: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ} أي بألا تعبدوا أو على نهي
وفيها {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ}
وقوله في سورة الكهف: {إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ}
وقوله في الحج: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ} يجوز أن يكون لام كي أو لام الأمر وفائدة هذا تظهر في جواز الوقف
وقوله: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا} فيمن كسر اللامات

وقوله في النمل {أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} أي بإن أو نهي
وقوله في العنكبوت {لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا}
وفي فاطر {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا}
وفي يس {لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ }هل هي لام كي أو لام الأمر
وفي المؤمن {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا}
وفي فصلت {تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا}
وفي الأحقاف {أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ}
وفي القتال {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا}
ويدل على جواز النصب ظهوره في مثله {فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ}
وقوله {فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ }
وقوله {أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ} أي لئلا أو مجزوم وقوله {إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً}
وقوله {هَذَا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ} فإن {يَعْتَذِرُونَ} داخل مع الأول في النفي عند سيبويه بدليل قوله {هَذَا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ} فإن كان النطق قد نفي عنهم في ذلك اليوم فالاعتذار نطق فينبغي أن يكون منفيا معطوفا على قوله:

{وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ} ولو حمل على إضمار المبتدأ أي فهم يعتذرون لجاز على أن يكون المعنى في لا ينطقون أنهم وإن نطقوا فمنطقهم كلا نطق لأنه لم يقع الموقع الذي أرادوه كقولهم تكلمت ولم تتكلم
وقوله {فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً} وعلى الأول يكون هذا قولا في أنفسهم من غير نطق
وقوله تعالى {وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} يجوز أن يكون لام كي والفعل منصوب أو لام الأمر والفعل مجزوم وقوله {أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ} فالظاهر أنه منصوب ويجوز أن يكون مجزوما واللام زائدة ومن نصب {وَيَذَرَكَ} عطفه على {لِيُفْسِدُوا}
رأى
إن كانت بصرية تعدت لواحد أو علميه تعدت لاثنين وحيث وقع بعد البصرية منصوبا كان الأول مفعولها والثاني حالا
ومما يحتمل الأمرين قوله تعالى: {وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى} ،فإن كانت بصرية كان الناس مفعولا وسكارى حالا وإن كانت علمية فهما مفعولاها
وكذلك قوله تعالى: {وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً}
وقوله {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ}

فهذه الجملة اعني قوله {وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ} في موضع نصب إما على الحال إن كانت بصرية أو مفعول ثان إن كانت قلبية
واعلم أنه قد وقع في القرآن: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا} ،في بعض المواضع بغير واو كما في الأنعام وفي بعضها بالواو وفي بعضها بالفاء {أَفَلَمْ يَرَوْا}
وهذه الكلمة تأتي على وجهين:
أحدهما: أن تتصل بما كان الاعتبار فيه بالمشاهدة فيذكر بالألف والواو ولتدل الألف على الاستفهام والواو على عطف جملة على جملة قبلها وكذلك الفاء لكنها أشد اتصالا مما قبلها
والثاني: أن يتصل بما الاعتبار فيه بالاستدلال فاقتصر على الألف دون الواو والفاء ليجري مجرى الاستئناف
ولا ينتقض هذا الأصل بقوله في النحل {أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ} لاتصالها بقوله {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ} وسبيلها الاعتبار بالاستدلال فبني عليه {أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ}
وأما أرأيت فبمعنى أخبرني ولا يذكر بعدها إلا الشرط وبعده الاستفهام على التقديم والتأخير كقوله تعالى {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ} الآية {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً}

وقوله تعالى: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ}
وأما رأيت الواقعة في كلام الفقهاء فهي كذلك قال ابن خروف إلا أنهم يلجئون فيها وجوابها أرأيت إن كان كذا وكذا كيف يكون كذا بمعنى عدم الشرط ثم الاستفهام بعده على نمط الآيات الشريفة وهي معلقة عن العمل بما بعدها من الآيات الكريمة وكذلك الرؤية كيف تصرفت
وأما قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ} ،فدخلها معنى التعجب كأنه قيل ألم تعجب إلى كذا فتعدت بـ "إلى" كأنه ألم تنظر ودخلت"إلى" بمعنى التعجب وعلق الفعل على جملة الاستفهام وليست ببدل من الرب تعالى لأن الحرف لا يعلق
وأما أرأيتك فقد وقعت هذه اللفظة في سورة الأنعام في موضعين وغيرها وليس لها في العربية نظير لأنه جمع فيها بين علامتي خطاب وهما التاء والكاف والتاء اسم بخلاف الكاف فإنها عند البصريين حرف يفيد الخطاب والجمع بينهما يدل على أن ذلك تنبيها على مبناها عليه من مرتبة وهو ذكر الاستبعاد بالهلاك وليس فيما سواها ما يدل على ذلك فاكتفى بخطاب واحد
قال أبو جعفر بن الزبير: الإتيان بأداة الخطاب بعد الضمير المفيد لذلك تأكيد

باستحكام غفلته كما تحرك النائم باليد والمفرط الغفلة باليد واللسان ولهذا حذفت الكاف في آية يونس لأنه لم يتقدم قبلها ذكر صمم ولا بكم يوجب تأكيد الخطاب وقد تقدم قبلها قوله {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ} إلى ما بعدهن فحصل تحريكهم وتنبيههم بما لم يبق بعده إلا التذكير بعذابهم انتهى
وقال ابن فارس في قوله تعالى {أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ }قال البصريون هذه الكاف زائدة زيدت لمعنى المخاطبة قال محمد بن يزيد وكذلك رويدك زيدا قال والدليل على ذلك أنك إذا قلت أرأيتك زيدا فإنما هي أرأيت زيدا لأن الكاف لو كانت اسما استحال أن تعدى أرأيت إلى مفعولين والثاني هو الأول يريد قولهم أرأيت زيدا قائما لا يعدي رأيت إلا إلى مفعول هو زيد ومفعول آخر هو قائم فالأول هو الثاني
وقال غيره: من جعل الأداة المؤكد بها الخطاب في أرأيتكم ضمير لم يلزمه اعتراض بتعدي فعل الضمير المتصل إلى مضمره المتصل لأن ذلك جائز في باب الظن وفي فعلين من غير باب ظننت وهما فقدت وعدمت وكذلك تعدي فعل الظاهر إلى مضمره المتصل جائز في الأفعال المذكورة والآيات المذكورة من باب الظن لأن المراد بـ "رأيت" رؤية القلب فهي من المستثنى وإنما الممتنع مطلقا تعدي

فعل المضمر المتصل إلى ظاهره فلا اختلاف في منع هذا من كل الأفعال
وأما من جرد أداة الخطاب المؤكد بها للحرفية وهو قول الجمهور فلا كلام في ذلك وقد اختلف في موضع الكاف من هذا اللفظ على أقوال:
قال سيبويه: لا موضع لها
وقال السكاكي: موضعها نصب
وقال الفراء: رفع
إذا علمت هذا فلها موضعان: أحدهما أن تكون بمعنى أخبرني فلا تقع إلا على اسم مفرد أو جملة شرط كقوله {أَرَأَيْتُ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ} الآية ولا يقع الشرط إلا ماضيا لأن ما بعده ليس بجواب له وإنما هو معلق بـ" أرأيتك" وجواب الشرط إما محذوف للعلم به وإما للاستفهام مع عامله وإذا ثني هذا أو جمع لحقت بالتثنية والجمع الكاف وكانت التاء مفردة بكل حال
قال السيرافي: يجوز أن يكون إفرادهم للتاء استغناء بتثنية الكاف وجمعها لأنها للخطاب وإنما فعلوا ذلك للفرق بين أرأيت بمعنى أخبرني وغيرها إذا كانت بمعنى علمت
والثاني: تكون فيه بمعنى انتبه كقولك أرأيت زيدا فإني أحبه أي انتبه له فإني أحبه ولا يلزمه الاستفهام

وقد يحذف الكلام الذي هو جواب للعلم به فلا يذكر كقوله تعالى { قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الأِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ} فلم يأت بجواب
وأتى في موضع آخر بالجواب ولم يأت بالشرط قال تعالى {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ} فـ" من" الأول بمنزلة "الذي"
تنبيه
قال سيبويه: لا يجوز إلغاء أرأيت كما يلغى: علمت أزيد عندك أم عمرو؟ ولا يجوز هذا في أرأيت ولا بد من النصب إذا قلت أرأيت زيد أبو من هو؟
قال: لأن دخول معنى أخبرني فيها لا يجعلها بمنزلة أخبرني في جميع أحوالها
قال السهيلي: وظاهر القرآن يقتضي خلاف قوله وذلك أنها في القرآن ملغاة لأن الاستفهام مطلوبها وعليه وقع في قوله {أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى أَلَمْ يَعْلَمْ} فقوله {أَلَمْ يَعْلَمْ} استفهام وعليه وقعت أرأيت وكذلك أرأيتم وأرأيتكم في الأنعام والاستفهام واقع بعدها نحو {هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ} و{الْفَاسِقُونَ}

وهذا هو الذي منع سيبويه في أرأيت وأرأيتك ولا يقال أرأيتك أبو من أنت قال لكن الذي قال سيبويه صحيح لكن إذا ولي الاستفهام أرأيت ولم يكن لها مفعول سوى الجملة
وأما في هذه المواضع التي في التنزيل فليست الجملة المستفهم عنها هي مفعول أرأيت ولم يكن لها مفعول محذوف يدل عليه الشرط ولا بد من الشرط بعدها في هذه الصورة لأن المعنى أرأيتم صنيعكم إن كان كذا وكذا كما تقول أرأيت إن لقيت العدو أتقاتل أم لا تقديره أرأيت رأيك وصنعك إن لقيت العدو فحذف الشرط وهو إن دال على ذلك المحذوف ومرتبط به والجملة المستفهم عنها كلام مستأنف منقطع إلا أن فيها زيادة بيان لما يستفهم عنه ولو زال الشرط ووليها الاستفهام لقبح كما قال سيبويه وغيره في علمت وهل علمت وهل رأيت وإنما يتجه مع أرأيت خاصة وهي التي دخلها معنى أخبرني
علم العرفانية
لا تتعلق إلا بالمعاني نحو: {لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً}
فأما نحو قوله تعالى: {لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ} وقوله {فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} فالتقدير لا تعلم خبرهم نحن نعلم خبرهم فليعلمن الله صدق الذين صدقوا وليعلمن الله نفاق المنافقين فحذف المضاف
وذكر ابن مالك أنها تختص باليقين وذكر غيره أنها تستعمل في الظن أيضا بدليل قوله { فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ }
وله أن يقول: العلم على حقيقته. والمراد بالإيمان التصديق اللساني

ظن
أصلها للاعتقاد الراجح كقوله تعالى {إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا}
وقد تستعمل بمعنى اليقين لأن الظن فيه طرف من اليقين لولاه كان جهلا كقوله تعالى {يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ} {إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ} {وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ} {أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ} وللفرق بينهما في القرآن ضابطان:
أحدهما: أنه حيث وجد الظن محمودا مثابا عليه فهو اليقين وحيث وجد مذموما متوعدا بالعقاب عليه فهو الشك
الثاني: أن كل ظن يتصل بعده "إن" الخفيفة فهو شك كقوله {إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} وقوله {بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ}
وكل ظن يتصل به إنّ المشددة فالمراد به اليقين كقوله {إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ} {وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ}
والمعنى فيه أنّ المشددة للتأكيد فدخلت على اليقين وأن الخفيفة بخلافها فدخلت في الشك
مثال الأول،قوله سبحانه: {وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً} ذكر بـ" أن" وقوله: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ}
ومثال الثاني: {وَحَسِبُوا أَلا تَكُونَ فِتْنَةٌ} والحسبان الشك
فإن قيل: يرد على هذا الضابط قوله تعالى {وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ}

قيل: لأنها اتصلت بالفعل
فتمسك بهذا الضابط فإنه من أسرار القرآن
ثم رأيت الراغب قال في تفسير سورة البقرة
الظن أعم ألفاظ الشك واليقين وهو اسم لما حصل عن أمارة فمتى قويت أدت إلى العلم ومتى ضعفت جدا لم تتجاوز حد الوهم وأنه متى قوي استعمل فيه أنّ المشددة وأن المخففة منها ومتى ضعف استعمل معه إن المختصة بالمعدومين من الفعل نحو ظننت أن أخرج وأن يخرج فالظن إذا كان بالمعنى الأول محمود وإذا كان بالمعنى الثاني فمذموم
فمن الأول: {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ}
ومن الثاني: {إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ}وقوله {وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً}
فائدة
لا يجوز الاقتصار في باب ظن على أحد المفعولين إلا أن يكون بمنزلة أنهم قالوا قوله تعالى {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ} قرأ الحرميان وابن كثير بالظاء وهو فعيل بمعنى مفعول والضمير هو المفعول الذي لم يسم فاعله وقرأه الباقون بالضاد وهو بمعنى فاعل وفيه ضمير هو فاعله والمعنى بخيل على الغيب فلا يمنعه كما تفعله الكهان والمعنى على القراءة الأولى ليس بمتهم على الغيب لأنه الصادق
وأما قوله {وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} فإنها بمنزلتها في قولك نزلت بزيد

شعر
ومنه شعر بمعنى علم ومصدره شعرة بكسر الشين كالفطنة وقالوا ليت شعري فحذفوا التاء مع الإضافة للكثرة قال الفارسي وكأنه مأخوذ من الشعار وهو ما يلي الجسد فكأن شعرت به علمته علم حس فهو نوع من العلم ولهذا لم يوصف به الله
وقوله تعالى في صفة الكفار: {وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} أبلغ في الذم للبعد عن الفهم من وصفهم بأنهم لا يعلمون فإن البهيمة قد تشعر بحيث كانت تحس فكأنهم وصفوا بنهاية الذهاب عن الفهم
وعلى هذا قال تعالى: {وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ} إلى قوله {وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ} ولم يقل لا تعلمون لأن المؤمنين إذا أخبرهم الله تعالى بأنهم أحياء علموا أنهم أحياء فلا يجوز أن ينفي عنهم العلم ولكن يجوز أن يقال {لا تَشْعُرُونَ} لأنه ليس كل ما علموه يشعرون به كما أنه ليس كل ما علموه يحسونه بحواسهم فلما كانوا لا يعلمون بحواسهم حياتهم وأنهم علموها بإخبار الله وجب أن يقال {لا تَشْعُرُونَ} دون لا تعلمون
عسى ولعل
من الله تعالى واجبتان وإن كانتا رجاء وطمعا في كلام المخلوقين لأن الخلق هم الذين يعرض لهم الشكوك والظنون والبارئ منزه عن ذلك
والوجه في استعمال هذه الألفاظ أن الأمور الممكنة لما كان الخلق يشكون فيها

ولا يقطعون على الكائن منها وكان الله يعلم الكائن منها على الصحة صارت لها نسبتان:
نسبة إلى الله تعالى تسمى نسبة قطع ويقين ونسبة إلى المخلوق وتسمى نسبة شك وظن فصارت هذه الألفاظ لذلك ترد تارة بلفظ القطع بحسب ما هي عليه عند الله كقوله {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}
وتارة بلفظ الشك بحسب ما هي عليه عند المخلوقين كقوله {فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ} {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً}
وقوله: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} وقد علم الله حين أرسلهما ما يفضى إليه حال فرعون لكن ورد اللفظ بصورة ما يختلج في نفس موسى وهارون من الرجاء والطمع فكأنه قال انهضا إليه وقولا في نفوسكما لعله يتذكر أو يخشى
ولما كان القرآن قد نزل بلغة العرب جاء على مذاهبهم في ذلك والعرب قد تخرج الكلام المتيقن في صورة المشكوك لأغراض فتقول لا تتعرض لما يسخطني فلعلك إن تفعل ذلك ستندم وإنما مراده أنه يندم لا محالة ولكنه أخرجه مخرج الشك تحرير للمعنى ومبالغة فيه أي أن هذا الأمر لو كان مشكوكا فيه لم يجب أن تتعرض له فكيف وهو كائن لا شك فيه
وبنحو من هذا فسر الزجاج قوله تعالى: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ}
وأما قوله: {لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ}،فاطلاعه إلى الإله مستحيل فبجهله اعتقد في المستحيل الإمكان لأنه يعتقد في الإله الجسمية والمكان

ونص ابن الدهان في لعل جواز استعماله في المستحيل محتجا بقوله لعل زمانا تولى يعود
وقال أيضا: كل ما وقع في القرآن من عسى فاعلها الله تعالى فهي واجبة وقال قوم إلا في موضعين قال تعالى {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ} ولم يطلقهن ولم يبدل بهن
وقوله: {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ} وهذه في بني النضير وقد سباهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقتلهم وأبادهم
وقال أيضا: وهذا عندي متأول لأن الأول تقديره إن طلقكن يبدله وما فعل فهذا شرط يقع فيه الجزاء ولم يفعله والثاني تقديره إن عدتم رحمكم وهم أصروا وعسى على بابها
قال: وعسى ماضي اللفظ والمعنى لأنه طمع وذلك حصل في شيء مستقبل
وقال: قوم ماضي اللفظ مستقبل في المعنى لأنه أخبر عن طمع يريد أن يقع
واعلم أن عسى تستعمل في القرآن على وجهين:
أحدهما: ترفع اسما صريحا ويؤتى بعده بخبر ويلزم كونه فعلا مضارعا نحو عسى زيد أن يقوم فلا يجوز قائما لأن اسم الفاعل لا يدل على الزمان الماضي قال الله تعالى {فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ} فيكون أن والفعل في موضع نصب بـ" عسى"

وقال الكوفيون في موضع رفع بدل
ورد بأنه لا يجوز تركه ويجوز تقديمه عليه
الثاني: أن يكون المرفوع بها أن والفعل وهو عسى أن يقوم زيد فلا يفتقر هنا إلى منصوب
ونظيره: {وَحَسِبُوا أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ}
ومنه قوله تعالى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً} لا يجوز رفع ربك بـ "عسى" لئلا يلزم الفصل بين الصلة والموصول بالأجنبي وهو ربك لأن مقاما محمودا منصوب بـ" يبعثك"
وكذلك كقوله: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} لأن الضميرين متصلان بـ" تكرهوا" و"تحبوا" فلا يكون في عسى ضمير
اتخذ
قال تعالى: {لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً} قال الفارسي: ولا أعلم تخذت يتعدى إلا إلى واحد
وقيل: أصل اتخذت تخذت فأما اتخذت فعلى ثلاثة أضرب:
أحدهما: ما يتعدى به إلى مفعول واحد كقوله تعالى: {يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً}
{أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ}
{وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً}

{لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا}
{كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً}
والثاني: ما يتعدى لمفعولين والثاني منهما الأول في المعنى
وهما إما مذكوران كقوله تعالى: {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً}
وقال: {لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ}
{فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً}
وإما مع حذف الأول،كقوله: {فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَاناً آلِهَةً} ،فمفعول اتخذوا الأول،الضمير المحذوف الراجع إلى الذين الثاني آلهة وقربانا على الحال.
قال الكواشي ولو نصب قربانا مفعولا ثانيا وآلهته بدلا منه فسد المعنى
وإما مع حذف الثاني،كقوله: {اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ}
{اتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ}
{اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ}
{وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً}، تقديره في الجميع اتخذوه آلهة لأن نفس اقتناء العجل لا يلحقه الوعيد الشديد فيتعين تقدير آلهة
الثالث: ما يجوز فيه الأمران كقوله تعالى {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً}

فإن جوزنا زيادة من في الإيجاب كان من المتعدي لاثنين وإن منعنا كان لواحد
ونظيره جعلت قال {وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} ،أي خلقهما
فإذا تعدى لمفعولين كان الثاني الأول في المعنى كقوله: {وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ} {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا}
أخذ
تجيء بمعنى غصب ومنه من أخذ قيد شبر من أرض طوق من سبع أرضين
وبمعنى عاقب كقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}
{أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ}
{وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ}
{وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ}
{فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ}
{لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ}
{وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا}

و{لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}
{ا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ}
وتجيء للمقاربة،قالوا: أخذ يفعل كذا كما قالوا جعل يقول وكرب يقول وتجيء قبل القسم كقوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ}
{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ}
وبمعنى اعمل كقوله تعالى: {خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ} أي اعملوا بما أمرتم به وانتهوا عما نهيتهم عنه بجد واجتهاد
سأل
تتعدى لمفعوليين كأعطى ويجوز الاقتصار على أحدهما
ثم قد تتعدى بغير حرف كقوله تعالى: {وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلوا مَا أَنْفَقُوا} {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ}
وقد تتعدى بالحرف إما بالباء كقوله: {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ}
وإما بـ "عن" كقولك: سل عن زيد وكذا {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ} والمتعدية لمفعولين ثلاثة أضرب:
أحدها: أن تكون بمنزلة أعطيت كقولك سألت زيدا بعد عمرو حقا أي استعطيته أو سألته أن يفعل ذلك

والثاني: بمنزلة: اخترت الرجال زيدا كقوله تعالى: {وَلا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً} ،أي عن حميم لذهوله عنه
والثاني: أن يقع موقع الثاني منهما استفهام كقوله تعالى: {سَلْ بَنِي إِسْرائيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ}
{وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ}
وأما قوله تعالى: {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ} ، فالمعنىسأل: سائل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو المسلمين بعذاب واقع فذكر المفعول الأول وسؤالهم عن العذاب إنما هو استعجالهم له كاستبعادهم لوقوعه ولردهم ما يوعدون به منه
وعلى هذا: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ}
وأما قوله تعالى: {وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ} فيجوز أن تكون" من" فيه موضع المفعول الثاني وإن يكون المفعول الثاني محذوفا والصفة قائمة مقامه
وأما قوله تعالى: {يَسْأَلونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا} فيحتمل أن عنها متعلقة بالسؤال كأنه يسألونك عنها كأنك حفي عنها فحذف الجار والمجرور فحسن ذلك لطول الكلام ويجوز أن يكون: {عَنْهَا} بمنزلة بها وتتصل بالحفاوة
وعد
فعل يتعدى لمفعوليين يجوز الاقتصار على أحدهما كأعطيته وليس كظننت،قال

تعالى: {وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الأَيْمَنَ} فـ "جانب" مفعول ثان ولا يكون ظرفا لاختصاصه أي وعدناكم إتيانه أو مكثا فيه
وقوله تعالى: {وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا} فالغنيمة تكون الغنم
فإن قلت: الغنم حدث لا يؤخذ إنما يقع الأخذ على الأعيان دون المعاني
قلت: يجوز أن يكون سمى باسم المصدر كالخلق والمخلوق أو يقدر محذوف أي تمليك مغانم
فأما قوله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ} وقوله: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ}
فإن الفعل لم يتعد فيه إلى مفعول ثان ولكن قوله: {لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ} ولهم: {مَغْفِرَةً} تفسير للوعد كما أن قوله: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} تبيين للوصية في قوله: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ}
وأما قوله تعالى: {أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً}{إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ} ،فيحتمل انتصاب الواحد بالمصدر أو بأنه المفعول الثاني وسمى الموعود به الوعد كالمخلوق الخلق
وأما قوله تعالى: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ} و{إِحْدَى} في موضع نصب مفعول ثان و{أَنَّهَا لَكُمْ} بدل منه أي إتيان إحدى الطائفتين أو تمليكه والطائفتان العير والنصر
وأما قوله: {أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ} فمن قدر في أن الثانية البدل

فينبغي أن يقدر محذوفا ليتم الكلام فيصح البدل والتقدير أيعدكم إرادة أنكم إذا متم ليكون اسم الزمان خبرا عن الحدث ومن قدر في الثانية البدل لم يحتج إلى ذلك
وأما قوله: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأبِيهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ}
فالجملة في موضع جر صفة للنكرة وقد عاد الضمير فيها إلى الموصوف والفعل متعد إلى واحد
وأما قوله تعالى: {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً} فلا يجوز أن يكون ثلاثين ظرفا لأن الوعد ليس في كلها بل في بعضها فيكون مفعولا ثانيا
ود
قال أبو مسلم الأصبهاني بمعنى تمنى يستعمل معها لو وإن وربما جمع بينهما نحو ودوا لو أن فعل ومصدره الودادة والاسم منه وُدّ وقد يتداخلان في الاسم والمصدر
وقال الراغب إذا كان ود بمعنى أحب لا يجوز إدخال لو فيه أبدا
وقال علي بن عيسى، إذا كان بمعنى تمنى صلح للمضي والحال والاستقبال وإذا كان بمعنى المحبة لم يصلح للماضي لأن الإرادة هي استدعاء الفعل وإذا كان للماضي لم يجز "أن" وإذا كان للحال أو للاستقبال جاز "أن" و"لو" وفيما قاله نظرا لأن "أن" توصل بالماضي نحو سرني أن قمت

قلت فكان الأحسن الرد عليه بكلامه وهو انه جوز إذا كان بمعنى الحال دخول أن وهي للمستقبل فقد خرجت عن موضعها
أفعل التفضيل
فيه قواعد
الأولى إذا أضيف إلى جنسه لم يكن بعضه كقولك زيد أشجع الأسود وأجود السحب فيصير المعنى زيد أشجع من الأسود وأجود من السحب وعليه قوله تعالى { خير الرازقين } و{ أحكم الحاكمين } و{ أحسن الخالقين }
أي خير من كل من تسمى برازق واحكم من كل من تسمى بحاكم كذا قاله ابو القاسم السعدي
قال الشيخ أثير الدين الذي تقرر عن الشيوخ أن أفعل هذه لا تضاف إلا ويكون المضاف بعض المضاف إليه فلا يقال هذا الفرس اسبق الحمير لأنه ليس بعض الحمير وعلى هذا بنى البصريون منع زيد افضل إخوته واجازوا أفضل الإخوة إلا إذا أخرجت عن معناها فإنه قد يجوز ذلك عن بعضهم
الثانية إذا ذكر بعد أفعل جنسه وواحد من آحاد جنسه وجب إضافته إليه كقولك زيد أحسن الرجال واحسن رجل
وإذا ذكر بعد ما هو من متعلقاته وجب نصبه على التمييز نحو زيد احسن وجها واغزر علما

وقد أشكل على هذه القاعدة قوله تعالى: {أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً} وقوله: {أَزْكَى طَعَاماً} فقد أضيف إلى غير جنسه وانتصب
وقد تأول العلماء هذا حتى رجعوا به إلى جعل أشد لغير الخشية فقال الزمخشري معنى: {يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ} أي مثل أهل خشية الله أو مثل قوم أشد خشية من أهل خشية الله
قال ابن الحاجب وعلى مثل هذا يحمل ما خالف هذه القاعدة
الثالثة: الأصل فيه الأفضلية على ما أضيف إليه وأشكل على ذلك قوله تعالى: {وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا} لأن معناه ما من آية من التسع إلا وهي أكبر من كل واحدة منها فاضلة ومفضولة في حالة واحدة
وأجاب الزمخشري بأن الغرض وصفهن بالكبر من غير تفاوت فيه وكذلك العادة في الأشياء التي تتفاوت في الفضل التفاوت اليسير أن تختلف آراء الناس في تفضيلها وربما اختلف آراء الواحد فيها كقول الحماسي:
من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم
مثل النجوم التي يهدي بها الساري
وأجاب ابن الحاجب بأن المراد الأعلى أكبر من أختها عندهم وقت حصولها لأن لمشاهدة الآية في النفس أثر عظيما ليس للغائب عنها
الرابعة: قالوا: لا ينبني من العاهات: فلا يقال: ما أعور هذه الفرس وأما قوله تعالى:

{وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى} ففيه وجهان:
أحدهما: أنه من عمى القلب الذي يتولد من الضلالة وهو ما يقبل الزيادة والنقص لا من عمى البصر الذي يحجب المرئيات عنه
وقد صرح ببيان هذا المعنى قوله تعالى: {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}
وعلى هذا فالأول اسم فاعل والثاني أفعل تفضيل من فقد البصيرة
والثاني: أنه من عمى العين والمعنى من كان في هذه أعمى من الكفار فإنه يحشر أعمى فلا يكون أفعل تفضيل
ومنهم من حمل الأول، على عمى القلب والثاني على فقد البصيرة وإليه ذهب أبو عمرو فأمال الأول وترك الإمالة في الثاني لما كان اسما والاسم أبعد من الإمالة
الخامسة: يكثر حذف المفضول إذا دل عليه دليل وكان أفعل خبرا كقوله تعالى: {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ}
{ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلاَّ تَرْتَابُوا}
{وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ}
{وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ}
{إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}
{وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً}
{أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَاماً وَأَحْسَنُ نَدِيّاً}

{فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَاناً وَأَضْعَفُ جُنْداً}
وقد يحذف المفضول وأفعل ليس بخبر كقوله تعالى: {فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى}
السادسة: قد يجيء مجردا عن معنى التفضيل فيكون للتفضيل لا للأفضلية
ثم هو تارة يجيء مؤولا باسم الفاعل كقوله تعالى: {هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ}
ومؤولا بصفة مشبهة كقوله تعالى: {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ}
فـ "أعلم" هاهنا بمعنى عالم بكم إذ لا مشارك لله تعالى في علمه بذلك وأهون عليه بمعنى هين إذ لا تفاوت في نسبة المقدورات إلى قدرته تعالى
وقوله تعالى: {أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ}
وقوله: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً}
أو لفظا لا معنى،كقوله تعالى: {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ}
و{نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ}
وأما قوله تعالى: {يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ} فمعناه الضرر بعبادته أقرب من النفع بها
فإن قيل كيف قال: {أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ} ولا نفع من قبله البتة؟
قيل لما كان في قوله: {لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ} تبعيد لنفعه والعرب تقول

لما لم يصح في اعتقادهم هذا بعيد جاز الإخبار بـ" بعد" نفع الوثن والشاهد له قوله تعالى حكاية عنهم
{أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ}
السابعة: أفعل في الكلام على ثلاثة أضرب:
مضاف كقوله تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ}
ومعرف باللام،نحو: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} و{لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ}
وخال منهما ويلزم اتصاله بـ" من" التي لابتداء الغاية جارة للمفضل عليه كقوله تعالى: {أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالاً}
وقد يستغنى بتقديرها عن ذكرها كقوله تعالى: {وَأَعَزُّ نَفَراً}
ويكثر ذلك إذا كان أفعل التفضيل خبرا كقوله: {وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى}
وحيث أضيف إنما يضاف إلى جمع معرف نحو أحكم الحاكمين ولا يجوز زيد أفضل رجل ولا أفضل رجال لأنه لا فائدة فيه لأن كل شخص لا بد أن يكوّن جماعة يفضلها وإنما الفائدة في أن تقول أفضل الرجال
فأما قوله تعالى: {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ} فجوابه أنه غير مضاف إليه تقديرا بل المضاف إليه محذوف وقامت صفته مقامه وكأنه قال أسفل قوم سافلين ولا خلاف أنه يضاف إلى اسم الجمع معرفا ومنكرا نحو أفضل الناس والقوم وأفضل ناس أفضل قوم
فإن قيل لم أجازوا تنكير هذا ولم يجيزوا ذلك في الجمع؟

قلت: لأن أفضل القوم ليس من ألفاظ الجموع بل من الألفاظ المفردة فخففوه بترك الألف واللام الثانية إذا كان أفعل بالألف واللام أو مضافا جاز تثنيته وجمعه قال تعالى: {وَاتَّبَعَكَ الأَرْذَلُونَ} و{بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً}
وقال في المفرد {إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا}
وقال في الجمع: {أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا} و{إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا}
وتقول في المؤنث هذه الفضلى قال تعالى: {إِنَّهَا لإِحْدَى الْكُبَرِ} {فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى} وحكم فعلى حكم أفعل لا يستعمل بغير "من" إلا مضافا أو معرفا بأل وأما قوله: {وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} فقالوا إنه على تقدير من أي وأخر منها متشابهات
تنبيه
لفظ سواء
سواء: أصله بمعنى الاستواء وليس له اسم يجرى عليه يقال استوى استواء وساواه مساواة لا غير فإذا وقع صفة كان بمعنى مستو ولهذا تقول هما سواء هم سواء كما تقول هما عدل وهم عدل والسواء التام ومنه درهم سواء أي تام
ومنه قوله تعالى: {فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً} أي مستويات ومن نصب فعلى

المصدر أي استوت استواء كذا قال سيبويه،وجوز غيره أن يكون حالا من النكرة
ويجيء السواء بمعنى الوسط كقوله تعالى: {إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} أي عدل وهو الحق
قال ابن أبي الربيع: وسواء لا يرفع الظاهر إلا إذا كان معطوفا على المضمر في سواء وهو مرفوع بسواء وهو مما جاز في المعطوف ما لا يجوز في المعطوف عليه
النوع السابع والأربعون: في الكلام على المفردات والأدوات...
النوع السابع والأربعون: في الكلام على المفردات من الأدوات
والبحث عن معاني الحروف مما يحتاج إليه المفسر لاختلاف مدلولها
ولهذا توزع الكلام على حسب مواقعها وترجح استعمالها في بعض المحال على بعض بحسب مقتضى الحال
كما في قوله تعالى: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} ، فاستعملت "على" في جانب الحق و"في" في جانب الباطل لأن صاحب الحق كأنه مستعل يرقب نظره كيف شاء ظاهرة له الأشياء وصاحب الباطل كأنه منغمس في ظلام ولا يدري أين توجه
وكما في قوله تعالى: {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ} فعطف هذه الجمل الثلاث بالفاء ثم لما انقطع نظام الترتيب عطف بالواو فقال تعالى: {وَلْيَتَلَطَّفْ} ،إذ لم يكن التلطف مترتبا على الإتيان بالطعام كما كان الإتيان منه مرتبا على التوجه في طلبه والتوجه في طلبه مترتبا على قطع الجدال في المسألة عن مدة اللبث بتسليم العلم له سبحانه
وكما في قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} الآية فعدل عن اللام

إلى "في" في الأربعة الأخيرة إيذانا بأنهم أكثر استحقاقا للتصدق عليهم ممن سبق ذكره باللام لأن "في" للوعاء فنبه باستعمالها على أنهم أحقاء بأن يجعلوا مظنة لوضع الصدقات فيهم كما يوضع الشيء في وعائه مستقرا فيه وفي تكرير حرف الظرف داخلا على سبيل الله دليل على ترجيحه على الرقاب والغارمين
قال الفارسي: وإنما قال: {وَفِي الرِّقَابِ} يقل والرقاب ليدل على أن العبد لا يملك
وفيه نظر بل ما ذكرناه من الحكمة فيه أقرب
وكما في قوله تعالى: {وَقَدْ أَحْسَنَ بِي}، فإنه يقال: أحسن بي وإلي وهي مختلفة المعاني وأليقها بيوسف عليه السلام "بي" لأنه إحسان درج فيه دون أن يقصد الغاية التي صار إليها
وكما في قوله تعالى: {وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ}، ولم يقل "على" كما ظن بعضهم لأن "على" للاستعلاء والمصلوب لا يجعل على رؤوس النخل وإنما يصلب في وسطها فكانت في أحسن من على
وقال: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} ،ولم يقل في الأرض لأن عند الفناء ليس هناك حال القرار والتمكين
وقال: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً} وقال: {وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً}، وما قال: على الأرض وذلك لما وصف العباد بين أنهم لم يوطنوا أنفسهم في الدنيا وإنما هم عليها مستوقرون ولما أرشده ونهاه عن فعل التبختر قال لا تمش فيها مرحا بل امش عليها هونا

وقال تعالى: {يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ}
وقال: ابن عباس الحمد الله الذي قال: { عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} ،ولم يقل في صلاتهم
وقال: صاحب الكشاف في قوله تعالى: {وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ} فلو سقطت من جاز كون الحجاب في الوسط وإن تباعدت وإذا أتيت بـ" من" أفادت أن الحجاب ابتداء من أول ما ينطلق عليه "من" وانتهى إلى غايته فكأن الحجاب قد ملأ ما بينك وبينه
وقال: كرر الجار في قوله: {وَعَلَى سَمْعِهِمْ} ليكون أدل على شدة الختم في الموضعين حين استجد له تعدية أخرى
وهذا كثير لا يمكن إحصاؤه والمعين عليه معاني المفردات فلنذكر مهمات مطالبها على وجه الاختصار

الهمزة
أصلها الاستفهام وهو طلب الإفهام وتأتي لطلب التصور والتصديق بخلاف هل فإنها للتصور خاصة والهمزة أغلب دورانا ولذلك كانت أم الباب
واختصت بدخولها على الواو نحو: {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا}
وعلى الفاء نحو: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى}
وعلى ثم نحو: {أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ}
و"هل" أظهر في الاختصاص بالفعل من الهمزة وأما قوله تعالى: {فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ} {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ}و: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} ،فذلك لتأكيد الطلب للأوصاف الثلاثة، حيث إن الجملة الاسمية أدل على حصول المطلوب وثبوته وهو أدل على طلبه من فهل تشكرون وهل تسلمون لإفادة التجدد
واعلم أنه يعدل بالهمزة عن أصلها فيتجوز بها عن النفي والإيجاب والتقرير وغير ذلك المعاني السالفة في بحث الاستفهام مشروحة فانظره فيه
مسألة في دخول الهمزة على رأيت
وإذا دخلت على رأيت امتنع أن تكون من رؤية البصر أو القلب وصارت بمعنى أخبرني كقولك أرأيك زيدا ما صنع في المعنى تعدى بحرف وفي اللفظ تعدى بنفسه

ومنه قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنَا}
{أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى عَبْداً إِذَا صَلَّى}
{أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ}
مسألة في دخول الهمزة على "لم"
وإذا دخلت على لم أفادت معنيين:
أحدهما: التنبيه والتذكير نحو: {أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ}
والثاني: التعجب من الأمر العظيم كقولك: ألم تر إلى فلان يقول كذا ويعمل كذا على طريق التعجب منه وكيف كان فهي تحذير

أم
حرف عطف نائب عن تكرير الاسم والفعل نحو أزيد عندك أم عمرو؟
وقيل: إنما تشرك بين المتعاطفين كما تشرك بينها "أو"
وقيل: فيها معنى العطف وهي استفهام كالألف إلا أنها لا تكون في أول الكلام لأجل معنى العطف
وقيل هي "أو" أبدلت الميم من الواو ليحول إلى معنى يريد إلى معنى "أو"
وهي قسمان: متصلة ومنفصلة:
فالمتصلة: هي الواقعة في العطف والوارد بعدها وقبلها كلام واحد والمراد بها الاستفهام عن التعيين فلهذا يقدر بأي وشرطها أن تتقدمها همزة الاستفهام ويكون ما بعدها مفردا أو في تقديره
والمنفصلة: ما فقد فيها الشرطان أو أحدهما وتقدر بـ"بل" والهمزة
ثم اختلف النحاة في كيفية تقدير المنفصلة في ثلاث مذاهب حكاها الصفار:
أحدها: أنها تقدر بهما وهي بمعناهما فتفيد الإضراب عما قبلها على سبيل التحول والانتقال كـ" بل" والاستفهام عما بعدها ومن ثم لا يجوز أن تستفهم مبتدئا كلامك بـ" أم" ولا تكون إلا بعد كلام لإفادتها الإضراب كما تقدم
قال أبو الفتح: والفارق بينها وبين" بل" أن ما بعد "بل" منفي وما بعد أم مشكوك فيه
والثاني: أنها بمنزلة بل خاصة والاستفهام محذوف بعدها وليست مفيدة الاستفهام وهو قول الفراء في معاني القرآن

والثالث: أنها بمعنى الهمزة والإضراب مفهوم من أخذك في كلام آخر وترك الأول
قال الصفار: فأما الأول،فباطل لأن الحرف لا يعطي في حيز واحد أكثر من معنى واحد فيبقى الترجيح بين المذهبين وينبغي أن يرجح الأخير لأنه ثبت من كلامهم إنها لإبل أم شاء
ويلزم على القول الثاني حذف همزة الاستفهام في الكلام وهو من مواضع الضرورة قال والصحيح أنها لا تخلو عن الاستفهام وكذلك قال سيبويه انتهى
واعلم أن المتصلة يصير معها الاسمان بمنزلة "أي" ويكون ما ذكر خبرا عن "أي" فإذا قلت أزيد عندك؟أم عمرو؟فالمعنى أيهما عندك؟والظرف خبر لهما
ثم المتصلة تكون في عطف المفرد على مثله نحو أزيد عندك أم عمرو كقوله تعالى: {أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} ،أي أي المعبودين خير وفي عطف الجملة على الجملة المتأولتين بالمفرد نحو: {أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ} ،أي الحال هذه أم هذه؟
والمنقطعة إنما تكون على عطف الجمل وهي في الخبر والاستفهام بمثابة بل والهمزة ومعناها في القرآن التوبيخ كما كان في الهمزة كقوله تعالى: {أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ} أي بل أتخذ؟لأن الذي قبلها خبر والمراد بها التوبيخ لمن قال ذلك وجرى على كلام العباد
وقوله: {الم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ} ثم قال: {أَمْ يَقُولُونَ

افْتَرَاهُ} تقديره بل أيقولون؟كذا جعلها سيبويه منقطعة لأنها بعد الخبر.
ثم وجه اعتراضا: كيف يستفهم الله عن قولهم هذا وأجيب بأنه جاء في كلام العرب يريد أن في كلامهم يكون المستفهم محققا للشيء لكن يورده بالنظر إلى المخاطب كقوله: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} وقد علم الله أنه لا يتذكر ولا يخشى لكنه أراد لعله يفعل ذلك في رجائكما
وقوله: {أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ} تقديره بل أتخذ؟ بهمزة منقطعة للإنكار وقد تكون بمعنى بل من غير استفهام كقوله تعالى: {أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} وما بعدها في سورة النمل
قال ابن طاهر: ولا يمتنع عندي إذا كانت بمعنى بل أن تكون عاطفة كقوله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ} وقوله: {أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ} وقال البغوي في قوله: {أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ} بمعنى بل وليس بحرف عطف على قول أكثر المفسرين
وقال الفراء وقوم من أهل المعاني: الوقف على قوله أم وحينئذ تم الكلام وفي الآية إضمار والأصل: {أَفَلا تُبْصِرُونَ} أم تبصرون ثم ابتدأ فقال: {أَنَا خَيْرٌ}
قلت: فعلى الأول تكون منقطعة وعلى الثاني متصلة
وفيها قول ثالث،قال أبو زيد: إنها زائدة وإن التقدير أفلا تبصرون أنا خير منه! والمشهور أنها منقطعة لأنه لا يسألهم عن استواء علمه في الأول والثاني لأنه إنما أدركه

الشك في تبصرهم بعد ما مضى كلامه على التقرير وهو مثبت وجواب السؤال بلى فلما أدركه الشك في تبصرهم قال: {أَمْ أَنَا خَيْرٌ}
وسأل ابن طاهر شيخه أبا القاسم بن الرماك: لم لم يجعل سيبويه أم متصلة! أي أفلا تبصرون أم تبصرون؟أي أي هذين كان منكم؟فلم يحر جوابا،وغضب وبقى جمعة لا يقرر حتى استعطفه
والجواب من وجهين: أحدهما أنه ظن أنهم لا يبصرون فاستفهم عن ذلك ثم ظن أنهم يبصرون لأنه معنى وقوله: {أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ} ،فأضرب عن الأول واستفهم كذلك أزيد عندك أم لا؟
والثاني: أنه لو كان الإبصار وعدمه متعادلين لم يكن للبدء بالنفي معنى فلا يصح إلا أن تكون منقطعة
وقد تحتمل المتصلة والمنقطعة كما قال في قوله تعالى: {أَمْ تُرِيدُونَ} قال الواحدي إن شئت جعلت قبله استفهاما رد عليه وهو قوله: {أَلَمْ تَعْلَمْ} وإن شئت منقطعة عما قبلها مستأنفا بها الاستفهام فيكون استفهاما متوسطا في اللفظ مبتدأ في المعنى كقوله تعالى: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ} الآية ثم قال: {أَمْ أَنَا خَيْرٌ} انتهى
والتحقيق ما قاله أبو البقاء إنها هاهنا منقطعة إذ ليس في الكلام همزة تقع موقعها وموقع أم أيهما والهمزة في قوله {أَلَمْ تَعْلَمْ} ليست من أم في شيء والتقدير بل أتريدون أن تسألوا فخرج بـ "أم" من كلام إلى آخر

وقد تكون بمعنى أو كما في قوله تعالى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ أَمْ أَمِنْتُمْ}
وقوله: {أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى}
ومعنى ألف الاستفهام عند أبي عبيد كقوله تعالى: {أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلوا رَسُولَكُمْ} أي تريدون؟
وقوله: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ} وقوله: { أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} ،أي أيحسدون؟
وقوله: {مَا لَنَا لا نَرَى رِجَالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الأَشْرَارِ أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيّاً أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الأَبْصَارُ} أَي زَاغَتْ عَنْهُمُ الأَبْصَارُ؟
وقوله: {أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ} أي أله!
{أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً} أي أتسألهم أجرا؟
وقوله: {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ} قيل: أي أظننت هذا؟ومن عجائب ربك ما هو أعجب من قصة أصحاب الكهف!
وقيل: بمعنى ألف الاستفهام كأنه قال أحسبت؟وحسبت بمعنى الأمر كما تقول لمن تخاطبه: أعلمت أن زيدا خرج بمعنى الأمر أي اعلم أن زيد خرج فعلى هذا التدريج يكون معنى الآية اعلم يا محمد أن أصحاب الكهف والرقيم

وقال أبو البقاء في قوله تعالى: {أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ} تقديره بل أتخذ بهمزة مقطوعة على الإنكار ولو جعلناه همزة وصل لصار إثباتا تعالى الله عن ذلك ولو كانت أم المنقطعة بمعنى بل وحدها دون الهمزة وما بعد بل متحقق فيصير ذلك في الآية متحققا تعالى الله عن ذلك
مسألة في ضرورة تقدم الاستفهام على "أم"
أم لا بد أن يتقدمها استفهام أو ما في معناه والذي في معناه التسوية فإن الذي يستفهم استوى عنده الطرفان ولهذا يسأل وكذا المسئول استوى عنه الأمران
فإذا ثبت هذا فإن المعادلة تقع بين مفردين وبين جملتين والجملتان يكونان اسميتين وفعليتين ولا يجوز أن يعادل بين اسمية وفعلية إلا أن تكون الاسمية بمعنى الفعلية أو الفعلية بمعنى الاسمية كقوله تعالى: {سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ} أي أم صمتم
وقوله: {أَفَلا تُبْصِرُونَ أَمْ أَنَا خَيْرٌ} لأنهم إذا قالوا له أنت خير كانوا عنده بصراء فكأنه قال أفلا تبصرون أم أنتم بصراء؟
قال الصفار: إذا كانت الجملتان موجبتين قدمت أيهما شئت وإن كانت إحداهما منفية أخرتها فقلت أقام زيد أم لم يقم ولا يجوز ألم يقم أم لا ولا سواء على ألم ثم أم قمت لأنهم يقولون سواء على أقمت أم لا يريدون أم لم تقم فيحذفون لدلالة الأول فلا يجوز هذا سواء علي أم قمت لأنه حذف من غير دليل فحملت سائر المواضع المنفية على هذا

قال: فإنه لا بد أن يتقدمها الاستفهام أو التسوية بخلاف أو فإنه يتقدمها كل كلام إلا التسوية فلا تقول سواء علي قمت أو قعدت لأن الواحد لا يكون سواء
مسألة
قال الصفار: ينبغي أن يعلم السؤال أو غير السؤال بـ "أم"
فإذا قلت: أزيد عندك أم عمرو فجواب هذا زيد أو عمرو وجواب أو نعم أولا ولو قلت في جواب الأول نعم أو لا كان محالا لأنك مدع أن أحدهما عنده
فإن قلت: وهل يجوز أن تقول زيد أو عمرو في جواب أقام زيد أو عمرو؟
قلت: يكون تطوعا بما لا يلزم ولا قياس يمنعه
وقال الزمخشري وابن الحاجب: وضع أم للعلم بأحد الأمرين بخلاف أو فأنت مع أم عالم بأن أحدهما عنده مستفهم عن التعيين ومع أو مستفهم عن واحد منهما على حسب ما كان في الخبر فإذا قلت أزيد عندك أو عمرو فمعناه هل واحد منهما عندك ومن ثم كان جوابه نعم أو لا مستقيما ولم يكن ذلك مستقيما في أم لأن السؤال عن التعيين

إذن
نوعان:
الأول: أن تدل على إنشاء السببية والشرط بحيث لا يفهم الارتباط من غيرها نحو أزورك فتقول إذن أكرمك وهي في هذا الوجه عاملة تدخل على الجملة الفعلية فتنصب المضارع المستقبل إذا صدرت ولم تفصل ولم يكن الفعل حالا
والثاني: أن تكون مؤكدة لجواب ارتبط بمقدم أو منبهة على سبب حصل في الحال وهي في الحال غير عاملة لأن المؤكدات لا يعتمد عليها والعامل يعتمد عليه نحو إن تأتني إذن آتك والله إذن لأفعلن ألا ترى أنها لو سقطت لفهم الارتباط
وتدخل هذه على الاسمية نحو أزورك فتقول إن أنا أكرمك
ويجوز توسطها وتأخرها
ومن هذا قوله تعالى: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ} فهي مؤكدة للجواب وتربطه بما تقدم
وذكر بعض المتأخرين لها معنى ثالثا وهي أن تكون مركبة من إذ التي هي ظرف زمن ماض ومن جملة بعدها تحقيقا أو تقديرا لكن حذفت الجملة تخفيفا وأبدل التنوين منها كما في قولهم حينئذ
وليست هذه الناصبة المضارع لأن تلك تختص به وكذلك ما عملت فيه ولا يعمل إلا ما يختص وهذه لا تختص به بل تدخل على الماضي نحو: {وَإِذاً لآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً} {إِذاً لأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الأِنْفَاقِ} و: {إِذاً لأَذَقْنَاكَ}

وعلى الاسم،نحو إن كنت ظالما فإذن حكمك في ماض وقوله تعالى: {وَإِنَّكُمْ إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} ورام بعض النحويين جعلها فيه بمعنى بعد
واعلم أن هذا المعنى لم يذكره النحاة لكنه قياس قولهم إنه قد تحذف الجملة المضاف إليها إذ ويعوض عنها التنوين كيومئذ ولم يذكروا حذف الجملة من إذا وتعويض التنوين عنها
وقال الشيخ أبو حيان: في التذكرة ذكر لي علم الدين البلقيني أن القاضي تقي الدين بن رزين كان يذهب إلى أن إذن عوض من الجملة المحذوفة وليس هذا بقول نحوي انتهى
وقال القاضي ابن الجويني: وأنا أظن أنه يجوز أن تقول لمن قال أنا آتيك إذن أكرمك بالرفع على معنى إذا أتيتني أكرمك فحذف أتيتني وعوض التنوين عن الجملة فسقطت الألف لالتقاء الساكنين
وقال: ولا يقدح في ذلك اتفاق النحاة على أن الفعل في مثل هذا المثال منصوب بـ "إذن" لأنهم يريدون بذلك ما إذا كانت حرفا ناصبا للفعل ولا ينفي ذلك رفع الفعل بعده إذا أريد به إذ الزمانية معوضا عن جملته التنوين كما أن منهم من يجزم ما بعدها نحو من يزرني أكرمه يريد بذلك الشرطية ولا يمنع مع ذلك الرفع بها إذا أريد الموصولة نحو من يزورني أكرمه
قيل: ولو لا قول النحاة إنه لا يعمل إلا ما يختص وإن إذن عاملة في المضارع لقيل إن إذن في الموضعين واحدة وإن معناها تقييد ما بعدها بزمن أو حال لأن

معنى قولهم: أنا أزورك فيقول السامع إذن أكرمك وهو بمعنى قوله أنا أكرمك زمن أو حال أو عند زيارتك لي
ثم عند سيبويه معناها الجواب فلا يجوز أن تقول إذن يقوم زيد ابتداء من غير أن تجيب به أحد
وأما قوله تعالى: {فَعَلْتُهَا إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ} فيحمل على أنه لجواب مقدر،وأنه أجاب بذلك قوله:
{وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ} أي بأنعمنا فأجاب: لم أفعل ذلك كفرا للنعمة كما زعمت بل فعلتها وأنا غير عارف بأن الوكزة تقضي بدليل قراءة بعضهم { وأنا من الجاهلين }

إذا
نوعان ظرف ومفاجأة
فالتي للمفاجأة نحو: خرجت فإذا السبع
وتجيء اسما وحرفا فإذا كانت اسما كانت ظرف مكان وإذا كانت حرفا كانت من حروف المعاني الدالة على المفاجأة كما أن الهمزة تدل على الاستفهام فإذا قلت خرجت فإذا زيد فلك أن تقدر إذا ظرف مكان ولك أن تقدرها حرفا فإن قدرتها حرفا كان الخبر محذوفا والتقدير موجود وإن قدرتها ظرفا كان الخبر وقد تقدم كما تقول عندي زيد فتخبر بظرف المكان عن الجثة والمعنى حيث خرجت فهناك زيد
ولا يجوز أن يكون في هذه الحالة ظرف زمان لامتناع وقوع الزمان خبرا عن الجثة وإذا امتنع أن تكون للزمان تعين أن تكون مكانا وقد اجتمعا في قوله تعالى: {فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} فإذا الأولى ظرفية والثانية مفاجأة
وتجيء ظرف زمان وحق زمانها أن يكون مستقبلا نحو {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}
وقد تستعمل للماضي من الزمان كـ "إذ" كما في قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الأَرْضِ} ،لأن قالوا ماض فيستحيل أن يكون زمانه مستقبلا
ومثله قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ}: {حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ

يُجَادِلُونَكَ} {حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ} {حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ} {حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَاراً} {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْهَا} ،لأن الانفضاض واقع في الماضي
وتجئ للحال كقوله تعالى: { وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى}،: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} والتقدير والنجم هاويا والليل غاشيا والنهار متجليا فـ "إذا" ظرف زمان والعامل فيه استقرار محذوف في موضع نصب على الحال والعامل فيها اقسم المحذوف
وقد استشكل الزمخشري تقدير العامل في ذلك وأوضحه الشيخ أثير الدين فقال: إذا ظرف مستقبل ولا جائز أن يكون العامل فيه فعل القسم المحذوف لأن اقسم إنشائي فهو في الحال وإذا لما يستقبل فيأبى أن يعمل الحال في المستقبل لاختلاف زمان العامل والمعمول ولا جائز أن يكون ثم مضاف أقيم المقسم به مقامه أي وطلوع النجوم ومجيء الليل لأنه معمول لذلك الفعل فالطلوع حال ولا يعمل في المستقبل ضرورة أن زمان العامل زمان المعمول ولا جائز أن يعمل فيه نفس المقسم به لأنه ليس من قبيل ما يعمل ولا جائز أن يقدر محذوف قبل الظرف ويكون قد عمل فيه فيكون ذلك العامل في موضع الحال وتقديره والنجم كائنا إذا هوى والليل كائنا إذا يغشى لأنه يلزم كائنا ألا يكون منصوبا بعامل إذ لا يصح ألا يكون معمولا لشيء مما فرضناه أن يكون عاملا
وأيضا فيكون المقسم به جثة وظروف الزمان لا تكون أحوالا عن الجثث كما لا تكون أخبارا لهن

أما الوجه الأول فهو الذي ذكره أبو البقاء قال في قوله تعالى: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} العامل في الظرف فعل القسم المحذوف تقديره اقسم بالنجم وقت هويه
وما ذكره الشيخ عليه من الإشكال فقد يجاب عنه بوجهين:
أحدهما: أن الزمانين لما اشتركا في الوقوع المحقق نزلا منزلة الزمان الواحد ولهذا يصح عطف أحدهما على الآخر كقوله تعالى: {إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذَلِكَ} ثم قال: {وَيَجْعَلَ}
وهو قريب من جواب الفارسي لما سأله أبو الفتح عن قوله تعالى: {وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ} مستشكلا إبدال إذ من اليوم فقال اليوم حال وظلمتم في الماضي فقال إن الدنيا والآخرة متصلتان وإنهما في حكم الله تعالى سواء فكأن اليوم ماض وكأن إذ مستقبله
والثاني: أنه على ظاهره ولا يلزم ما ذكر لأن الحال كما تأتي مقارنة تأتي مقدرة وهي أن تقدر المستقبل مقارنا فتكون أطلقت ما بالفعل على ما بالقوة مجازا وجعلت المستقبل حاضرا كقوله تعالى: {فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ}
وأما الوجه الثاني فيمكن أن يقال يجوز تقديره وهو العامل ولا يلزم ما قال من اختلاف الزمانين لأنه يجوز الآن أن يقسم بطلوع النجم في المستقبل ويجوز أن يقسم بالشيء الذي سيوجد
وأما الوجه الأخير فهو الذي ذكره ابن الحاجب في شرح المفصل فقال إذا

ثبت إنها لمجرد الظرفية فليست متعلقة بفعل القسم لأنه يصير المعنى اقسم في هذا الوقت فهي إذن في موضع الحال من الليل انتهى
وقد وقع في محذور آخر وهو أن الليل عبارة عن الزمان المعروف فإذا جعلت إذا معمولة لفعل هو حال من الليل لزم وقوع الزمان في الزمان وهو محال وقوله يلزم ألا يكون له عامل
قلنا: بل له عامل وهو فعل القسم ولا يضر كونه إنشاء لما ذكرنا أنها حال مقدرة
وأما الشبهة الأخيرة فقد سألها أبو الفتح فقال كيف جاز لظرف الزمان هنا أن يكون حالا من الجثة وقد علم امتناع كونه صلة له وصفه وخبرا !
وأجاب بأنها جرت مجرى الوقت الذي يؤخر ويقدم وهي أيضا بعيدة لا تنالها أيدينا ولا يحيط علمنا بها في حال نصبها إحاطتنا بما يقرب منها فجرت لذلك مجرى المعدوم
فإن قيل: كيف جاز لظرف الزمان أن يكون حالا من النجم؟
وأجاب: بأن مثل هذا يجوز في الحال من حيث كان فضله انتهى
وقد يقال: ولئن سلمنا الامتناع في الحال أيضا فيكون على حذف مضاف أي وحضور الليل وتجعله حالا من الحضور لا من الجثة
والتحقيق وبه يرتفع الإشكال في هذه المسألة أن يدعي أن إذا كما تجرد عن الشرطية كذلك تجرد عن الظرفية فهي في هذه الآية الشريفة لمجرد الوقت من دون تعلق بالشيء تعلق الظرفية الصناعية وهي مجرورة المحل هاهنا لكونها بدلا عن الليل كما جرت بـ "حتى" في قوله: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا} والتقدير اقسم بالليل وقت

غشيانه أي أقسم بوقت غشيان الليل وهذا واضح
فإن قلت: هل صار أحد إلى تجردها عن الظرفية والشرطية معا؟
قلت: نعم نص عليه في التسهيل فقال وقد تفارقها الظرفية مفعولا بها أو مجرورة بحتى أو مبتدأ
وعلم مما ذكرنا زيادة رابع وهو البدلية
فائدة
وتستعمل أيضا للاستمرار كقوله : {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا}
وقوله: {لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الأَرْضِ}
فهذا فيما مضى لكن دخلت "إذا" لتدل على أن هذا شأنهم أبدا ومستمر فيما سيأتي كما في قوله:
وندمان يزيد الكأس طيبا
سقيت إذا تغورت النجوم
ثم فيه مسائل:
الأولى : المفاجأة عبارة عن موافقة الشيء في حال أنت فيها قال تعالى: {فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ}، وقوله: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ}
قالوا ولا تقع بعد "إذا" المفاجأة إلا الجملة الاسمية وبعد "إذا" إلا الفعل الماضي

ومذهب المبرد وتبعه أكثر المتأخرين أن المفاجأة نقلها إلى المكان عن الزمان ومعنى الآية موافقة الثعبان لإلقاء موسى العصا في المكان وكذلك قولهم خرجت فإذا السبع أي فإذا موافقة السبع وعلى هذا لا يكون مضافا إلى الجملة بعدها
الثانية: الظرفية ضربان ظرف محض وظرف مضمن معنى الشرط
فالأول: نحو قولك راحة المؤمن إذا دخل الجنة
ومنه قوله تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى}
ومنه إذا كنت علي راضية وإذا كنت علي غضبى لأنه لو كان فيها معنى الشرط لكان جوابها معنى ما تقدم ويصير التقدير الأول إذا يغشى أقسم فيفسد المعنى أو يصير القسم متعلقا على شرط لا مطلقا فيؤدي إلى أن يكون القسم غير حاصل الآن وإنما يحصل إذا وجد شرطه وليس المعنى عليه بل على حصول القسم الآن من غير تقييد وكذا حكم {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} {وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ}
ومما يتمحض للظرفية العارية من الشرط قوله: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ}، لأنه لو كان فيها معنى الشرط لوجبت الفاء في جوابها
والضرب الثاني: يقتضي شرطا وجوابا ولهذا تقع الفاء بعدها على حد وقوعها بعد إذ كقوله تعالى: {إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا} وكذا كثر وقوع الفعل بعد ماضي اللفظ مستقبل المعنى نحو إذا جئتني أكرمتك
ومنه إذا قلت لصاحبك أنصت فقد لغوت
وتختص المضمنة معنى الشرط بالفعل،ومذهب سيبويه أنها لا تضاف إلا إلى جملة

فعلية ولهذا إذا وقع بعدها اسم قدر بينه وبينها فعل محافظة على أصلها فإن كان الاسم مرفوعا كان فاعل ذلك الفعل المقدر كقوله تعالى: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} وإن كان منصوبا كان مفعولا والفاعل فيه أيضا ذلك المقدر كقوله
*إذا ابن أبي موسى بلالا بلغته*
والتقدير إذا بلغت
ومنهم من منع اختصاصها بالفعل لجواز إذا زيد ضربته
وعلى هذا فالمرفوع بعدها مبتدأ وهو قول الكوفيين واختاره ابن مالك وعلى القولين فمحل الجملة بعدها الجر بالإضافة والفاعل فيها جوابها وقيل ليست مضافة والعامل فيها الفعل الذي يليها لا جوابها
تنبيه: مما يفرق فيه بين المفاجأة والمجازاة أن إذا التي للمفاجأة لا يبتدأ بها كقوله: {إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} والتي بمعنى المجازاة يبتدأ بها نص عليه سيبويه فقال في الأولى إذا جواب بمنزلة الفاء وإنما صارت جوابا بمنزلة الفاء لأنه لا يبدأ بها كما لا يبدأ بالفاء
قال: ابن النحاس ولكن قد عورض سيبويه بأن الفاء قد تدخل عليها فكيف تكون عوضا منها والجواب أنها إنما تدخل توكيدا وأما قوله تعالى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ} فيحتمل أنها متمحضة الظرفية لعدم الفاء في جوابها

مع ما ويحتمل أن يكون ما جواب قسم مقدر لا جواب الشرط فلذلك لم يجئ بالفاء
الثالثة: جوز ابن مالك أن تجيء لا ظرفا ولا شرطا وهي الداخلة عليها حتى الجارة كقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا} أو الواقعة مفعولا كقوله عليه السلام إني لأعلم إذا كنت علي راضية وكما جاز تجردها عن الشرط جاز تجردها عن الظرف وتحصل أنها تارة ظرف لما يستقبل وفيها معنى الشرط نحو {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} وتارة ظرف مستقبل غير شرط نحو: {وَيَقُولُ الأِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً} وتارة ظرف غير مستقبل نحو: {إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ} وتارة لا ظرف ولا شرط وتارة لا تكون اسم زمان وهي المفاجأة
الرابعة: أصل إذا الظرفية لما يستقبل من الزمان كما أن إذ لما مضى منه ثم يتوسع فيها فتستعمل في الفعل المستمر في الأحوال كلها الحاضرة والماضية والمستقبلة فهي في ذلك شقيقة الفعل المستقبل الذي هو يفعل حيث يفعل به نحو ذلك قالوا إذا استعطي فلان أعطى وإذا استنصر نصر كما قالوا فلان يعطي الراغب وينصر المستغيث من غير قصد إلى تخصيص وقت دون وقت قال الزمخشري في كشافة القديم
الخامسة : تجاب الشرطية بثلاثة أشياء:

أحدها: الفعل نحو إذا جئتني أكرمتك
وثانيها : الفاء نحو إذا جئتني فأنا أكرمك
وثالثها: "إذا" المكانية قال تعالى: {ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ} ،وقوله: {حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ}
وما قبلها إما جوابها نحو إذا جئتني أكرمتك أو ما دل عليه جوابها كقوله تعالى: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ} والمعنى فإذا نفخ في الصور تقاطعوا ودل عليه قوله: {فَلا أَنْسَابَ}
وكذا قوله: {يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ} وإنما احتيج لهذا التقدير لأن ما بعد ما النافية في مثل هذا الموضع لا يعمل فيه ما قبلها وأيضا فإن بشرى مصدر والمصدر لا يتقدم عليه ما كان في صلته
ومن ذلك قوله: {إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ} فالعامل في إذا الأولى ما دل عليه
{إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ} والتقدير خرجتم ولا يجوز أن يعمل فيه تخرجون لامتناع أن يعمل ما بعد إذا المكانية فيما قبلها وحكمها في ذلك حكم الفاء
ومنه قوله تعالى: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ} فالعامل في إذا ما دل عليه قوله: {فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ} والتقدير فإذا نقر في الناقور صعب الأمر
وقوله: {هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ} فالعامل

في إذا ما دل عليه قوله تعالى: {إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} من معنى بعثتم أو مبعوثون
فإن قيل: أيجوز نصب إذا بقوله جديد لأن المعنى عليه؟
قيل: لا يجوز لامتناع أن يعمل ما بعد إن فيما قبلها وهذا يسمى مجاوبة الإعراب والمعنى للشيء الواحد وكان أبو علي الفارسي يلم به كثيرا وذلك أنه يوجد في المنظوم والمنثور والمعنى يدعو إلى أمر والإعراب يمنع منه وقد سبق بيانه في نوع ما يتعلق بالإعراب
السادسة: إذا توافق إن في بعض الأحكام وتخالفها في بعض:
فأما الموافقة فهي أن كل واحد منهما يطلب شرطا وجزاء نحو إذا قمت قمت وإذا زرتني أكرمتك
وكل واحدة منهما تطلب الفعل فإن وقع الاسم بعد واحدة منهما قدر له فعل يرفعه يفسره الظاهر مثاله في إن قوله تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ} {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ} وقوله: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} ومثاله في إذا قوله تعالى: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} و{إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} وما بعدها في السورة من النظائر وكذا قوله: {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ} وما بعدها من النظائر و{إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ} وأما الأحكام التي تخالفها ففي مواضع:

الأول: إلا تدخل إلا على مشكوك نحو إن جئتني أكرمتك ولا يجوز إن طلعت الشمس آتيك لأن طلوع الشمس متيقن ثم إن كان المتيقن الوقوع مبهم الوقت جاز كقوله تعالى {أَفَإِنْ مِتَّ} ونظائره
وأما إذا فظاهر كلام النجاة يشعر بأنها لا تدخل إلا على المتيقن وما في معناه نحو إذا طلعت الشمس فأتني وقوله:
إذا مت فادفني إلى جنب كرمة
تروي عظامي بعد موتي عروقها
وقوله
*إذا طلعت شمس النهار فسلمي*
وذلك لكونها للزمن المعين بالإضافة على مذهب الأكثر ولم يجزموا بها في الاختيار لعدم إبهامها كالشروط ولذلك وردت شروط القرآن بها كقوله: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} ونظائرها السابقة لكونها متحققة الوقوع
وأما قوله تعالى: {وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلاً} فقد أشكل دخولها على غير الواقع
وأجيب بأن التبديل محتمل وجهين:
أحدهما: إعادتهم في الآخرة لأنهم أنكروا البعث

والثاني: إهلاكهم في الدنيا وتبديل أمثالهم فيكون كقوله: {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ} فإن كان المراد في الدنيا وجب أن يجعل هذا بمعنى إن الشرطية لأن هذا شيء لم يكن فهي مكان إن لأن الشرط يمكن أن يكون وألا يكون ألا ترى إلى ظهورها في قوله تعالى: {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ} {إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الأَرْضَ} وإنما أجاز لـ "إذا" أن تقع موقع إن لما بينهما من التداخل والتشابه
وقال: ابن الجويني الذي أظنه أنه يجوز دخولها على المتيقن والمشكوك لأنها ظرف وشرط فبالنظر إلى الشرط تدخل على المشكوك كـ "إن" وبالنظر إلى الظرف تدخل على المتيقن كسائر الظروف
وإنما اشترط فيما تدخل عليه إن أن يكون مشكوكا فيه لأنها تفيد الحث على الفعل المشروط لاستحقاق الجزاء ويمتنع فيه لامتناع الجزاء وإنما يحث على فعل ما يجوز ألا يقع أما ما لابد من وقوعه فلا يحث عليه وإنما امتنع دخول إذا على المشكوك إذا لحظت فيها الظرفية لأن المعنى حينئذ التزام الجزاء في زمان وجود الشرط والتزام الشيء في زمان لا يعلم وجود شرط فيه ليس بالتزام ولما كان الفعل بعد إن مجزوما به يستعمل فيه ما ينبئ عن تحققه فيغلب لفظ الماضي كقوله: {فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ} فجيء بـ "إذا" في جانب الحسنة وبـ "إن" في جانب السيئة لأن المراد بالحسنة جنس الحسنة ولهذا عرفت وحصول الحسنة المطلقة مقطوع به فاقتضت البلاغة التعبير بـ "إذا" وجيء بـ "إن" في جانب السيئة لأنها نادرة بالنسبة إلى الحسنة المطلقة كالمرض بالنسبة إلى الصحة والخوف بالنسبة إلى الأمن

ومنه قوله تعالى في سورة الروم: {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} وقوله: {فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ} وأما قوله تعالى: {وَإِذَا مَسَّ الأِنْسَانَ ضُرٌّ} بلفظ إذا مع الضر فقال السكاكي نظر في ذلك إلى لفظ المس وتنكير الضر المفيد للتعليل ليستقيم التوبيخ وإلى الناس المستحقين أن يلحقهم كل ضرر وللتنبيه على أن مس قدر يسير من الضر لأمثال هؤلاء حقه أن يكون في حكم المقطوع به
وأما قوله تعالى: {وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ} بعد قوله: {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الأِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ} أي أعرض عن الشكر وذهب بنفسه وتكبر والذي تقتضيه البلاغة أن يكون الضمير للمعرض المتكبر لا المطلق الإنسان ويكون لفظ إذا للتنبيه على أن مثل هذا المعرض المتكبر يكون ابتلاؤه بالشر مقطوعا
الثاني: من الأحكام المخالفة أن المشروط بـ "إن" إذا كان عدما لم يمتنع الجزاء في الحال حتى يتحقق اليأس من وجوده ولو كان العدم مشروطا بـ "إذا" وقع الجزاء في الحال مثل إن لم أطلقك فأنت طالق لم تطلق إلا في آخر العمر وإذا قال إذا لم أطلقك فأنت طالق تطلق في الحال لأن معناه أنت طالق في زمان عدم تطليقي لك فأي زمان تخلف عن التطليق يقع فيه الطلاق وقوله: إن لم أطلقك تعليق للطلاق على امتناع الطلاق ولا يتحقق ذلك إلا بموته غير مطلق
الثالث: أن إن تجزم الفعل المضارع إذا دخلت عليه وإذا لا تجزمه لأنها لا تتمحض شرطا بل فيها معنى التزام الجزاء في وقت الشرط من غير وجوب أن يكون معللا بالشرط

وقد جاء الجزم بها إذا أريد بها معنى إن وأعرض عما فيها من معنى الزمان كقوله
*وإذا تصبك خصاصة فتجمل*
الرابع: أن إذا هل تفيد التكرار والعموم
فيه قولان حكاهما ابن عصفور:
أحدهما: نعم فإذا قلت: إذا قام زيد قام عمرو أفادت أنه كلما قام زيد قام عمرو
والثاني: لا يلزم
قال: والصحيح أن المراد بها العموم كسائر أسماء الشرط وأما إن ففيها كلام عن ابن جني يأتي في باب إن
الخامس: أنك تقول: أقوم إذا قام زيد فيقتضي أن قيامك مرتبط بقيامه لا يتقدم عليه ولا يتأخر عنه بل يعاقبه على الاتصال بخلاف أقوم إن قام زيد فيقتضي أن قيامك بعد قيامه وقد يكون عقبه وقد يتأخر عنه
فالحاصل أن التقييد بالاستقبال دون اقتضاء مباعدة بخلاف إذا ذكره أبو جعفر ابن الزبير في كتابه ملاك التأويل
السابعة: قيل: قد تأتي زائدة كقوله: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} تقديره انشقت السماء كما قال: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ}،{أَتَى أَمْرُ اللَّهِ}
ورد هذا بأن الجواب مضمر

ويحوز مجيئها بمعنى إذ وجعل منه ابن مالك قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً}
ورد بفوات المعنى لأن إذا تفيد أن هذا حالهم المستمر بخلاف إذ فإنها لا تعطي ذلك
وقولهم: إذا فعلت كذا فيكون على ثلاثة أضرب:
أحدها: يكون المأمور به قبل الفعل تقول إذا أتيت الباب فالبس أحسن الثياب ومنه قوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ}
الثاني: أن يكون مع الفعل كقولك إذا قرأت فترسل
الثالث: أن يكون بعده كقوله تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا}
فائدة
من الأسئلة الحسنة في قوله تعالى: {كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا} أنه يقال: لم أتى قبل أضاء بـ "كلما"؟
وقبل أظلم بـ "إذا" وما وجه المناسبة في ذلك؟
وفيه وجوه: الأول أن تكرار الإضاءة يستلزم تكرار الإظلام فكان تنويع الكلام أعذب

الثاني: أن مراتب الإضاءة مختلفة متنوعة فذكر كلما تنبيها على ظهور التعدد وقوته لوجوده بالصورة والنوعية والإظلام نوع واحد فلم يؤت بصيغة التكرار لضعف التعدد فيه بعد ظهوره بالنوعية وإن حصل بالصورة
الثالث: قاله الزمخشري وفيه تكلف أنهم لما اشتد حرصهم على الضوء المستفاد من النور كانوا كلما حدث لهم نور تجدد لهم باعث الضوء فيه لا يمنعهم من ذلك تقدم فقده واختفاؤه منهم وأما التوقف بالظلام فهو نوع واحد
وهذا قريب من الجواب الثاني لكنه بمادة أخرى ويفترقان بأن جواب الزمخشري يرجع التكرار فيه إلى جواب كلما لا إلى مشروطها الذي يليها ويباشرها فطلب تكراره وهو الأولى في مدلول التكرار والجواب المتقدم يرجع إلى تكرار مشروطها يتبعه الجواب من حيث هو ملزومه وتكرره فرع تكرر الأول
الرابع: أن إضاءة البرق منسوبة إليه وإظلامه ليس منسوبا إليه لأن إضاءته هي لمعانه والظلام أمر يحدث عن اختفائه فتظلم الأماكن كظلام الأجرام الكثائف فأتى بأداة التكرار عند الفعل المتكرر من البرق وبالأداة التي لا تقتضي التكرار عند الفعل الذي ليس متكررا منه ولا صادرا عنه
الخامس: ذكره ابن المنير أن المراد بإضاءة البرق الحياة وبالظلام الموت فالمنافق تمر حاله في حياته بصورة الإيمان لأنها دار مبنية على الظاهر فإذا صار إلى الموت رفعت له أعماله وتحقق مقامه فتستقيم كلما في الحياة وإذا في الممات وهكذا كقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اللهم أحيني ما دامت الحياة خيرا لي وأمتني إذا كانت الوفاة خيرا لي" فاستعمل مع الحياة لفظ التكرار والدوام واستعمل مع لفظ الوفاة لفظ الاختصار والتقييد

وقيل: إن ذلك لأحد معنيين إما لأن الحياة مأثورة لازدياد العمل الصالح الذي الهمم العالية معقودة به فعرض بالاستكثار منه والدوام عليه ونبه على أن الموت لا يتمنى ولكن إذا نزل وقته رضي به وأما لأن الحياة يتكرر زمانها وأما الموت مرة واحدة.
وجواب آخر أن الكلام في الأنوار هو الأصل المستمر وأما خفقان البرق في أثناء ذلك فعوارض تتصل بالحدوث والتكرار فناسب الإتيان فيها بكلما وفي تلك بـ "إذا" والله أعلم

إذ
ظرف لماضي الزمان يضاف للجملتين كقوله تعالى: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ} وتقول أيدك الله إذ فعلت؟ وأما قوله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ} فـ "ترى" مستقبل وإذ ظرف للماضي وإنما كان كذلك لأن الشيء كائن وإن لم يكن بعد وذلك عند الله قد كان لأن علمه به سابق وقضاءه به نافذ فهو كائن لا محالة
وقيل: المعنى ولو ترى ندمهم وخزيهم في ذلك اليوم بعد وقوفهم على النار فـ "إذ" ظرف ماضي لكن بالإضافة إلى ندمهم الواقع بعد المعاينة فقد صار وقت التوقف ماضيا بالإضافة إلى ما بعده والذي بعده هو مفعول ترى
وأجاز بعضهم مجيئها مفعولا به كقوله: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ} ومنعه آخرون وجعلوا المفعول محذوفا وإذ ظرف عامله ذلك المحذوف والتقدير: {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} إذاً واذكروا حالكم
ونحوه قوله: {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى} قيل: قال: له ذلك لما رفعه إليه
وتكون بمعنى حين كقوله: {وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ} أي حين تفيضون فيه
وحرف تعليل نحو {وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ} {وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ}
وقيل: تأتي ظرفا لما يستقبل بمعنى إذا وخرج عليه بعض ما سبق.
وكذا قوله: {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ إِذِ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ} وأنكره السهيلي لأن إذا لا يجيء بعدها المضارع مع النفي

وقد تجيء بعد القسم كقوله: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ} لانعدام معنى الشرطية فيه
وقيل تجيء زائدة نحو: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ} وقيل هي فيه بمعنى قد
وقد تجيء بمعنى أن حكاه السهيلي في الروض عن نص سيبويه في كتابه قال ويشهد له قوله تعالى: {بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}
وعليه يحمل قوله تعالى: {وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} قال وغفل الفارسي عما في الكتاب من هذا وجعل الفعل المستقبل الذي بعد لن عاملا في الظرف الماضي فصار بمنزلة من يقول سآتيك اليوم أمس
قال: وليت شعري ما تقول في قوله تعالى: {وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ} فإن جوز وقوع الفعل في الظرف الماضي على أصله فكيف يعمل ما بعد الفاء فيما قبلها لاسيما مع السين وهو قبيح أن تقول غدا سآتيك فكيف إن قلت غدا فسآتيك فكيف إن زدت على هذا وقلت أمس فسآتيك وإذا على أصله بمعنى أمس
تنبيه في وقوع إذ بعد واذكر
حيث وقعت إذ بعد واذكر فالمراد به الأمر بالنظر إلى ما اشتمل عليه ذلك الزمان لغرابة ما وقع فيه فهو جدير بأن ينظر فيه وقد أشار إلى هذا الزمخشري في قوله تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ}
وقوله: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّاً ِذْ قَالَ لأَبِيهِ} ونظائره

أو
تقع في الخبر والطلب فأما في الخبر فلها فيه معان
الأول: الشك نحو قام زيد أو عمرو
الثاني: الإبهام وهو إخفاء الأمر على السامع مع العلم به كقوله تعالى: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً}
وقوله: {أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً} ،يريد إذا أخذت الأرض زخرفها وأخذ أهلها الأمن أتاها أمرنا وهم لا يعلمون أي فجأة فهذا إبهام لأن الشك محال على الله تعالى
وقوله: {إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ}
فإن قلت: يزيدون فعل ولا يصح عطفه على المجرور بـ "إلى" فإن حرف الجر لا يصح تقديره على الفعل ولذلك لا يجوز مررت بقائم ويقعد على تأويل قائم وقاعد
قلت: يزيدون خبر مبتدأ محذوف في محل رفع والتقدير أوهم يزيدون قاله ابن جني في المحتسب
وجاز عطف الاسمية على الفعلية بـ "أو" لاشتراكهما في مطلق الجملة
فإن قلت: فكيف تكون أو هنا لأحد الشيئين والزيادة لا تنفك عن المزيد عليه؟

قلت: الأمر كذلك ولهذا قدروا في المبتدأ ضمير المائة ألف والتقدير وأرسلناك إلى مائة ألف معها زيادة ويحتمل أن تكون على بابها للشك وهو بالنسبة إلى المخاطب أي لو رأيتموهم لعلمتم أنهم مائة ألف أو يزيدون
الثالث: التنويع كقوله تعالى: {فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} أي أن قلوبهم تارة تزداد قسوة وتارة ترد إلى قسوتها الأولى فجيء بـ "أو" لاختلاف أحوال قلوبهم
الرابع: التفصيل كقوله: {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى} ،أي قالت اليهود: لا يدخل الجنة إلا من كان هودا وقالت النصارى لن يدخل الجنة إلا الذين هم نصارى وكذلك قوله: {كُونُوا هُوداً أَوْ نَصَارَى}
الخامس: للإضراب كـ "بل" كقوله: {كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ} و{مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} على حد قوله: {قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى}
السادس: بمعنى الواو كقوله: {فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْراً عُذْراً أَوْ نُذْراً}
{لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}
{لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً}
وأما في الطلب فلها معان:
الأول: الإباحة نحو تعلم فقها أو نحوا كقوله تعالى {وَلا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ} الآية وكذلك قوله: {كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} يعني إن شبهت قلوبهم بالحجارة فصواب أو بما هو أشد فصواب

وقوله: {كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً} {أَوْ كَصَيِّبٍ}
والمعنى أن التمثيل مباح في المنافقين إن شبهتموهم بأي النوعين
قوله: {لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} إباحة لإيقاع أحد الأمرين
الثاني: التخيير نحو خذ هذا الثوب أو ذاك ومنه قوله تعالى: { فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّمَاءِ} الآية فتقديره فافعل كأنه خير على تقدير الاستطاعة أن يختار أحد الأمرين لأن الجمع بينهما غير ممكن
والفرق بينهما أن التخيير فيما أصله المنع ثم يرد الأمر بأحدهما لا على التعيين ويمتنع الجمع بينهما وأما الإباحة فأن يكون كل منهما مباحا ويطلب الإتيان بأحدهما ولا يمتنع من الجمع بينهما وإنما يذكر بـ "أو" لئلا يوهم بأن الجمع بينهما هو الواجب لو ذكرت الواو ولهذا مثل النحاة الإباحة بقوله تعالى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} وقوله: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} لأن المراد به الأمر بأحدهما رفقا بالمكلف فلو أتى بالجمع لم يمنع منه بل يكون أفضل
وأما تمثيل الأصوليين بآيتي الكفارة والفدية للتخيير مع إمكان الجمع فقد أجاب عنه صاحب البسيط بأنه إنما يمتنع الجمع بينهما في المحظور لأن أحدهما ينصرف إليه الأمر والآخر يبقى محظورا لا يجوز له فعله ولا يمتنع في خصال الكفارة لأنه يأتي بما عدا الواجب تبرعا ولا يمنع من التبرع
واعلم أنه إذا ورد النهي عن الإباحة جاز صرفه إلى مجموعهما وهو ما كان يجوز فعله أو إلى أحدهما وهو ما تقتضيه أو

وأما قوله تعالى: {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً} فليس المراد منه النهي عن إطاعة أحدهما دون الآخر بل النهي عن طاعتهما مفردين أو مجتمعين وإنما ذكرت أو لئلا يتوهم أن النهي عن طاعة من اجتمع فيه الوصفان
وقال ابن الحاجب: استشكل قوم وقوع أو في النهي في هذه الآية فإنه لو انتهى عن أحدهما لم يتمثل ولا يعد يمتثل إلا بالانتهاء عنهما جميعا
فقيل: إنها بمعنى الواو والأولى أنها على بابها وإنما جاء التعيين فيها من القرينة لأن المعنى قبل وجود النهي تطيع آثما أو كفورا أي واحدا منهما فإذا جاء النهي ورد على ما كان ثابتا في المعنى فيصير المعنى ولا تطع واحدا منهما فيجيء التعميم فيهما من جهة النهي الداخل وهي على بابها فيما ذكرناه لأنه لا يحصل الانتهاء عن أحدهما حتى ينتهي عنهما بخلاف الإثبات فإنه قد يفعل أحدهما دون الآخر قال فهذا معنى دقيق يعلم منه أن أو في الآية على بابها وأن التعميم لم يجئ منها وإنما جاء من جهة المضموم إليها انتهى
ومن هذا وإن كان خبرا قوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} لأن الميراث لا يكون إلا بعد إنفاذ الوصية والدين وجد أحدهما أو وجدا معا
وقال أبو البقاء في اللباب: إن اتصلت بالنهي وجب اجتناب الأمرين عند النحويين كقوله تعالى: {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً} ولو جمع بينهما لفعل المنهي عنه مرتين لأن كل واحد منهما أحدهما
وقال: في موضع آخر مذهب سيبويه أن أو في النهي نقيضية أو في الإباحة

فقولك: جالس الحسن أو ابن سيرين إذن في مجالستهما ومجالسة من شاء منهما فضده في النهي لا تطع منهم آثما أو كفورا أي لا تطع هذا ولا هذا والمعنى لا تطع أحدهما ومن أطاع منهما كان أحدهما فمن ها هنا كان نهيا عن كل واحد منهما ولو جاء بالواو في الموضعين أو أحدهما لأوهم الجمع
وقيل: أو بمعنى الواو لأنه لو انتهى عن أحدهما لم يعد ممتثلا بالانتهاء عنهما جميعا
قال الخطيبي: والأولى أنها على بابها وإنما جاء التعميم فيها من النهي الذي فيه معنى النفي والنكرة في سياق النفي تعم لأن المعنى قبل وجود النهي تطيع آثما أو كفورا أي واحدا منهما فالتعميم فيهما فإذا جاء النهي ورد على ما كان ثابتا فالمعنى لا تطع واحدا منهما فسمى التعميم فيهما من جهة النهي وهي على بابها فيما ذكرناه لأنه لا يحصل الانتهاء عن أحدهما حتى ينتهي عنهما بخلاف الإثبات فإنه قد ينتهي عن أحدهما دون الآخر
تنبيهان
الأول: روى البيهقي في سننه في باب الفدية بغير النعم عن ابن جريج قال كل شيء في القرآن فيه أو للتخيير إلا قوله تعالى: {أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا} ليس بمخير فيهما
قال الشافعي: وبهذا أقول
والثاني: من أجل أن مبناها على عدم التشريك أعاد الضمير إلى مفرديها بالإفراد

بخلاف الواو وأما قوله تعالى: {إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا} فقد قيل: إن أو بمعنى الواو ولهذا قال: {بِهِمَا} ولو كانت لأحد الشيئين لقيل به وقيل على بابها ومعنى{ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً}إن يكن الخصمان غنيين أو فقيرين أو منهما أي الخصمين على أي حال كان لأن ذلك ذكر عقيب قوله: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ} يشير للحاكم والشاهد وذلك يتعلق باثنين
وقيل: الأولوية المحكوم بها ثابتة للمفردين معا نحو جاءني زيد أو عمرو ورأيتهما فالضمير راجع إلى الغني والفقير المعلومين من وجوه الكلام فصار كأنه قيل فالله أولى بالغني والفقير
ويستعمل ذلك المذكور وغيره ولو قيل فالله أولى به لم يشمله ولأنه لما لم يخرج المخلوقون عن الغنى والفقر صار المعنى افعلوا ذلك لأن الله أولى ممن خلق ولو قيل أولى به لعاد إليه من حيث الشهادة فقط

إن المكسورة الخفية
ترد لمعان
الأول: الشرطية وهو الكثير نحو: {إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً} {إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ}
ثم الأصل في عدم جزم المتكلم بوقوع الشرط كقوله: {إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ} وعيسى جازم بعدم وقوع قوله
وقد تدخل على المتيقن وجوده إذا أبهم زمانه كقوله: {أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ}
وقد تدخل على المستحيل نحو: {إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ}
ومن أحكامها أنها للاستقبال وأنها تخلص الفعل له وإن كان ماضيا كقولك إن أكرمتني أكرمتك ومعناه إن تكرمني وأما قولهم إن أكرمتني اليوم فقد أكرمتك أمس وقوله: {إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ} ،فقيل: معنى أكرمتني اليوم يكون سبب للإخبار بذلك
وإن ثبت كان قميصه قد من قبل يكون سببا للإخبار بذلك
قاله ابن الحاجب وهي عكس لو فإنها للماضي وإن دخلت على المضارع
مسألة
إن دخلت "إن" على لم يكن الجزم بـ"لم" لا بها كقوله تعالى: {وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا}

{فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا} وإن دخلت على لا كان الجزم بها لا بـ"لا" كقوله تعالى: {وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي}
والفرق بينهما أن لم عامل يلزم معموله ولا يفرق بينهما بشيء وإن يجوز أن يفرق بينهما وبين معمولها معمول معمولها نحو إن زيدا يضرب أضربه
وتدخل أيضا على الماضي فلا تعمل في لفظه ولا تفارق العمل وأما لا فليست عاملة في الفعل فأضيف العمل إلى إن
الثاني: بمنزلة لا وتدخل على الجملة الاسمية كقوله في الأنعام: {إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا} ،بدليل ما في الجاثية: {مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا}
وقوله: {إِنْ أَنْتَ إِلاَّ نَذِيرٌ}
{إِنِ الْكَافِرُونَ إِلاَّ فِي غُرُورٍ}
{إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ}
{إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ اللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ}
{إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً}
{إِنْ نَحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ}
{إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنَا}
وعلى الجملة الفعلية نحو: {إِنْ أَرَدْنَا إِلا الْحُسْنَى}

{إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً}
{إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثاً}
{وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً}
{إِنْ كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً}
{بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}
وزعم بعضهم أن شرط النافية مجيء إلا في خبرها كهذه الآيات أو لما التي بمعناها كقراءة بعضهم: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} بتشديد الميم أي ما كان نفس إلا عليها حافظ
{وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ}
{وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}
ورد بقوله: {وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ}
{وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ}
{إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ}
{بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}
وأما قوله: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ} فالتقدير وإن أحد من أهل الكتاب

وأما قوله: {وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ} فالأولى شرطية والثانية نافية جواب للقسم الذي أذنت به اللام الداخلة على الأولى وجواب الشرط محذوف وجوبا
واختلف في قوله: {وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ} فقال الزمخشري وابن الشجري إن نافية أي فيما ما مكناكم فيه إلا أن إن أحسن في اللفظ لما في مجامعة مثلها من التكرار المستبشع ومثله يتجنب قالا ويدل على النفي قوله تعالى: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ} وحكى الزمخشري أنها زائدة قال والأول أفخم
وقال ابن عطية ما بمعنى الذي وإن نافية وقعت مكان ما فيختلف اللفظ ولا تتصل ما بـ "ما" والمعنى لقد أعطيناهم من القوة والغنى ما لم نعطكم ونالهم بسبب كفرهم هذا العقاب فأنتم أحرى بذلك إذا كفرتم
وقيل إن شرطية والجواب محذوف أي الذي إن مكناكم فيه طغيتم
وقال وهذا مطرح في التأويل
وعن قطرب أنها بمعنى قد حكاه ابن الشجري
ويحتمل النكرة الموصوفة
واعلم أن بعضهم أنكر مجيء النافية وقال في الآيات السابقة إن ما محذوفة والتقدير ما إن الكافرون إلا في غرور ما إن تدعون ما إن أدري ونظائرها كما قال الشاعر:

وما إن طبنا جبن ولكن
منايانا ودولة آخرينا
فحذفت ما اختصارا كما حذف لا في {تَاللَّهِ تَفْتَأُ}
الثالث: مخففة من الثقيلة فتعمل في اسمها وخبرها ويلزم خبرها اللام كقوله تعالى: {وَإِنَّ كُلاً لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ}
ويكثر إهمالها،نحو: {وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} {وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ} {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} ، في قراءة من خفف لما أي أنه كل نفس لعليها حافظ
الرابع: للتعليل بمعنى إذ عند الكوفيين كقوله: {وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} قال بعضهم لم يخبرهم بعلوهم إلا بعد إن كانوا مؤمنين
وقوله: {اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}
قالبعضهم: لو كانت للخبر لكان الخطاب لغير المؤمنين
وكذا: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ} ونحوه مما الفعل في محقق الوقوع والبصريون يمنعون ذلك وهو التحقيق كالمعنى مع "إذا"
وأجابوا عن دخولها في هذه المواطن لنكته وهي أنه من باب خطاب التهييج نحو إن كنت ولدي فأطعمني

وأما قوله: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} فالاستثناء مع تحقق الدخول تأدبا بأدب الله في المشيئة والاستثناء من الداخلين لا من الرؤيا لأنه كان بين الرؤيا وتصديقها سنة ومات بينهما خلق كثير فكأنه قال كلكم إن شاء الله
الخامس: بمعنى "لقد" في قوله: {إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ} أي لقد كنا
{إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً}
و{تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ}
{تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ}
فائدة
ادعى ابن جني في كتاب القد أن إن الشرطية تفيد معنى التكثير لما كان في هذا الشياع والعموم لأنه شائع في كل مره ويدل لذلك دخولها على أحد التي لا يستعمل إلا في النفي العام كقوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} لأنه ليس في واحد يقتصر عليه فلذلك أدخل عليه أحد الذي لا يستعمل في الإيجاب
قال: يجوز أن تكون أحد هنا ليست التي للعموم بل بمنزلة أحد من

أحد وعشرين ونحوه إلا أنه دخله معنى العموم لأجل إن كما في قوله: {وَإِنِ امْرَأَةٌ} {إِنِ امْرُؤٌ}
تنبيه
قيل: قد وقع في القرآن الكريم إن بصيغة الشرط وهو غير مراد في مواضع:
{وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً}
وقوله: {وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}
وقوله: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِباً فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ}،
وقوله: {أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ}
وقوله: {إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ}
وقد يقال أما الأولى فيمتنع النهي عن إرادة التحصن فإنهن إذا لم يردن التحصن يردن البغاء والإكراه على المراد ممتنع:
وقيل: إنها بمعنى إذا لأنه لا يجوز إكراههن على الزنا إن لم يردن التحصن أو هو شرط مقحم لأن ذكر الإكراه يدل عليه لأنهن لا يكرهنهن إلا عند إرادة التحصين وفائدة إيجابه المبالغة في النهي عن الإكراه فالمعنى إن أردن العفة فالمولى أحق بإرادة ذلك.

وأما الرابعة فهو يشعر بالإتمام ولا نسلم أن الأصل الإتمام وقد قالت عائشة رضي الله عنها فرضت الصلاة ركعتين فأقرت صلاة السفر وزيدت صلاة الحضر وأما البواقي فظاهر الشرط ممتنع فيه بدليل التعجب المذكور لكنه لا يمنع مخالفة الظاهر لعارض

أن المفتوحة الهمزة الساكنة النون
ترد لمعان:
الأول: حرفا مصدريا ناصبا للفعل المضارع وتقع معه في موقع المبتدأ والفاعل والمفعول والمضاف إليه
فالمبتدأ يكون في موضع رفع،نحو: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ}
{وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ} {وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ}
{وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}
والفاعل كقوله تعالى: {مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا}
{أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَا}
{وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قَالُوا} في قراءة من نصب جواب
وتقع معه موقع المفعول به فيكون في موضع نصب نحو: {وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى}
{يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ} {فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا}

{وَأُمِرْتُ لأَنْ أَكُونَ}
وقوله: {فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ}
{يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ}
{إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ} ،معناه بأن أنذر فلما حذفت الباء تعدى الفعل فنصب
ومنه في أحد القولين: {إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ} نصب على البدل من قوله: {مَا أَمَرْتَنِي بِهِ}
والمضاف إليه فيكون في موضع جر كقوله: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ}،{قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا} أي من قبل إتيانك
وإنما لم ينصب في قوله تعالى: {أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَا} وإن كان المعنى لوحينا لأن الفعل بعدها لم يكن مستحقا للإعراب ولا يستعمل إلا أن تعمل فيه العوامل
وقد يعرض لـ "أن" هذه حذف حرف الجر كقوله تعالى: {الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا}
أي بأن يقولوا كما قدرت في قوله تعالى: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ} أي بأن لهم ومذهب سيبويه أنها في موضع نصب ونفاها الخليل على أصل الجر
وتقع بعد عسى فتكون مع صلتها في تأويل مصدر منصوب إن كانت ناقصة نحو عسى زيد أن يقوم

ومثله: {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ}
وتكون في تأويل مصدر مرفوع إن كانت تامة كقولك عسى أن ينطلق زيد ومثله: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً}
الثاني: مخففة من الثقيلة فتقع بعد فعل اليقين وما في معناه ويكون اسمها ضمير الشأن وتقع بعدها الجملة خبرا عنها نحو: {أَفَلا يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً}
{عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى}
{وَحَسِبُوا أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ}
{وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ}
{وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا}
{وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}
وجعل ابن الشجري منه: {وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ} ،أي أنه يا إبراهيم
الثالث: مفسرة بمنزلة أي التي لتفسير ما قبلها بثلاثة شروط تمام ما قبلها من الجملة وعدم تعلقها بما بعدها وأن يكون الفعل الذي تفسره في معنى القول كقوله تعالى: {وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ} {فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا} {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ}

قال ابن الشجري: تكون هذه في الأمر خاصة وإنما شرط مجيئها بعد كلام تام لأنها تفسير ولا موضع لها من الإعراب لأنها حرف يعبر به عن المعنى
وخرج بالأول: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} لأن الكلام لم يتم فإن ما قبلها مبتدأ وهي في موضع الخبر ولا يمكن أن تكون ناصبة لوقوع الاسم بعدها بمقتضى أنها المخففة من الثقيلة
وأما قوله تعالى: {وَانْطَلَقَ الْمَلأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا} فقيل إنها مفسرة لأن الانطلاق متضمن لمعنى القول
وقال: الخليل يريدون أنهم انطلقوا في الكلام بهذا وهو امشوا أي اكثروا يقال أمشى الرجل ومشى إذا كثرت ماشيته فهو لا يريد انطلقوا بالمشي الذي هو انتقال إنما يريد قالوا هذا
وقيل: عبارة عن الأخذ في القول فيكون بمنزلة صريحة وأن مفسرة وقيل مصدرية
فإن قيل: قد جاءت بعد صريح القول كقوله تعالى: {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ}
قلنا لا دلالة فيه لاحتمال أنها مصدرية
وقال الصفار: لا تتصور المصدرية هنا بمعنى إلا عبادة الله لأن القول لا يقع بعده المفرد إلا أن يكون هو المقول بنفسه أو يكون في معنى المقول نحو قلت خبرا وشعرا لأنهما في معنى الكلام أو يقول قلت زيدا أي هذا اللفظ وهذا لا يمكن في الآية لأنهم لم يقولوا هذه العبارة فثبت أنها تفسيرية أي اعبدوا الله

وقال السيرافي: ليست أن تفسيرا للقول بل للقول بل للأمر لأن فيه معنى القول فلو كان ما قلت لهم إلا ما قلت لي أن اعبدوا الله لم يجز لذكر القول
الرابع: زائدة وتكون بعد لما التوقيتية كقوله تعالى في سورة العنكبوت ولما أن جاءت رسلنا لوطا
بدليل قوله: في سورة هود: {وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً} فجاء فيها على الأصل
وأما قوله: {فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ} فجيء بـ "إن" ولم يأت على الأصل من الحذف لأنه لما كان مجيء البشير إلى يعقوب عليه السلام بعد طول الحزن وتباعد المدة ناسب ذلك زيادة أن لما في مقتضى وصفها من التراخي
وذهب الأخفش إلى أنها قد تنصب الفعل وهي مزيدة كقوله تعالى: {وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} {وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنْفِقُوا} وأن في الآيتين زائدة بدليل: {وَمَا لَنَا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ}
الخامس : شرطية في قول الكوفيين كقوله: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ}
قالوا: ولذلك دخلت الفاء
السادس: نافية بمعنى لا في قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ} أي لا يؤتى أحد والصحيح أنها مصدرية

وزعم المبرد أن يؤتى متصل بقوله: {وَلا تُؤْمِنُوا إِلاَّ لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ} واللام زائدة
وقيل: أن يؤتى في موضع رفع أي إن الهدى أن يؤتى
السابع: التعليل بمنزلة لئلا كقوله تعالى: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا}
وقال البصريون: على حذف مضاف أي كراهة أن تضلوا
وكذا قوله: {أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا}
وقوله: {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى}
الثامن : بمعنى إذ مع الماضي كقوله: {بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ}
وقيل بل المعنى لأن جاءهم أي من أجله
قيل ومع المضارع كقوله: {أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ} أي إذا آمنتم والصحيح أنها مصدرية
وأجاز الزمخشري أن تقع أن مثل ما في نيابتها عن ظرف الزمان وجعل منه قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ} وقوله: {إِلاَّ أَنْ يَصَّدَّقُوا} ورد بأن استعمالها للتعليل مجمع عليه وهو لائق في هاتين الآيتين والتقدير لأن آتاه ولئلا يصدقوا

إن المكسورة المشددة
لها ثلاثة أوجه:
أحدها للتأكيد نحو: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً}
وللتعليل،أثبته ابن جني من النحاة وكذا أهل البيان وسبق بيانه في نوع التعليل من قسم التأكيد
وبمعنى "نعم" في قوله تعالى: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} فيمن شدد النون
قال أبو إسحاق: عرضت هذا على محمد بن يزيد وإسماعيل بن إسحاق فرضياه
وقال ابن برهان: كأنهم أجمعوا بعد التنازع على قذف النبيين بالسحر صلى الله عليهما
وعبارة غيره هي بمعنى أجل وإن لم يتقدم سؤال عن سحرهم فقد تقدم: {أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ} فتكون على هذا القول مصروفة إلى تصديق ألسنتهم فيما ادعوه من السحر
واستضعفه الفارسي بدخول اللام في خبر المبتدأ وهو لا يجوز إلا في ضرورة
فإن قدرت مبتدأ محذوفا أي فهما ساحران فمردود لأن التأكيد لا يليق به الحذف
وقيل: دخلت اللام في خبر المبتدأ مراعاة للفظ أو لما كانت تدخل معها في الخبرية
وقيل: جاء على لغة بني الحارث في استعمال المثنى بالألف مطلقا

أن المفتوحة المشددة
يجيء للتأكيد كالمكسورة واستشكله بعضهم لأنك لو صرحت بالمصدر المنسبك منها لم تفد توكيدا وهو ضعيف لما علم من الفرق بين أن والفعل والمصدر
وقال: في المفصل إن وأن تؤكدان مضمون الجملة إلا أن المكسورة الجملة معها على استقلالها بفائدتها والمفتوحة تقلبها إلى حكم المفرد
قال ابن الحاجب: لأن وضع إن تأكيد للجملة من غير تغيير لمعناها فوجب أن تستقل بالفائدة بعد دخولها وأما المفتوحة فوضعها وضع الموصولات في أن الجملة معها كالجملة مع الموصول فلذلك صارت مع جملتها في حكم الخبر فاحتاجت إلى جزء آخر ليستقل معها بالكلام فتقول إن زيدا قائم وتسكت وتقول أعجبني أن زيدا قائم فلا تجد بدا من هذا الجزء الذي معها لكونها صارت في حكم الجزء الواحد إذ معناه أعجبني قيام زيد ولا يستقل بالفائدة ما لم ينضم إليه جزء آخر فكذلك المفتوحة مع جملتها ولذلك وقعت فاعلة ومفعولة ومضافا إليها وغير ذلك مما تقع فيه المفردات
ومن وجوه الفرق بينهما أنه لا تصدر بالمفتوحة الجملة كما تصدر بالمكسورة لأنها لو صدرت لوقعت مبتدأ والمبتدأ معرض لدخول إن فيؤدي إلى اجتماعهما
ولأنها قد تكون بمعنى لعل كما في قوله تعالى: {وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ} وتلك لها صدر الكلام فقصدوا إلى أن تكون هذه مخالفة لتلك في الوضع

إنما
لقصر الصفة على الموصوف أو الموصوف على الصفة وهي للحصر عند جماعة كالنفي والاستثناء
وفرق البيانيون بينهما فقالوا: الأصل أن يكون ما يستعمل له إنما مما يعلمه المخاطب ولا ينكره كقولك إنما هو أخوك وإنما هو صاحبك القديم لمن يعلم ذلك ويقر به وما يستعمل له النفي والاستثناء على العكس فأصله أن يكون مما يجهله المخاطب وينكره نحو: {وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ اللَّهُ}
ثم إنه قد ينزل المعلوم منزلة المجهول لاعتبار مناسب فيستعمل له النفي والاستثناء نحو: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ} الآية ونحو: {إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنَا} والرسل ما كانوا على دفع البشرية عن أنفسهم وادعاء الملائكية لكن الكفار كانوا يعتقدون أن الله لا يرسل إلا الملائكة وجعلوا أنهم بادعائهم النبوة ينفون عن أنفسهم البشرية فاخرج الكلام مخرج ما يعتقدون وأخرج الجواب أيضا مخرج ما قالوا حكاية لقولهم كما يحكى المجادل كلام خصمه ثم يكر عليه بالإبطال كأنه قيل الأمر كما زعمتم أننا بشر ولكن ليس الأمر كما زعمتم من اختصاص الملائكة بالرسالة فإن الله يبعث من الملائكة رسلا ومن الناس
وقد ينزل المجهول منزلة المعلوم لادعاء المتكلم ظهوره فيستعمل له إنما كقوله تعالى: {إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} فإن كونهم مصلحين منتف فهو مجهول بمعنى أنه لم يعلم بينهم صلاح فقد نسبوا الإصلاح إلى أنفسهم وادعوا أنهم كذلك ظاهر جلي ولذلك جاء الرد عليهم مؤكدا من وجوه

إلى
لانتهاء الغاية وهي مقابلة من ثم لا يخلوا أن يقترن بها قرينة تدل على أن ما بعدها داخل فيما قبلها أو غير داخل وإن لم يقترن بها قرينة تدل على أن ما بعدها داخل فيما قبلها أو غير داخل فيصار إليه قطعا وإن لم يقترن بها
واختلف في دخول ما بعدها في حكم ما قبلها على مذاهب
أحدها: لا تدخل إلا مجازا لأنها تدل على غاية الشيء ونهايته التي هي حده وما بعد الحد لا يدخل في المحدود ولهذا لم يدخل شيء من الليل في الصوم في قوله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}
الثاني: عكسه أي أنه يدخل ولا يخرج إلا مجازا بدليل آية الوضوء
والثالث: أنها مشتركة فيهما لوجود الدخول وعدمه
والرابع: إن كان ما بعدها من جنس ما قبلها أو جزءا كالمرافق دخل وإلا فلا والحق أنه لا يطلق فقد يدخل نحو: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} وقد لا يدخل نحو: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}
وقيل: في آية المرافق: أنها على بابها وذلك أن المرفق هو الموضع الذي يتكئ الإنسان عليه في رأس العضد وذلك هو المفصل وفريقه فيدخل فيه مفصل الذراع ولا يجب في الغسل أكثر منه
وقيل: إلى تدل على وجوب الغسل إلى المرافق ولا ينبغي وجوب غسل المرفق

لأن الحد لا يدخل في المحدود ولا ينفيه التحديد كقولك سرت إلى الكوفة فلا يقتضي دخولها ولا ينفيه كذلك المرافق إلا أن غسله ثبت بالسنة
ومنشأ الخلاف في آية الوضوء أن إلى حرف مشترك يكون للغاية والمعية واليد تطلق في كلام العرب على ثلاثة معان على الكفين فقط وعلى الكف والذراع والعضد فمن جعل إلى بمعنى مع وفهم من اليد مجموع الثلاثة أوجب دخوله في الغسل ومن فهم من إلى الغاية ومن اليد ما دون المرفق لم يدخلها في الغسل
قال الآمدي: ويلزم من جعلها بمعنى مع أن يوجب غسلها إلى المنكب لأن العرب تسمية يدا
وقد تأتي بمعنى مع كقوله: {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ}
{وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ}
{وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ}
{وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ}
{وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ}
وقيل: ترجع إلى الانتهاء والمعنى في الأول من يضيف نصرته إلى نصرة الله وموضعها حال أي من أنصاري مضافا إلى الله؟
والمعنى في الأخرى: ولا تضيفوا أموالكم إلى أموالهم وكني عنه بالأكل كما قال:
{وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} أي لا تأخذوا
وقد تأتي للتبيين قال ابن مالك وهي المعلقة في تعجب أو تفضيل بحب أو بغض

مبينة لفاعلية مصحوبها كقوله تعالى: {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ}
ولموافقة اللام كقوله: {وَالأَمْرُ إِلَيْكِ} وقيل للانتهاء وأصله والأمر إليك
وكقوله: {وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} وموافقة "في" في قوله تعالى: {هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى} وقيل المعنى بل أدعوك إلى أن تزكي
وزائدة كقراءة بعضهم: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} بفتح الواو
وقيل: ضمن تهوي معنى تميل
تنبيه
من الغريب أن إلى قد تستعمل اسما فيقال: انصرفت من إليك كما يقال غدوت من عليك حكاه ابن عصفور في شرح أبيات الإيضاح عن ابن الأنباري
ولم يقف الشيخ ابن حيان على هذا فقال في تفسيره في قوله: {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ} ،وقوله:
{وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ} إلى حرف جر بالإجماع وظاهرها أنها متعلقة بـ "هزي"
وكيف يكون ذلك مع القاعدة المشهورة أن الفعل لا يتعدى إلى ضمير متصل
وقد يرفع المتصل وهما المدلول واحد فلا تقول ضربتني ولا ضربتك إلا في باب ظن والضمير المجرور عندهم بالحرف كالمنصوب المستقل فلا تقول هززت إلي ولا هززت إليك

ألا بالفتح والتخفيف
تأتي للاستفتاح وفائدته التنبيه على تحقيق ما بعدها ولذلك قل وقوع الجمل بعدها إلا مصدرة بنحو ما يتلقى به القسم نحو: {أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ}
{أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ}
{أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}
{أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ}
{أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ}
{أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ}
وتأتي مركبة من كلمتين همزة الاستفهام ولا النافية
والاستفهام إذا دخل على النفي أفاد تحقيقا كقوله تعالى: {قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ}
وقوله: {قَالَ أَلا تَأْكُلُونَ}
والتقدير إنهم ليسوا بمتقين وليسوا بآكلين
وللعرض وهو طلب بلين نحو: {أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ}
{أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ}

ألا بالفتح والتشديد
حرف تحضيض مركبة من أن الناصبة ولا النافية كقوله تعالى: {أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ} {أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ}
ثم قيل: المشددة أصل والمخففة فرع قيل بالعكس
وقيل: الهمزة بدل من الهاء وبالعكس حكاه ابن هشام الخضراوي في حاشية سيبويه
إِلاَّ
ترد لمعان:
الأول: الاستثناء وينقسم إلى متصل وهو ما كان المستثنى من جنس المستثنى منه نحو جاء القوم إلا زيدا والى منقطع وهو ما كان من غير جنسه
وتقدر بـ "لكن" كقوله: {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ إِلاَّ مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ} و{قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاَّ مَنْ شَاءَ} وقوله: {إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا } في سورة الانشقاق و{إِلاَّ مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ} في آخر الغاشية

وكذلك: {إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} ودخول الفاء في {فَإِنَّهُ يَسْلُكُ} دليل انقطاعه ولو كان متصلا لتم الكلام عند قوله رسول
وقوله: {إِلاَّ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى} ويجوز أن تكون {تَذْكِرَةً} بدلا من {لِتَشْقَى} وهو منصوب بـ "أنزلنا" تقديره ما أنزلنا عليك القرآن إلا تذكرة
وقوله: {وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى} فابتغاء وجه ربه ليس من جنس النعم التي تجزى
وقوله: {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ} فقولهم: {رَبُّنَا اللَّهُ} ليس بحق يوجب إخراجهم
وقوله: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} لا حرج عليهم في قعودهم وإنما كان منقطعا لأن القاعد عن ضرر وإن كانت له نية الجهاد ليس مستويا في الأجر مع المجاهد لأن الأجر على حسب العمل والمجاهد يعمل ببدنه وقلبه والقاعد بقلبه
وقوله: {فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ}
إذ لو كان متصلا لكان المعنى فهل آمنت قرية إلا قوم يونس فلا يؤمنون فيكون طلب الإيمان من خلاف قوم يونس وذلك باطل لأن الله تعالى يطلب من كل شخص الإيمان فدل على أن المعنى لكن قوم يونس

وقال الزجاج: يمكن اتصاله لأن قوله: {فَلَوْلا} في المعنى نفي فإن الخطاب لما يقع منه الإيمان وذلك إذا كان الكلام نفيا كان ما بعد إلا يوجب إنكاره قال: ما من قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس
وقد رد عليه الآمدي بأن جعل إلا متقطعة عما قبلها لغة فصيحة وإن كان جعلها متصلة أكثر وحمل الكلام على المعنى ليس بقياس
ومنه قوله تعالى: {لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلاَّ مَنْ رَحِمَ} فإن من رحم بمعنى المرحوم ليس من جنس العاصمين وإنما هو معصوم فدل على أنها بمعنى لكن
فإن قيل: يمكن اتصاله على أن {مَنْ رَحِمَ} بمعنى الراحم أي الذي يرحم فيكون الثاني من جنس الأول
قيل: حمل هذه القراءة على القراءة الأخرى أعني قراءة {مَنْ رَحِمَ} بضم الراء حتى يتفق معنى القراءتين
الثاني: بمعنى بل كقوله تعالى {طه مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى إِلاَّ تَذْكِرَةً} أي بل تذكرة
الثالث: عاطفة بمعنى الواو في التشريك كقوله تعالى: {لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا} معناه ولا الذين ظلموا وقوله: {إِنِّي لا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ إِلاَّ مَنْ ظَلَمَ} أي ومن ظلم تأولها الجمهور على الاستثناء المنقطع

الرابع: بمعنى "غير" إذا كانت صفة ويعرب الاسم بعد إلا إعراب غير كقوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا} ،وليست هنا للاستثناء وإلا لكان التقدير: لو كان فيهما آلهة ليس فيهم الله لفسدتا وهو باطل
ومثله قوله تعالى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلاَّ أَنْفُسُهُمْ}، فلو كان استثناء لكان من غير الجنس لأن أنفسهم ليس شهودا على الزنا لأن الشهداء على الزنا يعتبر فيهم العدد ولا يسقط الزنا المشهود به بيمين المشهود عليه
وإذا جعل وصفا فقد أمن فيه مخالفة الجنس فـ "إلا" هي بمنزلة غير لا بمعنى الاستثناء لأن الاستثناء إما من جنس المستثنى منه أو من غير جنسه ومن توهم في صفة الله واحدا من الأمرين فقد أبطل
قال: الشيخ عبد القاهر الجرجاني: هذا توهم منه وخاطر خطر من غير أصل ويلزم عليه أن تكون إلا في قوله تعالى: {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلاَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ} وقوله: ضل من تدعون إلا إياه استثناء وأن تكون بمنزلة غير وذلك لا يقوله أحد لأن إلا إذا كانت صفة كان إعراب الاسم الواقع بعدها إعراب الموصوف بها وكان تابعا له في الرفع والنصب والجر
وقال: والاسم بعد إلا في الآيتين منصوب كما ترى وليس قبل إلا في واحد منهما منصوب بإلا
واعلم أنه يوصف بما بعد إلا سواء كان استثناء منقطعا أو متصلا قال المبرد والجرمي في قوله تعالى: {إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ} لو قرئ بالرفع قليل على الصفة لكان حسنا والاستثناء منقطع

الخامس: بمعنى بدل وجعل ابن الضائع منه قوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا} أي بدل الله أي عوض الله وبه يخرج على الإشكال المشهور في الاستثناء وفي الوصف بـ "إلا" من جهة المفهوم
بقي أن يقال: إن ابن مالك جعلها في الآية صفة وأنها للتأكيد لا للتخصيص لأنه لو قيل لو كان فيهما آلهة فسدتا لصح لأن الفساد مرتب على تعدد الآلهة
فيقال: ما فائدة الوصف المقتضي ها هنا للتأكيد؟وجوابه أن آلهة تدل على الجنس أو على الجمع فلو اقتصر عليه لتوهم أن الفساد مرتب على الجنس من حيث هو فأتى بقوله: {إِلاَّ اللَّهَ} ليدل على أن الفساد مرتب على التعدد وهذا نظير قولهم في: {إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ} أن الوصف هنا مخصص لا مؤكد لأن
: {إِلَهَيْنِ} يدل على الجنسية وعلى التثنية فلوا اقتصر عليه لم يفهم النهي عن أحدهما فأتى بـ "اثنين" ليدل على أن النهي عن الاثنين على ما سبق
السادس: للحصر إذا تقدمها نفي:
إما صريح كقوله تعالى: {وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} أو مقدر كقوله تعالى: {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ} فإن إلا ما دخلت بعد لفظ الإيجاب إلا لتأويل ما سبق إلا بالنفي أي فإنها لا تسهل وهو معنى كبيرة وإما لأن الكلام صادق معها أي وإنها لكبيرة على كل أحد إلا على الخاشعين بخلاف ضربت إلا زيدا فإنه لا يصدق

السابع: مركبة من إن الشرطية ولا النافية ووقعت في عدة مواقع من القرآن
نحو: {إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ}
{إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ}
{إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ}
{وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ}
{وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ}
ولأجل الشبه الصوري غلط بعضهم فقال في إلا تفعلوه أن الاستثناء منقطع أو متصل
وعجبت من ابن مالك في شرح التسهيل حيث عدها في أقسام إلا لكنه في شرح الكافية قال في باب الاستثناء لا حاجة للاحتراز عنها
فائدة
قال الرماني في تفسيره معنى إلا اللازم لها الاختصاص بالشيء دون غيره فإذا قلت جاءني القوم إلا زيدا فقد اختصصت زيدا بأنه لم يجئ وإذا قلت ما جاءني إلا زيد فقد اختصصته بالمجيء وإذا قلت ما جاءني زيد إلا راكبا فقد اختصصت هذه الحال دون غيرها من المشي والعدو ونحوه

أَمَّا المفتوحة الهمزة المشددة الميم
كلمة فيها معنى الشرط بدليل لزوم الفاء في جوابها
وقدرها سيبويه بـ "مهما" وفائدتها في الكلام: أنها تكسبه فضل تأكيد تقول زيد ذاهب،فإذا قصدت أنه لا محالة ذاهب قلت: أما زيد فذاهب ولهذا قال سيبويه مهما يكن من شيء فزيد ذاهب
وفي إيرادها في قوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ} إحماد عظيم للمؤمنين ونعي على الكافرين لرميهم بالكلمة الحمقاء
والاسم الواقع بعدها إن كان مرفوعا فهو مبتدأ كقوله: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ}،{وَأَمَّا الْغُلامُ}،{وَأَمَّا الْجِدَارُ}
وإن كان منصوبا،فالناصب له ما بعد الفاء على الأصح كقوله تعالى: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ}
وقرئ: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ} بالرفع والنصب،فالرفع بالابتداء لاشتغال الفعل عنهم بضميرهم
وتذكر لتفصيل ما أجمله المخاطب وللاقتصار على بعض ما ادعى
فالأول: كقوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ} {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا

فَفِي الْجَنَّةِ} ،فهذا تفصيل لما جمع في قوله: {ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ} وبيان أحكام الشقي والسعيد
والثاني: كما لو قيل: زيد عالم شجاع كريم فيقال أما زيد فعالم أي لا يثبت له بما ادعى سوى العلم
واختلف في تعدد الأقسام بها فقيل إنه لازم وحمل قوله تعالى: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} على معنى وأما الراسخون ليحصل بذلك التعدد بعدها وقطعه عن قوله: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ}
ومنهم من قال: إنه غير لازم بل قد يذكر فيها قسم واحد ولا ينافي ذلك أن تكون للتفصيل ما في نفس المتكلم كقوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ} حكى القولين ابن جمعة الموصلي في شرح الدرة وصحح الأول
والأقرب الثاني،والتقدير في الآية: وأما غيرهم فيؤمنون به ويكلون معناه إلى ربهم ودل عليه {وَالرَّاسِخُونَ} الآية
قال بعضهم: وهذا المعنى هو المشار إليه في آية البقرة {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا}،إلى قوله: {وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ}
وهذا حكاه ابن قتيبة عن بعض المتقدمين قال فالفاسقون هاهنا هم الذين في قلوبهم زيغ وهم الضالون بالتمثيل ثم خالفه فقال وأنت إذا جعلت المتبعين المتشابه بالتأويل المنافقين في اليهود المحرفين له دون المؤمنين كما قال الله تعالى: {فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ}

أي غير الإسلام وضح لك الأمر وصح ما قلناه من معرفة الراسخين بالمتشابه وعلى هذا فالوقف على
{وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ}
وأما قوله تعالى: {وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ فَسَلامٌ لَكَ} ،فقيل: الفاء جواب أما ويكون الشرط لا جواب له وقد سد جواب أما مسد جواب الشرط
وقيل: بل جواب الشرط والشرط وجوابه سد مسد جواب أما
وتجيء أيضا مركبة من أم المنقطعة وما الاستفهامية وأدغمت الميم في الميم كقوله تعالى: {أَمَّاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}

إِمَّا المكسورة المشددة
نحو: اشتر لي إما لحما وإما لبنا
وكقوله تعالى: {إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً}
{إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ}
{فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} وانتصب منا وفداء على المصدر أي من مننتم وفاديتم
وقال صاحب الأزهية: حكمها في هذا القسم التكرير ولا تكرير إذا كان في الكلام عوض من تكريرها تقول إما تقول الحق وإلا فاسكت وإلا بمعنى إما
وبمعنى الإبهام،نحو: {إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ} {إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ}
{إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً}
وتكون بمعنى الشرطية مركبة من إن الشرطية وما الزائدة وهذه لا تكرر
والأكثر في جوابها نون التوكيد،نحو: {فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً}

{قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ}{فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ}{وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً} وإنما دخلت معها نون التوكيد للفرق بينهما وبين التي للتخيير
واختلف في قوله تعالى: {إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} فقال البصريون للتخيير فانتصاب شاكرا وكفورا على الحال
وقيل: التخيير هنا راجع إلى إخبار الله بأنه يفعل ما يشاء
وقيل: حال مقيدة أي إما أن تجد عندهما الشكر فهو علامة السعادة أو الكفر فهو علامة الشقاوة فعلى هذا تكون للتفصيل
وأجاز الكوفيون أن تكون ها هنا شرطية أي إن شكر وإن كفر
قال مكي: وهذا ممنوع لأن الشرطية لا تدخل على الأسماء إلا أن تضمر بعد إن فعلا كقوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} ولا يجب إضماره هنا لأنه يلزم رفع شاكر بذلك الفعل
ورد عليه ابن الشجري بأن النحويين يضمرون بعد إن الشرطية فعلا يفسره ما بعده من لفظه فيرتفع الاسم بعد أن يكون فاعلا لذلك المضمر كقوله تعالى: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ}{وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ} كذلك يضمرون بعده أفعالا تنصب الاسم بأنه مفعول به كقولك إن زيدا أكرمته نفعك أي إن أكرمت
أل
تقدمت بأقسامها في قاعدة التنكير والتعريف

الآن
اسم للوقت الحاضر بالحقيقة وقد تستعمل في غيره مجازا
وقال قوم: هي حد للزمانين أي ظرف للماضي وظرف للمستقبل وقد يتجوز بها عما قرب من الماضي وما يقرب من المستقبل حكاه أبو البقاء في اللباب
وقال ابن مالك لوقت حضر جميعه كوقت فعل الإنشاء حال النطق به أو ببعضه بقوله تعالى: {فَمَنْ يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَصَداً}{الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ}
وهذا سبقه إليه الفارسي فقال الآن يراد به الوقت الحاضر ثم قد تتسع فيه العرب فتقول أنا الآن أنظر في العلم وليس الغرض أنه في ذلك الوقت اليسير يفعل ذلك ولكن الغرض أنه في وقته ذلك وما أتى بعده كما تقول أنا اليوم خارج تريد به اليوم الذي عقب الليلة
قال ابن مالك: وظرفيته غالبة لا لازمة

أف
صوت يستعمل عند التكره والتضجر واختلف في قوله تعالى: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} فقيل: اسم لفعل الأمر أي كفا أو اتركا
وقيل: اسم لفعل ماض أي كرهت وتضجرت حكاهما أبو البقاء
وحكى غيره ثالثا أنه اسم لفعل مضارع أي أتضجر منكما
وأما قوله تعالى في سورة الأنبياء: {أُفٍّ لَكُمْ} ،فأحال أبو البقاء على ما سبق في الإسراء وقضيته تساوي المعنيين
وقال العزيزي في غريبه في هذه أي تلفا لكم فغاير بينهما وهو الظاهر وفسر صاحب الصحاح أف بمعنى قذرا

أنَّى
مشتركة بين الاستفهام والشرط ففي الشرط تكون بمعنى أين نحو أنى يقم زيد يقم عمرو
وتأتي بمعنى كيف كقوله تعالى: {أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا}
{فَأَنَّى لَهُمْ}،{أَنَّى يُؤْفَكُونَ}
{فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}، أي كيف شئتم مقبلة ومدبرة
وقال الضحاك: متى شئتم ويرده سبب نزول الآية
وقال بعضهم من أي جهة شئتم وهو طبق سبب النزول
وتجيء بمعنى من أين نحو: {أَنَّى لَكِ هَذَا}
وقوله: {أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ}
{أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ}
قال ابن فارس: والأجود أن يقال في هذا أيضا كيف وقال ابن قتيبة المعنيان متقاربان
وقرئ شاذا: {أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبّاً} أي من أين فيكون الوقف عند قوله {إِلَى طَعَامِهِ}

وتكون بمعنى متى كقوله تعالى: {أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا}
وقوله: {قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا} ،ويحتمل أن يكون معناه من أين
والحاصل أنها للسؤال عن الحال وعن المكان
قال الفراء: أنى مشاكلة لمعنى أين إلا أن أين للموضع خاصة وأنى تصلح لغير ذلك
وقال ابن الدهان: فيها معنى يزيد على أين لأنه لو قال: أين لك هذا؟كان يقصر عن معنى أنى لك لأن معنى أنى لك من أين لك فإن معناه مع حرف الجر لأنه يرى أنه وقع في الجواب كذلك قوله: {هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} ،ولم يقل هو عند الله وجواب أنى لك غير جواب من أين لك هذا فاعرفه

أيان
في الكشاف في آخر سورة الأعراف قيل اشتقاقه من "أي" فعلان منه لأن معناه أي وقت وأي فعل من أويت إليه لأن البعض آو إلى الكل متساند إليه وهو بعيد
وقيل أصله أي أوان
وقال السكاكي: جاء أيان بفتح الهمزة وكسرها وكسر همزتها يمنع من أن يكون أصلها أي أوان كما قال بعضهم حذفت الهمزة من أوان والياء الثانية من أي فبعد قلب الواو واللام ياء أدغمت الياء الساكنة فيها وجعلت الكلمتان واحدة
وهي في الأزمان بمنزلة متى إلا أن متى أشهر منها وفي أيان تعظيم ولا تستعمل إلا في موضع التفخيم بخلاف متى قال تعالى: {أَيَّانَ مُرْسَاهَا}،{أَيَّانَ يُبْعَثُونَ}،{أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ}،{أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ}
وقال صاحب البسيط: إنها تستعمل في الاستفهام عن الشيء المعظم أمره
قال: وسكت الجمهور عن كونها شرطا
وذكر بعض المتأخرين مجيئها لدلالتها بمنزلة متى ولكن لم يسمع ذلك
إي
حرف جواب بمعنى نعم كقوله تعالى: {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ} ،ولا يأتي قبل النهي صلة لها

حرف الباء
أصله للإلصاق ومعناه اختلاط الشيء بالشيء ويكون حقيقة وهو الأكثر نحو به داء ومجازا كـ "مررت به" إذ معناه جعلت مروري ملصقا بمكان قريب منه لا به فهو وارد على الاتساع
وقد جعلوا منه قوله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ}
وقد تأتي زائدة:
إما مع الخبر نحو: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا}
وإما مع الفاعل نحو: {وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً} فـ "الله" فاعل وشهيدا نصب على الحال أو التمييز والباء زائدة ودخلت لتأكيد الاتصال أي لتأكيد شدة ارتباط الفعل بالفاعل لأن الفعل يطلب فاعله طلبا لا بد منه والباء توصل الأول إلى الثاني فكأن الفعل يصل إلى الفاعل وزادته الباء اتصالا
قال ابن الشجري: فعلوا ذلك إيذانا بأن الكفاية من الله ليست كالكفاية من غيره في عظم المنزلة فضوعف لفظها ليضاعف معناها
وقيل: دخلت الباء لتدل على المعنى لأن المعنى اكتفوا بالله
وقيل: الفاعل مقدر والتقدير كفى الاكتفاء بالله فحذف المصدر وبقي معموله دالا عليه

وفيه نظر لأن الباء إذا سقطت ارتفع اسم الله على الفاعلية كقوله
عميرة ودع إن تجهزت غاديا
*كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا*
وإما مع المفعول كقوله تعالى: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}
وقوله: {تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} أي تبذلونها لهم
وقوله: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}
وقوله: {بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ} جعلت المفتون اسم مفعول لا مصدرا كالمعقول والمعسور والميسور
وقوله: {عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ}
{وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ}
{تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ}
وقوله: {وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ} ونحوه
والجمهور على أنها لا تجيء زائدة وأنه إنما يجوز الحكم بزيادتها إذا تأدى المعنى المقصود بوجودها وحالة عدمها على السواء وليس كذلك هذه الأمثلة فإن معنى: {وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً} ،كما هي في أحسن بزيد ومعنى: {وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ} اجعلوا المسح ملاصقا برؤسكم وكذا {بِوُجُوهِكُمْ} أشار إلى مباشرة العضو بالمسح وإنما لم يحسن في آية الغسل فاغسلوا بوجوهكم لدلالة الغسل على المباشرة وهذا كما تتعين المباشرة في قولك أمسكت به وتحتملها في أمسكته
وأما قوله: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ} فحذف المفعول للاختصار

وأما {تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} فمعناه: تلقون إليهم النصيحة بالمودة
وقال ابن النحاس: معناه تخبرونهم بما يخبر به الرجل أهل مودته
وقال السهيلي: ضمن {تُلْقُونَ} معنى ترمون من الرمي بالشيء يقال ألقى زيد إلي بكذا أي رمى به وفي الآية إنما هو إلقاء بكتاب أو برسالة فعبر عنه بالمودة لأنه من أفعال أهل المودة فلهذا جيء بالباء
وأما قوله: {كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً} ،فليست زائدة وإلا للحق الفعل قبلها علامة التأنيث لأنه للنفس وهو مما يغلب تأنيثه
وجوز في الفعل وجهان: أحدهما: أن تكون كان مقدرة بعد كفى ويكون بنفسك صفة له قائمة مقامه
والثاني : أنه مضمر يفسره المنصوب بعده أعني حسيبا كقولك نعم رجلا زيد
وتجيء للتعدية وهي القائمة مقام الهمزة في إيصال الفعل اللازم إلى المفعول به نحو: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ} أي أذهب
كما قال: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ}
ولهذا لا يجمع بينهما فهما متعاقبتان وأما قوله تعالى: {أَسْرَى بِعَبْدِهِ} فقيل: أسرى وسرى بمعنى كسقى وأسقى والهمزة ليست للتعدية وإنما المعدي الباء في بعبده
وزعم ابن عطية أن مفعول أسرى محذوف وإن التعدية بالهمزة أي أسرى الليلة بعبده

ومذهب الجمهور أنها بمعنى الهمزة لا تقتضي مشاركة الفاعل للمفعول وذهب المبرد والسهيلي أنها تقتضي مصاحبة الفاعل للمفعول في الفعل بخلاف الهمزة ورد بقوله تعالى: {ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ}
{وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ} ألا ترى أن الله لا يذهب مع سمعهم فالمعنى لأذهب سمعهم
وقال الصفار: وهذا لا يلزم لأنه يحتمل أن يكون فاعل ذهب البرق ويحتمل أن يكون الله تعالى ويكون الذهاب على صفة تليق به سبحانه كما قال {وَجَاءَ رَبُّكَ}
قال: وإنما الذي يبطل مذهبه قول الشاعر:
ديار التي كانت ونحن على منى
تحل بنا لولا بحاء الركائب
أي تجعلنا حلالا لا محرمين وليست الديار داخلة معهم في ذلك
واعلم أنه لكون الباء بمعنى الهمزة لا يجمع بينهما فإن قلت: كيف جاء: {تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ} والهمزة في أنبت للنقل؟
قلت: لهم في الانفصال عنه ثلاثة أوجه:
أحدها: أن تكون الباء زائدة
والثاني: أنها باء الحال كأنه قال: تنبت ثمرها وفيه الدهن أي وفيهما الدهن والمعنى تنبت الشجرة بالدهن أي ما هو موجود منه وتختلط به القوة بنبتها على موقع المنة ولطيف القدرة وهداية إلى استخراج صبغة الآكلين.
والثالث: أن نبت وأنبت بمعنى

وللاستعانة وهي الدالة على آلة الفعل نحو كتبت بالقلم ومنه في أشهر الوجهين: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}
وللتعليل بمنزلة اللام كقوله: {إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ} {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا}
{فَكُلاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ}
وللمصاحبة بمنزلة مع وتسمى باء الحال كقوله تعالى: {قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ} أي مع الحق أو محقا
{يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا}
وللظرفية بمنزلة في
وتكون مع المعرفة نحو: {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ}
{وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}
ومع النكرة نحو: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ}
{نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ}
قال أبو الفتح في التنبيه وتوهم بعضهم أنها لا تقع إلا مع المعرفة نحو كنا بالبصرة وأقمنا بالمدينة

وهو محجوج بقول الشماخ:
وهن وقوف ينتظرن قضاءه
بضاحي غداة أمره وهو ضامز
أي في ضاحي وهي نكرة
وللمجاوزة كـ "عن" نحو: {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً}
{سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ}
{وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ} أي عن الغمام
{بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ} أي وعن أيمانهم
وللاستعلاء كعلى: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ} أي على قنطار كما قال: {هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ}
ونحو: {وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ} أي عليهم كما قال: {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ}
وللتبعيض كـ "من" نحو: {يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} أي منها وخرج عليه: {وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ}
والصحيح أنها باء الاستعانة فإن مسح يتعدى إلى مفعول وهو المزال عنه وإلى آخر بحرف الجر وهو المزيل فيكون التقدير فامسحوا أيديكم برءوسكم

بل
حرف إضراب عن الأول وإثبات للثاني يتلوه جملة ومفرد
فالأول: الإضراب فيه،إما بمعنى ترك الأول والرجوع عنه بإبطاله وتسمى حرف ابتداء كقوله تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} أي بل هم عباد وكذا: {أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ}
وإما الانتقال من حديث إلى حديث آخر والخروج من قصة إلى قصة من غير رجوع عن الأول وهي في هذه الحالة عاطفة كما قاله الصفار كقوله تعالى: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ}
{بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً}
وقوله: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ} ،انتقل من القصة الأولى إلى ما هو أهم منها
{وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ} ليست للانتقال بل هم متصفون بهذه الصفات
وقوله: {وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ}
وفي موضع: {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ}

وفي موضع: {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ}
والمراد تعديد خطاياهم واتصافهم بهذه الصفات وبل لم ينو ما أضافه إليهم من إتيان الذكور والإعراض عن الإناث بل استدرك بها بيان عدوانهم وخرج من تلك القصة إلى هذه الآية
وزعم صاحب البسيط وابن مالك أنها لا تقع في القرآن إلا بهذا المعنى وليست كذلك لما سبق وكذا قال ابن الحاجب في شرح المفصل إبطال ما للأول وإثباته للثاني إن كان في الإثبات نحو جاء زيد بل عمرو فهو من باب الغلط فلا يقع مثله في القرآن ولا في كلام فصيح وإن كان ما في النفي نحو ما جاءني زيد بل عمرو ويجوز أن يكون من باب الغلط يكون عمرو غير جاء ويجوز أن يكون مثبتا لعمرو المجيء فلا يكون غلطا انتهى
ومنه أيضا: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا}
وقوله: {وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ}
وقوله: {ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ} ، ترك الكلام الأول وأخذ بـ "بل" في كلام ثان ثم قال حكاية عن المشركين {أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا} ثم قال {بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي} ثم ترك الكلام الأول وأخذ ب بل في كلام آخر فقال: {بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ}

والثاني -أعني ما يتلوها مفرد- فهي عاطفة ثم إن تقدمها إثبات نحو اضرب زيدا بل عمرا وأقام زيد بل عمرو فقال النحاة هي تجعل ما قبلها كالمسكوت عنه فلا يحكم عليه بشيء ويثبت ما بعدها وإن تقدمها نفي أو نهي فهي لتقرير ما قبلها على حاله وجعل ضده لما بعدها نحو ما قام زيد بل عمرو ولا يقم زيد بل عمرو
ووافق المبرد على ما ذكرنا غير أنه أجاز مع ذلك أن تكون ناقلة مع النهي أو النفي إلى ما بعدها
وحاصل الخلاف أنه إذا وقع قبلها النفي هل تنفي الفعل أو توجبه؟

بلى
لها موضعان:
أحدهما: أن تكون ردا لنفي يقع قبلها كقوله تعالى: {مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ} أي عملتم السوء
وقوله: {لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى}
وقوله: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ} ثم قال: {بَلَى} أي عليهم سبيل
والثاني: أن تقع جوابا لاستفهام دخل عليه نفى حقيقة فيصير معناها التصديق لما قبلها كقولك ألم أكن صديقك ألم أحسن إليك فتقول بلى أي كنت صديقي
ومنه قوله تعالى: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ}
ومنه: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} ،أي أنت ربنا فهي في هذا الأصل تصديق لما قبلها وفي الأول رد لما قبلها وتكذيب
وقوله: {يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى} أي كنتم معنا ويجوز أن يقرن النفي بالاستفهام مطلقا أعم من الحقيقي والمجازي فالحقيقي كقوله: {أَمْ يَحْسَبُونَ

أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى}: {أَيَحْسَبُ الإنسان أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ بَلَى}
ثم قال الجمهور: التقدير بل نحييها قادرين لأن الحساب إنما يقع من الإنسان على نفي جمع العظام وبلى إثبات فعل النفي فينبغي أن يكون الجمع بعدها مذكورا على سبيل الإيجاب
وقال الفراء: التقدير فلنحيها قادرين لدلالة أيحسب عليه وهو ضعيف لأنه عدول عن مجيء الجواب على نمط السؤال
والمجازي كقوله تعالى: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} فإن الاستفهام هنا ليس على حقيقته بل هو للتقرير لكنهم أجروا النفي مع التقرير مجرى النفي المجرد في رده بـ "بلى"
وكذلك قال ابن عباس: لو قالوا نعم لكفروا ووجهه أن نعم تصديق لما بعد الهمزة نفيا كان أو إثباتا
ونازع السهيلي وغيره في المحكي عن ابن عباس من وجه أن الاستفهام التقريري إثبات قطعا وحينئذ فنعم في الإيجاب تصديق له فهلا أجيب بما أجيب به الإيجاب فإن قولك ألم أعطك درهما بمنزلة أعطيتك
والجواب من أوجه:
أحدها: ذكره الصفار أن المقرر قد يوافقه المقرر فيما يدعيه وقد لا فلو قيل في جواب: ألم أعطك نعم لم يدر هل أراد نعم لم تعطني فيكون مخالفا للمقرر أو نعم أعطيتني فيكون موافقا فلما كان يلتبس أجابوه على اللفظ ولم يلتفتوا إلى المعنى

تنبيهات
الأول: ما ذكرنا من كون بلى إنما يجاب بها النفي هو الأصل وأما قوله تعالى: {بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي} فإنه لم يتقدمها نفي لفظا لكنه مقدر فإن معنى {لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي} ما هداني فلذلك أجيب بـ "بلى" التي هي جواب النفي المعنوي ولذلك حققه بقوله: {قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي} وهي من أعظم الهدايات
ومثله: {بَلَى قَادِرِينَ} فإنه سبق نفي وهو {أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ} فجاءت الآية على جهة التوبيخ لهم في اعتقادهم أن الله لا يجمع عظامهم فرد عليهم بقوله: {بَلَى قَادِرِينَ} وقال ابن عطية حق بلى أن تجيء بعد نفي عليه تقرير وهذا القيد الذي ذكره في النفي لم يذكره غيره وأطلق النحويون أنها جواب النفي
وقال الشيخ أثير الدين: حقها أن تدخل على النفي ثم حمل التقرير على النفي ولذلك لم يحمله عليه بعض العرب وأجابه بنعم
وسأل الزمخشري: هلا قرن الجواب بما هو جواب له وهو قوله: {أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي} ولم يفصل بينهما بآية؟
وأجاب بأنه إن تقدم على إحدى القرائن الثلاث فرق بينهن وبين النظم فلم يحسن وإن تأخرت القرينة الوسطى نقض الترتيب وهو التحسر على التفريط في الطاعة ثم التعليل بفقد الهداية ثم تمني الرجعة فكان الصواب ما جاء عليه وهو أنه حكى أقوال النفس على ترتيبها ونظمها ثم أجاب عما اقتضى الجواب من بينها

الثاني: اعلم أنك متى رأيت بلى أو نعم بعد الكلام يتعلق بها تعلق الجواب وليس قبلها ما يصلح أن يكون جوابا له فاعلم أن هناك سؤالا مقدرا لفظه لفظ الجواب ولكنه اختصر وطوي ذكره علما بالمعنى كقوله تعالى: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ}،فقال : المجيب بلى ويعاد السؤال في الجواب
وكذا قوله: {بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ}، ليست بلى فيه جوابا لشيء قبلها بل ما قبلها دال على ما هي جواب له والتقدير ليس من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته خالدا في النار أو يخلد في النار فجوابه الحق بلى
وقد يكتفي بذكر بعض الجواب دالا على باقيه كما قال تعالى: {بَلَى قَادِرِينَ} أي بلى نجمعها قادرين فذكر الجملة بمثابة ذكر الجزاء من الجملة وكاف عنها
الثالث: من القواعد النافعة أن الجواب إما أن يكون لملفوظ به أو مقدر
فإن كان المقدر فالجواب بالكلام،كقولك لمن تقدره مستفهما عن قيام زيد قام زيد أو لم يقم زيد ولا يجوز أن تقول نعم ولا لا لأنه لا يعلم ما يعني بذلك وإن كان الجواب الملفوظ به فإن أردت التصديق قلت نعم وفي تكذيبه بلى فتقول في جواب من قال أما قام زيد نعم إذا صدقته وبلى إذا كذبته
وكذلك إذا أدخلت أداة الاستفهام على النفي ولم ترد التقرير بل أبقيت الكلام

على نفيه فتقول في تصديق النفي نعم وفي تكذيبه بلى نحو ألم يقم زيد فتقول في تصديق النفي نعم وفي تكذيبه بلى
الرابع: يجوز الإثبات والحذف بعد بلى فالإثبات كقوله تعالى: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ}
وقوله: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ}
ومن الحذف قوله تعالى: {بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا} ،فالفعل المحذوف بعد بلى في هذا الموضع يكفيكم أي بلى يكفيكم إن تصبروا
وقوله: {أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى} ،أي قد آمنت
وقوله: {وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُودَةً} ثم قال بلى أي تمسسكم أكثر من ذلك
وقوله: {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى} ثم قال بلى أي يدخلها غيرهم
وقوله: {يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى}
وقد تحذف بلى وما بعدها كقوله: {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً} أي بلى قلت لي

ثم
للترتيب مع التراخي وأما قوله: {لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى} والهداية سابقة على ذلك فالمراد ثم دام على الهداية بدليل قوله: {وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا}
وقد تأتي لترتيب الأخبار لا لترتيب المخبر عنه كقوله تعالى: {فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ}
وقوله: {وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ}
وتقول: زيد عالم كريم ثم هو شجاع
قال ابن بري: قد تجيء ثم كثيرا لتفاوت ما بين رتبتين في قصد المتكلم فيه تفاوت ما بين مرتبتي الفعل مع السكوت عن تفاوت رتبتي الفاعل كقوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} فـ "ثم" هنا لتفاوت رتبة الخلق والجعل من رتبة العدل مع السكوت عن وصف العادلين
ومثله قوله تعالى: {فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ} إلى قوله: {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا} ،دخلت لبيان تفاوت رتبة الفك والإطعام من رتبة الإيمان إلا أن فيها زيادة تعرض لوصف المؤمنين بقوله: {وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ}
وذكر غيره في قوله تعالى: {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} أن ثم

دخلت لبعد ما بين الكفر وخلق السموات والأرض
وعلى ذلك جرى الزمخشري في مواضع كثيرة من الكشاف كقوله تعالى: {لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى}
وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} قال كلمة التراخي دلت على تباين المنزلتين دلالتها على تباين الوقتين في جاءني زيد ثم عمرو أعني أن منزلة الاستقامة على الخبر مباينة لمنزلة الخير نفسه لأنها أعلى منها وأفضل
ومنه قوله تعالى: {إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ}
إن قلت: ما معنى ثم الداخلة في تكرير الدعاء؟قلت: الدلالة على أن الكرة الثانية من الدعاء أبلغ من الأولى
وقوله: {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا} قال جاء بـ "ثم" لتراخي الإيمان وتباعده في الرتبة والفضيلة على العتق والصدقة لا في الوقت لأن الإيمان هو السابق المقدم على غيره
وقال الزمخشري في قوله تعالى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً} أن ثم هذه فيها من تعظيم منزلة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإجلال محله والإيذان بأنه أولى وأشرف ما أوتي خليل الله إبراهيم من الكرامة وأجل ما أوتي من النعمة أتباع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ملته
واعلم أنه بهذا التقدير يندفع الاعتراض بأن ثم قد تخرج عن الترتيب والمهلة وتصير كالواو لأنه إنما يتم على أنها تقتضي الترتيب الزماني لزوما أما إذا قلنا إنها ترد

لقصد التفاوت والتراخي عن الزمان لم يحتج إلى الانفصال عن شيء مما ذكر من هذه الآيات الشريفة لا أن تقول إن ثم قد تكون بمعنى الواو
والحاصل أنها للتراخي في الزمان وهو المعبر عنه بالمهلة وتكون للتباين في الصفات وغيرها من غير قصد مهلة زمانية بل ليعلم موقع ما يعطف بها وحاله وأنه لو انفرد لكان كافيا فيما قصد فيه ولم يقصد في هذا ترتيب زماني بل تعظيم الحال فيما عطف عليه وتوقعه وتحريك النفوس لاعتباره
وقيل: تأتي للتعجب بنحو: {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ}
وقوله: {ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ كُلاً}
وقيل: بمعنى واو العطف كقوله: {فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ} أي هو شهيد
وقوله: {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ}
والصواب أنها على بابها لما سبق قبله
وقوله: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا}،
وقد أمر الله الملائكة بالسجود قبل خلقنا فالمعنى وصورناكم
وقيل: على بابها والمعنى ابتدأنا خلقكم لأن الله تعالى خلق آدم من تراب ثم صوره وابتدأ خلق الإنسان من نطفة ثم صوره
وأما قوله: {خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً} وقد كان قضى الأجل فمعناه أخبركم أني خلقته من طين ثم أخبركم أني قضيت الأجل كما تقول كلمتك اليوم ثم كلمتك أمس أي أني أخبرك بذالك ثم أخبرك بهذا وهذا يكون في الجمل،

فأما عطف المفردات فلا تكون إلا للترتيب قاله ابن فارس
قيل: وتأتي زائدة كقوله تعالى: {وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} إلى قوله: {ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ} لأن تاب جواب إذا من قوله: {حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ}
وتأتي للاستئناف كقوله تعالى: {وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ}
فإن قيل: ما المانع من الجزم على العطف؟
فالجواب أنه عدل به عن حكم الجزاء إلى حكم الإخبار ابتداء كأنه قال ثم أخبركم أنهم لا ينصرون
فإن قيل: أي فرق بين رفعه وجزمه في المعنى؟
قيل: لو جزم لكان نفي النصر مقيدا بمقاتلتهم كتوليهم وحين رفع كان النصر وعدا مطلقا كأنه قال ثم شأنهم وقصتهم أني أخبركم عنها وأبشركم بها بعد التولية أنهم مخذولون منعت عنهم النصرة والقوة ثم لا ينهضون بعدها بنجاح ولا يستقيم لهم أمر
واعلم أنها وإن كانت حرف استئناف ففيها معنى العطف وهو عطف الخبر على جملة الشرط والجزاء كأنه قال أخبركم أنهم يقاتلونكم فيهزمون ثم أخبركم أنهم لا ينصرون
فإن قيل: ما معنى التراخي في ثم؟

قيل التراخي في الرتبة لأن الأخبار التي تتسلط عليهم أعظم من الإخبار بتوليهم الإدبار وكقوله تعالى: {أَلَمْ نُهْلِكِ الأَوَّلِينَ ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الآخِرِينَ}
ثَمَّ المفتوحة
ظرف للبعيد بمعنى قال تعالى: { وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ}
وقرئ: {فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ} ،أي هنالك الله شهيد بدليل: {هُنَالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ}
وقال الطبري في قوله: {أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ} معناه أهنالك، وليست ثم العاطفة وهذا وهم اشتبه عليه المضمومة بالمفتوحة

حاشا
اسم يأتي بمعنى التنزيه كقوله: {حَاشَ لِلَّهِ} بدليل قول بعضهم حاشا لله بالتنوين كما قيل: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ} من كذا أي حاشا لله بالتنوين كقولهم رعيا لزيد
وقراءة ابن مسعود: {حَاشَا الِلَّهِ} بالإضافة فهذا مثل سبحان الله ومعاذ الله
وقيل: بمعنى جانب يوسف المعصية لأجل الله وهذا لا يتأتى في: {حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَراً}
قال الفارسي: وهو فاعل من الحشا الذي هو الناحية أي صار في ناحية أي بعد مما رمي به وتنحى عنه فلم يغشه ولم يلابسه
فإن قلت: إذا قلنا باسمية حاشا فما وجه ترك التنوين في قراءة الجماعة وهي غير مضافة؟
قلت: قال ابن مالك والوجه أن تكون حاشى المشبهة بحاشى الذي هو حرف وأنه شابهه لفظا ومعنى فجرى مجراه في البناء

حتى
كـ "إلى" لكن يفترقان في أن ما بعد حتى يدخل في حكم ما قبلها قطعا كقولك قام القوم حتى زيد فـ "زيد" هاهنا دخل في القيام ولا يلزم ذلك في قام القوم إلى زيد ولهذا قال سيبويه إن حتى تجري مجرى الواو وثم في التشريك
ومن الدليل على دخول ما بعدها فيما قبلها قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كل شيء بقضاء وقدر حتى العجز والكيس"
وقوله: "أريت كل شيء حتى الجنة والنار"
وقال الكواشي في تفسيره: الفرق بينهما أن حتى تختص بالغاية المضروبة ومن ثم جاز أكلت السمكة حتى رأسها وامتنع حتى نصفها أو ثلثها وإلى عامة في كل غاية انتهى
ثم الغاية تجيء عاطفة وهي للغاية كيف وقعت أما في الشرف كجاء القوم حتى رئيسهم أو الضعة نحو أسنت الفصال حتى القرعى
أو تكون جملة من القول على حال هو آخر الأحوال المفروضة أو المتوهمة بحسب ذلك الشأن إما في الشدة نحو: {وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ} إذا أريد حكاية الحال ولولا ذلك لم تعطف الجملة الحالية على الجملة الماضية فإن أريد الاستقبال لزم النصب
وإما في الرخاء نحو شربت الإبل حتى يجيء البعير يجر بطنه على الحكاية

ولانتهاء الغاية نحو: {حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} {حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ}
والتعليل وعلامتها أن تحسن في موضعها كي نحو حتى تغيظ ذا الحسد ومنه قوله تعالى: { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ}
ويحتملها: {حَتَّى تَفِيءَ}
وقوله: {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ}
{هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا}
قيل: وللاستثناء كقوله تعالى: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا} والظاهر أنها للغاية
وحرف ابتداء أي تبتدأ به الجملة الاسمية أو الفعلية كقوله تعالى: {حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ}
في قراءة نافع.
وكذا الداخلة على إذا في نحو: {حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ} ونظائره والجواب محذوف

حيث
ظرف مكان قال الأخفش وللزمان وهي مبنية على الضم تشبيها بالغايات فإن الإضافة إلى الجملة كلا إضافة ولهذا قال الزجاج في قوله تعالى: {مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ}: ما بعد حيث صلة لها وليست بمضافة إليه يريد أنها ليست مضافة للجملة بعدها فصارت كالصلة لها أي كالزيادة
وفهم الفارسي أنه أراد أنها موصولة فرد عليه
ومن العرب من يعرب حيث قراءة بعضهم {مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ} بالكسر تحتملها وتحتمل البناء على الكسر وقد ذكروا الوجهين في قراءة: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} بفتح الثاء
والمشهور أنها ظرف لا يتصرف
وجوز الفارسي وغيره في هذه الآية كونها مفعولا به على السعة قالوا ولا تكون ظرفا لأنه تعالى لا يكون في مكان أعلم منه في مكان
وإذا كانت مفعولا لم يعمل فيها أعلم لأن أعلم لا يعمل في المفعول به فيقدر لها فعل
واختار الشيخ أثير الدين أنها باقية على ظرفيتها مجازا وفيه نظر

دون
نقيض فوق
ولها معان:
أحدها: من ظروف المكان المبهم لاحتمالها الجهات الست
وقيل: هي ظرف يدل على السفل في المكان أو المنزلة كقولك زيد دون عمرو.
وقال سيبويه: وأما دون فتقصير عن الغاية
قال الصفار: لا يريد الغاية على الإطلاق بل الغاية التي تكون بعدها فإذا قلت أنا دونك في العلم معناه أنا مقصر عنك وهو ظرف مكان متجوز فيه أي أنا في موضع من العلم
لا يبلغ موضعك ونظيره فلان فوقك في العلم
الثاني: اسم نحو: {مِنْ دُونِهِ}
الثالث: صفة،نحو: هذا الشيء دون أي رديء فيجري بوجوه الإعراب وقد تكون صفة لا بمعنى رديء ولكن على معناه من الظرفية نحو رأيت رجلا دونك
ثم قد يحذف هذا الموصوف وتقام الصفة مقامه وحينئذ فللعرب فيه لغتان أحدهما إعرابها كإعراب الموصول وجريها بوجوه الإعراب والثانية إبقاؤها على أصلها من

الظرفية وعليها جاء قوله: {وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ} ،قرئ بالرفع والنصب
وقال الزمخشري: معناه أدنى مكان من الشيء
ومنه الدون للحقير ويستعمل للتفاوت في الحال نحو زيد دون عمرو أي في الشرف والعلم واتسع فيه فاستعمل في تجاوز حد إلى حد نحو قوله تعالى: {أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ}أي لا يتجاوزون ولاية المؤمنين إلى ولاية الكافرين
وقيل: إنه مشتق من دون فعل يقال دان يدون دونا وأدين إدانة والمعنى على الحقارة والتقريب وهذا دون ذلك أي قريب منه ودون الكتب إذا جمعها لأن جمع الأشياء إدناء بعضها من بعض وتقليل المسافة بينها ودونك هذا أصله خذه من دونك أي من أدنى منك فاختصر.

ذو وذات
بمعنى صاحب ومنه قوله تعالى: {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ} ،وقوله: {ذَوَاتَا أَفْنَانٍ} ولا يستعمل إلا مضافا ولا يضاف إلى صفة ولا إلى ضمير
وإنما وضعت وصلة إلى وصف الأشخاص بالأجناس كما أن الذي وضعت وصلة إلى وصل المعارف بالجمل وسبب ذلك أن الوصف إنما يراد به التوضيح والتخصيص والأجناس أعم من الأشخاص فلا يتصور تخصيصها لها فإنك إذا قلت مررت برجل علم أو مال أو فضل ونحوه لم يعقل ما لم يقصد به المبالغة فإذا قلت بذي علم صح الوصف وأفاد التخصيص ولذلك كانت الصفة تابعة للموصوف في إعرابه ومعناه
وأما قراءة ابن مسعود {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِالْمٍ عَلِيمٌ} فقيل العالم هنا مصدر كالصالح والباطل وكأنه قال
{وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ} فالقراءتان في المعنى سواء
وقيل: ذي زائد ة
وقيل: من إضافة المسمى إلا الاسم أي وفوق كل ذي شخص يسمى عالما أو يقال له عالم عليم
ولا يضاف إلى ضمير الأشخاص ولهذا لحنوا قول بعضهم صلى الله على محمد وذويه

واختلفوا هل تضاف ذو إلى ضمير الأجناس فمنعه الأكثرون والظاهر الجواز لأن ضمير الجنس هو الجنس في المعنى
وعن ابن بري أنها تضاف إلى ما يضاف إليه صاحب لأنها رديفته وأنه لا يمتنع إضافتها للضمير إلا إذا كانت وصلة وإلا فلا يمتنع
وقال المطرزي في المغرب ذو بمعنى الصاحب تقتضي شيئين موصوفا ومضافا إليه تقول جاءني رجل ذو مال بالواو في الرفع وبالألف في النصب بالياء في الجر ومنه ذو بطن خارجة أي جنينها وألقت الدجاجة ذا بطنها أي باضت أو سلحت وتقول للمؤنث امرأة ذات مال وللبنتين ذواتا مال وللجماعة ذوات مال
قال: هذا أصل الكلمة ثم اقتطعوا عنها مقتضاها وأجروها مجرى الأسماء التامة المستقلة غير المقتضية لما سواها فقالوا ذات متميزة وذات قديمة ومحدثة ونسبوا إليها كما هي من غير تغيير علامة التأنيث فقالوا الصفات الذاتية واستعملوها استعمال النفس والشيء
وعن أبي سعيد يعني السيرافي كل شيء ذات وكل ذات شيء
وحكى صاحب التكملة قول العرب جعل ما بيننا في ذاته وعليه قول أبي تمام
يقول فيسمع ويمشى فيسرع
ويضرب في ذات الإله فيوجع
فال شيخنا يعني الزمخشري إن صح هذا فالكلمة عربية وقد استمر المتكلمون في استعمالها وأما قوله: {عليم بذات الصدور} وقوله فلان قليل ذات اليد

فمن الأول والمعنى الإقلال لمصاحبة اليد وقولهم أصلح الله ذات بينه وذو اليد أحق انتهى
وقال السهيلي: والإضافة لـ "ذي" أشرف من الإضافة لصاحب لأن قولك ذو يضاف إلى التابع وصاحب يضاف إلى المتبوع تقول أبو هريرة صاحب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا تقول النبي صاحب أبي هريرة إلا على جهة ما وأما ذو فإنك تقول فيها ذو المال وذو العرش فتجد الاسم الأول متبوعا غير تابع ولذلك سميت أقيال حمير بالأذواء نحو قولهم ذو جدن ذو يزن في الإسلام أيضا ذو العين وذو الشهادتين وذو السماكين وذو اليدين هذا كله تفخيم للشيء وليس ذلك في لفظة صاحب وبني على هذا الفرق أنه سبحانه قال في سورة الأنبياء: {وَذَا النُّونِ} فأضافه إلى النون وهو الحوت وقال في سورة القلم: {وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ} قال والمعنى واحد لكن بين اللفظين تفاوت كبير في حسن الإشارة إلى الحالتين وتنزيل الكلام في الموضعين فإنه ذكر في موضع الثناء عليه ذو النون ولم يقل صاحب النون لأن الإضافة بـ"ذي" أشرف من صاحب ولفظ النون أشرف من الحوت لوجود هذا الاسم في حروف الهجاء أوائل السور وليس في اللفظ الآخر ما يشرفه لذلك فالتفت إلى تنزيل الكلام في الآيتين يلح لك ما أشرنا إليه في هذا الغرض فإن التدبر لإعجاز القرآن واجب مفترض
وقوله تعالى: {وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} أي الحال بينكم وأزيلوا المشاجرة وتكون للإرادة والنية كقوله:
{وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} أي السرائر

رُوَيْد
تصغير رود وهو المهل قال تعالى: {أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً} أي قليلا
قال ابن قتيبة: وإذا لم يتقدمها أمهلهم كانت بمعنى مهلا ولا يتكلم بها إلا مصغرا مأمورا بها
ربّما
لا يكون الفعل بعدها إلا ماضيا لأن دخول ما لا يزيلها عن موضعها في اللغة فأما قوله تعالى: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا} فقيل على إضمار كان تقديره ربما كان يود الذين كفروا
السين
حرف استقبال قيل وتأتي للاستمرار كقوله تعالى: {سَتَجِدُونَ آخَرِينَ}
وقوله: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ} لأن ذلك إنما نزل بعد قولهم: {مَا وَلاَّهُمْ} فجاءت السين إعلاما بالاستمرار لا بالاستقبال
قال الزمخشري أفادت السين وجود الرحمة لا محالة فهي تؤكد الوعد كما تؤكد الوعيد إذا قلت سأنتقم منك

ومثله قول سيبويه في قوله: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ} معنى السين أن ذلك كائن لا محالة وإن تأخرت إلى حين
وقال الطيبي مراد الزمخشري أن السين في الإثبات مقابلة إن في النفي وهذا مردود لأنه لو أراد ذلك لم يقل السين توكيد للوعد بل كانت حينئذ توكيدا للموعود به كما أن لو تفيد تأكيد النفي بها
وتأتي زائدة كقوله: {يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ} أي تجيبون
وقوله: {وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا}

سوف
حرف يدل على التأخير والتنفيس وزمانه أبعد من زمان السين لما فيها من إرادة التسويف
ومنه قيل: فلان يسوف فلانا قال تعالى: {وَسَوْفَ تُسْأَلونَ}
وقال: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ} فقرب القول
وممن صرح بالتفاوت بينهما الزمخشري وابن الخشاب في شرح الجمل وابن يعيش وابن أبان وابن بابشاذ وابن عصفور وغيرهم
ومنع ابن مالك كون التراخي في سوف أكثر بأن الماضي والمستقبل متقابلان والماضي لا يقصد به إلا مطلق المضي دون تعرض لقرب الزمان أو بعده فكذا المستقبل ليجري المتقابلان على سنن واحد ولأنهما قد استعملا في الوقت الواحد وقال تعالى في سورة: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} {كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ} وفي سورة التكاثر: {كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ}
وقوله: {سَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً}
قلت: ولا بد من دليل على أن قوله تعالى: { وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ} ،وقوله: {فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ} معبرا به عن معنى واحد
ولمانع أن يمنعه مستندا إلى أن الله تعالى وعد المؤمنين أحوال خير في الدنيا والآخرة فجاز أن يكون ما قرن بالسين لما في الدنيا وما قرن بسوف لما في الآخرة ولا يخفى خروج

قوله: {كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ} ، وقوله: {كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ} عن دعواه لأن الوعد والوعيد مع سوف لا إسكان فيه ومع السين للمبالغة وقصد تقريب الوقوع بخلاف سيقوم زيد وسوف يقوم مما القصد فيه الإخبار المجرد
وفرق ابن بابشاذ أيضا بينهما بأن سوف تستعمل كثيرا في الوعيد والتهديد وقد تستعمل في الوعد
مثال الوعيد: {وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً} و{كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ}
وأمثالها في الوعد: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} فأما قوله تعالى: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} لتضمنه الوعد والوعيد جميعا فالوعد لأجل المؤمنين والمحبين والوعيد لما تضمنت من جواب المرتدين بكونهم أعزة عليهم وعلى جميع الكافرين
والأكثر في السين الوعد وتأتي للوعيد
مثال الوعد: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً}
ومثال الوعيد: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ}

على
للاستعلاء حقيقة نحو: {وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ}
أو مجازا نحو {وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ}
{فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ}
وأما قوله: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ} فهي بمعنى الإضافة والإسناد أي أضفت توكلي وأسندته إلى الله تعالى لا إلى الاستعلاء فإنها لا تفيده هاهنا
وللمصاحبة كقوله: {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ}
{وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ}
وتأتي للتعليل نحو: {لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} أي لهدايته إياكم
قال بعضهم: وإذا ذكرت النعمة في الغالب مع الحمد لم تقترن بعلى نحو: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} وإذا أريدت النعمة أتى بـ "على" ففي الحديث كان إذا رأى ما يكره قال: "الحمد لله على كل حال" ثم أورد هذه الآية
وأجاب بأن العلو هنا رفع الصوت بالتكبير
وتجيء للظرفية نحو: {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا}

ونحو: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ} أي في ملك سليمان أو في زمن سليمان أي زمن ملكه
ويحتمل أن تتلوا ضمن معنى تقول فتكون بمنزلة: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا}
وبمعنى من كقوله تعالى: {اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ}
وحمل عليه قوله: {مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأَوْلَيَانِ} أي منهم
وقوله: {كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً} أي كان الورود حتما مقضيا من ربك
وبمعنى عند نحو: {وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ}،أي عندي
والباء نحو: {حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لا أَقُولَ} وفي قراءة أبي رضي الله عنه بالباء
تنبيه
حيث وردت في حق الله تعالى فإن كانت في جانب الفضل كان معناه الوقوع وتأكيده كقوله: {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ} وقوله: {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ}

عن
تقتضي مجاوزة ما أضيف إليه نحو غيره وتعديه عنه تقول أطعمته عن جوع أي أزلت عنه الجوع ورميت عن القوس أي طرحت السهم عنها وقولك أخذت العلم عن فلان مجاز لأن علمه لم ينتقل عنه ووجه المجاز أنك لما تلقيته منه صار كالمنتقل إليك عن محله وكذلك قوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} لأنهم إذا خالفوا أمره بعدوا عنه وتجاوزوه
قال أبو محمد البصري: عن تستعمل أعم من على لأنه يستعمل في الجهات الست وكذلك وقع موقع على قوله:
إذا رضيت على بنو قشير
ولو قلت: أطعمته من جوع وكسوته على عرى لم يصح
وتجيء للبدل نحو: {وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً}
وللاستعلاء نحو: {وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ} وقوله: {إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي} أي قدمته عليه
وقيل: على بابها أي منصرفا عن ذكر ربي
وحكى الرماني عن أبي عبيدة أن أحببت من أحب البعير إحبابا إذا برك فلم يقم فـ "عن" متعلقة باعتبار معناه التضمين أي تثبطت عن ذكر ربي وعلى هذا فـ "حب الخير" مفعول لأجله

وللتعليل،نحو: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأبِيهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ}
{وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ}
وبمعنى بعد نحو: {عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ}
{يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} ،بدليل أن في مكان آخر من بعد مواضعه
{لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ}
وبمعنى من نحو: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ}
{أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا} بدليل، {فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ}
وبمعنى الباء نحو: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} وقيل على حقيقتها أي وما يصدر قوله عن هوى وقيل للمجاوزة لأن نطقه متباعد عن الهوى متجاوز عنه
وفيه نظر لأنها إذا كانت بمعنى الباء نفي عنه النطق في حال كونه متلبسا بالهوى وهو صحيح وإذا كانت على بابها نفي عنه التعلق حال كونه مجاوزا عن الهوى فيلزم أن يكون النطق حال كونه متلبسا بالهوى وهو فاسد

عسى
للترجي في المحبوب والإشفاق في المكروه وقد اجتمعا في قوله تعالى: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ}
قال ابن فارس: وتأتي للقرب والدنو كقوله تعالى: {قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ} قال: وقال الكسائي كل ما في القرآن من عسى على وجه الخبر فهو موحد نحو: { عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ} {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً}، ووحد على عسى الأمر أن يكون كذا
وما كان على الاستفهام فهو يجمع كقوله تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ} قال أبو عبيدة معناه هل عدوتم ذلك؟ هل جزتموه؟
وروى البيهقي في سننه عن ابن عباس قال كل عسى في القرآن فهي واجبة
وقال الشافعي: يقال: عسى من الله واجبة
وحكى ابن الأنباري عن بعض المفسرين أن عسى في جميع القرآن واجبة إلا في موضعين في سورة بني إسرائيل:
{عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ} يعني بني النضير فما رحمهم الله بل قاتلهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأوقع عليهم العقوبة

وفي سورة التحريم: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِنْكُنَّ} ،ولازمنه حتى قضى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وعمم بعضهم القاعدة وأبطل الاستثناء لأن تقديره أن يكون على شرط أي في وقت من الأوقات فلما زال الشرط وانقضى الوقت وجب عليكم العذاب فعلى هذا لم تخرج عن بابها الذي هو الإيجاب
وكذلك قوله: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ} تقديره واجب أن يبدله أزواجا خيرا منكن أي لبت طلاقكن ولم يبت طلاقهن فلا يجب التبديل
وقال صاحب الكشاف في سورة التحريم: {عَسَى رَبُّهُ} إطماع من الله تعالى لعباده وفيه وجهان أحدهما أن يكون على ما جرت به عادة الجبابرة من الإجابة بـ "لعل" وعسى ووقوع ذلك منهم موقع القطع والبت والثاني أن تجيء تعليما للعباد وجوب الترجيح بين الخوف والرجاء

عند
ظرف مكان بمعنى لدن إلا أن عند معربة وكان القياس بناءها لافتقارها إلى ما تضاف إليه كـ "لدن" وإذ ولكن أعربوا عند لأنهم توسعوا فيها فأوقعوها على ما هو ملك الشخص حضره أو غاب عنه بخلاف لدن فإنه لا يقال لدن فلان إلا إذا كان بحضرة القائل فـ "عند" بهذا الاعتبار أعم من لدن ويستأنس له بقوله: {آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً} أي من العلم الخاص بنا وهو علم الغيب.
وقوله: {وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً} ،الظاهر أنها بمعنى عندك وكأنها أعم من لدن لما ذكرنا فهي أعم من بين يدي لاختصاص هذه بجهة أمام فإن من حقيقتها الكون من جهتي مسامته البدن
وتفيد معنى القرب
وقد تجيء بمعنى وراء وأمام إذا تضمنت معنى قبل كـ "بين يدي الساعة"
وقد تجيء وراء بمعنى لدى المضمن معنى أمام كقوله تعالى: {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ}
{مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ}

{وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ}
وقوله: {مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ}،ويتناول الحالين بالتضايف
وقد يطلق لتضمنه معنى الطواعية وترك الاختيار مع المخاطب كقوله تعالى: {لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} ،من النهي عن التقديم أو التقدم على وجه المبادرة بالرأي والقول أي لا تقدموا القول أو لا تقدموا بالقول بين يدي قول الله وعلى هذا يكون المعنى بقوله: {بيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} أملأ بالمعنى
وإذا ثبت أن عند ولدى للقرب فتارة يكون حقيقيا كقوله: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى}
{وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ}
وتارة مجازا إما قرب المنزلة والزلفى،كقوله: {بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}
{إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ} وعلى هذا قيل الملائكة المقربون
أو قرب التشريف كقوله: {رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ} وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اللهم اغفر لي خطئي وعمدي وهزلي وجدي كل ذلك عندي" أي في دائرتي إشارة لأحوال أمته وإلا فقد ثبتت له العصمة
وتارة بمعنى الفضل،ومنه: {فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ} أي من فضلك وإحسانك
وتارة يراد به الحكم كقوله: {فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ}

{وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} أي في حكمه تعالى
وقوله: {إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ} أي في حكمك وقيل بحذف عند في الكلام وهي مرادة للإيجاز كقوله تعالى: {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ}
{رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ}
{عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ} ،أي من عند الرحمن لظهور {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ}
وقد تكون عند للحضور نحو: {فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِنْدَهُ}
وقد يكون الحضور والقرب معنويين نحو: {قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ}
ويجوز: وأنزل عندك

غير
متى ما حسن موضعها "لا" كانت حالا ومتى حسن موضعها "إلا" كانت استثناء
ويجوز أن تقع صفة لمعرفة،إذا كان مضافها إلى ضد الموصوف بشرط أن يكون له ضد واحد نحو مررت بالرجل الصادق غير الكاذب لأنه حينئذ يتعرف
ومنه قوله تعالى: {الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} فإن الغضب ضد النعمة والأول هم المؤمنون والثاني هم الكفار
وأورد عليه قوله تعالى: {نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} فإنه أضيف إلى الذين كانوا يعملون وهو ضد الصالح كأنه قيل الصالح
وأجيب بأن الذين كانوا يعملون بعض الصالح فلم يتمحض فيهما

الفاء
ترد عاطفة وللسببية وجزاء وزائدة
الأول: العاطفة ومعناها التعقيب نحو قام زيد فعمرو أي أن قيامه بعده بلا مهلة والتعقيب في كل شيء بحسبه نحو: {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ}
وأما قوله تعالى: {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتاً} والبأس في الوجود قبل الهلاك وبها احتج الفراء على أن ما بعد الفاء يكون سابقا ففيه عشرة أوجه:
أحدها: أنه حذف السبب وأبقى المسبب أي أردنا إهلاكها
الثاني: أن الهلاك على نوعين: استئصال وبغير استئصال،والمعنى وكم قرية أهلكناها بغير استئصال للجميع فجاءها بأسنا باستئصال الجميع
الثالث : أنه لما كان مجيء البأس مجهولا للناس والهلاك معلوم لهم وذكره عقب الهلاك وإن كان سابقا لأنه لا يتضح إلا بالهلاك
الرابع: أن المعنى قاربنا إهلاكها فجاءها باسنا فأهلكناها
الخامس: أنه على التقديم والتأخير أي جاءها بأسنا فأهلكناها
السادس: إن الهلاك ومجيء البأس لما تقاربا في المعنى جاز تقديم أحدهما على الآخر

السابع: أن معنى: {فَجَاءَهَا} أنه لما شوهد الهلاك علم مجيء البأس وحكم به من باب الاستدلال بوجود الأثر
الثامن: أنها عاطفة للمفصل على المجمل كقوله تعالى: {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً عُرُباً}
التاسع: أنها للترتيب الذكري
العاشر :...
وتجيء للمهلة كـ "ثم" كقوله تعالى: {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً}، ولا شك أن بينها وسائط
وكقوله: {وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى} فإن بين الإخراج والغثاء وسائط
وجعل منه ابن مالك قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الأَرْضُ مُخْضَرَّةً} وتؤولت على أن تصبح معطوف على محذوف تقديره أتينا به فطال النبت فتصبح
وقيل: بل هي للتعقيب والتعقيب على ما بعد في العادة تعقيبا لا على سبيل المضيافة فرب سنين بعد الثاني عقب الأول في العادة وإن كان بينهما أزمان كثيرة كقوله: {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا} قاله ابن الحاجب
وقيل: بل للتعقيب الحقيقي على بابها وذلك لأن أسباب الاخضرار عند زمانها

فإذا تكاملت أصبحت مخضرة بغير مهلة والمضارع بمعنى الماضي يصح عطفه على الماضي وإنما لم ينصب على جواب الاستفهام لوجهين:
أحدهما: أنه بمعنى التقرير أي قد رأيت فلا يكون له جواب لأنه خبر
والثاني: أنه إنما ينصب ما بعد الفاء إذا كان الأول سببا له ورؤيته لإنزال الماء ليست سببا لاخضرار الأرض إنما السبب هو إنزال الماء ولذلك عطف عليه
وأما قوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ} {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا} فالتقدير: فإذا أردت فاكتفي بالسبب عن المسبب
ونظيره: {أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ} أي فضرب فانفجرت
وأما قوله: : {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً} ،فقيل الفاء في: {فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ}،وفي{فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ} بمعنى ثم لتراخي معطوفها
وقال صاحب البسيط: طول المدة وقصرها بالنسبة إلى وقوع الفعل فيهما فإن كان الفعل يقتضي زمنا طويلا طالت المهلة وإن كان في التحقيق وجود الثاني عقيب الأول بلا مهلة وإن كان الفعل يقتضي زمنا قصيرا ظهر التعقيب بين الفعلين فالآية واردة على التقدير الأول فلا ينافي معنى الفاء
والحاصل أن المهلة بين الثاني والأول بالنسبة إلى زمن الفعل وأما بالنسبة إلى الفعل فوجود الثاني عقب الأول من غير مهلة بينهما هذا كله في سورة المؤمنين

وقال في سورة الحج: {ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ} فعطف الكل بـ "ثم" ولهذا قال لبعضهم ثم لملاحظة أول زمن المعطوف عليه والفاء لملاحظة آخره وبهذا يزول سؤال أن المخبر عنه واحد وهو مع أحدهما بالفاء وهي للتعقيب وفي الأخرى بثم وهي للمهلة وهما متناقضان
وقد أورد الشيخ عز الدين هذا السؤال في قوله: {ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} وفي أخرى، {ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ}
وأجاب بأن أول ما تحاسب أمة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم الأمم بعدهم فتحمل الفاء على أول المحاسبين ويكون من باب نسبة الفعل إلى الجماعة إذا صدر عن بعضهم كقوله تعالى: {وَقَتْلَهُمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ} ويحمل ثم على تمام الحساب
فإن قيل: حساب الأولين متراخ عن البعث فكيف يحسن الفاء؟فيعود السؤال
قلنا: نص الفارسي في الإيضاح على أن ثم أشد تراخيا من الفاء فدل على أن الفاء لها تراخ وكذا ذكر غيره من المتقدمين ولم يدع أنها للتعقيب إلا المتأخرون انتهى
وتجيء لتفاوت ما بين رتبتين كقوله: {وَالصَّافَّاتِ صَفّاً فَالزَّاجِرَاتِ زَجْراً فَالتَّالِيَاتِ ذِكْراً} تحتمل الفاء فيه التفاوت رتبة الصف من الزجر ورتبة الزجر من التلاوة ويحتمل تفاوت رتبة الجنس الصاف من رتبة الجنس الزاجر بالنسبة إلى صفهم وزجرهم ورتبة الجنس الزاجر من الجنس التالي بالنسبة إلى زجره وتلاوته
وقال الزمخشري: للفاء مع الصفات ثلاثة أحوال:
أحدها: أنها تدل على ترتيب معانيها في الوجود كقوله:

يا لهف زيابة للحارث فالـ
صابح فالغانم فالآيب
أي الذي أصبح فغنم فآب
الثاني: أن تدل على ترتيبها في التفاوت من بعض الوجوه نحو قولك خذ الأكمل فالأفضل واعمل الأحسن فالأجمل
الثالث: أنها تدل على ترتيب موصوفاتها فإنها في ذلك نحو رحم الله المحلقين فالمقصرين
النوع الثاني: لمجرد السببية والربط نحو: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ} ولا يجوز أن تكون عاطفة فإنه لا يعطف الخبر على الإنشاء وعكسه عكسها بمجرد العطف فيما سبق من نحو: {فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى}
وقد تأتي لهما نحو: {فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ} {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ} {لآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ} وأما قوله تعالى: {فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ} ،فهذه ثلاث فاءات،وهذا هو الغالب على الفاء المتوسطة بين الجمل المتعاطفة
وقال بعضهم: إذا ترتب الجواب بالفاء،فتارة يتسبب عن الأول،وتارة يقام مقام ما تسبب عن الأول
مثال الجاري على طريق السببية: {سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى}{فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ

إِلَى حِينٍ} { فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْنَاهُ}
ومثال الثاني: {فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً}،{وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ} النوع الثالث: الجزائية والفاء تلزم في جواب الشرط إذا لم يكن فعلا خبريا أعنى ماضيا ومضارعا فإن كان فعلا خبريا امتنع دخول الفاء فيحتاج إلى بيان ثلاثة أمور:
العلة وتعاقب الفعل الخبري والفاء
والجواب عن اجتماعهما في قوله تعالى: {وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ} وقوله: {فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخَافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً} وقراءة حمزة {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} وعن ارتفاعهما في قوله تعالى: {وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون } وفي قول الشاعر
*من يفعل الحسنات الله يشكرها*
والجواب عن الأول وهو السؤال عن علة تعاقب الفعل والفاء أن الجواب هو جملة تامة يجوز استقلالها فلا بد من شيء يدل على ارتباطها بالشرط وكونها جوابا له فإذا كانت الجملة فعلية صالحة لأن تكون جزاء اكتفى بدلالة الحال على كونها جوابا لأن الشرط يقتضي جوابا وهذه الجملة تصلح جوابا ولم يؤت بغيرها فلزم كونها جوابا وإذا تعقبت الجواب امتنع دخول الفاء للاستغناء عنها فإن كانت الجملة غير فعلية لم تكن صالحة

للجواب بنفسها لأن الشرط إنما يقتضي فعلين شرطا وجزاء فما ليس فعلا ليس من مقتضيات أداة الشرط حتى يدل اقتضاؤها على أنه الجزاء فلا بد من رابطة فجعلوا الفاء رابطة لأنها للتعقيب فيدل تعقيبها الشرط بتلك الجملة على أنها الجزاء فهذا هو السبب في تعاقب الفعل والفاء في باب الجزاء
والجواب عن الثاني: هو أن اجتماع الفعل والفاء في الآيتين غير مبطل للمدعي بتعاقبهما وهو أن المدعي تعاقبهما إذا كان الفعل صالحا لأن يجازى به وهو إذا ما كان صالحا للاستقبال لأن الجزاء لا يكون إلا مستقبلا
وقوله: صدقت وكذبت المراد بالفعل في الآية المضي فلم يصح أن يكون جوابا فوجبت الفاء
فإن قيل: فلم سقطت الفاء في قوله: {وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ} قلنا: عنه ثلاثة أجوبة:
أحدها: أن إذا في الآية ليست شرطا بل لمجرد الزمان والتقدير والذين هم ينتصرون زمان إصابة البغي لهم
والثاني: أن هم زائدة للتوكيد
والثالث: أن الفاء حسن حذفها كون الفعل ماضيا
وبالأول يجاب عن قوله تعالى: { وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلاَّ أَنْ قَالُوا}

والجواب عن الثالث أن الفعل والفاء أيضا من قوله: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ}، فهو أن إذا قامت مقام الفاء وسدت مسدها لحصول الربط بها كما يحصل بالفاء وذلك لأن إذا للمفاجأة وفي المفاجأة معنى التعقيب.
وأما الأخفش فإنه جوز حذف الفاء حيث يوجب سيبويه دخولها واحتج بقوله تعالى: {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ}
وبقراءة من قرأ: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ}
في قراءة نافع وابن عامر.
ولا حجة فيه لأن الأول يجوز أن يكون جواب قسم والتقدير والله إن أطعمتموهم فتكون {إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} جوابا للقسم ولجزاء محذوف سد جواب القسم مسده وأما الثانية فلأن ما فيه موصولة لا شرطية فلم يجز دخول الفاء في خبرها.
والرابع: الزائدة كقوله تعالى: {فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ} والخبر حميم وما بينهما معترض.
وجعل منه الأخفش: {فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ}
وقال سيبويه: هي جواب لشرط مقدر أي إن أردت عليه فذلك
وقوله: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} على قول

في
تجيء لمعان كثيرة:
للظرفية:
ثم تارة يكون الظرف والمظروف حسيين نحو زيد في الدار،ومنه: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ}، {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي} {وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} {أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ} وتارة يكونان معنويين نحو رغبت في العلم ومنه {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} وتارة يكون المظروف جسما نحو {إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} وتارة يكون الظرف جسما نحو {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} والأول حقيقة والرابع أقرب المجازات إلى الحقيقة.
وتجيء بمعنى "مع "نحو {فِي تِسْعِ آيَاتٍ} {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي}
على قول.
وبمعنى عند نحو: {وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ}
وللتعليل: {فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ}

========================

ج10.




اتصل بنا | Other languages | الصفحة الرئيسية

كتاب : البرهان في علوم القرآن
المؤلف : بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي


وبمعنى على كقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ}.
بدليل قوله : {فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ}.
وقوله: {وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ}.
لما في الكلام من معنى الاستعلاء.
وقيل: ظرفية لأن الجذع للمصلوب بمنزلة القبر للمقبور فلذلك جاز أن يقال في.
وقيل: إنما آثر لفظة في للإشعار بسهولة صلبهم لأن على تدل على نبو يحتاج فيه إلى تحرك إلى فوق.
وبمعنى إلى نحو: {فَتُهَاجِرُوا فِيهَا}
{فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ}
وبمعنى من: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً}
وللمقايسة وهي الداخلة بين مفضول سابق وفاضل لاحق كقوله تعالى: {فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ}
وللتوكيد كقوله تعالى: {ارْكَبُوا فِيهَا}
وبمعنى بعد: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} أي بعد عامين

وبمعنى عن كقوله: {فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى}قيل لما نزلت: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ}،لم يسمعوا ولم يصدقوا فنزل: {وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى}. أي عن النعيم الذي قلناه ووصفناه في الدنيا فهو في نعيم الآخرة أعمى إذ لم يصدق

قد
تدخل على الماضي المتصرف وعلى المضارع بشرط تجرده عن الجازم والناصب وحرف التنفيس.
وتأتي لخمس معان: التوقع والتقريب والتقليل والتكثير والتحقيق.
فأما التوقع فهو نقيض ما التي للنفي وتدخل على الفعل المضارع نحو قد يخرج زيد تدل على أن الخروج متوقع أي منتظر وأما مع الماضي فلا يتحقق الوقوع بمعنى الانتظار لأن الفعل قد وقع وذلك ينافي كونه منتظرا ولذلك استشكل بعضهم كونها للتوقع مع الماضي ولكن معنى التوقع فيه أن "قد" تدل على أنه كان متوقعا منتظرا ثم صار ماضيا ولذلك تستعمل في الأشياء المترقبة.
وقال الخليل: إن قولك قد قعد كلام لقول ينتظرون الخير ومنه قول المؤذن قد قامت الصلاة لأن الجماعة منتظرون
وظاهر كلام ابن مالك في تسهيله أنها لم تدخل على المتوقع لإفادة كونه متوقعا بل لتقريبه من الحال انتهى.
ولا يبعد أن يقال إنها حينئذ تفيد المعنيين
واعلم أنه ليس من الوجه الابتداء بها إلا أن تكون جوابا لمتوقع كقوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} لأن القوم توقعوا علم حالهم عند الله

وكذلك قوله: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا}
لأنها كانت تتوقع إجابة الله تعالى لدعائها.
وأما التقريب فإنها ترد للدلالة عليه مع الماضي فقد فتدخل لتقريبه من الحال ولذلك تلزم قد مع الماضي إذا وقع حالا كقوله تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} وأما ما ورد دون قد فقوله تعالى: {هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا} ،فـ "قد" فيه مقدرة هذا مذهب المبرد والفراء وغيرهما.
وقيل: لا يقدر قبله قد.
وقال ابن عصفور: إن جواب القسم بالماضي المتصرف المثبت إن كان قريبا من زمن الحال دخلت عليه قد واللام نحو والله لقد قام زيد وإن كان بعيدا لم تدخل نحو والله لقام زيد.
وكلام الزمخشري: يدل على أن قد مع الماضي في جواب القسم للتوقع قال في الكشاف عند قوله: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ}
في سورة الأعراف فإن قلت مالهم لا يكادون ينطقون باللام إلا مع قد وقل عندهم مثل قوله:
حلفت لها بالله حلفة فاجر.
لناموا فما إن حديث ولا صال
قلت: إنما كان كذلك لأن الجملة القسمية لا تساق إلا تأكيدا للجملة المقسم عليها التي هي جوابها فكانت مظنة لمعنى التوقع الذي هو معنى قد عند استماع المخاطب كلمة القسم

وقال ابن الخباز: إذا دخلت قد على الماضي أثرت فيه معنيين تقريبه من زمن الحال وجعله خبرا منتظرا فإذا قلت قد ركب الأمير فهو كلام لقوم ينتظرون حديثك هذا تفسير الخليل انتهى.
وظاهرة أنها تفيد المعنيين معا في الفعل الواحد.
ولا يقال إن معنى التقريب ينافي معنى التوقع لأن المراد به ما تقدم تفسيره.
وكلام الزمخشري في المفصل يدل على أن التقريب لا ينفك عن معنى التوقع.
وأما التقليل فإنها ترد له مع المضارع إما لتقليل وقوع الفعل نحو قد يجود البخيل وقد يصدق الكذوب أو للتقليل لمتعلق كقوله تعالى {قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ} . أي ما هم عليه هو أقل معلوماته سبحانه.
وقال الزمخشري: هي للتأكيد وقال: إن" قد" إن دخلت على المضارع كانت بمعنى ربما فوافقت ربما في خروجها إلى معنى التكثير والمعنى إن جميع السموات والأرض مختصا به خلقا وملكا وعلما فكيف يخفى عليه أحوال المنافقين
وقال في سورة الصف: {لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ} قد معناها التوكيد كأنه قال تعلمون علما يقينا لا شبهة لكم فيه
ونص ابن مالك على أنها كانت للتقليل صرفت المضارع إلى الماضي
وقد نازع بعض المتأخرين في أن "قد" تفيد التقليل مع أنه مشهور ونص عليه الجمهور فقال قد تدل على توقع الفعل عمن أسند إليه وتقليل المعنى لم يستفد من قد بل لو قيل البخيل يجود والكذوب يصدق فهم منه التقليل لأن الحكم على من شأنه

البخل بالجود وعلى من شأنه الكذب بالصدق إن لم يحمل ذلك على صدور ذلك قليلا كان الكلام كذبا لأن آخره يدفع أوله.
وأما التكثير فهو معنى غريب وله من التوجيه نصيب وقد ذكره جماعة من المتأخرين
وجعل منه الزمخشري: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ}
وجعلها غيره للتحقيق.
وقال ابن مالك: إن المضارع هنا بمعنى الماضي أي قد رأينا.
وأما التحقيق فترد لتحقيق وقوع المتعلق مع المضارع والماضي لكنه قد يرد والمراد به المضي كما في قوله تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ}
{قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ}
{قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ}
وقال الراغب: إن دخلت على الماضي اجتمعت لكل فعل متجدد نحو: {قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا}
{قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ}
{لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ}
{لَقَدْ تَابَ اللَّهُ}

ولهذا لا تستعمل في أوصاف الله لا يقال قد كان الله غفورا رحيما
فأما قوله: {أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى} ،فهو متأول للمرضى في المعنى كما أن النفي في قولك: ما علم الله زيد يخرج هو للخروج وتقديره وما يخرج زيد فيما علم الله وإن دخلت على المضارع فذلك لفعل يكون في حاله نحو: {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ}
أي قد يتسللون فيما علم الله

الكاف
للتشبيه نحو: {وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالأَعْلامِ} وهو كثير
وللتعليل كقوله تعالى: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً} ،قال الأخفش: أي لأجل إرسالي فيكم رسولا منكم فاذكروني.
وهو ظاهر في قوله تعالى: {وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ}
وجعل ابن برهان النحوي منه قوله تعالى: {وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ}
وللتوكيد: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ}
وقوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} أي ليس شيء مثله وإلا لزم إثبات المثل.
قال ابن جني: وإنما زيدت لتوكيد نفي المثل لأن زيادة الحرف بمنزلة إعادة الجملة ثانيا.
وقال غيره: الكاف زائدة لئلا يلزم إثبات المثل لله تعالى وهو محال لأنها تفيد نفي المثل عن مثله لا عنه لأنه لولا الحكم بزيادتها لأدى إلى محال آخر وهو أنه إذا لم يكن مثل شيء لزم إلا يكون شيئا لأن مثل المثل مثله.
وقيل: المراد مثل الشيء ذاته وحقيقته كما يقال مثلي لا يفعل كذا أي أنا لا أفعل وعلى هذا لا تكون زائدة.
وقال ابن فورك: هي غير زائدة والمعنى ليس مثل مثله شيء وإذا نفيت التماثل عن الفعل فلا مثل لله على الحقيقة
قال صاحب المستوفى: ولتأكيد الوجود كقوله تعالى: { وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً}، أي أن تربيتهما لي قد وجدت كذلك أوجد رحمتك لهما يا رب

كان
تأتي للمضي وللتوكيد وبمعنى القدرة كقوله: {مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا}. أي ما قدرتم.
وبمعنى ينبغي كقوله: {مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا} أي لم ينبغ لنا. وتكون زائدة كقوله تعالى: {وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}. أي بما يعملون لأنه قد كان عالما ما علموه من إيمانهم به.
وقد سبقت في مباحث الأفعال
كأن
للتشبيه المؤكد ولهذا جاء: {كَأَنَّهُ هُوَ}.
دون غيرها من أدوات التشبيه ولليقين كما في قوله تعالى: {وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ}، على ما سيأتي.
وقد تخفف قال تعالى: {كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ}
كأين
بمعنى كم للتكثير لأنها كناية عن العدد قال تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ} . وفيها قراءتان كائن على وزن قائل وبائع وكأين بتشديد الياء

قال ابن فارس: سمعت بعض أهل القرية يقول ما أعلم كلمة تثبت فيها النون خطا غيره هذه
كاد
بمعنى قارب وسبقت في مباحث الأفعال

كلا
قال سيبويه حرف ردع وزجر.
قال الصفار إنها تكون اسما للرد إما لرد ما قبلها وإما لرد ما بعدها كقوله تعالى: {كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} هي رد لما قبلها لأنه لما قال: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ}. كان إخبارا بأنهم لا يعلمون الآخرة ولا يصدقون بها فقال: {كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ} فلا يحسن الوقف عليها هنا إلا لتبيين ما بعدها ولو لم يفتقر لما بعدها لجاز الوقف.
وقوله: {يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ كُلاً} هي رد لما قبلها فالوقف عليها حسن انتهى.
وقال ابن الحاجب: شرطه أن يتقدم ما يرد بها ما في غرض المتكلم سواء كان من كلام غير المتكلم على سبيل الحكاية أو الإنكار أو من كلام غيره.
كقوله تعالى: {كُلاً}. بعد قوله: {يَقُولُ الإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ} وكقوله تعالى: {قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلاَّ}
وكقولك: أنا أهين العالم!كلا انتهى

وهي نقيض إي في الإثبات كقوله: {كَلاَّ لا تُطِعْهُ}
وقوله: {أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْداً كَلاَّ}
وقوله: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزّاً كَلاَّ} وتكون بمعنى حقا صلة لليمين كقوله: {كَلاَّ وَالْقَمَرِ}
{كَلاَّ إِذَا دُكَّتِ الأَرْضُ دَكّاً دَكّاً}
وقوله: {كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ}،{كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ}،{كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ}
وأما قوله: {يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ كُلاً}
فيحتمل الأمرين.
وقد اختلف القراء في الوقف عليها.
فمنهم من يقف عليها أينما وقعت وغلب عليها معنى الزجر.
ومنهم من يقف دونها أينما وقعت ويبتدئ بها وغلب عليها معنى الزجر.
ومنهم من يقف دونها أينما وقعت ويبتدئ بها وغلب عليها أن تكون لتحقيق ما بعدها
ومنهم من نظر إلى المعنيين فيقف عليها إذا كانت بمعنى الردع ويبتدئ بها إذا كانت بمعنى التحقيق وهو أولى

ونقل ابن فارس عن بعضهم أن ذلك وهذا نقيضان لـ "لا" وأن كذلك نقيض لـ "كلا" كقوله تعالى: {ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ}. على معنى ذلك كما قلنا وكما فعلنا.
ومثله: {هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ}
قال: ويدل على هذا المعنى دخول الواو بعد قوله ذلك وهذا لأن ما بعد الواو يكون معطوفا على ما قبله بها وإن كان مضمرا وقال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً}.
ثم قال{كَذَلِكَ} أي كذلك فعلنا ونفعله من التنزيل وهو كثير
وقيل: إنها إذا كانت بمعنى لا فإنها تدخل على جملة محذوفة فيها نفي لما قبلها والتقدير ليس الأمر كذلك وهي على هذا حرف دال على هذا المعنى ولا تستعمل عند خلاف النحويين بهذا المعنى إلا في الوقف عليها ويكون زجرا وردا أو إنكارا لما قبلها وهذا مذهب الخليل وسيبويه والأخفش والمبرد والزجاج وغيرهم لأن فيها معنى التهديد والوعيد ولذلك لم تقع في القرآن إلا في سورة مكية لأن التهديد والوعيد أكثر ما نزل بمكة لأن أكثر عتو المشركين وتجبرهم بمكة فإذا رأيت سورة فيها كلا فأعلم أنها مكية
وتكون كلا بمعنى حقا عند الكسائي فيبتدأ بها لتأكيد ما بعدها فتكون في موضع المصدر ويكون موضعها نصبا على المصدر والعامل محذوف أي أحق ذلك حقا

ولا تستعمل بهذا المعنى عند حذاق النحويين إلا إذا ابتدئ بها لتأكيد ما بعدها.
وتكون بمعنى ألا فيستفتح بها الكلام وهي على هذا حرف وهذا مذهب أبي حاتم واستدل على أنها للاستفتاح أنه روي أن جبريل نزل على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخمس آيات من سورة العلق ولما قال:
{عَلَّمَ الأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}. طوى النمط فهو وقف صحيح ثم لما نزل بعد ذلك: {كَلاَّ إِنَّ الأِنْسَانَ لَيَطْغَى} فدل على أن الابتداء بـ "كلا" من طريق الوحي فهي في الابتداء بمعنى ألا عنده.
فقد حصل لـ "كلا" معاني النفي في الوقف عليها وحقا وألا في الابتداء بها.
وجميع كلا في القرآن ثلاثة وثلاثون موضعا في خمس عشرة سورة ليس في النصف الأول من ذلك شيء
وقوله تعالى: {كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا}.
على معنى ألا واختار قوم جعلها بمعنى حقا وهو بعيد لأنه يلزم فتح إن بعدها ولم يقرأ به أحد

كل
اسم وضع لضم أجزاء الشيء على جهة الإحاطة من حيث كان لفظه مأخوذا من لفظ الإكليل والكلة والكلالة مما هو للإحاطة بالشيء وذلك ضربان أحدهما انضمام لذات الشيء وأحواله المختصة به وتفيد معنى التمام كقوله تعالى: {وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ}.
أي بسطا تاما {فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ}. ونحوه.
والثاني انضمام الذوات وهو المفيد للاستغراق.
ثم إن دخل على منكر أوجب عموم أفراد المضاف إليه أو على معرف أوجب عموم أجزاء ما دخل عليه.
وهو ملازم للأسماء ولا يدخل على الأفعال.
وأما قوله تعالى: {وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ}. فالتنوين بدل من المضاف أي كل واحد.
وهو لازم للإضافة معنى ولا يلزم إضافته لفظا إلا إذا وقع تأكيدا أو نعتا وإضافته منوية عند تجرده منها
ويضاف تارة إلى الجمع المعرف نحو كل القوم ومثله اسم الجنس نحو: {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِبَنِي إِسْرائيلَ} وتارة إلى ضميره نحو: {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ

الْقِيَامَةِ فَرْداً} {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ}.
وإلى نكرة مفردة نحو: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ} {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ}.
وربما خلا من الإضافة لفظا وينوي فيه نحو: {كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}{وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ}{وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً}{كُلاً هَدَيْنَا}{كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ}{وَكُلاً ضَرَبْنَا لَهُ الأَمْثَالَ} وهل تنوينه حينئذ عوض أو تنوين صرف؟ قولان.
قال أبو الفتح: وتقديمها أحسن من تأخيرها لأن التقدير كلهم فلو أخرت لباشرت العوامل مع أنها في المعنى منزلة منزلة ما لا يباشره فلما تقدمت أشبهت المرتفعة بالابتداء في أن كلا منهما لم يل عاملا في اللفظ وأما كل المؤكد بها فلازمة للإضافة.
وتحصل لها ثلاثة أحوال:
مؤكدة ومبتدأ بها مضافة ومقطوعة عن الإضافة.
فأما المؤكدة فالأصل فيها أن تكون توكيدا للجملة أو ما هو في حكم الجملة مما يتبعض لأن موضوعها الإحاطة كما سبق
وأما المضافة غير المؤكدة فالأصل فيها أن تضاف إلى النكرة الشائعة في الجنس لأجل

معنى الإحاطة وهو إنما ما يطلب جنسا يحيط به فإن أضفته إلى جملة معرفة نحو كل إخوتك ذاهب قبح إلا في الابتداء إلا أنه إذا كان مبتدأ وكان خبره مفردا تنبيها على أن أصله الإضافة للنكرة لشيوعها.
فإن لم يكن مبتدأ وأضفته إلى جملة معرفة نحو ضربت كل إخوتك وضربت كل القوم لم يكن في الحسن بمنزلة ما قبله لأنك لم تضفه إلى جنس ولا معك في الكلام خبر مفرد يدل على معنى إضافته إلى جنس معرف بالألف واللام حسن ذلك كقوله تعالى: {فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ}.
لأن الألف واللام للجنس ولو كانت للعهد لم يحسن لمنافاتها معنى الإحاطة.
ويجوز أن يؤتى بالكلام على أصله فتؤكد الكلام بـ "كل" فتقول خذ من الثمرات كلها.
فإن قيل فإذا استوى الأمران في قوله كل من كل الثمرات وكل من الثمرات كلها فما الحكمة في اختصاص أحد الجائزين في نظم القرآن دون الآخر؟
قال السهيلي في النتائج: له حكمة وهو أن من في الآية لبيان الجنس لا للتبعيض والمجرور في موضع المفعول لا في موضع الظرف وإنما يريد الثمرات أنفسها لأنه أخرج منها شيئا وأدخل من لبيان الجنس كله ولو قال أخرجنا به من الثمرات كلها لقيل أي شيء أخرج منها وذهب التوهم إلى أن المجرور في موضع ظرف وإن مفعول: {أُخْرِجْنَا} فيما بعد وهذا يتوهم مع تقدم كل لعلم المخاطبين أن كلا

إذا تقدمت اقتضت الإحاطة بالجنس وإذا تأخرت اقتضت الإحاطة بالمؤكد بتمامه جنسا شائعا كان أو معهودا.
وأما قوله تعالى: {ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ}. ولم يقل من الثمرات كلها ففيه الحكمة السابقة وتزيد فائدة وهي أنه قد تقدمها في النظم: {وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ} الآية.
فلو قال بعدها: ثم كلي من الثمرات كلها لأوهم أنها للعهد المذكور قبله فكان الابتداء بـ "كل" أحضر للمعنى وأجمع للجنس وأرفع للبس.
وأما المقطوع عن الإضافة فقال السهيلي حقها أن تكون مبتدأة مخبرا عنها أو مبتدأة منصوبة بفعل بعدها لا قبلها أو مجرورة يتعلق خافضها بما بعدها كقولك كلا ضربت وبكل مررت فلا بد من مذكورين قبلها لأنه إن لم يذكر قبلها جملة ولا أضيفت إلى جملة بطل معنى الإحاطة فيها ولم يعقل لها معنى.
واعلم أن لفظ كل لأفراد التذكير ومعناه بحسب ما يضاف إليه والأحوال ثلاثة:
فالأول: أن يضاف إلى نكرة فيجب مراعاة معناها فلذلك جاء الضمير مفردا مذكرا في قوله تعالى: {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ} {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ}.
ومفردا مؤنثا في قوله: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}

ومجموعا مذكرا في قوله: {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}.
في معنى الجمع لأنه اسم جمع.
وما ذكرناه من وجوب مراعاة المعنى مع النكرة دون لفظ كل قد أوردوا عليه نحو قوله تعالى: {وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ}.
وقوله: {وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ}.
وقوله: {وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلأِ الأَعْلَى}
وأجيب بأن الجمع في الأولى باعتبار الأمة.
وكذلك في الثانية فإن الضامر اسم جمع كالجامل والباقر.
وكذلك في الثالثة إنما عاد الضمير إلى الجمع المستفاد من الكلام فلا يلزم عوده إلى كل.
وزعم الشيخ أثير الدين في تفسيره: {وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} ،ثم قال: {أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} أنه مما روعي فيه المعنى بهذا اللفظ.
وليس كذلك فإن الضمير لم يعد إلى كل بل على الأفاكين الدالة عليه: {لِكُلِّ أَفَّاكٍ}
. وأيضا فهاتان جملتان والكلام في الجملة الواحدة.
الثاني: أن تضاف إلى معرفة فيجوز مراعاة لفظها ومراعاة معناها سواء كانت الإضافة لفظا نحو: {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً} ،فراعى لفظ كل
ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته" ولم يقل راعون ولا مسئولون

أو معنى نحو: {فَكُلاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ}، فراعى لفظها وقال: {وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ}.
فراعى المعنى.
وقد اجتمع مراعاة اللفظ والمعنى في قوله تعالى: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً}.
هذا إذا جعلنا من موصولة فإن جعلناها نكرة موصوفة خرجت من هذا القسم إلى الأول.
الثالث: أن تقطع عن الإضافة لفظا فيجوز مراعاة لفظها ومراعاة معناها.
فمن الأول: {كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ} {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ}{إِنْ كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ الرُّسُلَ}.
ولم يقل كذبوا {فَكُلاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ}
ومن الثاني: {وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ}،{كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} {كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ} {وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ}
قال أبو الفتح: وعلته أن أحد الجمعين عندهم كان عن صاحبه فإن لفظ كل للأفراد ومعناها الجمع وهذا يدل على أنهم قدروا المضاف إليه المحذوف في الموضعين جمعا فتارة روعي كما إذا صرح به وتارة روعي لفظ كل وتكون حالة الحذف مخالفة لحال الإثبات

قيل: ولو قال قائل حيث أفرد يقدر الحذف مفردا وحيث جمع يقدر جمعا فيقدر في قوله: {فَكُلاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ}
كل واحد ويقدر في قوله: {وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ}.
كل نوع مما سبق لكان موافقا إذا أضيف لفظا إلى نكرة.
وما ذكروه يقتضي أن تقديره وكلهم آتوه وكلا التقديرين سائغ والمراد الجمع.
ويتعين في قوله تعالى: {كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}.
أن كلا من الشمس والقمر والليل والنهار لا يصح وصفه بالجمع وقد قدر الزمخشري {كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ} كل أحد وهو يساعد ما ذكرناه.
وما ذكرناه في هذه الحالة هو المشهور.
وقال السهيلي في نتاج الفكر إذا قطعت كل عن الإضافة فيجب أن يكون خبرها جمعا لأنها أسم في معنى الجمع تقول كل ذاهبون إذا تقدم ذكر قوم وأجاب عن إفراد الخبر في الآيات السابقة بأن فيها قرينة تقتضي تحسين المعنى بهذا اللفظ دون غيره.
أما قوله: {كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ} فلأن قبلها ذكر فريقين مختلفين مؤمنين وظالمين فلو جمعهم في الأخبار وقال كل يعملون لبطل معنى الاختلاف وكان لفظ الإفراد أدل على المراد والمعنى كل فريق يعمل على شاكلته
وأما قوله: {إِنْ كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ الرُّسُلَ} فلأنه ذكر قرونا وأمما وختم ذكرهم بقوم تبع فلو قال كل كذبوا لعاد إلى أقرب مذكور فكان يتوهم أن الأخبار عن قوم تبع خاصة فلما قال: {إِنْ كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ} علم أنه يريد كل فريق منهم كذب لأن إفراد الخبر عن كل حيث وقع إنما يدل على هذا المعنى

مسألة
وتتصل ما بـ "كل" نحو: {كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا}.
وهي مصدرية لكنها نائبة بصلتها عن ظرف زمان كما ينوب عنه المصدر الصريح والمعنى كل وقت.
وهذه تسمى ما المصدرية الظرفية أي النائبة عن الظرف لا أنها ظرف في نفسها فـ "كل" من كلما منصوب على الظرفية لإضافته إلى شيء هو قائم مقام الظرف.
ثم ذكر الفقهاء والأصوليون أن كلما للتكرار قال الشيخ أبو حيان وإنما ذلك من عموم ما لأن الظرفية مراد بها العموم فإذا قلت أصحبك ما ذر لله شارق فإنما تريد العموم فـ "كل" أكدت العموم الذي أفادته ما الظرفية لا أن لفظ كلما وضع للتكرار كما يدل عليه كلامهم وإنما جاءت كل توكيدا للعموم المستفاد من ما الظرفية انتهى.
وقوله: إن التكرار من عموم ما ممنوع فإن ما المصدرية لا عموم لها ولا يلزم من نيابتها عن الظرف دلالتها على العموم وإن استفيد عموم في مثل هذا الكلام فليس من ما إنما هو من التركيب نفسه
وذكر بعض الأصوليين أنها إذا وصلت بـ "ما" صارت أداة لتكرار الأفعال وعمومها قصدي وفي الأسماء ضمني قال تعالى: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ} وإذا جردت من لفظ ما انعكس الحكم وصارت عامة في الأسماء قصدا وفي الأفعال ضمنا

ويظهر الفرق بينهما في قوله كل امرأة أتزوجها فهي طالق تطلق كل امرأة يتزوجها وتكون عامة في جميع النساء لدخولها على الاسم وهو قصدي ولو تزوج امرأة ثم تزوجها مرة أخرى لم تطلق في الثانية لعدم عمومها قصدا في الأسماء ولو قال كلما تزوجت امرأة فهي طالق فتزوج امرأة مرارا طلقت في كل مرة لاقتضائها عموم الأفعال قصدا وهو التزوج
مسألة.
ويأتي كل صفة ذكره سيبويه في باب النعت قال ومن الصفة أنت الرجل كل الرجل ومررت بالرجل كل الرجل
قال الصفار: هذا يكون عند قصد التأكيد والمبالغة فإن قولك الرجل معناه الكامل ومعنى كل الرجل أي هو الرجل لعظمته قد قام مقام الجنس كما تقول أكلت شاة كل شاة وإليه أشار بقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كل الصيد في جوف الفرا" أي أن من صاده فقد صاد جميع الصيد لقيامه مقامه لعظمته قال وهذا إنما يجوز إذا سبقها ما فيه رائحة الصفة كما ذكرنا فلو كان جامدا لم يجز نحو مررت بعبد الله كل الرجل لا يفهم من عبد الله شيء

كِلا وكِلْتا
هما توكيد الاثنين وفيهما معنى الإحاطة ولهذا قال الراغب هي في التثنية ككل في الجمع ومفرد اللفظ مثنى المعنى عبر عنه مرة بلفظه ومرة بلفظ الاثنين اعتبارا بمعناه قال تعالى: {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا}
قلت: لا خلاف أن معناها التثنية واختلف في لفظها فقال البصريون مفردة وقال الكوفيون تثنية.
والصحيح الأول، بدليل عود الضمير إليها مفردا في قوله: {كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ}.
فالإخبار عن كلتا بالمفرد دليل على أنها مفرد إذ لو كان مثنى لقال آتتا ودليل إضافتها إلى المثنى في قوله: {أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا}.
ولو كان مثنى لم يجز إضافته إلى التثنية لأنه لا يجوز إضافة الشيء إلى نفسه والفصيح مراعاة اللفظ لأنه الذي ورد به القرآن فيقال كلا الرجلين خرج وكلتا المرأتين حضرت.
وقد نازع بعض المتأخرين وقال ليس معناه التثنية على الإطلاق كما ذكره النحاة ولو كان كذلك لكثرة مراعاة المعنى كما كثرة مراعاته في من وما الموصولتين لكن أكثر ما جاء في لسان العرب عود الضمير مفردا كلتا الجنتين آتت وما جاء فيه مراعاة المعنى في غاية القلة قال فالصواب أن معناها مفرد صالح لكل من الأمرين المضاف إليهما وأما مراعاة التثنية فيه فعلى سبيل التوسع ووجه التوسع أن كل فرد في جانب الثبوت معه غيره

فجاءت التثنية بهذا الاعتبار فالإفراد فيه مراعاة المعنى واللفظ والتثنية مراعاة المعنى من بعض الوجوه
فائدة.
وقع في شعر أبي تمام كلا الآفاق وخطأه المعرى لأن كلا يستعمل في الاثنين لا الجمع
قال: ولم يأت في المسموع: كلا القوم،ولا كلا الأصحاب وإنما يقال كلا الرجلين ونحوه فإن أخذ من الكلأ من قولك: كلأت الشيء إذا رعيته وحفظته فالمعنى يصح إلا أن المتكلم يقصر وهي ممدودة

كم
نكرة لا تتعرف لأنها مبهمة في العدد كـ "أين" في الأمكنة ومتى في الأزمنة وكيف في الأحوال.
وقول سيبويه: كم أرضك جريبا؟كم مبتدأ وأرضك مبني عليه مجاز ليس بحقيقة وإنما أرضك مبتدأ وكم الخبر مثل كيف زيد؟
وهي قسمان:
استفهامية تحتاج إلى جواب بمعنى أي عدد؟فينصب ما بعدها نحو: كم رجلا ضربت؟
وخبرية لا تحتاج إلى جواب بمعنى عدد كثير فيجر ما بعدها نحو كم عبد ملكت.
وقد تدخل عليها من كقوله: {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا} {وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ} وليست الاستفهامية أصلا للخبرية خلافا للزمخشري حيث ادعى ذلك في سورة يس عند الكلام على: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا} ولم تستعمل الخبرية غالبا إلا في مقام الافتخار والمباهاة لأن معناها التكثير

ولهذا ميزت بما يميز العدد الكثير وهو مائة وألف فكما أن مائة تميز بواحد مجرور فكذلك كم
واعلم أن كم مفردة اللفظ ومعناها الجمع فيجوز في ضميرها الأمران بالاعتبارين قال تعالى: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ}.
ثم قال: {لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ} فأتى به جمعا وقال: { وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا}.
ثم قال: {أَوْ هُمْ قَائِلُونَ}

كيف
استفهام عن حال الشيء لا عن ذاته كما أن ما سؤال عن حقيقته ومن عن مشخصاته ولهذا لا يجوز أن يقال في الله كيف.
وهي مع ذلك منزلة منزلة الظرف فإذا قلت: كيف زيد؟كان زيد مبتدأ وكيف في محل الخبر والتقدير على أي حال زيد؟
هذا أصلها في الوضع لكن قد تعرض لها معان تفهم من سياق الكلام أو من قرينة الحال مثل معنى التنبيه والاعتبار وغيرهما.
وقال بعضهم لها ثلاثة أوجه.
أحدها: سؤال محض عن حال نحو كيف زيد؟
وثانيها: حال لا سؤال معه كقولك لأكرمنك كيف أنت أي على أي حال كنت.
ثالثها: معنى التعجب.
وعلى هذين تفسير قوله تعالى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ}.
قال الراغب في تفسيره كيف هنا استخبار لا استفهام والفرق بينهما أن الاستخبار قد يكون تنبيها للمخاطب وتوبيخا ولا يقتضي عدم المستخبر والاستفهام بخلاف ذلك
وقال: في المفردات كل: ما أخبر الله بلفظ كيف عن نفسه فهو إخبار على طريق التنبيه للمخاطب أو توبيخ نحو: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ}

{كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً}
{كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ}
{انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأَمْثَالَ}
{فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ}.
{أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ}
وقال: غيره قد تأتي للنفي والإنكار كقوله: {كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ}
{كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ}
ولتضمنها معنى الجحد شاع أن يقع بعدها إلا كقوله: { إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ}
وللتوبيخ كقوله: {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ} {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ}
وللتحذير كقوله: {فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ}
وللتنبيه والاعتبار كقوله: {انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ}
وللتأكيد وتحقيق ما قبلها كقوله: {وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا}،

وقوله: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ} ،فإنه توكيد لما تقدم وتحقيق لما بعده على تأويل إن الله لا يظلم الناس شيئا في الدنيا فكيف في الآخرة!
وللتعظيم والتهويل: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ}.
أي فكيف حالهم إذا جئنا وقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعبد الله بن عمرو: "كيف بك إذا بقيت في حثالة من الناس"!
وقيل: وتجيء مصدرا كقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ} {فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا}
وتأتي ظرفا في قول سيبويه وهي عنده في قوله: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ} منصوبة على التشبيه بالظرف أي في حال تكفرون وعلى الحال عند الأخفش أي على حال تكفرون.
وجعل منه بعضهم قوله: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ}.
فإن شئت قدرت بعدها اسما وجعلتها خبرا أي كيف صنعكم أو حالكم وإن شئت قدرت بعدها فعلا تقديره كيف تصنعون؟
وأثبت بعضهم لها الشرط كقوله تعالى: {يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ}،{يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ} فيبسطه في السماء كيف يشاء وجوابه في ذلك محذوف لدلالة ما قبلها

ومراد هذا القائل الشرط المعنوي وهو إنما يفيد الربط فقط أي ربط جملة بأخرى كأداة الشرط لا اللفظي وإلا لجزم الفعل.
وعن الكوفيين أنها تجزم نحو كيف تكن أكن
وقد يحذف الفعل بعدها قال تعالى: {كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ}.
أي كيف توالونهم!

اللام
قسمان: إما أن تكون عاملة أو غير عاملة
القسم الأول: غير العاملة .
وتجيء لعشرة معان معرفة ودالة على البعد ومخففة وموجبة ومؤكدة ومتممة وموجهة ومسبوقة والمؤذنة والموطئة.
فالمعرفة: التي معها ألف الوصل عند من يجعل المعرفة اللام وحدها وينسب لسيبويه وذهب الخليل إلى أنه ثنائي وهمزته همزة قطع وصلت لكثرة الاستعمال.
وتنقسم المعرفة إلى عهدية واستغراقية وقد سبقا في قاعدة التنكير والتعريف وزاد قوم طلب الصلة وجعل منه: {رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ} {فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ}
وللإضمار، {فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى}.
ولا خلاف أن الإضمار بعدها مراد وإنما اختلفوا في تقديره فعند الكوفيين هي مأواه وعند البصريين هي المأوى له
واللام في التعريف مرققة إلا في اسم الله فيجب تفخيمها إذا كان قبلها ضمة أو فتحة وهي في الأسماء تفخيم الجرس وفي المعنى توقير المسمى وتعظيمه سبحانه!

والدالة على البعد الداخلة على أسماء الإشارة إعلاما بالبعد أو توكيدا له على الخلاف فيه.
والمخففة التي يجوز معها تخفيف إن المشددة نحو: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ}
وتسمى لام الابتداء والفارقة لأنها تفرق بينها وبين إن النافية.
والمخففة هي التي تحقق الخبر مع المبتدأ كقوله تعالى: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ} {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ}
والموجبة بمعنى إلا عند الكوفيين كقوله تعالى: {وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ}
{وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}.
أي ما كل فجعلوا إن بمعنى ما واللام بمعنى إلا في الإيجاب.
وقرأ الكسائي: {وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} بالرفع والمراد: وما كان مكرهم إلا لتزول منه.
والمؤكدة وهي الزائدة أول الكلام وتقع في موضعين:
أحدهما: المبتدأ وتسمى لام الابتداء فيؤذن بأنه المحكوم قال تعالى: {لَمَسْجِدٌ

أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى} {لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ} {لأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً}
ثانيهما: في باب إن على اسمها إذا تأخر، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً}
وعلى خبرها نحو: {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ}،{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ} {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ} فـ"إن" في هذا توكيد لما يليها واللام لتوكيد الخبر.
وكذا في أن المفتوحة كقراءة سعيد {لاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ}.
بفتح الهمزة فإنه ألغى اللام لأنها لا تدخل إلا على إن المكسورة أو على ما يتصل بالخبر إذا تقدم عليه نحو {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ}. فإن تقديره ليعمهون في سكرتهم.
واختلف في اللام في قوله: {لَمَنْ ضَرُّهُ} فقيل هي مؤخرة والمعنى: يدعو لمن ضره أقرب من نفعه.
وجاز تقديمها وإيلاؤها المفعول لأنها لام التوكيد واليمين فحقها أن تقع صدر الكلام.
واعترض بأن اللام في صلة من فتقدمها على الموصول ممتنع وأجاب الزمخشري بأنها حرف لا يفيد غير التوكيد وليست بعاملة كـ "من" المؤكدة في نحو ما جاءني من أحد دخولها وخروجها سواء ولهذا جاء تقديمها
ويجوز ألا تكون هنا موصولة بل نكرة ولهذا قال الكسائي اللام في غير

موضعها و"من" في موضع نصب يدعو والتقدير يدعو من ضره أقرب من نفعه أي يدعو إلها ضره أقرب من نفعه.
قال المبرد: يدعو في موضع الحال والمعنى في ذلك هو الضلال البعيد في حال دعائه إياه وقوله: {لَمَنِ} مستأنف مرفوع بالابتداء وقوله: {ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ} في صلته و{لَبِئْسَ الْمَوْلَى}. خبره.
وهذا يستقيم لو كان في موضع {يَدْعُو} يدعى لكن مجيئه بصيغة فعل الفاعل وليس فيه ضميره يبعده.
والمتممة كقوله تعالى: {إِذن لابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً}،{إِذن لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ}.
فاللام هنا لتتميم الكلام.
قال الزمخشري إذن دالة على أن ما بعدها جواب وجزاء.
والموجهة في جواب لولا كقوله تعالى: { وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ}.
فاللام في {لَقَدْ} توجه للتثبيت
والمسبوقة في جواب لو كقوله تعالى: {لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً} أي تفيد تأخره لأشد العقوبة كقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ}

وهذا بخلاف قوله: {لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً} بغير لام فإنه يفيد التعجيل أي جعلناه أجاجا لوقته.
والمؤذنة: الداخلة على أداة الشرط بعد تقدم القسم لفظا أو تقديرا لتؤذن أن الجواب له لا للشرط أو للإيذان بأن ما بعدها مبني على قسم قبلها.
وتسمى الموطئة لأنها وطأت الجواب للقسم أي مهدته.
وقول المعربين: إنها موطئة للقسم فيه تجوز وإنما هي موطئة لجوابه كقوله: {لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الأَدْبَارَ} وليست جوابا للقسم وإنما الجواب ما يأتي بعد الشرط ويجمع هذه الأربعة المتأخرة قولك لام الجواب.
وقد اجتمعا في قوله تعالى: {كَلاَّ لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً}. فاللام في لئن مؤذنة وقوله: {نَسْفَعاً} جواب القسم المقدر تقديره والله لنسفعن
ومن جواب القسم قوله: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ}. وزعم الشيخ أثير الدين في تفسيره أنها لام التوكيد وليس كما قال وقد قال الواحدي في البسيط: إنها لام القسم ولا يجوز أن تكون لام ابتداء لأن لام الابتداء لا تلحق إلا الأسماء وما يكون بمنزلتها كالمضارع

القسم الثاني: العاملة .
وهي على ثلاثة أقسام: جارة وناصبة وجازمة.
الأولى: الجارة وتأتي لمعان:
للملك الحقيقي كقوله تعالى: {إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ}،{أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} {وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}
والتمليك،نحو وهبت لزيد دينارا ومنه: {وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا}
والاختصاص ومعناها أنها تدل على أن بين الأول والثاني نسبة باعتبار ما دل عليه متعلقه نحو هذا صديق لزيد وأخ له ومنه الجنة للمؤمنين.
وللتخصيص ومنه: {إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ}
وللاستحقاق كقوله تعالى: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} {لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ}
والفرق بينه وبين الملك أن الملك لما حصل وثبت وهذا لم يحصل بعد لكن هو في حكم الحاصل من حيث ما قد استحق قاله الراغب

وللولاية كقوله: {لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ}
ويجوز أن تجمع هذه الثلاثة كقولك الحمد لله لأنه يستحق الحمد ووليه والمخصوص به فكأنه يقول الحمد لي وإلي.
وللتعليل وهي التي يصلح موضعها من أجل كقوله تعالى: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ}.
أي من أجل حب الخير.
وقوله: {لإِيلافِ قُرَيْشٍ}. وهي متعلقة بقوله: {فَلْيَعْبُدُوا} أو بقوله. {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} ولهذا كانتا في مصحف أبي سورة واحدة. وضعف بأن جعلهم كعصف مأكول إنما هو لكفرهم وتجرئهم على البيت.
وقيل متعلق بمحذوف أي أعجبوا.
وقوله: {سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ} أي لأجل بلد ميت،بدليل: {فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ}
هذا قول الزمخشري وهو أولى من قول غيره إنها بمعنى إلى.
وقوله: {وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً} أي لا تخاصم الناس لأجل الخائنين.
قال الراغب: ومعناه كمعنى: {وَلا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ} وليست كالتي في قولك لا تكن لله خصيما لدخولها على المفعول أي لا تكن خصيم الله
وبمعنى إلى كقوله: {وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمّىً}
بدليل قوله: {وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً}

وقوله: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ}
{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا}
{رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ}
وقوله: {بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا}،بدليل: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} وزيفه الراغب لأن الوحي للنحل جعل ذلك له للتسخير والإلهام وليس كالوحي الموحى إلى الأنبياء فاللام على جعل ذلك الشيء له بالتسخير.
وبمعنى على نحو: {وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ} {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ}
وقوله: {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا}. أي فعليها لأن السيئة على الإنسان لا له بدليل قوله تعالى: {فَعَلَيَّ إِجْرَامِي}
وقوله: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا} وقوله: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} أي من لم يكن وقوله: {لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} وبمعنى في كقوله: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ}،{يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي}.

{لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ}
وبمعنى بعد نحو: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ}. وقال ابن أبان الظاهر أنها للتعليل.
وبمعنى عن مع القول كقوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْراً مَا سَبَقُونَا}.
أي عن الذين آمنوا وليس المعنى خطابهم بذلك وإلا لقيل سبقتمونا وقيل لام التعليل وقيل للتبليغ والتفت عن الخطاب إلى الغيبة.
وكقوله: {قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاهُمْ}.
وأما قوله: {وَقَالَتْ أُولاهُمْ لأُخْرَاهُمْ}.
فاللام للتبليغ كذلك قسمها ابن مالك كقوله تعالى: {أَلَمْ أَقُلْ لَكَ} وغيره يسميها لام التبليغ فإن عرف من غاب عن القول حقيقة أو حكما فللتعليل نحو: {وَقَالُوا لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا} {وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ}
وذكر ابن مالك وغيره ضابطا في اللام المتعلقة بالقول وهو إن دخلت على مخاطبة القائل فهي لتعدية القول للمقول له نحو: {وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً} {وَقَالُوا لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا}
وقوله: {الَّذِينَ قَالُوا لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا}.

وقوله: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ}
وقوله: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} وهو كثير.
وبمعنى أن المفتوحة الساكنة قاله الهروي وجعل منه:
{يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ}
{يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ}
{وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} وهذه اللام لا تكون إلا بعد أردت وأمرت وذلك لأنهما يطلبان المستقبل ولا يصلحان في الماضي فلهذا جعل معهما بمعنى أن وبذلك صرح صاحب الكشاف في تفسير سورة الصف فقال {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ}
أصله يريدون أن يطفئوا كما جاء في سورة براءة
وللتعدية وهي التي تعدى العامل إذا عجز نحو: {إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيا تَعْبُرُونَ}.
فاللام فيه للتعدية لأن الفعل يضعف بتقديم المفعول عليه.
وسماها ابن الأنباري: آلة الفعل وذكر أن البصريين يسمونها لام الإضافة كقوله تعالى: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ}{أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ}
وقال الراغب: التعدية ضربان: تارة لتقوية الفعل،ولا يجوز حذفه نحو: {وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} ،وتارة يحذف،نحو: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ} {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ

أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ} فأثبت في موضع وحذف في موضع انتهى.
وللتبيين كقوله تعالى: {وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ} أي أقبل وتعال أقول لك.
وذكر ابن الأنباري أن اللام المكسورة تجيء جوابا للقسم كقوله تعالى : {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ لِيَجْزِيَ} والمعنى ليجزين بفتح اللام والتوكيد بالنون فلما حذف النون أقام المكسورة مقام المفتوحة.
وهذا ضعيف وذكر مثله عن أبي حاتم.
ويحتمل أن يكون قبلها فعل مقدر أي آمنوا ليجزي.
الثاني: الناصبة على قول الكوفيين في موضعين لام كي ولام الجحود.
ولام الجحود هي الواقعة بعد الجحد أي النفي كقوله: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ}،{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ} {لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ}
وضابطها أنها لو سقطت تم الكلام بدونها وإنما ذكرت توكيدا لنفي الكون بخلاف لام كي
قال الزجاج: اللام في قوله: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} لام كي لأن لام الجحود إذا سقطت لم يختل الكلام ولو سقطت اللام من الآية بطل

المعنى ولأنه يجوز إظهار أن بعد لام كي ولا يجوز بعد لام الجحود لأنها في كلامهم نفي للفعل المستقبل فالسين بإزائها فلم يظهر بعدها ما لا يكون بعدها كقوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ}.
فجاء بلام الجحد حيث كانت نفيا لأمر متوقع مخوف في المستقبل ثم قال: {وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}.
فجاء باسم الفاعل الذي لا يختص بزمان حيث أراد نفي العذاب بالمستغفرين على العموم في الأحوال.
ومثله: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى}.
ثم قال: {وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى}
ومثال لام كي وكي مضمرة معها قوله تعالى: {لِيُنْذِرَ بَأْساً} {لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ} {لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ} {لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ}
وقوله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ}. يريد كي تكونوا.
وقوله: {لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً}
وقد تجيء معها كي نحو: {لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً}{لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ} {لِكَيْ لا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ}.

وربما جاءت كي بلا لام كقوله: {كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ}.
وفي معناه لام الصيرورة كقوله تعالى: {لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً} {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ}
وتسمى لام العاقبة فإن من المعلوم أنهم لم يلتقطوه لذلك بل لضده بدليل قوله: {عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً}
وحكى ابن قتيبة عن بعضهم أن علامتها جواز تقدير الفاء موضعها وهو يقتضي أنها لام التعليل لكن الفرق بينها وبين لام التعليل التي في نحو قوله: {لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً}.
أن لام التعليل تدخل على ما هو غرض لفاعل الفعل ويكون مرتبا على الفعل وليس في لام الصيرورة إلا الترتب فقط.
وقال الزمخشري: في تفسير سورة المدثر أفادت اللام نفس العلة والسبب ولا يجب في العلة أن تكون غرضا إلا ترى إلى قولك خرجت من البلد مخافة الشر فقد جعلت المخافة علة لخروجك وما هي بغرضك.
ونقل ابن فورك عن الأشعري: أن كل لام نسبها الله إلى نفسه فهي للعاقبة والصيرورة دون التعليل لاستحالة الغرض
واستشكله الشيخ عز الدين بقوله: {كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً}.
وقوله: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً ِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ}. فقد صرح فيه بالتعليل ولا مانع من ذلك إذ هو على وجه التفضل

وأقول: ما جعلوه للعاقبة هو راجع للتعليل فإن التقاطهم أفضى إلى عداوته وذلك يوجب صدق الإخبار بكون الالتقاط للعداوة لأن ما أفضى إلى الشيء يكون علة وليس من شرطه أن يكون نصب العلة صادرا عمن نسب الفعل إليه لفظا بل جاز أن يكون ذلك راجعا إلى من ينسب الفعل إليه خلقا كما تقول جاء الغيث لإخراج الأزهار وطلعت الشمس لإنضاج الثمار فإن الفعل يضاف إلى الشمس والغيث.
كذلك التقاط آل فرعون موسى فإن الله قدره لحكمته وجعله علة لعداوته لإفضائه إليه بواسطة حفظه وصيانته كما في مجيء الغيث بالنسبة إلى إخراج الأزهار وإليه يشير الزمخشري أيضا التحقيق أنها لام العلة وأن التعليل بها وارد على طريق المجاز دون الحقيقة لأنه لم يكن داعيهم إلى الالتقاط كونه لهم عدوا وحزنا بل المحبة والتبني غير أن ذلك لما أن نتيجة التقاطهم له وثمرته شبه بالداعي الذي يفعل الفاعل الفعل لأجله وهو الإكرام الذي هو نتيجة المجيء فاللام مستعارة لما يشبه التعليل.
وقال ابن خالويه في كتاب المبتدأ في النحو فأما قوله تعالى: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ} فهي لام كي عند الكوفيين ولام الصيرورة عند البصريين والتقدير فصار عاقبة أمرهم إلى ذلك لأنهم لم يلتقطوه لكي يكون عدوا انتهى
وجوز ابن الدهان في الآية وجها غريبا على التقديم والتأخير أي فالتقط آل فرعون و{عَدُوّاً وَحَزَناً} حال من الهاء في: {لِيَكُونَ لَهُمْ} أي ليتملكوه

قال: ويجوز أن يكون التقدير فالتقطه آل فرعون لكراهة أن يكون لهم عدوا وحزنا.
وأما قوله: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ} ،فحكى الهروي عن أبي حاتم أن اللام جواب القسم والمعنى ليغفرن الله لك فلما حذفت النون كسرت اللام وإعمالها إعمال كي وليس المعنى فتحنا لك لكي يغفر الله لك فلم يكن الفتح سببا للمغفرة.
قال: وأنكره ثعلب وقال هي لام كي ومعناه لكي يجتمع لك مع المغفرة تمام النعمة فلما انضم إلى المغفرة شيء حادث واقع حسن معه كي.
وكذلك قوله: {لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} وأما قوله تعالى: {رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ}.
فقال الفراء لام كي.
وقال: قطرب والأخفش: لم يؤتوا المال ليضلوا ولكن لما كان عاقبة أمرهم الضلال كانوا كأنهم أوتوها لذلك فهي لام العاقبة.
هذا كله على مذهب الكوفيين وأما البصريون فالنصب عندهم بإضمار أن وهما جارتان للمصدر واللام الجارة هي لام الإضافة.
واعلم أن الناصبة للمضارع تجيء لأسباب:
منها القصد والإرادة،إما في الإثبات نحو: {وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى}.
أو النفي نحو: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ}.
فهو على تقدير حذف المضاف أي لنعلم ملائكتنا وأولياءنا

ويجوز أن يكون تعالى خاطب الخلق بما يشاكل طريقتهم في معرفة البواطن والظواهر على قدر فهم المخاطب.
وقد تقع موقع أن وإن كانت غير معلولة لها في المعنى وذلك إن كان الكلام متضمنا لمعنى القصد والإرادة نحو: {وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}. {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا}
ومنها العاقبة على ما سبق.
الثالث: الجازمة الموضوعة للطلب وتسمى لام الأمر وتدخل على المضارع لتؤذن أنه مطلوب للمتكلم وشرطها أن يكون الفعل لغير المخاطب فيقولون لتضرب أنت ومنه قراءة بعضهم: {فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} ووصفها أن تكون مكسورة إذا ابتدئ بها نحو: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ}.
{لِيَسْتَأْذِنْكُمُ}.
وتسكن بعد الواو والفاء نحو: {فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي} {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} ويجوز الوجهان بعد ثم كقوله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} قرئ في السبع بتسكين: {لْيَقْضُوا} وبتحريكه وتجيء لمعان
منها التكليف كقوله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ}

ومنها أمر المكلف نفسه كقوله تعالى: {وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ} والابتهال وهو الدعاء نحو: {لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} والتهديد نحو: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} والخبر نحو: {مَنْ كَانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدّاً}.
أي يمد.
ويحتمله {وَلْنَحْمِلْ}. أي ونحمل
ويجوز حذفها ورفع الفعل ومنه يقول: {تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ}.
ويدل على أنه للطلب قوله تعالى بعد: {نَغْفِرْ لَكُمْ} مجزوما فلولا أنه طلب لم يصح الجزم لأنه ليس ثم وجه سواه

لا
على ستة أوجه.
أحدهما : أن تكون للنفي وتدخل على الأسماء والأفعال.
فالداخلة على الأسماء تكون عاملة وغير عاملة.
فالعاملة قسمان:
تارة تعمل عمل إن وهي النافية للجنس وهي تنفي ما أوجبته إن فلذلك تشبه بها في الأعمال نحو: {لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ}،{لا مُقَامَ لَكُمْ} {لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ}
ويكثر حذف خبرها إذا علم نحو: {لا ضَيْرَ} {فَلا فَوْتَ} وتارة تعمل عمل ليس.
وزعم الزمخشري في المفصل أنها غير عاملة.
وكذا قال الحريري في الدرة إنها لا تأتي إلا لنفي الوحدة.
قال ابن بري وليس بصحيح بل يجوز أن يريد منه العموم كما في النصب وعليه قال لا ناقة لي في هذا ولا جمل يعني فإنه نفى الجنس لما عطف
وكذلك قولك لا رجل في الدار ولا امرأة تفيد نفي الجنس لأن العطف أفهم للعموم

وممن نص على ذلك أبو البقاء في المحصل ويؤيده قوله تعالى: {لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ}.
قرئ بالرفع والنصب فيهما والمعنى فيهما واحد.
وقال ابن الحاجب: ما قاله الزمخشري لا يستقيم ولا خلاف عند أصحاب الفهم أنه يستفاد العموم منه كما في المبنية على الفتح وإن كانت المبنية أقوى في الدلالة عليه إما لكونه نصا أو لكونه أقوى ظهورا وسبب العموم أنها نكرة في سياق النفي فتعم.
وقال ابن مالك في التحفة: قد تكون المشبه بـ "ليس" نافية للجنس ويفرق فيها بين إرادة الجنس وغيره بالقرائن هذا كله في العاملة.
وأما غير العاملة فيرفع الاسم بعدها بالابتداء إذا لم يرد نفي العموم ويلزم التكرار ثم تارة تكون نكرة كقوله: {لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ} {لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ}
وتارة تكون معرفة كقوله: {لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ} ولذلك يجب تكرارها إذا وليها نعت نحو: {زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ}.
وقوله تعالى: {لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ} فإن قيل لم لم تكررها وقد أوجبوا تكرارها في الصفات؟
وجوابه: أنه من الكلام المحمول على المعنى والتقدير لا تثير الأرض ولا ساقية للحرث أي لا تثير ولا تسقي

وقال الراغب: هي في هذه الحالة تدخل في المتضادين ويراد بها إثبات الأمرين بهما جميعا نحو زيد ليس بمقيم ولا ظاعن أي تارة يكون كذا وتارة يكون كذا وقد يراد إثبات حالة بينهما نحو زيد ليس بأبيض ولا أسود.
ومنها قوله تعالى: {لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ}.
قيل معناه أنها شرقية وغربية.
وقيل معناه مصونة عن الإفراط والتفريط وأما الداخلة على الأفعال فتارة تكون لنفي الأفعال المستقبلة كقوله تعالى: {إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ}.
لأنه جزاء فلا يكون إلا مستقبلا.
ومثله: {لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ}
وقد ينفي المضارع مرادا به نفي الدوام كقوله تعالى: {لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ}
وقد يكون للحال كقوله: {لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} {فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ} {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ} وقوله: {وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ} يصح أن تكون في موضع الحال أي مالكم غير مقاتلين.
وقيل: ينفي بها الحاضر على التشبيه بـ "ما" كقولك في جواب من قال زيد يكتب الآن لا يكتب
والنفي بها يتناول فعل المتكلم نحو لا أخرج اليوم ولا أسافر غدا ومنه قوله تعالى:

{قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً}
وفعل المخاطب كقولك: إنك لا تزورنا ومنه قوله تعالى: {سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى}،{فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ}
وتدخل على الماضي في القسم والدعاء نحو والله لا صليت ونحو لا ضاق صدرك.
وفي غيرها نحو: {فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى}
والأكثر تكرارها وقد جاءت غير مكررة في قوله تعالى: {فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ}
قال الزمخشري: لكنها مكررة في المعنى لأن المعنى لا فك رقبة ولا أطعم مسكينا ألا ترى أنه فسر اقتحام العقبة بذلك وقيل إنه دعاء أي أنه يستحق أن يدعى عليه بأن يفعل خيرا.
وقد يراد الدعاء في المستقبل والماضي كقولك لا فض الله فاك وقوله لا يبعدن قومي.
الثانية: أن تكون للنهي ينهى بها الحاضر والغائب نحو لا تقم ولا يقم وقال تعالى:
{لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ}
{لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ}
{وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}
{لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا}
{لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ}

{وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ}
{يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ}
{لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ}
وتخلص المضارع للاستقبال نحو: {لا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي} وترد للدعاء نحو: {لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}.
ولذلك قال بعضهم لا الطلبية ليشمل النهي وغيره.
وقد تحتمل النفي والنهي كقوله تعالى: {أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ} {وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ}
الثالثة: أن تكون جوابية أي رد في الجواب مناقض لـ "نعم" أو بلى فإذا قال مقررا ألم أحسن إليك؟قلت: لا أو بلى وإذا قال: مستفهما هل زيد عندك قلت لا أو نعم قال تعالى: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} {فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُوا نَعَمْ}
الرابعة: أن تكون بمعنى لم ولذلك اختصت بالدخول على الماضي نحو: {فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى} أي لم يصدق ولم يصل
ومثله: {فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ}

الخامسة: أن تكون عاطفة تشرك ما بعدها في إعراب ما قبلها وتعطف بعد الإيجاب نحو يقوم زيد لا عمرو وبعد الأمر نحو اضرب زيدا لا عمرا وتنفي عن الثاني ما ثبت للأول نحو خرج زيد لا بكر.
فإن قلت: ما قام زيد ولا بكر فالعطف للواو دونها لأنها أم حروف العطف.
السادسة: أن تكون زائدة في مواضع:
الأول: بعد حرف العطف المتقدم عليه النفي أو النهي فتجيء مؤكدة له كقولك ما جاءني زيد ولا عمرو وقوله تعالى: {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ}
{مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ}
وقوله: {وَلا الضَّالِّينَ}
قال أبو عبيدة: وقيل: إنما دخلت هنا مزيلة لتوهم أن الضالين هم المغضوب عليهم والعرب تنعت الواو وتقول مررت بالظريف والعاقل فدخلت لإزالة التوهم.
وقيل: لئلا يتوهم عطف الضالين على الذين
ومثال النهي قوله تعالى: {لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ} فـ "لا" زائدة وليست بعاطفة لأنها إنما يعطف بها في غير النهي وإنما دخلت هنا لنفي احتمال أن يكون المقصود نفي مجيئها جميعا تأكيدا للظاهر من اللفظ ونفيا للاحتمال الآخر فإنه يفيد النفي عن كل واحد منها نصا ولو لم يأت بـ "لا" لجاز أن يكون النفي عنها على جهة الاجتماع ولكنه خلاف الظاهر فلذلك كان يقول ببقاء الزيادة أولى لبقاء الكلام بإثباتها على حالة عند عدمها وإن كانت دلالته عند مجيئها أقوى

وأما قوله تعالى: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ}.
فمن قال المراد أن الحسنة لا تساوي السيئة فـ "لا" عنده زائدة ومن قال إن جنس الحسنة لا يستوي إفراده وجنس السيئة لا يستوي إفراده وهو الظاهر من سياق الآية فليست زائدة والواو عاطفة جملة على جملة وقد سبق فيها مزيد كلام في بحث الزيادة.
وأما قوله تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ}.
الآية فالأولى والثانية غير زائدة والثالثة والرابعة والخامسة زائدة.
وقال: ابن الشجري قد تجيء مؤكدة النفي في غير موضعها الذي تستحقه كقوله تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلا الْمُسِيءُ}.
لأنك لا تقول ما يستوي زيد ولا عمرو ولا تقول ما يستوي زيد فتقتصر على واحد.
ومثله: {وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ} {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ}
وقال غيره: لا هاهنا صلة لأن المساواة لا تكون إلا بين شيئين فالمعنى ولا الظلمات والنور حتى تقع المساواة بين شيئين كما قال تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ}.
ولو قلت: ما يستوي زيد ولا عمرو لم يجز إلا على زيادة لا.
الثاني: بعد أن المصدرية الناصبة للفعل المضارع كقوله تعالى : {مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ}.
وقيل إنما زيدت توكيدا للنفي المعنوي الذي تضمنته {مَنَعَكَ} بدليل الآية الأخرى: { مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ}

وقال ابن السيد: إنما دخلت لما يقتضيه معنى المنع لا يحتمل حقيقة اللفظ لأن المانع من الشيء بأمر الممنوع بألا يفعل مهما كان المنع في تأويل الأمر بترك الفعل والحمل على تركه أجراه مجراها.
ومن هنا قوله تعالى: {لِئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ}. أي لئن لم لأن المعنى يتم بذلك.
وقيل: ليست زائدة والمعنى عليها.
وهذا كما تكون محذوفة لفظا مرادة معنى كقوله تعالى: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا}. المعنى ألا تضلوا لأن البيان إنما يقع لأجل ألا تضلوا.
وقيل على حذف مضاف أي كراهة أن تضلوا.
وأما السيرافي فجعلها على بابها حيث جاءت زعم أن الإنسان إذا فعل شيئا لأمر ما قد يكون فعله لضده فإذا قلت جئت لقيام زيد فإن المعنى أن المجيء وقع لأجل القيام وهل هو لأن يقع أو لئلا يقع محتمل فمن جاء للقيام فقد جاء لعدم القيام ومن جاء لعدم القيام فقد جاء للقيام برهان ذلك أنك إذا نصصت على مقصودك فقلت جئت لأن يقع أو أردت أن يقع فقد جئت لعدم القيام أي لأن يقع عدم القيام وهو أعني عدم الوقوع طلب وقوعه.
وإن قلت: وقصدي ألا يقع القيام ولهذا جئت فقد جئت لأن يقع عدم القيام فيتصور أن تقول جئت للقيام تعني به عدم القيام
وكذلك قوله تعالى: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} أي يبين الضلال أي لأجل الضلال يقع البيان: هل هو لوقوعه أو عدمه؟المعنى يبين ذلك

وكذلك قوله تعالى: {لِئَلاَّ يَعْلَمَ}. أي فعل الله هذا لعدم علمهم هل وقع أم لا؟
وإذا علموا أنهم لا يقدرون على شيء من فضل الله يبين لهم أنهم لا يعلمون فقوله: {لِئَلاَّ يَعْلَمَ} باق على معناه ليس فيه زيادة.
الثالث: قبل قسم كقوله: {لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ}.
المعنى أقسم بدليل قراءة ابن كثير: {لاقْسِمُ} وهي قراء قويمة لا يضعفها عدم نون التوكيد مع اللام لأن المراد بأقسم فعل الحال ولا تلزم النون مع اللام.
وقيل: إنها غير زائدة بل هي نافية.
وقيل: على بابها ونفى بها كلاما تقدم منهم كأنه قال ليس الأمر كما قلتم من إنكار القيامة فـ "لا أقسم" جواب لما حكي من جحدهم البعث كما كان قوله: {مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ}.
جوابا لقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ}.
لأن القرآن يجري مجرى السورة الواحدة.
وهذا أولى من دعوى الزيادة لأنها تقتضي الإلغاء وكونها صدر الكلام يقتضي الاعتناء بها وهما متنافيان
قال ابن الشجري: وليست "لا" في قوله: {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ}. وقوله: {فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ}. ونحوه بمنزلتها في قوله: {لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} ،كما زعم بعضهم لأنها ليست في أول السورة لمجيئها بعد الفاء

والفاء عاطفة كلمة على كلمة تخرجها عن كونها بمنزلتها في: {لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ}.
فهي إذن زائدة للتوكيد.
وأجاز الخارزنجي في: {لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ}
كون لا فيه بمعنى الاستثناء فحذفت الهمزة وبقيت لا.
وجعل الزمخشري لا في قوله تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ}.
مزيدة لتأكيد معنى القسم كما زيدت في: {لِئَلاَّ يَعْلَمَ} لتأكيد وجوب العلم،{ لا يُؤْمِنُونَ} جواب القسم ثم قال:
فإن قلت: هلا زعمت أنها زيدت لتظاهر لا في: {لا يُؤْمِنُونَ} وأجاب بأنه يمنع من ذلك استواء النفي والإثبات فيه وذلك قوله: {فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ وَمَا لا تُبْصِرُونَ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} انتهى.
وقد يقال: هب أنه لا يتأتى في آية الواقعة فما المانع من تأتيه في النساء؟إلا أن يقال استقر بآية الواقعة أنها تزاد لتأكيد معنى القسم فقط ولم يثبت زيادتها متظاهرة لها في الجواب.
السابعة: تكون اسما في قول الكوفيين أطلق بعضهم نقله عنهم.
وقيل: إن ما قالوه إذا دخلت على نكرة وكان حرف الجر داخلا عليها نحو غضبت من لا شيء وجئت بلا مال وجعلوها بمنزلة غير
وكلام ابن الحاجب يقتضي أنه أعم من ذلك فإنه قال جعلوا لا بمعنى غير

لأنه يتعذر فيها الإعراب فوجب أن يكون إعرابها على ما هو من تتمتها وهو ما بعدها كقولك جاءني رجل لا عالم ولا عاقل
ومنه قوله تعالى: {لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ} {وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ لا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ}.
وقوله: {لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ}

لات
قال سيبويه: لات مشبهة بـ "ليس" في بعض المواضع ولم تتمكن تمكنها ولم يستعملوها إلا مضمرا فيها لأنها كـ "ليس" في المخاطبة والإخبار عن غائب ألا ترى أنك تقول ليست وليسوا وعبد الله ليس ذاهبا فتبنى عليها ولات فيها ذلك قال تعالى: {وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ}.
أي ليس حين مهرب.
وكان بعضهم يرفع حين لأنها عنده بمنزلة ليس والنصب بها الوجه
لا جرم
جاءت في القرآن في خمسة مواضع متلوة بأن واسمها ولم يجئ بعدها فعل.
الأول في "هود" وثلاثة في "النحل" والخامس في "غافر" وفيه فسرها الزمخشري.
وذكر اللغويون والمفسرون في معناها أقوالا:
أحدها: أن "لا" نافية ردا للكلام المتقدم وجرم فعل معناه حق و"أن" مع ما في حيزها فاعل أي حق ووجب بطلان دعوته وهذا مذهب الخليل وسيبويه والأخفش فقوله تعالى: {لا جَرَمَ} معناه أنه رد على الكفار وتحقيق لخسرانهم

الثاني: أن لا زائدة وجرم معناه كسب أي كسب عملهم الندامة وما في خبرها على هذا القول في موضع نصب وعلى الأول في موضع رفع.
الثالث: لا جرم كلمتان ركبتا وصار معناهما حقا وأكثر المفسرين يقتصر على ذلك.
والرابع: أن معناها لا بد وأن الواقعة بعدها في موضع نصب بإسقاط الخافض
لو
على خمسة أوجه.
أحدها: الامتناعية واختلف في حقيقتها فقال سيبويه هي حرف لما كان سيقع لوقوع غيره.
ومعناه كما قال الصفار: أنك إذا قلت: لو قام زيد قام عمرو دلت على أن قيام عمرو كان يقع لو وقع من زيد وأما أنه إذا امتنع قيام زيد هل يمتنع قيام عمرو أو يقع القيام من عمرو بسبب آخر؟فمسكوت عنه لم يتعرض له اللفظ.
وقال غيره: هي لتعليق ما امتنع بامتناع غيره.
وقال ابن مالك: هي حرف شرط يقتضي امتناع ما يليه واستلزامه لتاليه.
وهي تسمى امتناعية شرطية ومثاله قوله تعالى: {وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا}. دلت على أمرين:
أحدهما: أن مشيئة الله لرفعه منتفية ورفعه منتف إذ لا سبب لرفعه إلا المشيئة
الثاني: استلزام مشيئة الرفع للرفع إذ المشيئة سبب والرفع مسبب وهذا بخلاف:

"لو لم يخف الله لم يعصه" إذ لا يلزم من انتفاء لم يخف انتفاء لم يعص حتى يكون خاف وعصى لأن انتفاء العصيان له سببان خوف العقاب والإجلال وهو أعلى والمراد أن صهيبا لو قدر خلوه عن الخوف لم يعص للإجلال كيف والخوف حاصل!
ومن فسرها بالامتناع اختلفوا فقال الأكثرون إن الجزاء وهو الثاني امتنع لامتناع الشرط وهو الأول فامتنع الثاني وهو الرفع لامتناع الأول وهو المشيئة.
قال ابن الحاجب: ومن تبعه كابن جمعة الموصلي وابن خطيب زملكا امتنع الأول لامتناع الثاني قالوا لأن امتناع الشرط لا يستلزم امتناع الجزاء لجواز إقامة شرط آخر مقامه وأما امتناع الجزاء فيستلزم امتناع الشرط مطلقا.
وذكروا أن لها مع شرطها وجوابها أربعة أحوال:
أحدها: أن تتجرد من النفي نحو لو جئتني لأكرمتك وتدل حينئذ على انتفاء الأمرين وسموها حرف وجوب لوجوب ومنه قوله تعالى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً}
: {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً}
وقوله: {أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}.
أي ما هداني بدليل قوله بعده: {بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي}.
لأن بلى جواب للنفي.
وثانيها: إذا اقترن بها حرف النفي تسمى حرف امتناع لامتناع نحو لو لم تكرمني لم أكرمك فيقتضي ثبوتهما لأنهما للامتناع فإذا اقترن بهما حرف نفي سلب عنهما الامتناع فحصل الثبوت لأن سلب السلب إيجاب
ثالثها: أن يقترن حرف النفي بشرطها دون جوابها وهي حرف امتناع لوجوب نحو لو تكرمني أكرمتك ومعناه عند الجمهور انتفاء الجزاء وثبوت الشرط.

رابعها: عكسه وهو حرف وجوب لامتناع نحو لو جئتني لم أكرمك فيقتضي ثبوت الجزاء وانتفاء الشرط ومنه قوله تعالى: {وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ}
واعلم أن تفسير سيبويه لها مطرد في جميع مواردها ألا ترى أن مفهوم الآية عدم نفاذ كلمات الله مع فرض شجر الأرض أقلاما والبحر ممدودا بسبعة أبحر مدادا ولا يلزم ألا يقع عدم نفاذ الكلمات إذا لم يجعل الشجر أقلاما والبحر مدادا.
وكذا في نعم العبد صهيب فإن مفهومه أن عدم العصيان كان يقع عند عدم الخوف ولا يلزم ألا يقع عدم العصيان إلا عند الخوف وهكذا الباقي.
وأما تفسير من فسرها بأنها حرف امتناع لامتناع وذكر لها هذه الأحوال الأربعة فلا يطرد وذلك لتخلف هذا المعنى في بعض الموارد وهو كل موضوع دل الدليل فيه على أن الثاني ثابت مطلقا إذ لو كان منفيا لكان النفاد حاصلا والعقل يجزم بأن الكلمات إذا لم تنفد مع كثرة هذه الأمور فلأن تنفد مع قلتها وعدم بعضها أولى.
وكذا قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا}
وكذا قوله: {وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا}.
فإن التولي عند عدم الإسماع أولى
وأما قوله: "نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه" فنفي العصيان ثابت إذ لو انتفى نفي العصيان لزم وجوده وهو خلاف ما يقتضيه سياق الكلام في المدح

ولما لم يطرد لهم هذا التفسير مع اعتقادهم صحته اختلفوا في تخريجها على طرق:
الأول: دعوى أنها في مثل هذه المواضع أعني الثابت فيها الثاني دائما إنما جاءت لمجرد الدلالة على ارتباط الثاني بالأول لا للدلالة على الامتناع وضابطها ما يقصد به الدلالة على مجرد الارتباط دون امتناع كل موضع قصد فيه ثبوت شيء على كل حال فيربط ذلك الشيء بوجود أحد النقيضين لوجوده دائما ثم لا يذكر إذ ذاك إلا النقيض الذي يلزم من وجود ذلك الشيء على تقدير وجود النقيض الآخر فعدم النفاد في الآية الكريمة واقع على تقدير كون ما في الأرض من شجرة أقلام وكون البحر مد من سبعة أبحر فعدم النفاد على تقدير انتفاء كون هذين الأمرين أولى وكذا عدم عصيان صهيب واقع على تقدير عدم خوفه فعدم عصيانه على تقدير وجود الخوف أولى وعلى هذا يتقرر جميع ما يرد عليك من هذا الباب.
والتحقيق أنها تفيد امتناع الشرط كما سبق من الآيات الشريفة وتحصل أنها تدل على أمرين:
أحدهما: امتناع شرطها والآخر بكونه مستلزما لجوابها ولا يدل على امتناع الجواب في نفس الأمر ولا ثبوته فإذا قلت لو قام زيد لقام عمرو فقيام زيد محكوم بانتفائه فيما مضى وبكونه مستلزما ثبوته لثبوت قيام عمرو وهل لقيام عمرو وقت آخر غير اللازم عن قيام زيد أو ليس له؟لا يعرض في الكلام لذلك ولكن الأكثر كون الثاني والأول غير واقعين
وقد سلب الإمام فخر الدين الدلالة على الامتناع مطلقا وجعلها لمجرد الربط واحتج بقوله تعالى: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا}. قال:

فلو أفادت لو انتفاء الشيء لانتفاء غيره لزم التناقض لأن قوله: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأسْمَعَهُمْ} يقتضي أنه ما علم فيهم خيرا وما أسمعهم وقوله: {وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا} يفيد أنه تعالى ما أسمعهم ولا تولوا لكن عدم التولي خير فيلزم أن يكون وما علم فيهم خيرا.
قال فعلمنا أن كلمة لو لا تفيد إلا الربط هذا كلامه.
وقد يمنع قوله إن عدم التولي خير فإن الخير إنما هو عدم التولي بتقدير حصول الإسماع والفرض أن الإسماع لم يحصل فلا يكون عدم التولي على الإطلاق خيرا بل عدم التولي المرتب على الإسماع.
الطريق الثاني: أن قولهم لامتناع الشيء لامتناع غيره معناه أن ما كان جوابا لها كان يقع لوقوع الأول فلما امتنع الأول امتنع أن يكون الثاني واقعا لوقوعه فإن وقع فلأمر آخر وذلك لا ينكر فيها ألا ترى أنك إذا قلت لو قام زيد قام عمرو دل ذلك على امتناع قيام عمرو الذي كان يقع منه لو وقع قيام زيد لا على امتناع قيام عمرو لسبب آخر وكذلك لو لم يخف الله لم يعصه امتنع عدم العصيان الذي كان سيقع عند عدم الخوف لو وقع ولا يلزم امتناع عدم العصيان عند وجود الخوف.
الثالث: أن تحمل لو فيما جاء من ذلك على أنها محذوفة الجواب فيكون قوله: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ} معناه لو كان هذا لتكسرت الأشجار وفني المداد ويكون قوله: {مَا نَفِدَتْ} مستأنف أو على حذف حرف العطف أي وما نفدت
الرابع: أن تحمل لو في هذه المواضع على التي بمعنى إن قال أبو العباس لو أصلها في الكلام أن تدل على وقوع الشيء لوقوع غيره تقول لو جئتني لأعطيتك ولو كان زيد هناك لضربتك ثم تتسع فتصير في معنى إن الواقعة للجزاء تقول أنت لا

تكرمني ولو أكرمتك تريد وإن قال تعالى: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ}
وقوله: {فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلءُ الأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدَى بِهِ}. تأويله عند أهل اللغة لا يقبل أن يتبرر به وهو مقيم على الكفر ولا يقبل وإن افتدى به.
فإن قيل: كيف يسوغ هذا في قوله: {وْلَو أَنَّ مَا فِي الأَرْضِ} فإن إن الشرطية لا يليها إلا الفعل وإن المشددة مع ما عملت فيه اسم فإذا كانت لو بمنزلة إن فينبغي ألا تليها.
أجاب الصفار بأنه قد يلي أنّ الاسم في اللفظ فأجاز ذلك في إن نفسها فأولى أن يجوز في لو المحمولة عليها وكما جاز ذلك في لو قبل خروجها إلى الشرط مع أنها من الحروف الطالبة للأفعال.
قال والدليل على أن لو في الآيتين السابقين بمعنى إن أن الماضي بعدها في موضع المستقبل ولو الامتناعية تصرف معنى المستقبل إلى الماضي فإن المعنى وإن يفتد به.
واعلم أن ما ذكرناه من أنها تقتضي امتناع ما يليها أشكل عليه قوله تعالى: {وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ} فإنهم لم يقروا بالكذب.
وأجيب بوجهين: أحدهما: أنها بمعنى إن والثاني: قاله الزمخشري أنه على الفرض أي ولو كنا من أهل الصدق عندك
وقال الزمخشري فيما أفرده على سورة الحجرات لو تدخل على جملتين فعليتين تعلق ما بينهما بالأولى تعلق الجزاء بالشرط ولما لم تكن مخلصة بالشرط كان ولا عاملة مثلها

وإنما سرى فيها معنى الشرط اتفاقا من حيث إفادتها في مضموني جملتها أن الثاني امتنع لامتناع الأول وذلك أن تكسو الناس فيقال لك هلا كسوت زيدا فتقول لو جاءني زيد لكسوته افتقرت في جوابها إلى ما ينصب علما على التعليق فزيدت اللام ولم تفتقر إلى مثل ذلك إن لعملها في فعلها وخلوصها للشرط.
ويتعلق بـ "لو" الامتناعية مسائل:
الأولى: أنها كالشرطية في اختصاصها بالفعل فلا يليها إلا فعل أو معمول فعل يفسره ظاهر بعده كقوله تعالى: {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي}. حذف الفعل فانفصل الضمير.
وانفردت لو بمباشرة أنّ كقوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ} وهو كثير.
واختلف في موضع أنّ بعد لو فقال سيبويه في موضع رفع بالابتداء واختلف عنه في الخبر فقيل محذوف وقيل لا يحتاج إليه.
وقال الكوفيون: فاعل بفعل مقدر تقديره: ولو ثبت أنهم وهو أقيس لبقاء الاختصاص.
الثانية: قال الزمخشري يجب كون خبر أن الواقعة بعد لو فعلا ليكون عوضا عن الفعل المحذوف
وقال أبو حيان: هو وهم وخطأ فاحش قال الله تبارك وتعالى: {وَلَوْ أَنَّ مَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ} وكذا رده ابن الحاجب وغيره بالآية وقالوا إنما ذاك في الخبر المشتق لا الجامد كالذي في الآية

وأيد بعضهم كلام الزمخشري بأنه إنما جاء من حيث إن قوله: {وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ} لما التبس بالعطف بقوله: {مَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ} صار خبر الجملة المعطوفة وهو {يَمُدُّهُ} كأنه خبر الجملة المعطوف عليها لالتباسها بها.
قال الشيخ في المغني: وقد وجدت آية في التنزيل وقع فيها الخبر مشتقا ولم يتنبه لها الزمخشري كما لم يتنبه لآية لقمان ولا ابن الحاجب وإلا لمنع ذلك.
قلت: وهذا عجيب فإن لو في الآية للتمني والكلام في الامتناعية بل أعجب من ذلك كله أن مقالة الزمخشري سبقه إليها السيرافي وهذا الاستدراك وما استدرك به منقول قديما في شرح الإيضاح لابن الخباز لكن في غير مظنته فقال في باب إن وأخواتها قال السيرافي تقول لو أن زيدا أقام لأكرمته ولا تجوز لو أن زيدا حاضر لأكرمته لأنك لم تلفظ بفعل يسد مسد ذلك الفعل.
هذا كلامهم وقد قال الله تعالى: {وَإِنْ يَأْتِ الأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الأَعْرَابِ}.
فأوقع خبرها صفة ولهم أن يفرقوا بأن هذه للتمني فأجريت مجرى ليت كما تقول ليتهم بادون انتهى كلامه
تنبيه
ذكر الزمخشري بعد كلامه السابق في سورة الحجرات سؤالا وهو ما الفرق بين قولك لو جاءني زيد لكسوته ونظيره قوله تعالى: {لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لاصْطَفَى} وبين قوله: لو زيد جاءني لكسوته ومنه قوله تعالى: {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ

رَحْمَةِ رَبِّي} وبين قوله: لو أن زيدا جاءني لكسوته ومنه قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا}.
وأجاب بأن القصد في الأول أن الفعلين تعليق أحدهما بصاحبه لا غير من غير تعرض لمعنى زائد على التعليق الساذج على الوجه الذي بينته وهو المعنى في الآية الأولى لأن الغرض نفي أن يتخذ الرحمن ولدا وبيان تعاليه عن ذلك وليس لأداء هذا الغرض إلا تجديد الفعلين للتعلق دون أمر زائد عليه وأما في الثاني فقد انضم إلى التعليق بأحد معنيين إما نفي الشك أو الشبهة أن المذكور الذي هو زيد مكسو لا محالة لو وجد منه المجيء ولم يمتنع وإما بيان أنه هو المختص بذلك دون غيره وقوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} محتمل المعنيين جميعا أعني أنهم لا محالة يملكون وأنهم المخصوصون بالإمساك لو ملكوا إشارة إلى أن الإله الذي هو مالكها وهو الله الذي وسعت رحمته كل شيء لا يمسك.
فإن قلت: لو لا تدخل إلا على فعل وأنتم ليس بمرفوع بالابتداء ولكن بـ "تملك" مضمرا وحينئذ فلا فرق بين لو تملكون وبين لو أنتم تملكون لمكان القصد إلى الفعل في الموضعين دون الاسم وإنما يسوغ هذا الفرق لو ارتفع بالابتداء.
قلت: التقدير وإن كان على ذلك إلا أنه لما كان تمثيلا لا يتكلم به ينزل الاسم في الظاهر منزلة الشيء تقدم لأنه أهم بدليل لو ذات سوار لطمتني في ظهور قصدهم إلى الاسم لكنه أهم فيما ساقه المثل لأجله
وكذا قوله: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} وإن كان أحد مرفوعا بفعل مضمر في التقدير

وأما في الثالث: ففيه ما في الثاني مع زيادة التأكيد الذي تعطيه أن وفيه إشعار بأن زيدا كان حقه أن يجيء وأنه بتركه المجيء قد أغفل حظه فتأمل هذه الفروق وقس عليها نظائر التراكيب في القرآن العزيز فإنها لا تخرج عن واحد من الثلاثة.
الثالثة: الأكثر في جوابها المثبت اللام المفتوحة للدلالة على أن ما دخلت عليه هو اللازم لما دخلت عليه لو قال تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا}. ففي اللام إشعار بأن الثانية لازمة للأولى.
وقوله: {لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً}. ويجوز حذفها: {لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً}
الرابعة: يجوز حذف جوابها للعلم وللتعظيم كقوله تعالى: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً}. وقوله: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ} ،وهو كثير سبق في باب الحذف على ما فيه من البحث وأما قوله: {وَلَوْ أَنَّ مَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ} فيحتمل أن يكون جواب لو محذوفا والتقدير لنفدت هذه الأشياء وما نفدت كلمات الله وأن يكون {مَا نَفِدَتْ} هو الجواب مبالغة في نفي النفاد لأنه إذا كان نفي النفاد لازما على تقدير كون ما في الأرض من شجرة أقلاما والبحر مدادا كان لزومه على تقدير عدمها أولى.
وقيل: تقدر هي وجوابها ظاهرا كقوله تعالى: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ} تقديره ولو كان معه آلهة إذا لذهب كل إله
وقوله: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ}.
أي ولو يكون وخططت إذن لارتاب

الوجه الثاني: من أوجه "لو" أن تكون شرطية وعلامتها أن يصلح موضعها إن المكسورة وإنما أقيمت مقامها لأن في كل واحدة منهما معنى الشرط وهي مثلها فيليها المستقبل كقوله تعالى: {وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ} {وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا}
وإن كان ماضيا لفظا صرفه للاستقبال كقوله: {وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} ومنه قوله تعالى: {وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ}.
وقوله: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ} {فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلءُ الأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدَى بِهِ}. ونظائره.
قالوا: ولولا أنها بمعنى الشرط لما اقتضت جوابا لأنه لا بد لها من جواب ظاهر أو مضمر وقد قال المبرد في الكامل إن تأويله عند أهل اللغة لا يقبل منه أن يفتدى به وهو مقيم على الكفر ولا يقبل إن افتدى به.
قالوا: وجوابها يكون ماضيا لفظا كما سبق وقوله تعالى: {وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ} ، ومعنى ويكون باللام غالبا نحو: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ} وقد يحذف نحو: {لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً}.
ولا يحذف غالبا إلا في صلة نحو: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا} الآية
الثالث: "لو" المصدرية وعلامتها أن يصلح موضعها أن المفتوحة كقوله تعالى: {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ}

وقوله: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ}
{وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ}
{وَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي}. أي الافتداء.
ولم يذكر الجمهور مصدرية لو وتأولوا الآيات الشريفة على حذف مفعول يود وحذف جواب لو أي يود أحدهم طول العمر لو يعمر ألف سنة ليسر بذلك.
وأشكل قول الأولين بدخولها على أن المصدرية في نحو قوله تعالى: {تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ}.
والحرف المصدري لا يدخل على مثله !
وأجيب: بأنها إنما دخلت على فعل محذوف مقدر تقديره يود لو ثبت أن بينها فانتفت مباشرة الحرف المصدري لمثله!
وأورد ابن مالك السؤال في: {فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً} وأجاب بهذا وبأن هذا من باب توكيد اللفظ بمرادفه نحو
{فِجَاجاً سُبُلاً}
وفي كلا الوجهين نظر أما الأول وهو دخول لو على ثبت مقدرا إنما هو مذهب المبرد وهو لا يراه فكيف يقرره في الجواب!
وأما الثاني،فليست هنا مصدرية بل للتمني كما سيأتي ولو سلم فإنه يلزم ذلك وصل لو بجملة اسمية مؤكدة بـ "أن" وقد نص ابن مالك وغيره على أن صلتها لا بد أن تكون فعلية بماض أو مضارع
قال ابن مالك: وأكثر وقوع هذه بعد ود أو يود أو ما في معناهما من مفهم تمن وبهذا يعلم غلط من عدها حرف تمن لو صح ذلك لم يجمع بينها وبين فعل تمن كما لا يجمع بين ليت وفعل تمن.

الرابع: "لو" التي للتمني وعلامتها أن يصح موضعها ليت نحو لو تأتينا فتحدثنا كما تقول ليتك تأتينا فتحدثنا ومنه قوله تعالى: {فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً}.
ولهذا نصب فيكون في جوابها لأنها أفهمت التمني كما انتصب {فَأَفُوزَ} في جواب ليت: {يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ}
وذكر بعضهم قسما آخر وهو التعليل كقوله: {وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ}

لولا
مركبة عند سيبويه من لو ولا حكاه الصفار والصحيح أنها بسيطة.
ومن التركيب ما يغير ومنه ما لا يغير فمما لا يغير لولا ومما يتغير بالتركيب حبذا صارت للمدح والثناء وانفصل ذا عن أن يكون مثنى أو مجموعا أو مؤنثا وصار بلفظ واحد لهذه الأشياء وكذلك هلا زال عنها الاستفهام جملة.
ثم هي على أربعة أضرب:
الأول: حرف امتناع لوجوب وبعضهم يقول لوجود بالدال.
قيل: ويلزم على عبارة سيبويه في لو أن تقول حرف لما سيقع لانتفاء ما قبله.
وقال صاحب رصف المباني: الصحيح أن تفسيرها بحسب الجمل التي تدخل عليها فإن كانت الجملتان بعدها موجبتين فهي حرف امتناع لوجوب نحو لولا زيد لأحسنت إليك فالإحسان امتنع لوجود زيد وإن كانتا منفيتين فحرف وجود لامتناع نحو لولا عدم زيد لأحسنت إليك انتهى.
ويلزم في خبرها الحذف ويستغنى بجوابها عن الخبر والأكثر في جوابها المثبت اللام نحو: {لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ}،{فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}
وقد يحذف للعلم به كقوله تعالى: {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ}

وقد قيل: في قوله تعالى: {وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ رَبِّهِ}. لهم بها لكنه امتنع همه بها لوجود رؤية برهان ربه فلم يحصل منه هم البتة كقولك لولا زيد لأكرمتك المعنى أن الإكرام ممتنع لوجود زيد وبه يتخلص من الإشكال الذي يورد وهو كيف يليق به الهم.
وأما جوابها إذا كان منفيا فجاء القرآن بالحذف نحو: {مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً }
وهو يرد قول ابن عصفور أن المنفي بـ "ما" الأحسن باللام.
الثاني: التحضيض فتختص بالمضارع نحو: {لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ} {لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ} {لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ}
والتوبيخ والتنديم فتختص بالماضي نحو: {لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ}
{فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا}
وفي كل من القسمين تختص بالفعل لأن التحضيض والتوبيخ لا يردان إلا على الفعل هذا هو الأصل
وقد جوزوا فيها إذا وقع الماضي بعدها أن يكون تحضيضا أيضا وهو حينئذ يكون قرينة صارفة للماضي عن المضي إلى الاستقبال فقالوا في قوله تعالى: {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ

فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} يجوز بقاء نفر على معناه في المضي فيكون لولا توبيخا ويجوز أن يراد به الاستقبال فيكون تحضيضا.
قالوا: وقد تفصل من الفعل بإذ وإذا معمولين له وبجملة شرطية معترضة.
فالأول {وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ} {فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا}
والثاني والثالث نحو: {فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}،المعنى: فهلا ترجعون الروح إذا بلغت الحلقوم إن كنتم مؤمنين وحالتكم أنكم شاهدون ذلك ونحن أقرب إلى المحتضر منكم بعلمنا أو بالملائكة ولكنكم لا تشاهدون ذلك ولولا الثانية تكرار للأولى.
الثالث: للاستفهام بمعنى "هل" نحو: {لوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ} {لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ}
قاله الهروي: ولم يذكره الجمهور والظاهر أن الأولى للعرض والثانية مثل: {لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ}
الرابع: للنفي بمعنى لم نحو قوله تعالى: {فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ} أي لم تكن
{فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ} أي فلم يكن ذكره ابن فارس في كتاب فقه العربية والهروي في الأزهية

والظاهر أن المراد فهلا ويؤيده أنها في مصحف أبي: {فَهلاَّ كَانَتْ قَرْيَةٌ} نعم يلزم من ذلك الذي ذكراه معنى المضي لأن اقتران التوبيخ بالماضي يشعر بانتفائه.
وقال ابن الشجري هذا يخالف أصح الإعرابين لأن المستثنى بعد النفي يقوى فيه البدل ويجوز فيه النصب ولم يأت في الآيتين إلا النصب أي فدل على أن الكلام موجب وجوابه ما ذكرنا من أن فيه معنى النفي.
وجعل ابن فارس منه: {لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ}المعنى اتخذوا من دون الله آلهة ولا يأتون عليه بسلطان.
ونقل ابن برجان في تفسيره في أواخر سورة هود عن الخليل أن جميع ما في القرآن من لولا فهي بمعنى هلا إلا قوله في سورة الصافات: {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ} لأن جوابها بخلاف غيرها.
وفيه نظر لما سبق
لوما
هي قريب من لولا كقوله تعالى: {لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلائِكَةِ} قال ابن فارس هي بمعنى هلا

لم
نفي للمضارع وقلبه ماضيا وتجزمه نحو: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ}.
ومن العرب من ينصب بها وعليه قراءة: {أَلَمْ نَشْرَحْ} بفتح الحاء وخرجت على أن الفعل مؤكد بالنون الخفيفة ففتح لها ما قبلها ثم حذفت ونويت

لما
على ثلاثة أوجه:
أحدها: تدخل على المضارع فتجزمه وتقبله ماضيا كـ "لم" نحو: {وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ} بل لما يذوقوا عذاب.
أي لم يذوقوه: {وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ}
لكنها تفارق لم من جهات:
أحدها: أن لم لنفي فعل ولما لنفي قد فعل فالمنفي بها آكد قال الزمخشري في الفائق لما مركبة من "لم" و"ما" هي نقيضة "قد" وتنفي ما تثبته من الخبر المنتظر.
وهذا أخذه من أبي الفتح فإنه قال أصل "لما" "لم" زيدت عليها"ما" فصارت نفيا تقول قام زيد فيقول المجيب بالنفي لم يقم فإن قلت قد قام قال لما يقم لما زاد في الإثبات قد زاد في النفي ما إلا أنهم لما ركبوا لم مع ما حدث لها معنى ولفظ أما المعنى فإنها صارت في بعض المواضع ظرفا فقالوا لما قمت قام زيد أي وقت قيامك قام زيد وأما اللفظ فلأنه يجوز الوقف عليها دون مجزومها نحو جئتك ولما أي ولما تجئ انتهى
ويخرج من كلامه ثلاثة فروق ما ذكرناه أولا وكونها قد تقع اسما هو ظرف وأنه يجوز الوقف عليها دون النفي بخلاف لم

ورابعها: يجيء اتصال منفيها،بالحال والمنفي بلم لا يلزم فيه ذلك بل قد يكون منقطعا نحو: {هَلْ أَتَى عَلَى الأِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً}، وقد يكون متصلا نحو: {وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً}
وخامسها: أن الفعل بعد لما يجوز حذفه اختيارا.
سادسها: أن لم تصاحب أدوات الشرط بخلاف لما فلا يقال إن لما يقم وفي التنزيل: {وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ}،{وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا}
سابعها: أن منفي لما متوقع ثبوته بخلاف منفي لم ألا ترى أن معنى: {بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ}.
أنهم لم يذوقوه إلى الآن وأن ذوقهم له متوقع.
قال الزمخشري في قوله تعالى: {وَلَمَّا يَدْخُلِ الأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ}. ما في لما من معنى التوقع دال على أن هؤلاء قد آمنوا فيما بعد
وأنكر الشيخ أبو حيان دلالة لما على التوقع فكيف يتوهم أنه يقع بعد
وأجاب بعضهم بأن لما ليست لنفي المتوقع حيث يستبعد توقعه وإنما هي لنفي الفعل المتوقع كما أن قد لإثبات الفعل المتوقع وهذا معنى قول النحويين إنها موافقة لـ "قد فعل" أي يجاب بها في النفي حيث يجاب بـ "قد" في الإثبات ولهذا قال ابن السراج جاءت لما بعد فعل يقول القائل لما يفعل فتقول قد فعل

الوجه الثاني: أن تدخل على ماض فهي حرف لوجود أو وجوب لوجوب فيقتضي وقوع الأمرين جميعا عكس لو نحو لما جاءني زيد أكرمته.
وقال: ابن السراج والفارسي: ظرف بمعنى حين
ورده ابن عصفور بقوله: {وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا}.
قال لأن الهلاك لم يقع حين ظلموا بل كان بين الظلم والهلاك إرسال الرسل وإنذارهم إياهم وبعد ذلك وقع الإهلاك فليست بمعنى حين وهذا الرد لا يحسن إلا إذا قدرنا الإهلاك أول ما ابتدأ الظلم وليس كذلك بل قوله: {ظَلَمُوا} في معنى استداموا الظلم أي وقع الإهلاك لهم حين ظلمهم أي في حين استدامتهم الظلم وهم متلبسون به.
ومن أمثلتها قوله تعالى: {فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ}.
وقوله: {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ}
{وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً}
{إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا}
{فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا}
وأما جوابها فقد يجيء ظاهرا كما ذكرنا قد يكون جملة اسمية مقرونة بالفاء نحو: {فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ}.
أو مقرونة بما النافية كقوله: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ}.
وبإذا المفاجئة نحو: {فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ}

{وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ}.
{فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ}
{فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ}.
وبهذا رد على من زعم أنها ظرف بمعنى حين فإن ما النافية وإذا الفجائية لا يعمل ما بعدهما فيما قبلها فانتفى أن يكون ظرفا.
وقد يكون مضارعا كقوله: {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا} وهو بمعنى الماضي أي جادلنا.
وقد يحذف كقوله: {فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ} قال بعضهم التقدير انقسموا قسمين منهم مقتصد ومنهم غير ذلك لكن الحق أن: {مُقْتَصِدٌ} هو الجواب هو الذي ذكره ابن مالك ونوزع في ذلك من جهة أن خبرها مقرون بالفاء يحتاج لدليل.
وقوله: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً} جوابه محذوف أي لمنعتكم.
وأما قوله عز وجل: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ}
قيل: جواب لما الأولى لما الثانية وجوابها ورد باقترانه وقيل: {كَفَرُوا بِهِ} جواب لهما لأن الثانية تكرير للأولى ز وقيل جواب الأولى محذوف أي أنكروه واختلف في قوله تعالى: {فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ} فقيل الجواب: {ذَهَبَ اللَّهُ} وقيل محذوف استطالة للكلام مع أمن اللبس أي حمدت

وكذلك قوله: {فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ}.
قيل الجواب قوله: {وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ}. على جعل الواو زائدة.
وقيل: الجواب محذوف أي أنجيناه وحفظناه.
وقوله: {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا}.
قيل: الجواب {وَجَاءَتْهُ} على زيادة الواو.
وقيل الجواب محذوف أي أخذ يجادلنا وقيل: {يُجَادِلُنَا} مؤول بـ "جادلنا" وكذلك قوله: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ}.
أي أجزل له الثواب وتله.
وأما قوله: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا}.
فما تقدم من قوله: {وَجَعَلْنَا} يسد مسد الجواب لا أنه الجواب لأن الجواب لا يقدم عليها وكذا قوله: {وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا}.
فما تقدم من قوله: {أَهْلَكْنَاهُمْ} يسد مسد الجواب لا أنه الجواب لأن الجواب لا يقدم عليها وقوله: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً}.
فإنما وقع جوابها بالنفي لأن التقدير فلما جاءهم نذير زادهم نفورا أو ازداد نفورهم
تنبيه: يختلف المعنى بين تجردها من أن ودخولها عليه وذلك أن من شأنها أن تدل على أن الفعل الذي هو ناصبها قد تعلق بعقب الفعل الذي هو خافضته من غير مهلة وإذا انفتحت أن بعدها أكدت هذا المعنى وشددته وذكره الزمخشري في كشافه القديم قال ونراه مبنيا في قوله تعالى: {وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً} الآية كأنه قال لما أبصرهم لحقته المساءة وضيق الذرع في بديهة الأمر وغرته

الوجه الثالث: حرف استثناء كقوله تعالى: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ}.
على قراءة تشديد الميم.
وقوله: {وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}
لما المخففة
مركبة من حرفين: اللام وما النافية وسيبويه يجعل ما زائدة والفارسي يجعل اللام وسيأتي في حرف الميم

لن
صيغة مرتجلة للنفي في قول سيبويه ومركبة عند الخليل من لا وأن واعترض بتقديم المفعول عليها نحو زيدا لن أضرب
وجوابه: يجوز في المركبات ما لا يجوز في البسائط.
وكان ينبغي أن تكون جازمة وقد قيل به إلا أن الأكثر النصب وعلى كل قول فهي لنفي الفعل في المستقبل لأنها في النفي نقيضة السين وسوف وأن في الإثبات فإذا قلت سأفعل أو سوف أفعل كان نقيضه لن أفعل.
وهي في نفي الاستقبال آكد من لا وقوله تعالى: {فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ}.
آكد من قوله: {لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ}
وليس معناها النفي على التأبيد خلافا لصاحب الأنموذج بل إن النفي مستمر في المستقبل إلا أن يطرأ ما يزيله فهي لنفي المستقبل ولم لنفي الماضي وما لنفي الحال.
ومن خواصها أنها تنفي ما قرب ولا يمتد معنى النفي فيها كامتداد معناها وقد جاء في قوله تعالى: {وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً}. بحرف لا في الموضع الذي اقترن به حرف الشرط بالفعل فصار من صيغ العموم يعم الأزمنة كأنه يقول متى زعموا ذلك لوقت من الأوقات وقيل لهم تمنوا الموت فلا يتمنونه
وقال في البقرة: {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ} فقصر من صيغة النفي لأن قوله تعالى:

{قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآخِرَةُ} وليست لن مع كان من صيغ العموم لأن كان لا تدخل على حدث وإنما هي داخلة على المبتدأ والخبر عبارة عن قصر الزمان الذي كان فيه ذلك الحدث كأنه يقول إن كان قد وجب لكم الدار الآخرة فتمنوا الموت ثم قال في الجواب: {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ} فانتظم معنى الآيتين وأما التأبيد فلا يدل على الدوام تقول زيد يصوم أبدا ويصلي أبدا وبهذا يبطل تعلق المعتزلة بأن لن تدل على امتناع الرؤية ولو نفي بـ "لا" لكان لهم فيه متعلق إذ لم يخص بالكتاب أو بالسنة وأما الإدراك الذي نفي بـ "لا" فلا يمنع من الرؤية لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنكم ترون ربكم" ولم يقل تدركون ربكم والعرب تنفي المظنون بـ "لن" والمشكوك بـ "لا".
وممن صرح بأن التأبيد عبارة عن الزمن الطويل لا عن الذي لا ينقطع ابن الخشاب.
وقد سبق مزيد كلام فيها في فصل التأبيد وأدواته.
قيل: وقد تأتي للدعاء كما أتت لا لذلك ومنه قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ}
ومنعه آخرون لأن فعل الدعاء لا يسند إلى المتكلم بل إلى المخاطب والغائب نحو يا رب لا عذبت فلانا ونحوه لا عذب الله عمرا

لكن
للاستدراك مخففة ومثقلة وحقيقته رفع مفهوم الكلام السابق تقول ما زيد شجاع ولكنه غير كريم فرفعت بـ "لكن" ما أفهمه الوصف بالشجاعة من ثبوت الكرم له لكونهما كالمتضايفين فإن رفعنا ما أفاده منطوق الكلام السابق فذاك استثناء وموقع الاستدراك بين متنافيين بوجه ما فلا يجوز وقوعها بين متوافقين وقوله تعالى: { وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ}.
لكونه جاء في سياق لو ولو تدل على امتناع الشيء لامتناع غيره فدل على أن الرؤية ممتنعة في المعنى فلما قيل: {وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ} علم إثبات ما فهم إثباته أولا وهو سبب التسليم وهو نفي الرؤية فعلم أن المعنى ولكن الله ما أراكهم كثيرا ليسلمكم فحذف السبب وأقيم المسبب مقامه.
قال ابن الحاجب الفرق بين بل ولكن وإن اتفقا في أن الحكم للثاني أن لكن وضعها على مخالفة ما بعدهما لما قبلهما ولا يستقيم تقديره إلا مثبتا لامتناع تقدير النفي في المفرد وإذا كان مثبتا وجب أن يكون ما قبله نفيا كقولك ما جاءني زيد لكن عمرو ولو قلت جاءني زيد لكن عمرو لم يجز لما ذكرنا وأما بل فللإضراب مطلقا موجبا كان الأول أو منفيا.
وإذا ثقلت فهي من أخوات إن تنصب الاسم وترفع الخبر ولا يليها الفعل وأما وقوع المرفوع بعدها في قوله تعالى: {لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي} وهو ضمير الرفع فجوابه أنها هنا ليست المثقلة بل هي المخففة والتقدير لكن أنا هو الله ربي

ولهذا تكتب في المصاحف بالألف ويوقف عليها بها إلا أنهم القوا حركة الهمزة على النون فالتقت النونان فأدغمت الأولى في الثانية وموضع أنا رفع بالابتداء وهو مبتدأ ثان والله مبتدأ ثالث وربي خبر المبتدأ الثالث والمبتدأ الثالث وخبره خبر الثاني والثاني هو خبر الأول والراجع إلى الأول الياء.
ثم المخففة قد تكون مخففه من الثقيلة فهي عاملة وقد تكون غير عاملة فيقع بعدها المفرد نحو ما قام زيد لكن عمرو فتكون عاطفة على الصحيح وإن وقع بعدها جملة كانت حرف ابتداء.
وقال صاحب البسيط إذا وقع بعدها جملة فهل هي للعطف أو حرف ابتداء قولان كقوله تعالى: {لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ}
قال: ونظير فائدة الخلاف في جواز الوقف على ما قبلها فعلى العطف لا يجوز وعلى كونها حرف ابتداء يجوز.
قال: وإذا دخل عليها الواو انتقل العطف إليها وتجردت للاستدراك
وقال الكسائي: المختار عند العرب تشديد النون إذا اقترنت بالواو وتخفيفها إذا لم تقترن بها وعلى هذا جاء أكثر القرآن العزيز كقوله تعالى: {وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} {لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ} {لَكِنِ الرَّسُولُ}

{لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا} {لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ}
وعلل الفراء ذلك بأنها مخففه تكون عاطفة فلا تحتاج إلى واو معها كـ "بل" فإذا كان قبلها واو لم تشبه بل لأن بل لا تدخل عليها الواو وأما إذا كانت مشدده فإنها تعمل عمل إن ولا تكون عاطفة.
وقد اختلف القراء في {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ} فأكثرهم على تخفيفها ونصب رسول بإضمار كان أو بالعطف على أبا أحد.
والأول أليق لكن ليست عاطفة لأجل الواو فالأليق لها أن تدخل على الجمل كـ "بل" العاطفة
وقرأ أبو عمرو بتشديدها على أنها عاملة وحذف خبرها أي ولكن رسول الله هو أي محمد

لعل
تجيء لمعان
الأول: للترجي في المحبوب نحو لعل الله يغفر لنا وللإشفاق في المكروه نحو لعل الله يغفر للعاصي ثم وردت في كلام من يستحيل عليه الوصفان لأن الترجي للجهل بالعاقبة وهو محال على الله وكذلك الخوف والإشفاق.
فمنهم من صرفها إلى المخاطبين قال سيبويه في قوله تعالى لعله يتذكر أو يخشى.
معناه كونا على رجائكما في ذكرهما يعني أنه كلام منظور فيه إلى جانب موسى وهارون عليهما السلام لأنهما لم يكونا جازمين بعدم إيمان فرعون.
وأما استعمالهما في الخوف ففي قوله تعالى: {لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ}.
فإن الساعة مخوفة في حق المؤمنين بدليل قوله: {وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا}
وفي هذا رد على الزمخشري حيث أنكر أن تكون هذه الآية من هذا القبيل
فإن قلت: ما معنى قولهم لعل من الله واجبه؟ هل ذلك من شأن المحبوب أو مطلقا وإذا كانت في المحبوب فهل ذلك إخراج لها عن وضع الترجي إلى وضع الخبر فيكون مجازا أم لا؟
قلت: ليس إخراجا لها عن وضعها وذلك أنهم لما رأوها من الكريم للمخاطبين في ذلك المحبوب تعريض بالوعد وقد علم أن الكريم لا يعرض بأن يفعل إلا بعد التصميم عليه فجرى الخطاب الإلهي مجرى خطاب عظماء الملوك من الخلق وقوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا

رَبَّكُمُ} الآية إلى: {تَتَّقُونَ} إطماع المؤمن بأن يبلغ بإيمانه درجة التقوى العالية لأنه بالإيمان يفتتحها وبالإيمان يختتمها ومن ثم قال مالك وأبو حنيفة الشرع ملزم.
وقد قال: الزمخشري وقد جاءت على سبيل الإطماع في مواضع من القرآن لكنه كريم رحيم إذا اطمع فعل ما يطمع لا محالة فجرى إطماعه مجرى وعده فلهذا قيل إنها من الله واجبة.
وهذا فيه رائحة الاعتزال في الإيجاب العقلي وإنما يحسن الإطماع دون التحقيق كيلا يتكل العباد كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ}
وقال الراغب: لعل طمع وإشفاق.
وذكر بعض المفسرين أن لعل من الله واجبة وفسر في كثير من المواضع بـ "لا" وقالوا إن الطمع والإشفاق لا يصح على الله تعالى.
وقال: ولعل وإن كان طمعا فإن ذلك يقتضي في كلامهم تارة طمع المخاطب وتارة طمع المخاطب وتارة طمع غيرهما فقوله تعالى: {لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ}. فذلك طمع منهم في فرعون.
وفي قوله: {لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}. إطماع موسى وهارون ومعناه قولا له قولا لينا راجيين أن يتذكر أو يخشى
وقوله: {فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ} أي تظن بك الناس
وعليه قوله تعالى: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ} ،وقوله: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} أي راجين الفلاح

كما قال: كما قال: {يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ}
وزعم بعضهم بأنها لا تكون للترجي إلا في الممكن لأنه انتظار ولا ينتظر إلا في ممكن فأما قوله تعالى:
{لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ} الآية فاطلاع فرعون إلى الإله مستحيل وبجهله اعتقد إمكانه لأنه يعتقد في الإله الجسمية والمكان تعالى الله عن ذلك.
الثاني: للتعليل كقوله تعالى: {فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}
{وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} أي كي.
وجعل منه ثعلب: {لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ} أي كي حكاه عنه صاحب المحكم.
الثالث: الاستفهام كقوله تعالى: {لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً} {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى} وحكى البغوي في تفسيره عن الواقدي أن جميع ما في القرآن من لعل فإنها للتعليل إلا قوله: {لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} فإنها للتشبيه
وكونها للتشبيه غريب لم يذكره النحاة ووقع في صحيح البخاري في قوله: {لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} أن "لعل" للتشبيه

وذكر غيره أنها للرجاء المحض وهو بالنسبة إليهم.
واعلم أن الترجي والتمني من باب الإنشاء كيف يتعلقان بالماضي.
وقد وقع خبر ليت ماضيا في قوله: {يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا} وممن نص على منع وقوع الماضي خبرا للعل الرماني

ليس
فعل معناه نفي مضمون الجملة في الحال إذا قلت ليس زيدا قائما نفيت قيامه في حالك هذه وإن قلت ليس زيد قائما غدا لم يستقم ولهذا لم يتصرف فيكون فيها مستقبلا.
هذا قول الأكثرين وبعضهم يقول إنها لنفي مضمون الجملة عموما.
وقيل مطلقا حالا كان أو غيره وقواه ابن الحاجب.
ورد الأول بقوله: {أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ}
وهذا نفي لكون العذاب مصروفا عنهم يوم القيامة فهو نفي في المستقبل وعلى هذين القولين يصح ليس إلا الله وعلى الأول يحتاج إلى تأويل وهو أنه قد ينفى عن الحال بالقرينة نحو ليس خلق الله مثله.
وهل هو لنفي الجنس أو الوحدة لم أر من تعرض لذلك غير ابن مالك في كتاب شواهد التوضيح فقال في قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليس صلاة أثقل على المنافقين ففيه شاهد على استعمال ليس للنفي العام المستغرق به للجنس وهو مما يغفل عنه. ونظيره قوله تعالى: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ}
لدن
بمعنى عند وهي أخص منها لدلالته على ابتدائها به نحو: أقمت عنده من لدن

طلوع الشمس إلى غروبها فتوضح نهاية الفعل وهي أبلغ من عند قال تعالى:
{قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً}
{لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا}
{مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ}
{فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً} وقد سبق الفرق بينهما في عند.
وقد تحذف نونها قال تعالى: {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ}
{هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ}

ما
تكون على اثني عشر وجها ستة منها أسماء وستة حروف
ما الاسمية.
فالاسمية ضربان: معرفة ونكرة لأنه إذا حسن موضعها الذي فهي معرفة أو شيء فهي نكرة وإن حسنا معا جاز الأمران كقوله تعالى: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ}. و{هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ}
والنكرة: ضربان ضرب يلزم الصفة وضرب لا يلزمه والذي يلزمه الاستفهامية والشرطية والتعجب وما عداها تكون منه نكرة فلا بد لها من صفة تلزمها.
فالأول: من الستة: الأسماء الخبرية وهي الموصولة ويستوي فيها التذكير والتأنيث والإفراد والتثنية والجمع كقوله تعالى: {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ}.
وقوله: {بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ}
فإن كان المراد بها المذكر كانت للتذكير بمعنى الذي وإن كان المراد بها المؤنث كانت للتأنيث بمعنى التي.
وقال السهيلي: كذا يقول النحويون إنها بمعنى الذي مطلقا وليس كذلك بل بينهما تخالف في المعنى وبعض الأحكام
أما المعنى فلان ما اسم مبهم في غاية الإبهام حتى إنه يقع على المعدوم نحو: "إن الله عالم بما كان وبما لم يكن"

وأما في الأحكام فإنها لا تكون نعتا لما قبلها ولا منعوتة لأن صلتها تغنيها عن النعت ولا تثنى ولا تجمع انتهى.
ثم لفظها مفرد ومعناها الجمع ويجوز مراعاتها في الضمير.
ونحوه من مراعاة المعنى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ}.
ثم قال: {هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا}. لما أراد الجمع.
وكذلك قوله: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ شَيْئاً وَلا يَسْتَطِيعُونَ}
ومن مراعاة اللفظ: {قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ} وأصلها أن تكون لغير العاقل كقوله تعالى: {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ}
وقد تقع على من يعقل عند اختلاطه بما لا يعقل تغليبا كقوله تعالى: {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}.
وقوله: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} الآية بدليل نزول الآية بعدها مخصصة: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى}
قالوا: وقد تأتي لأنواع من يعقل كقوله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} أي الأبكار إن شئتم أو الثيبات
ولا تكون لأشخاص من يعقل على الصحيح لأنها اسم مبهم يقع على جميع الأجناس فلا يصح وقوعها إلا على جنس

ومنهم من جوزه محتجا بقوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} والمراد آدم.
وقوله: {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا} وقوله: {وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} أي الله.
فأما الأولى فقيل إنها مصدرية وقال السهيل بل إنها وردت في معرض التوبيخ على امتناعه من السجود ولم يستحق هذا من حيث كان السجود لما يعقل ولكن لعلة أخرى وهي المعصية والتكبر فكأنه يقول لم عصيتني وتكبرت على ما خلقته وشرفته فلو قال ما منعك أن تسجد لمن؟كان استفهاما مجردا من توبيخ ولتوهم أنه وجب السجود له من حيث كان يعقل أو لعلة موجودة فيه أو لذاته وليس كذلك.
وأما آية السماء فلأن القسم تعظيم للمقسم به من حيث ما في خلقها من العظمة والآيات فثبت لهذا القسم بالتعظيم كائنا ما كان وفيه إيحاء إلى قدرته تعالى على إيجاد هذا الأمر العظيم بخلاف قوله من لأنه كان يكون للمعنى مقصورا على ذاته دون أفعاله ومن هذا يظهر غلط من جعلها بتأويل المصدر.
وأما {مَا أَعْبُدُ} فهي على بابها لأنها واقعة على معبوده عليه السلام على الإطلاق لأن الكفار كانوا يظنون أنهم يعبدون الله وهم جاهلون به فكأنه قال أنتم لا تعبدون معبودي
ووجه آخر وهو أنهم كانوا يحسدونه ويقصدون مخالفته كائنا من كان معبوده فلا يصح في اللفظ إلا لفظة ما لإبهامها ومطابقتها لغرض أو لازدواج الكلام لأن معبودهم لا يعقل وكرر الفعل على بنية المستقبل حيث أخبر عن نفسه إيماء إلى عصمة الله له عن

الزيغ والتبديل وكرره بلفظ حين أخبر عنهم بأنهم يعبدون أهواءهم ويتبعون شهواتهم بفرض أن يعبدوا اليوم مالا يعبدون غدا.
وهاهنا ضابط حسن الفرق بين الخبرية والاستفهامية وهو أن ما إذا جاءت قبل ليس أو لم أو لا أو بعد إلا فإنها تكون خبرية كقوله: {مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ}{مَا لَمْ يَعْلَمْ}{مَا لا تَعْلَمُونَ}{إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا}.
وشبهه.
وكذلك إذا جاءت بعد حرف الجر نحو ربما وعما وفيما ونظائرها إلا بعد كاف التشبيه.
وربما كانت مصدرا بعد الباء نحو: {بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ}{بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} {بِمَا تَعْمَلُونَ}
وإن وقعت بين فعلين سابقهما علم أو دراية أو نظر جاز فيها الخبر والاستفهام كقوله تعالى:
{وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ}
{وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ}
{وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ}
{هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ}.
{وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ}
{وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ}

الثاني: الشرطية ولها صدر الكلام ويعمل فيها ما بعدها من الفعل نحو ما تصنع أصنع وفي التنزيل: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا}
{وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ} {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ} {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا} فـ "ما" في هذه المواضع في موضع نصب بوقوع الفعل عليها
الثالث: الاستفهامية بمعنى أي شيء ولها صدر الكلام كالشرط ويسأل بها عن أعيان ما لا يعقل وأجناسه وصفاته عن أجناس العقلاء وأنواعهم وصفاتهم قال تعالى: {مَا هِيَ}.
و{مَا لَوْنُهَا} {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى}
قال الخليل في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ} ما استفهام أي أي شيء تدعون من دون الله؟
ومثال مجيئها لصفات من يعلم قوله تعالى: {وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا} ،ونظيرها لكن في الموصولة {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ}.

وجوز بعض النحويين أن يسأل بها عن أعيان من يعقل أيضا حكاه الراغب فإن كان مأخذه قوله تعالى عن فرعون: {وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ}. فإنما هو سؤال عن الصفة لأن الرب هو المالك والملك صفة ولهذا أجابه موسى بالصفات ويحتمل أنّ ما سؤال عن ماهية الشيء ولا يمكن ذلك في حق الله تعالى فأجابه موسى تنبيها على صواب السؤال.
ثم فيه مسألتان: إحداهما في إعرابها وهو بحسب الاسم المستفهم عنه فإن كانت هي المستفهم عنها كانت في موضع رفع بالابتداء نحو قوله تعالى: {مَا لَوْنُهَا}. و{مَا هِيَ} {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} وإن كان ما بعدها هو المسئول عنه كانت في موضع الخبر كقوله: {مَا الرَّحْمَنُ}. وقوله: {مَا الْقَارِعَةُ}. {مَا الْحَاقَّةُ}
الثانية: في حذف ألفها ويكثر في حالة الخفض قصدوا مشاكلة اللفظ للمعنى فحذفوا الألف كما أسقطوا الصلة ولم يحذفوا في حال النصب والرفع كيلا تبقى الكلمة على حرف واحد فإذا اتصل بها حرف الجر أو مضاف اعتمدت عليه لأن الخافض والمخفوض بمنزلة الكلمة الواحدة كقوله تعالى: {فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا} {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} {فَبِمَ تُبَشِّرُونَ} {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ}
وأما قوله: {يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي} ،فقال المفسرون معناه بأي شيء غفر لي فجعلوا ما استفهاما وقال الكسائي معناه بمغفرة ربي فجعلها مصدرية
قال الهروي: إثبات الألف في ما بمعنى الاستفهام مع اتصالها بحرف الجر لغة وأما قوله: {فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ} فقيل إنها للاستفهام أي بأي شيء

أغويتني؟ ثم ابتدأ {لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ} وقيل مصدرية والباء متعلقة بفعل القسم المحذوف أي فبما أغويتني أقسم بالله لأقعدن أي بسبب إغوائك أقسم.
ويجوز أن تكون الباء للقسم أي فأقسم بإغوائك لأقعدن وإنما أقسم بالإغواء لأنه كان مكلفا والتكليف من أفعال الله لكونه تعريفا لسعادة الأبد وكان جديرا أن يقسم به.
فإن قيل تعلقها بـ {لأَقْعُدَنَّ} قيل يصد عنه لام القسم ألا ترى أنك لا تقول والله لا بزيد لأمرن.
والرابع: التعجبية كقوله تعالى: {فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ} {قُتِلَ الأِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ}
ولا ثالث لهما في القرآن إلا في قراءة سعيد بن جبير: {مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ}
وتكون في موضع رفع بالابتداء وما خبر وهو قريب مما قبله لأن الاستفهام والتعجب بينهما تلازم لأنك إذا تعجبت من شيء فبالحري أن تسأل عنه
والخامس: نكرة بمعنى شيء ويلزمها النعت كقولك رأيت ما معجبا لك وفي التنزيل: {مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا}،{إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ} أي نعم شيئا يعظكم به

والسادس: نكرة بغير صفة ولا صلة كالتعجب وموضعها نصب على التمييز كقوله: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ} ،أي فنعم شيئا هي كما تقول نعم رجلا زيد أي نعم الرجل رجلا زيد ثم قام ما مقام الشيء.
فائدة: قال بعضهم: وقد تجيء ما مضمرة كقوله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ}.
أي ما ثم.
وقوله: {هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ }. أي ما بيني
{لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ}.
أي ما بينكم
ما الحرفية
وأما الحرفية فستة.
الأول: النافية ولها صدر الكلام وقد تدخل على الأسماء والأفعال ففي الأسماء كـ "ليس" ترفع وتنصب في لغة أهل الحجاز ووقع في القرآن في ثلاث مواضع:
قال تعالى: {مَا هَذَا بَشَراً}
وقوله تعالى: {مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ}
على قراءة كسر التاء وقوله:
{فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ}
وعلى الأفعال فلا تعمل وتدخل على الماضي بمعنى لم نحو ما خرج أي لم يخرج.
وقوله تعالى: {فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ}
وعلى المضارع لنفي الحال بمعنى لا نحو ما يخرج زيد أي لا يخرج نفيت أن يكون منه خروج في الحال

ومنهم من يسميه جحدا وأنكره بعضهم وسبق الفرق بين الجحد والنفي في الكلام على قاعدة المنفي.
وقال ابن الحاجب هي لنفي الحال في اللغتين الحجازية والتميمية نحو ما زيد منطلقا ومنطلق ولهذا جعلها سيبويه في النفي جوابا لـ "قد" في الإثبات ولا ريب أن قد للتقريب من الحال فلذلك جعل جوابا لها في النفي.
قال ويجوز أن تستعمل للنفي في الماضي والمستقبل عند قيام القرائن قال تعالى حكاية عن الكفار: {وَمَا نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ} {وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ}
وفي الماضي،نحو: {مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ}. فإنه ورد للتعليل على معنى كراهة أن يقولوا عند إقامة الحجة عليهم ما جاءنا في الدنيا من بشير ولا نذير وهذا للماضي المحقق وأمثال ذلك كثيرة.
قال: ثم إن سيبويه جعل فيها معنى التوكيد لأنها جرت موضع قد في النفي فكما أن قد فيها معنى التأكيد فكذلك ما جعل جوابا لها.
وهنا ضابط وهو إذا ما أتت بعدها إلا في القرآن فهي من نفي إلا في ثلاثة عشر موضعا.
أولها: في البقرة قوله تعالى: {مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَنْ يَخَافَا}
الثاني: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلاَّ أَنْ يَعْفُونَ}
الثالث: في النساء قوله: {لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ}.
الرابع: {مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ}

الخامس: في المائدة: {وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ}
السادس: في الأنعام: {وَلا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئاً}
السابع: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ}
الثامن والتاسع في هود: {مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ}.
في موضعين
أحدهما: في ذكر أهل النار والثاني: في ذكر أهل الجنة.
العاشر والحادي عشر: في يوسف: {فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً}.
وفيها: {مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ} الثاني عشر: في الكهف: {وَمَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ}. على خلاف فيها.
الثالث عشر: {وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّّ بِالْحَقِّ}. حيث كان.
والثاني: المصدرية،وهي قسمان وقتية وغير وقتية.
فالوقتية هي التي تقدر بمصدر نائب عن الظرف الزمان،كقوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ}. وقوله: {إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِماً}.
و{مَا دُمْتُمْ حُرُماً} ،أي مدة دوام السموات والأرض ووقت دوام قيامكم وإحرامكم وتسمى ظرفية أيضا
وغير الوقتية هي التي تقدر مع الفعل نحو بلغني ما صنعت أي صنعك قال تعالى: {وَبِمَا كَانُوا يَكَذِبُونَ} أي بتكذيبهم أو بكذبهم على القرآن

وقوله: {ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ}.
وقوله : {كَمَا آمَنَ النَّاسُ}.
و{كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً}.
و: {بِئْسَمَا اشْتَرَوْا}.
أي كإيمان الناس وكإرسال الرسل وبئس اشتراؤهم.
وكلما أتت بعد كاف التشبيه أو بئس فهي مصدرية على خلاف فيه وصاحب الكتاب يجعلها حرفا والأخفش يجعلها اسما وعلى كلا القولين لا يعود عليها من صلتها شيء.
والثالث: الكافة للعامل عن عمله وهو ما يقع بين ناصب ومنصوب أو جار ومجرور أو رافع ومرفوع.
فالأول: كقوله تعالى: {إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ}{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}{إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً}
والثاني: كقوله: ربما رجل أكرمته وقوله: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا}
والثالث: كقولك قلما تقولين وطالما تشتكين.
والرابع: المسلطة وهي التي تجعل اللفظ متسلطا بالعمل بعد أن لم يكن عاملا نحو ما في إذما وحيثما لأنهما لا يعملان بمجردهما في الشرط ويعملان عند دخولها عليهما
والخامس: أن تكون مغيرة للحرف عن حاله كقوله في لو لوما غيرتها إلى معنى هلا قال تعالى: {لَوْ مَا تَأْتِينَا}

والسادس: المؤكد للفظ ويسميه بعضهم صلة وبعضهم زائدة والأول أولى لأنه ليس في القرآن حرف إلا وله معنى ويتصل بها الاسم والفعل وتقع أبدا حشوا أو آخرا ولا تقع ابتداء وإذا وقعت حشوا فلا تقع إلا بين الشيئين المتلازمين وهو مما يؤكد زيادتها لإقحامها بين ما هو كالشيء الواحد.
نحو: {أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً}
{أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ}
وكذا قوله تعالى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}
{أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}
{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ}
{فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ}
{عَمَّا قَلِيلٍ}
{أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ}
{مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ}
وجعل منه سيبويه في باب الحروف الخمسة قوله تعالى: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} قال فجعلها زائدة
وأجاز الفارسي زيادة اللام،والمعنى إن كل نفس ما عليها حافظ

ثم قال سيبويه: وقال تعالى: {وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ}.
إنما هو لجميع وما لغو.
قال الصفار: والذي دعاه إلى أن يجعلها لغوا ولم يجعلها موصولا لأن بعدها مفرد فيكون من باب: {تَمَاماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ}
فإن قيل: فهلا جعلها في {لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} موصولة لأن بعدها الظرف؟
قلنا: منع من ذلك وقوع ما على آحاد من يعقل ألا ترى كل نفس وهذا يمنع في الآيتين من الصلة
انتهى
وكان ينبغي أن يتجنب عبارة اللغو

مَن
لا تكون إلا اسما لوقوعها فاعلة ومفعولة ومبتدأة ولها أربعة أقسام متفق عليها الموصولة والاستفهامية والشرطية والنكرة الموصوفة.
فالموصولة كقوله تعالى: {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ} {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}
والاستفهامية وهي التي أشربت معنى النفي ومنه: {وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ}.
و{وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ}
ولا يتقيد جواز ذلك بأن يتقدمها الواو خلافا لابن مالك في التسهيل بدليل: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ}
والشرطية كقوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ} و{مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا}.
والنكرة الموصوفة كقوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ} أي فريق يقول

وقيل: موصولة وضعفه أبو البقاء بأن الذي يتناول أقواما بأعيانهم والمعنى هاهنا على الإيهام.
وتوسط الزمخشري فقال: إن كانت "أل" للجنس فنكرة أو للعهد فموصولة وكأنه قصد مناسبة الجنس للجنس والعهد للعهد لكنه ليس بلازم بل يجوز أن تكون للجنس ومن موصولة وللعهد ومن نكرة.
ثم الموصولة قد توصف بالمفرد وبالجملة وفي التنزيل: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ}.
في أحد الوجهين أي كل شخص مستقر عليها.
قالوا: وأصلها أن تكون لمن يعقل وإن استعملت في غيره فعلى المجاز.
هذه عبارة القدماء وعدل جماعة إلى قولهم من يعلم لإطلاقها على الباري كما في قوله تعالى: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللَّهُ}.
وهو سبحانه يوصف بالعلم لا بالعقل لعدم الإذن فيه.
وضيق سيبويه العبارة فقال هي للأناسي.
فأورد عليه أنها تكون للملك كقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ}.
فكان حقه أن يأتي بلفظ يعم الجميع بأن يقول لأولى العلم.
وأجيب بأن هذا يقل فيها فاقتصر على الأناسي للغلبة.
وإذا أطلقت على ما لا يعقل فإما لأنه عومل معاملة من يعقل وإما لاختلاطه به
فمن الأول قوله تعالى: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ}،والذي لا يخلق المراد به الأصنام لأن الخطاب مع العرب لكنه لما عوملت بالعبادة عبر عنها بـ "من" بالنسبة إلى اعتقاد المخاطب ويجوز أن يكون المراد بـ "من" لا يخلق العموم الشامل لكل ما عبد من دون

الله من العاقلين وغيرهم فيكون مجيء من هنا للتغليب الذي اقتضاه الاختلاط في قوله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ} الآية فعبر بها عمن يمشي على بطنه وهم الحيات وعمن يمشي على أربع وهم البهائم لاختلاطهم مع من يعقل في صدر الآية لأن عموم الآية يشمل العقلاء وغيرهم فغلب على الجميع حكم العاقل

فائدة.
قيل: إنما كان "من" لمن يعقل و"ما" لما لا يعقل لأن مواضع ما في الكلام أكثر من مواضع من وما لا يعقل أكثر ممن يعقل فأعطوا ما كثرت مواضعه للكثير وأعطوا ما قلت مواضعه للقليل وهو من يعقل للمشاكلة والمجانسة
تنبيه.
ذكر الإبياري في شرح البرهان أن اختصاص من بالعاقل وما بغيره مخصوص بالموصولتين أما الشرطية فليست من هذا القبيل لأن الشرط يستدعي الفعل ولا يدخل على الأسماء
تنبيه
وقد سبق في قاعدة مراعاة اللفظ والمعنى بيان حكم من في ذلك وقوله تعالى: {إِلاَّ مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى} فجعل اسم كان مفردا حملا على لفظ من وخبرها جمعا حملا على معناها ولو حمل الاسم والخبر على اللفظ معا لقال إلا من كان يهوديا أو نصرانيا ولو حملهما على معناها لقال إلا من كانوا هودا أو نصارى فصارت الآية الشريفة بمنزلة قولك لا يدخل الدار إلا من كان عاقلين وهذه المسألة منعها ابن السراج وغيره وقالوا لا يجوز أن يحمل الاسم والخبر معا على اللفظ فيقال إلا من كان عاقلا أو يحملا معا على المعنى فيقال إلا من كانوا عاقلين وقد جاء القرآن بخلاف قولهم

مِن
حرف يأتي لبضعة عشر معنى.
الأول: ابتداء الغاية إذا كان في مقابلتها إلى التي للانتهاء.
وذلك إما في اللفظ نحو سرت من البصرة إلى الكوفة وقوله تعالى: {مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى} ما في المعنى نحو زيد أفضل من عمرو لأن معناه زيادة الفضل على عمرو وانتهاؤه في الزيادة إلى زيد.
ويكون في المكان اتفاقا نحو من المسجد الحرام.
وما نزل منزلته نحو من فلان ومنه: {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ}،
وقولك ضربت من الصغير إلى الكبير إذا أردت البداءة من الصغير والنهاية بالكبير.
وفي الزمان عند الكوفيين كقوله تعالى: {مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ}
وقوله: {لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} فإن قبل وبعد ظرفا زمان.
وتأوله مخالفوهم على حذف مضاف أي من تأسيس أول يوم فـ "من" داخلة في التقدير على التأسيس وهو مصدر وأما قبل وبعد فليستا ظرفين في الأصل وإنما هما صفتان
الثاني: الغاية وهي التي تدخل على فعل هو محل لابتداء الغاية وانتهائه معا نحو:

أخذت من التابوت فالتابوت محل ابتداء الأخذ وانتهائه وكذلك أخذته من زيد فـ "زيد" محل لابتداء الأخذ وانتهائه كذلك.
قاله الصفار وغاير قيله وبين ما قبله قال: وزعم بعضهم أنها تكون لانتهاء الغاية نحو قولك رأيت الهلال من داري من خلل السحاب فابتداء الرؤية وقع من الدار وانتهاؤها من خلل السحاب وكذلك شممت الريحان من داري من الطريق فابتداء الشم من الدار وانتهاؤه إلى الطريق.
وقال: وهذا لا حجة فيه بل هما لابتداء الغاية فالأولى لابتداء الغاية في حق الفاعل والثانية لابتداء الغاية في حق المفعول ونظيره كتاب أبي عبيدة بن الجراح إلى عمر بالشام وأبو عبيدة لم يكن وقت كتبه إلى عمر بالشام بل الذي كان في الشام عمر فقوله بالشام ظرف للفعل بالنسبة إلى المفعول.
قال وزعم ابن الطراوة أنها إذا كانت لابتداء الغاية في الزمان لزمها إلى الانتهاء فأجاز سرت من يوم الجمعة إلى يوم الأحد لأنك لو لم تذكر لم يدر إلى أين انتهى السير.
قال الصفار وهذا الذي قاله غير محفوظ من كلامهم وإذا أرادت العرب هذا أتت فيه بمذ ومنذ ويكون الانتهاء إلى زمن الإخبار.
الثالث: التبعيض ولها علامتان أن يقع موقعها وأن يعم ما قبلها ما بعدها إذا حذفت كقوله تعالى: {حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} ،ولهذا في مصحف ابن مسعود بعض ما تحبون
وقوله: {مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ}

وقوله: {إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي} فإنه كان نزل ببعض ذريته.
الرابع: بيان الجنس وقيل: إنها لا تنفك عنه مطلقا حكاه التراس ولها علامتان أن يصح وضع الذي موضعها وأن يصح وقوعها صفة لما قبلها.
وقيل هي أن تذكر شيئا تحته أجناس والمراد أحدها فإذا أردت واحدا منها بينته كقوله تعالى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ}. وغيرها فلما اقتصر عليه لم يعلم المراد فلما صرح بذكر الأوثان علم أنها المراد من الجنس وقرنت بـ "من" للبيان فلذلك قيل إنها للجنس وأما اجتناب غيرها فمستفاد من دليل آخر والتقدير واجتنبوا الرجس الذي هو الأوثان أي اجتنبوا الرجس الوثني فهي راجعة إلى معنى الصفة.
وهي بعكس التي للتبعيض فإن تلك يكون ما قبلها بعضا مما بعدها فإذا قلت أخذت درهما من الدراهم كان الدرهم بعض الدراهم وهذه ما بعدها بعض مما قبلها ألا ترى أن الأوثان بعض الرجس.
ومنه قوله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} ،أي الذين هم أنتم لأن الخطاب للمؤمنين فلهذا لم يتصور فيها التبعيض.
وقد اجتمعت المعاني الثلاثة في قوله تعالى: {وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ}.
فـ "من" الأولى لابتداء الغاية أي ابتداء الإنزال من السماء والثانية للتبعيض أي بعض جبال منها والثالثة لبيان الجنس لأن الجبال تكون بردا وغير برد
ونظيرها: {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ} فالأولى للبيان لأن الكافرين نوعان كتابيون

ومشركون والثانية مزيدة لدخولها على نكرة منفية والثالثة لابتداء الغاية.
وقوله: {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ}.
فالأولى لابتداء الغاية والثانية لبيان الجنس أو زائدة بدليل قوله: {وَحُلُّوا أَسَاوِرَ}.
والثالثة لبيان الجنس أو التبعيض.
وقد أنكر القوم من متأخري المغاربة بيان الجنس وقالوا هي في الآية الشريفة لابتداء الغاية لأن الرجس جامع للأوثان وغيرها فإذا قيل من الأوثان فمعناه الابتداء من هذا الصنف لأن الرجس ليس هو ذاتها فـ "من" في هذه الآية كهي في أخذته من التابوت.
وقيل: للتبعيض لأن الرجس منها هو عبادتها واختاره ابن أبي الربيع ويؤيده قوله: {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا}
وأما قوله: {مِنْكُمْ} فهي للتبعيض ويقدر الخطاب عاما للمؤمنين وغيرهم.
وأما قوله: {مِنَ الْجِبَالِ} فهو بدل من السماء لأن السماء مشتملة على جبال البرد فكأنه قال وينزل من برد في السماء وهو من قبيل ما أعيد فيه العامل مع البدل كقوله: {لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ} وأما قوله: {وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ}.
ففي موضع الصفة فهي للتبعيض
وكثيرا ما تقع بعد ما ومهما لإفراط إبهامهما نحو: { مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ}،{مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ} {مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ} وهي ومخفوضها في موضع نصب على الحال

وقد تقع بعد غيرهما: {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ}.
الشاهد في غير الأولى،فإن تلك للابتداء وقيل زائدة.
الخامس: التعليل ويقدر بلام نحو: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا}.
وقوله: {أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ}.
أي من أجل الجوع.
ورده الأبذي بأن الذي فهم منه العلة إنما هو لأجل المراد وإنما هي للابتداء أي ابتداء الإطعام من أجل الجوع.
السادس: البدل من حيث العوض عنه فهو كالسبب في حصول العوض فكأنه منه أتى نحو قوله تعالى: {لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الأَرْضِ يَخْلُفُونَ}. لأن الملائكة لا تكون من الإنس.
وقوله: {أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ}. أي بدلا من الآخرة ومحلها مع مجرورها النصب على الحال.
وقوله: {لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً}.
أي بدل طاعة الله أو رحمة الله
وقوله: {قُلْ مَنْ يَكْلأُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ} أي بدل الرحمن

السابع: بمعنى على نحو: {وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ}. أي على القوم وقيل على التضمين أي منعناه منهم بالنصر.
الثامن: بمعنى عن نحو: {فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ} {يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا}.
وقيل: هي للابتداء فيهما. وقوله: {أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ}. فقد أشار سيبويه إلى أن من هنا تؤدي معنى عن.
وقيل: هي بمنزلة اللام للعلة أي لأجل الجوع وليس بشيء فإن الذي فهم منه العلة إنما هو أجل لا من.
واختار الصفار أنها لابتداء الغاية.
التاسع: بمعنى الباء نحو: {يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ}.
حكاه البغوي عن يونس وقيل إنما قال: {مِنْ طَرْفٍ} لأنه لا يصح عنه وإنما نظره ببعضها.
وجعل منه ابن أبان: {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ}. أي بأمر الله.
وقوله: {مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلامٌ}.
العاشر: بمعنى في نحو: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ}

{أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ} وقيل لبيان الجنس.
الحادي عشر: بمعنى عند نحو: {لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ}.
قال أبو عبيد وقيل إنها للبدل.
الثاني عشر: بمعنى الفصل وهي الداخلة بين المتضادين نحو: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ}،{حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ}
الثالث عشر: الزائدة ولها شرطان عند البصريين أن تدخل على نكرة وأن يكون الكلام نفيا نحو ما كان من رجل أو نهيا نحو لا تضرب من رجل أو استفهاما نحو هل جاءك من رجل؟
وأجرى بعضهم الشرط مجرى النفي نحو إن قام رجل قام عمرو.
وقال الصفار: الصحيح المنع
ولها في النفي معنيان:
أحدهما: أن تكون للتنصيص على العموم وهي الداخلة على مالا يفيد العموم نحو ما جاءني من رجل فإنه قبل دخولها يحتمل نفي الجنس ونفي الوحدة فإذا دخلت من تعين نفي الجنس وعليه قوله تعالى: {وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ}

{وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا}
{مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ}
وثانيهما: لتوكيد العموم وهي الداخلة على الصيغة المستعملة في العموم نحو ما جاءني من أحد أو من ديار لأنك لو أسقطت من لبقي العموم على حاله لأن أحدا لا يستعمل إلا للعموم في النفي.
وما ذكرناه من تغاير المعنيين خلاف ما نص عليه سيبويه من تساويهما.
قال الصفار: وهو الصحيح عندي وأنها مؤكدة في الموضعين فإنها لم تدخل على جاءني رجل إلا وهو يراد به ما جاءني أحد لأنه قد ثبت فيها تأكيد الاستغراق مع أحد ولم يثبت لها الاستغراق فيحمل هذا عليه فلهذا كان مذهب سيبويه أولى.
قال: وأشار إلى أن المؤكدة ترجع لمعنى التبعيض فإذا قلت ما جاءني من رجل فكأنه قال ما أتاني بعض هذا الجنس ولا كله وكذا ما أتاني من أحد أي بعض من الأحدين انتهى.
وقال: الأستاذ أبو جعفر بن الزبير نص سيبويه على أنها نص في العموم قال فإذا قلت ما أتاني رجل فإنه يحتمل ثلاثة معان:
أحدها: أن تريد ما أتاك من رجل في قوته ونفاذه بل أتاك الضعفاء.
والثاني: أن تريد أنه ما أتاك رجل واحد بل أكثر من واحد
والثالث: أن تريد ما أتاك رجل واحد ولا أكثر من ذلك

فإن قلت: ما أتاني من رجل كان نفيا لذلك كله قال هذا معنى كلامه.
والحاصل أن من في سياق النفي تعم وتستغرق.
ويلتحق بالنفي الاستفهام كقوله تعالى: {هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ}
وجوز الأخفش زيادتها في الإثبات كقوله: {غْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ}.
والمراد الجميع بدليل: {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً}
فوجب حمل الأول على الزيادة دفعا للتعارض.
وقد نوزع في ذلك بأنه إنما يقع التعارض لو كانتا في حق قبيل واحد وليس كذلك فإن الآية التي فيها من قوم نوح والأخرى لهذه الأمة.
فإن قيل: فإذا غفر للبعض كان البعض الآخر معاقبا عليه فلا يحصل كمال الترغيب في الإيمان إلا بغفران الجميع.
وأيضا: فكيف يحسن التبعيض فيها مع أن الإسلام يجب ما قبله فيصح قول الأخفش فالجواب من وجوه:
أحدها: أن المراد بغفران بعض الذنوب في الدنيا لأن إغراق قوم نوح عذاب لهم وذلك إنما كان في الدنيا مضافا إلى عذاب الآخرة فلو آمنوا لغفر لهم من الذنوب ما استحقوا به الإغراق في الدنيا وأما غفران الذنب بالإيمان في الآخرة فمعلوم.
والثاني: أن الكافر إذا آمن فقد بقي عليه ذنوب وهي مظالم العباد فثبت التبعيض بالنسبة للكافر
الثالث: أن قوله: {ذُنُوبَكُمْ} يشمل الماضية والمستقبلة فإن الإضافة تفيد

العموم فقيل من لتفيد أن المغفور الماضي وعدم إطماعهم في غفران المستقبل بمجرد الإسلام حتى يجتنبوا المنهيات.
وقيل: إنها لابتداء الغاية وهو حسن لقوله: {يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ}.
وسيبويه يقدر في نحو ذلك مفعولا محذوفا أي يغفر لكم بعضا من ذنوبكم محافظة على معنى التبعيض.
وقيل: بل الحذف للتفخيم والتقدير يغفر لكم من ذنوبكم ما لو كشف لكم عن كنهه لاستعظمتم ذلك والشيء إذا أرادوا تفخيمه أبهموه كقوله: {فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ}. أي أمر عظيم
وقال الصفار: من للتبعيض على بابها وذلك أن غفر تتعدى لمفعولين أحدهما باللام فالأخفش يجعل المفعول المصرح الذنوب وهو المفعول الثاني فتكون من زائدة ونحن نجعل المفعول محذوفا وقامت من ذنوبكم مقامه أي جملة من ذنوبكم وذلك أن المغفور لهم بالإسلام ما اكتسبوه في حال الكفر لا حال الإسلام والذي اكتسبوه في حال الكفر بعض ذنوبهم لا جميعها.
وأما قوله في آية الصدقة: {وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ} فللتبعيض لأن أخذ الصدقة لا يمحو كل السيئات.
ومما احتج به الأخفش أيضا قوله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ}.
أي أبصارهم وقوله: {وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ}.
أي كل الثمرات
وقوله: {وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَأِ الْمُرْسَلِينَ}

وهذا ضعيف أيضا بل هي في الأول للتبعيض لأن النظر قد يكون عن تعمد وغير تعمد والنهي إنما يقع على نظر العمد فقط ولهذا عطف عليه قوله: {وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ}.
من غير إعادة من لأن حفظ الفروج واجب مطلقا ولأنه يمكن التحرز منه ولا يمكن في النظر لجواز وقوعه اتفاقا وقد يباح للخطبة وللتعليم ونحوهما.
وأما الثانية فإن الله وعد أهل الجنة أن يكون لهم فيها كل نوع من أجناس الثمار مقدار ما يحتاجون إليه وزيادة ولم يجعل جميع الذي خلقه الله من الثمار عندهم بل عند كل منهم من الثمرات ما يكفيه وزيادة على كفايته وليس المعنى على أن جميع الجنس عندهم حتى لم تبق معه بقية لأن في ذلك وصف ما عند الله بالتناهي.
وأما الثالثة فللتبعيض بدليل قوله: {وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ} لطيفة: إنها حيث وقعت في خطاب المؤمنين لم تذكر كقوله في سورة الصف: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ} . إلى قوله: {يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}
وقوله في سورة الأحزاب: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ}. إلى قوله: {وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}
وقال في خطاب الكفار في سورة نوح: {يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ}
وفي سورة الأحقاف: {يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ

ذُنُوبِكُمْ} وما ذاك إلا للتفرقة بين الخطابين لئلا يسوى بين الفريقين في الوعد ولهذا إنه في سورة نوح والأحقاف وعدهم مغفرة بعض الذنوب بشرط الإيمان لا مطلقا وهو غفران ما بينه وبينهم لا مظالم العباد.
الرابع عشر: الملابسة كقوله تعالى: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ} ،أي يلابس بعضهم بعضا ويواليه وليس المعنى على النسل والولادة لأنه قد يكون من نسل المنافق مؤمن وعكسه.
ونظيره قوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}.
وكذا قوله: {ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ}.
كما يتبرأ الكفار كقوله: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا}
فأما قوله: {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} أي بعضكم يلابس بعضا ويواليه في ظاهر الحكم من حيث يشملكم الإسلام

مع
للمصاحبة بين أمرين لا يقع بينهما مصاحبة واشتراك إلا في حكم يجمع بينهما ولذلك لا تكون الواو التي بمعنى مع إلا بعد فعل لفظا أو تقديرا لتصح المعية.
وكمال معنى المعية الاجتماع في الأمر الذي به الاشتراك دون زمانه.
فالأول: يكثر في أفعال الجوارح والعلاج نحو دخلت مع زيد وانطلقت مع عمرو وقمنا معا ومنه قوله تعالى: {وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ}،{أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً} {فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا} {لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ} والثاني: يكثر في الأفعال المعنوية نحو آمنت مع المؤمنين وتبت مع التائبين وفهمت المسألة مع من فهمها ومنه قوله تعالى: {يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ}
وقوله: {وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} {وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ}
{إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى}
{إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ}
{لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}.
أي بالعناية والحفظ
{يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ} يعني الذين شاركوه في الإيمان وهو الذي وقع فيه الاجتماع والاشتراك من الأحوال والمذاهب

وقد ذكروا الاحتمالين المذكورين في قوله تعالى: {وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ}.
قيل: إنه من باب المعية في الاشتراك فتمامه الاجتماع في الزمان على حذف مضاف إما أن يكون تقديره أنزل مع نبوته وإما أن يكون التقدير مع اتباعه.
وقيل: لأنه فيما وقع به الاشتراك دون الزمان وتقديره واتبعوا معه النور.
وقد تكون المصاحبة في الاشتراك بين المفعول وبين المضاف كقوله شممت طيبا مع زيد.
ويجوز أن يكون منه قوله تعالى: {إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً}.
نقل ذلك أبو الفتح القشيري في شرح الإلمام عن بعضهم ثم قال وقد ورد في الشعر استعمال مع في معنى ينبغي أن يتأمل ليلحق بأحد الأقسام وهو قوله:
يقوم مع الرمح الرديني قامة
ويقصر عنه طول كل نجاد
وقال الراغب: مع تقتضي الاجتماع إما في المكان نحو هما معا في الدار أو في الزمان نحو ولدا معا أو في المعنى كالمتضايفين نحو الأخ والأب فإن أحدهما صار أخا للآخر في حال ما صار الآخر أخاه وإما في الشرف والرتبة نحو هما معا في العلو وتقتضي مع النصرة والمضاف إليه لفظ مع هو المنصور نحو قوله تعالى: {لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}
{إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا}
{وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ}،{إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} انتهى

وقال ابن مالك إن معا إذا أفردت تساوى جميعا معنى.
ورد عليه الشيخ أبو حيان بأن بينهما فرقا قال ثعلب إذا قلت قام زيد وعمرو جميعا احتمل أن يكون القيام في وقتين وأن يكون في واحد وإذا قلت قام زيد وعمرو معا فلا يكون إلا في وقت واحد.
والتحقيق ما سبق.
ويكون بمعنى النصرة والمعونة والحضور كقوله: {إِنَّنِي مَعَكُمَا} أي ناصر كما
{إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا}. أي معينهم.
{وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} أي عالم بكم ومشاهدكم فكأنه حاضر معهم وهو ظرف زمان عند الأكثرين إذا قلت كان زيد مع عمرو أي زمن مجيء عمرو ثم حذف الزمن والمجيء وقامت "مع" مقامهما

النون
للتأكيد وهي إن كانت خفيفة كانت بمنزلة تأكيد الفعل مرتين أو شديدة فمنزلة تأكيده ثلاثا وأما قوله تعالى: {لَيُسْجَنَنَّ وَلِيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ}، من حيث أكدت السجن بالشدة دون ما بعده إعظاما.
ولم يقع التأكيد بالخفيفة في القرآن إلا في موضعين: هذا وقوله: {لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ}
وفي القواعد أنها إذا دخلت على فعل الجماعة الذكور كان ما قبلها مضمونا نحو يا رجال اضربن زيدا ومنه وقوله تعالى: {لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ}.
فأما قوله تعالى: {لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائيلَ}.
فإنما جاء قبلها مفتوحا لأنها دخلت على فعل الجماعة المتكلمين وهو بمنزلة الواحد ولا تلحقه واو الجماعة لأن الجماعة إذا أخبروا عن أنفسهم قالوا نحن نقوم ليكون فعلهم كفعل الواحد والرجل الرئيس إذا أخبر عن نفسه قال كقولهم فلما دخلت النون هذا الفعل مرة أخرى بني آخره معها على الفتح لما كان لا يلحقه واو الجمع وإنما يضمون ما قبل النون في الأفعال التي تكون للجماعة ويلحقها واو الجمع التي هي ضميرهم وذلك أن واو الجمع يكون ما قبلها مضموما نحو قولك يضربون فإذا دخلت النون حذفت نون الإعراب لدخولها وحذف الواو لسكونها وسكون النون وبقي ما قبل الواو مضموما ليدل عليه.
ومثله: {لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}
فإن كان ما قبل الواو مفتوحا لم يحذفها ولكنها تحركها لالتقاء الساكنين نحو اخشون زيدا

الهاء
تكون ضميرا للغائب وتستعمل في موضع الجر والنصب نحو: {قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ}.
وتكون لبيان السكت وتلحق وقفا لبيان الحركة وإنما تلحق بحركة بناء لا تشبه حركة الإعراب نحو: {مَا هِيَهْ}.
وكالهاء في {كِتَابِيَهْ}.
و{حِسَابِيَهْ}.
و{سُلْطَانِيَهْ}.
و{مَالِيَهْ} وكان حقها أن تحذف وصلا وتثبت وقفا وإنما أجرى الوصل مجرى الوقف أو وصل بنيه الوقف في {كِتَابِيَهْ} و{حِسَابِيَهْ} . اتفاقا فأثبتت الهاء كذا عند الجميع القراء إلا حمزة فإنه حذف الهاء من هذه الكلم الثلاث وأثبتها وقفا أعني في ماليه وسلطانيه وماهيه في القارعة لأنها في الوقف يحتاج إليها لتحصين حركة الموقوف عليه وفي الوصل يستغني عنه
فإن قيل: فلم لا يفعل ذلك في كتابيه وحسابيه؟قيل: إنه جمع بين اللغتين

ها
كلمة تستعمل على ضربين.
أحدهما: أن تكون اسما سمي به الفعل
وثانيهما: للتنبيه ولها موضعان:
أحدهما: أن تلحق الأسماء المبهمة المفردة نحو هذا وتتنزل منزلة حرف من الكلمة ولهذا يدخل حرف الجر عليه كقوله تعالى: {وَمِنْ هَؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ}
ويفصل به بين المضاف والمضاف إليه كقوله: {لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ}
الثاني: أن تدخل على الجملة كقوله: {هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ} {هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ}
ويدل على دخول حرف التنبيه على الجملة أنه لا يخلوا إما أن يقدر به الدخول على الاسم المفرد أو الجملة لا يجوز الأول لأن المبهم في الآيتين دخل عليهما حرف الإشارة فعلم أن دخولها إنما هو الجملة ذكره أبو علي

هل
للاستفهام قيل ولا يكون المستفهم معها إلا فيما لا ظن له فيه البتة بخلاف الهمزة فإنه لا بد أن يكون معه إثبات فإذا قلت أعندك زيد؟فقد هجس في نفسك أنه عنده فأردت أن تستثبته بخلاف هل حكاه ابن الدهان.
وقد سبق فروق في الكلام على معنى الاستفهام.
وقد تأتي بمعنى قد كقوله تعالى: {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى} {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} {هَلْ أَتَى عَلَى الأِنْسَانِ}
وذكر بعضهم أن هل تأتي للتقرير والإثبات كقوله تعالى: {هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ}.
أي في ذلك قسم وكذا قوله: {هَلْ أَتَى عَلَى الأِنْسَانِ}. على القوم بأن المراد آدم فإنه توبيخ لمن ادعى ذلك.
وتأتي بمعنى ما كقوله: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ}
وبمعنى ألا كقوله: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً}
وبمعنى الأمر نحو: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ}.
وبمعنى السؤال: {هَلْ مِنْ مَزِيدٍ}

وبمعنى التمني: {هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ}
وبمعنى أدعوك نحو: {هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى}.
فالجار والمجرور متعلق به
هيهات.
لتبعيد الشيء ومنه: {هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ} قال الزجاج البعد لما توعدون
وقيل: وهذا غلط من الزجاج أوقعه فيه اللام فإن تقديره بعد الأمر لما توعدون أي لأجله

الواو
الواو العاملة.
حرف يكون عاملا وغير عامل
فالعامل قسمان: جار وناصب.
فالجار واو القسم نحو: {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ}
واو رب على قول كوفي والصحيح أن الجر بـ "رُبّ" المحذوفة لا بالواو.
والناصب ثنتان: واو مع فتنصب المفعول معه عند قوم والصحيح أنه منصوب بما قبل الواو من فعل أو شبهه بواسطة الواو.
والواو التي ينتصب المضارع بعدها في موضعين في الأجوبة الثمانية وأن يعطف بها الفعل على المصدر على قول كوفي.
والصحيح أن الواو فيه عاطفة والفعل منصوب بأن مضمرة.
ولها قسم آخر عند الكوفيين تسمى واو الصرف ومعناها أن الفعل كان يقتضي إعرابا فصرفته الواو عنه إلى النصب كقوله تعالى: { قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} على قراءة النصب.
الواو غير العاملة
وأما غير العاملة فلها معان:

الأول: وهو أصلها العاطفة تشرك في الإعراب والحكم وهي لمطلق الجمع على الصحيح ولا تدل على أن الثاني بعد الأول بل قد يكون كذلك وقد يكون قبله وقد يكون معه فمن الأول: {إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا} فإن الإخراج متأخر عن الزلزال وذلك معلوم من قضية الوجود لا من الواو.
ومن الثاني: {وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} ،والركوع قبل السجود ولم ينقل أن شرعهم كان مخالفا لشرعنا في ذلك.
وقوله تعالى: مخبرا عن منكري البعث: {مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ} أي نحيا ونموت.
وقوله: {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ}. والأيام هنا قبل الليالي إذ لو كانت الليالي قبل الأيام كانت الأيام مساوية لليالي وأقل.
قال الصفار: ولو كان على ظاهره لقال سبع ليال وستة أيام أو سبعة أيام وأما ثمانية فلا يصح على جعل الواو للترتيب
فائدة: وقوله تعالى: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً} {وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ}
أجاز أبو البقاء كون الواو عاطفة وهو فاسد لأنه يلزم فيه أن يكون الله تعالى أمر نبيه عليه السلام أن يتركه وكأنه قال اتركني واترك من خلقت وحيدا وكذلك اتركني واترك المكذبين فتعين أن يكون المراد خل بيني وبينهم وهو واو "مع" كقولك لو تركت الناقة وفصيلها لرضعها

والثاني: واو الاستثناء وتسمى واو القطع والابتداء وهي التي يكون بعدها جملة غير متعلقة بما قبلها في المعنى ولا مشاركة في الإعراب ويكون بعدها الجملتان.
فالاسمية كقوله تعالى: {ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمّىً عِنْدَهُ}
والفعلية كقوله: {لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ} {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً وَيَقُولُ الأِنْسَانُ}.
والظاهر أنها الواو العاطفة لكنها تعطف لجمل التي لا محل لها من الإعراب لمجرد الربط وإنما سميت واو الاستئناف لئلا يتوهم أن ما بعدها من المفردات معطوف على ما قبلها.
الثالث: واو الحال الداخلة على الجملة الاسمية وهي عندهم مغنية عن ضمير صاحبها كقوله تعالى: {ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاساً يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ}
وقوله: {لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ}
وقوله: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ}
وقد يجتمعان نحو: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} {وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ}

{وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ}
{لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ}
{لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ}
{وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}
{وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ}
{أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ}
{أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ}.
الرابع: للإباحة نحو جالس الحسن وابن سيرين لأنك أمرت بمجالستهما معا.
قال وعلى هذا أخذ مالك قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} الآية
الخامس: واو الثمانية والعرب تدخل الواو بعد السبعة إيذانا بتمام العدد فإن السبعة عندهم هي العقد التام كالعشرة عندنا فيأتون بحرف العطف الدال على المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه فتقول خمسة ستة سبعة وثمانية فيزيدون الواو إذا بلغوا الثمانية

حكاه البغوي عن عبد الله بن جابر عن أبي بكر بن عبدوس ويدل عليه قوله تعالى: {سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ} ونقل عن ابن خالويه وغيره ومثلوه بقوله تعالى: {وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ}.
بعد ما ذكر العدد مرتين بغير واو.
وقوله تعالى في صفة الجنة: {وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا}.
بالواو لأنها ثمانية وقال تعالى في صفة النار: {فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا}.
بغير الواو لأنها سبعة وفعل ذلك فرقا بينهما.
وقوله: {وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ}.
بعد ما ذكر قبلها من الصفات بغير واو.
وقيل دخلت فيه أعلاما بأن الآمر بالمعروف ناه عن المنكر في حال أمره بالمعروف فهما حقيقتان متلازمتان.
وليس قوله: {ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً} من هذا القبيل خلافا لبعضهم لأن الواو لو أسقطت منه لاستحال المعنى لتناقض الصفتين.
ولم يثبت المحققون واو الثمانية وأولوا ما سبق على العطف أو واو الحال وإن دخلت في آية الجنة لبيان أنها كانت مفتحة قبل مجيئهم وحذفت في الأول لأنها كانت مغلقة قبل مجيئهم.
وقيل: زيدت في صفة الجنة علامة لزيادة رحمة الله على غضبه وعقوبته وفيها زيادة كلام سبق في مباحث الحذف
وزعم بعضهم أنها لا تأتي في الصفات إلا إذا تكررت النعوت وليس كذلك

بل يجوز دخولها من غير تكرار قال تعالى: {وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ }.
وقال: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ}
وتقول جاءني زيد والعالم.
السادس: الزيادة للتأكيد كقوله تعالى: {إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ}.
بدليل الآية الأخرى.
قال الزمخشري: دخلت الواو لتأكيد لصوق الصفة بالموصوف الدالة على أن اتصافه بها أمر ثابت مستقر
وضابطه أن تدخل على جملة صفة للنكرة نحو جاءني رجل ومعه ثوب آخر وكذا: {وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ} وقال الشيخ جمال الدين بن مالك في باب الاستثناء من شرح التسهيل وتابعه الشيخ أثير الدين إن الزمخشري تفرد بهذا القول وليس كذلك فقد ذكر الأزهري في الأزهرية فقال وتأتي الواو للتأكيد نحو ما رأيت رجلا إلا وعليه ثوب حسن وفي القرآن منه: {وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ}.
وقال: { وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ لَهَا مُنْذِرُونَ }. انتهى
وأجازه أبو البقاء أيضا في الآية وفي قوله تعالى: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}.
فقال يجوز أن تكون الجملة في موضع نصب صفة لـ "شيء" وساغ دخول الواو لما كانت صورة الجملة هنا كصورتها إذا كانت حالا

وأجاز أيضا في قوله تعالى: {عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ} ، فقال: الجملة في موضع جر صفة لـ "قرية"
وأما قوله: {فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ} فقيل الواو زائدة ويحتمل أن يكون مجزوما جواب الأمر بتقدير أضرب به ولا تحنث.
ويتحمل أن يكون نهيا.
قال ابن فارس: والأول أجود.
وكذلك قوله: {وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ} قيل الواو زائدة.
وقيل: ولنعلمه فعلنا ذلك.
كذلك: {وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ} أي وحفظا فعلنا ذلك
وقيل: في قوله: {وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا}: إنها زائدة للتأكيد والصحيح أنها عاطفة وجواب إذا محذوف أي سعدوا وأدخلوا
وقيل: وليعلم فعلنا ذلك وكذلك: {وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ} أي حفظا فعلنا ذلك

وقيل في قوله: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ}.
أي ناديناه والصحيح أنها عاطفة والتقدير عرف صبره وناديناه: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ}
وقوله: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ}
وقوله: {وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ}. أي لنعلم.
وقوله: {فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلءُ الأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدَى بِهِ}
وزعم الأخفش أن إذا من قوله تعالى: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} مبتدأ وخبرها إذا في قوله: {وَإِذَا الأَرْضُ مُدَّتْ} والواو زائدة والمعنى أن وقت انشقاق السماء هو وقت مد الأرض وانشقاقها واستبعده أبو البقاء لوجهين:
أحدهما: أن الخبر محط الفائدة ولا فائدة في إعلامنا بأن الوقت الانشقاق في وقت المد بل الغرض من الآية عظم الأمر يوم القيامة.
والثاني: بأن زيادة الواو تغلب في القياس والاستعمال.
وقد تحذف كثيرا من الجمل كقوله تعالى: {وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ} أي وقلت والجواب قوله تعالى: {تُوَلُّوا} وقوله: {يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ} وفي قول أكثر: {قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} الآية
وقوله: {إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ}

ويكأن
قال الكسائي كلمة تندم وتعجب قال تعالى: {وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ} {وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ}
وقيل: إنه صوت لا يقصد به الإخبار عن التندم ويحتمل أنه اسم فعل مسماه ندمت أو تعجبت.
وقال الصفار: قال المفسرون معناه ألم تر فإن أرادوا به تفسير المعنى فمسلم وإن أرادوا تفسير الإعراب فلم يثبت ذلك.
وقيل: بمعنى ويلك فكان ينبغي كسر إن.
وقيل: وي تنبيه وكأن للتشبيه وهو الذي نص عليه سيبويه.
ومنهم من جعل كأن زائدة لا تفيد تشبيها ولم يثبت فلم يبق إلا أنها للتشبيه الأمر يشبه هذا بل هو كذا.
قلت: عن هذا اعتذر سيبويه فقال المعنى على أن القوم انتبهوا فتكلموا على قدر علمهم أو نبهوا فقيل لهم أما يشبه أن يكون ذا عندكم هكذا.
وهذا بديع جدا كأنهم لم يحققوا هذا الأمر فلم يكن عندهم إلا ظن فقالوا نشبه أن يكون الأمر كذا ونهوا ثم قيل لهم يشبه أن يكون الأمر هكذا على وجه التقرير انتهى
وقال صاحب البسيط كأنه على مذهب البصريين لا يراد به التشبيه بل القطع واليقين

وعلى مذهب الكوفيين يحتمل أن تكون الكاف حرفا للخطاب لأنه إذا كان اسم فعل لم يضف.
وذهب بعضهم إلى أنه بكماله اسم.
وذهب الكسائي إلى أن أصله ويلك فحذفت اللام وفتحت على مذهبه أن باسم الفعل قبلها.
وأما الوقف فأبو عمرو ويعقوب يقفان على الكاف على موافقة مذهب الكوفيين والكسائي يقف على الياء وهو مذهب البصريين وهذا يدل على أنهم لم يأخذوا قراءتهم من نحوهم وإنما أخذوها نقلا وإن خالف مذهبهم في النحو ولم يكتبوها منفصلة لأنه لما كثر بها الكلام وصلت
ويل
قال الأصمعي ويل تقبيح قال تعالى: { وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ}.
وقد توضع موضع التحسر والتفجع منه كقوله: {يَا وَيْلَتَنَا} {يَا وَيْلَتَى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ}

يا
لنداء البعيد حقيقة أو حكما ومنه قول الداعي يا الله وهو { أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}.
استصغارا لنفسه واستبعادا لها من مظان الزلفى.
وقد ينادى بها القريب إذا كان ساهيا أو غافلا تنزيلا البعيد.
وقد ينادى بها القريب الذي ليس بساه ولا غافل إذا كان الخطاب المرتب على النداء في محل الاعتناء بشأن المنادى.
وقد تحذف نحو: {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا}{رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً} {قَالَ ابْنَ أُمَّ} وقد قيل في قوله تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ}.
في قراءة تخفيف من إن الهمزة فيه للنداء أي يا صاحب هذه الصفات.
قال ابن فارس تأتي للتأسف والتلهف نحو: {أَلاَّ يَسْجُدُوا} وقيل للتنبيه
قال: وللتلذذ نحو:
يا بَرْدَهَا على الفؤاد لو تَقِف*
وهذا مع التوفيق كافٍ فحصِّلا*

في آخر النسخة المنقول منها ما مثاله.
تمت النسخة المباركة بحمد الله تعالى وعونه وحسن توفيقه ونسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يجعله خالصا لوجهه الكريم مقربا بالفوز في جنات النعيم وذلك في اليوم المبارك السعيد رابع عشر شهر شعبان الفرد من شهور سنة تسع وسبعين وثمانمائة من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام والحمد الله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه الطيبين الطاهرين
وغفر الله لنا ولكم ولجميع المسلمين والحمد الله رب العالمين
وإن تجد عيبا فسد الخللا
فجل من لا فيه عيب وعلا 
 

قلت المدون  تم بحمد الله ثم قلت

 سبحانك وبحمدك وأستغفرك أنت الله الشافي الكافي الرحمن الرحيم الغفار الغفور القادر القدير المقتدر الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارئ المصور... الواحد الأحد الواجد الماجد الملك المغيث لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك ..لك الملك ولك الحمد وأنت علي كل شيئ قدير ولا حول ولا قوة إلا بك وأستغفرك اللهم بحق أن لك هذه الأسماء وكل الأسماء الحسني أسألك أن تََشفني شفاءا لا يُغادر سقما وأن تَكفني كل همي وتفرج كل كربي وتكشف البأساء والضراء عني وأن تتولي أمري وتغفر لي ذنبي وأن تشرح لي صدري وأن تُيسر لي أمري وأن تحلل عُقْدَةً  من لساني يفقهوا قولي وأن تغنني بفضلك عمن سواك اللهم أصلحني: حالي وبالي وأعتقني في الدارين وخُذ بيدي يا ربي وأخرجني من الظلمات الي النور بفضلك  وأن ترحم وتغفر لوالديَّ ومن مات من اخوتي وان تغفر لهم أجمعين وكل من مات علي الايمان والتوبة اللهم آمين

اللهم تقبل واستجب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

بلوجر

يا بلوجر متي يهدك ربنا وتتوب عن تدخلك السافر في روابط المدونات وتحويلها الي صفحة المشاركات في كل مدوناتك –اعلم ان جوجل لن يحاسبك عن هذه...