ج3.ج4.كتاب : الشريعة للآجري
ج3. كتاب : الشريعة للآجري الآجري
- وحدثنا أبو بكر قاسم بن زكريا المطرز قال : حدثني
القاسم بن دينار قال : ثنا مصعب بن المقدام ، عن سفيان الثوري ، عن أبي إسحاق ، عن
الأغر أبي مسلم ، عن أبي سعيد ، وأبي هريرة قال : شهدا به على نبيهما أنهما سمعاه
يقول أو قال : سمعتهما يشهدان به على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : «
إذا ذهب ثلث الليل الأول هبط الله عز وجل إلى السماء الدنيا فقال : » هل من مستغفر
؟ هل من سائل ؟ هل من داع ؟ «
703 - أخبرنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا محمد بن
بشار بندار قال : حدثنا محمد بن جعفر غندر قال : حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن
الأغر قال : أشهد على أبي هريرة وأبي سعيد الخدري أنهما : شهدا على رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال : « إن الله عز وجل يمهل حتى إذا كان ثلث الليل فيقول : هل من
سائل ؟ هل من تائب ؟ هل من مستغفر من ذنب ؟ » قال : فقال له رجل : حتى يطلع الفجر ؟ قال : « نعم »
704 - وأخبرنا ابن أبي داود قال : حدثنا مصعب بن محمد بن
مصعب قال : نا يزيد يعني ابن هارون قال : أنا شريك ، عن أبي إسحاق ، عن الأغر أبي
مسلم ، عن أبي سعيد الخدري ، وأبي هريرة : أنهما شهدا به على رسول الله صلى الله
عليه وسلم ، وأنا أشهد به عليهما : « إن الله عز وجل يمهل حتى إذا ذهب ثلث الليل
الأول نزل إلى السماء الدنيا ، فقال : هل من مستغفر فيغفر له ؟ هل من تائب يتاب عليه
؟ هل من سائل يعطى » ؟ أخبرنا ابن أبي داود قال : حدثنا سلمة بن شبيب قال : حدثنا
عبد الرزاق قال : حدثنا معمر ، عن أبي إسحاق وذكر الحديث إلى آخره نحوه وأخبرنا
ابن أبي داود قال : حدثنا محمد بن عثمان العجلي قال : نا عبيد الله يعني ابن موسى
، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق وذكر الحديث إلى آخره نحوه
705 - وحدثنا إسحاق بن أبي حسان الأنماطي قال : حدثنا هشام
بن عمار الدمشقي قال : نا عبد الحميد بن أبي العشرين قال : نا الأوزاعي قال :
حدثنا يحيى بن أبي كثير قال : حدثني هلال بن أبي ميمونة قال : حدثني عطاء بن يسار قال : حدثني رفاعة بن عرابة الجهني قال : صدرنا مع رسول
الله صلى الله عليه وسلم من مكة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
: « إذا مضى شطر (1) الليل أو قال : ثلثاه ينزل الله عز
وجل إلى السماء الدنيا فيقول : لا أسأل عن عبادي غيري ، من ذا الذي يسألني أعطيه ؟
من ذا الذي يدعوني أستجيب له ؟ من ذا يستغفرني فأغفر له ؟ حتى ينفجر الصبح
»
__________
(1) الشطر : النصف
706 - حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا الحسن بن
محمد بن الصباح قال : نا إسماعيل بن
علية ، عن هشام الدستوائي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن هلال بن أبي ميمونة ، عن
عطاء بن يسار ، عن رفاعة الجهني قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إذا
مضى نصف الليل الأول أو قال : ثلثاه ينزل الله عز وجل إلى السماء الدنيا يقول : لا
أسأل عن عبادي أحدا غيري ، من ذا الذي يستغفرني فأغفر له ، من ذا الذي يدعوني
فأستجيب له ، من ذا الذي يسألني فأعطيه ، حتى ينفجر الفجر وقال مرة : حتى ينفجر
الصبح »
707 - وحدثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قال : نا
الحسين بن الحسن المروزي قال : أنا عبد الله بن المبارك قال : حدثنا هشام ، عن
يحيى بن أبي كثير ، عن هلال بن أبي ميمونة ، عن رفاعة الجهني قال ابن صاعد : هكذا
قال لنا : عن عبد الله بن المبارك ويقصر من الإسناد عطاء بن يسار فحدثناه الحسين
بن الحسن ، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي ، وزياد بن أيوب قالوا : حدثنا إسماعيل بن
إبراهيم قال : حدثنا هشام الدستوائي قال : حدثنا يحيى بن أبي كثير ، عن هلال بن
أبي ميمونة ، عن عطاء بن يسار ، عن رفاعة الجهني واللفظ لابن المبارك قال : أقبلنا
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنا بالكديد أو قال : بقديد جعل رجال منا
يستأذنون على أهليهم فيأذن لهم ، فحمد الله عز وجل وقال خيرا ، وقال : « إذا مضى
نصف الليل أو قال : ثلثه ينزل الله عز وجل إلى السماء الدنيا ، فيقول : لا أسأل عن
عبادي غيري ، من ذا الذي يستغفرني فأغفر له ؟ من ذا الذي يدعوني فأستجيب له ؟ من
ذا الذي يسألني فأعطيه ؟ حتى ينفجر الصبح » وأخبرنا أبو بكر بن أبي داود قال :
حدثنا محمد بن خلف العسقلاني قال : حدثنا رواد بن الجراح قال : حدثنا الأوزاعي ،
عن يحيى بن أبي كثير ، عن هلال بن أبي ميمونة ، عن رفاعة الجهني قال رواد
: ابن عرابة وذكر الحديث نحوه
708 - وأخبرنا أبو بكر بن أبي داود قال :
حدثنا هارون بن إسحاق ، وعلي بن المنذر الطريقي قالا :
حدثنا محمد بن فضيل ، عن إبراهيم الهجري ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله يعني ابن
مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن الله عز وجل يفتح أبواب السماء
ثلث الليل الباقي ، ثم يهبط إلى السماء الدنيا ثم يبسط يديه » ،
وقال علي بن المنذر يده : ألا عبد يسألني أعطيه ؟ قال : فلا يزال كذلك حتى يطلع
الفجر «
709 - وحدثنا جعفر بن محمد الصندلي قال : نا زهير بن محمد
المروزي قال : أنا معاوية بن عمرو قال : حدثنا زائدة قال : حدثنا إبراهيم الهجري ،
عن أبي الأحوص ، عن عبد الله يعني ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «
إن الله عز وجل يفتح أبواب السماء ثلث الليل الباقي ، ثم يهبط إلى السماء الدنيا ،
فيبسط يده عز وجل فيقول : ألا عبد يسألني فأعطيه ؟ حتى يطلع الفجر
»
710 - أخبرنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا محمد بن
بشار ، حدثنا هشام بن عبد الملك قال : أنا حماد بن سلمة ، عن عمرو بن دينار ، عن
نافع بن جبير ، عن أبيه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « ينزل الله عز
وجل إلى السماء الدنيا ، فيقول : هل من سائل
فأعطيه سؤله ؟ هل من مستغفر فأغفر له » ؟ وحدثنا جعفر الصندلي قال : نا زهير بن
محمد المروزي قال : حدثنا إسحاق بن عمر بن سليط ، وعبيد الله بن محمد بن حفص قالا
: حدثنا حماد بن سلمة ، عن عمرو بن دينار ، عن نافع بن جبير بن مطعم ، عن أبيه :
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر مثل الحديث إلى آخره
711 - وأخبرنا ابن أبي داود أبو بكر قال
: حدثنا يعقوب بن سفيان ، وعبد الله بن محمد بن النعمان
قالا : حدثنا عبد الرحمن بن المبارك قال : حدثنا فضيل بن سليمان قال : حدثنا موسى
بن عقبة ، عن إسحاق بن يحيى بن الوليد ، عن عبادة بن الصامت قال : قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : « ينزل ربنا عز وجل كل ليلة إلى السماء الدنيا حيث يبقى ثلث
الليل الآخر ، فيقول : ألا عبد من عبادي يدعوني فأستجيب له ؟ ألا ظالم لنفسه
يدعوني فأغفر له ؟ ألا مقتر عليه رزقه يدعوني فأرزقه ؟ ألا مظلوم يدعوني فأنصره ؟
ألا عان (1) يدعوني فأفك عنه » ؟ قال : فيكون كذلك حتى يصبح « وذكر الحديث
__________
(1) العاني : الأسير أو صاحب الدين أو المريض
712 - أخبرنا ابن أبي داود قال : حدثنا سلمة بن شبيب قال
: حدثنا عبد الرزاق قال : أنا معمر ، عن يحيى بن أبي كثير قال : حدثني عبد الرحمن
بن البيلماني قال : « ما من ليلة إلا ينزل ربكم عز وجل إلى السماء ، فما من سماء
إلا وله فيها كرسي ، فإذا نزل إلى السماء خر أهلها سجدا حتى يرجع ، فإذا أتى السماء
الدنيا : أطت (1) وترعدت من خشية الله عز وجل ، وهو باسط يديه يدعو عباده : يا
عبادي من يدعني أجبه ؟ ومن يتب إلي أتب عليه ؟ ومن يستغفرني أغفر له ؟ ومن يسألني
أعطه ؟ من يقرض غير معدم ولا ظلوم ، أو كما قال » قال محمد بن الحسين رحمه الله :
فيما ذكرته كفاية لمن أخذ بالسنن ، وتلقاها بأحسن قبول ، فلم يعارضها بكيف ولم ؟
واتبع ولم يبتدع
__________
(1) الأطيط : أصوات الإبل والمراد وجود أصوات شديدة
دلالة على كثرة الملائكة وازدحامها
713 - حدثنا ابن صاعد أبو محمد قال : نا الحسين بن حسن
المروزي قال : أنا ابن مبارك قال : أنا يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب قال : بلغنا عن
رجال من أهل العلم أنهم كانوا يقولون : « الاعتصام بالسنن نجاة
»
714 - حدثنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن زياد قال : نا أبو
حفص عمر بن مدرك القاص قال : حدثنا الهيثم بن
خارجة قال : نا الوليد بن مسلم قال : سألت الأوزاعي ، والثوري ، ومالك بن أنس ،
والليث بن سعد : عن الأحاديث التي فيها الصفات ؟ فكلهم قال : « أمروها كما جاءت
بلا تفسير »
باب الإيمان بأن الله عز وجل خلق آدم على صورته بلا كيف
715 - حدثنا أبو أحمد هارون بن يوسف قال : نا ابن أبي
عمر يعني محمدا العدني قال : حدثنا سفيان ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي
هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إذا ضرب أحدكم فليجتنب الوجه
فإن الله عز وجل خلق آدم على صورته »
716 - وأخبرنا إبراهيم بن الهيثم الناقد قال : نا أبو
معمر القطيعي قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي
هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا تقبحوا الوجه ، فإن الله عز
وجل خلق آدم على صورته »
717 - وحدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد
الواسطي قال : حدثنا محمد بن ميمون الخياط المكي قال : حدثنا سفيان ، عن أبي الزناد
، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عجلان ، عن
سعيد ، عن أبي هريرة قال : قال أبو الزناد في حديثه : قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم : « إذا ضربتم فاجتنبوا الوجه ، فإن
الله عز وجل خلق آدم على صورته »
718 - وقال ابن عجلان : عن سعيد ، عن أبي هريرة قال : «
لا تقل : قبح الله وجهك ، ولا وجه من أشبه وجهك ، فإن الله عز وجل خلق آدم على
صورته »
719 - وحدثنا ابن عبد الحميد أيضا قال : نا محمد بن
المثنى أبو موسى قال : حدثنا يحيى بن
سعيد ، عن ابن عجلان ، عن سعيد ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
: « إذا ضرب أحدكم فليجتنب الوجه ، فإن الله عز وجل خلق آدم على صورته
»
720 - وأخبرنا أبو محمد عبد الله بن صالح البخاري قال :
نا إسحاق بن إبراهيم المروزي قال : نا جرير بن عبد الحميد ، عن الأعمش ، عن حبيب
بن أبي ثابت ، عن عطاء ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «
لا تقبحوا الوجه ، فإن ابن آدم خلق على صورة الرحمن عز وجل » قال محمد بن الحسين
رحمه الله : هذه من السنن التي يجب على المسلمين الإيمان بها ، ولا يقال فيها :
كيف ؟ ولم ؟ بل تستقبل بالتسليم والتصديق ، وترك النظر ، كما قال من تقدم من أئمة
المسلمين
721 - حدثنا أبو نصر محمد بن كردي قال : نا أبو بكر
المروزي قال : سألت أبا عبد الله أحمد بن حنبل رحمه الله عن الأحاديث التي يردها
الجهمية في الصفات والإسراء والرؤية وقصة العرش ؟ فصححها وقال : « قد تلقتها
العلماء بالقبول ، تسلم الأخبار كما جاءت » قال أبو بكر المروزي : وأرسل أبو بكر
وعثمان ابنا أبي شيبة إلى أبي عبد الله يستأذنانه أن يحدثا بهذه الأحاديث التي
تردها الجهمية فقال أبو عبد الله : حدثوا بها ، قد تلقتها العلماء بالقبول ، وقال أبو
عبد الله : تسلم الأخبار كما جاءت قال محمد بن الحسين رحمه الله
: سمعت أبا عبد الله الزبيري رحمه الله وقد سئل عن معنى
هذا الحديث ، فذكر مثل ما قيل فيه ، ثم قال أبو عبد الله : نؤمن بهذه الأخبار التي
جاءت ، كما جاءت ، ونؤمن بها إيمانا ، ولا نقول : كيف ؟ ولكن ننتهي في ذلك إلى حيث
انتهي لنا ، فنقول من ذلك ما جاءت به الأخبار كما جاءت
باب الإيمان بأن قلوب الخلائق بين إصبعين من أصابع الرب
عزوجل بلا كيف
722 - حدثنا أبو الفضل جعفر بن محمد الصندلي قال : حدثنا
زهير بن محمد المروزي قال : حدثنا أبو عبد الرحمن المقرئ ، حدثنا حيوة بن شريح قال
: حدثنا أبو هانئ الخولاني ، أنه سمع أبا عبد الرحمن الحبلي ، أنه سمع عبد الله بن
عمرو يقول : إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « إن قلوب بني آدم كلها
بين إصبعين من أصابع الرحمن جل وعز ، كقلب واحد ، يصرف كيف شاء » ، ثم قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم : « اللهم مصرف القلوب اصرف قلبي لطاعتك »
حدثنا أبو عبد الله جعفر بن إدريس القزويني قال : حدثنا
يحيى بن عبدك القزويني قال : حدثنا أبو عبد الرحمن المقرئ وذكر الحديث مثله إلى
آخره
723 - حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا محمد بن
منصور الطوسي قال : حدثنا حاجب بن الوليد قال : حدثنا
بقية ، عن إبراهيم بن أدهم ، عن مقاتل بن حيان ، عن شهر بن حوشب قال : قلت لأم
سلمة : ما كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ، إذا كان عندك ؟ قالت : كان
يقول : « يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك » قلت : أتخشى علينا ؟ فقال : « إن
القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن عز وجل ، ما شاء أزاغ (1) ، وما شاء أقام
»
__________
(1) أزاغ : أمال عن الحق
724 - وحدثنا جعفر بن محمد الصندلي قال : نا زهير بن
محمد المروزي ، قال : نا محمد بن سعيد الأصبهاني قال : حدثنا الوليد بن مسلم قال :
سمعت سالما الخياط ، يقول : سمعت الحسن ما لا أحصيه يذكر عن أمه قالت : سمعت أم
سلمة تقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « ما من قلب إلا وهو بين إصبعين
من أصابع رب العالمين ، إذا شاء أن يقيمه أقامه ، وإذا شاء أن يزيغه (1)
أزاغه (2) »
__________
(1) يزيغه : يميله عن الحق
(2) أزاغ : أمال عن الحق
725 - أخبرنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قال : نا
محمد بن زنبور المكي قال : حدثنا فضيل بن
عياض ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن أنس بن مالك قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول : « يا مقلب القلوب ، ثبت قلبي
على دينك » ، فيقال له : يا رسول الله أتخشى علينا وقد آمنا بك ، وآمنا بما جئت به
؟ فقال : « إن قلوب الخلائق بين أصبعين من أصابع الرحمن عز وجل ، إن شاء هكذا ،
وإن شاء هكذا »
726 - وحدثنا أبو جعفر محمد بن صالح بن ذريح العكبري قال
: حدثنا الهيثم بن جناد الجهني قال : حدثنا إبراهيم بن عيينة ، عن الأعمش ، عن
يزيد الرقاشي ، عن أنس قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول : « اللهم
ثبت قلبي على دينك » ، فقال له بعض أصحابه : تخاف علينا يا رسول الله وقد أجبناك ،
وصدقناك فيما جئت به ؟ فقال : « نعم إن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن عز وجل
يقلبها »
727 - حدثنا جعفر بن محمد الصندلي قال : حدثنا الحسن بن
محمد الزعفراني قال : حدثنا يعقوب بن
إسحاق الحضرمي قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن أم محمد القرشية ،
عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « يا مقلب
القلوب ثبت قلبي على دينك » ، قلت : يا رسول الله أو تخاف ؟ قال : « وما يؤمنني ،
وإنما قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن عز وجل ، إذا شاء أن يقلب قلب عبد قلبه
»
728 - وحدثنا جعفر بن محمد الصندلي قال : حدثنا زهير بن
محمد المروزي قال : أخبرنا المؤمل بن الفضل ، ومحمد بن
سعيد الأصبهاني قالا : حدثنا الوليد بن مسلم قال : سمعت عبد الرحمن بن يزيد بن
جابر يقول : حدثني بسر بن عبيد الله الحضرمي ، أنه سمع أبا إدريس الخولاني يقول :
سمعت النواس بن سمعان يقول : سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول : « ما من قلب إلا وهو بين إصبعين من أصابع رب العالمين ،
إذا شاء أن يقيمه أقامه ، وإذا شاء أن يزيغه (1) أزاغه (2) » قال : فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « يا مقلب القلوب
ثبت قلبي على دينك »
__________
(1) يزيغه : يميله عن الحق
(2) أزاغ : أمال عن الحق
729 - وحدثنا الصندلي جعفر قال : حدثنا محمد بن المثنى
قال : سمعت بشر بن الحارث يقول : أما سمعت ما قال النبي صلى الله عليه وسلم : « يا
مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك » ؟ وقال صلى الله عليه وسلم : « قلب ابن آدم بين إصبعين
من أصابع الله عز وجل » ثم قال بشر : هؤلاء الجهمية يتعاظمون هذا
باب الإيمان بأن الله عز وجل يمسك السماوات على إصبع
والأرضين على إصبع ، والجبال والشجر على إصبع ، والخلائق كلها على إصبع ، والماء
والثرى على إصبع
730 - أخبرنا أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله الكشي قال :
حدثنا علي بن عبد الله المديني قال : حدثنا جرير بن عبد الحميد ، عن منصور ، عن إبراهيم
، عن عبيدة ، عن عبد الله يعني ابن مسعود قال : جاء حبر من اليهود إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقال : إذا كان يوم القيامة جعل الله تبارك وتعالى السماوات
على إصبع ، والأرضين على إصبع ، والجبال على إصبع ، والخلائق كلها على إصبع ، ثم
يهزهن ، ثم يقول : أنا الملك قال : فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك
حتى بدت نواجذه ، تصديقا له ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : وما قدروا
الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه (1)
__________
(1) سورة : الزمر آية رقم : 67
731 - وحدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد
الواسطي قال : حدثنا عبد الوهاب الوراق قال : أنا هاشم بن القاسم ، عن أبي معاوية
شيبان بن عبد الرحمن ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن عبيدة ، عن عبد الله قال : جاء
حبر (1) إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال :
يا محمد أو يا رسول الله إن الله تبارك وتعالى يوم القيامة يجعل السماوات على إصبع
، والأرضين على إصبع ، والجبال والشجر على إصبع ، والماء والثرى (2) على إصبع ،
وسائر الخلق على إصبع ثم يهزهن فيقول : أنا الملك قال : فضحك النبي صلى الله عليه
وسلم حتى بدت نواجذه ، تصديقا لقول الحبر
__________
(1) الحبر : العالم المتبحر في العلم
(2) الثرى : التراب النَّدِيٌّ، وقيل : هو التراب الذي
إِذا بُلَّ يصير طينا
732 - وحدثنا أبو عبد الله محمد بن مخلد العطار قال :
حدثنا محمد بن الوليد البسري قال : حدثنا يحيى بن سعيد القطان ، عن سفيان يعني
الثوري قال : نا منصور ، وسليمان يعني الأعمش عن إبراهيم ، عن عبيدة ، عن عبد الله
: أن يهوديا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد إن الله عز وجل يمسك
السموات على إصبع ، والأرضين على إصبع ، والجبال على إصبع ، والشجر على إصبع ،
والخلائق على إصبع ثم يقول : « أنا الملك » قال : فضحك رسول الله صلى الله عليه
وسلم حتى بدت نواجذه وقال : « وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم
القيامة والسموات مطويات بيمينه (1) » قال يحيى بن سعيد القطان : زاد فيه فضيل بن
عياض ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن عبيدة ، عن عبد الله قال : فضحك رسول الله صلى
الله عليه وسلم تصديقا
__________
(1) سورة : الزمر آية رقم : 67
733 - وحدثنا جعفر بن محمد الصندلي قال : حدثنا زهير بن
محمد المروزي قال : أنا الضحاك بن مخلد ، عن سفيان ، عن
منصور ، عن إبراهيم ، عن عبيدة ، عن عبد الله قال : جاء رجل من أهل الكتاب قال :
أراه قال : يهوديا أو نصرانيا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن الله جل
ثناؤه يضع يوم القيامة السموات والأرض على إصبع ، والجبال والشجر على إصبع ،
والماء والثرى على إصبع ، فيقول : أنا الملك أراه قال مرتين قال : فضحك رسول الله
صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه (1) ، ثم قرأ هذه الآية : وما قدروا الله حق
قدره (2)
__________
(1) النواجذ : هي أواخُر
الأسنان. وقيل : التي بعد الأنياب.
(2) سورة : الزمر آية رقم : 67
باب ما روي أن الله عز وجل يقبض الأرض بيده ، ويطوي
السماوات بيمينه
734 - حدثنا الفريابي قال : حدثنا عبد الله بن عبد
الرحمن السمرقندي قال : حدثنا الحكم بن
نافع قال : حدثنا شعيب يعني ابن أبي حمزة عن الزهري قال : أنا أبو سلمة ، عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول : « يقبض الله عز وجل الأرض ، ويطوي
السماوات بيمينه ، ثم يقول : أنا الملك ، أين ملوك الأرض ؟ »
735 - حدثنا أبو عبد الله أحمد بن محمد بن شاهين قال :
حدثنا الحسن بن عيسى بن ماسرجس ، قال : أخبرنا عبد الله بن المبارك قال : أخبرنا
يونس ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب حدثه عن أبي هريرة : عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال : « يقبض الله عز وجل الأرضين يوم القيامة ، ويطوي السماء بيمينه ثم يقول
: أنا الملك ، أين ملوك الأرض » ؟
باب الإيمان بأن الله عز وجل يأخذ الصدقات بيمينه ،
فيربيها للمؤمن
736 - حدثنا الفريابي قال : حدثنا قتيبة بن سعيد قال :
حدثنا الليث بن سعد ، عن سعيد بن أبي سعيد ، عن سعيد بن يسار أنه سمع أبا هريرة يقول
: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ما تصدق أحد بصدقة من طيب ولا يقبل الله
إلا الطيب إلا أخذها الرحمن عز وجل بيمينه ، وإن كانت تمرة ، فتربو في كف الرحمن
عز وجل حتى تكون أعظم من الجبل ، كما يربي أحدكم فلوه (1) ، أو فصيله
»
__________
(1) الفلو : المُهْرُ الصَّغير ، وقيل : هو الفَطِيم من
أوْلاد ذَواتِ الحِافِر
737 - حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا عيسى بن
حماد زغبة قال : أخبرنا الليث بن سعد ، عن سعيد بن أبي سعيد ، عن سعيد بن يسار أنه
سمع أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ما تصدق أحد بصدقة من
طيب ولا يقبل الله إلا الطيب إلا أخذها الرحمن عز وجل بيمينه وإن كانت تمرة ، فتربو
في كف الرحمن عز وجل ، حتى تكون أعظم من الجبل ، فيربيها كما يربي أحدكم فلوه (1)
أو فصيله »
__________
(1) الفلو : المُهْرُ الصَّغير ، وقيل : هو الفَطِيم من
أوْلاد ذَواتِ الحِافِر
738 - حدثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قال : حدثنا
الحسين بن الحسن المروزي قال : حدثنا عبد الله بن المبارك قال : أنا عبيد الله بن
عمر ، عن سعيد المقبري ، عن أبي الحباب ، عن أبي هريرة : عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال : « ما من عبد مسلم يتصدق بصدقة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا طيبا
إلا كان الله عز وجل يأخذها بيمينه ، فيربيها له كما يربي أحدكم فلوه (1)
أو فصيله حتى تبلغ التمرة مثل أحد »
__________
(1) الفلو : المُهْرُ الصَّغير ، وقيل : هو الفَطِيم من
أوْلاد ذَواتِ الحِافِر
باب الإيمان بأن لله عز وجل يدين وكلتا يديه يمين
739 - أخبرنا أبو محمد عبد الله بن صالح البخاري ، قال :
حدثنا الحسن بن علي الحلواني قال : نا أبو توبة الربيع بن نافع ، عن بقية بن
الوليد قال : حدثنا أرطاة بن المنذر ، عن مجاهد ،
عن ابن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن أول شيء خلقه الله القلم ،
فأخذه بيمينه وكلتا يديه يمين قال : فكتب الدنيا وما يكون فيها من عمل معمول ، بر
أو فجور ، رطب أو يابس ، فأحصاه في الذكر ، ثم قال : اقرءوا إن شئتم : هذا كتابنا
ينطق عليكم بالحق ، إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون (1) فهل تكون النسخة إلا من أمر
قد فرغ منه ؟
__________
(1) سورة : الجاثية آية رقم : 29
740 - أخبرنا الفريابي قال : حدثنا أبو أنس مالك بن
سليمان الحمصي قال : حدثنا بقية بن الوليد ، عن أرطاة بن المنذر ، عن مجاهد بن جبر
، : أنه بلغه عن ابن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أول شيء خلقه
الله عز وجل القلم ، فأخذه بيمينه وكلتا يديه يمين وذكر الحديث مثله إلى آخره
741 - وحدثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قال : حدثنا
الحسين بن الحسن المروزي قال : أخبرنا سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، سمع
عمرو بن أوس الثقفي ، يحدث عن عبد الله بن عمرو وبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم
: « المقسطون عند الله عز وجل يوم القيامة على منابر من
نور ، عن يمين الرحمن عز وجل وكلتا يديه يمين الذين يعدلون بحكمهم وأهليهم وما
ولوا »
742 - أخبرنا الفريابي قال : حدثنا قتيبة بن سعيد قال :
نا الليث بن سعد ، عن محمد بن عجلان ، عن سعيد المقبري ، عن أبيه ، عن عبد الله بن
سلام أنه قال في حديث طويل قال : « ثم خلق آدم عليه السلام قال : ثم مسح ظهره
بيديه فأخرج فيهما من هو خالق من ذريته إلى أن تقوم الساعة ، ثم قبض يديه عز وجل ثم
قال : اختر يا آدم قال : اخترت يمينك يا رب ، وكلتا يديك يمين فبسطها فإذا فيها
ذريته من أهل الجنة فقال : من هؤلاء يا رب ؟ قال : هم من قضيت أن أخلق من ذريتك من
أهل الجنة ، إلى أن تقوم الساعة » وذكر الحديث
باب الإيمان بأن الله عز وجل خلق آدم عليه السلام بيده
وخط التوراة لموسى بيده ، وخلق جنة عدن بيده ، وقد قيل : العرش ، والقلم ، وقال
لسائر الخلق : كن فكان ، فسبحانه
743 - حدثنا جعفر بن محمد الصندلي قال : حدثنا زهير بن
محمد قال : حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب اللحجي قال : حدثنا المغيرة بن عبد
الرحمن بن حكيم بن حزام القرشي عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال : خلق الله عز وجل آدم عليه السلام بيده يوم الجمعة
، ونفخ فيه من روحه وأمر الملائكة أن يسجدوا له ، فسجدوا له إلا إبليس كان من الجن
ففسق عن أمر ربه (1) قال محمد بن الحسين : يقال للجهمي الذي ينكر أن الله خلق آدم بيده كفرت بالقرآن ، ورددت السنة ،
وخالفت الأمة ، فأما القرآن : فإن الله عز وجل لما أمر الملائكة أن يسجدوا لآدم
فسجدوا إلا إبليس قال الله عز وجل : ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت أم كنت
من العالين (2) وقال عز وجل في صورة الحجر : وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا
من صلصال من حمإ مسنون ، فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ، فسجد
الملائكة كلهم أجمعون ، إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين (3) فحسد إبليس آدم لأن
الله عز وجل خلقه بيده ، ولم يخلق إبليس بيده ، ولما التقى موسى عليه السلام مع
آدم عليه السلام فاحتجا ، فكان من حجة موسى لآدم أنه قال له : أنت أبونا آدم خلقك
الله تعالى بيده ، ونفخ فيك من روحه ، وأمر الملائكة فسجدوا لك ؟ فاحتج موسى على
آدم بالكرامة التي خص الله عز وجل بها آدم مما لم يخص غيره بها من أن الله عز وجل
خلقه بيده وأمر ملائكته فسجدوا له ، فمن أنكر هذا فقد كفر ثم احتج آدم على موسى
: فقال آدم : أنت موسى الذي اصطفاك الله بكلامه ، وخط لك
التوراة بيده وذكر الحديث
__________
(1) سورة : الكهف آية رقم : 50
(2) سورة : ص آية رقم : 75
(3) سورة : الحجر آية رقم : 28
744 - أخبرنا الفريابي قال : حدثنا قتيبة بن سعيد قال :
حدثنا عبد العزيز بن محمد ، عن عمرو بن أبي عمرو ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، :
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « احتج آدم وموسى ، فقال له موسى : يا آدم
، خلقك الله بيده ، ونفخ فيك من روحه ، وأمر الملائكة فسجدوا لك ، وأمرك أن تسكن الجنة
» وذكر الحديث بطوله
745 - وأخبرنا الفريابي قال : حدثنا وهب بن بقية قال :
أخبرنا خالد يعني ابن عبد الله الواسطي عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي
هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « احتج آدم وموسى فقال موسى : أنت آدم الذي خلقك الله عز وجل بيده ، ونفخ
فيك من روحه ، وأسكنك الجنة ، وأمر الملائكة فسجدوا لك » ؟ وذكر الحديث
746 - أخبرنا الفريابي قال : حدثنا إسحاق بن موسى
الأنصاري قال : حدثنا أنس وهو ابن عياض قال : حدثني محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ،
عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « احتج آدم وموسى عليهما
السلام ، فقال موسى : أنت آدم الذي خلقك الله عز وجل بيده ، ونفخ فيك من روحه ،
وأسكنك الجنة ، وأمر الملائكة فسجدوا لك » وذكر الحديث فهذا حجة موسى على آدم : أن
الله عز وجل خلقه بيده ، وأما حجة آدم على موسى بأن الله عز وجل خط له التوراة
بيده
747 - فحدثنا أبو جعفر أحمد بن يحيى الحلواني قال
: حدثنا محمد بن الصباح الدولابي قال : نا سفيان بن
عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن طاوس ، سمع أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم : « احتج آدم وموسى عليهما السلام ،
فقال موسى : يا آدم أنت أبونا أخرجتنا من الجنة فقال آدم : يا موسى ، اصطفاك الله
عز وجل بكلامه ، وخط لك التوراة بيده ، تلومني على أمر قدره الله عز وجل علي قبل
أن يخلقني بأربعين سنة قال : فحج آدم موسى فحج
آدم موسى »
748 - وأخبرنا الفريابي قال : حدثنا أحمد بن عبدة ، ويعقوب بن حميد بن كاسب ، قالا : حدثنا سفيان بن عيينة
، عن عمرو بن دينار ، عن طاوس ، سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول
: قال النبي صلى الله عليه وسلم : « احتج آدم وموسى فقال
موسى : يا آدم : أنت أبونا خيبتنا ، وأخرجتنا من الجنة ؟ فقال له آدم : أنت موسى
الذي اصطفاك الله بكلامه ، وخط لك التوراة بيده ، وقرأت التوراة فهل تجد فيها أنه
قضى علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة ؟ قال : نعم ، قال : فحج آدم موسى » قال ابن عبدة
: وقال سفيان مرة : وخط لك التوراة بيده ؟ أتلومني على أمر قدره علي قبل أن يخلقني
بأربعين سنة «
749 - حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد العطشي قال :
حدثنا العباس بن عبد الله الترقفي قال : حدثنا محمد بن يوسف الفريابي قال : حدثنا
قيس يعني ابن الربيع عن ابن أبي ليلى ، عن المنهال بن عمرو ، عن سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس رضي الله عنهما في قول الله عز وجل : فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه
(1) قال : « أي رب ، ألم تخلقني بيدك ؟ قال : بلى قال : أي رب ، ألم تنفخ في من
روحك ؟ قال : بلى قال : أي رب ألم تسبق رحمتك إلي قبل غضبك ؟ قال : بلى ، قال أى
رب ، ألم تسكني جنتك ؟ قال : بلى قال : أي رب أرأيت إن تبت وأصلحت ، أراجعي أنت
إلى الجنة ؟ قال : نعم »
__________
(1) سورة : البقرة آية رقم : 37
750 - وحدثنا جعفر بن محمد الصندلي قال : حدثنا زهير بن
محمد المروزي قال : أخبرنا معاوية بن عمرو وأبو صالح قالا
: حدثنا أبو إسحاق يعني الفزاري ، عن سفيان ، عن عبيد المكتب ، عن مجاهد ، عن ابن
عمر رضي الله عنهما قال : « خلق الله عز
وجل أربعة أشياء بيده : آدم عليه السلام ، والعرش ، والقلم ، وجنات عدن ، ثم قال
لسائر الخلق : كن فكان »
751 - وحدثنا جعفر الصندلي قال : حدثنا زهير بن محمد
المروزي قال : حدثنا يعلى بن عبيد قال : حدثنا إسماعيل
بن أبي خالد ، عن حكيم بن جابر قال : « أخبرت أن ربكم عز وجل لم يمس إلا ثلاثة
أشياء : غرس الجنة بيده ، وجعل ترابها الورس (1) والزعفران ، وجبالها المسك ، وخلق آدم عليه السلام ، وكتب التوراة لموسى عليه
السلام »
__________
(1) الورس : نبت أصفر يُصبغ به
752 - وحدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا محمد بن
عباد بن آدم قال : حدثنا بكر بن سليمان الأسواري ، عن
محمد بن إسحاق قال : سمعت محمد بن كعب ، يحدث : « أن الله عز وجل لم يمس بيده شيئا
إلا ثلاثة : آدم عليه السلام ، والتوراة فإنه كتبها لموسى بيده ، وطوبى (1) شجرة
في الجنة غرسها الله بيده ، ليس في الجنة غرفة إلا فيها منها فنن (2) ، وهى التي
قال الله عز وجل : الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم
وحسن مآب (3) »
__________
(1) طوبى لهم : قيل إن معناه فرح وقرة عين أو غبطة لهم
أو حسنى لهم أو خير لهم وكرامة أو دوام الخير وقيل الجنة وقيل شجرة في الجنة
(2) الفنن : الغصن من الشجر
(3) سورة : الرعد آية رقم : 29
753 - وحدثنا جعفر بن محمد الصندلي قال : حدثنا زهير بن
محمد المروزي قال : حدثنا محمد بن المنهال الضرير قال :
حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن أنس ، : أن كعب
الأحبار قال : إن الله عز وجل لم يمس بيده إلا ثلاثة : خلق آدم بيده ، وكتب
التوراة بيده ، وغرس الجنة بيده ، ثم قال : تكلمي : فقالت : قد أفلح المؤمنون (1)
__________
(1) سورة : المؤمنون آية رقم : 1
باب الإيمان بأن الله عز وجل لا ينام قال الله عز وجل :
الله لا إله إلا هو الحي القيوم ، لا تأخذه سنة ولا نوم (1) الآيةوأخبرنا النبي
صلى الله عليه وسلم قال : « إن الله عز وجل لا ينام ، ولا ينبغي له أن ينام
»
__________
(1) سورة : البقرة آية رقم : 255
754 - حدثنا أحمد بن يحيى الحلواني قال : حدثنا محمد بن
الصباح قال : حدثنا أبو معاوية قال : حدثنا الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي
عبيدة ، عن أبي موسى قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس كلمات فقال
: « إن الله عز وجل لا ينام ، ولا ينبغي له أن ينام ، ولكنه يخفض القسط ويرفعه ، يرفع
إليه عمل الليل قبل عمل النهار ، ويرفع إليه عمل النهار قبل عمل الليل ، حجابه
النار أو قال النور لو كشفها لأحرقت سبحات (1) وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه
»
__________
(1) السبحات : جمع سبحة وهي النور والضياء والبهاء
755 - حدثنا أبو بكر قاسم بن زكريا المطرز قال : حدثنا
الفضل بن سهل الأعرج قال : أخبرنا أبو عاصم ، عن سفيان يعني الثوري ، عن عمرو بن
مرة ، عن أبي عبيدة ، عن أبي موسى رضي الله عنه قال : قام فينا رسول الله صلى الله
عليه وسلم بأربع قال : « إن الله عز وجل لا ينام ولا ينبغي له أن ينام ، يرفع القسط
، ويخفض به ، يرفع إليه عمل الليل قبل النهار ، وعمل النهار قبل الليل ، حجابه
النور ، أو النار ، لو كشفها لأحرقت سبحات (1) وجهه كل من أدركه بصره
»
__________
(1) السبحات : جمع سبحة وهي النور والضياء والبهاء
756 - حدثنا أبو أحمد هارون بن يوسف قال حدثنا ابن أبي
عمر قال : حدثنا المقرئ يعني عبد الله بن يزيد قال : حدثنا المسعودي ، عن عمرو بن
مرة ، عن أبي عبيدة ، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : قام فينا رسول الله
صلى الله عليه وسلم بأربع فقال : « إن الله تعالى لا ينام ولا ينبغي له أن ينام »
وذكر الحديث
757 - وحدثنا جعفر بن محمد الصندلي قال : حدثنا زهير بن
محمد قال : أخبرنا عبيد الله بن موسى ، عن سفيان ، عن حكيم بن الديلم ، عن أبي
بردة ، عن أبي موسى قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع فقال : «
إن الله تعالى لا ينام ولا ينبغي له أن ينام » وذكر الحديث
758 - وحدثنا جعفر الصندلي قال : نا زهير قال : أخبرنا عبيد
الله بن موسى ، عن إسرائيل ، عن منصور ، عن ربعي بن حراش ، عن خرشة بن الحر قال :
دخلت على عبد الله بن سلام فانقبض مني ، حتى انتسبت له فعرفني فقال : والله لا
أحدث بشيء إلا وهو في كتاب الله عز وجل : « إن موسى عليه السلام دنا من ربه عز وجل
حتى سمع صريف (1) الأقلام ، فقال : يا جبريل ، هل ينام ربك ؟ قال جبريل : يا رب
يسألك هل تنام ؟ ، فقال يا جبريل أعطه قارورتين فليمسكهما الليلة ولاينام ، فأعطاه
فنام ، فاصطفقت القارورتان فانكسرتا فقال يا رب قد انكسرت القارورتان فقال يا
جبريل إنه لا ينبغي لي أن أنام ، ولو نمت لزالت السماوات والأرض » قال محمد بن
الحسين : نعوذ بالله ممن لا يؤمن بجميع ما
ذكرنا ، وإنما لا يؤمن بما ذكرناه الجهمية الذين خالفوا الكتاب والسنة ، وسنة
الصحابة رضي الله تعالى عنهم وخالفوا أئمة المسلمين ، فينبغي لكل مسلم عقل عن الله
عز وجل أن يحذرهم على دينه قال ابن المبارك : « إنا لنستطيع أن نحكي كلام اليهود
والنصارى ، ولا نستطيع أن نحكي كلام الجهمية
__________
(1) الصريف : الصوت
باب التحذير من مذاهب أقوام يكذبون بشرائع مما يجب على
المسلمين التصديق بها
759 - حدثنا أبو شعيب عبد الله بن الحسين الحراني قال :
نا علي بن الجعد قال : أخبرنا مبارك بن
فضالة ، عن علي بن زيد ، عن يوسف بن مهران قال : خطبنا ابن عباس بالبصرة فقال :
قام فينا عمر بن الخطاب أمير المؤمنين رضي الله عنه فقال : « أيها الناس إنه سيكون
في هذه الأمة أقوام يكذبون بالرجم (1) ، ويكذبون بالدجال
ويكذبون بالحوض ، ويكذبون بالشفاعة ويكذبون بعذاب القبر ، ويكذبون بقوم يخرجون من
النار بعد ما امتحشوا (2) »
__________
(1) الرجم : قتل الزاني رميا بالحجارة
(2) امتحش : احترق
760 - حدثنا أبو محمد عبد الله بن صالح البخاري قال :
حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال : نا عبد الله بن إدريس ، وجرير بن عبد الحميد ، عن
أشعث ، عن علي بن زيد ، عن يوسف بن مهران ، عن ابن عباس قال : قال عمر بن الخطاب
رضي الله عنه : سيكون بعدنا قوم يكذبون بالرجم (1) : ويكذبون بالحوض ، ويكذبون بالشفاعة
، ويكذبون بعذاب القبر ، ويكذبون بقوم يخرجون من النار
__________
(1) الرجم : قتل الزاني رميا بالحجارة
761 - حدثنا أبو بكر بن أبي داود السجستاني قال : أنا
يوسف بن موسى القطان قال : نا جرير ، عن
أشعث بن سوار ، عن علي بن زيد بن جدعان ، عن يوسف بن مهران ، عن ابن عباس قال :
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : رجم (1) رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورجم
أبو بكر ، ورجمت أنا ، وسيجيء قوم يكذبون بالرجم وبالحوض وبالشفاعة ، وبعذاب القبر
، وبقوم يخرجون من النار
__________
(1) الرجم : قتل الزاني رميا بالحجارة
762 - وحدثنا ابن أبي داود قال : نا إسحاق بن منصور
الكوسج قال : أخبرنا سليمان بن حرب قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن
يوسف بن مهران ، عن ابن عباس قال : خطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : أيها الناس
، إن الرجم (1) حق فلا تخدعن عنه ، وإن آية ذلك : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
رجم ، وأن أبا بكر رضي الله عنه رجم ، وأنا قد رجمنا ، وإنه سيكون قوم من هذه
الأمة يكذبون بالرجم ، ويكذبون بالدجال ، ويكذبون بطلوع الشمس من مغربها ، ويكذبون
بعذاب القبر ، ويكذبون بالشفاعة ، ويكذبون بقوم يخرجون من النار بعد ما امتحشوا
(2) قال محمد بن الحسين رحمه الله : قد ظهر في هذه الأمة جميع ما قاله عمر رضي
الله عنه فينبغي للعقلاء من الناس أن يحذروا ممن مذهبه التكذيب بما قاله عمر رضي
الله عنه ، وسنذكر في كل خصلة مما ذكرها عمر رضي الله عنه سننا عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم تبين أن الإيمان بها واجب ، فمن لم يؤمن بها ، ويصدق بها ضل عن
طريق الحق ، وقد صان الله عز وجل المؤمنين العقلاء العلماء عن التكذيب بما ذكرناه
، فأما الرجم : فقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم
، لا يختلف أهل العلم في ذلك ، أنه رجم ماعز بن مالك حين اعترف عنده بالزنا وقد
رجم النبي صلى الله عليه وسلم امرأة غامدية اعترفت عنده بالزنا فرجمها ، وقال صلى
الله عليه وسلم لأنيس رجل من أصحابه ، وقد ذكر له رجل : أن امرأته زنت في قصة له
طويلة ، فقال : يا أنيس ، اغد على امرأة هذا ، فإن اعترفت فارجمها ، فاعترفت
فرجمها ، وقد رجم النبي صلى الله عليه وسلم يهوديين زنيا . وقد رجم أبو بكر الصديق
رضي الله عنه ، وقد رجم عمر رضي الله عنه ، وقد رجم علي بن أبي طالب رضي الله عنه
شراحة ، وكانت قد زنت وهي ثيب ، فجلدها يوم الجمعة ، ورجمها يوم السبت وقال :
جلدتها بكتاب الله عز وجل ورجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا حكم
ثابت عند فقهاء المسلمين لا يختلفون أن على الثيب الزاني ، إذا شهد عليه ، أو
اعترف بالزنا : الرجم رجلا كان أو امرأة وعلى البكر الجلد ، لا يختلف في هذا
العلماء فاعلموا ذلك
__________
(1) الرجم : قتل الزاني رميا بالحجارة
(2) امتحش : احترق
باب وجوب الإيمان بالشفاعة قال محمد بن الحسين : اعلموا
رحمكم الله ، أن المنكر للشفاعة يزعم أن من دخل النار فليس بخارج منها ، وهذا مذهب
المعتزلة يكذبون بها ، وبأشياء سنذكرها إن شاء الله تعالى ، مما لها أصل في كتاب الله
عز وجل ، وسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسنن الصحابة رضي الله عنهم ومن
تبعهم بإحسان ، وقول فقهاء المسلمين فالمعتزلة يخالفون هذا كله ، لا يلتفتون إلى
سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا إلى سنن أصحابه رضي الله عنهم وإنما يعارضون
بمتشابه القرآن ، وبما أراهم العقل عندهم ، وليس هذا طريق المسلمين وإنما هذا طريق
من قد زاغ عن طريق الحق وقد لعب به الشيطان ، وقد حذرنا الله عز وجل ممن هذه صفته
، وحذرناهم النبي صلى الله عليه وسلم وحذرناهم أئمة المسلمين قديما وحديثا ، فأما
ما حذرناهم الله عز وجل وأنزله على نبيه صلى الله عليه وسلم ، وحذرناهم النبي صلى
الله عليه وسلم ، فإن الله عز وجل قال لنبيه صلى الله عليه وسلم : هو الذي أنزل
عليك الكتاب منه آيات محكمات ، هن أم الكتاب وأخر متشابهات (1) إلى قوله : وما يذكر
إلا أولو الألباب (2)
__________
(1) سورة : آل عمران آية رقم : 7
(2) سورة : البقرة آية رقم : 269
763 - حدثنا أبو أحمد هارون بن يوسف بن زياد قال : حدثنا
محمد بن أبي عمر العدني قال : أنا عبد الوهاب الثقفي ، عن أيوب ، عن ابن أبي مليكة
، عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هو الذي أنزل عليك
الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب (1) الآية فقال : « إذا رأيتم الذين يجادلون
فيه فهم الذين عنى (2) الله عز وجل فاحذروهم »
__________
(1) سورة : آل عمران آية رقم : 7
(2) عنى : أراد وقصد
764 - حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : نا يونس بن حبيب
الأصبهاني قال : نا أبو داود الطيالسي قال : أنبأنا حماد يعني ابن سلمة عن ابن أبي
مليكة ، عن القاسم ، عن عائشة رحمها الله تعالى قالت : تلا رسول الله صلى الله
عليه وسلم هذه الآية هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات (1) إلى قوله عز وجل
: فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه قالت : قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : « قد سماهم الله عز وجل لكم ، فإذا رأيتموهم فاحذروهم » قالها ثلاثا
__________
(1) سورة : آل عمران آية رقم : 7
765 - وحدثنا ابن أبي داود قال : حدثنا علي بن سهل
الرملي قال : نا الوليد بن مسلم ، عن حماد بن سلمة ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن
أبيه ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : « نزع رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه
الآية فيتبعون ما تشابه منه (1) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : » قد حذركم الله
عز وجل فإذا رأيتموهم فاحذروهم «
__________
(1) سورة : آل عمران آية رقم : 7
766 - حدثنا أبو محمد الحسن ابن علويه القطان قال : نا
عاصم بن علي قال : نا الليث بن سعد ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن بكير بن عبد الله
بن الأشج ، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : « إن ناسا يجادلونكم بشبه القرآن
، فخذوهم بالسنن ، فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله عز وجل »
767 - وأخبرنا أبو عبيد علي بن الحسين بن حرب القاضي قال
: نا الحسن بن محمد الزعفراني قال : نا سعيد بن سليمان قال : نا عبد الواحد بن
سليم قال : نا يزيد الفقير قال : كنا بمكة من قطانها ، وكان معي أخ لي يقال له :
طلق بن حبيب ، وكنا نرى رأي الحرورية ، فبلغنا أن جابر بن عبد الله الأنصاري قدم ،
وكان يلزم في كل موسم ، فأتيناه فقلنا له : بلغنا عنك قول في الشفاعة ، وقول الله
عز وجل يخالفك ، فنظر في وجوهنا ، وقال : من أهل العراق أنتم ؟ فقلنا : نعم ، قال
: فتبسم أو ضحك ، وقال : أين تجدون في كتاب الله عز وجل ؟ قلنا : حيث يقول ربنا عز
وجل في كتابه : ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته (1) وقال عز وجل : يريدون أن
يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها (2) وقوله عز وجل
كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها (3) ،
وأشباه هذا من القرآن ، فقال : أنتم أعلم بكتاب الله عز وجل أم أنا ؟ فقلنا :
بل أنت أعلم به منا ، قال : فوالله لقد شهدت تنزيل هذا
على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولقد شهدت تأويله من رسول الله صلى الله عليه
وسلم ، وأن الشفاعة في كتاب الله عز وجل لمن عقل قال : قلنا : وأين الشفاعة ؟ قال
: في سورة المدثر قال : فقرأ علينا ما سلككم في سقر
قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم
الدين حتى أتانا اليقين فما تنفعهم شفاعة الشافعين (4) ثم قال : ألا ترونها حلت
لمن لم يشرك بالله عز وجل شيئا ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « إن الله
عز وجل خلق الخلق ولم يستعن على ذلك أحدا ، ولم يشاور فيه أحدا ثم أماتهم ، ولم
يستعن على ذلك أحدا ، ولم يشاور فيه أحدا ، ثم أحياهم ، ولم يستعن على ذلك أحدا ،
ولم يشاور فيه أحدا ، فأدخل من شاء الجنة برحمته ، وأدخل من شاء النار بذنبه ، ثم
إن الله عز وجل تحنن على الموحدين فبعث بملك من قبله بماء ونور : فدخل النار فلم
يصب إلا من شاء الله ولم يصب إلا من خرج من الدنيا ولم يشرك بالله شيئا ، فأخرجهم
حتى جعلهم بفناء الجنة ، ثم رجع إلى ربه عز وجل : فأمده بماء ونور فنضح ولم يصب
إلا من شاء الله ولم يصب إلا من خرج من الدنيا ولم يشرك بالله شيئا ، إلا أصابه
ذلك النضح (5) ، فأخرجهم حتى جعلهم بفناء
الجنة ، ثم أذن للشفعاء فشفعوا لهم فأدخلهم الجنة برحمته وشفاعة الشافعين
»
__________
(1) سورة : آل عمران آية رقم : 192
(2) سورة : المائدة آية رقم : 37
(3) سورة : الحج آية رقم : 22
(4) سورة : المدثر آية رقم : 42
(5) النضح : الرشّ
768 - حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز
البغوي قال : نا شيبان بن فروخ قال : نا مبارك بن فضالة قال : نا يزيد بن صهيب قال
: مررت بجابر بن عبد الله ، وهو في حلقة يحدث أناسا ، فجلست إليه ، فسمعته يذكر
أناسا يخرجون من النار قال : وكنت يومئذ أنكر ذلك قال : فقلت : والله ما أعجب من الناس
، ولكن أعجب منكم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول الله عز وجل : يريدون
أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ، ولهم عذاب مقيم (1) فانتهرني أصحابه وكان أحلمهم ، فقال : دعوا الرجل ، ثم قال : إنما قال الله
عز وجل : إن الذين كفروا لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه ليفتدوا به من
عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم ولهم عذاب أليم يريدون أن يخرجوا من النار وما هم
بخارجين منها ولهم عذاب مقيم (2) قال : وما تقرأ القرآن : ومن الليل فتهجد به
نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا (3) قال : فإن الله عز وجل عذب قوما بخطاياهم وإن شاء أن يخرجهم أخرجهم قال
: فلم أكذب به بعد ذلك قال محمد بن الحسين رحمه الله
تعالى : إن المكذب بالشفاعة أخطأ في تأويله خطأ فاحشا خرج به عن الكتاب والسنة ،
وذلك أنه عمد إلى آيات من القرآن نزلت في أهل الكفر ، أخبر الله عز وجل : أنهم إذا
دخلوا النار أنهم غير خارجين منها ، فجعلها المكذب بالشفاعة في الموحدين ، ولم
يلتفت إلى أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم في إثبات الشفاعة أنها إنما هي لأهل
الكبائر ، والقرآن يدل على هذا ، فخرج بقوله السوء عن جملة ما عليه أهل الأيمان ،
واتبع غير سبيلهم قال الله عز وجل : ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى
ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا (4) قال محمد بن
الحسين رحمه الله : فكل من رد سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنن أصحابه فهو
ممن شاقق الرسول وعصاه ، وعصى الله تعالى بتركه قبول السنن ، ولو عقل هذا الملحد
وأنصف من نفسه ، علم أن أحكام الله عز وجل وجميع ما تعبد به خلقه إنما تؤخذ من
الكتاب والسنة ، وقد أمر الله عز وجل نبيه عليه السلام : أن يبين لخلقه ما أنزله
عليه مما تعبدهم به ، فقال جل ذكره : وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم
ولعلهم يتفكرون (5) وقد بين صلى الله عليه وسلم لأمته جميع ما فرض الله عز وجل عليهم
من جميع الأحكام وبين لهم أمر الدنيا وأمر الآخرة وجميع ما ينبغي أن يؤمنوا به ولم
يدعهم جهلة لا يعلمون حتى أعلمهم أمر الموت والقبر وما يلقى المؤمن ، وما يلقى
الكافر ، وأمر المحشر والوقوف وأمر الجنة والنار حالا بعد حال يعرفه أهل الحق ،
وسنذكر كل باب في موضعه إن شاء الله تعالى ، اعلموا يا معشر المسلمين : أن أهل
الكفر إذا دخلوا النار ورأوا العذاب الأليم وأصابهم الهوان الشديد نظروا إلى قوم
من الموحدين معهم في النار فعيروهم بذلك وقالوا : ما أغنى عنكم إسلامكم في الدنيا
وأنتم معنا في النار ؟ فزاد أهل التوحيد من المسلمين حزنا وغما ، فاطلع الله عز
وجل على ما نالهم من الغم بتعيير أهل الكفر لهم فأذن في الشفاعة فيشفع الأنبياء والملائكة
والشهداء والعلماء والمؤمنون فيمن دخل النار من المسلمين فأخرجوا منها على حسب ما
أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على طبقات شتى فدخلوا الجنة ، فلما فقدهم أهل
الكفر ودوا حينئذ لو كان مسلمين وأيقنوا أنه ليس شافع يشفع لهم ، ولا صديق حميم
يغني عنهم من عذابهم شيئا قال الله عز وجل في أهل الكفر لما نضجوا بالعذاب وعلموا
أن الشفاعة لغيرهم قالوا : فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي
كنا نعمل (6) الآية ، وقال عز وجل : فكبكبوا فيها هم والغاوون (7) ، وجنود إبليس
أجمعون (8) ، قالوا وهم فيها يختصمون (9) ، تالله إن كنا لفي ضلال مبين (10) ، إذ
نسويكم برب العالمين (11) ، وما أضلنا إلا المجرمون (12) ، فما لنا من شافعين (13)
، ولا صديق حميم (14) وقال عز وجل في سورة
المدثر وقد أخبر أن الملائكة قالت لأهل الكفر : ما سلككم في سقر (15) ، قالوا : لم
نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين (16) ، وكنا نخوض مع الخائضين (17) ، وكنا نكذب
بيوم الدين (18) ، حتى أتانا اليقين (19) ، فما
تنفعهم شفاعة الشافعين (20) قال محمد بن الحسين رحمه الله تعالى : هذه كلها أخلاق
الكفار فقال عز وجل : فما تنفعهم شفاعة الشافعين فدل على أن لابد من شفاعة وأن
الشفاعة لغيرهم لأهل التوحيد خاصة ، وقال الله عز وجل : الر تلك آيات الكتاب وقرآن
مبين (21) ، ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين (22) قال محمد بن الحسين رحمه
الله تعالى : وإنما يود الكفار أن لو كانوا مسلمين
عندما رأوا معهم في النار قوما من الموحدين فعيروهم وقالوا : ما أغنى عنكم إسلامكم
وأنتم معنا في النار فحزنوا من ذلك فأمر الله عز وجل الملائكة والأنبياء ومن سائر
المؤمنين أن يشفعوا فيهم فشفعوا فأخرج من في النار من أهل التوحيد ففقدهم أهل
الكفر فسألوا عنهم فقيل : شفع فيهم الشافعون لأنهم كانوا مسلمين ، فعندها ودوا لو كانوا
مسلمين حتى تلحقهم الشفاعة
__________
(1) سورة : المائدة آية رقم : 37
(2) سورة : المائدة آية رقم : 36
(3) سورة : الإسراء آية رقم : 79
(4) سورة : النساء آية رقم : 115
(5) سورة : النحل آية رقم : 44
(6) سورة : الأعراف آية رقم : 53
(7) سورة : الشعراء آية رقم : 94
(8) سورة : الشعراء آية رقم : 95
(9) سورة : الشعراء آية رقم : 96
(10) سورة : الشعراء آية رقم : 97
(11) سورة : الشعراء آية رقم : 98
(12) سورة : الشعراء آية رقم : 99
(13) سورة : الشعراء آية رقم : 100
(14) سورة : الشعراء آية رقم : 101
(15) سورة : المدثر آية رقم : 42
(16) سورة : المدثر آية رقم : 43
(17) سورة : المدثر آية رقم : 45
(18) سورة : المدثر آية رقم : 46
(19) سورة : المدثر آية رقم : 47
(20) سورة : المدثر آية رقم : 48
(21) سورة : الحجر آية رقم : 1
(22) سورة : الحجر آية رقم : 2
769 - حدثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قال : حدثنا
الحسين بن الحسن المروزي قال ثنا إسماعيل بن إبراهيم قال : حدثنا هشام الدستوائي
قال : حدثنا حماد قال : سألت إبراهيم : عن
هذه الآية : ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين (1) قال : حدثت أن المشركين
قالوا لمن دخل النار : ما أغنى عنكم ما كنتم تعبدون ؟ فيغضب الله عز وجل لهم ،
فيقول للملائكة والنبيين : اشفعوا ،
فيشفعون فيخرجون من النار ، حتى إن إبليس ليتطاول رجاء أن يخرج معهم ، فعند ذلك ود
الذين كفروا لو كانوا مسلمين
__________
(1) سورة : الحجر آية رقم : 2
770 - وأنبأنا الفريابي قال : حدثنا محمد بن المثنى قال
: حدثنا عبد الملك بن عمرو ، قال : حدثنا إبراهيم بن طهمان ، عن عطاء بن السائب ،
عن مجاهد ، عن ابن عباس في قوله عز وجل : ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين
(1) قال : « لا تزال الرحمة والشفاعة حتى يقال :
ليدخلن الجنة كل مسلم قال : فعند ذلك يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين » قال محمد
بن الحسين : بطلت حجة من كذب بالشفاعة ، الويل له إن لم يتب ، وقد روي عن أنس بن
مالك قال : من كذب بالشفاعة فليس له فيها نصيب
__________
(1) سورة : الحجر آية رقم : 2
771 - أنبأنا أبو جعفر محمد بن صالح بن ذريح العكبري قال
: حدثنا هناد بن السري قال : حدثنا أبو معاوية ، عن عاصم ، عن أنس بن مالك قال : «
من كذب بالشفاعة فليس له فيها نصيب »
باب ما روي أن الشفاعة إنما هي لأهل الكبائر
772 - حدثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قال : نا عمر
بن علي قال : نا أبو داود يعني الطيالسي قال : نا محمد بن ثابت البناني ، عن جعفر
بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
: « شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي »
773 - وحدثنا أبو بكر محمد بن إسماعيل البندار قال : نا
محمد بن بشار بندار قال : نا أبو داود قال : نا محمد بن ثابت البناني ، عن جعفر بن
محمد ، عن أبيه ، عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « شفاعتي
لأهل الكبائر من أمتي » قال لي جابر : يا محمد من لم يكن من أهل الكبائر فما له
وللشفاعة ؟
774 - وحدثنا أبو العباس حامد بن شعيب البلخي قال : نا
محمد بن بكار قال : حدثنا عنبسة بن عبد الواحد القرشي ، عن واصل ، عن أمي ، عن أبي
عبد الرحمن ، عن الشعبي ، عن كعب بن عجرة قال : قلت : يا رسول الله الشفاعة ؟ فقال
: « الشفاعة لأهل الكبائر من أمتي »
775 - حدثنا أبو علي الحسن بن محمد بن شعبة الأنصاري قال
: نا محمد بن إسحاق المسوحي ، قال : نا سليمان بن حرب ، عن أشعث الحداني ، عن أنس
بن مالك : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي »
776 - أخبرنا أبو جعفر محمد بن صالح بن ذريح العكبري قال
: حدثنا هناد بن السري قال : حدثنا حفص بن غياث ، عن الأعمش ، عن يزيد الرقاشي ،
عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إنما الشفاعة لأهل
الكبائر »
777 - حدثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قال : حدثنا
زياد بن أيوب قال : نا أبو المغيرة النضر بن إسماعيل قال : نا الأعمش ، عن يزيد
الرقاشي ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : « إنما جعلت الشفاعة لأهل الكبائر من أمتي
»
778 - أخبرنا أبو زكريا يحيى بن محمد الحنائي قال : نا شيبان
بن فروخ قال : حدثنا أبو أمية الحبطي ، عن يزيد الرقاشي ، عن أنس بن مالك قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي
»
779 - أنبأنا أبو عبيد علي بن الحسين بن حرب القاضي قال
: نا أبو الأشعث أحمد بن المقدام قال : حدثنا الفضيل بن
سليمان قال : حدثنا أبو مالك الأشجعي قال : حدثنا ربعي بن حراش أنه سمع حذيفة بن
اليمان وسمع رجلا يقول : اللهم اجعلني ممن تصيبه شفاعة محمد فقال : إن الله عز وجل
يغني المؤمنين عن شفاعة محمد ، ولكن الشفاعة للمذنبين من المؤمنين والمسلمين
باب ما روي أن الشفاعة لمن لم يشرك بالله تعالى
780 - حدثنا أبو بكر قاسم بن زكريا المطرز قال : حدثنا
أبو كريب محمد بن العلاء قال : حدثنا أبو معاوية قال المطرز : وحدثنا يوسف بن موسى
القطان قال : حدثنا جرير جميعا عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم : « لكل نبي دعوة مستجابة ، فتعجل كل نبي دعوته ، وإني
اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي إلى يوم القيامة ، فهي نائلة إن شاء الله من مات لا يشرك
بالله شيئا » لفظ أبي معاوية
781 - حدثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قال : حدثنا
الحسين بن الحسن المروزي قال : أخبرنا أبو
معاوية قال : حدثنا الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لكل نبي دعوة مستجابة فتعجل كل نبي دعوته وأخرت
دعوتي شفاعة لأمتي فهي نائلة إن شاء الله من مات لا يشرك بالله شيئا
»
782 - حدثنا أبو شعيب عبد الله بن الحسن الحراني قال :
حدثنا يحيى بن أيوب قال : حدثنا إسماعيل بن جعفر قال : أخبرني عمرو بن أبي عمرو ، عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة قال : قلت : يا
رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «
لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك ، لما رأيت من حرصك
، أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال : لا إله إلا الله خالصا من نفسه
»
باب ذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم « لكل نبي دعوة
يدعو بها ، واختبأت دعوتي شفاعة لأمتي »
783 - حدثنا أبو بكر جعفر بن محمد الفريابي قال : حدثنا
يزيد بن خالد بن موهب قال : حدثنا عبد الله بن وهب قال : أنا يونس بن يزيد ، عن
ابن شهاب ، أن عمرو بن سفيان الثقفي أخبره أن أبا هريرة قال لكعب الأحبار : إن نبي
الله صلى الله عليه وسلم قال : « لكل نبي دعوة يدعو بها فأنا أريد إن شاء الله أن
أختبئ دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة »
784 - حدثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قال : حدثنا
الحسين بن الحسن المروزي قال : أنا الحجاج بن أبي منيع ، عن جده ، عن الزهري قال :
حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن ، أن أبا هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم « لكل نبي دعوة وأنا أريد أن أختبئ دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة
»
785 - حدثنا أبو جعفر محمد بن صالح بن ذريح قال : حدثنا
هناد بن السري قال : حدثنا عبدة يعني
ابن سليمان ، عن محمد بن إسحاق ، عن موسى بن يسار ، عن أبي هريرة قال : قال النبي
صلى الله عليه وسلم : « لكل نبي دعوة دعا بها ، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم
القيامة »
786 - حدثنا أبو محمد بن صاعد قال : حدثنا يعقوب الدورقي
قال : حدثنا روح بن عبادة قال : حدثنا شعبة ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك قال
: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
: « إن لكل نبي دعوة قد دعا بها في أمته وإني اختبأت
دعوتي شفاعة لأمتي »
باب ذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم « إن الله خيرني
بين أن يدخل نصف أمتي الجنة أو الشفاعة فاخترت الشفاعة »
787 - أنا أبو جعفر محمد بن صالح بن ذريح العكبري قال :
حدثنا هناد بن السري قال : حدثنا عبدة يعني ابن سليمان ، عن سعيد بن أبي عروبة ،
عن قتادة ، عن أبي المليح ، عن عوف بن مالك الأشجعي قال : كنا مع رسول الله صلى
الله عليه وسلم في بعض أسفاره فذكر حديثا طويلا قال فيه : وإن نبي الله صلى الله عليه
وسلم جاءنا فقال : « أتاني الليلة آت من ربي عز وجل فخيرني بين الشفاعة وبين أن
يدخل نصف أمتي الجنة فاخترت الشفاعة » فقلنا : يا رسول الله ، اجعلنا في شفاعتك
فقال : « إنكم أهل شفاعتي » ، ثم أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى
الناس فقال : « إنه أتاني الليلة آت من ربي عز وجل فخيرني بين الشفاعة وبين أن
يدخل نصف أمتي الجنة فاخترت الشفاعة » فقالوا : يا
رسول الله ، اجعلنا من أهل شفاعتك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أشهد
من حضرني أن شفاعتي لمن مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا »
788 - حدثنا أبو محمد بن صاعد قال : حدثنا الحسن بن عبد
العزيز الجروي قال : حدثنا بشر بن بكر التنيسي ، قال ابن صاعد : وحدثنا يوسف بن سعيد
المصيصي قال : حدثنا عمارة بن بشير واللفظ لبشر بن بكر قال : حدثنا عبد الرحمن بن
يزيد بن جابر قال : سمعت سليم بن عامر يقول : سمعت عوف بن مالك الأشجعي ، يقول :
كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : « أتدرون ما خيرني ربي عز وجل ؟ » قلنا : الله ورسوله أعلم قال : « خيرني أن
يدخل نصف أمتي الجنة وبين الشفاعة ، فاخترت الشفاعة » قلنا : يا رسول الله ادع
الله أن يجعلنا من أهلها قال : « هي لكل مسلم »
789 - حدثنا أبو جعفر محمد بن صالح بن ذريح قال : حدثنا
هناد بن السري قال : حدثنا أبو معاوية ، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة ، عن
سعيد بن أبي سعيد ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « سألت
الله عز وجل الشفاعة لأمتي » ، فقال : « لك سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا
عذاب » قال : قلت : « ربي زدني » قال : « فإن
لك مع كل ألف سبعين ألفا » قال : قلت : « ربي
زدني » قال : فحثى بين يديه وعن يمينه وعن شماله قال : فقال أبو بكر رضي الله عنه
: حسبنا يا رسول الله ، فقال عمر رضي الله عنه : يا أبا بكر دع رسول الله صلى الله
عليه وسلم يكثر لنا كما أكثر الله عز وجل قال : فقال أبو بكر : إنما نحن حفنة من
حفنات الله عز وجل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « صدق أبو بكر
»
790 - حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد
الواسطي قال : حدثنا أبو هشام الرفاعي قال : حدثنا أبو بكر بن عياش قال : حدثنا حميد ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم : « إذا كان يوم القيامة أوتيت الشفاعة ، فأشفع لمن كان في قلبه
مثقال حبة من إيمان ، ثم أشفع لمن كان في قلبه ذرة ، حتى لا يبقى أحد في قلبه من
الإيمان هذا » وحرك الإبهام والمسبحة
791 - أنبأنا ابن ذريح قال : حدثنا هناد بن السري قال :
أنا ابن فضيل ، عن ليث ، عن أبي فزارة ، عن يزيد بن الأصم ، عن ابن عباس في قوله
تعالى : مثقال ذرة (1) فقال : أدخل ابن
عباس يده في التراب ثم رفعها ثم نفخ فيها ثم قال : « كل واحدة من هؤلاء مثقال (2)
ذرة (3) »
__________
(1) سورة : النساء آية رقم : 40
(2) المِثْقال في الأصل : مِقْدَارٌ من الوَزْن، أيَّ
شيء كان من قَلِيل أو كثير.
(3) الذرة : قدر نملة صغيرة
باب الإيمان بأن أقواما يخرجون من النار فيدخلون الجنة
بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم وشفاعة المؤمنين
792 - أخبرنا الفريابي قال : حدثنا عبيد الله بن عمر
القواريري قال : حدثنا حماد بن زيد قال : قلت لعمرو بن دينار : يا أبا محمد ،
أسمعت جابر بن عبد الله يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم : « إن الله عز وجل يخرج
من النار قوما بالشفاعة ؟ قال : » نعم «
793 - حدثنا أبو أحمد هارون بن يوسف قال : حدثنا ابن أبي
عمر يعني محمدا العدني قال : حدثنا سفيان ، عن عمرو بن دينار أنه سمع جابرا يشير
إلى أذنيه يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « إن الله عز وجل يخرج
يوم القيامة ناسا من النار فيدخلهم الجنة »
794 - وأنا الفريابي قال : حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري
قال : حدثنا يحيى بن سعيد قال : حدثنا الحسن بن ذكوان قال : حدثنا أبو رجاء قال : حدثنا عمران بن حصين ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
: « يخرج الله من النار قوما بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم فيدخلون الجنة ،
فيسميهم أهل الجنة الجهنميين »
795 - حدثنا أبو جعفر أحمد بن يحيى الحلواني قال : حدثنا
محمد بن الصباح الدولابي قال : حدثنا خالد بن عبد الله ، عن سعيد بن يزيد أبي
مسلمة ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد الخدري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «
أما أهل النار الذين هم أهل النار فإنهم لا يموتون فيها ، وأما ناس من الناس فإن
النار تأخذهم على قدر ذنوبهم فيحترقون فيها فيصيرون فحما ، ثم يأذن الله عز وجل
لهم في الشفاعة فيخرجون من النار ضبائر (1) فيبثون أو ينثرون على أنهار الجنة
فيؤمر أهل الجنة فيفيضون عليهم الماء ، فتنبت لحومهم كما تنبت الحبة في حميل (2)
السيل »
__________
(1) ضبائر : جماعات متفرقة
(2) الحميل : هو ما يجيء به السَّيْل من طين أو غُثَاء
وغيره
796 - أنبأنا الفريابي قال : حدثنا وهب بن بقية الواسطي
قال : أنبأنا خالد يعني ابن عبد الله الواسطي عن عمرو بن يحيى ، عن أبيه ، عن أبي
سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل
النار النار قال الله عز وجل برحمته : » انظروا من كان في قلبه حبة من خردل (1)
من إيمان فأخرجوه من النار قال : فأخرجوا ، وقد عادوا
حمما (2) فيلقون في نهر يسمى نهر الحياة ، فينبتون كما ينبت الغثاء (3) في حميل
(4) السيل ، أو إلى جانب السيل ، ألم تروا أنها تأتي صفراء ملتوية
«
__________
(1) الخردل : نبات عشبي ينبت في الحقول وعلى حواشي الطرق
تستعمل بذوره في الطب وله بذور يتبل بها الطعام
(2) الحُمَم : جمع الحُمَمَة وهي الفحمة
(3) الغثاء : ما يحمله السيل من رغوة ومن فتات الأشياء
التي على وجه الأرض
(4) الحميل : هو ما يجيء به السَّيْل من طين أو غُثَاء
وغيره
797 - حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد
الواسطي قال : حدثنا أبو هشام الرفاعي قال : حدثنا أبو بكر بن عياش قال : حدثنا
حميد ، عن أنس قال : قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : « إذا كان يوم القيامة أوتيت الشفاعة فأشفع لمن كان في قلبه
مثقال (1) حبة من إيمان ، ثم أشفع لمن كان في قلبه مثقال ذرة حتى لا يبقى أحد في
قلبه من الإيمان مثل هذا » وحرك الإبهام والمسبحة «
__________
(1) المِثْقال في الأصل : مِقْدَارٌ من الوَزْن، أيَّ
شيء كان من قَلِيل أو كثير.
798 - أنبأنا الفريابي قال : حدثنا هدبة بن خالد قال :
حدثنا همام بن يحيى قال : حدثنا قتادة ، عن
أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « ويخرج من النار قوم بعد ما يصيبهم منها سفع (1) فيدخلون الجنة ، يسميهم
أهل الجنة الجهنميين »
__________
(1) السفعة : لفحة تغير لون الوجه إلى السواد
799 - حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا يحيى بن
النضر قال : حدثنا أبو داود الطيالسي قال : حدثنا شعبة ، عن حماد ، عن ربعي بن
حراش ، عن حذيفة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ليخرجن قوم من النار
قد محشتهم (1) النار فيدخلون الجنة بشفاعة الشافعين
، يسمون الجهنميين »
__________
(1) محشته النار : أحرقته
800 - أنبأنا ابن ذريح العكبري قال : حدثنا هناد بن
السري قال : حدثنا أبو معاوية ، عن إسحاق بن عبد الله ، عن سعيد بن أبي سعيد ، عن
ابن عمر قال : « لقد بلغت الشفاعة يوم القيامة حتى
إن الله عز وجل يقول للملائكة أخرجوا برحمتي من كان في قلبه مثقال (1) حبة من خردل
(2) من إيمان قال : ثم يخرجهم حفنات بيده بعد ذلك »
__________
(1) المِثْقال في الأصل : مِقْدَارٌ من الوَزْن، أيَّ
شيء كان من قَلِيل أو كثير.
(2) الخردل : نبات عشبي ينبت في الحقول وعلى حواشي الطرق
تستعمل بذوره في الطب وله بذور يتبل بها الطعام
801 - حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا علي بن
مهران قال : حدثنا عبد الله يعني ابن أبي رشيد قال : حدثنا عثمان بن مطر قال :
حدثنا زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : « ما مجادلة (1) أحدكم يكون له الحق
على صاحبه أشد من المؤمنين لربهم عز وجل في إخوانهم الذين دخلوا النار يقولون :
ربنا ، إخواننا الذين كانوا يصلون معنا ويصومون معنا ويحجون ؟ أدخلوا النار ؟ قال
الله عز وجل : اذهبوا فأخرجوا من عرفتم ، فيخرجونهم ، ثم يقول الله عز وجل :
أخرجوا من كان في قلبه مثقال دينار من إيمان ، حتى يقول : نصف مثقال (2) حتى يقول
: خردلة (3) حتى يقول : ذرة ثم يقول الله عز وجل
: » شفعت الأخيار من المؤمنين ، وبقي أرحم الراحمين ، ثم يقبض قبضة أو قبضتين من
النار فيدخلون الجنة «
__________
(1) المجادلة : المخاصمة والمنازعة
(2) المِثْقال في الأصل : مِقْدَارٌ من الوَزْن، أيَّ
شيء كان من قَلِيل أو كثير.
(3) الخردل : نبات عشبي ينبت في الحقول وعلى حواشي الطرق
تستعمل بذوره في الطب وله بذور يتبل بها الطعام
802 - أنبأنا ابن ذريح قال : حدثنا هناد بن السري ، قال
: حدثنا أبو معاوية ، عن سفيان بن زياد العصفري ، عن سعيد بن جبير في قول الله عز
وجل : قالوا : والله ربنا ما كنا مشركين (1) قال : «
لما أمر بإخراج من دخل النار من أهل التوحيد فقال من بها من المشركين : تعالوا :
فلنقل : لا إله إلا الله لعلنا أن نخرج مع هؤلاء ، فقالوا فلم يصدقوا قال : فحلفوا
، والله ربنا ما كنا مشركين » قال : فقال عز وجل : انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل
عنهم ما كانوا يفترون (2) قال محمد بن الحسين رحمه الله : وقد روي من غير وجه : أن
النبي صلى الله عليه وسلم يشفع يوم القيامة لجميع ذرية آدم عليه السلام من الموحدين
بأن يخرج من النار كل موحد ثم يشفع آدم عليه الصلاة والسلام ، ثم الأنبياء ، ثم
الملائكة ، ثم المؤمنون فنعوذ بالله ممن يكذب بهذا ، لقد ضل ضلالا بعيدا ، وخسر
خسرانا مبينا
__________
(1) سورة : الأنعام آية رقم : 23
(2) سورة : الأنعام آية رقم : 24
803 - حدثنا أبو بكر جعفر بن محمد الفريابي قال : حدثنا
قتيبة بن سعيد قال : حدثنا الليث بن
سعد ، عن خالد بن يزيد ، عن سعيد بن أبي هلال ، عن أنس بن مالك : أن الأنبياء
عليهم الصلاة والسلام ذكروا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : « والذي نفسي
بيده ، إني لسيد الناس يوم القيامة ولا فخر ، وإن بيدي لواء الحمد ، وإن تحته آدم
عليه السلام ومن دونه ولا فخر قال : ينادي الله عز
وجل يومئذ آدم ، فيقول آدم : لبيك رب وسعديك ، فيقول : » أخرج من ذريتك بعث النار « فيقول : وما بعث النار ؟ فيقول : » من كل ألف تسعمائة
وتسعة وتسعين ، فيخرج مالا يعلم عدده إلا الله عز وجل ، فيأتون آدم عليه السلام
فيقولون : أنت آدم أكرمك الله ، وخلقك بيده ، ونفخ فيك من روحه ، وأسكنك جنته ،
وأمر الملائكة فسجدوا لك ، فاشفع لذريتك ، لا تحرق اليوم بالنار ، فيقول : ليس ذلك
إلي اليوم ، ولكن سأرشدكم ، عليكم بعبد اتخذه الله خليلا وأنا معكم ، فيأتون
إبراهيم عليه السلام ، فيقولون : يا إبراهيم ، أنت عبد اتخذك الله خليلا ، فاشفع
لذرية آدم ، لا تحرق اليوم بالنار ، فيقول : ليس ذلك إلي ، ولكن سأرشدكم ، عليكم
بعبد اصطفاه الله عز وجل بكلامه ورسالاته ، وألقى عليه محبة منه : موسى ، وأنا
معكم ، فيأتون موسى ، فيقولون : يا موسى أنت عبد اصطفاك الله عز وجل برسالاته
وكلامه ، وألقى عليك محبة منه ، اشفع لذرية آدم ، لا تحرق اليوم بالنار قال : ليس ذلك
اليوم إلي ، ولكن سأرشدكم ، عليكم بروح الله وكلمته : عيسى ابن مريم ، فيأتون عيسى
ابن مريم عليه السلام ، فيقولون يا عيسى ، أنت روح الله وكلمته ، اشفع لذرية آدم ،
لا تحرق اليوم بالنار قال : ليس ذلك اليوم إلي ، عليكم بعبد جعله الله عز وجل رحمة
للعالمين : أحمد صلى الله عليه وسلم ، وأنا معكم ، فيأتون فيقولون : يا أحمد ،
جعلك الله رحمة للعالمين ، فاشفع لذرية آدم ، لا تحرق اليوم بالنار ، فيقول : «
نعم ، أنا صاحبها » فآتي حتى آخذ بحلقة باب الجنة ، فيقال : من هذا ؟ فأقول : «
أنا أحمد فيفتح لي ، فإذا نظرت إلى الجبار تبارك وتعالى خررت ساجدا ، ثم يفتح لي
من التحميد والثناء على الرب عز وجل شيء لا يحسن الخلق » ثم يقال : « سل تعطه ،
واشفع تشفع » ، فيقول : « يا رب ، ذرية آدم
لا تحرق اليوم في النار » فيقول : « اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من
إيمان فأخرجوه ، ثم يعودون إلي فيقولون : ذرية آدم لا
تحرق اليوم بالنار » قال : فآتي حتى آخذ بحلقة باب الجنة ، فيقال : من هذا ؟ فأقول
: « أحمد فيفتح لي ، فإذا نظرت إلى الجبار تبارك وتعالى خررت ساجدا فأسجد مثل
سجودي أول مرة ومثله معي ، فيفتح لي من الثناء على الرب عز وجل من التحميد مثل ما
فتح لي أول مرة » فيقال : « ارفع رأسك ، وسل تعطه ، واشفع تشفع » فأقول : « يا رب
، ذرية آدم ، لا تحرق اليوم بالنار » فيقول : « أخرجوا له من كان في قلبه مثقال
(1) قيراط من إيمان » ثم يعودون إلي ،
فآتي حتى أصنع كما صنعت ، فإذا نظرت إلى الجبار عز وجل خررت ساجدا ، فأسجد كسجودي
أول مرة ومثله معي ، ويفتح لي من الثناء والتحميد مثل ذلك ، ثم يقال : « سل تعطه ،
واشفع تشفع » فأقول : « يا رب ، ذرية آدم ، لا تحرق اليوم بالنار » ، فيقول : «
اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من إيمان فأخرجوه ، فيخرجون ما لا يعلم عدتهم
إلا الله عز وجل ، ويبقى أكثرهم ، ثم يؤذن لآدم بالشفاعة ، فيشفع لعشرة آلاف ألف ،
ثم يؤذن للملائكة والنبيين ، فيشفعون ، حتى إن المؤمن ليشفع لأكثر من ربيعة ومضر
» وأنبأنا أبو عبيد علي بن الحسين بن حرب القاضي قال :
حدثنا أبو الأشعث أحمد بن المقدام قال : حدثنا المعتمر بن سليمان قال : سمعت أبي
يحدث عن قتادة ، عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « يأتي المؤمنون آدم
يوم القيامة 00000 » وذكر الحديث بطوله نحوا من حديث الفريابي ولهذا الحديث طرق
__________
(1) المِثْقال في الأصل : مِقْدَارٌ من الوَزْن، أيَّ
شيء كان من قَلِيل أو كثير.
باب ذكر شفاعة العلماء والشهداء يوم القيامة
804 - أنبأنا الفريابي قال : حدثنا عثمان بن أبي شيبة ،
وهشام بن عمار الدمشقي قالا : حدثنا إسماعيل بن عياش قال : حدثنا بحير بن سعد ، عن
خالد بن معدان ، عن المقدام بن معدي كرب : عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
: « للشهيد عند الله عز وجل تسع خصال (1) ، يغفر له في
أول دفعة من دمه ، ويرى مقعده من الجنة ، ويحلى حلة الإيمان ، ويزوج من الحور
العين ، ويجار من عذاب القبر ، ويأمن الفزع الأكبر ، ويوضع على رأسه تاج الوقار ،
الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها ، ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين ،
ويشفع في سبعين إنسانا من أقاربه » وأنا الفريابي قال : حدثنا عثمان بن أبي شيبة
قال : حدثنا إسماعيل بن عياش ، عن بحير بن سعد ، عن خالد بن معدان ، عن كثير بن
مرة ، عن عبادة بن الصامت : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « للشهيد عند الله عز وجل تسع خصال . . . فذكر الحديث مثله إلى قوله
: » ويشفع في سبعين من أقاربه «
__________
(1) الخصال : جمع خصلة وهي خلق في الإنسان يكون فضيلة أو
رزيلة
805 - حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا أحمد بن
صالح المصري ، وجعفر بن محمد بن مسافر قالا : حدثنا يحيى بن حسان قال : حدثنا وليد
بن رباح الذماري قال : حدثنا عمي نمران بن عتبة الذماري ، عن أم الدرداء ، عن أبي
الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « يشفع الشهيد في سبعين من أقاربه
»
806 - حدثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قال : حدثنا الحسن
بن عبد العزيز الجروي قال : حدثنا يحيى بن حسان التنيسي قال : حدثنا الوليد بن
رباح الذماري قال : حدثني نمران الذماري قال : « دخلنا على أم الدرداء ، ونحن
أيتام صغار ، فمسحت رءوسنا وقالت : أبشروا يا بني ، فإني أرجو أن تكونوا من شفاعة
أبيكم ، فإني سمعت أبا الدرداء يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : » يشفع
الشهيد في سبعين من أهل بيته «
807 - حدثنا أبو جعفر أحمد بن يحيى الحلواني قال : حدثنا
أحمد بن عبد الله بن يونس قال : حدثنا عنبسة بن عبد الرحمن ، عن علاقة بن أبي مسلم
، عن أبان بن عثمان ، عن أبيه عثمان بن عفان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم : « يشفع يوم القيامة ثلاثة : الأنبياء ، ثم العلماء ، ثم الشهداء
»
808 - حدثنا أبو العباس حامد بن شعيب البلخي قال : حدثنا
محمد بن بكار قال : حدثنا حفص بن سليمان المقرئ قال : حدثنا كثير بن زاذان ، عن
عاصم بن ضمرة ، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : « من قرأ القرآن وحفظه واستظهره أدخله الله عز وجل الجنة ، وشفعه في
عشرة من أهل بيته ، كلهم قد وجبت لهم النار »
809 - وحدثنا الفريابي قال : حدثنا أبو خيثمة زهير بن
حرب قال : حدثنا شبابة بن سوار قال : حدثنا حريز بن عثمان ، عن عبد الرحمن بن
ميسرة قال : سمعت أبا أمامة الباهلي يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «
يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي مثل أحد الحيين ربيعة ومضر » قال : وكان المشيخة
يرون أن ذلك الرجل عثمان بن عفان رضي الله عنه
810 - حدثنا أبو القاسم البغوي عبد الله بن محمد قال :
حدثنا محمد بن يزيد قال : حدثنا يحيى بن يمان قال : حدثنا جسر أبو جعفر ، عن الحسن
قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « يشفع عثمان بن عفان يوم القيامة لمثل
ربيعة ومضر » قال محمد بن الحسين رحمه الله : وقد روي أنه : « ما من أهل بيت نبي
إلا وله شفاعة »
811 - أنبأنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن ناجية قال :
حدثنا عبد الله بن عمر بن أبان الكوفي قال : حدثنا محمد بن فضيل قال : حدثنا زكرياء
بن أبي زائدة ، عن عطية العوفي أن كعب الأحبار ، أخذ بيد العباس رضي الله عنه فقال
: « إني أدخر هذا للشفاعة » فقال : وهل شفاعة إلا
للأنبياء « ؟ أو قال : » وهل لي شفاعة « ؟ قال : » نعم ، ليس من أهل بيت نبي إلا
كانت له الشفاعة «
812 - حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد
الواسطي قال : نا محمد بن يزيد ، أبو هشام الرفاعي قال : حدثنا محمد بن فضيل قال :
حدثنا زكريا بن أبي زائدة ، عن عطية بن سعد قال : أخذ كعب الأحبار بيد العباس فقال
: إنى أختبيها للشفاعة عندك ، فقال العباس : وهل لي شفاعة ؟ قال : « نعم ، ليس أحد
من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم إلا كانت له شفاعة يوم القيامة
»
813 - وحدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا محمد بن
يحيى بن فياض قال : حدثنا يزيد بن هارون قال : أنبأنا
زكريا بن أبي زائدة ، عن عطية قال : أخذ كعب بيد العباس بن عبد المطلب رضي الله
عنه فقال : « احفظها لي عندك ، تشفع لي بها يوم القيامة » ، فقال العباس : وهل لي
من شفاعة ؟ قال : « نعم ، إنه ليس أحد من أهل بيت نبي يسلم إلا كانت له شفاعة »
قال محمد بن حسين رحمه الله تعالى : فأنا أرجو لمن آمن بما ذكرنا من الشفاعة وبقوم
يخرجون من النار من الموحدين ، وبجميع ما تقدم ذكرنا له ، وبجميع ما سنذكره إن شاء
الله من المحبة للنبي صلى الله عليه وسلم ولأهل بيته وذريته وصحابته وأزواجه رضي
الله عنهم أجمعين : أن يرحمنا مولانا الكريم ، ولا يحرمنا وإياكم من تفضله ورحمته
، وأن يدخلنا وإياكم في شفاعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وشفاعة من ذكرنا من
الصحابة وأهل بيته ، وأزواجه رضي الله عنهم أجمعين ، ومن كذب بالشفاعة ، فليس له
فيها نصيب ، كما قال أنس بن مالك
كتاب الإيمان بالحوض الذي أعطي النبي صلى الله عليه وسلم
814 - أنبأنا أبو جعفر محمد بن صالح بن ذريح العكبري قال
: حدثنا هناد بن السري قال : حدثنا عبدة يعني ابن سليمان ، عن سعيد بن أبي عروبة ،
عن قتادة ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن معدان بن أبي طلحة اليعمري ، عن ثوبان مولى رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال : قال رسول الله : « أنا عند حوضي يوم القيامة » قال
: فسئل نبي الله صلى الله عليه وسلم عن سعة الحوض ؟ فقال : « مثل ما بين مقامي هذا إلى عمان » قال سعيد : ما بينهما شهر أو نحوه ، وسئل
نبي الله صلى الله عليه وسلم عن شرابه ؟ فقال : « أشد بياضا من اللبن ، وأحلى من
العسل ، يعب فيه ميزابان (1) من الجنة أو مداده (2) من الجنة ، أحدهما من ورق ،
والآخر من ذهب »
__________
(1) الميزاب : قناة أو أنبوب يسيل منه الماء وينقل من
مكان إلى مكان
(2) المداد : النبع والزيادة
815 - حدثنا أبو بكر محمد بن الليث الجوهري قال : حدثنا
أبو هشام الرفاعي ، حدثنا محمد بن فضيل ، عن الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن سالم بن
أبي الجعد ، عن ثوبان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
: «
تردون على الحوض ، وأنا أرد عنه الناس بعصاي » قلنا : يا
رسول الله ما عرضه ؟ قال : « كما بين مقامي إلى عمان » قلنا : ما آنيته ؟ قال : «
عدد النجوم ، فيه ميزابان (1) من الجنة ،
أحدهما من ذهب ، والآخر من ورق (2) ، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا » قال
ثوبان : فادعو الله عز وجل أن يجعلكم وارديه
__________
(1) الميزاب : قناة يجري فيها الماء
(2) الورق : الفضة. والأورق : الأسمر.
816 - حدثنا الفريابي قال : حدثنا صفوان بن صالح قال :
حدثنا الوليد بن مسلم قال : حدثنا يحيى بن الحارث الذماري ، وشيبة بن الأحنف
الأوزاعي قالا : سمعنا أبا سلام الأسود ، يحدث عن
ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر
حوضه فقالوا له : يا رسول الله : من أول الناس ورودا له ؟ قال : « فقراء المهاجرين
، الشعثة (1) رءوسهم ، الدنسة ثيابهم الذين لا تفتح لهم السدد ، ولا ينكحون
المتنعمات »
__________
(1) الشعثة : المتغيرة المتلبدة من قلة تعهدها بالدهن
817 - حدثنا أبو محمد بن صاعد قال : حدثنا الحسين بن
الحسن المروزي قال : أنا محمد بن أبي عدي قال : حدثنا حسين المعلم ، عن عبد الله
بن بريدة قال : ذكر أن أبا سبرة بن سلمة سمع ، ابن زياد يسأل عن الحوض ، ؟ فقال :
ما أراه حقا بعد ما سأل أبا برزة الأسلمي ، والبراء بن عازب ، وعائذ بن عمرو
المزني فقال : ما أصدق ، فقال أبو سبرة : ألا أحدثك في هذا الحديث شفاء ؟ بعثني أبوك
إلى معاوية في مال فلقيت عبد الله بن عمرو ، فحدثني عبد الله بن عمرو بفيه ،
وكتبته بيدي ، ما سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم أزد حرفا ولم أنقص
حرفا ، حدثني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حديث طويل قال فيه
: «
موعدكم حوضي ، عرضه مثل طوله ، وهو أبعد ما بين أيلة إلى
مكة ، وذلك مسيرة شهر ، فيه أباريق (1) أمثال الكواكب ، ماؤه أشد بياضا من الفضة ،
من ورد فشرب منه لم يظمأ بعدها أبدا » فقال ابن زياد : ما حدثت عن الحوض حديثا هو
أثبت من هذا ، أشهد أن الحوض حق ، وأخذ الصحيفة التي جاء بها أبو سبرة
__________
(1) الأباريق : جمع إبريق وهو الإناء
818 - وحدثنا أبو العباس حامد بن شعيب البلخي قال :
حدثنا يحيى بن أيوب العابد قال : حدثنا أبو إسماعيل المؤدب ، عن مجالد ، عن الشعبي
قال : حلف رجل عند ابن زياد فقال : لاسقاه الله من حوض محمد صلى الله عليه وسلم ،
فقال له ابن زياد : ولمحمد حوض ؟ قال : نعم ، هذا أنس بن مالك يحدث أن له حوضا
فجاء أنس فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « إن لي حوضا وأنا فرطكم
(1) عليه »
__________
(1) فرطكم : متقدمكم
819 - وحدثنا الفريابي قال : نا يزيد بن خالد بن موهب
الرملي قال : حدثنا عبد الله بن وهب ، عن عمرو بن الحارث ، عن يزيد بن أبي حبيب ،
عن سنان بن سعد ، عن أنس بن مالك ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال
: «
والذي نفسي بيده ليردن الحوض علي رجال حتى إذا عرفتهم
ورفعوا إلي اختلجوا (1) دوني »
__________
(1) اختُلِجوا : اقتُطِعوا وانتُزِعوا واجتُذِبُوا
وأُبْعِدُوا
820 - حدثنا أبو جعفر أحمد بن يحيى الحلواني قال : حدثنا
محمد بن الصباح الدولابي قال : حدثنا أبو قطن ، عن هشام ، عن قتادة ، عن أنس بن
مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «
ما بين ناحيتي حوضي : كما بين صنعاء إلى المدينة ، وكما
بين المدينة وعمان »
821 - وحدثنا أبو أحمد هارون بن يوسف قال : حدثنا ابن
أبي عمر قال : حدثنا أبو عبد الصمد العمي ، عن أبي عمران الجوني ، عن عبد الله بن
الصامت ، عن أبي ذر قال : قلت : يا رسول الله ما آنية الحوض ؟ قال : « والذي نفس
محمد بيده لآنيته أكثر من عدد نجوم السماء وكواكبها في الليلة المظلمة المضحية من آنية
الجنة ، يشخب (1) فيه ميزابان (2) من الجنة من شرب منه لم يظمأ ، عرضه مثل طوله ،
ما بين عمان إلى أيلة ، ماؤه أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل
»
__________
(1) شخب : سال
(2) الميزاب : قناة أو أنبوب يجري فيها الماء ويسيل
وينقل من مكان إلى مكان
822 - حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد
الواسطي قال : حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي قال : حدثنا عبد العزيز بن عبد
الصمد العمي ، عن أبي عمران الجوني ، عن عبد الله بن الصامت ، عن أبي ذر قال : قلت
: يا رسول الله ما آنية الحوض ؟ قال : « والذي نفس محمد بيده لآنيته أكثر من عدد نجوم
السماء وكواكبها في الليلة الظلماء المضحية ، من آنية الجنة ، من شرب فيها لم يظمأ
، يشخب (1) فيه ميزابان (2) من الجنة ، عرضه مثل طوله ، ما بين عمان إلى أيلة ،
ماؤه أشد بياضا من اللبن ، وأحلى من العسل »
__________
(1) شخب : سال
(2) الميزاب : قناة أو أنبوب يجري فيها الماء ويسيل
وينقل من مكان إلى مكان
823 - أنبأنا الفريابي قال : حدثنا قتيبة بن سعيد قال :
حدثنا يعقوب هو ابن عبد الرحمن ، عن أبي حازم قال : سمعت سهلا يعني سهل بن سعد
الساعدي يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول : « أنا فرطكم (1) على الحوض ، من ورد شرب ، ومن شرب لم يظمأ أبدا
»
__________
(1) فرطكم : متقدمكم
824 - أنبأنا الفريابي قال : حدثنا عثمان بن أبي شيبة
قال : حدثنا جرير ، عن الأعمش ، عن أبي وائل ، عن عبد الله قال : قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : « أنا فرطكم (1) على الحوض ، فلأنازعن رجالا منكم ، ولأغلبن
عليهم ، فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك »
__________
(1) فرطكم : متقدمكم
825 - وحدثنا الفريابي قال : حدثنا قتيبة بن سعيد ، عن
مالك بن أنس ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة : قيل : يا رسول
الله ، كيف تعرف من يأتي من بعد من أمتك ؟ قال : « أرأيت لو كان لرجل خيل غر (1)
محجلة (2) في خيل دهم (3) بهم (4) ، ألا يعرف خيله ؟ »
قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : « فإنهم يأتون يوم القيامة غرا محجلين (5) من
الوضوء ، وأنا فرطهم (6) على الحوض ، فليذادن (7) رجال عن حوضي كما يذاد (8)
البعير الضال »
__________
(1) الغر : جمع الأغر من الغرة وبياض الوجه
(2) المحجل : الخيل التي في أرجلها بياض عند الحافر ولا
يبلغ الركبتين
(3) الأدهم : الأسود
(4) البهم : جمع بهيم وهو الأسود الخالص
(5) المحجلون : الذين يسطع النور في أيديهم وأرجلهم من
أثر الوضوء كأنه تحجيل فرس
(6) فرطهم : سابقهم لأهيئ لهم طيب المنزل والمقام
(7) يذاد : يصد ويمنع
(8) يذاد : يمنع ويطرد
826 - وحدثنا الفريابي قال : حدثنا يزيد بن خالد بن موهب
الرملي قال : حدثنا عبد الله بن وهب ، عن عمرو بن الحارث ، : أن بكير بن عبد الله
حدثه ، عن القاسم بن عباس الهاشمي ، عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة ، عن أم
سلمة قالت : كنت أسمع يذكرون الحوض ، ولم أسمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم
فلما كان يوما من ذلك والجارية تمشطني ، فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
: أيها الناس ، فقلت للجارية : استأخري عني ، فقالت : إنما دعا الرجال ولم يدع
النساء ، فقلت : إني من الناس ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إني فرط
(1) لكم على الحوض فإياي لا يأتي أحدكم فيذب (2) عنه كما يذب عنه البعير الضال (3) » وذكر الحديث
__________
(1) فرط لكم : سابقكم لأهيئ لكم طيب المنزل والمقام
(2) الذب : الدفع والمنع
(3) الضال : الضائع
827 - وحدثنا أبو بكر النيسابوري قال : حدثنا يونس بن
عبد الأعلى قال : أنا عبد الله بن وهب قال : أخبرني عمرو بن الحارث ، أن بكيرا ،
حدثه عن القاسم بن عباس الهاشمي ، عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة ، عن أم سلمة
زوج النبي صلى الله عليه وسلم : أنها قالت : كنت أسمع الناس يذكرون الحوض ، ولم أسمع
ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما كان يوما من ذلك والجارية تمشطني
فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « أيها الناس » فقلت للجارية : استأخري عني فقالت : إنما دعا الرجال ولم يدع النساء ، فقلت
: إني من الناس ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إنى لكم فرط (1)
على الحوض ، فإياي لا يأت أحدكم فيذب (2) عني كما يذب
البعير الضال (3) ، فأقول : فيم هذا ؟ فيقال :
إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، فأقول سحقا (4) » . قال أبو بكر النيسابوري : ذكرت هذا الحديث لإبراهيم الأصبهاني
فقال : هذا حديث غريب ، كتب به إلينا يونس
قال أبو بكر النيسابوري : وسمعت أبا إبراهيم الزهري وذكر هذا الحديث فقال : هذا في
أهل الردة
__________
(1) فرط لكم : سابقكم لأهيئ لكم طيب المنزل والمقام
(2) الذب : الدفع والمنع
(3) الضال : الضائع
(4) سحقا : تعبير عن الغضب والمراد بعدا وهلاكا
828 - وحدثنا أبو بكر النيسابوري قال : حدثنا حماد بن الحسن
الوراق قال : أنبأنا أبو عاصم قال : أنا ابن جريج
قال : أخبرني أبو الزبير ، أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : سمعت النبي صلى الله
عليه وسلم يقول : « أنا فرطكم (1) بين أيديكم ،
فإن لم تجدوني فأنا على الحوض ، وحوضي : قدر ما بين أيلة إلى مكة » وذكر الحديث
__________
(1) فرطكم : متقدمكم
829 - وحدثنا أبو بكر النيسابوري أيضا قال : حدثنا أحمد
بن منصور قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثنا ابن لهيعة ، عن أبي الزبير قال :
أخبرني جابر بن عبد الله ، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : « أنا فرطكم
(1) بين أيديكم ، فإذا لم تروني فأنا على الحوض ، وحوضي : قدر ما بين أيلة ومكة
» وذكر الحديث
__________
(1) فرطكم : متقدمكم
830 - وحدثنا أبو محمد بن صاعد قال : حدثنا الحسين بن
الحسن المروزي قال : أنبأنا محمد بن
أبي عدي قال : حدثنا حميد ، عن أنس قال : دخلت على ابن زياد ، وهم يتذاكرون الحوض
، فلما رأوني طلعت عليهم ، قالوا : قد جاءكم أنس فقالوا : يا أنس ما تقول في الحوض
؟ فقلت : « والله ما شعرت أني أعيش حتى أرى أمثالكم تشكون في الحوض ،
لقد تركت عجائز بالمدينة ، ما تصلي واحدة منهن صلاة إلا
سألت ربها عز وجل أن يوردها حوض محمد صلى الله عليه وسلم » قال محمد بن الحسين رحمه الله تعالى : ألا ترون إلى أنس بن مالك رحمه الله
يتعجب ممن يشك في الحوض إذ كان عنده أن الحوض مما يؤمن به الخاصة والعامة حتى إن
العجائز يسألن الله عز وجل أن يسقيهن من حوضه صلى الله عليه وسلم فنعوذ بالله ممن
لا يؤمن بالحوض ، ويكذب به ، وفيما ذكرناه من التصديق بالحوض الذي أعطاه الله عز
وجل نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم كفاية عن الإكثار
باب التصديق والإيمان بعذاب القبر
831 - حدثنا أبو بكر جعفر بن محمد الفريابي قال : أنا
أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن سفيان يعني ابن سعيد
الثوري عن أبيه ، عن خيثمة ، عن البراء بن عازب : في قول الله عز وجل : يثبت الله
الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة (1) قال : « نزلت في عذاب
القبر »
__________
(1) سورة : إبراهيم آية رقم : 27
832 - حدثنا الفريابي قال : حدثنا أحمد بن عيسى المصري
قال حدثنا عبد الله بن وهب قال : أنبأنا عمرو بن الحارث ، أن أبا السمح دراجا حدثه
، عن ابن حجيرة ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « أتدرون
فيما أنزلت هذه الآية : فإن له معيشة ضنكا (1) ؟ أتدرون ما الضنك ؟ قالوا : الله ورسوله
أعلم قال : » عذاب الكافر في قبره ، والذي نفسي بيده إنه ليسلط عليه تسعة وتسعون
تنينا ، أتدرون ما التنين ؟ تسع وتسعون حية ، لكل حية سبعة أرؤس ، ينفخون جسمه ،
ويلسعونه ، ويخدشونه إلى يوم القيامة «
__________
(1) سورة : طه آية رقم : 124
833 - وحدثنا الفريابي قال : حدثنا أبو بكر ، وعثمان
ابنا أبي شيبة قالا : حدثنا أبو عبد
الرحمن المقرئ ، عن سعيد بن أبي أيوب قال : سمعت دراجا أبا السمح يقول : سمعت أبا
الهيثم يقول : سمعت أبا سعيد الخدري يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «
يسلط على الكافر في قبره تسعة وتسعون تنينا تنهشه وتلدغه ، حتى تقوم الساعة ، ولو
أن تنينا منها ينفخ في الأرض ما أنبتت خضراء »
834 - وحدثنا الفريابي قال : حدثنا عثمان بن أبي شيبة
قال : حدثنا أبو الأحوص ، عن أشعث بن أبي الشعثاء ، عن مسروق ، عن عائشة رحمها
الله تعالى قالت : دخلت يهودية علي فقالت : سمعتيه يذكر في عذاب القبر شيئا ؟
فقالت لها : وما عذاب القبر ؟ قالت : فسليه ، فلما أتاها النبي صلى الله عليه وسلم
سألته عن عذاب القبر ؟ فقال : « عذاب القبر حق » قالت : فما صلى صلاة بليل إلا سمعته يتعوذ من عذاب القبر
«
835 - حدثنا الفريابي قال : حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال
: حدثنا جرير ، عن منصور ، عن أبي وائل ، عن مسروق ، عن عائشة رضي الله عنها قالت
: دخلت علي عجوز ، أو عجوزان من عجائز يهود المدينة ، فقالتا : إن أهل القبور
يعذبون في قبورهم ، قالت : فكذبتهما فخرجتا ، ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقلت له : يا رسول الله إن عجوزين من عجائز يهود المدينة دخلتا علي ، فزعمتا أن أهل
القبور يعذبون في قبورهم فقال : « صدقتا ، إنهم يعذبون عذابا تسمعه البهائم كلها »
قالت : فما رأيته بعد ذلك في صلاة إلا يتعوذ من عذاب القبر
836 - حدثنا الفريابي قال : حدثنا محمد بن عبيد بن حساب
قال : حدثنا حماد بن زيد قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن عروة ، عن عائشة رضي الله
عنها : أن يهودية دخلت عليها ، فأمرت لها بشيء ، فقالت : أعاذك الله من عذاب القبر
، أو أعاذكم الله من عذاب القبر فذكرت حديث الكسوف وقالت في آخره : فدخل علي رسول
الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول : « إني أريتكم تفتنون في قبوركم مثل فتنة
الدجال »
837 - قالت : وسمعته يقول : « اللهم إني أعوذ بك من عذاب
القبر ، وأعوذ بك من عذاب النار »
838 - وحدثنا الفريابي قال : حدثنا قتيبة بن سعيد قال :
حدثنا إسماعيل بن جعفر ، عن حميد بن أبي حميد الطويل قال قتيبة : وهو حميد بن
طرخان عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل حائطا (1) من حوائط بني
النجار فسمع صوتا من قبر فقال : « متى دفن صاحب هذا القبر ؟ » فقالوا : في الجاهلية
، فسر بذلك فقال : « لولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم عذاب القبر
»
__________
(1) الحائط : البستان أو الحديقة وحوله جدار
839 - وحدثنا الفريابي قال : حدثنا إسحاق بن راهويه قال
: أنبأنا المؤمل بن إسماعيل قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم مر على حائط لبني النجار ، وهو على بغلة شهباء (1) ، فسمع
أصوات أقوام يعذبون في قبورهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
: « لولا أن لا تدافنوا لسألت الله عز وجل أن يسمعكم
عذاب القبر »
__________
(1) الشهباء : البيضاء التي يخالطها قليل سواد
840 - حدثنا الفريابي قال : حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال
: حدثنا وكيع بن الجراح ، عن شعبة ، عن عون بن أبي جحيفة ، عن أبيه ، عن البراء ،
عن أبي أيوب : أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع أصواتا حين غربت الشمس فقال
: « هذه أصوات اليهود تعذب في قبورهم
»
841 - وحدثنا الفريابي قال : حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال : حدثنا جرير بن عبد الحميد ، عن منصور ، عن مجاهد
، عن ابن عباس قال : مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحائط (1) من حيطان مكة أو
المدينة فسمع صوت إنسانين يعذبان في قبورهما ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
: « يعذبان وما يعذبان في كبير » ثم قال : « بلى كان أحدهما لا يستنزه من بوله ،
وكان الآخر يمشي بالنميمة » ثم دعا بجريدة ، فكسرها كسرتين ، ووضع على قبر كل
منهما كسرة ، فقيل : يا رسول الله ، لم فعلت هذا ؟ قال : « لعله يخفف عنهما ما لم
ييبسا ، أو إلى أن ييبسا »
__________
(1) الحائط : البستان أو الحديقة وحوله جدار
842 - حدثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قال : حدثنا
زياد بن أيوب الطوسي قال : حدثنا زياد بن عبد الله البكائي قال : حدثنا منصور ،
والأعمش ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال : مر النبي صلى الله عليه وسلم بحائط (1) من
حيطان المدينة أو مكة ، فإذا هو بقبرين فيهما رجلان يعذبان ، فقال النبي صلى الله
عليه وسلم : « يعذبان في غير كبير » ثم قال : « بلى ، إن أحدهما كان لا يستنزه من
بوله ، وكان الآخر يمشى بالنميمة » ثم قال : « أروني عسيبا (2) » ففته باثنين ، فجعل على كل قبر واحدا ، فقال الناس : لم فعلت
هذا يا رسول الله ؟ قال : « لعله يخفف من عذابهما ما داما هكذا أو ما لم ييبسا
»
__________
(1) الحائط : البستان أو الحديقة وحوله جدار
(2) العسيب : جريدَة من النَّخْلِ. وهي السَّعَفة ممَّا لا
يَنْبُتُ عليه الخُوصُ
843 - حدثنا الفريابي قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة
قال : حدثنا وكيع بن الجراح قال : حدثنا الأعمش قال : سمعت مجاهدا ، يحدث عن طاوس
، عن ابن عباس قال : مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبرين فقال : « إنهما
ليعذبان وما يعذبان في كبير ، أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة ، وأما الآخر فكان لا
يستنزه من بوله » ثم دعا بعسيب رطب وذكر الحديث
844 - وحدثنا ابن صاعد قال : حدثنا الحسين بن الحسن
المروزي ، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي ، وزياد بن أيوب ، قالوا : أنبأنا أبو معاوية
قال : حدثنا الأعمش قال ابن صاعد : وحدثنا يوسف بن موسى القطان قال : حدثنا جرير ،
وأبو معاوية ووكيع ، واللفظ لوكيع قال : حدثنا الأعمش قال : سمعت مجاهدا ، يحدث عن
طاوس ، عن ابن عباس قال : مر النبي صلى الله عليه وسلم على قبرين فقال : « إنهما ليعذبان
، وما يعذبان في كبير » وذكر الحديث بطوله
845 - وحدثنا الفريابي قال : حدثنا إسحاق بن راهويه قال
: حدثنا يحيى بن حماد قال حدثنا أبو عوانة ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي
هريرة : عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « أكثر عذاب القبر في البول
»
846 - وحدثنا الفريابي قال : حدثنا أبو بكر ، وعثمان ،
ابنا أبي شيبة قالا : حدثنا عفان بن مسلم قال : حدثنا أبو عوانة ، عن الأعمش ، عن
أبي صالح ، عن أبي هريرة : عن النبي صلى
الله عليه وسلم قال : « أكثر عذاب القبر في البول »
847 - حدثنا أبو جعفر محمد بن صالح بن ذريح العكبري قال
: حدثنا هناد بن السري قال : حدثنا شريك ، عن أبي إسحاق ، عن البراء أو عن أبي
عبيدة في قول الله عز وجل : ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر (1) قال
: « عذاب القبر »
__________
(1) سورة : السجدة آية رقم : 21
848 - وحدثنا ابن ذريح أيضا قال : حدثنا هناد قال :
حدثنا وكيع ، عن العلاء بن عبد الكريم ، عن أبي كريمة ، عن زاذان في قوله عز وجل :
وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك (1) قال : « عذاب القبر »
__________
(1) سورة : الطور آية رقم : 47
849 - أنبأنا ابن ذريح قال : حدثنا هناد بن السري قال :
حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر ، عن أم مبشر قالت : دخل
علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنا في حائط (1) من حوائط بني النجار ، فيه
قبور منهم قد ماتوا في الجاهلية : قالت : فخرج ، وهو يقول : « استعيذوا بالله من عذاب
القبر » قالت : فقلت : يا رسول الله وإنهم ليعذبون في قبورهم قال
: « نعم ، عذابا تسمعه البهائم »
__________
(1) الحائط : البستان أو الحديقة وحوله جدار
850 - حدثنا الفريابي قال : حدثنا صفوان بن صالح قال :
حدثنا الوليد بن مسلم قال : حدثنا خليد بن دعلج ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك قال :
دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم نخلا لبني النجار ، فخرج مذعورا فقال : « لمن
هذه القبور ؟ » فقالوا : لقوم مشركين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
: « سلوا ربكم عز وجل أن يجيركم من عذاب القبر ، فوالذي
نفسي بيده لولا أني أتخوف أن لا تدافنوا لسألت الله عز وجل أن يسمعكم عذاب القبر ،
وإن الرجل إذا دخل حفرته ، وتفرق عنه أصحابه ، دخل عليه ملك شديد الانتهار ،
فيجلسه في قبره ، ويقول له : ما كنت تعبد ؟ فأما المؤمن فيقول : كنت أعبد الله وحده
لا شريك له ، فيقول : ما تقول في محمد ؟ فيقول : عبد الله ورسوله ، فما يسأله عن
شيء غيرهما ، فينطلق به إلى مقعده من النار ، فيقول : هذا كان لك ، فأطعت ربك
وعصيت عدوك ، ثم ينطلق به إلى منزله من الجنة فيقول : هذا لك ، فيقول : دعوني أبشر
أهلي ، ويوسع له في قبره سبعون ذراعا ، وأما الكافر فيدخل عليه ملك شديد الانتهار
، فيجلسه فيقول له : من ربك ؟ ومن كنت تعبد ؟ فيقول : لا أدري ، فيقول : لا دريت
ولا تليت ، فيقول له : فما تقول في محمد ؟ فيقول : كنت أسمع الناس يقولون ، فيضربه
بمطراق من حديد بين أذنيه ، فيصيح صيحة يسمع صوته من في الأرض إلا الثقلين ، ثم
ينطلق به إلى منزله من الجنة ، فيقال له : كان هذا منزلك ، فعصيت ربك ، وأطعت عدوك
، فيزداد حسرة وندامة ، وينطلق به إلى منزله من النار ، فيراهما كلاهما فيضيق عليه
قبره حتى تختلف أضلاعه من وراء صلبه » قال محمد بن الحسين رحمه الله
: ما أسوأ حال من كذب بهذه الأحاديث ، لقد ضل ضلالا
بعيدا ، وخسر خسرانا مبينا
باب ذكر الإيمان والتصديق بمسألة منكر ونكير
851 - حدثنا الفريابي قال : حدثنا عبيد الله بن عمر
القواريري قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق ، عن سعيد بن
أبي سعيد ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إذا قبر
أحدكم أو الإنسان ، أتاه ملكان أسودان أزرقان يقال لأحدهما : المنكر ، وللآخر
: النكير فيقولان له : ما كنت تقول في هذا الرجل ؟ فهو
قائل ما كان يقول ، فإن كان مؤمنا قال : هو عبد الله ورسوله ، أشهد أن لا إله إلا
الله ، وأن محمدا رسول الله فيقولان : إن كنا لنعلم أنك تقول ذلك ، ثم يفسح له في
قبره سبعون ذراعا في سبعين ذراعا ، وينور له فيه ، ثم يقال له : نم ، فيقول
: دعوني أرجع إلى أهلي فأخبرهم ، فيقال له : نم كنومة
العروس الذي لا يوقظه إلا أحب أهله إليه ، حتى يبعثه الله عز وجل من مضجعه ذلك ،
وإن كان منافقا قال : لا أدري ، كنت أسمع الناس يقولون شيئا ، وكنت أقوله ،
فيقولان : إن كنا لنعلم أنك تقول ذلك ، ثم يقال للأرض : التئمي (1) عليه فتلتئم
(2) عليه ، حتى تختلف فيها أضلاعه ، فلا يزال فيها معذبا حتى يبعثه الله عز وجل من
مضجعه ذلك »
__________
(1) التئم : انضم واجتمع
(2) التأم : اجتمع وانضم
852 - حدثنا الفريابي قال : حدثنا العباس بن الوليد
النرسي قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد يعني ابن أبي عروبة ، عن قتادة
، عن أنس بن مالك : أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : « إن العبد إذا وضع في
قبره ، وتولى عنه أصحابه ، إنه ليسمع قرع (1) نعالهم ، أتاه ملكان فيقعدانه ،
فيقولان : ما كنت تقول في هذا الرجل ؟ في محمد
صلى الله عليه وسلم ؟ قال : فأما المؤمن فيقول : أشهد أنه عبد الله ورسوله ، قال :
فيقال له : انظر إلى مقعدك من النار ، قد أبدلك الله عز وجل به مقعدا من الجنة قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم فيراهما كلاهما » أو قال : جميعا قال قتادة : وذكر
لنا أنه يفسح له في قبره سبعون ذراعا ، ويملأ عليه خضرا إلى يوم القيامة ثم رجع إلى
حديث أنس قال : وأما الكافر ، أو المنافق فيقال له : ما كنت تقول في هذا الرجل ؟
فيقول : لا أدري ، كنت أقول ما يقول الناس ، فيقال له : لا دريت ولا تليت ، ثم
يضرب بمطراق (2) من حديد ضربة بين أذنيه ، فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين
«
__________
(1) قرع النعال : صوتها عند المشي
(2) المطراق : المطرقة أو المِرْزبة
853 - وحدثنا الفريابي قال : حدثنا أحمد بن سنان قال :
حدثنا يزيد بن هارون قال : أنبأنا مستلم بن سعيد قال : أنبأنا يعلى بن عطاء قال :
جاء رجل إلى أبي الدرداء فقال له : إنك معلم ، وإنك على جناح فراق الدنيا ، فعلمني
خيرا ينفعني الله به ، فقال أبو الدرداء : « إما لا ، فاعقل ، كيف أنت إذا لم يكن
لك من الأرض إلا موضع أربعة أذرع في ذراعين جاء بك أهلك الذين كانوا يكرهون فراقك
، وإخوانك الذين كانوا يتحزبون بأمرك فتلوك في ذلك المتل ، ثم سدوا عليك من اللبن
، وأكثروا عليك من التراب ، وخلوا بينك وبين متلك ذلك ، فجاءك ملكان أزرقان جعدان
، يقال لهما : منكر ونكير فقالا : من ربك ؟ وما دينك ؟ ومن نبيك ؟ فإن قلت : ربي
الله ، وديني الإسلام ، ونبي محمد صلى الله عليه وسلم فقد والله هديت ونجوت ، وإن
قلت : لا أدري فقد والله هويت ورديت »
854 - وحدثنا الفريابي قال : حدثنا منصور بن أبي مزاحم
قال : حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن أبيه ، عن
عطاء بن يسار قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه
: « يا عمر كيف أنت إذا أعد لك من الأرض ثلاثة أذرع وشبر في عرض ذراع وشبر ؟ ثم
قام إليك أهلك ، فغسلوك وكفنوك وحنطوك (1) ثم حملوك حتى يغيبوك فيه ، ثم يهيلوا
عليك التراب ، ثم انصرفوا عنك ، وأتاك مسائل القبر : منكر ونكير ، أصواتهما مثل
الرعد القاصف ، وأبصارهما مثل البرق الخاطف ، قد سدلا (2) شعورهما ، فتلتلاك وتهولاك
وقالا : من ربك ؟ وما دينك ؟ » قال : يا نبي الله ويكون معي قلبي الذي هو معي
اليوم ؟ قال : « نعم » قال : إذن أكفيكهما بإذن الله عز وجل «
__________
(1) التحنط : استعمال الحَنُوط في الثياب وهو ما يُخْلط
من الطِّيب لأكفان الموْتَى وأجْسَامِهم خاصَّة
(2) سدل الثوب أو الشعر أو الستر : أرخاه وأرسله
855 - حدثنا الفريابي قال : حدثنا أحمد بن عيسى المصري
قال حدثنا عبد الله بن وهب قال : حدثني حيي بن عبد الله المعافري ، أن أبا عبد
الرحمن الحبلي ، حدثه عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، : أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم : « ذكر فتاني القبر ، فقال عمر بن
الخطاب رضي الله عنه : » أو ترد علينا عقولنا ؟ « قال : » نعم كهيئتكم اليوم « قال
عمر : » في فيه الحجر «
856 - حدثنا الفريابي قال : حدثنا محمد بن العلاء أبو
كريب قال : حدثنا أبو بكر بن عياش قال : حدثنا عاصم ، عن زر ، عن عبد الله قال : «
إذا توفي العبد بعث الله عز وجل إليه ملائكة فيقبضون روحه في أكفانه ، فإذا وضع في
قبره بعث الله عز وجل إليه ملكين ينتهرانه ، فيقولان : من ربك ؟ قال : ربي الله ،
قالا : ما دينك ؟ قال : ديني الإسلام ، قالا : من نبيك ؟ قال : محمد قالا : صدقت ،
كذلك كنت ، أفرشوه من الجنة ، وألبسوه منها ، وأروه مقعده منها ، وأما الكافر
فيضرب ضربة يلتهب قبره نارا منها ، ويضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه ، أو تماس ،
ويبعث عليه حيات من حيات القبر كأعناق الإبل ، فإذا خرج قمع بمقمع من نار أو حديد
»
857 - حدثنا الفريابي قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن المنهال
يعني ابن عمرو عن زاذان ، عن البراء بن عازب قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله
عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار ، فانتهينا إلى القبر ولما يلحد (1) فجلس رسول
الله صلى الله عليه وسلم وجلسنا حوله ، كأنما على رءوسنا الطير ، وفي يده عود ينكت
به ، فرفع رأسه ، فقال : « استعيذوا بالله من عذاب القبر » ثلاث مرات أو مرتين ثم
قال : « إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا ، وإقبال من الآخرة ، نزل
إليه من السماء ملائكة بيض الوجوه ، كأنما وجوههم الشمس ، حتى يجلسوا منه مد البصر
، معهم كفن من أكفان الجنة وحنوط (2) من حنوط الجنة ، ثم يجيء ملك الموت ، فيجلس
عند رأسه فيقول : أيتها النفس المطمئنة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان ، فتخرج تسيل
كما تسيل القطرة من السقاء فيأخذها ، فإذا أخذها لم يدعها في يده طرفة عين حتى
يأخذوها ، فيجعلوها في تلك الأكفان وفي ذلك الحنوط ، فيخرج منه كأطيب نفحة مسك
وجدت على وجه الأرض ، فيصعدون بها فلا يمرون على ملإ من الملائكة إلا قالوا : ما
هذا الروح الطيب ؟ فيقولون : هذا فلان بن فلان بأحسن أسمائه التي كان يسمى بها في
الدنيا ، حتى يصعدوا بها إلى السماء الدنيا ، فيستفتح ، فيفتح له ، فيستقبله من كل
سماء مقربوها إلى السماء التي تليها ، حتى ينتهى بها إلى السماء السابعة ، فيقول
الله عز وجل : اكتبوا كتاب عبدي في عليين ، في
السماء السابعة ، وأعيدوه إلى الأرض ، فإني منها خلقتهم ، وفيها أعيدهم ، ومنها
أخرجهم تارة أخرى قال : فتعاد روحه في جسده ، ويأتيه ملكان فيجلسانه ، فيقولان له
: من ربك ؟ فيقول : ربي الله ، فيقولان له : ما دينك ؟ فيقول : ديني الإسلام ،
فيقولان له : ما هذا الرجل الذي بعث فيكم ؟ فيقول : هو رسول الله ، فيقولان له :
ما علمك ؟ فيقول : قرأت كتاب الله ، وآمنت به ، وصدقت به
، فينادي مناد من السماء : صدق عبدي ، فأفرشوه من الجنة ، وألبسوه من الجنة ،
وافتحوا له بابا إلى الجنة ، فيأتيه من طيبها وروحها ، ويفسح له في قبره مد بصره ،
يأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح فيقول : أبشر بالذي يسرك ، هذا يومك
الذي كنت توعد ، فيقول : من أنت ؟ فوجهك الوجه الذي يجيء بالخير ، فيقول : أنا
عملك الصالح ، فيقول : يا رب أقم الساعة ، حتى أرجع إلى أهلي ومالي ، وإن العبد
الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه من السماء ملائكة سود
الوجوه معهم المسوح ، يجلسون منه مد البصر قال : ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند
رأسه فيقول : يا أيتها النفس الخبيثة ، اخرجي إلى سخط من الله وغضب ، فتفرق في
جسده قال : فيخرجها تتقطع معها العروق والعصب ، كما ينزع السفود (3) من الصوف
المبلول فيأخذها فإذا أخذها لم يدعها في يده طرفة عين حتى يأخذوها في تلك المسوح ،
فيخرج منه ريح كأنتن جيفة وجدت على وجه الأرض ، فيصعدون بها ، فلا يمرون بها على
ملإ من الملائكة : إلا قالوا : ما هذا الروح الخبيث ؟ فيقولون : فلان بن فلان
بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا حتى ينتهى بها إلى السماء الدنيا ،
فيستفتحون ، فلا يفتح لهم ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تفتح لهم أبواب
السماء ، ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط (4) قال : فيقول الله عز
وجل : اكتبوا كتاب عبدي في سجين في الأرض السفلى ، وأعيدوه إلى الأرض ، فإني منها
خلقتهم ، وفيها أعيدهم ، ومنها أخرجهم تارة أخرى قال : فتطرح روحه طرحا قال : ثم قرأ
رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء ، فتخطفه الطير
، أو تهوي به الريح في مكان سحيق (5) ، فتعاد روحه في جسده ، ويأتيه ملكان ،
فيجلسانه فيقولان له : من ربك ؟ فيقول : هاه هاه ، لا أدري ، ويقولان له : وما
دينك ؟ فيقول : هاه هاه ، لا أدري ، فينادي مناد من السماء : أفرشوا له من النار ،
وألبسوه من النار ، وافتحوا له بابا إلى النار ، فيأتيه من حرها وسمومها قال :
ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه ، ويأتيه رجل قبيح الوجه ، قبيح الثياب ،
منتن الريح ، فيقول : أبشر بالذي يسوؤك ، هذا يومك الذي كنت توعد ، فيقول : من أنت
فوجهك الوجه الذي يجيء بالشر ؟ فيقول : أنا عملك الخبيث ، فيقول : رب لا تقم
الساعة ، رب لا تقم الساعة » أنبأنا أبو جعفر محمد بن صالح بن ذريح العكبري قال :
حدثنا هناد بن السري قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن المنهال ، عن زاذان ،
عن البراء بن عازب قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من
الأنصار وذكر الحديث بطوله . حدثنا أبو محمد بن صاعد قال : حدثنا الحسين بن الحسن المروزي قال : أنبأنا أبو معاوية الضرير قال :
حدثنا الأعمش ، عن المنهال بن عمرو ، عن زاذان ، عن البراء بن عازب قال : خرجنا مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر الحديث بطوله
__________
(1) اللحد : الشق الذي يكون في جانب القبر موضع الميت ،
وقيل الذي يحفر في عرض القبر
(2) الحنوط : ما يُخْلط من الطِّيب لأكفان الموْتَى
وأجْسَامِهم خاصَّة
(3) السفود : عود من حديد ينظم فيه اللحم ليشوى
(4) سورة : الأعراف آية رقم : 40
(5) سورة : الحج آية رقم : 31
858 - حدثنا ابن صاعد قال : حدثنا الحسين قال : أنبأنا
أبو معاوية قال : حدثنا الأعمش ، عن سعد بن عبيدة ، عن البراء بن عازب : في قول
الله عز وجل : يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت
في الحياة الدنيا وفي الآخرة (1) قال : التثبيت في
الحياة الدنيا : إذا جاءه ملكان في القبر فقالا له : من ربك ؟ فيقول : ربي الله ،
قالا له : فما دينك ؟ فيقول : ديني الإسلام ، قالا له : فمن نبيك ؟ فيقول : نبي محمد صلى الله عليه وسلم فهذا التثبيت في الحياة الدنيا
__________
(1) سورة : إبراهيم آية رقم : 27
كتاب التصديق بالدجال ، وأنه خارج في هذه الأمة
باب استعاذة النبي صلى الله عليه وسلم من فتنة الدجال
وتعليمه لأمته أن يستعيذوا بالله من فتنة الدجال
859 - أنبأنا الفريابي أبو بكر جعفر بن محمد قال : حدثنا
محمد بن عبيد بن حساب قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن
عائشة رضي الله عنها : أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو : « اللهم إني
أعوذ بك من فتنة النار ، ومن عذاب النار ، ومن فتنة القبر ، ومن عذاب القبر ، ومن
شر فتنة الغنى ، ومن شر فتنة الفقر ، ومن شر المسيح الدجال »
860 - أنبأنا الفريابي قال : حدثنا منجاب بن الحارث قال
: حدثنا علي بن مسهر ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة رضي الله عنها قالت :
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو : « اللهم إني أعوذ بك من فتنة النار ،
وعذاب النار ، أعوذ بك من فتنة القبر ، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال ، وأعوذ بك
من الكسل والهرم (1) ، والمأثم (2) والمغرم (3) »
__________
(1) الهرم : كِبر السّن وضعفه
(2) المأثم : ما يسبب الإثم الذي يجر إلى الذم والعقوبة
(3) المغرم : المراد مغرم الذنوب والمعاصي ، وقيل المغرم
هو الدين الذي لله أو للعباد
861 - وحدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا أبو
الطاهر قال : أنبأنا ابن وهب قال : أخبرني عبد العزيز بن محمد ، عن هشام ، عن أبيه
، عن عائشة رضي الله عنها : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو بهؤلاء الكلمات
، ذكر فيهن : « وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال » وذكر الحديث ، وله طرق جماعة
862 - وأنبأنا الفريابي قال : حدثنا : إسحاق بن راهويه
قال : أنبأنا أبو عامر العقدي قال : حدثنا شعبة ، عن بديل بن ميسرة ، عن عبد الله
بن شقيق ، عن أبي هريرة قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم « يتعوذ من عذاب
جهنم ، وعذاب القبر ، والمسيح الدجال »
863 - وأنبأنا الفريابي قال : حدثنا إسحاق بن راهويه قال : حدثنا معاذ بن هشام قال : حدثني أبي ، عن
يحيى بن أبي كثير قال : حدثنا أبو سلمة ، عن أبي هريرة : عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم أنه كان يقول : « اللهم إني أعوذ بك من فتنة القبر وعذاب القبر ، وشر فتنة
المحيا والممات ، وشر فتنة المسيح الدجال »
864 - حدثنا أبو شعيب عبد الله بن حسن الحراني قال :
حدثنا عبد الله بن جعفر الرقي قال : حدثنا عيسى يعني
ابن يونس ، عن الأوزاعي ، عن حسان بن عطية ، عن محمد بن أبي عائشة ، عن أبي هريرة
قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إذا تشهد أحدكم ، فليتعوذ من أربع :
من عذاب جهنم ، وعذاب القبر ، وفتنة المحيا والممات ، وفتنة المسيح الدجال
»
865 - أنبأنا الفريابي قال : حدثنا أبو أيوب سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي قال : حدثنا الهقل بن زياد ،
عن الأوزاعي ، عن حسان بن عطية ، عن محمد بن أبي عائشة قال : سمعت أبا هريرة ،
يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إذا فرغ أحدكم من التشهد ، فليتعوذ
بالله من أربع : من عذاب القبر ، وعذاب جهنم ، وفتنة المحيا والممات ، وشر المسيح
الدجال ، ثم ليدع لنفسه بعد بما شاء » ولهذا الحديث طرق جماعة
866 - وأنبأنا الفريابي قال : حدثنا قتيبة بن سعيد ، عن
مالك بن أنس ، عن أبي الزبير ، عن طاوس ، عن ابن عباس : أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم : كان يعلمهم هذا الدعاء ، كما يعلمهم السورة من القرآن ويقول : « قولوا
اللهم إنا نعوذ بك من عذاب جهنم ، وأعوذ بك من عذاب القبر ، وأعوذ بك من فتنة
المسيح الدجال ، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات » وحدثنا أبو بكر بن أبي داود
قال : حدثنا أبو الطاهر أحمد بن عمرو قال : أنبأنا ابن وهب قال : حدثني مالك وذكر
الحديث مثله .
867 - وأنبأنا الفريابي قال : أنبأنا عثمان بن أبي شيبة
قال : حدثنا عبيد الله بن موسى ، عن شيبان ، عن يحيى بن أبي سلمة ، عن أبي سعيد أن
النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو بهؤلاء الكلمات : « اللهم إني أعوذ بك من عذاب
النار ، وعذاب القبر ، ومن فتنة المحيا والممات ، ومن فتنة المسيح الدجال » قال محمد
بن الحسين رحمه الله : فقد استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من الدجال ، وعلم أمته
أن يستعيذوا بالله من فتنة الدجال فينبغي للمسلمين أن يستعيذوا بالله العظيم منه
وقد حذر أمته في غير حديث الدجال ، ووصفه لهم فينبغي للمسلمين أن يحذروه ويستعيذوا
بالله من زمان يخرج فيه الدجال ، فينبغي للمسلمين أن يحذروه ويستعيذوا بالله من
زمان يخرج فيه الدجال ، فإنه زمان صعب ، أعاذنا الله وإياكم منه وقد روي أنه قد
خلق ، وهو في الدنيا موثق بالحديد إلى الوقت الذي يأذن الله عز وجل بخروجه
868 - حدثنا موسى بن هارون قال : حدثنا أبو موسى الهروي
قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن علي بن زيد بن جدعان ، عن الحسن ، عن عمران بن
حصين : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « أما إنه قد أكل الطعام ، ومشى في
الأسواق » يعني الدجال
869 - وحدثنا أيضا موسى بن هارون قال : حدثنا محمد بن
عباد قال : حدثنا سفيان ، عن ابن جدعان ، عن
الحسن ، عن أبي معقل ، : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « لقد أكل الطعام
، ومشى في الأسواق » يعني الدجال
870 - وحدثنا أبو جعفر أحمد بن يحيى الحلواني قال :
حدثنا محمد بن الصباح قال : حدثنا يزيد بن
هارون قال : أنبأنا حميد الطويل ، عن أنس بن مالك : أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال : « الدجال ممسوح (1) العين ، عليها ظفرة غليظة ، مكتوب بين عينيه كافر
»
__________
(1) الممسوح : الأعور
871 - وحدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا عمرو بن
عثمان ، وكثير بن عبيد قالا : حدثنا بقية ، عن بحير يعني ابن سعد عن خالد يعني ابن
معدان عن عمرو بن الأسود ، عن جنادة بن أبي أمية ، عن عبادة بن الصامت قال : قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إني قد حدثتكم عن الدجال حتى خشيت أن لا تعقلوا
، إن مسيح الدجال رجل قصير أفحج دعج مطموس (1) العين ، ليس بناتئة (2)
ولا جحراء فإن ألبس عليكم فاعلموا أن ربكم عز وجل ليس
بأعور ، واعلموا أنكم لن تروا ربكم عز وجل حتى تموتوا »
__________
(1) مطموس العين : ممسوح العين أعور لا يرى بها
(2) النتوء : البروز
872 - حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا يحيى بن
عثمان قال : حدثنا ضمرة يعني ابن ربيعة قال : حدثنا السيباني يعني أبا عمرو عن
عمرو بن عبد الله الحضرمي ، عن أبي أمامة قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه
وسلم ، فكان في آخر خطبته ما يحدثنا عن الدجال ، ويحذرناه ، وكان من قوله صلى الله
عليه وسلم : « يا أيها الناس ، إنه لم تكن على وجه الأرض أعظم من فتنة الدجال ، وإن
الله عز وجل لم يبعث نبيا إلا حذره أمته ، وأنا آخر الأنبياء وأنتم آخر الأمم ،
وهو خارج فيكم لا محالة ، فإن يخرج وأنا فيكم ، فأنا حجيج كل مسلم ، وإن يخرج من
بعدي فكل امرئ حجيج نفسه ، والله خليفتي على كل مسلم »
873 - وحدثنا أبو حفص عمر بن أيوب السقطي قال : حدثنا
محمد بن سليمان لوين قال : حدثنا حماد بن
زيد ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر : أن النبي صلى الله عليه وسلم : ذكر الدجال
يوما ، فقال : « إنه أعور عين اليمنى ، كأنها عنبة طافية »
874 - أنبأنا أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله الكشي قال :
حدثنا علي بن عبد الله المديني قال : أنبأنا الوليد بن
مسلم قال : حدثني عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال : حدثني يحيى بن جابر الطائي قال
: حدثني عبد الرحمن بن جبير بن نفير ، عن أبيه جبير بن نفير الحضرمي : أنه سمع النواس
بن سمعان الكلابي قال : ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال ذات غداة (1) ،
فخفض فيه ورفع ، حتى ظنناه في طائفة النخل ، فما رحنا إليه عرف ذلك فينا ، فسألنا
فقلنا : يا رسول الله ، ذكرت الدجال الغداة (2) ،
فخفضت فيه ورفعت ، حتى ظنناه في طائفة النخل ، فقال : « غير الدجال أخوفني عليكم ،
فإن يخرج ، وأنا فيكم ، فأنا حجيجه دونكم ، وإن يخرج ولست فيكم ، فامرؤ حجيج نفسه
، والله خليفتي على كل مسلم » وذكر الحديث
__________
(1) الغداة : الصباح وما بين الفجر وطلوع الشمس
(2) الغداة : ما بين الفجر وطلوع الشمس
875 - وحدثنا أبو جعفر أحمد بن يحيى الحلواني قال :
حدثنا خلف بن هشام البزار قال : حدثنا أبو شهاب الحناط ، عن إسماعيل بن أبي خالد ،
عن مجالد ، عن الشعبي ، عن فاطمة بنت قيس قالت : صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم
المنبر وكان لا يصعد قبل يومئذ إلا يوم جمعة ، أو كما قالت ، فاستنكر الناس ذلك ، فبين
قائم وجالس فأومأ (1) إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده
: « أن اجلسوا ، فإني لم أقم مقامي هذا لأمر ينغصكم
لرهبة ولا لرغبة ، ولكن تميما الداري أتاني ، فأخبرني خبرا منعني القيلولة (2) من
الفرح وقرة العين ، ألا إن بني عم لتميم الداري ركبوا في البحر ، أخذتهم عاصف في
البحر ، فألجأتهم إلى جزيرة من جزائر البحر لا يعرفونها ، فقعدوا ، وقال خلف مرة أخرى
: فركبوا في قوارب السفينة ، ثم خرجوا فصعدوا إلى الجزيرة ، فإذا هم بشيء أسود
أهدب ، كثير الشعر ، فقالوا لها : ما أنت ؟ قالت : أنا الجساسة (3)
، فقالوا لها : أخبرينا عن الناس ، فقالت :
ما أنا بمخبرتكم شيئا ، ولا سائلتكم عنه ، ولكن عليكم بهذا الدير فأتوه ، فإن فيه
رجلا بالأشواق إلى أن يخابركم وتخابروه ، فأتوه فاستأذنوا عليه ، فدخلوا ، فإذا هم
بشيخ موثق شديد الوثاق ، شديد التشكي ، مظهر للحزن ، فقال : من أين نبأتم ؟ فقالوا
: من الشام قال : فما فعلت العرب ؟ قالوا : نحن قوم من
العرب عم تسأل ؟ قال : ما فعل هذا
الرجل الذي خرج ؟ فقالوا : خيرا ناوأه (4) قومه ، فأظهره الله عز وجل عليهم ،
فأمرهم جميع ، ودينهم واحد ، ونبيهم واحد ، وإلههم واحد قال : ذلك خير لهم ، فقال : ما فعلت عين زغر ؟ فقالوا : يشربون منها لشفتهم ، ويسقون
منها زروعهم قال : ما فعل نخل ما بين عمان وبيسان ؟ فقالوا : يطعم جناه كل حين قال
: ما فعلت بحيرة الطبرية ؟ فقالوا : يدفق جانباها من كثرة الماء قال : فزفر (5)
عند ذلك ثلاث زفرات (6) ، ثم قال : إن انفلت من وثاقي هذا : لم أدع أرضا إلا
وطئتها برجلي هاتين ، إلا طيبة ليس لي عليها سلطان » فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إلى هذا انتهى فرحي ، هذه طيبة يعني
: المدينة والذي نفس محمد بيده ما فيها طريق واحد ، ضيق ولا واسع ، سهل ولا جبل
إلا وعليه ملك شاهر سيفه إلى يوم القيامة »
__________
(1) الإيماء : الإشارة بأعضاء الجسد كالرأس واليد والعين
ونحوه
(2) القيلولة : الاستراحة نصف النهار وإن لم يكن معها
نوم
(3) الجساسة : الدابة التي تتجسس وتجمع الأخبار للدجال
(4) ناوأه : حاربه وعاداه
(5) الزفير : إخراج النفس مع مده
(6) زفر : أخرج نفسه بعْد مدِّه إياه
876 - وحدثنا أبو بكر بن أبي داود السجستاني قال : حدثنا
أبو حفص عمرو بن علي الفلاس قال : حدثنا معتمر قال : حدثنا إسماعيل بن أبي خالد ،
عن مجالد ، عن عامر قال : حدثتني فاطمة بنت قيس : أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى
الظهر ، ثم صعد المنبر ، وكان لا يصعد عليه إلا يوم جمعة قبل ذاك اليوم ، فاستنكر
الناس ذلك ، فمن بين قائم وجالس ، فأشار إليهم بيده : أن اجلسوا فقال : « إني
والله ما قمت مقامي هذا بأمر ينهمكم رغبة ورهبة ، ولكن تميما الداري أتاني فأخبرني
خبرا منع مني القيلولة (1) من الفرح ، فأحببت أن أنشر عليكم فرح نبيكم ، إن بني عم
لتميم الداري أخذتهم عاصفة في البحر ، فألجأتهم الريح إلى جزيرة لا يعرفونها
فقعدوا على قوارب السفينة ، فصعدوا إليها فإذا هم بشيء أهدب أسود ، كثير الشعر
فقالوا : ما أنت ؟ قالت : أنا الجساسة (2) ، فقالوا : أخبرينا ، قالت : ما أنا
بمخبرتكم ولا سائلتكم ، ولكن هذا الدير قد رهقتموه ، وفيه رجل هو بالأشواق إلى أن
تخبروه ويخبركم ، فعمدوا حتى أتوه ، فاستأذنوا ، فإذا هم بشيخ موثق ، شديد الوثاق
، مظهر الحزن ، شديد التشكي ، فقال لهم : من أين نشأتم ؟ قالوا من الشام قال : ما فعلت
العرب ؟ قالوا : نحن قوم من العرب ، عم تسأل ؟ قال : ما فعل هذا الرجل الذي خرج
فيكم ؟ قالوا : خيرا ، ناوأه (3) قوم ، وصدقه قوم ، فأظهره الله عز وجل عليهم قال
: فدينهم واحد وإلههم واحد ؟ قالوا : نعم قال : ذاك خير لهم قال : ما فعلت عين زغر
؟ قالوا : خيرا ، يشربون ، ويسقون منها زروعهم قال : فما فعل نخل بين عمان وبيسان
؟ قالوا : يطعم جناه كل عام قال : ما فعلت بحيرة الطبرية ؟ فقالوا : يدفق جنباها ،
كثيرة الماء قال : فزفر (4) عند ذلك ، ثم زفر
(5) ، ثم زفر ، ثم قال : لو قد انفلت من وثاقي هذا لم أترك أرضا إلا وطئتها برجلي
هاتين ، إلا أن تكون طيبة فليس لي عليها سلطان ، فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم : » والذي نفسي بيده ما فيها طريق ضيق ولا واسع ، ولا سهل ولا جبل إلا عليه
ملك شاهر بالسيف إلى يوم القيامة « قال محمد بن
الحسين رحمه الله : ولهذا الحديث طرق جماعة ، حدثناه ابن أبي داود ، في كتاب »
المصابيح «
__________
(1) القيلولة : الاستراحة نصف النهار وإن لم يكن معها
نوم
(2) الجساسة : الدابة التي تتجسس وتجمع الأخبار للدجال
(3) ناوأه : حاربه وعاداه
(4) الزفير : إخراج النفس مع مده
(5) زفر : أخرج نفسه بعْد مدِّه إياه
باب الإيمان بنزول عيسى ابن مريم عليه السلام حكما عدلا
فيقيم الحق ويقتل الدجال
877 - حدثنا الفريابي قال : حدثنا قتيبة بن سعيد قال :
حدثنا الليث بن سعد ، عن سعيد بن أبي سعيد ، عن عطاء بن ميناء ، عن أبي هريرة قال
: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لينزلن ابن مريم حكما عدلا ، فليكسرن
الصليب ، وليقتلن الخنزير ، وليضعن الجزية ، ولتتركن القلاص (1) فلا يسعى عليها ، وليذهبن
الشحناء والتباغض والتحاسد ، وليدعو إلى المال فلا يقبله أحد »
__________
(1) القلاص : جمع القلوص وهي الفتية من الإبل
878 - وحدثنا عمر بن أيوب السقطي قال : حدثنا محمد بن
يزيد أخو كرخويه قال : أنبأنا وهب بن
جرير قال : حدثنا هشام ، عن قتادة ، عن عبد الرحمن بن آدم ، عن أبي هريرة : عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال : « الأنبياء أمهاتهم شتى ، ودينهم واحد ، وأنا أولى
الناس بعيسى ابن مريم ، لأنه لم يكن بيني وبينه نبي ، وإنه نازل ، فإذا رأيتموه
فاعرفوه ، فإنه رجل مربوع إلى الحمرة والبياض ، كأن رأسه يقطر ، وإن لم يصبه بلل ،
وإنه يدق الصليب ، ويقتل الخنزير ، ويضع الجزية ويفيض المال ، ويقاتل الناس على
الإسلام ، حتى يهلك الله عز وجل في إمارته الملل كلها غير الإسلام ، وحتى يهلك
الله عز وجل في إمارته مسيح الضلالة الأعور الكذاب ، وتقع الأمنة في الأرض ، حتى
يرعى الأسد مع الإبل ، والنمر مع البقر ، والذئاب مع الغنم ، وتلعب الصبيان بالحيات
لا يضر بعضهم بعضا ، يلبث أربعين سنة ، ثم يتوفى صلى الله عليه وسلم ، ويصلي عليه
المسلمون »
879 - حدثنا أبو أحمد يوسف بن هارون بن يوسف بن زياد قال
: حدثنا ابن أبي عمر قال : حدثنا سفيان ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي
هريرة : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « يوشك أن ينزل ابن مريم حكما عدلا ، وإماما مقسطا ، يكسر الصليب ، ويقتل الخنزير
، ويضع الجزية ، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد » قال محمد بن الحسين رحمه الله :
والذين يقاتلون مع عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام : أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، والذين يقاتلون عيسى : اليهود مع الدجال ، فيقتل
عيسى الدجال ، ويقتل المسلمون اليهود ، ثم يموت عيسى عليه السلام ، ويصلي عليه
المسلمون ، ويدفن مع النبي صلى الله عليه وسلم ، ومع أبي بكر وعمر رضي الله عنهما
880 - حدثنا أبو جعفر أحمد بن يحيى الحلواني قال : حدثنا
أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا محمد بن بشر العبدي قال : حدثنا عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : « لتقاتلن اليهود ولتقتلنهم حتى إن الحجر ليقول : يا مسلم هذا يهودي ،
فتعال فاقتله »
881 - وحدثنا أبو العباس عبد الله بن الصقر السكري قال :
حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي قال : حدثنا عبد الله بن نافع الصائغ ، عن الضحاك
بن عثمان ، عن يوسف بن عبد الله بن سلام ، عن أبيه قال : « الأقبر الثلاثة : قبر
النبي صلى الله عليه وسلم ، وقبر أبي بكر ، وقبر عمر رضي الله عنهما ، وقبر رابع
يدفن فيه عيسى ابن مريم عليه السلام »
882 - حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي
قال : حدثنا زياد بن أيوب الطوسي قال : حدثنا هشيم قال : أنبأنا حصين ، عن أبي
مالك ، في قول الله عز وجل وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته (1) قال : «
ذلك عند نزول عيسى ابن مريم عليه السلام ، لا يبقى أحد من أهل الكتاب إلا آمن به
»
__________
(1) سورة : النساء آية رقم : 159
883 - حدثنا أبو عبد الله محمد بن مخلد العطار قال : حدثنا
أبو جعفر محمد بن محمد بن سعيد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي ، عن أبيه ، عن
جده ، عن ابن عباس : في قول الله عز وجل وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته
(1) يعني « أنه سيدرك أناس من أهل الكتاب
حين يبعث عيسى ابن مريم فيؤمنوا به ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا
»
__________
(1) سورة : النساء آية رقم : 159
كتاب الإيمان بالميزان : أنه حق توزن به الحسنات
والسيئات
884 - أنا الفريابي قال : حدثنا عبيد الله بن معاذ قال :
حدثنا أبي قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن
أبي عثمان النهدي ، عن سلمان قال : «
يوضع الصراط يوم القيامة وله حد كحد الموسى قال : ويوضع
الميزان ، ولو وضعت في كفته السماوات والأرض وما فيهن لوسعتهم ، فتقول الملائكة :
ربنا لمن تزن بهذا ؟ فيقول : لمن شئت من خلقي ، فيقولون : ربنا ما عبدناك حق
عبادتك »
885 - حدثنا أبو محمد بن صاعد قال : حدثنا الحسين بن
الحسن المروزي قال : أنبأنا عبد
الرحمن بن مهدي قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أبي عثمان النهدي ، عن
سلمان قال : «
يوضع الميزان يوم القيامة ، فلو أن فيه السماوات والأرض
لوسعت ، فتقول الملائكة : يا رب ، لمن تزن بهذا ؟ فيقول لمن شئت من خلقي ، فيقولون
: سبحانك ، ما عبدناك حق عبادتك »
886 - حدثنا الفريابي قال : حدثنا إسحاق بن راهويه قال :
أنبأنا النضر بن شميل قال : حدثنا شعبة ، عن القاسم بن أبي بزة ، قال : سمعت رجلا
يقال له : عطاء يحدث عن أم الدرداء ، عن أبي
الدرداء : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «
ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن من الخلق الحسن
»
887 - حدثنا أبو محمد بن صاعد قال : حدثنا بندار محمد بن
بشار قال : حدثنا محمد بن جعفر يعني غندرا قال : حدثنا شعبة قال : سمعت القاسم بن
أبي بزة يحدث عن عطاء الكيخاراني ، عن أم الدرداء ، عن أبي الدرداء : عن النبي صلى
الله عليه وسلم قال : «
ما من شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق
»
888 - وحدثنا ابن صاعد قال حدثنا عمرو بن علي قال :
حدثنا يحيى بن سعيد قال : حدثنا شعبة قال
: أخبرني القاسم بن أبي بزة ، عن عطاء الكيخاراني ، عن أم الدرداء ، عن أبي
الدرداء : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «
ما من شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق
»
889 - حدثنا أبو أحمد هارون بن يوسف التاجر قال : حدثنا
ابن أبي عمر يعني محمدا العدني قال : حدثنا سفيان بن عيينة قال : حدثنا عمرو بن دينار
، عن ابن أبي مليكة ، عن يعلى بن مملك ، عن أم الدرداء ، عن أبي الدرداء قال
: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
: «
ما من شيء أفضل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن
»
890 - وحدثنا أبو محمد بن صاعد قال : حدثنا محمد بن
سليمان لوين وإبراهيم بن سعيد الجوهري قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن
دينار ، عن ابن أبي مليكة ، عن يعلى بن مملك ، عن أم الدرداء ، عن أبي الدرداء قال
: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «
أثقل شيء يوضع في الميزان : الخلق الحسن
»
891 - وحدثنا أبو جعفر محمد بن صالح بن ذريح العكبري قال
: حدثنا عبد الله بن عامر بن زرارة قال : حدثنا شريك ، عن خلف بن حوشب ، عن ميمون
بن مهران قال : قلت لأم الدرداء : هل سمعت من رسول
الله صلى الله عليه وسلم شيئا ؟ قالت : نعم ، سمعته
يقول : «
إن أول ما يدخل في الميزان الخلق الحسن
»
892 - حدثني أبو حفص عمر بن أيوب السقطي قال : حدثنا
الحسن بن عرفة قال : حدثنا إسماعيل
بن عياش الحمصي ، عن عبد الرحمن بن زياد الإفريقي ، عن عبد الله بن يزيد ، عن عبد
الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «
يؤتى يوم القيامة برجل إلى الميزان ، ويؤتى بتسعة وتسعين
سجلا ، كل سجل منها مد البصر ، فيها خطاياه وذنوبه ، فتوضع في كفة الميزان ، ثم يخرج
بطاقة بقدر أنملة فيها : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، فتوضع
في الكفة الأخرى ، فترجح بخطاياه وذنوبه »
893 - أنا الفريابي قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال
: حدثنا سفيان بن عيينة ، عن عمرو هو ابن دينار عن عبيد بن عمير قال
:
يؤتى بالرجل الطويل العظيم يوم القيامة ، فيوضع في
الميزان ، فلا يزن عند الله جناح بعوضة وقرأ فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا (1)
__________
(1) سورة : الكهف آية رقم : 105
894 - أنا الفريابي قال : حدثنا أبو كريب قال : حدثنا
عبد الله بن إدريس قال : أنبأنا ليث ، عن
أبي الزبير ، عن عبيد بن عمير ، في « العتل » قال : « هو القوي الشديد الأكول
الشروب ، يوضع في الميزان ، فلا يزن شعيرة ، يدفع الملك من أولئك سبعين ألفا دفعة
واحدة في النار »
895 - وأنبأنا الفريابي قال : حدثنا أحمد بن سنان قال :
حدثنا يحيى بن إسحاق السيلحيني قال : أنبأنا ابن لهيعة ، عن خالد بن أبي عمران ،
عن القاسم بن محمد ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : قلت : يا رسول الله ، هل يذكر
الحبيب حبيبه يوم القيامة ؟ قال : « أما عند ثلاث فلا ، أما عند الميزان حتى يميل
أو يخف فلا ، وأما عند الكتب حتى يعطى الكتاب بيمينه أو بشماله فلا ، وأما حين يخرج
عنق من النار ، فيقول ذلك العنق : وكلت بثلاثة ، وكلت بالذي ادعى مع الله إلها آخر
، ووكلت بكل جبار عنيد ، وبكل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب »
896 - حدثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قال : حدثنا
حميد بن عياش الرملي قال : حدثنا مؤمل بن إسماعيل قال : حدثنا مبارك ، عن الحسن
قال : قالت : عائشة رضي الله عنها : بينا رسول الله
في حجري ، فذكرت قربه مني في الدنيا ، وتباعد الناس بأعمالهم في الآخرة ، فبكيت ،
فقال لي : « ما يبكيك يا عائشة ؟ » فقلت : ذكرت قربك مني في الدنيا ، وتباعد الناس
بأعمالهم في الآخرة ،
هل تذكرون أهليكم يوم القيامة يا رسول الله ؟ قال : «
أما في ثلاثة مواطن ، إذا تطايرت الصحف ، وقيل هاؤم اقرءوا كتابيه (1) لم يذكر أحد
أحدا حتى يعلم : أبيمينه يعطى أم بشماله ؟ وإذا وضعت
الأعمال في الميزان لم يذكر أحد أحدا ، حتى يعلم : أيثقل ميزانه أم يخف ؟ وإذا حمل
الناس على الصراط لم يذكر أحد أحدا ، حتى يعلم : ينجو أم لا ؟
»
__________
(1) سورة : الحاقة آية رقم : 19
897 - وأنبأنا الفريابي قال : حدثنا هشام بن عمار
الدمشقي قال : حدثنا صدقة بن خالد قال : حدثنا عثمان بن أبي العاتكة ، عن علي بن
يزيد ، عن القاسم ، عن أبي أمامة قال : لما نزلت وأنذر عشيرتك الأقربين (1) الآية
جمع النبي صلى الله عليه وسلم بني هاشم ، فأجلسهم على الباب ، وجمع نساءه وأهله ،
فأجلسهم في البيت ، ثم اطلع فقال : يا بني هاشم ،
اشتروا أنفسكم من الله عز وجل ، لا يغرنكم قرابتكم مني ،
فإني لا أملك لكم من الله شيئا ، ثم أقبل على أهل بيته فقال : يا عائشة بنت أبي
بكر ، ويا حفصة بنت عمر ، ويا أم سلمة ، ويا فاطمة بنت محمد ، يا أم الزبير يا عمة
النبي : اشتروا أنفسكم من الله عز وجل ، واسعوا في فكاك رقابكم ، فإني لا أملك لكم
من الله عز وجل شيئا ، فبكت عائشة ، ثم قالت : أي حبي ، وهل يكون ذلك يوم لا تغني
عني شيئا ؟ فقال : نعم ، في ثلاثة مواطن : يقول الله عز وجل ونضع الموازين القسط ليوم
القيامة (2) وقال عز وجل فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ، ومن خفت موازينه
فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون (3) فعند ذلك لا أغني عنكم من الله شيئا
، وعند النور : من شاء الله عز وجل أتم نوره ، ومن شاء تركه في الظلمة يعمه فيها ،
فلا أملك لكم من الله عز وجل شيئا ، وعند الصراط ، من شاء الله عز وجل سلمه وأنجاه
، ومن شاء كبكبه (4) في النار « قالت عائشة رضي
الله عنها : أي حبي ، قد علمنا أن الموازين هي الكفتان يوضع في هذا الشيء ، وفى
هذا الشيء فترجح إحداهما ، وتخف إحداهما ، وقد علمنا النور والظلمة ، فما الصراط ؟
قال : » طريق بين الجنة والنار ، يجاز الناس عليها ، وهى مثل حد الموسى ،
والملائكة صافون يمينا وشمالا يتخطفونهم بالكلاليب ، مثل شوك السعدان ، وهم يقولون
: رب سلم سلم ، وأفئدتهم هواء ، فمن شاء الله سلمه ، ومن شاء كبكبه فيها
«
__________
(1) سورة : الشعراء آية رقم : 214
(2) سورة : الأنبياء آية رقم : 47
(3) سورة : المؤمنون آية رقم : 102
(4) الكبكبة : الإلقاء على الوجه
898 - حدثنا أبو بكر محمد بن محمد بن سليمان الباغندي
قال : حدثنا هشام بن عمار الدمشقي قال : حدثنا معاوية بن يحيى الأطرابلسي قال :
حدثنا محمد بن الوليد الزبيدي ، عن جبير بن نفير ، عن سبرة بن فاتك قال : قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم : «
الميزان بيد الله عز وجل يرفع قوما ويضع قوما » وذكر
الحديث
899 - حدثنا أبو الفضل جعفر بن محمد الصندلي قال : حدثنا
زهير بن محمد المروزي قال : حدثنا المؤمل بن الفضل ، ومحمد بن سعيد الأصبهاني قالا
: حدثنا الوليد بن مسلم قال : سمعت عبد الرحمن بن يزيد بن جابر يقول : حدثني بسر
بن عبيد الله الحضرمي ، أنه سمع أبا إدريس الخولاني يقول : سمعت النواس بن سمعان
يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «
الميزان بيد الرحمن تبارك وتعالى ، يرفع أقواما ، ويخفض
آخرين إلى يوم القيامة » وقال ابن الأصبهاني : « والميزان بيد رب العالمين » قال
محمد بن الحسين رحمه الله تعالى : وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
« رأيتني دخلت الجنة ، فأوتيت بكفة ميزان ، فوضعت فيها ، وجيء بأمتي ، فوضعت في
الكفة الأخرى ، فرجحت بأمتي » وذكر الحديث فنعوذ بالله ممن يكذب بالميزان
كتاب الإيمان والتصديق بأن الجنة والنار مخلوقتان وأن
نعيم الجنة لا ينقطع عن أهلها أبدا وأن عذاب النار لا ينقطع عن أهلها أبدا قال
محمد بن الحسين رحمه الله : اعلموا رحمنا الله وإياكم أن القرآن شاهد أن الله عز
وجل خلق الجنة والنار قبل أن يخلق آدم عليه الصلاة والسلام ، وخلق للجنة أهلا ،
وللنار أهلا ، قبل أن يخرجهم إلى الدنيا ، لا يختلف في هذا من شمله الإسلام ، وذاق
حلاوة طعم الإيمان ، دل على ذلك القرآن والسنة ، فنعوذ بالله ممن يكذب بهذا ، فإن
قال قائل : بين لنا ذلك ، قيل له : أليس خلق الله عز وجل آدم وحواء عليهما السلام
، وأسكنهما الجنة ؟ وقال عز وجل في سورة البقرة وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة
وكلا منها رغدا حيث شئتما ، ولا تقربا هذه الشجرة ، فتكونا من الظالمين (1) وقال
عز وجل في سورة الأعراف يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ،
ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما (2) الآية ، وقال عز وجل في سورة طه وإذ قلنا
للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا
يخرجنكما من الجنة فتشقى إن لك أن لا تجوع فيها ولا تعرى وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى
فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى فأكلا منها
فبدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وقال عز وجل في سورة ص لإبليس
فاخرج منها فإنك رجيم (3) الآية فأخرج الله عز وجل آدم وحواء من الجنة ، ثم تاب
عليهما ، ووعدهما أن يردهما إلى الجنة ، ولعن إبليس وأخرجه من الجنة ، وأيسه من
الرجوع إلى الجنة
__________
(1) سورة : البقرة آية رقم : 35
(2) سورة : الأعراف آية رقم : 27
(3) سورة : الحجر آية رقم : 34
900 - حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد العطشي قال :
حدثنا العباس بن عبد الله الترقفي ، قال : حدثنا محمد بن يوسف الفريابي قال :
حدثنا قيس ، عن ابن أبي ليلى ، عن المنهال بن عمرو ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن
عباس في قوله عز وجل فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه (1) قال : أي رب ألم تخلقني
بيدك ؟ قال بلى قال : أي رب : ألم تنفخ في من روحك ؟ قال : بلى قال : أي رب ألم
تسبق رحمتك إلي قبل غضبك ؟ قال : بلى قال : أي رب ألم تسكني جنتك ؟ قال : بلى قال
: أي رب أرأيت إن تبت وأصلحت أراجعي أنت إلى الجنة ؟ قال : نعم
__________
(1) سورة : البقرة آية رقم : 37
901 - أنبأنا الفريابي قال : أنا هشام بن عمار الدمشقي
قال : حدثنا الوليد بن مسلم قال : قال أبو عمرو الأوزاعي ، عن حسان بن عطية قال
: «
بكى آدم عليه السلام على الجنة ستين عاما ، وعلى ابنه
حين قتل أربعين عاما »
902 - حدثنا أبو بكر محمد بن هارون العسكري قال : حدثنا
إبراهيم بن الجنيد الختلي قال : حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثني يحيى بن إسحاق
قال : حدثنا عمارة بن زاذان الصيدلاني ، عن يزيد الرقاشي قال :
لما طال بكاء آدم عليه السلام على الجنة ، قيل له في ذلك
، فقال : أبكي على جوار ربي عز وجل في دار تربتها طيبة ، أسمع فيها أصوات الملائكة
قال محمد بن الحسين رحمه الله : وسنذكر من السنن الثابتة في أن الله عز وجل قد خلق
الجنة والنار ، وأعد في كل واحدة لأهلها ما شاء ، مما لا يدفعها العلماء ، والحمد
لله على ذلك
903 - أنبأنا الفريابي قال : حدثنا إسحاق بن راهويه وقال
: أخبرنا الفضل بن موسى قال : حدثنا محمد بن عمرو قال :
حدثنا أبو سلمة ، عن أبي هريرة : عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
: «
لما خلق الله تبارك وتعالى الجنة والنار ، أرسل جبريل
عليه السلام إلى الجنة فقال : انظر إليها ، وإلى ما أعددت لأهلها فيها ، فنظر
إليها ، فرجع إليه عز وجل ، فقال : وعزتك لا يسمع بها أحد إلا دخلها ، فأمر بها
فحجبت بالمكاره ، فقال اذهب فانظر إليها ، فنظر إليها فإذا هي قد حجبت بالمكاره ،
فقال : وعزتك ، لقد خشيت أن لا يدخلها أحد ، ثم قال : اذهب فانظر إلى النار وإلى
ما أعددت لأهلها فيها ، فنظر إليها ، فإذا هي يركب بعضها بعضا ، فرجع فقال : وعزتك
لا يدخلها أحد فأمر بها فحفت بالشهوات ، فقال : ارجع إليها فرجع فقال
: وعزتك ، لقد خشيت أن لا ينجو منها أحد إلا دخلها »
وأنبأنا الفريابي قال : حدثنا وهب بن
بقية قال : أنبأنا خالد بن عبد الله الواسطي ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن
أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال . . . . . فذكر مثله
904 - حدثنا أبو شعيب عبد الله بن الحسن الحراني قال :
حدثنا عبد العزيز بن أبي رواد الحراني قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن
أنس بن مالك : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «
حفت الجنة بالمكاره ، وحفت النار بالشهوات
»
905 - وحدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز
البغوي قال : حدثنا أبو نصر التمار ، وعبيد الله بن محمد العيشي قالا : حدثنا حماد
بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
: «
حفت النار بالشهوات ، وحفت الجنة بالمكاره
»
906 - حدثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قال : حدثنا
يوسف بن موسى القطان ، ومحمد بن إسماعيل البخاري ، وأحمد بن الوليد بن أبان قالوا
: حدثنا إسماعيل بن أبي أويس قال : حدثني مالك بن أنس ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج
، عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «
حجبت النار بالشهوات ، وحجبت الجنة بالمكاره
»
907 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا علي بن الجعد قال
: أخبرني صخر بن جويرية قال : سمعت أبا رجاء قال : حدثنا ابن عباس قال : قال محمد
صلى الله عليه وسلم : «
اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء والمساكين ،
وإلى النار أو في النار فرأيت أكثر أهلها النساء »
908 - وأنبأنا أبو عبيد علي بن الحسين بن حرب القاضي قال
: حدثنا أبو الأشعث قال : حدثنا محمد بن عبد الرحمن قال : حدثنا أيوب ، عن أبي
رجاء قال : سمعت ابن عباس يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
: «
اطلعت في النار ، فرأيت أكثر أهلها النساء ، واطلعت في
الجنة ، فإذا أكثر أهلها الفقراء »
909 - أنا أبو علي الحسن بن محمد بن شعبة الأنصاري قال :
حدثنا أحمد بن بديل اليامي قال : حدثنا ابن فضيل قال حدثنا عطاء بن السائب ، عن
عون بن عبد الله بن عتبة ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم : «
اختصمت الجنة والنار ، فقالت النار : مالي يدخلني المتكبرون
وأصحاب الأموال ؟ وقالت : الجنة : مالي لا يدخلوني إلا الضعفاء والمساكين ؟ فقال
الله عز وجل للجنة : أنت رحمتي ، أدخلك من شئت ، وقال للنار : أنت عذابي ، أعذب بك
من شئت ، كلاكما سأملأ »
910 - وحدثنا أبو أحمد هارون بن يوسف قال : حدثنا ابن
أبي عمر يعني محمدا العدني قال : حدثنا سفيان بن
عيينة ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «
احتجت النار والجنة ، فقالت هذه : يدخلني الجبارون والمتكبرون ، وقالت هذه : يدخلني الضعفاء والمساكين ، فقال
الله عز وجل لهذه : أنت عذابي أصيب بك من أشاء وربما قال : أعذب بك من أشاء وقال
لهذه : أنت رحمتي أرحم بك من أشاء ، ولكل واحدة مني منهما ملؤها »
911 - حدثنا الفريابي قال : حدثنا قتيبة بن سعيد ، عن
مالك بن أنس ، عن نافع ، عن ابن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « إن
أحدكم إذا مات عرض على مقعده بالغداة (1) والعشي (2) ، إن كان من أهل الجنة فمن
أهل الجنة ، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار ، يقال : هذا مقعدك حتى يبعثك
الله عز وجل إليه يوم القيامة »
__________
(1) الغداة : ما بين الفجر وطلوع الشمس
(2) العشي : ما بين زوال الشمس إلى وقت غروبها
912 - وحدثنا الفريابي قال : حدثنا عبد الرحمن بن
إبراهيم الدمشقي قال : حدثنا ابن أبي فديك قال : حدثنا ابن أبي ذئب ، عن محمد بن
عمرو بن عطاء ، عن سعيد بن يسار ، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
: «
إن الميت تحضره الملائكة ، فإذا كان الرجل الصالح قالوا
: اخرجي أيتها النفس الطيبة ، كانت في الجسد الطيب ، اخرجي حميدة ، وأبشري بروح ،
وريحان ورب غير غضبان قال : فيقولون ذلك حتى تخرج وذكر الحديث بطوله قال : فيجلس
الرجل الصالح في قبره غير فزع ثم يقال : فيم كنت ؟ فيقول : في الإسلام قال
: فيقال : ما هذا الرجل ؟ فيقول : محمد رسول الله صلى
الله عليه وسلم جاءنا بالبينات من قبل الله عز وجل ، فآمنا وصدقنا ، فيفرج له فرجة
من قبل النار ، فينظر إليها يحطم بعضها بعضا ، فيقال : انظر إلى ما وقاك الله عز
وجل ثم يفرج له فرجة إلى الجنة ، فينظر إلى زهرتها وما فيها ، فيقال : هذا مقعدك
» وذكر الحديث
913 - وحدثنا الفريابي قال : حدثنا قتيبة بن سعيد ، عن
مالك بن أنس ، عن ابن شهاب ، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ، أن أباه كعب بن مالك
كان يحدث أن رسول الله قال : «
إنما نسم المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة ، حتى يرجعه
الله عز وجل في جسده يوم يبعثه »
914 - وأنبأنا الفريابي قال : حدثنا عثمان بن أبي شيبة
قال : حدثنا عبد الله بن إدريس ، عن محمد بن إسحاق ، عن إسماعيل بن أمية ، عن أبي
الزبير ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
:
لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله عز وجل أرواحهم في أجواف
طير خضر ، ترد أنهار الجنة ، وتأكل من ثمارها ، وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في
ظل العرش ، فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم (1) ، قالوا : من يبلغ إخواننا
عنا : أنا أحياء في الجنة نرزق ، لئلا
يزهدوا في الجهاد ، ولا ينكلوا (2) عند الحرب ؟ قال فقال الله عز وجل : أنا أبلغهم
فأنزل الله تعالى : ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا ، بل أحياء عند
ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله (3) الآية
__________
(1) المقيل : المستقر والمأوى والمنزل ، وأصله المكان
الذي يُستراح فيه عند الظهيرة
(2) نكل : جبن ورجع عن الأمر وانصرف عنه
(3) سورة : آل عمران آية رقم : 169
915 - حدثنا أبو بكر محمد بن الليث الجوهري قال : حدثنا
محمد بن سليمان لوين قال : حدثنا أبو الأحوص ، عن أبي إسحاق ، عن بريد بن أبي مريم
، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «
من سأل الله عز وجل الجنة ثلاث مرات ، قالت الجنة :
اللهم أدخله الجنة ، ومن استجار الله تعالى من النار ثلاث مرات ، قالت النار :
اللهم أجره من النار » وحدثنا ابن صاعد قال : حدثنا محمد بن سليمان لوين وذكر
الحديث مثله
916 - وحدثنا عمر بن أيوب السقطي قال : حدثنا الحسن بن
عرفة قال : حدثنا عباد بن عباد المهلبي ، عن هشام بن زياد ، عن يحيى بن عبد الرحمن
، عن عطاء ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
: «
إن الله عز وجل خلق الجنة بيضاء ، وإن أحب الزي إلى الله
عز وجل البياض ، فليلبسه أحدكم وكفنوا فيه موتاكم »
917 - حدثنا أبو بكر قاسم بن زكريا المطرز قال : حدثنا
أبو كريب محمد بن العلاء قال : حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ،
عن أبي هريرة : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إذا كان أول ليلة من شهر رمضان
صفدت (1) الشياطين ، ومردة (2) الجن ، وغلقت أبواب النار ، فلم يفتح منها باب ،
وفتحت أبواب الجنان ، فلم يغلق منها باب ، وينادي مناد : يا باغي الخير أقبل ، ويا
باغي الشر أقصر ولله تعالى عتقاء من النار في كل ليلة »
__________
(1) صفدت : قيدت بالسلاسل والأغلال
(2) المردة : جمع مارد ، وهو العاتي الشديد
918 - أنا الفريابي قال : حدثنا إبراهيم بن عبد الله
الهروي قال : حدثنا خلف بن خليفة ، عن يزيد بن كيسان ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة
قال : بينا نحن يوما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ سمعنا وجبة (1) فقال لنا
النبي صلى الله عليه وسلم : « أتدرون ما هذا ؟ قلنا : الله ورسوله أعلم قال
:
هذا حجر أرسل في جهنم منذ سبعين خريفا الآن حين انتهى
إلى قعرها »
__________
(1) الوجبة : السقطة مع هدة وصدمة، وتطلق على وقوع الشيء
أو الحدث بغتة
919 - وأنبأنا الفريابي قال : أنبأنا إسحاق بن راهويه
قال : أنبأنا أبو معاوية ، عن يزيد الرقاشي ، عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم سمع دويا (1) فقال لجبريل : « ما هذا ؟ » فقال : «
حجر ألقي من شفير (2) جهنم منذ سبعين خريفا ، الآن حين استقر قرارها » قال أبو بكر
: هكذا أصبته في الأصل قال الشيخ : هكذا أصبته في الأصل عن يزيد الرقاشي فلا أدري
سقط على ، أم هو مرسل وأكثر الأحاديث : أبو معاوية عن الأعمش ، عن يزيد الرقاشي
والله أعلم عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع دويا فقال لجبريل عليه
السلام : « ما هذا ؟ » قال : « حجر ألقي في
شفير جهنم من سبعين خريفا الآن حين استقر قرارها » قال محمد بن الحسين رحمه الله :
هذه السنن وغيرها مما يطول ذكرها تدل العقلاء ، وغيرهم ممن لم يكتب العلم على أن
الله عز وجل قد خلق الجنة والنار وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم : « أنه قال
: » دخلت الجنة « في غير حديث ، سنذكر منها ما ينبغي ذكره ، كل ذلك ليعرف الناس :
أن الله عز وجل قد خلق الجنة والنار
__________
(1) الدوي : صوت ليس بالعالي كصوت النحل وغيره
(2) الشفير : الحرف والجانب والناحية
920 - حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا محمد بن
عبد الملك بن زنجويه قال : حدثنا أبو اليمان
قال : حدثنا إسماعيل بن عياش ، عن عمارة بن غزية : أنه سمع حميد بن عبيد مولى بني
المعلى يقول : سمعت ثابتا البناني يحدث عن أنس بن مالك : عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم أنه قال لجبريل عليه السلام : « مالي لم أر
ميكائيل ضاحكا قط ؟ » فقال : « ما ضحك ميكائيل منذ خلقت النار
»
921 - وحدثنا ابن أبي داود قال : حدثنا محمد بن عوف قال
: حدثنا أبو اليمان قال أنبأنا شعيب ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة قال
: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «
ناركم هذه التي توقد بنو آدم جزء واحد من سبعين جزءا من
نار جهنم » فقيل : والله إن كانت لكافية يا رسول الله قال : « فإنها فضلت عليها
بتسعة وستين جزءا ، كلهن مثل حرها » ولهذا الحديث
طرق والله أعلم
باب دخول النبي صلى الله عليه وسلم الجنة قال محمد بن
الحسين رحمه الله : قد تقدم ذكرنا في الباب الذي مضى مثل قوله صلى الله عليه وسلم
: « اطلعت في الجنة ، فرأيت أكثر أهلها الفقراء ، واطلعت في النار ، فرأيت أكثر
أهلها النساء » وسنذكر في هذا الباب مالا يجهله العلماء بالحديث أنه الحق
922 - أنا أبو بكر جعفر بن محمد الفريابي قال : حدثنا
عبد الأعلى بن حماد النرسي قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد بن أبي
عروبة ، عن قتادة ، أن أنس بن مالك أنبأهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
« بينا أنا أسير في الجنة إذ عرض لي نهر حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف ، فقال الملك :
أتدري ما هذا ؟ هذا الكوثر الذي أعطاك ربك ، وضرب بيده إلى أرضه فأخرج من طينه
المسك »
923 - وحدثنا أبو محمد بن صاعد قال : حدثنا الحسين بن
الحسن المروزي قال : ثنا محمد بن أبي عدي قال : حدثنا حميد الطويل ، عن أنس قال :
قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم : « دخلت الجنة ، فرأيت فيها نهرا ، حافتاه
خيام اللؤلؤ ، فضربت بيدي إلى ما يجري فيه الماء ، فإذا مسك أذفر ، فقلت : يا
جبريل : ما هذا ؟ قال : هذا الكوثر الذي
أعطاكه الله عز وجل »
924 - وأنبأنا أبو جعفر محمد بن صالح بن ذريح العكبري
قال : حدثنا هناد بن السري قال : حدثنا عبيدة بن حميد ، عن حميد الطويل ، عن أنس
قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « دخلت الجنة فإذا أنا بنهر حافتاه خيام
اللؤلؤ ، فضربت بيدي في مجرى مائه ، فإذا مسك أذفر (1) ، فقلت : يا جبريل : ما هذا
؟ قال : هذا الكوثر الذي أعطاكه الله عز وجل »
__________
(1) أذفر : جيد إلى الغاية رائحته شديدة
925 - حدثنا أبو بكر قاسم بن زكريا المطرز قال : حدثنا
أبو كريب قال : حدثنا أبو بكر بن عياش قال : حدثنا حميد الطويل ، عن أنس بن مالك
قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أدخلت الجنة ، فرفع لي فيها قصر ،
فقلت : لمن هذا ؟ فقالوا : لرجل من قريش فظننت أني أنا هو ، فقلت : من هو ؟ فقالوا
: عمر بن الخطاب » وذكر باقي الحديث . قال أبو بكر بن
عياش : قلت لحميد : في النوم أو في اليقظة ؟ قال : « لا » ، بل في اليقظة
«
926 - وحدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد
الواسطي قال : حدثنا محمد بن رزق الله الكلوذاني قال : حدثنا زيد بن الحباب قال :
حدثني الحسين بن واقد قال : حدثني عبد الله
بن بريدة الأسلمي قال : سمعت أبي يقول : أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما
فقال : « إني دخلت الجنة البارحة (1) ، فرأيت فيها قصرا مربعا من ذهب ، فقلت : لمن
هذا القصر ؟ فقيل : لرجل من العرب ، فقلت : فأنا من العرب ، فلمن هو ؟ فقيل : لرجل من المسلمين ، ومن أمة محمد صلى الله
عليه وسلم فقلت : فأنا محمد ، فلمن هذا القصر ؟ فقيل : لعمر بن الخطاب ، فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم : » فلولا غيرتك يا عمر لدخلت القصر فقال له عمر : يا
رسول الله ، ما كنت لأغار عليك «
__________
(1) البارحة : أقرب ليلة مضت
927 - حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز
قال : حدثنا كامل بن طلحة الجحدري قال : حدثنا الليث بن سعد ، عن عقيل بن خالد ،
عن ابن شهاب ، عن ابن المسيب ، : أن أبا هريرة قال : بينا نحن عند رسول الله صلى
الله عليه وسلم ، فقال : « بينا أنا نائم رأيتني في الجنة ، فإذا أنا بامرأة شوهاء
يعني : حسناء إلى جانب قصر ، فقلت : لمن هذا القصر ؟ قالوا : لعمر ، فذكرت غيرتك ،
فوليت مدبرا قال أبو هريرة : فبكى عمر فقال : » بأبي وأمي ، أعليك أغار ؟
«
928 - حدثنا ابن صاعد أبو محمد قال : حدثنا بحر بن نصر
الخولاني قال : حدثنا عبد الله بن وهب قال : حدثني زمعة بن صالح ، عن عيسى بن عاصم
، عن زر بن حبيش ، عن أنس بن مالك قال : صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
صلاة الصبح ، فبينا هو في الصلاة مد يده ثم أخرها ، فلما فرغ من الصلاة قلنا : يا
رسول الله ، صنعت في صلاتك هذه ، ما لم تصنعه في صلاة قبلها ؟ قال : « إني أريت
الجنة عرضت علي ورأيت فيها دالية قطوفها دانية ، حبها كالدبا فأردت أن أتناول منها
، فأوحي إلي : أن استأخر ، فاستأخرت ، ثم عرضت علي النار بيني وبينكم ، حتى رأيت
ظلي وظلكم ، فأومأت إليكم أن استأخروا » وذكر الحديث والله أعلم
باب ذكر الإيمان بأن أهل الجنة خالدون فيها أبدا وأن أهل
النار من الكفار والمنافقين خالدون فيها أبدا قال محمد بن الحسين رحمه الله تعالى
: بيان هذا في كتاب الله عز وجل ، وفى سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال
الله تعالى في سورة النساء : والذين آمنوا
وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار ، خالدين فيها أبدا ، لهم
فيها أزواج مطهرة ، وندخلهم ظلا ظليلا (1) وقال عز وجل : والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار ،
خالدين فيها أبدا ، وعد الله حقا ، ومن أصدق من الله قيلا (2) وقال عز وجل في سورة
المائدة : هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم ، لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين
فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه (3) الآية . وقال عز وجل في سورة براءة : الذين
آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم ، أعظم درجة عند الله ،
وأولئك هم الفائزون (4) إلى قوله عز وجل أجر عظيم (5) وقال عز وجل : والسابقون
الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه
وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا (6) الآية . وقال عز وجل في
سورة الحجر : ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين ، لا يمسهم فيها
نصب وما هم منها بمخرجين (7) وقال عز وجل في سورة الكهف : إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات
كانت لهم جنات الفردوس نزلا ، خالدين فيها لا يبغون عنها حولا (8)
وقال عز وجل في سورة الواقعة : وأصحاب اليمين ما أصحاب
اليمين (9) إلى آخر الآية ، وقال عز وجل في سورة التغابن : ومن يؤمن بالله ويعمل
صالحا يكفر عنه سيئاته ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك
الفوز العظيم (10) وقال عز وجل في سورة لم يكن : إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك
هم خير البرية ، جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا
(11) إلى آخر السورة قال محمد بن الحسين رحمه الله : ولهذا في القرآن نظائر كثيرة تخبر أن المتقين في الجنة خالدين آمنين لا يذوقون
فيها الموت أبدا ، ولا يخرجون من الجنة أبدا ، قال الله عز وجل إن المتقين في مقام
أمين ، في جنات وعيون ، يلبسون من سندس وإستبرق متقابلين (12) إلى قوله ووقاهم عذاب الجحيم (13) قال محمد بن الحسين : وقد ذكر الله تعالى
في كتابه أن أهل النار الذين هم أهلها ، يخلدون فيها أبدا ، قال الله عز وجل في
سورة النساء : إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ، ولا ليهديهم طريقا ،
إلا طريق جهنم خالدين فيها أبدا وكان ذلك على الله يسيرا (14) وقال عز وجل في سورة
الأحزاب : إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا (15) إلى أخر الآية ، وقال عز وجل
: ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال : إنكم ماكثون (16) وقال عز وجل : لا يقضى
عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور (17) وقال عز وجل في
سورة الجاثية : وأما الذين كفروا : أفلم تكن آياتي تتلى عليكم فاستكبرتم وكنتم
قوما مجرمين (18) إلى قوله وقيل اليوم ننساكم كما نسيتم
لقاء يومكم هذا (19) إلى قوله منها ولا هم يستعتبون (20) قال محمد بن الحسين رحمه
الله : فالقرآن شاهد : أن أهل الجنة خالدون فيها أبدا في جوار الله عز وجل ، في
النعيم يتقلبون ، قال الله عز وجل : وفاكهة كثيرة ، لا مقطوعة ولا ممنوعة ، وفرش
مرفوعة (21) الآية . وأهل النار الذين هم أهلها في
العذاب الشديد أبدا لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون (22)
__________
(1) سورة : النساء آية رقم : 57
(2) سورة : النساء آية رقم : 122
(3) سورة : المائدة آية رقم : 119
(4) سورة : التوبة آية رقم : 20
(5) سورة : آل عمران آية رقم : 172
(6) سورة : التوبة آية رقم : 100
(7) سورة : الحجر آية رقم : 47
(8) سورة : الكهف آية رقم : 107
(9) سورة : الواقعة آية رقم : 27
(10) سورة : التغابن آية رقم : 9
(11) سورة : البينة آية رقم : 7
(12) سورة : الدخان آية رقم : 51
(13) سورة : الدخان آية رقم : 56
(14) سورة : النساء آية رقم : 168
(15) سورة : الأحزاب آية رقم : 64
(16) سورة : الزخرف آية رقم : 77
(17) سورة : فاطر آية رقم : 36
(18) سورة : الجاثية آية رقم : 31
(19) سورة : الجاثية آية رقم : 34
(20) سورة : الجاثية آية رقم : 35
(21) سورة : الواقعة آية رقم : 32
(22) سورة : الزخرف آية رقم : 75
929 - أنبأنا الفريابي قال : حدثنا إسحاق بن راهويه قال
: أنبأنا النضر بن شميل ، عن حماد بن سلمة ، عن عاصم بن أبي النجود ، عن أبي صالح
، عن أبي هريرة : عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « يجاء بالموت يوم
القيامة ، كأنه كبش أملح أعفر فيوقف بين الجنة والنار ، ثم يقال : يا أهل الجنة ، فيشرئبون
(1) فينظرون ، ثم يقال : يا أهل النار ، فيشرئبون فينظرون ، فيرون أن الفرج قد جاء
، فيدعى ، فيذبح بين الجنة والنار ويقال : يا أهل الجنة ، خلود لا موت فيه ، ويا
أهل النار خلود لا موت فيه » قال إسحاق : قال النضر : معنى أعفر : الذي منه بياض وسواد
__________
(1) اشرأب : رفع رأسه ومد عنقه وتطاول
930 - وأنبأنا الفريابي قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة
، وعلي بن المديني ، قالا : حدثنا أبو معاوية محمد بن خازم قال : حدثنا الأعمش ،
عن أبي صالح ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «
يؤتى بالموت يوم القيامة ، كأنه كبش أملح (1) فيوقف بين الجنة والنار ، فيقال
: يا أهل الجنة ، تعرفون هذا : فيشرئبون (2) وينظرون
ويقولون هذا الموت ، ويقال يا أهل النار تعرفون هذا : فيشرئبون وينظرون ويقولون
هذا الموت فيؤمر به فيذبح ، ثم يقال : يا أهل الجنة خلود ولا موت ، ويا أهل النار
خلود ولا موت » ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر
، وهم في غفلة وهم لا يؤمنون (3) ولهذين الحديثين طرق جماعة
__________
(1) الأملح : الذي بياضه أكثر من سواده ، وقيل هو النقي
البياض
(2) اشرأب : رفع رأسه ومد عنقه وتطاول
(3) سورة : مريم آية رقم : 39
باب فضائل النبي صلى الله عليه وسلم قال محمد بن الحسين
الآجري رحمه الله : الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ،
والحمد لله على كل حال ، وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم أما بعد فإنه مما
ينبغي لنا أن نبينه للمسلمين من شريعة الحق التي ندبهم الله عز وجل إليها وأمرهم
بالتمسك بها وحذرهم الفرقة في دينهم ، وأمرهم بلزوم الجماعة ، وأمرهم بطاعته وطاعة
رسوله صلى الله عليه وسلم ، فإني أبين لهم فضل نبيهم صلى الله عليه وسلم ، ليعلموا
قدر ما خصهم الله عز وجل به إذ جعلهم من أمته ليشكروا الله على ذلك . قال الله عز
وجل : كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ، ويزكيكم ويعلمكم الكتاب
والحكمة ، ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون فاذكروني أذكركم ، واشكروا لي ولا تكفرون
(1) قال محمد بن الحسين رحمه الله : قبيح بالمسلمين أن يجهلوا معرفة فضائل نبيهم
صلى الله عليه وسلم ، وما خصه الله عز وجل به من الكرامات والشرف في الدنيا
والآخرة ، وقد رسمت في هذه أربعة أجزاء مختصرة حسنة جميلة ، مما خص الله عز وجل به
النبي صلى الله عليه وسلم حالا بعد حال ، وقد أحببت أن أذكر في هذا الكتاب الذي
وسمته بكتاب الشريعة من فضائل نبينا صلى الله عليه وسلم ما لا ينبغي للمسلمين جهله
، بل يزيدهم علما وفضلا وشكرا لمولاهم الكريم ، والله الموفق لما قصدت له ،
والمعين عليه إن شاء الله
__________
(1) سورة : البقرة آية رقم : 151
باب ذكر ما نعت الله عز وجل به نبيه محمدا صلى الله عليه
وسلم في كتابه من الشرف العظيم مما تقر به أعين المؤمنين قال محمد بن الحسين رحمه
الله : اعلموا رحمنا الله وإياكم أن الله جل
ذكره شرف نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بأعلى الشرف ، ونعته بأحسن النعت ، ووصفه
بأجمل الصفة ، وأقامه في أعلى الرتب ، أخبرنا مولانا الكريم : أنه بعثه بشيرا
ونذيرا ، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا فقال الله عز وجل : يا أيها النبي
إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا ، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ، وبشر
المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا (1) وقال عز وجل : إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا
، وإن من أمة إلا خلا فيها نذير (2) قال محمد بن الحسين : فقد حذر صلى الله عليه
وسلم ، وأنذر وبشر وما قصر ثم أخبرنا مولانا الكريم : أن محمدا صلى الله عليه وسلم
دعوة أبيه إبراهيم عليه السلام ، ودعوة ابنه إسماعيل عليه السلام ، وبشر به عيسى
ابن مريم عليه الصلاة والسلام ، قال الله عز وجل : وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت
وإسماعيل ، ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن
ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا ، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ، ربنا
وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ، ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت
العزيز الحكيم (3) قال محمد بن الحسين رحمه الله : فاستجاب الله عز وجل لإبراهيم وإسماعيل
عليهما الصلاة والسلام واختص من ذريتهما من أحب وهو محمد صلى الله عليه وسلم من
أشرف قريش نسبا ، وأعلاها قدرا ، وأكرمها بيتا وأفضلها عنده ، فبعثه بشيرا ونذيرا
، وقال عز وجل : وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم ،
مصدقا لما بين يدي من التوراة ، ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد (4) فأثبت
الله عز وجل على النصارى الحجة ببشارة عيسى عليه الصلاة والسلام لهم بمحمد صلى
الله عليه وسلم ثم إن الله عز ، وجل ذكره : أخبر عن أهل الكتابين اليهود والنصارى
أنهم يجدون صفة محمد صلى الله عليه وسلم في التوراة والإنجيل ، وأنه نبي ، وأوجب
عليهم اتباعه ونصرته ، فقال جل ذكره : عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء ،
فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون الذين يتبعون الرسول
النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل ، يأمرهم بالمعروف وينهاهم
عن المنكر ، ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ، ويضع عنهم إصرهم (5) إلى قوله
المفلحون (6) وقال عز وجل : يا أهل الكتاب ، قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما
كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير ، قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين (7) إلى
قوله صراط مستقيم (8) وقال عز وجل : يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على
فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير ، فقد جاءكم بشير ونذير والله
على كل شيء قدير (9) قال محمد بن الحسين رحمه الله : فقطع الله عز وجل حجج أهل
الكتابين بما أخبر من صفته في كتبهم ، وأن الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم هو
النور ، وهو الحق وإنه يخرجهم من الظلمات إلى النور ، وأنه يهديهم إلى صراط مستقيم
، ثم أخبر الله عز وجل : أن الذي يدعو إليه محمد صلى الله عليه وسلم هو الحق وهو
الصراط المستقيم ، فأوجب على الخلق : الإنس والجن قبوله ، وأخبر عن الجن لما سمعوا
من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أمره الله عز وجل أن يبلغهم ، عرفوا أنه الحق
، فأمنوا وصدقوا واتبعوه ، فقال جل ذكره : وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون
القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين قالوا يا قومنا
إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق
مستقيم يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به الآية ثم قال عز وجل : وإنك لتدعوهم
إلى صراط مستقيم (10) ، ثم أخبر عز وجل :
أنه يظهر نبيه صلى الله عليه وسلم على كل دين خالفه ، فقال جل وعز : هو الذي أرسل
رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون (11) ، ثم أخبر
الله عز وجل : أنه لا يتم لأحد الإيمان بالله عز وجل وحده ، حتى يؤمن بالله ورسوله
، ثم أخبر أنه من لم يؤمن بالله ورسوله : لم يصح له الإيمان ، فقال جل ذكره : إنما
المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ، وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى
يستأذنوه ، إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله (12) الآية ، وقال
عز وجل : إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله
ورسوله ، ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون
(13) ، وقال عز وجل : ومن لم يؤمن بالله ورسوله فإنا أعتدنا للكافرين سعيرا (14)
وقال عز وجل : فآمنوا بالله ورسوله ، والنور الذي
أنزلنا ، والله بما تعملون خبير (15) ، وقال عز وجل :
آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه (16) إلى قوله وقد أخذ ميثاقكم
إن كنتم مؤمنين (17) وقال عز وجل : يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله
والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل ، ومن يكفر بالله وملائكته
وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا (18) ثم أعلمنا مولانا الكريم : أن
علامة صحة من ادعى محبة الله تعالى : أن يكون محبا لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم
متبعا له ، وإلا لم تصح له المحبة لله عز وجل قال الله عز وجل : قل إن كان آباؤكم
وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم ، وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن
ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره ،
والله لا يهدي القوم الفاسقين (19) وقال عز وجل : قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني
يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم ، والله غفور رحيم (20) ،
فجعل الله عز وجل محبة رسوله واتباعه علما ودليلا لصحة محبتهم له ، مع اتباعهم
رسوله فيما جاء به وأمر به ، ونهى عنه ثم أخبر عز وجل أنه من كفر برسوله كمن كفر
بالله ، ومن كذب رسوله فقد كذب الله عز وجل فقال الله عز وجل في قصة المنافقين :
ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ، ولا تقم على قبره ، إنهم كفروا بالله ورسوله ،
وماتوا وهم فاسقون (21) ، وقال عز وجل : وجاء المعذرون من الأعراب ليؤذن لهم ،
وقعد الذين كذبوا الله ورسوله (22) إلى آخر الآية ، ثم إن الله عز وجل أمر
المؤمنين أن لا يرغبوا بأنفسهم عن نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجهاد معه
، والصبر معه على كل مكروه يلحقهم ، فقال الله عز وجل : ما كان لأهل المدينة ومن
حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ذلك بأنهم
لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار ولا
ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين (23) ثم
إن الله عز وجل أقام نبيه صلى الله عليه وسلم مقام البيان عنه ، فقال عز وجل :
وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون (24)
فكان مما بينه لأمته : أن الله عز وجل أوجب عليهم
الطهارة والصلاة في كتابه ، ولم يخبره بأوقات الصلاة ، ولا بعدد الركوع ، ولا بعدد
السجود ، ولا بما يجوز من القراءة فيها وما تحريمها ؟ وما تحليلها ؟ ولا كثير من
أحكامها ، فبين صلى الله عليه وسلم مراد الله عز وجل من ذلك ، وكذلك أوجب الزكاة
في كتابه ، ولم يبين : كم في الورق ؟ ولا كم في الذهب ؟ ولا كم في الغنم ؟ ولا كم
في الإبل ؟ ولا كم في البقر ؟ ولا كم في الزرع والثمر ؟ فبين النبي صلى الله عليه
وسلم مراد الله عز وجل من ذلك ، وكذلك الصيام بين ما يحل فيه للصائم ، وما يحرم
عليه فيه ، وكذلك فرض الله عز وجل الحج على عباده على من استطاع إليه سبيلا ، ولم
يخبر عز وجل كيف الإهلال بالحج ؟ ولا ما يلزم المحرم من كثير من الأحكام ؟ فبينه
صلى الله عليه وسلم حالا بعد حال ، وكذلك أحكام الجهاد ، وكذلك أحكام البيع
والشراء وكذلك حرم الله عز وجل الربا على المسلمين وتوعدهم عليه بعظيم من العقاب
ولم يبين لهم في الكتاب : كيف الربا ؟
فبينه لهم الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهذا في كثير من الأحكام ، مما يطول شرحه ،
لم يعقل ما في الكتاب إلا ببيان الرسول صلى الله عليه وسلم ، زيادة من الله عز وجل
لنبيه صلى الله عليه وسلم ، فيما أعطاه من الفضائل التي شرفه بها ، ثم فرض على
جميع الخلق طاعته ، وحرم عليهم معصيته ، وذلك في غير موضع من كتابه ، قرن طاعة
رسوله صلى الله عليه وسلم إلى طاعته عز وجل ، وأعلمهم أنه من عصى رسولي فقد عصاني
، قال الله عز وجل : قل أطيعوا الله
والرسول ، فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين (25) وقال عز وجل : واتقوا النار
التي أعدت للكافرين ، وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون (26) وقال عز وجل : تلك
حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ،
وذلك الفوز العظيم ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها ، وله
عذاب مهين وقال تعالى : يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي
الأمر منكم ، فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله
واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا (27) وقال عز وجل : يا أيها الذين آمنوا أطيعوا
الله ورسوله ، ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون (28) وقال عز وجل : يا أيها الذين آمنوا
أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم (29) ، ثم قال عز وجل :
من يطع الرسول فقد أطاع الله (30) قال محمد بن الحسين
رحمه الله : وهذا في القرآن كثير في نيف وثلاثين موضعا أوجب طاعة رسوله ، وقرنها
مع طاعته عز وجل ، ثم حذر خلقه مخالفة رسوله صلى الله عليه وسلم وأن لا يجعلوا أمر
نبيه صلى الله عليه وسلم إذا أمرهم بشيء ، أو نهاهم عن شيء كسائر الخلق ، وأعلمهم
عظيم ما يلحق من خالفه من الفتنة التي تلحقه ، فقال عز وجل : لا تجعلوا دعاء
الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا ، قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا (31) إلى
آخر الآية ، ثم إن الله عز وجل أوجب على من حكم عليه النبي صلى الله عليه وسلم
حكما أن لا يكون في نفسه حرج أو ضيق لما حكم عليه الرسول صلى الله عليه وسلم ، بل
يسلم لحكمه ويرضى ، فقال جل ذكره : فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم
، ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ، ويسلموا تسليما (32) والحرج هاهنا : أن
لا يشك ، ثم إن الله عز وجل أثنى على من رضي بما حكم له النبي صلى الله عليه وسلم
، وحكم عليه ورضي بما أعطاه من الغنيمة من قليل أو كثير ، وذم من لم يرض ، فقال عز
وجل : ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله ،
وقالوا : حسبنا الله ، سيؤتينا الله من فضله ورسوله ، إنا إلى الله راغبون (33) ثم
إن الله عز وجل أخبرنا عن أهل النار إذا هم دخلوها كيف يتأسفون على ترك طاعتهم لله
ولرسوله لم لم يطيعوا الله ورسوله ؟ ، فندموا حيث لم ينفعهم الندم وأسفوا حيث لم
ينفعهم الأسف فقال جل ذكره : يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله
وأطعنا الرسولا (34) الآية قال محمد بن الحسين رحمه الله : ألا ترون رحمكم الله
كيف شرف الله عز وجل نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم في كل حال ؟ يزيده شرفا إلى
شرف في الدنيا والآخرة ثم اعلموا يا أمة محمد يا مؤمنين أن الله عز وجل أوجب على
جميع الخلق أن يعظموا قدر نبيه صلى الله عليه وسلم بالتوقير له والتعظيم ، ولا
يرفعوا أصواتهم فوق صوته ، ولا يجهروا عليه في المخاطبة ، كجهر بعضهم لبعض ، بل
يخفضوا أصواتهم عند صوته ، كل ذلك إجلالا له ، وأعلمهم أنه من خالف ما أمر الله به
من التعظيم لرسولي : أنى أحبط عمله وهو لا يشعر فقال عز وجل : يا أيها الذين آمنوا
لا تقدموا بين يدي الله ورسوله ، واتقوا الله إن الله سميع عليم يا أيها الذين
آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ، ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن
تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون ، ثم وعد جل وعز من قبل من الله عز وجل ما أمره به
في رسوله : من خفض الصوت والوقار له : المغفرة مع الأجر العظيم ، فقال جل ذكره :
إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم
مغفرة وأجر عظيم (35) ثم قال عز وجل : لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم
بعضا وقال عز وجل : يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما
يحييكم (36) الآية . كل ذلك يحذر عباده مخالفة رسوله صلى الله عليه وسلم يعظم به
قدره عندهم ، ثم أمر جل ذكره خلقه إذا هم أرادوا أن يناجوا النبي صلى الله عليه
وسلم بشيء مما لهم فيه حظ أن لا يناجوه حتى يقدموا بين يدي نجواهم صدقة ، فكان
الرجل إذا أراد أن يناجيه بشيء تصدق بصدقة ، كل ذلك تعظيم للرسول ، وشرف له صلى
الله عليه وسلم فلما فعلوا ذلك ضاق على بعضهم الصدقة واحتاج إلى مناجاته ، فتوقف
عن مناجاته فخفف الله عز وجل ذلك على المؤمنين رأفة منه بهم ، فقال جل وعز في ابتداء
الأمر : يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ، ذلك
خير لكم وأطهر (37) هذا لمن قدر على الصدقة ، ثم قال تفضلا على الجميع على من قدر
على الصدقة وعلى من لم يقدر ، فقال جل وعز : أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا
الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الله ورسوله والله خبير بما تعملون (38)
فخفف عنهم الصدقة ، وأمرهم بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة
والطاعة لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، ثم إن الله عز وجل أعلم جميع
خلقه ، وأعلم نبيه صلى الله عليه وسلم : أنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ،
وأنه قد تمت نعمة الله عز وجل على نبيه بأن هداه إلى الصراط المستقيم ، وأعلمه أنه
ينصره نصرا عزيزا ، فقال عز وجل : إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم
من ذنبك وما تأخر ، ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما ، وينصرك الله نصرا
عزيزا ثم أخبر الله عز وجل أن الذين يبايعون رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنما
يبايعون الله عز وجل لعظيم قدر محمد صلى الله عليه وسلم عند ربه تعالى فقال جل
ذكره : إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم ، فمن نكث فإنما
ينكث على نفسه ، ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما (39) ثم أخبرنا
جل ذكره برضاه عنهم ، إذ بايعوا نبيه صلى الله عليه وسلم وصدقوا في بيعته بقلوبهم
فقال عز وجل : لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك
تحت الشجرة ، فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم ، وأثابهم فتحا قريبا (40) ثم
أمر الله جل ذكره المؤمنين أن يتأسوا في أمورهم برسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال : لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ، وذكر
الله كثيرا (41) ثم أوجب الله عز وجل على المؤمنين أن ينصحوا لله عز وجل ولرسوله ،
ثم أعلمهم أنه من نصح لله فلينصح لرسوله ، وقرنهما جميعا ، ولم يفرق بينهما ، فقال
عز وجل : ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج
إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم (42) ثم أخبرنا الله
عز وجل أنه من خان رسول الله صلى الله عليه وسلم كمن خان الله عز وجل فقال تعالى :
يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون (43)
ثم حذر الخلق عن أذى رسوله ، لا يؤذوه في حياته ولا بعد موته ، وأخبر أن المؤذي
لرسول الله صلى الله عليه وسلم كمن آذى الله عز وجل ، وأخبر أن المؤذي لله ولرسوله
مستحق اللعنة في الدنيا والآخرة ، فقال عز وجل : وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ،
ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا ، إن ذلكم كان عند الله عظيما (44)
وقال عز وجل : والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم
(45) وقال عز وجل : إن الذين يؤذون
الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة ، وأعد لهم عذابا مهينا (46) ثم أخبرنا
الله عز وجل أنه من حاد الرسول بالعداوة فقد حاد الله عز وجل فقال عز وجل : لا تجد
قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله (47) الآية ، وقال عز
وجل : ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله ، فأن له نار جهنم خالدا فيها ذلك
الخزي العظيم (48) ثم أعلمنا مولانا الكريم أن النبي صلى الله عليه وسلم أولى
بالمؤمنين من أنفسهم ، وأنه إذا أمر فيهم بأمر فعليهم قبول ما أمر به ، ولا اختيار
لهم إلا ما اختاره رسوله صلى الله عليه وسلم لهم في أهليهم ، وفي أموالهم ، وفى أولادهم
، فقال جل وعز : النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، وأزواجه أمهاتهم وقال عز وجل :
وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم
(49) إلى آخر الآية ، ثم إن الله عز وجل رفع قدر نبيه صلى الله عليه وسلم ، وزاده
شرفا إلى شرفه ، وفضله على سائر الخلق ، بأن حرم أزواجه على جميع العالمين أن
يتزوجوهن بعد موته ، وهكذا إذا طلق امرأة من نسائه دخل بها أو لم يدخل بها فقد حرم
على كل أحد أن يتزوجها ، لأنهن أمهات المؤمنين ، فقد خصه مولاه الكريم بكل خلق
شريف عظيم ، ثم فرض على خلقه أن يصلوا على رسوله صلى الله عليه وسلم وأعلمهم أنه
يصلي عليه هو وملائكته تشريفا له فقال جل ذكره : إن الله وملائكته يصلون على النبي
، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما (50) ف صلى الله عليه وسلم وعلى أهله
أجمعين في الليل والنهار صلاة له فيها رضى ، ولنا بها مغفرة من الله ، ورحمة إن
شاء الله ، وعلى آله الطيبين ، ولا حرمنا الله النظر إليه ، وحشرنا على سنته
والاتباع لما أمر والانتهاء عما نهى ، واعلموا رحمنا الله وإياكم : لو أن مصليا
صلى صلاة فلم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم فيها في تشهده الأخير وجب عليه
إعادة الصلاة ، واعلموا رحمكم الله : أن جميع ما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم
فحرام على الناس مخالفته ، والنهي على التحريم حتى يأتي عنه دلالة على أنه نهى عنه
لمعنى دون معنى التحريم ، وإلا فنهيه على التحريم لجميع ما نهى عنه قال الله عز
وجل : وما آتاكم الرسول فخذوه ، وما نهاكم عنه فانتهوا (51) قال محمد بن الحسين
رحمه الله تعالى : فهذا الذي حضرني ذكره مما شرفه الله
عز وجل به في القرآن ، قد ذكرت منه ما فيه بلاغ لمن عقل وأنا أذكر بعد هذه مما شرفه
الله عز وجل به مما جاءت به السنن عنه والآثار عن صحابته حالا بعد حال ، مما يقر
الله به عز وجل أعين المؤمنين ، ويزدادون بها إيمانا إلى إيمانهم ، ومحبة للرسول
صلى الله عليه وسلم وتعظيما له ، والله الموفق لذلك ، والمعين عليه
__________
(1) سورة : الأحزاب آية رقم : 45
(2) سورة : فاطر آية رقم : 24
(3) سورة : البقرة آية رقم : 127
(4) سورة : الصف آية رقم : 6
(5) سورة : الأعراف آية رقم : 156
(6) سورة : البقرة آية رقم : 5
(7) سورة : المائدة آية رقم : 15
(8) سورة : البقرة آية رقم : 142
(9) سورة : المائدة آية رقم : 19
(10) سورة : المؤمنون آية رقم : 73
(11) سورة : التوبة آية رقم : 33
(12) سورة : النور آية رقم : 62
(13) سورة : الحجرات آية رقم : 15
(14) سورة : الفتح آية رقم : 13
(15) سورة : التغابن آية رقم : 8
(16) سورة : الحديد آية رقم : 7
(17) سورة : الحديد آية رقم : 8
(18) سورة : النساء آية رقم : 136
(19) سورة : التوبة آية رقم : 24
(20) سورة : آل عمران آية رقم : 31
(21) سورة : التوبة آية رقم : 84
(22) سورة : التوبة آية رقم : 90
(23) سورة : التوبة آية رقم : 120
(24) سورة : النحل آية رقم : 44
(25) سورة : آل عمران آية رقم : 32
(26) سورة : آل عمران آية رقم : 131
(27) سورة : النساء آية رقم : 59
(28) سورة : الأنفال آية رقم : 20
(29) سورة : محمد آية رقم : 33
(30) سورة : النساء آية رقم : 80
(31) سورة : النور آية رقم : 63
(32) سورة : النساء آية رقم : 65
(33) سورة : التوبة آية رقم : 59
(34) سورة : الأحزاب آية رقم : 66
(35) سورة : الحجرات آية رقم : 3
(36) سورة : الأنفال آية رقم : 24
(37) سورة : المجادلة آية رقم : 12
(38) سورة : المجادلة آية رقم : 13
(39) سورة : الفتح آية رقم : 10
(40) سورة : الفتح آية رقم : 18
(41) سورة : الأحزاب آية رقم : 21
(42) سورة : التوبة آية رقم : 91
(43) سورة : الأنفال آية رقم : 27
(44) سورة : الأحزاب آية رقم : 53
(45) سورة : التوبة آية رقم : 61
(46) سورة : الأحزاب آية رقم : 57
(47) سورة : المجادلة آية رقم : 22
(48) سورة : التوبة آية رقم : 63
(49) سورة : الأحزاب آية رقم : 36
(50) سورة : الأحزاب آية رقم : 56
(51) سورة : الحشر آية رقم : 7
باب ذكر متى وجبت النبوة للنبي صلى الله عليه وسلم
931 - أنبأنا أبو بكر جعفر بن محمد الفريابي قال : حدثنا
يعقوب بن إبراهيم الدورقي قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال : حدثنا منصور بن
سعد ، عن بديل يعني ابن ميسرة العقيلي ، عن عبد الله بن شقيق ، عن ميسرة الفجر قال
: قلت : يا رسول الله متى كنت نبيا ؟ قال : « وآدم بين
الروح والجسد »
932 - حدثنا أبو بكر بن محمد بن عبد الحميد الواسطي قال
: حدثنا زيد بن أخزم قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن منصور بن سعد ، عن بديل
، عن عبد الله بن شقيق ، عن ميسرة الفجر قال : قلت : يا رسول الله : متى كنت نبيا
؟ قال : « وآدم بين الروح والجسد
»
933 - حدثنا أبو عبد الله أحمد بن محمد بن شاهين قال :
حدثنا هارون بن عبد الله البزاز قال : حدثنا شعيب بن حرب قال : حدثنا إبراهيم بن
طهمان قال : حدثنا بديل بن ميسرة العقيلي ، عن عبد الله بن شقيق ، عن ميسرة الفجر
قال : سألت النبي صلى الله عليه وسلم متى كنت نبيا ؟ قال : « كنت نبيا وآدم بين
الروح والجسد »
934 - وأنبأنا الفريابي قال : حدثنا عمر بن حفص بن يزيد
الدمشقي قال : حدثنا الوليد بن مسلم قال : حدثنا الأوزاعي قال : حدثنا يحيى بن أبي
كثير ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : متى وجبت
لك النبوة ؟ قال : « بين خلق آدم ونفخ الروح فيه »
935 - حدثنا أبو عبد الله أحمد بن محمد بن شاهين قال :
حدثنا أبو همام الوليد بن شجاع قال : حدثنا الوليد بن مسلم ، عن الأوزاعي قال :
حدثني يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال : سئل رسول الله صلى
الله عليه وسلم ، متى وجبت لك النبوة ؟ فقال : « بين خلق آدم ونفخ الروح فيه
»
936 - حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد
الواسطي قال : حدثنا محمد بن رزق الله الكلوذاني قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال
: حدثني معاوية بن صالح قال : حدثني سعيد بن سويد ، عن عبد الأعلى بن هلال السلمي
، عن العرباض بن سارية السلمي قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
: « إني عبد الله وخاتم النبيين ، وإن آدم لمنجدل (1) في
طينته »
__________
(1) منجدل : ملقى على الجدالة وهي الأرض
937 - حدثنا أبو عبد الله بن شاهين قال : حدثنا أبو بكر
محمد بن حماد المقرئ قال : حدثنا خلف قال : حدثنا سعيد بن راشد قال : سألت عطاء :
هل كان النبي صلى الله عليه وسلم نبيا من قبل أن يخلق ؟ قال : « إي والله ، وقبل
أن تخلق الدنيا بألفي عام مكتوبا أحمد »
938 - أنبأنا أبو أحمد هارون بن يوسف بن زياد التاجر قال
: حدثنا أبو مروان العثماني قال : حدثني أبي عثمان بن خالد عن عبد الرحمن بن أبي
الزناد ، عن أبيه قال : « من الكلمات التي تاب الله بها على آدم عليه السلام قال :
اللهم إنى أسألك بحق محمد صلى الله عليه وسلم عليك قال الله عز وجل : يا آدم ، وما
يدريك بمحمد ؟ قال : يا رب ، رفعت رأسي ، فرأيت مكتوبا على عرشك لا إله إلا الله
محمد رسول الله » فعلمت أنه أكرم خلقك عليك
«
باب في قول الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم :
ورفعنا لك ذكرك (1)
__________
(1) سورة : الشرح آية رقم : 4
939 - أنبأنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قال : حدثنا
محمد بن منصور الطوسي قال : حدثنا الحسن بن موسى الأشيب ، قال ابن صاعد : وحدثنا
محمد بن إسحاق يعني الصاغاني قال حدثنا أبو الأسود النضر بن عبد الجبار قالا :
حدثنا ابن لهيعة قال : حدثنا دراج أبو السمح ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد الخدري
: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « أتاني جبريل
عليه السلام فقال : إن ربي عز وجل يقول : كيف رفعت ذكرك ؟
قلت : الله أعلم قال : » إذا ذكرت ذكرت معي «
940 - حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد العطشي قال
: حدثنا أبو العباس محمد بن عبد الرحمن الرقي السراج قال
: حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير المصري قال : حدثني ابن لهيعة قال : حدثني دراج
، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
: « قال لي جبريل عليه السلام : إن ربك عز وجل يقول لك :
أتدري كيف رفعت ذكرك ؟ قلت : الله أعلم قال : قال الله عز وجل : إذا ذكرت ذكرت معي
»
941 - وحدثنا أبو محمد بن صاعد قال : حدثنا أبو عبيد
الله المخزومي قال : حدثنا سفيان بن
عيينة ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : في قول الله تعالى ورفعنا لك ذكرك (1) قال :
« لا أذكر إلا ذكرت معي ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا رسول الله
»
__________
(1) سورة : الشرح آية رقم : 4
942 - وحدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد
الواسطي قال : حدثنا محمد بن ميمون الخياط قال : حدثنا سفيان قال : سمعته أذناي
ووعاه قلبي هاتين الآيتين من ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله عز وجل : ورفعنا
لك ذكرك (1) قال : « لا أذكر إلا ذكرت معي ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن
محمدا رسول الله » وفي قول الله عز وجل : وإنه لذكر لك ولقومك (2) قال
: يقال : ممن هذا الرجل ؟ فيقال : من العرب ، فيقال من
أي العرب ؟ فيقال : من قريش
__________
(1) سورة : الشرح آية رقم : 4
(2) سورة : الزخرف آية رقم : 44
943 - وأنبأنا أبو زكريا يحيى بن محمد الحنائي قال :
حدثنا طالوت بن عباد قال : حدثنا أبو حمزة
، عن الحسن في قول الله عز وجل : ورفعنا لك ذكرك (1) قال : « ألا ترى أن الله عز وجل لا يذكر في موطن إلا ذكر نبيه صلى الله عليه وسلم
معه »
__________
(1) سورة : الشرح آية رقم : 4
944 - حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا أبو الحارث
الفهري قال : حدثني سعيد بن عمرو قال : حدثنا أبو عبد الرحمن بن عبد الله بن
إسماعيل ابن بنت أبي مريم قال : حدثني عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، عن
جده عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : « لما أذنب آدم عليه السلام الذنب الذي أذنبه
رفع رأسه إلى السماء فقال : أسألك بحق محمد إلا غفرت لي ، فأوحى الله عز وجل إليه
: وما محمد ؟ ومن محمد ؟ قال : تبارك اسمك ، لما خلقتني رفعت رأسي إلى عرشك وإذا
فيه مكتوب لا إله إلا الله محمد رسول الله فعلمت أنه ليس أحد أعظم قدرا عندك ممن
جعلت اسمه مع اسمك ، فأوحى الله عز وجل إليه : يا آدم ، وعزتي وجلالي ، إنه لآخر النبيين من ذريتك ، ولولاه ما خلقتك قال
محمد بن الحسين رحمه الله : وقد روي عن ابن عباس أنه قال : » ما خلق الله ولا برأ
ولا ذرأ أكرم عليه من محمد صلى الله عليه وسلم ، وما سمعت الله عز وجل أقسم بحياة
أحد إلا بحياته صلى الله عليه وسلم قوله عز وجل : لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون
(1) قال : وحياتك يا محمد ، إنهم لفي سكرتهم يعمهون والله أعلم
__________
(1) سورة : الحجر آية رقم : 72
باب ذكر قول الله عز وجل وتقلبك في الساجدين (1)
قال محمد بن الحسين رحمه الله : اعلموا رحمنا الله وإياكم أن النكاح كان في الجاهلية على أنواع غير محمودة
إلا نكاحا واحدا نكاح صحيح : وهو هذا النكاح الذي سنه رسول الله صلى الله عليه
وسلم لأمته ، يخطب الرجل إلى الرجل وليته فيزوجه على الصداق وبالشهود ، فرفع الله
عز وجل قدر نبينا صلى الله عليه وسلم ، وصانه عن نكاح الجاهلية ، ونقله في الأصلاب
الطاهرات بالنكاح الصحيح ، من لدن آدم ، بنقله في أصلاب الأنبياء ، وأولاد
الأنبياء ، حتى أخرجه بالنكاح الصحيح صلى الله عليه وسلم
__________
(1) سورة : الشعراء آية رقم : 219
945 - أنبأنا أبو محمد عبد الله بن صالح البخاري قال :
حدثنا محمد بن أبي عمر العدني قال : حدثنا محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين
رضي الله عنهم قال : أشهد على أبي يحدث عن أبيه ، عن جده ، عن علي رضي الله عنه أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال : « خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم إلى أن
ولدني أبي وأمي ، لم يصبني من سفاح الجاهلية شيء »
946 - أنبأنا أبو سعيد أحمد بن محمد الشاهد قال : حدثنا
إسحاق بن إبراهيم الدبري قال : أنا عبد الرزاق
قال : أنبأنا ابن جريج قال : أخبرني جعفر بن محمد ، عن أبيه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح »
947 - حدثنا أبو سعيد أيضا قال : حدثنا العباس بن محمد
الدوري قال : حدثنا الحسن بن بشر الهمداني قال : حدثنا سعدان بن الوليد ، عن عطاء بن
أبي رباح ، عن ابن عباس : في قول الله عز وجل : وتقلبك في الساجدين (1)
قال : « ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يتقلب في
أصلاب الأنبياء حتى ولدته أمه »
__________
(1) سورة : الشعراء آية رقم : 219
948 - أنبأنا أبو محمد عبد الله بن صالح البخاري قال :
ثنا محمد بن أبي عمر العدني قال : حدثني عمر بن خالد قال : حدثنا أبو عبد الله
محمد الحلبي ، عن عبد الله بن الفرات ، عن عثمان بن الضحاك ، عن ابن عباس : « أن
قريشا كانت نورا بين يدي الله عز وجل قبل أن يخلق آدم بألفي عام يسبح ذلك النور
وتسبح الملائكة بتسبيحه ، فلما خلق الله عز وجل آدم ألقى ذلك النور في صلبه ، فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : » فأهبطني الله عز وجل إلى الأرض في صلب آدم ،
وجعلني في صلب نوح في سفينته ، وقذف بي في النار في صلب إبراهيم عليه السلام ، ثم
لم يزل ينقلني في الأصلاب الكريمة إلى الأرحام الطاهرة ، حتى أخرجني من بين أبوي ،
ولم يلتقيا على سفاح قط «
949 - حدثنا أبو عبد الله محمد بن مخلد العطار قال :
حدثنا محمد بن سنان القزاز أبو الحسن قال : حدثنا يعقوب بن محمد الزهري قال :
حدثنا عبد العزيز بن عمران ، عن أبيه ، عن ابن المسور بن مخرمة ، عن أبيه ، عن
العباس بن عبد المطلب قال : قال : عبد المطلب : قدمت اليمن ، فنزلت على أسقف بها ،
وكان حبر من اليهود يمر بي ، فقال لي يوما : يا عبد المطلب : ألا تكشف لي عن جسدك
، لأنظر إليه ؟ فقلت : أكشف لك عن جسدي ما خلا عورتي ، فكشفت عن جسدي ، فتشممني ثم
تشمم منخري الأيمن ، ثم تشمم منخري الأيسر ، فقال : أرى يا عبد المطلب في منخرك
الأيمن نبوة ، وفى الأيسر ملكا ، ألك شاعة ؟ قلت : وما الشاعة ؟ قال : امرأة ، قلت
: أما اليوم فلا قال : فتزوج في بني زهرة قال : فقدمت فتزوجت في بني زهرة ، فقالت قريش : أفلح عبد الله على أبيه عبد المطلب
باب : ذكر مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضاعه
ومنشئه إلى الوقت الذي جاءه الوحي
950 - حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد
الواسطي قال : حدثنا أبو علي الحسين بن علي الصدائي قال : حدثنا محمد بن عبيد
السلمي قال : حدثنا عمر بن صبح التميمي ، عن ثور بن يزيد ، عن مكحول ، عن شداد بن
أوس قال : بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم
يحدثنا على باب الحجرة ، إذ أقبل شيخ من بني عامر ، وهو مدرة قومه ، وسيدهم من شيخ
كبير يتوكأ على عصا ، فتمثل بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم قائما ، ونسبه إلى
جده ، فقال : يا ابن عبد المطلب ، إنى نبئت أنك تزعم أنك رسول الله إلى الناس بما
أرسل به موسى وعيسى وغيرهم من الأنبياء ، ألا وإنك تفوهت بعظيم ، إنما كانت
الخلفاء والأنبياء في بيتين من بيوت بني إسرائيل ، فلا أنت من أهل هذا البيت ، ولا
من أهل هذا البيت ، إنما أنت رجل من العرب ، ممن كانت تعبد هذه الحجارة والأوثان ،
فما لك وللنبوة ؟ ولكن لكل قول حقيقة ، فأنبئني بحقيقة قولك ، وبدء شأنك قال :
فأعجب النبي صلى الله عليه وسلم بمساءلته وقال : « يا أخا بني عامر ، إن للحديث
الذي تسأل عنه نبأ ومجلسا ، فاجلس » فثنى رجله ، ثم برك كما يبرك البعير ،
واستقبله النبي صلى الله عليه وسلم بالحديث ، فقال : « يا أخا بني عامر ، إن حقيقة قولي ، بدء شأني : إني دعوة أبي إبراهيم ، وبشر
بي أخي عيسى ابن مريم ، وإن أمي حملتني ، وإني كنت بكر أمي ، حملتني كأثقل ما تحمل
النساء ، حتى جعلت تشتكي إلى صواحباتها ثقل ما تجد ، ثم إن أمي رأت في المنام : أن
الذي في بطنها نور قالت : فجعلت أتبع النور بصري ، فجعل النور يسبق بصري ، حتى
أضاءت لي مشارق الأرض ومغاربها ، ثم إنها ولدتني فنشأت ، فلما نشأت بغضت إلي أوثان
قريش ، وبغض إلي الشعر ، وكنت مسترضعا في بني ليث بن بكر ، فبينا أنا ذات يوم
منتبذ (1) من أهلي ، مع أتراب لي من الصبيان ، في بطن واد ، نتقاذف بيننا بالجلة
إذ أقبل إلي رهط (2) ثلاثة ، معهم طست من ذهب ملآن ثلجا ،
فأخذوني فانطلقوا بي من بين أصحابي ، وانطلق أصحابي هرابا ، حتى انتهوا إلى شفير
(3) الوادي ، ثم أقبلوا على الرهط ، فقالوا : ما رابكم (4) إلى هذا الغلام ؟ إنه
ليس منا ، هذا من سيد قريش ، وهو مسترضع فينا ، من غلام يتيم ، ليس له أب ولا أم ،
فماذا يرد عليكم قتله ؟ وماذا تصيبون من ذلك ؟ إن كنتم لابد قاتليه فاختاروا منا
أينا شئتم فليأتكم مكانه فاقتلوه ، ودعوا هذا الغلام ، فإنه يتيم ، فلما رأى
الصبيان أن القوم لا يحيرون إليهم جوابا ، انطلقوا هرابا مسرعين إلى الحي يؤذنونهم
ويستصرخونهم على القوم ، فعمد أحدهم فأضجعني على الأرض إضجاعا لطيفا ، ثم شق ما
بين مفرق صدري إلى منتهى عانتي ، وأنا أنظر إليه ، فلم أجد لذلك مسا ، ثم أخرج
أحشاء بطني فغسلها بذلك الثلج ، فأنعم غسلها ثم أعادها مكانه ، ثم قال الثاني منهم
لصاحبه : تنح (5) ، فأدخل يده في جوفي فأخرج قلبي فصدعه ، وأنا أنظر إليه ، فأخرج
منه مضغة (6) سوداء ، فألقاها ، ثم قال بيده كأنه يتناول شيئا فإذا بيده خاتم من
نور تحار أبصار الناظرين دونه ، فختم به قلبي ، ثم أعاده إلى مكانه ، فامتلأ قلبي
نورا ، فوجدت برد ذلك الخاتم في قلبي دهرا ، ثم قال الثالث منهم لصاحبه : تنح ، فتنحى
عني ، ثم أخذ بيدي فأنهضني من مكاني إنهاضا لطيفا ، ثم أكبوا علي وضموني إلى
صدورهم ، وقبلوا رأسي وما بين عيني ، ثم قالوا : يا حبيب ، لن تراع ، إنك لو تدري
ما يراد بك من الخير لقرت عينك ، ثم قال الأول الذي شق بطني : زنوه بعشرة من أمته
، فوزنوني بهم فرجحتهم ، ثم قال : زنوه بمائة من أمته ، فوزنوني ، فرجحتهم ، ثم
قال : زنوه بألف من أمته ، فوزنوني ، فرجحتهم فقال : دعوه ، فلو وزنتموه بأمته
كلها لرجحهم ، فبينا نحن كذلك ، إذ أنا بالحي قد جاءوا بحذافيرهم ، وإذا بأمي وهى
ظئري (7) أمام الحي تهتف بأعلى صوتها وهي تقول : يا ضعيفاه ، استضعفت من بين
أصحابك ، وقتلت لضعفك ، فأكبوا علي وضموني إلى صدورهم ، وقبلوا رأسي ، وما بين
عيني ، وقالوا : حبذا أنت من ضعيف ، وما أكرمك على
الله ، ثم قالت : يا وحيداه ، فأكبوا علي ، وضموني إلى صدورهم ، وقالوا : حبذا أنت
من وحيد ، وما أنت بوحيد ، إن الله معك وملائكته والمؤمنين من أهل الأرض ، ثم قالت
ظئري : يا يتيماه ، فأكبوا علي وضموني إلى صدورهم ، وقبلوا رأسي وما بين عيني ،
وقالوا : حبذا أنت من يتيم ، ما أكرمك على الله فلما نظرت بي أمي وهى ظئري قالت :
يا بني ألا أراك حيا بعد ، وضمتني إلى حجرها ، فوالذي نفسي بيده إني لفي حجرها قد ضمتني
إليها ، وإن يدي لفي يد بعضهم ، وظننت أن القوم يبصرونهم ، فإذا هم لا يبصرونهم ،
فقال بعض القوم : قد أصاب هذا الغلام طائف الجن ، فاذهبوا به إلى كاهن ، حتى ينظر
إليه ويداويه فقلت : يا هناه ، إنى أجد نفسي سليمة وفؤادي صحيحا ليس بي قلبة ،
فقال أبي : وهو زوج ظئري أما ترون كلامه كلام صحيح ؟ إنى أرجو أن لا يكون على ابني
بأس ، فاتفق رأيهم على أن يذهبوا بي إلى الكاهن ، فاحتملوني ، فذهبوا بي إليه ،
فقصوا عليه قصتي فقال : اسكتوا ، حتى أسأل الغلام ، فإنه أعلم بأمره منكم ، فسألني
فقصصت عليه قصتي من أولها إلى آخرها ، فضمني إليه ، وقال : يا للعرب ، يا للعرب ،
اقتلوا هذا الغلام واقتلوني معه ، واللات والعزى ، لئن تركتموه وأدرك ، ليخالفن
دينكم ودين آبائكم ، وليخالفن أمركم ، وليأتينكم بدين لم تروا مثله ، فانتزعتني أمي
من حجره ، وقالت : أنت أعته وأجن من ابني هذا ، ولو علمت أن هذا يكون من قولك ما
أتيت به ، فاطلب لنفسك من يقتلك ، فإنا غير قاتلي هذا الغلام ، واحتملوني وأدوني
إلى أهلي ، فأصبحت معرا كما فعل بي ، وأصبح أثر الشق ما بين مفرق صدري إلى منتهى
عانتي كأنه الشراك ، فذلك يا أخا بني عامر : حقيقة قولي وبدوء شأني » فقال العامري
: أشهد بالله الذي لا إله إلا هو أن أمرك لحق وذكر الحديث
__________
(1) منتبذ : منفرد بعيد
(2) الرهط : الجماعة من الرجال دون العشرة
(3) الشفير : الحرف والجانب والناحية
(4) الريب : الشَّكُّ وقيل هو الشِّك مع التُّهمة
(5) تنحى : مال جانبا وتباعد
(6) المضغة : القطعة من اللحم
(7) الظئر : المرضعة لغير
ولدها ، ويطلق على زوجها أيضا
951 - وحدثنا أبو بكر قاسم بن زكريا المطرز قال : حدثنا
عبد الله بن شبيب المكي قال : حدثني أحمد بن محمد قال : وجدت في كتاب أبي ، عن
الزهري ، عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ، عن أبيه عبد الرحمن بن عوف قال : كنت
تربا لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال عبد الرحمن : فأخبرتني أمي قالت : لما ولد
محمد صلى الله عليه وسلم وقع على يدي استهل ، فسمعت قائلا من ناحية البيت يقول :
يرحمك ربك قالت : فلما لينته وأضجعته أضاء لي نور ، حتى رأيت قصور الروم ، ثم
غشيتني (1) ظلمة ورعدة ، ثم نظرت عن يميني فلم أر شيئا ، فسمعت قائلا يقول : أين
ذهبت به ؟ قال : ذهبت به إلى المغرب قالت : ثم أصابتني رعدة وظلمة قالت : ثم نظرت
عن يساري ، فلم أر شيئا ، فسمعت قائلا يقول : أين ذهبت به ؟ قال : ذهبت به إلى
المشرق قال عبد الرحمن : فكان الحديث من شأني ، حتى بعث الله عز وجل رسوله صلى
الله عليه وسلم فكان أول قومه إسلاما قال محمد بن الحسين رحمه الله : في هذا الباب
أحاديث قد ذكرتها في كتاب فضائله صلى الله عليه وسلم
__________
(1) غشيني : أصابتني
952 - حدثنا أبو علي الحسين بن زكريا السكري قال : حدثنا
أحمد بن عبد الجبار العطاردي قال : حدثنا يونس بن بكير ، عن محمد بن إسحاق قال :
حدثني ابن أبي جهم ، مولى لامرأة من بني تميم كانت عند الحارث بن حاطب ، وكان يقال
: مولى الحارث بن حاطب قال : حدثني من ، سمع عبد الله بن
جعفر بن أبي طالب يقول : حدثت عن حليمة بنت الحارث أم رسول الله صلى الله عليه
وسلم التي أرضعته : أنها قالت : قدمت مكة في نسوة من بني سعد بن بكر ، نلتمس بها الرضعان
في سنة شهباء (1) فقدمت على أتان (2) لي قمراء ، كانت أذمة الركب ، ومعي صبي لنا ،
وشارف لنا ، والله ما ننام ليلنا ذلك أجمع مع صبينا ذلك ، ما يجد في ثديي ما يغنيه
، ولا في شارفنا (3) ما يغذيه ، فقدمنا مكة ، فوالله ما علمت منا امرأة إلا وقد
عرض عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا قيل : إنه يتيم ، تركناه ، وقلنا :
ما عسى أن تصنع إلينا أمه ؟ إنما نرجو المعروف من أب الولد ، فأما أمه فماذا عسى
أن تصنع إلينا ؟ فوالله ما بقي من صواحباتي امرأة إلا أخذت رضيعا غيري ، فلما لم
أجد غيره ، قلت لزوجي الحارث بن عبد العزى : والله إنى لأكره أن أرجع من بين
صواحباتي ليس معي رضيع ، لأنطلقن إلى ذلك اليتيم فلآخذنه ، فقال : لا عليك ، فذهبت
فأخذته ، فوالله ما أخذته : إلا أنى لم أجد غيره ، فما هو إلا أن أخذته ، فجئت به رحلي
، فأقبل عليه ثدياي بما شاء الله من لبن ، فشرب حتى روي ، وشرب أخوه حتى روي ،
وقام صاحبي إلى شارفنا تلك ، فإذا إنها لحافل ، فحلب ما شرب وشربت حتى روينا ،
فبتنا بخير ليلة ، فقال صاحبي : يا حليمة ، والله إنى لأراك قد أخذت نسمة مباركة ،
ألم تري ما بتنا به الليلة من الخير حين أخذناه فلم يزل الله عز وجل يزيدنا خيرا ،
ثم خرجنا راجعين إلى بلادنا ، فوالله لقطعت أتاني الركب حتى ما يتعلق بها حمار ،
حتى إن صواحباتي ليقلن : ويحك يا بنت أبي
ذؤيب ، أهذه أتانك التي خرجت عليها معنا ؟ فأقول : نعم ، والله إنها هي ، فيقلن :
والله إن لها لشأنا ، حتى قدمنا أرض بني سعد ، وما أعلم أرضا من أرض الله عز وجل
أجدب منها ، فإن كانت غنمي لتسرح ، ثم تروح شباعا لبنا ، فنحلب ما شئنا وما حولنا
أحد تبض له شاة بقطرة لبن ، وإن أغنامهم لتروح جياعا ، حتى إنهم ليقولون لرعاتهم :
انظروا حيث تسرح غنم ابنة أبي ذؤيب ، فاسرحوا معهم ، فيسرحون مع غنمي حيث تسرح ،
فيريحون أغنامهم جياعا ، وما فيها قطرة لبن ، وتروح غنمي شباعا لبنا ، فنحلب ما شئنا
، فلم يزل الله عز وجل يرينا البركة ، ونتعرفها حتى بلغ سنتين ، فكان يشب شبابا لا
يشبه الغلمان ، فوالله ما بلغ السنتين حتى كان غلاما جفرا (4) ،
فقدمنا به على أمه ، ونحن أضن شيء به ، مما رأينا فيه من البركة ، فلما رأته أمه ،
قلنا لها : يا ظئر ، دعينا بابننا هذه السنة الأخرى ، فإنا نخشى عليه أوباء مكة ،
فوالله مازلنا بها حتى قالت : فنعم ، فسرحته معنا ، فأقمنا به شهرين أو ثلاثة ،
فبينا هو خلف بيوتنا مع أخ له من الرضاعة في بهم (5) لنا ، فجاءنا أخوه يشتد ،
فقال : أخي ذلك القرشي ، قد جاءه رجلان عليهما بياض ، فأضجعاه فشقا بطنه ، فخرجت
أنا وأبوه نشتد نحوه فنجده قائما منتقعا (6) لونه فاعتنقه أبوه ، وقال : أي بني ،
ما شأنك ؟ قال : جاءني رجلان عليهما ثياب بياض فأضجعاني فشقا بطني ، ثم استخرجا
منه شيئا فطرحاه ، ثم رداه كما كان ، فرجعنا به معنا ، فقال أبوه : يا حليمة ، لقد
خشيت أن يكون ابني قد أصيب ، انطلقي بنا فلنرده إلى أهله قبل أن يظهر به ما نتخوف قالت
: فاحتملناه ، فلم ترع أمه إلا به ، قد قدمنا به عليها ، فقالت : ما ردكما به فقد
كنتما عليه حريصين ؟ فقلنا : لا والله يا ظئر (7) ، إلا أن الله عز وجل قد أدى عنا
، وقضينا الذي علينا ، وقلنا : نخشى الإتلاف والأحداث ، فقلنا : نرده على أهله ،
فقالت : ما ذاك بكما ؟ فاصدقاني شأنكما ، فلم تدعنا حتى أخبرناها خبره فقالت :
أخشيتما عليه الشيطان ؟ كلا ، والله ، ما للشيطان عليه سبيل ، وإنه لكائن لابني
هذا شأن ، ألا أخبركما خبره ؟ قلنا : بلى قالت : حملت به ، فما حملت حمل قط أخف
منه فأريت في النوم حين حملت به : كأنه خرج مني نور أضاءت له قصور الشام ، ثم وقع
حيث ولدته وقوعا ما يقعه المولود معتمدا على يديه ، رافعا رأسه إلى السماء ، فدعاه
عنكما
__________
(1) سنة شهباء : ذات قحط وجدب ، والشهباء الأرض البيضاء
التي لا خضرة فيها لقلة المطر من الشهبة ، وهي البياض فسُمِّيت سنة الجدب بها
(2) الأتان : الحمار يقع على الذكر والأنثى ، والأتَانُ
الحمارَةُ الأنثى خاصَّةً
(3) الشارف : الناقة المسنة التي ارتفع لبنها
(4) الجفر : الصبي يقرب البلوغ
(5) البَهْم : جمع بَهْمَة وهي ولد الضأن الذكر والأنثى
(6) انتقع لونه : تغير من خوف أو ألم
(7) الظئر : المرضعة لغير ولدها ، ويطلق على زوجها أيضا
953 - حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز
البغوي قال : حدثنا عبيد الله بن محمد العيشي أبو بكر ، وعثمان بن أبي شيبة قالا :
حدثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت البناني ، عن أنس بن مالك عنه : أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم : « أتاه جبريل عليه السلام ، وهو يلعب مع الصبيان ، فصرعه ، فشق عن
قلبه فاستخرج القلب ، فاستخرج منه علقة (1) ثم قال : هذا حظ الشيطان منك ، ثم غسله
في طست من ذهب بماء زمزم ، ثم لأمه (2) ، ثم أعاده في مكانه ، وجاء الغلمان يسعون
إلى أمه يعني ظئره (3) فقالوا : إن محمدا قد قتل ، فاستقبلوه وهو منتقع (4) اللون
قال أنس : كنت أرى أثر المخيط في صدره صلى الله عليه وسلم »
__________
(1) العلقة : القطعة من الدم الغليظ الجامد
(2) لأمه : ضم بعضه إلى بعض
(3) الظئر : المرضعة لغير ولدها ، ويطلق على زوجها أيضا
(4) انتقع لونه : تغير من خوف أو ألم
باب ذكر مبعثه صلى الله عليه وسلم قال محمد بن الحسين
رحمه الله : اعلموا رحمنا الله وإياكم أن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم لم يزل
نبيا من قبل خلق آدم عليه الصلاة والسلام يتقلب في أصلاب الأنبياء ، وأبناء
الأنبياء بالنكاح الصحيح حتى أخرجه الله تعالى من بطن أمه ، يحفظه مولاه الكريم ويكلؤه
ويحوطه إلى أن بلغ ، وبغض الله عز وجل إليه أوثان قريش ، وما كانوا عليه من الكفر
، ولم يعلمه مولاه الشعر ، ولا شيئا من أخلاق الجاهلية بل ألهمه مولاه عبادته وحده
لا شريك له ، ليس للشيطان عليه سبيل ، يتعبد لمولاه الكريم خالصا ، حتى نزل عليه
الوحي ، وأمر بالرسالة ، وبعث إلى الخلق كافة ، إلى الإنس والجن ، بعث على رأس
أربعين سنة من مولده ، أقام بمكة عشرا يدعوهم إلى الله عز وجل ، يؤذونه فيصبر ،
ويجهلون عليه فيحلم ، ثم أذن الله عز وجل له في الهجرة إلى المدينة ، فهاجر إليها
، فأقام بها عشرا ، وتوفي بعد الستين صلى الله عليه وسلم
954 - حدثنا أبو عبد الله أحمد بن الحسن بن عبد الجبار
الصوفي قال : حدثنا محمد بن يوسف المصيصي قال : حدثنا عبد الله بن وهب ، عن قرة بن
عبد الرحمن ، أن ربيعة بن أبي عبد الرحمن حدثه قال : سمعت أنس بن مالك قال : بعث
نبي الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن أربعين سنة ، فمكث بمكة عشرا ، وبالمدينة
عشرا ، وتوفي وهو ابن ستين سنة
955 - وحدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي
قال : حدثنا محمد بن رزق الله الكلوذاني قال : حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي
قال : حدثنا سليمان بن بلال المدني ، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، أنه سمع أنس بن
مالك يقول : « بعث النبي صلى الله عليه وسلم على رأس أربعين سنة ، فكان بمكة عشر
سنين ، وبالمدينة عشر سنين ، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأس الستين ،
وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء »
باب كيف نزل عليه الوحي صلى الله عليه وسلم
956 - حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا يونس بن
حبيب الأصبهاني قال : حدثنا أبو داود يعني الطيالسي قال : حدثنا صالح بن أبي
الأخضر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة رحمها الله قالت : « أول ما بدئ به رسول
الله صلى الله عليه وسلم في الوحي الرؤيا الصادقة قالت : وحبب إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم الخلاء ، فكان يمكث الأيام في غار حراء يتعبد ، حتى جاءه الوحي ، صلى
الله عليه وسلم »
957 - حدثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قال : حدثنا
محمد بن سهيل بن عسكر ، ومحمد بن عبد الملك بن زنجويه ، والحسن بن أبي الربيع ،
وأحمد بن منصور ، واللفظ لابن عسكر قال : حدثنا عبد الرزاق قال : أنبأنا معمر ، عن
الزهري قال : حدثني عروة بن الزبير ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : « أول ما بدئ
به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم فكان لا يرى
رؤيا إلا جاءت مثل فلق (1) الصبح ، ثم حبب
إليه الخلاء ، فكان يأتي حراء ، فيتحنث فيه : وهو التعبد الليالي ذوات العدد
ويتزود (2) لذلك ، ثم يرجع إلى خديجة رضي الله عنها ، فتزوده لمثلها حتى فجأه
الوحي ، وهو في غار حراء ، وجاء الملك فيه ، فقال : اقرأ ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فقلت : » إنى لست بقارئ ، فأخذني
فغطني حتى بلغ مني الجهد ، ثم أرسلني فقال : اقرأ ، فقلت : ما أنا بقارئ ، فأخذني
فغطني الثانية ، حتى بلغ مني الجهد ، ثم أرسلني فقال : اقرأ ، فقلت : ما أنا بقارئ
، فغطني الثالثة ، حتى بلغ مني الجهد ، ثم أرسلني ، فقال : اقرأ باسم ربك الذي خلق
(3) حتى بلغ علم الإنسان ما لم يعلم (4) فرجع ترجف بوادره
حتى دخل على خديجة ، فقال : « زملوني (5) زملوني » فزملوه (6) ،
حتى ذهب عنه الروع (7) ، فقال : « يا خديجة مالي ؟ » وأخبرها الخبر وقال : « قد
خشيت علي قالت : كلا ، أبشر فوالله لا يخزيك الله أبدا ، إنك لتصل الرحم ، وتصدق
الحديث ، وتحمل الكل (8) ، وتقري (9) الضيف ، وتعين على نوائب الحق
»
__________
(1) فلق الصبح : ضياء الصبح ونوره
(2) تزود : اتخذ زادا وهو طعام يتخذه المسافر
(3) سورة : العلق آية رقم : 1
(4) سورة : العلق آية رقم : 5
(5) زملوني : غطوني ولفوني
(6) زمل : لفَّ وغطى
(7) الروع : الخوف الشديد والفزع
(8) الكَل : الثِّقَل مِن كل ما يُتَكلَّف ، وقيل :
العيال ومن يحتاج إلى رعاية ونفقة
(9) القِرَى : ما يقدم إلى الضيف
958 - حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا محمد بن
يحيى بن فارس ، وخشيش بن أصرم قالا : حدثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري قال
: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن ، عن جابر بن عبد الله قال : سمعت النبي صلى الله
عليه وسلم يحدث عن فترة الوحي فقال في حديثه : « فبينا أنا أمشي ، فسمعت صوتا ، من
السماء ، فرفعت رأسي ، فإذا أنا بالملك الذي ، جاءني بحراء جالس على كرسي بين
السماء والأرض ، فجثثت (1) منه رعبا ، فرجعت فقلت : زملوني (2)
، زملوني ، دثروني (3) دثروني » فأنزل الله
عز وجل : يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر والرجز فاهجر (4) وهى
الأوثان قبل أن تفرض الصلاة «
__________
(1) جثثت : فزعت ورعبت
(2) زمَّله : غطاه ولفَّه
(3) دثروني : غَطُّوني بِما أدْفَأُ به
(4) سورة : المدثر آية رقم : 1
959 - حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا محمد بن
عباد قال : حدثنا بكر بن سليمان ، عن محمد بن إسحاق قال : حدثني وهب بن كيسان مولى
الزبير قال : سمعت عبد الله بن الزبير ، يقول لعبيد
بن عمير : حدثنا يا عبيد كيف كان بدء ما ابتدأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من
النبوة حين جاءه جبريل عليه السلام فذكر بدء ذلك ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم
: « فخرجت ، حتى إذا كنت في وسط الجبل فسمعت صوتا من السماء يقول : يا محمد ، أنت
رسول الله ، وأنا جبريل ، فرفعت رأسي إلى السماء لأنظر ، فإذا جبريل في صورة رجل
صاف قدميه في أفق السماء يقول : يا محمد أنت رسول الله ، وأنا جبريل ، فوقفت أنظر
إليه ، فما أتقدم ولا أتأخر ، وجعلت أصرف وجهي في آفاق السماء ، ولا أنظر في ناحية
منها إلا رأيته كذلك ، فما زلت كذلك واقفا حتى بعثت خديجة رسلها في طلبي ورجعوا إليها
وأنا واقف في مكاني ذلك ، ثم انصرفوا عني ، وانصرفت راجعا إلى أهلي ، حتى أتيت
خديجة ، فقالت لي : أين كنت ؟ فقلت : » إن الأبعد
لشاعر أو مجنون « ، فقالت : أعيذك بالله من ذلك ، وماذا يا ابن عم ؟ لعلك رأيت
شيئا ؟ قلت : » نعم « : ثم حدثتها بالحديث ، فقالت : أبشر يا ابن عم ، فوالذي نفس
خديجة بيده إني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة »
960 - وحدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا أبو أمية
عبد الله بن محمد بن خلاد قال : حدثنا يعقوب بن محمد قال : حدثنا عبد الله بن محمد
بن يحيى بن عروة ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال ورقة
لما ذكرت له خديجة رحمها الله أنه ذكر لها جبريل عليه السلام ، فقال : سبوحا سبوحا
، وما لجبريل يذكر في هذه الأرض التي تعبد فيها الأوثان ؟ جبريل أمين الله عز وجل
بينه وبين رسله ؟ اذهبي به إلى المكان الذي رأى فيه ما رأى ، فإذا رآه فتحسري فإن
يك من عند الله ، لا يراه ، ففعلت قال : فلما تحسرت تغيب جبريل عليه السلام فلم
يره فرجعت فأخبرت ورقة ، فقال : إنه ليأتيه الناموس الأكبر الذي لا يعلمه بنو
إسرائيل أبنائهم إلا بثمن ثم أقام ورقة ينتظر إظهار الدعوة ، وقال في ذلك : لججت
وكنت في النكرى لجوجا لهم طال ما بعث النشيجا ووصف من خديجة بعد وصف لقد طال
انتظاري يا خديجا ببطن المكتين على رجائي حديثك ، لو أرى منه خروجا بأن محمدا
سيسود يوما ويخصم من يكون له حجيجا (1) ويظهر في البلاد ضياء نور تقام به البرية
أن تعوجا فياليتي إذا ما كان ذاكم شهدت ، فكنت أولهم ولوجا ولوجا للذي كرهت قريش
ولو عجت بمكتها عجيجا
__________
(1) الحجيج : المجادل والمخاصم والمناقش بالحجة والبرهان
961 - وحدثنا أبو علي الحسين بن زكريا السكري قال :
حدثنا أحمد بن عبد الجبار العطاردي قال : حدثنا يونس بن بكير ، عن يونس بن عمرو ، عن
أبيه ، عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لخديجة
رضي الله عنها : « إنى إذا خلوت سمعت نداء ، وقد والله خشيت أن يكون هذا أمرا
» ، فقالت : معاذ الله ، ما كان الله ليفعل بك
ذلك فوالله إنك لتؤدي الأمانة ، وتصل الرحم ، وتصدق الحديث ، فلما دخل أبو بكر رضي
الله عنه وليس رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكرت خديجة حديثه له ، وقالت : يا
عتيق ، اذهب مع محمد إلى ورقة ، فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ أبو
بكر بيده ، فقال : انطلق بنا إلى ورقة ، فقال : « ومن أخبرك » ؟ قال : خديجة ، فانطلقا
إليه ، فقصا عليه ، فقال : « إذا خلوت وحدي سمعت نداء خلفي : يا محمد ، وأنطلق
هاربا في الأرض » ، فقال له : لا تفعل ، إذا أتاك فاثبت ، حتى تسمع ما يقول ، ثم
ائتني فأخبرني ، فلما خلا ناداه يا محمد ، قل : بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد
لله رب العالمين (1) حتى بلغ ولا الضالين (2) قل : لا إله إلا الله ، فأتى ورقة ، فذكر ذلك له ، فقال له ورقة : أبشر ، ثم
أبشر فأنا أشهد أنك الذي بشر به ابن مريم ، وأنك على مثل ناموس موسى ، وأنك لنبي
مرسل وأنك ستؤمر بالجهاد بعد يومك هذا ، ولئن أدركني ذلك لأجاهدن معك ، فلما توفي
ورقة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لقد رأيت القس في الجنة عليه الثياب
الحرير ، لأنه آمن بي وصدقني يعني ورقة
__________
(1) سورة : الفاتحة آية رقم : 1
(2) سورة : الفاتحة آية رقم : 7
962 - وحدثنا أبو علي قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا يونس
بن بكير ، عن محمد بن إسحاق قال : وقد قال ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن
قصي فيما كانت ذكرت له خديجة رضي الله عنها من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
فيما يزعمون : فإن يك حقا ، يا خديجة ، فاعلمي حديثك إيانا فأحمد مرسل وجبريل يأتيه
، وميكال ، معهما من الله وحي يشرح الصدر منزل يفوز به من كان فيها بتوبة ويشقى به
العات الغوي المضلل فريقان : منهم فرقة في جنانه وأخرى بألوان الجحيم تغلل إذا ما
دعوا بالويل فيها تتابعت مقامع (1) في هاماتهم (2) ثم من عل فسبحان من تهوى الرياح بأمره ومن هو في الأيام ماشاء يفعل ومن عرشه
فوق السماوات كلها وأقضاؤه في خلقه لا تبدل وقال ورقة بن نوفل في ذلك أيضا : يا
للرجال لصرف الدهر والقدر وما لشيء قضاه الله من غير حتى خديجة تدعوني لأخبرها وما
لها بخفي الغيب من خبر جاءت لتسألني عنه لأخبرها أمرا ، أراه سيأتي الناس من أخر
فخبرتني بأمر قد سمعت به فيما مضى من قديم الدهر والعصر بأن أحمد يأتيه فيخبره
جبريل : أنك مبعوث إلى البشر فقلت : عل الذي ترجين منجزه لك الإله ، فرجي الخير
وانتظر وأرسليه إلينا ، كي نسائله عن أمره ، ما يرى في النوم والسهر ؟ فقال حين
أتانا : منطقا عجبا يقف منه أعالي الجلد والشعر إنى رأيت أمين الله واجهني في صورة
أكملت في أهيب الصور ثم استمر فكاد الخوف يذعرني مما يسلم ما حولي من الشجر فقلت :
ظني ، وما أدري أيصدقني أن سوف يبعث يتلو منزل السور وسوف أبليك إن أعلنت دعوتهم
مني الجهاد بلا من ولا كدر
__________
(1) المقامع : سياط من حديد أو مطارق
(2) الهامة : الرأس
باب ذكر صفة النبي صلى الله عليه وسلم ونعته في الكتب
السالفة من قبله
963 - أنبأنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن ناجية قال :
حدثنا عبد الله بن سعد بن إبراهيم قال : حدثنا عمي يعقوب قال : حدثنا أبي ، عن
الوليد بن كثير ، عن ابن حلحلة ، عن طلحة بن عبيد الله الخزاعي ، أنه سمع أم سلمة
زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول : « إنا لنجد صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم
في بعض الكتب : ليس بفظ (1) ولا غليظ ، ولا سخاب (2) في الأسواق ، ولا يوقد بالسيئة
إذا سمعها ، ولكن يطفئها بعينه ، أعطيته مفاتيح ، ليفتح بها عيونا عميا ، ويسمع
آذانا وقرا ، ويقيم ألسنة معوجة ، حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله
»
__________
(1) الفَظ : سَيِّء الخُلُق
(2) السَّخَب والصَّخَب : الصِياح واختلاط الأصوات
964 - وحدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد
الواسطي قال : حدثنا محمد بن رزق الله الكلوذاني قال : حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن
سعد قال : حدثني أبي ، عن الوليد بن كثير المدني
، عن محمد بن عمرو بن حلحلة أن طلحة بن عبيد الله بن كريز ، أخبره أنه ، سمع أم
سلمة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول : « إنا نجد صفة النبي صلى
الله عليه وسلم في بعض الكتب اسمه المتوكل ، ليس بفظ (1) ولا غليظ ولا سخاب (2) في
الأسواق ، ولا يوقد بالسيئة إذا سمعها ، ولكن يطفئها بعينه ، وأعطيته المفاتيح ،
ليفتح الله عز وجل به عيونا عورا ، ويسمع به آذانا وقرا ويحيي به قلوبا غلفا (3)
، ويقيم به الألسن المعوجة حتى يشهدوا أن لا
إله إلا الله »
__________
(1) الفَظ : سَيِّء الخُلُق
(2) السَّخَب والصَّخَب : الصِياح واختلاط الأصوات
(3) غلف : مغشاة مغطاة لا تعي شيئا
965 - وحدثنا الفريابي قال : حدثنا إبراهيم بن العلاء
الزبيدي الحمصي قال : حدثنا إسماعيل
بن عياش ، عن يحيى بن أبي عمرو السيباني ، عن أبي سلام الدمشقي ، وعمرو بن عبد
الله السيباني ، أنهما سمعا أبا أمامة الباهلي : يحدث عن حديث عمرو بن عبسة السلمي قال : رغبت عن آلهة قومي في الجاهلية ورأيت
أنها آلهة باطلة ، يعبدون الحجارة ورأيت الحجارة لا تضر ولا تنفع قال :
فلقيت رجلا من أهل الكتاب ، فسألته عن أفضل الدين ؟ فقال
: يخرج رجل من مكة ، ويرغب عن آلهة قومه ، ويدعو إلى غيرها ، وهو يأتي بأفضل الدين
، فإذا سمعت به فاتبعه ، فلم يكن لي هم إلا مكة ، آتيها أسأل : هل حدث فيها أمر ؟ فيقولون
: لا ، فأنصرف إلى أهلي وأهلي من الطريق غير جد بعيد فأعترض الركبان خارجين من مكة
، فأسألهم : هل حدث فيها خبر أو أمر ؟ فيقولون : لا ، فإني لقاعد على الطريق ، إذ
مر بي راكب فقلت : من أين جئت ؟ قال : من مكة ، قلت : هل حدث فيها خبر ؟ قال : نعم
، رجل رغب عن آلهة قومه ، ودعا إلى غيرها ، قلت : صاحبي الذي أريد ، فشددت راحلتي
، فجئت منزلي الذي كنت أنزل فيه ، فسألت عنه ؟ فوجدت مستخفيا شأنه ، ووجدت قريشا
عليه جرآء ، فتلطفت له حتى دخلت عليه ، فسلمت عليه ، ثم قلت : ما أنت ؟ قال : «
نبي » قلت : وما النبي ؟ قال : « رسول الله صلى الله عليه وسلم » قلت : من أرسلك ؟
قال : « الله » قلت : بماذا أرسلك ؟ قال : «
أن توصل الأرحام ، وتحقن الدماء ، وتؤمن السبل (1) ، وتكسر الأوثان (2) ، ويعبد الله
وحده لا يشرك به شيئا » قال : قلت : نعم
ما أرسلك به ، أشهدك أنى قد آمنت بك وصدقت ، أفأمكث معك ؟ أو ما ترى ؟ قال : « قد
ترى كراهية الناس لما جئت به ، فامكث في أهلك ، فإذا سمعت بي خرجت مخرجا فاتبعني »
فلما خرج إلى المدينة سرت حتى قدمت عليه ، ثم قلت : يا نبي الله ، أتعرفني ؟ قال :
« نعم أنت السلمي الذي جئتني بمكة ، فقلت لك : كذا وكذا ، وقلت لي : كذا وكذا »
وذكر الحديث
__________
(1) السبل : الطرق
(2) الأوثان : جمع وَثَن وهو الصنم، وقيل : الوَثَن كلُّ
ما لَه جُثَّة مَعْمولة من جَواهِر الأرض أو من الخَشَب والحِجارة، كصُورة
الآدَميّ تُعْمَل وتُنْصَب فتُعْبَد وقد يُطْلَق الوَثَن على غير الصُّورة، والصَّنَم
: الصُّورة بِلا جُثَّة
باب صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة
والإنجيل وقد أمروا باتباعه في كتبهم قال محمد بن الحسين رحمه الله : قد تقدم
ذكرنا لقول الله عز وجل : عذابي أصيب به من أشاء ، ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها
للذين يتقون ويؤتون الزكاة ، والذين هم بآياتنا يؤمنون الذين يتبعون الرسول النبي
الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل (1) الآية ، وقال عز وجل :
وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من
التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر
مبين (2) قال محمد بن الحسين رحمه الله : قد
علمت اليهود : أن محمدا صلى الله عليه وسلم نبي ، وأنه مرسل ، وأنه واجب عليهم
اتباعه ، وترك دينهم لدينه ، وأوجب عليهم بيان نبوته لمن لا كتاب عنده من المشركين
، وكانوا قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم يقاتلون العرب ، فكانت العرب تهزم
اليهود ، فقالت اليهود بعضهم لبعض : تعالوا حتى نستفتح قتالنا للعرب بمحمد ، الذي
نجده مكتوبا عندنا أنه يخرج نبيا من العرب ، وكانوا إذا التقوا قالوا : اللهم بحق
محمد النبي الأمي الذي وعدتنا أنك تخرجه إلا نصرتنا عليهم ، فأجابهم الله عز وجل
فنصر اليهود على العرب ، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم كفروا به حسدا منهم له
على علم منهم أنه نبي حق ، لا شك فيه عندهم ، فلعنهم الله عز وجل ، فأنزل الله عز
وجل : وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا ، فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به
فلعنة الله على الكافرين (3)
__________
(1) سورة : الأعراف آية رقم : 156
(2) سورة : الصف آية رقم : 6
(3) سورة : البقرة آية رقم : 89
966 - أنبأنا إبراهيم بن موسى الجوزي قال : حدثنا يوسف
بن موسى القطان قال : حدثنا عبد الملك
بن هارون بن عنترة ، عن أبيه ، عن جده ، عن ابن عباس قال : « كانت يهود خيبر تقاتل غطفان ، فكلما التقوا هزمت اليهود فعاد اليهود يوما
في الدنيا ، فقالوا : اللهم نسألك بحق محمد النبي الأمي ، الذي وعدتنا أنك تخرجه
لنا في آخر الزمان إلا نصرتنا عليهم قال : فكانوا إذا التقوا دعوا بهذا الدعاء ،
فهزموا غطفان ، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم ، كفروا به ، فأنزل الله عز وجل
وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا ، فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة
الله على الكافرين (1) »
__________
(1) سورة : البقرة آية رقم : 89
967 - وأنبأنا أبو عبيد الله علي بن الحسين بن حرب
القاضي قال : حدثنا أبو الأشعث أحمد بن المقدام ، حدثنا وهب بن جرير قال : حدثني
أبي قال : سمعت محمد بن إسحاق قال : حدثني صالح بن إبراهيم ، عن عبد الرحمن بن عوف
، عن محمود بن لبيد ، عن سلمة بن سلامة بن وقش قال : كان بين أبياتنا رجل يهودي ، فخرج
علينا ذات غداة (1) ضحى ، حتى جلس إلى بني عبد الأشهل في ناديهم ، وأنا يومئذ غلام
شاب ، على بردة لي ، مضطجع بفناء أهلي ، فأقبل اليهودي فذكر البعث والقيامة ،
والجنة والنار ، وكان القوم أصحاب وثن (2) لا يرون حياة تكون بعد الموت ، فقالوا :
ويحك يا فلان ، أترى هذا كائنا : أن الله عز وجل يبعث العباد بعد موتهم ، إذا
صاروا ترابا وعظاما ؟ وأن غير هذه الدار يجزون فيها بحسن أعمالهم ، ثم يصيرون إلى
جنة ونار ؟ قال : نعم ، والذي نفسي بيده ، وايم الله لوددت أن حظي من تلك النار أن
أنجو منها : أن يسجر لي تنور في داركم ، ثم أجعل فيه ، ثم يطبق علي ، قالوا له :
وما علامة ذلك ؟ قال : نبي يبعث الآن قد أظلكم زمانه ويخرج من هذه البلاد وأشار
إلى مكة ، قالوا : ومتى يكون ذلك الزمان ؟ قال : إن يستنفد هذا الغلام عمره يدركه
قال سلمة : فما ذهب الليل والنهار حتى بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم ، وإن
اليهودي لحي بين أظهرنا ، فآمنا برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وصدقناه ، وكفر
به اليهودي وكذبه ، فكنا نقول له : ويلك يا فلان أين ما كنت تقول ؟ فيقول : إنه «
ليس به ، بغيا وحسدا » قال محمد بن الحسين رحمه الله : فأكثر اليهود كفروا ،
والقليل منهم آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم ، مثل عبد الله بن سلام ، وبعده
كعب الأحبار
__________
(1) الغداة : ما بين الفجر وطلوع الشمس
(2) الوَثَن : كلُّ ما لَه جُثَّة مَعْمولة من جَواهِر
الأرض أو من الخَشَب والحِجارة، كصُورة الآدَميّ تُعْمَل وتُنْصَب فتُعْبَد.
والصَّنَم : الصُّورة بِلا جُثَّة. ومنهم من لم
يَفْرُق بَيْنَهما.
968 - حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا عبد الملك
بن شعيب بن الليث قال : حدثني أبي ، عن جدي ، عن خالد بن يزيد ، عن سعيد بن سعيد
بن أبي هلال بن أسامة ، عن عطاء بن يسار ، عن عبد الله بن سلام ، أنه كان يقول :
إنا لنجد صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا ،
وحرزا للأميين أنت عبدي ورسولي ، سميته المتوكل ، ليس بفظ (1) ولا غليظ ولا سخاب (2)
في الأسواق ، ولا يجزي بالسيئة مثلها ، ولكن يعفو
ويتجاوز ، لن أقبضه حتى يقيم الله الألسنة المتعوجة ، بأن يشهدوا أن لا إله إلا
الله ، يفتح الله به أعينا عميا ، وآذانا صما ، وقلوبا غلفا قال عطاء بن يسار :
وأخبرني أبو واقد الليثي : أنه سمع كعب الأحبار يقول : ما قال ابن سلام قال : محمد
بن الحسين رحمه الله : وأما النصارى ، فقد أثنى الله عز وجل على من آمن منهم بمحمد
صلى الله عليه وسلم ، لأنه مكتوب عندهم في الإنجيل ، فأثنى عليهم عز وجل بأحسن ما
يكون من الثناء
__________
(1) الفَظ : سَيِّء الخُلُق
(2) السَّخَب والصَّخَب : الصِياح واختلاط الأصوات
969 - حدثنا أبو بكر عمر بن سعد القراطيسي قال : حدثنا
أحمد بن منصور الرمادي قال : حدثنا أبو صالح عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية
بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : في قول الله عز وجل ولتجدن أقربهم
مودة للذين آمنوا الذين قالوا : إنا نصارى (1) قال : كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم ، وهو بمكة ، يخاف على أصحابه من المشركين فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم
جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وابن مسعود ، وعثمان بن مظعون في رهط (2) من أصحابه
إلى النجاشي ملك الحبشة ، فلما بلغ ذلك المشركين ، بعثوا عمرو بن العاص في رهط
منهم ، ذكر أنهم سبقوا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي ، فقالوا له :
إنه قد خرج فينا رجل سفه عقول قريش وأحلامها ، زعم أنه نبي ، وأنه بعث إليك رهطا
ليفسدوا عليك قومك ، فأحببنا أن نأتيك ونخبرك خبرهم ، فقال : إن جاءوني نظرت فيما
يقولون ، فقدم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، فأتوا إلى باب النجاشي فقالوا
: استأذن لأولياء الله ، فقال : ائذن لهم ، فمرحبا
بأولياء الله ، فلما دخلوا عليه سلموا ، فقال له الرهط من المشركين : ألا ترى أيها
الملك أنا صدقناك ، وأنهم لم يحيوك بتحيتك التي تحيى بها ؟ فقال لهم : ما منعكم أن
تحيوني بتحيتي ؟ فقالوا : حييناك بتحية أهل الجنة وتحية الملائكة ، فقال لهم : ما يقول
صاحبكم في عيسى وأمه ؟ قالوا : يقول : هو عبد الله وكلمة من الله وروح منه ،
ألقاها إلى مريم ، ويقول في مريم إنها العذراء الطيبة البتول (3)
قال : فأخذ عودا من الأرض فقال : ما زاد عيسى وأمه على
ما قال صاحبكم فوق هذا العود فكره المشركون قوله ، وتغيرت له وجوههم ، فقال : هل
تعرفون شيئا مما أنزل عليكم ؟ قالوا : نعم قال : اقرءوا ، فقرءوا وحوله القسيسون والرهبان
كلما قرءوا انحدرت دموعهم مما عرفوا من الحق قال الله عز وجل ذلك بأن منهم قسيسين
ورهبانا ، وأنهم لا يستكبرون وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من
الدمع مما عرفوا من الحق يقولون : ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين محمد رسول الله
صلى الله عليه وسلم وأمته
__________
(1) سورة : المائدة آية رقم : 82
(2) الرهط : الجماعة من الرجال دون العشرة
(3) البتول : أصل البتل القطع وسميت البتول قيل :
لانقطاعها عن نساء زمانها فضْلا ودِينا وحَسَبا. وقيل : لانقطاعها عن الدُّنيَا
إلى اللّه تعالى. وقيل : المُنْقَطِعة عن الرجال لا
شهوةَ لها فيهم.
970 - وأنبأنا إبراهيم بن موسى الجوزي قال : حدثنا يوسف
بن موسى القطان قال : حدثنا عمرو بن حمران ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة في
قول الله عز وجل : ولتجدن أقربهم (1) إلى قوله عز وجل : فاكتبنا مع الشاهدين (2)
قال : أناس من أهل الكتاب كانوا على شريعة من الحق مما جاء به عيسى عليه الصلاة
والسلام ، يؤمنون به ، وينتهون إليه ، فلما بعث الله عز وجل محمدا صلى الله عليه
وسلم ، صدقوه وآمنوا به ، وعرفوا أن الذي جاء به الحق من الله عز وجل ، فأثنى الله
عز وجل عليهم بما تسمعون
__________
(1) سورة : المائدة آية رقم : 82
(2) سورة : المائدة آية رقم : 83
971 - حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد
الواسطي قال : حدثنا عبد الله بن شبيب البصري قال : حدثنا محمد بن عمر الجبيري من
ولد جبير بن مطعم قال : حدثتني أم عثمان بنت سعيد بن محمد بن جبير بن مطعم ، عن
أبيها ، عن أبيه قال : سمعت جبير بن مطعم يقول : لما بعث الله عز وجل نبيه صلى
الله عليه وسلم ، وظهر أمره بمكة خرجت إلى الشام ، فلما كنت ببصرى أتانا جماعة من
النصارى فقالوا : أمن أهل الحرم أنت ؟ قلت : نعم ، قالوا : أتعرف هذا الرجل الذي
تنبأ قبلكم ؟ قلت : نعم ، فأدخلوني ديرا لهم ، وفيه تماثيل وصور فقالوا : انظر ،
هل ترى صورة هذا الرجل الذي بعث فيكم ؟ فقلت : لا أرى صورته ، فأدخلوني ديرا لهم
هو أعظم من ذلك الدير ، فقالوا : هل ترى صورته ؟ فرأيت ، فقلت : لا أخبركم حتى
تخبروني ، فإذا أنا بصفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصورته ، وصفة أبي بكر
وصورته وهو آخذ بعقب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : هل ترى صورته ؟ فقلت :
نعم ، قلت : لا أخبركم حتى أعرف ما تقولون ، قالوا : أهو هذا ؟ قلت : نعم ، قالوا
: أتعرف هذا الذي قد أخذ بعقبه ؟ قلت : نعم قالوا : نشهد أن هذا صاحبك وأن هذا
الخليفة من بعده قال محمد بن الحسين رحمه الله : وقد ذكرت قصة هرقل ملك الروم ،
ومساءلته لأبي سفيان رحمه الله ، عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعلم أنه
حق ، وقصة دحية الكلبي لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم ، إلى قيصر صاحب الروم ،
ثم أحضر له أسقف من عظماء النصارى ، فلما وصفه دحية : آمن به القس ، وعلم أنه
النبي ، الذي يجدونه في الإنجيل ، فقتلته النصارى ، وعلم قيصر أنه النبي فجشعت
نفسه من القتل ، فقال لدحية : أبلغ صاحبك أنه نبي ، ولكن لا أترك ملكي وقد ذكرت
قصة سلمان الفارسي ، رحمه الله وخدمته للرهبان ، وقصة الراهب الذي عرفه صفة رسول
الله صلى الله عليه وسلم ، أنه يبعث من مكة وأمره أن يتبعه ، فكان كذلك ثم أسلم
سلمان رحمه الله وقد ذكرت جميع ذلك في فضائله صلى الله عليه وسلم ، وقد ذكرت تصديق
الجن والشياطين ، وإخبارهم لأوليائهم من الإنس بمبعث النبي صلى الله عليه وسلم ،
فآمن جماعة من العرب ، وهجروا الأصنام ، وحسن إسلامهم
باب ذكر كيف كان ينزل الوحي على الأنبياء وعلى محمد
نبينا صلى الله عليه وسلم ، وعليهم أجمعين
972 - حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد
الواسطي قال : حدثنا محمد بن المثنى أبو موسى الزمن قال : حدثنا حجاج بن منهال قال
: حدثنا عبد الله بن عمر النميري ، عن يونس بن يزيد الأيلي قال : سمعت الزهري وسئل
عن هذه الآية عن قول الله عز وجل : وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء
حجاب ، أو يرسل رسولا ، فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم (1) قال
: « نزلت هذه الآية تعم من أوحي إليه من النبيين ،
والكلام كلام الله عز وجل الذي كلم به موسى ، من وراء حجاب والوحي : ما يوحي الله
عز وجل إلى النبي من أنبيائه ، فيثبت الله عز وجل ما أراد من وحيه في قلب النبي
صلى الله عليه وسلم ، يتكلم به النبي ويثبته ، وهو كلام الله عز وجل ووحيه ، ومنه
ما يكون بين الله ورسوله ، لا يكلم به أحد من الأنبياء أحدا من الناس ، ولكنه سر
غيب بين الله عز وجل وبين رسله ، ومنه ما تتكلم به الأنبياء ، ولا يكتبونه لأحد ،
ولا يأمرون بكتابته ، ولكنهم يحدثون به الناس حديثا ويبينون لهم أن الله عز وجل
أمرهم أن يبينوه للناس ويبلغوهم ، ومن الوحي ما يرسل الله تعالى من يشاء ممن
اصطفاه من ملائكته ، فيكلمون أنبياءه من الناس ، ومن الوحي ما يرسل به من يشاء
فيوحون به وحيا في قلوب من شاء من رسله ، وقد بين الله عز وجل أنه يرسل جبريل عليه
السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم ، قال الله عز وجل في كتابه : قل من كان عدوا
لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين (2)
وذكر أنه الروح الأمين قال الله تعالى : وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح
الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين (3) قال محمد بن الحسين : هذا
قول الزهري في معنى الآية ، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ما هو أبين مما
قاله الزهري قال صلى الله عليه وسلم : وقد سأله الحارث بن هشام ، كيف يأتيك الوحي
؟ فقال : » أحيانا في مثل صلصلة الجرس ، فيفصم عني ، وقد فهمت ووعيت ما قال ،
وأحيانا يأتيني في مثل صورة الرجل فيكلمني ، فأعي ما يقول « وعن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم شبيه بهذا
__________
(1) سورة : الشورى آية رقم : 51
(2) سورة : البقرة آية رقم : 97
(3) سورة : الشعراء آية رقم : 192
973 - وحدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد
الواسطي قال : حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي قال : حدثنا محمد بن عبد الرحمن
الطفاوي ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة رحمها الله قالت : سأل الحارث بن
هشام النبي صلى الله عليه وسلم : كيف يأتيك الوحي ؟ فقال : « أحيانا في مثل صلصلة
الجرس فيفصم (1) عني وقد فهمت ووعيت ما قال ، وأحيانا في مثل صورة الرجل ، فيكلمني
فأعي (2) ما يقول »
__________
(1) يفصم : يقلع
(2) وعى : حفظ وفهم وأدرك وحوى
974 - حدثنا إسحاق بن أبي حسان الأنماطي قال : حدثنا
هشام بن عمار الدمشقي قال : حدثنا خالد بن
عبد الرحمن قال : حدثنا إبراهيم بن عثمان ، عن الحكم بن عتيبة ، عن مقسم ، عن ابن
عباس : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « من الأنبياء من يسمع الصوت فيكون بذلك
نبيا ، وكان منهم من ينفث في أذنه وقلبه فيكون بذلك نبيا ، وإن جبريل عليه السلام
يأتيني فيكلمني كما يكلم أحدكم صاحبه »
975 - حدثنا أبو أحمد هارون بن يوسف قال : حدثنا محمد بن
أبي عمر العدني قال : حدثنا سفيان ، عن مجالد ، عن الشعبي ، عن أبي سلمة بن عبد
الرحمن قال : سمعت عائشة رضي الله عنها تقول : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
واضعا يده على معرفة فرس قائما يكلم دحية الكلبي قالت : فقلت : يا رسول الله رأيتك واضعا يدك على معرفة فرس قائما تكلم دحية
الكلبي قال : « وقد رأيتيه ؟ قلت : نعم قال : » فذلك جبريل عليه السلام ، وهو يقرئك
السلام « ، فقلت : وعليه السلام ورحمة الله وبركاته ، جزاه الله خيرا من صاحب
ودخيل ، فنعم الصاحب ونعم الدخيل
976 - وحدثنا عمر بن أيوب السقطي قال : حدثنا أبو همام
الوليد بن شجاع قال : حدثنا ابن وهب قال : أخبرني عبد الله بن عمر ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة رضي
الله عنها أنها قالت : رأيت رجلا يوم الخندق على صورة دحية الكلبي على دابة ،
يناجي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعليه عمامة سوداء قد أسدلها خلفه ، فسألت
رسول الله عليه وسلم فقال : « ذاك جبريل أمرني أن أخرج إلى بني قريظة
»
977 - وحدثنا الفريابي قال : حدثنا عباس العنبري قال
: حدثنا عبد الرزاق قال : أنبأنا معمر ، عن الزهري ، عن
عبد الله بن عامر ، عن حارثة بن النعمان قال : مررت على النبي صلى الله عليه وسلم
ومعه رجل جالس يحدثه في المقام ، فسلمت عليه ثم جزت ، فلما رجعت انصرف النبي صلى الله
عليه وسلم ، فقال : هل رأيت الرجل الذي كان معي ؟ قلت : نعم يا رسول الله قال : «
فإنه جبريل وقد رد عليك السلام »
978 - وحدثنا أبو شعيب عبد الله بن الحسن الحراني قال :
حدثنا عبد الله بن جعفر الرقي قال : حدثنا عبيد الله
يعني ابن عمرو ، عن إسحاق بن راشد ، عن الزهري ، عن عروة وسعيد بن المسيب وعلقمة
بن وقاص ، وعبيد الله بن عبد الله ، كلهم عن عائشة قصة حديث الإفك بطوله إلى قولها
: فاضطجعت على فراشي ، والله يعلم أني بريئة ، والله يبرئني ببراءتي ، ولكن لم أكن
أرجو أن ينزل الله عز وجل في شأني وحيا يتلى ، لشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم
الله عز وجل في بأمر يتلى ، ولكن كنت أرجو أن يري الله عز وجل رسول الله صلى الله
عليه وسلم ، في منامه رؤيا يبرئني الله عز وجل بها قالت : فوالله ما رام رسول الله
صلى الله عليه وسلم من مجلسه ولا خرج أحد من أهل البيت حتى أنزل الله عز وجل فأخذه
ما كان يأخذه من البرحاء (1) حتى إنه لينحدر منه مثل الجمان (2) من العرق في اليوم
الشاتي من ثقل القول الذي ينزل عليه قالت : فلما سري عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم وهو يضحك فكان أول كلمة تكلم بها أن قال : « أما الله عز وجل فقد برأك » وذكر قصة نزول الآيات في الرد على أهل الإفك وذكر
الحديث إلى آخره «
__________
(1) البرحاء : الشدة
(2) الجمان : اللؤلؤ ، والمراد العرق
باب ذكر ما ختم الله عز وجل بمحمد صلى الله عليه وسلم
الأنبياء وجعله خاتم النبيين
979 - حدثنا أبو بكر جعفر بن محمد الفريابي قال : حدثنا
قتيبة بن سعيد قال : حدثنا إسماعيل ،
عن عبد الله بن دينار ، عن أبي صالح السمان ، عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل
رجل بنى بيتا فأحسنه وأكمله ، إلا موضع لبنة (1) من زاوية من زواياه فجعل الناس
يطوفون ويعجبون له ويقولون : هلا وضعت هذه اللبنة ؟ قال : فأنا اللبنة ، وأنا خاتم
النبيين »
__________
(1) اللَّبِنَة : واحدة اللَّبِن وهي التي يُبْنَى بها
الجِدَار
980 - وحدثنا الفريابي قال : حدثنا أبو مسعود أحمد بن
أبي الفرات قال : أنبأنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري قال : أخبرني أبو سلمة
، أن أبا هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « مثلي ومثل
الأنبياء قبلي كمثل قصر أحسن بنيانه ، وترك منه موضع لبنة (1) ، فيطوف الناظرون
ويعجبون من حسن بنائه ، إلا موضع اللبنة ، لا يعيبون غيرها ، فكنت أنا سددت موضع تلك
اللبنة ، فتم البنيان ، وختم بي الرسل » وحدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا
أحمد بن صالح قال : حدثنا عبد الله بن وهب قال : أخبرني يونس ، عن ابن شهاب أن أبا
سلمة أخبره أن أبا هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « مثلي
ومثل الأنبياء ، كمثل قصر . . . . . » وذكر الحديث نحوا منه
__________
(1) اللَّبِنَة : واحدة اللَّبِن وهي التي يُبْنَى بها
الجِدَار
981 - وحدثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قال : حدثنا
الربيع بن سليمان قال : حدثنا عبد الله
بن وهب قال : حدثني ابن أبي الزناد ، ومالك بن أنس ، عن أبي الزناد ، عن عبد
الرحمن الأعرج ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « مثلي
ومثل الأنبياء من قبلي ، كمثل رجل ابتنى بنيانا فأحسنه وأكمله إلا موضع لبنة (1)
من زواياه ، فجعل الناس يطيفون به ويتعجبون منه ويقولون : ما رأينا بنيانا أحسن من
هذا إلا موضع هذه اللبنة ، فكنت أنا اللبنة »
__________
(1) اللَّبِنَة : واحدة اللَّبِن وهي التي يُبْنَى بها
الجِدَار
982 - حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز
البغوي قال : حدثنا عبد الله بن مطيع قال : حدثنا إسماعيل بن جعفر ، عن العلاء بن
عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «
أرسلت إلى الخلق كافة ، وختم بي النبيون »
983 - حدثنا أبو أحمد هارون بن يوسف الناجي التاجر قال :
حدثنا محمد بن أبي عمر العدني قال : حدثنا سفيان ، عن عاصم الأحول ، عن عبد الله
بن سرجس قال : « رأيت الذي بظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه جمع قال سفيان
: مثل المحجمة الضخمة يعني : الخاتم الذي بين
كتفيه صلى الله عليه وسلم »
984 - وحدثنا إسحاق بن أبي حسان الأنماطي قال : حدثنا
هشام بن عمار الدمشقي قال : حدثنا حاتم بن إسماعيل قال : حدثنا الجعيد بن عبد
الرحمن بن أوس قال : سمعت السائب بن يزيد يقول : ذهبت بي خالتي إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله إن ابن أختي وجع ، فمسح رأسي ودعا لي بالبركة
، ثم توضأ فشربت من وضوئه ، ثم قمت خلف ظهره فنظرت إلى خاتمه بين كتفيه مثل زر
الحجلة صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا
باب ذكر ما استنقذ الله عز وجل الخلق بالنبي صلى الله
عليه وسلم وجعله رحمة للعالمين صلى الله عليه وسلم
985 - حدثنا أبو حفص عمر بن أيوب السقطي قال : حدثنا
الحسن بن أحمد بن أبي شعيب الحراني قال : حدثنا مسكين بن بكير ، عن المسعودي ، عن
سعيد بن المرزبان وهو أبو سعد البقال ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قول الله
عز وجل : وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين (1) قال : « من آمن بالله ورسوله ، تمت له
الرحمة في الدنيا والآخرة ، ومن لم يؤمن بالله ولا رسوله ، عوفي مما كان يصيب
الأمم الماضية ، من العذاب في عاجل الدنيا »
__________
(1) سورة : الأنبياء آية رقم : 107
986 - وحدثنا أبو محمد بنان بن أحمد القطان قال : حدثنا
داود بن رشيد قال : حدثنا إبراهيم بن بكر أبو إسحاق
الشيباني قال : حدثني المسعودي ، عن سلمة بن كهيل ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس
في قول الله عز وجل : وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين (1) قال : « من آمن به وصدقه
تمت له الرحمة في الدنيا والآخرة ، ومن لم يؤمن به ولم يصدقه لم يصبه ما أصاب
الأمم من الخسف (2) والقذف (3)
والمسخ »
__________
(1) سورة : الأنبياء آية رقم : 107
(2) الخسف : ذهاب الشيء في الأرض والغور به فيها
(3) القذف : الرمي والمراد أن تمطر السماء حجارة
987 - وحدثنا أبو محمد عبد الله بن العباس الطيالسي قال
: حدثنا مؤمل بن إهاب قال : حدثنا مالك بن سعير قال : حدثنا الأعمش ، عن أبي صالح
، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إنما أنا رحمة مهداة
»
988 - وحدثنا أبو أحمد هارون بن يوسف قال : حدثنا ابن
أبي عمر قال : حدثنا سفيان ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة قال : قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إنما مثلي ومثل الناس كمثل رجل استوقد نارا ،
فلما أضاءت جعل الذباب وربما قال الذباب والبعوض يتقحمون فيها ، فأنا آخذ بحجزكم (1)
عن النار وأنتم تقتحمون فيها »
__________
(1) الحجزة : مكان عقد الإزار والسراويل
989 - وحدثنا الفريابي قال : حدثنا أحمد بن عيسى قال :
حدثنا عبد الله بن وهب ، عن يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب قال : أخبرني عروة بن
الزبير أن عائشة رضي الله عنها حدثته أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم :
يا رسول الله هل أتى عليك يوم أشد من يوم أحد ؟ قال : « لقد لقيت من قومك وكان أشد
ما لقيت منهم يوم العقبة ، إذا عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال ، فلم يجبني
إلى ما أردت ، فانطلقت مهموم على وجهي ، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب ، فإذا
أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت ، فإذا فيها جبريل عليه السلام ، فناداني ، فقال : إن
الله عز وجل قد سمع قول قومك لك ، وما ردوا عليك ، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمر
فيهم بما شئت ، فناداني ملك الجبال فسلم علي ، ثم قال : يا محمد إن الله قد سمع
قول قومك لك ، وأنا ملك الجبال ، وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك بما شئت ، إن
شئت أن أطبق عليهم الأخشبين (1) ؟ فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : » بل أرجو أن يخرج الله عز وجل من أصلابهم من يعبد الله وحده
، لا يشرك به شيئا « قال محمد بن الحسين رحمه الله تعالى : وقد قال الله عز وجل
وهو الذي كف أيديهم عنكم ، وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم (2) وفي
هذه الآية تفضل النبي صلى الله عليه وسلم على جماعة من أهل مكة ، ظفر بهم النبي
صلى الله عليه وسلم ، بعد أن كانوا قد مكروا به ، فلم يبلغهم الله عز وجل ما
أرادوا من المكر ، فظفر بهم ، فعفا عنهم رأفة منه ورحمة بهم
__________
(1) الأخشبان : الجبلان المُطِيفان بمكة ، وهما أبو
قُبَيْس والأحمر ، سُمِّيا بذلك لصلابتهما وغلظ حجارتهما
(2) سورة : الفتح آية رقم : 24
990 - وأنبأنا أبو محمد عبد الله بن صالح البخاري قال :
حدثنا عبد الرحمن بن بشر بن الحكم قال : حدثني علي بن الحسين بن واقد قال : حدثني
أبي قال : حدثني ثابت قال : حدثني عبد الله بن
مغفل المزني قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية في أصل الشجرة
التي قال الله عز وجل في القرآن ، وكأني بغصن من أغصان تلك الشجرة على ظهر رسول
الله صلى الله عليه وسلم ، فرفعته عن ظهره ، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ،
وسهيل بن عمرو جالسان بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم لعلي : « اكتب بسم الله الرحمن الرحيم » فأخذ سهيل بن عمرو بيده وقال
: ما نعرف الرحمن الرحيم ، اكتب في قضيتنا ما نعرف ،
فقال : « اكتب باسمك اللهم ، هذا ما صالح عليه محمد رسول الله أهل مكة ، فأمسك
سهيل بيده وقال : لقد ظلمناك إن كنت رسوله ، اكتب في
قضيتك ما نعرف قال : » اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ،
وأنا رسول الله « ، فبينما نحن كذلك ، إذا خرج علينا ثلاثون شابا عليهم السلاح ،
فثاروا في وجوهنا ، فدعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ، فأخذهم الله تعالى
بأبصارهم ، فقمنا إليهم فأخذناهم ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : » هل
جئتم في عهد أحد ؟ وهل جعل لكم أحد أمانا ؟ فقالوا : اللهم لا ، فخلى سبيلهم ، فأنزل
الله عز وجل وهو الذي كف أيديهم عنكم ، وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم
عليهم ، وكان الله بما تعملون بصيرا (1)
__________
(1) سورة : الفتح آية رقم : 24
991 - حدثنا أبو محمد بن صاعد قال : حدثنا هارون بن موسى
الفروي قال : حدثنا محمد بن فليح ، عن موسى بن عقبة ، عن ابن شهاب قال : قال سهل
بن سعد الساعدي : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « اللهم اغفر لقومي ، فإنهم لايعلمون
» يعني يوم أحد
باب ما روي أن نبينا صلى الله عليه وسلم أكثر الأنبياء
تبعا يوم القيامة
992 - حدثنا موسى بن هارون قال : حدثنا عبد الله بن عمر
بن أبان قال : حدثنا عبد الرحيم بن سليمان قال : حدثنا المختار بن فلفل ، عن أنس
بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
وذكر عنده الأنبياء فقال : « أنا أكثر الأنبياء يوم القيامة تبعا ، إن من الأنبياء
لمن يأتي يوم القيامة وما معه مصدق غير رجل واحد »
993 - وحدثنا موسى بن هارون أيضا قال : حدثنا الحسن بن
عرفة ، قال : حدثني القاسم بن مالك المزني ، عن المختار بن فلفل ، عن أنس بن مالك
قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أنا أكثر الأنبياء تبعا يوم القيامة ،
إن من الأنبياء لمن يأتي يوم القيامة وما معه مصدق غير واحد » وحدثنا أبو أحمد
هارون بن يوسف قال : حدثنا ابن أبي عمر قال : حدثنا حسين الجعفي ، عن زائدة ، عن
المختار بن فلفل وذكر الحديث نحوه
994 - وحدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز
البغوي قال : حدثنا محمد بن سليمان لوين قال : حدثنا عيسى بن يونس ، عن زكريا بن أبي
زائدة ، عن عطية ، عن أبي سعيد : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
: « إنى أنا أكثر الأنبياء تبعا يوم القيامة
»
995 - وحدثنا أبو القاسم أيضا قال : حدثنا عبد الله بن
عمر بن أبان قال : حدثنا إسحاق بن سليمان ، عن موسى بن عبيدة ، عن أيوب بن خالد ،
عن عبد الله بن رافع ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : « يأتي معي من أمتي يوم القيامة مثل الليل والسيل ، يحطم الناس حطمة
واحدة ، تقول الملائكة : لما جاء مع محمد
من أمته أكثر مما جاء مع سائر الأنبياء »
باب ذكر عدد أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم التي
خصه الله عز وجل بها
996 - حدثنا أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله الكشي قال :
حدثنا سليمان بن داود الشاذكوني قال : حدثنا أبو بكر بن عياش قال : حدثنا عاصم بن
أبي النجود ، عن زر ، عن حذيفة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أنا
محمد وأنا أحمد ، وأنا نبي الرحمة ، وأنا نبي الملاحم ، وأنا المقفى
»
997 - وحدثنا أبو العباس حامد بن شعيب البلخي قال :
حدثنا أحمد بن عمر الوكيعي قال : سمعت أبا بكر بن عياش يحدث عن عاصم ، عن زر ، عن
حذيفة قال : كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم ، في سكك المدينة فسمعته يقول :
« أنا محمد ، وأنا أحمد ، وأنا نبي الرحمة ، وأنا نبي التوبة ، وأنا نبي الملحمة ،
وأنا المقفى ، وأنا الحاشر »
998 - وحدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا سلمة بن
شبيب ، وخشيش بن أصرم قالا : حدثنا عبد الرزاق قال : حدثنا معمر ، عن الزهري ، عن محمد بن جبير بن مطعم ، عن أبيه قال : سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول : « إن لي أسماء : أنا محمد ، وأنا أحمد ، وأنا
الماحي الذي يمحو الله عز وجل بي الكفر ، وأنا الحاشر ، الذي يحشر الناس على قدمي
، وأنا العاقب » وحدثنا معمر ، قلت للزهري : فما العاقب ؟ قال : الذي ليس بعده نبي
999 - وحدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد
الواسطي قال : حدثنا ابن المقرئ قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن محمد
بن جبير بن مطعم ، عن أبيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن لي أسماء :
أنا محمد ، وأنا أحمد ، وأنا الحاشر : الذي يحشر الناس على قدمي ، وأنا الماحي :
الذي محي بي الكفر ، وأنا العاقب : الذي ليس بعده
نبي »
1000 - حدثنا ابن أبي داود أبو بكر قال
: حدثنا يعقوب بن سفيان قال : حدثنا آدم ، وأبو صالح ،
وابن بكير قالوا : حدثنا الليث بن سعد قال : حدثني خالد
بن يزيد ، عن سعيد بن أبي هلال ، عن عتبة بن مسلم ، عن نافع بن جبير بن مطعم أنه
دخل على عبد الملك بن مروان فقال له عبد الملك : أتحصي أسماء رسول الله التي كان
جبير بن مطعم يعدها ؟ وقال نافع : هي ست : « محمد ، وأحمد وخاتم وحاشر وعاقب وماح
، فأما حاشر : فبعث مع الساعة نذيرا لكم بين يدي
عذاب شديد ، وأما العاقب : فإنه عقب الأنبياء ، وأما ماح : فإن الله عز وجل محا به
السيئات : سيئات من اتبعه »
1001 - حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز
البغوي قال : حدثنا عبد الله بن عمر الكوفي قال : حدثنا أبو يحيى التيمي قال :
حدثنا سيف بن وهب ، عن أبي الطفيل قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن
لي عند ربي عز وجل عشرة أسماء » قال : أبو الطفيل : قد حفظت منها ثمانية : محمد ، وأحمد
، وأبو القاسم ، والفاتح ، والخاتم ، والماحي ، والعاقب ، والحاشر قال أبو يحيى
التيمي : وزعم سيف أن أبا جعفر قال له : إن الاسمين الباقيين : طه ، وياسين «
باب صفة خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخلاقه
الحميدة الجميلة التي خصه الله تعالى بها
1002 - حدثنا أبو بكر قاسم بن زكريا المطرز قال : حدثنا
نصر بن علي قال : أنبأنا نوح بن قيس الحداني قال :
حدثنا خالد بن خالد ، عن يوسف بن مازن ، أن رجلا سأل علي بن أبي طالب رضي الله عنه
فقال : يا أمير المؤمنين انعت لنا النبي صلى الله عليه وسلم ، صفه لنا قال : « كان
ليس بالذاهب طولا ، وفوق الربعة (1) ، إذا جاء مع القوم غمرهم (2) ، أبيض شديد
الوضح ، ضخم الهامة ، أغر أبلج ، أهدب الأشفار شثن (3) الكفين والقدمين ، وإذا مشى
يتقلع (4) كأنما ينحدر في صبب (5) ، كأن العرق في وجهه اللؤلؤ ، لم أر قبله ولا
بعده مثله صلى الله عليه وسلم »
__________
(1) الربعة : ليس بالطويل ولا بالقصير
(2) غمرهم : علاهم ، أي : كان فوق كل من معه
(3) الشثن : الغليظ الخشن
(4) التقلع : القوة في المشي مع تتابع الخطى
(5) الصبب : المنحدر من الأرض
1003 - وحدثنا حامد بن شعيب البلخي قال : حدثنا أبو بكر
بن أبي شيبة قال : حدثنا شريك بن عبد الله ، عن عبد
الملك بن عمير ، عن نافع بن جبير بن مطعم ، عن علي رضي الله عنه أنه وصف النبي صلى
الله عليه وسلم ، فقال : كان عظيم الهامة أبيض مشربا حمرة ، عظيم اللحية ، ضخم
الكراديس (1) ، شثن (2) الكفين ، طويل المسربة (3) ، كثير شعر الرأس رجله ، يتكفأ
(4) في مشيته كأنما ينحدر في صبب ، لا طويل ولا قصير ، لم أر مثله قبله ولا بعده
صلى الله عليه وسلم
__________
(1) الكراديس : جمع كردوس ، وهي رءوس العظام
(2) الشثن : الغليظ الخشن
(3) المسربة : شعر دقيق من الصدر إلى السرة
(4) تكفأ : مال صدره إلى الأمام
1004 - وحدثنا قاسم بن زكريا المطرز قال : حدثنا يعقوب
الدورقي ، وسلم بن جنادة قالا : حدثنا وكيع بن الجراح ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق
قال : قال البراء بن عازب : « ما رأيت من ذي لمة أحسن من رسول الله صلى الله عليه
وسلم ، في حلة (1) حمراء ، له شعر يضرب منكبيه ، بعيد ما بين المنكبين ، ليس
بالقصير ولا بالطويل صلى الله عليه وسلم »
__________
(1) الحُلَّة : ثوبَان من جنس واحد
1005 - حدثني أبو حفص عمر بن أيوب السقطي قال : حدثنا
عبد الأعلى بن حماد النرسي قال : المعتمر بن سليمان ، عن حميد ، عن أنس بن مالك
قال : « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس قواما ، وأحسن الناس وجها ،
وأحسن الناس لونا ، وأطيب الناس ريحا ، وألين الناس كفا ، ما شممت رائحة قط مسكة ولا
عنبرة أطيب منه ، ولا مسست خزة (1) ولا حريرة ، ألين من كفه ، وكان ربعة ، ليس بالطويل
ولا بالقصير ، ولا الجعد (2) ولا السبط (3) ، إذا مشى أظنه قال : يتكفأ (4) صلى
الله عليه وسلم »
__________
(1) الخز : ثياب تنسج من صوف وحرير
(2) الجَعْد : في صِفات الرجال يكون مَدْحا وَذَمّا :
فالمدْح مَعْناه أن يكون شَدِيد الأسْرِ والخَلْق، أو يكون جَعْدَ الشَّعَر أي
خشنه، وأما الذَّم فهو القَصير المُتَردّد الخَلْق. وقد يُطْلق على البخِيل أيضا
(3) الشعر السبط : المنبسط المسترسل
(4) تكفأ : مال صدره إلى الأمام
1006 - حدثنا أبو أحمد هارون بن يوسف بن زياد التاجر قال
: حدثنا مكرم بن محرز بن المهدي نسبته إلى الأزد ويكنى مكرم : بأبي القاسم ، حدثنا
بهذا الحديث في سوق قديد قال مكرم : حدثني أبي ، عن حزام بن هشام بن حبيش صاحب
رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قتيل البطحاء يوم الفتح ، حزام المحدث ، عن حبيش بن
خالد وهو أخو عاتكة بنت خالد التي كنيتها أم معبد ، أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم خرج حين أخرج من مكة : خرج منها مهاجرا إلى المدينة هو وأبو بكر رضي الله عنه
، ومولى أبي بكر عامر بن فهيرة ، ودليلهما الليثي عبد الله بن أريقط ، مروا على
خيمتي أم معبد الخزاعية ، فسألوها لحما وتمرا ليشتروه منها فلم يصيبوا عندها شيئا
من ذلك ، وكان القوم مرملين مسنتين ، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم شاة في
كسر الخيمة ، فقال : « ما هذه الشاة يا أم معبد ؟ قالت : شاة خلفها الجهد عن الغنم
قال : » هل بها من لبن ؟ قالت : هي أجهد من ذلك قال : أتأذنين لي أن أحلبها ؟ قالت
: بأبي أنت وأمي نعم إن رأيت بها لبنا فاحلبها ، فدعا بها رسول الله صلى الله عليه
وسلم ، فمسح بيده ضرعها ، وسمى الله عز وجل ودعا لها في شاتها ، فتفاجت عليه ،
ودرت ، واجترت ، ودعا بإناء يربض الرهط ، فحلب فيه ثجا حتى علاه البهاء ، ثم سقاها
حتى رويت ، وسقى أصحابه ، حتى رووا ، ثم شرب آخرهم صلى الله عليه وسلم ، ثم أراضوا
، ثم حلب فيه ثانيا بعد بدء ، حتى ملأ الإناء ثم غادره عندها ، تابعها وارتحلوا
عنها ، فقل ما لبثت أن جاء زوجها أبو معبد ، يسوق أعنزا عجافا يتشاركن هزلى مخهن
قليل ، فلما رأى أبو معبد ، اللبن عجب ، وقال : من أين لك هذا اللبن يا أم معبد ،
والشاء عازب حيال ولا حلوب في البيت ؟ قالت : لا والله ، إلا أنه مر بنا رجل مبارك
، من حاله كذا وكذا قال : صفيه لي يا أم معبد قالت : رأيت رجلا ظاهر الوضاءة أبلج
(1) الوجه ، حسن الخلق ، لم تعبه نحلة ،
ولم يزره صقلة ، وسيما قسيما ، في عينيه دعج ، وفي أشفاره غطف ، وفي صوته صحل ،
وفي عنقه سطع ، وفي لحيته كثاثة ، أزج أقرن ، إن صمت فعليه الوقار ، وإن تكلم سما
وعلاه البهاء ، أجمل الناس من بعيد ، وأحلاه وأحسنه من قريب ، حلو المنطق ، فصل ،
لا نزر ولا هذر ، كأن منطقه خرزات (2) نظم ينحدرن ، ربعة ، لا بايس من طول ، ولا تقتحمه
عين من قصر ، غصن بين غصنين ، فهو أنظر الثلاثة منظرا وأحسنهم قدرا ، له رفقاء
يحفونه ، إن قال أنصتوا لقوله ، وإن أمر تبادروا إلى أمره ، محفود محشود ، لا عابس
ولا معتد قال أبو معبد : هو والله صاحب قريش الذي ذكر لنا من أمره ما ذكر بمكة ،
ولقد هممت أن أصحبه ، ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلا فأصبح صوت بمكة عاليا ،
يسمعون ولا يدرون من صاحبه ؟ وهو يقول : جزى الله رب
الناس خير جزائه رفيقين قالا خيمتي أم معبد هما نزلاها بالهدى ، فاهتدت به فقد فاز
من أمسى رفيق محمد صلى الله عليه وسلم فيا لقصي ، ما زوى الله عنكم به من فعال لا
يجازى وسؤدد ليهن بني كعب مقام فتاتهم ومقعدها للمؤمنين بمرصد سلوا أختكم عن شاتها
وإنائها فإنكم إن تسألوا الشاة تشهد دعاها بشاة حائل فتحلبت عليها صريحا ضرة الشاة
مزبد فغادرها رهنا لديها لحالب يرددها في مصدر ثم مورد قال : فلما سمع حسان بن
ثابت الأنصاري رضي الله عنه شاعر النبي صلى الله عليه وسلم ، بهتف الهاتف ، شبب
بجواب الهاتف ، وهو يقول : لقد خاب قوم زال عنهم نبيهم وقدس من يسري إليهم ويعتد
ترحل عن قوم ، فضلت عقولهم وحل على قوم بنور مجدد هداهم به بعد الضلالة ربهم وأرشدهم
، من يتبع الحق يرشد وهل يستوي ضلال قوم تسفهوا عمايتهم هاد به كل مهتدي وقد نزلت
منه على أهل يثرب ركاب هدى ، حلت عليهم بأسعد نبي يرى ما لا يرى الناس حوله ويتلو
كتاب الله في كل مسجد وإن قال في يوم مقالة غائب فتصديقها في اليوم أو في ضحى الغد
ليهن أبا بكر سعادة جده بصحبته ، من يسعد الله يسعد ليهن بني كعب مقام فتاتهم
ومقعدها للمؤمنين بمرصد قال مكرم : معنى قولها :
يربض الرهط : يرويهم ، والعازب : الغائب عن أهله ، والحيال : التي قد مر لها حول وليس بها لبن ولم يقربها فحل ، وقوله : ثم أراضوا
: أراحوا ، والصقل : هو اللون الحسن ، والوسيم الصبيح ،
والقسيم النصف ، الصحل : صحة الصوت وصلابته ، والسطع : طول العنق ، والكثاثة :
الغلظ ، أزج : طويل الحاجبين ، والأقرن : المستجمع
شعر الحاجبين ، والنزر : القليل ، والهذر : الذي يهذر بالكلام كثرة
__________
(1) أبلج الوجه : مشرق الوجه مضيئه
(2) الخرز : حبات تنظم في عقد تضعه المرأة في رقبتها
لتتزين به
1007 - وحدثنا أبو أحمد أيضا قال : حدثنا مكرم قال :
حدثني يحيى بن قرة الخزاعي ثم الكعبي قال يحيى : لما أن هتف الهاتف بمكة بمخرج
رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لم يبق بيت من بيوت المشركين ، إلا انتبه بهتف
الهاتف واستيقظوا ، فلما أن أصبحوا اجتمعوا ثم قال بعضهم لبعضهم : سمعتم ما كان البارحة
؟ قالوا : نعم ، سمعنا ، قالوا : قد بان لكم مخرج صاحبكم على طريق الشام من حيث
تأتيكم الميرة على خيمتي أم معبد ، بقديد واطلبوه ، فردوه من قبل أن يستعين عليكم
بكلبان العرب ، فجمعوا سرية من خيل ضخمة ، فخرجت في طلب رسول الله صلى الله عليه
وسلم ، حتى نزلوا بأم معبد ، وقد أسلمت وحسن إسلامها فسألوها عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم ، فأشفقت عليه منهم وتعاجمت وقالت : إنكم لتسألون عن أمر ما سمعت
به قبل عامي هذا ، وهي صادقة لم تسمعه إلا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
تخبروني أن رجلا يخبركم بما في السماء ؟ إنى لأستوحش منكم ، ولإن لم تنصرفوا عني
لأصيحن في قومي عليكم ، فانصرفوا ، ولم يعلموا أين رسول الله صلى الله عليه وسلم
توجه ، ولو قضى الله الكريم : أن يسألوا الشاة من حلبك ؟ لقالت : محمد رسول الله صلى
الله عليه وسلم ، وذلك أنها جعلت شاهدة ، فعمى الله الكريم عليهم مساءلة الشاة ،
وسألوا أم معبد ، فكتمتهم قال محمد بن الحسين رحمه الله : قد حدثنا بهذا الحديث ابن صاعد في كتاب دلائل النبوة ، عن مكرم وغيره ، من
طرف مختصر في باب دلائل النبوة قال محمد بن الحسين رحمه الله تعالى : وقد تكلم أبو
عبيد ، وغيره في غريب حديث أم معبد ، فأنا أذكره فإنه حسن يزيد الناظر فيه علما
ومعرفة قوله في أول الحديث : وكان القوم مرملين مشتين يعني مرملين : قد نفد زادهم
وقوله مشتين : يعني دائبين في الشتاء وهو الوقت الذي يكون فيه الجدب وضيق الأمر
على الأعراب وقوله في الشاة : فتفاجت عليه : يعني فتحت ما بين رجليها للحلب ، وقوله : دعا بإناء يربض الرهط : أي يرويهم
، حتى يثقلوا فيربضوا والرهط ما بين الثلاثة إلى العشرة ، وقوله
: فحلب فيه ثجا : الثج : السيلان قال الله عز وجل :
وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا (1) أي سيالا وقوله : حتى علاه البهاء : تريد علا
الإناء بهاء اللبن ، وهو وبيص رغوته : تريد أنه ملأه ، وقوله : فسقى أصحابه حتى
أراضوا : يعني حتى رووا ، حتى تقعوا بالري ، وقوله في الأعنز : يتشاركن هزلا :
يعني قد عمهن الهزال فليس فيهن منفعة ولا ذات طرق وهو من الاشتراك يعني أنهن
اشتركن : فصار لكل واحدة منهن حظ ، وقوله :
والشاء عازب : أي بعيد في المرعى ، يقال عزب عنا : إذا بعد ويقال للشىء إذا انفرد
: عزب ، ثم وصفت النبي صلى الله عليه وسلم لزوجها أبي معبد قال : صفيه لي ، فقالت
: رأيت رجلا ظاهر الوضاءة ، أبلج الوجه ، حسن الخلق ، لم تعبه نحلة ولم تزريه صقلة
، وسيما قسيما ، في عينيه دعج ، وفي أشفاره غطف ، وفي صوته صحل ، وفي عنقه سطع ، وفي
لحيته كثاثة ، أزج أقرن ، إن صمت فعليه الوقار ، وإن تكلم سما وعلاه البهاء ، أجمل
الناس وأبهاه من بعيد ، وأحسنه وأحلاه من قريب ، حلو المنطق ، لا نزر ولا هذر ،
كأنما منطقه خرزات نظم ينحدرن ، ربعة ، لا بايس من طول ، ولا تقتحمه عين من قصر ،
غصن بين غصنين ، فهو أنظر الثلاثة منظرا وأحسنهم قدرا ، له رفقاء يحفونه ، إن قال
أنصتوا ، وإذا أمر تبادروا إلى أمره محفود محشود ، لا عابس ، ولا معتد . قولها :
أبلج الوجه : تريد مشرق الوجه ، وقولها : لم تعبه نحلة : والنحلة : الدقة ، وقولها
: لم تزريه صقلة ، والصقل : أي ولا تأخذ الخاصرة ، وقولها : وسيم الحسن الوضيء :
يقال : وسيم بين الوسامة وعليه ميسم الحسن ، والقسيم : الحسن ، والقسامة : الحسن ،
والدعج : السواد في العين ، وقولها : وفي أشفاره عطف بالعين عندهم أشبه وهو أن
تطول الأشفار ثم تنعطف إذا كان بالغين كأنه يقال : غطف ومن قال
: بالعين قال : هو في الأذن وهو أن يدبر إلى الرأس
وينكسر طرفها ، وقولها : وفي صوته صحل :
تريد في صوته كالبحة وهو أن لا يكون حادا وروي عن ابن عمر أنه كان يرفع صوته
بالتلبية حتى يصحل صوته بالتلبية يعني بح صوته ، قال الشاعر : وقد صحلت من النوح
الحلوق قولها : في عنقه سطع : أي طول : يقال : في الفرس عنق سطعاء إذا طالت عنقها وانتصبت وقولها : أقرن : يعني أزج الحواجب
، والزجج طول الحاجبين ودقتهما ، والقرن : أن يطول الحاجبان حتى يلتقي طرفاهما
ويقال : الأبلج هو أن ينقطع الحاجبان فيكون بينهما نقيا ، وقولها إذا تكلم سما :
تريد علا برأسه أو يده ، وقولها في وصف منطقه : فصل ، لا نزر ولا هذر : أي إنه وسط
، ليس بقليل ولا كثير ، وقولها : معتدل القامة : كأنها تقول : معتدل القامة كما
روى أنس بن مالك ، ليس بالقصير ، ولا بالطويل ، قولها : ولا تقتحمه عين من قصر :
أي لا تحتقره ولا تزدريه ، قولها : محفود : أي مخدود ، يقال : الحفدة : الأعوان
يخدمونه ، قولها : محشود : هو من قولك : حشدت لفلان في
كذا ، إذا أردت أنك اعتددت له ، وصنعت له ، وقولها : لا عابس : يعني : لا عابس
الوجه من العبوس ، ولا معتد : يعني بالمعتدي الظالم ، ليس بظالم صلى الله عليه
وسلم
__________
(1) سورة : النبأ آية رقم : 14
1008 - وحدثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قال :
حدثنا سفيان بن وكيع بن الجراح أبو محمد قال : حدثنا جميع بن عمير بن عبد الرحمن
أبو جعفر العجلي ، أملاه علينا من كتابه قال : حدثني : رجل من بني تميم ، من ولد
أبي هالة زوج أخت خديجة يكنى أبا عبد الله عن ابن لأبي هالة عن الحسن بن علي رضي الله
عنهما قال سألت خالي هند بن أبي هالة وكان وصافا عن حلية صلى الله عليه وسلم ،
وأنا اشتهي أن يصف لي منها شيئا أتعلق به ، فقال : كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم ، « فخما فخما ، يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر ، أطول من المربوع ،
وأقصر من المشذب ، عظيم الهامة ، رجل الشعر إن انفرقت عقيقته فرق ، وإلا فلا يجاوز
شعره شحمة أذنيه ، إذا هو وفرة ، أزهر اللون ، واسع الجبين ، أزج الحواجب ، سوابغ
في غير قرن بينهم ، عرق يدره الغضب ، أقنى العرنين ، له نور يعلوه ، يحسبه من لم
يتأمله أشم كث اللحية ، سهل الخدين ، ضليع الفم ، أشنب مفلج الأسنان ، دقيق
المسربة (1) ، كأن عنقه جيد دمية في صفاء الفضة ، معتدل الخلق ، بادنا متماسكا ،
سواء البطن والصدر ، عريض الصدر ، بعيد ما بين المنكبين ، ضخم الكراديس (2) ، أنور
المتجرد ، موصول ما بين اللبة (3) والسرة بشعر يجري كالخط ، عاري الثديين والبطن
مما سوى ذلك ، أشعر الذراعين ، والمنكبين وأعالي الصدر ، طويل الزندين ، رحب
الراحة ، شثن (4) الكفين والقدمين ، سائر أو سائل يعني الأطراف سفيان بن وكيع ،
يشك خمصان الأخمصين ، مسيح القدمين ينبو عنهما الماء ، إذا زال قلعا ، يخطو تكفؤا
(5) ويمشي هونا إذا مشى كأنما ينحط من صبب (6) وإذا التفت التفت جميعا ، خافض
الطرف ، نظره إلى الأرض أكثر من نظره إلى السماء ، جل نظره الملاحظة ، يسوق أصحابه
، يبدر من لقي بالسلام » قال : قلت : صف
لي منطقه ؟ قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، « متواصل الأحزان ، دائم الفكر ، ليست له راحة ، طويل السكت ، لا يتكلم في غير
حاجة ، يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه ، ويتكلم بجوامع الكلم ، فضول ، لا فصول ولا
تقصير ، دمث ، ليس بالجافي ولا المهين ، يعظم النعمة ، وإن دقت ، لايذم منها شيئا
، غير أنه لم يكن يذم ذواقا ولا يمدحه ، لا تغضبه الدنيا ، ولا ما كان لها ، فإذا
تعدي الحق ، لم يعرفه أحد ولم يقم لغضبه شيء ، حتى ينتصر له ، ولا يغضب لنفسه ولا
ينتصر لها ، إذا أشار أشار بكفه كلها ، وإذا تعجب قلبها ، وإذا تحدث اتصل بها يضرب
براحته اليمنى باطن كفه اليسرى ، وإذا غضب أعرض وأشاح ، وإذا فرح غض ، جل ضحكه
التبسم ويفتر عن مثل حب الغمام صلى الله عليه وسلم » ، قال الحسن بن علي رضي الله
عنهما : فكتمتها الحسين زمانا ، ثم حدثته فوجدته قد سبقني إليه ، فسأله عما سألته
عنه ، ووجدته قد سأل أباه رضي الله عنه ، عن مدخله ومخرجه وشكله ، فلم يدع منه شيئا
قال الحسين رضي الله عنه : فسألت أبي عن دخول رسول الله صلى عليه وسلم ؟ فقال : «
كان دخوله لنفسه مأذونا له في ذلك ، فكان إذا أوى إلى منزله جزأ دخوله ثلاثة أجزاء
: جزءا لله عز وجل وجزءا لأهله ، وجزءا لنفسه ، ثم جزأ جزأه بينه وبين الناس فيرد
ذلك بالخاصة على العامة ولا يدخر عنهم شيئا ، وكان من سيرته في جزء الأمة إيثار
أهل الفضل بإذنه ، وقسمه على قدر فضلهم في الدين ، فمنهم ذو الحاجة ومنهم ذو
الحاجتين ومنهم ذو الحوائج ، فيتشاغل بهم ويشغلهم فيما أصلحهم والأمة كذا من
مسألته عنهم وإيثاره بالذي ينبغي لهم ويقول : ليبلغ الشاهد الغائب وأبلغوني حاجة
من لا يستطيع إبلاغها ، فإنه من أبلغ سلطانا حاجة من لا يستطيع إبلاغها ثبت الله
قدميه يوم القيامة ، لا يذكر عنده إلا ذلك ولا يقبل من أحد غيره يدخلون روادا ولا
يفترقون إلا عن ذواق ويخرجون أدلة ، يعني على الخير » ، قال : وسألته عن مخرجه ، كيف
كان يصنع فيه ؟ فقال : « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يخزن لسانه إلا مما
يعنيه ، ويؤلفهم ولا ينفرهم ، ويكرم كريم كل قوم ويوليه عليهم ، ويحذر الناس
ويحترس منهم من غير أن يطوي عن أحد بشره ، ولا خلقه ويتفقد أصحابه ، ويسأل الناس
عما في الناس ، ويحسن الحسن ويقويه ، ويقبح القبيح ويوهنه ، معتدل الأمر غير مختلف
، لا يغفل مخافة أن يغفلوا أو يملوا ، لكل حال عنده عتاد ، لا يقصر عن الحق ولا
يجاوزه ، الذين يلونه من الناس خيارهم أفضلهم عنده نصيحة وأعظمهم عنده منزلة
وأحسنهم مواساة ومؤازرة » ، قال : وسألته عن
مجلسه كيف كان يصنع فيه ؟ قال : « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لا يقوم ولا
يجلس إلا على ذكر ، ولا يوطن (7) الأماكن ، وينهى عن إيطانها ، وإذا انتهى إلى قوم
جلس حيث ينتهي به المجلس ، ويأمر بذلك ، يعطي كل جلسائه بنصيب ، لا يحسب جليسه أن
أحدا أكرم عليه منه ، من جالسه أو قاومه لحاجة صابره حتى يكون هو المنصرف ، ومن
سأله حاجة لم يرده إلا بها أو بميسور من القول قد وسع الناس منه بسطه وخلقه ، فصار
لهم أبا وصاروا عنده في الحق سواء ، مجلسه مجلس حلم وحياء وصبر وأمانة ، لا ترفع
فيه الأصوات ولا تؤبن فيه الحرم ، ولا تثنى فلتاته ، متعادلين يتفاضلون فيه بالتقوى
متواضعين ، يوقرون الكبير ويرحمون الصغير ، ويؤثرون ذا الحاجة ، ويحفظون الغريب »
، قال : وسألته عن سيرته في جلسائه ؟ فقال : « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
دائم البشر ، سهل الخلق لين الجانب ، ليس بفظ ، ولا غليظ ، ولا سخاب (8) ، ولا
عياب ، ولا مداح يتغافل عن ما لا يشتهى فلا يؤس منه ولا يخيب فيه ، قد ترك نفسه من
ثلاث : المراء ، والإكثار وما لا يعنيه ، وترك الناس من ثلاث : كان لا يذم أحدا
ولايعيره ، ولا يطلب عورته ، لا يتكلم إلا فيما رجا ثوابه ، إذا تكلم أطرق (9)
جلساؤه كأنما على رءوسهم الطير ، فإذا سكت تكلموا ، ولا يتنازعون عنده الحديث ، من
تكلم أنصتوا له حتى يفرغ ، حديثهم عنده حديث أولهم ، يضحك مما يضحكون منه ، ويتعجب
مما يتعجبون منه ويصبر للغريب على الجفوة في منطقه ومسألته ، حتى إن كان أصحابه يستجلبونهم
ويقول : » إذا رأيتم طالب حاجة يطلبها فأرفدوه « ولا يقبل الثناء إلا عن مكافئ ،
ولا يقطع على أحد حديثه حتى يجول ، فيقطعه بنهي أو قيام » ، وسألته كيف كان سكوت
النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : على أربع : على الحلم ، والحذر ، والتقدير ، والتفكير ، فأما تقديره ففي تسوية النظر والاستماع
بين الناس ، وأما تفكره ففيما يفنى ويبقى ، وجمع له الحلم في الصبر ، فكان لا
يغضبه شيء ولا يستفزه أحد ، جمع له الحذر في أربع : أخذه بالحسن ليقتدى به ، وتركه
القبيح لينتهى عنه ، واجتهاده الرأي فيما أصلح أمته ، والقيام فيها ، وجمع لهم
الدنيا والآخرة صلى الله عليه وسلم ، تسليما كثيرا « قال محمد بن الحسين رحمه الله
: قد ذكرت من صفة خلق رسول الله صلىالله عليه وسلم ، وحسن صورته التي أكرمه الله
عز وجل بها وصفة أخلاقه الشريفة التي خصه الله الكريم بها ما فيه كفاية لمن تعلق
من أمته بطرف منها ، ونسأل الله مولانا الكريم المعونة على الاقتداء بشرائع نبيه ،
ولن يستطيع أحد من الناس أن يتخلق بأخلاقه إلا من اختصه الله الكريم ممن أحب من
أهله وولده وصحابته ، وإلا فمن دونهم يعجز عن ذلك ، ولكن من كانت نيته ومراده في
طلب التعلق بأخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، رجوت له من الله الكريم أن
يثيبه على قدر نيته ومراده وإن ضعف عنها عمله ، كما روي عن علي بن أبي طالب رضي
الله عنه أنه وصف المؤمن بأخلاق كريمة شريفة ، فقال فيما وصفه به : إن سكت تفكر ،
وإن تكلم ذكر ، وإذا نظر اعتبر ، وإذا استغنى شكر ، وإذا ابتلي صبر ، نيته تبلغ ،
وقوته تضعف ، ينوي كثيرا من العمل ، يعمل بطاقته منه قال محمد بن الحسين رحمه الله
: ألم تسمعوا رحمكم الله إلى قول الله عز وجل لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ،
وإنك لعلى خلق عظيم (10) يقال : على أدب القرآن ، فمن كان الله عز وجل متوليه
بالأخلاق الشريفة ، فليس بعده ولا قبله مثله في شرف الأخلاق
__________
(1) المسربة : شعر دقيق من الصدر إلى السرة
(2) الكراديس : جمع كردوس ، وهي رءوس العظام
(3) اللبة : موضع الذبح واللهزمة التي فوق الصدر
(4) الشثن : الغليظ الخشن
(5) تكفأ : مال صدره إلى الأمام
(6) الصبب : المنحدر من الأرض
(7) يوطن : يعتاد ويألف موضعا واحدا
(8) السَّخَب والصَّخَب : الصِياح واختلاط الأصوات
(9) أطرق : أمال رأسه إلى صدره وسكت فلم يتكلم
(10) سورة : القلم آية رقم : 4
==============
ج4. كتاب : الشريعة للآجري
المؤلف : الآجري
- حدثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قال : حدثنا
الحسين بن الحسن المروزي قال : أنبأنا ابن المبارك قال : حدثنا المبارك بن فضالة
قال : أنبأنا الحسن ، عن سعد بن هشام قال :
قلت لعائشة رضي الله عنها : ما كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقالت :
قال الله عز وجل : وإنك لعلى خلق عظيم (1) فخلقه القرآن
__________
(1) سورة : القلم آية رقم : 4
1010 - وحدثنا ابن صاعد قال : حدثنا الحسين قال : أنبأنا
ابن المبارك قال : أنبأنا الفضل بن مرزوق ، عن عطية
العوفي في قول الله عز وجل : وإنك لعلى خلق عظيم (1) قال : أدب القرآن
__________
(1) سورة : القلم آية رقم : 4
1011 - حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد العطشي قال :
حدثنا أحمد بن يحيى بن مالك السوسي قال : حدثنا داود بن المحبر قال : حدثنا عباد
بن كثير ، عن أبي إدريس ، عن وهب بن منبه قال : قرأت أحدا وسبعين كتابا ، فوجدت في
جميعها أن الله عز وجل لم يعط جميع الناس ، من بدء الدنيا إلى انقضائها من العقل في
جنب عقل محمد صلى الله عليه وسلم ، إلا كحبة رمل من بين جميع رمال الدنيا ، وأن
محمدا صلى الله عليه وسلم أرجح الناس عقلا وأفضلهم رأيا « قال محمد بن الحسين رحمه
الله : وأنا أبين من غريب حديث أبي هالة ، الذي ذكرناه على ما بينه من تقدم من
العلماء مثل : أبي عبيد ، وغيره ، فإنه علم حسن لأهل العلم وغيرهم ، قوله في أول
الحديث : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فخما مفخما يتلألأ وجهه تلألؤ القمر
ليلة البدر : معناه : عظيما ، معظما ، يقال : فخم بين الفخامة ويقال : أتينا فلانا
ففخمناه ، أي عظمناه ورفعنا من شأنه وقال الشاعر : نحمد مولانا الأجل الأفخما
وقوله : أقصر من المشذب : المشذب : الطويل البائن ، وأصل التشذيب التفريق يقال :
شذبت المال إذا فرقته ، فكان المفرط الطويل خلقه ولم يجمع ، يريد أن النبي صلى
الله عليه وسلم ، لم يكن مفرط الطول ولكنه بين الربعة وبين المشذب ، وقوله : إن انفرقت
عقيقته فرق : يريد شعره ، يريد أنه كان لا يفرق شعره إلا أن يفترق الشعر من قبله ،
ويقال : كان هذا في أول الإسلام ، ثم فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقوله :
أزهر اللون : يريد أبيض اللون مشرقا ، مثل قولهم : سراج يزهر ، أي يضيء ، ومنه سميت الزهرة لشدة ضوئها ، فأما الأبيض غير المشرق
فهو الأمهق ، وقوله : أزج الحواجب : يعني طول الحاجبين ودقتهما ، وسبوغهما إلى
مؤخر العينين ثم وصف الحواجب فقال : سوابغ في غير قرن ، والقرن أن يطول الحاجبان
حتى يلتقي طرفاهما قال الأصمعي : كانت العرب تكره القرن ، ويستحب البلج ، والبلج أن
ينقطع الحاجبان فيكون ما بينهما نقيا ، وقوله : أقنى العرنين : يعني المعطس وهو
المرسن والقنا فيه ، طوله ودقة أرنبته وحدب في وسطه ، وقوله : يحسبه من لم يتأمله
أشم : يعني ارتفاع القصبة وحسنها واستواء أعلاها ، وإشراف الأرنبة قليلا ، يقول :
يحسن قنا أنفه اعتدال يحسبه قبل التأمل أشمه ، وقوله : ضليع الفم : يعني عظيمه ، يقال
: ضليع بين الضلاعة ، ومنه قول الجني لعمر رضي الله عنه ، إني منهم لضليع وكانت
العرب تحمد ذلك وتذم صغر الفم ، قوله : دقيق المسربة : والمسربة الشعر المسترق ما بين اللبة إلى السرة قوله : كأن عنقه جيد دمية في
صفاء الفضة : يعني الجيد العنق ، والدمية الصورة وشبهها في بياضها بالفضة ، وقوله
: بادن متماسك : والبادن : الضخم ، يقال : بدن الرجل ، وبدن بالتشديد إذا أسن ،
ومعنى قوله : متماسك : يريد أنه مع بدانته متماسك اللحم ، ليس بمسترخيه ، وقوله :
سواء البطن والصدر : يعني أن بطنه غير مستفيض فهو مساو لصدره وأن صدره عريض فهو
مساو لبطنه وقوله : ضخم الكراديس : يعني الأعضاء هو
في وصف علي رضي الله عنه له أنه كان جليل المشاش أي عظيم رءوس العظام مثل الركبتين
والمرفقين والمنكبين ، وقوله : أنور المتجرد : يعني ما جرد عنه الثوب من بدنه ، وهو أنور من النور ، يريد شدة بياضه ، وقوله
: طويل الزندين : والزند من الذراع ما انحسر عنه اللحم ، وللزند رأسان : الكوع ،
والكرسوع ، فالكرسوع رأس الزند الذي يلي الخنصر ، والكوع رأس الزند الذي يلي
الإبهام يقال عن الحسن البصري : أنه كان عريض زنده شبرا ، وقوله : رحب الراحة :
يريد أنه واسع الراحة ، وكانت العرب تحمد ذلك وتمدح به وتذم صغر الكف وضيق الراحة
، قوله : شثن الكفين والقدمين : يعني أنهما إلى الغلظ والقصر ، قوله : سائل
الأطراف : يعني الأصابع ، أنها طوال ليست بمتعقدة ولا منقبضة ، وقوله : خمصان
الأخمصين : يعني الأخمص في القدم من تحتها وهو ما ارتفع عن الأرض في وسطها ، أراد
بقوله خمصان الأخمصين أن ذلك منهما مرتفع وأنه ليس بأرح والأرح هو الذي يستوي باطن
قدمه حتى يمس جميعه الأرض ويقال للمرأة الضامرة البطن خمصانة ، قوله : مسيح
القدمين : يعني أنه ممسوح القدمين فالماء إذا صب
عليهما مر عليهما مرا سريعا لاستوائهما ، قوله : إذا زال زال تقلعا : هو بمنزلة ما
وصف علي رضي الله عنه إذا مشى تقلع ، وقوله : يخطو تكفؤا ويمشي هونا : يعني أنه
يمتد إذا خطا ويمشي في رفق غير مختال ، لا يضرب غطفا ، والهون بفتح الهاء الرفق
قال الله عز وجل : وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا (1) فإذا ضممت الهاء
فهو الهوان قال الله عز وجل : عذاب الهون (2) قوله : ذريع المشية
: يريد أنه مع هذا المشي سريع المشية ، يقال : فرس ذريع
بين الذراعة ، إذا كان سريعا ، وامرأة تذراع إذا كانت سريعة الغزل ، قوله : إذا
مشى كأنما ينحط من صبب : معنى الصب الانحدار قال محمد بن الحسين ، رحمه الله :
فهذه صفات خلقه ، وأما صفات أخلاقه صلى الله عليه وسلم ، قوله : يسوق أصحابه
: يريد أنه إذا مشى مع أصحابه قدمهم بين يديه ومشى
وراءهم ، وفي حديث آخر : يبسر أصحابه :
والبسر السوق ، قوله : دمثا : والدمث من الرجال السهل اللين ، قوله : ليس بالجافي
ولا المهين : يريد أنه لا يحقر الناس ولا يهينهم وليس بالجافي الغليظ الفظ ولا
الحقير الضعيف ، قوله : يعظم النعمة وإن دقت : يقول : إنه لا يستصغر شيئا أوتيه ، وإن كان صغيرا ، ولا يحقره ، وقوله
: ولا يذم ذواقا ولا يمدحه : يعني أنه كان لا يصف الطعام
بطيب ولا فساد إن كان فيه ، وقوله : إذا غضب أعرض وأشاح : معنى أعرض عدل بوجهه
وذلك فعل الحذر من الشيء والكاره للأمر ، وأشاح ، الإشاحة تكون بمعنيين : أحدهما الجد
في الأمر والإعراض بالوجه ، يقال : أشاح إذا عدل بوجهه وهذا معنى الحرف في هذا
ومنه قوله صلى الله عليه وسلم : » اتقوا النار ولو بشق تمرة « ثم أعرض وأشاح ، أي عدل بوجهه وذلك فعل الحذر من الشيء والكاره الأمر وقوله
: يفتر : أي يبتسم ومنه يقال : فررت الدابة إذا نظرت إلى سنها ، وقوله : عن مثل حب
الغمام يعني : البرد شبه ثغره به ، والغمام السحاب ، وقوله : في دخوله : جزأ جزأه
بينه وبين الناس : ويرد ذلك بالخاصة على العامة : يعني أن العامة كانت لا تصل إليه
في منزله كل وقت ولكنه كان يوصل إليها حقها من ذلك الجزء بالخاصة التي تصل إليه ،
فتوصله إلى العامة ، وقوله : يدخلون روادا : هو جمع رائد والرائد أصله الذي يبعث
به القوم يطلب لهم الكلأ ومساقط الغيث ولم يرد الكلأ في هذا الموضع ولكنه ضربه
مثلا لما يلتمسون عنده من العلم والنفع في دينهم ودنياهم ، وقوله : لا يتفرقون إلا
عن ذواق : الذواق أصله الطعم ، ولم يرد الطعم ها هنا ، ولكنه ضربه مثلا لما ينالونه
عنده من الخير ، وقوله : يخرجون أدلة : يعني يخرجون من عنده بما قد تعلموه ،
فيدلون عليه الناس وينبئونهم به وهو جمع دليل ، مثل : شحيح وأشحة ، وسرير وأسرة ،
وقوله : وذكر مجلسه : لا تؤبن فيه الحرم : يعني لا تقذف فيه ، يقال : أبنته بكذا
من الشر ، إذا رميته ومنه حديث الإفك : أشيروا علي في
أناس أبنوا أهلي بمن والله ، ما علمت عليه من سوء قط ومنه رجل مأبون أي : معروف
بخلة سوء رمي بها ، وقوله : ولا تثنى فلتاته : يعني أي لا يتحدث بهفوة أو زلة إن
كانت في مجلسه من بعض القوم ، ومنه يقال : ثنوت الحديث إذا أذعته ، والفلتات جمع فلتة وهى ها هنا الزلة والسقطة ، وقوله
: إذا تكلم أطرق جلساؤه ، كأن على رءوسهم الطير : يعني أنهم يسكنون ، فلا يتحركون
ويغضون أبصارهم ، والطير لا تسقط إلا على ساكن ، ويقال للرجل إذا كان حليما وقورا
: إنه لساكن الطائر ، وقوله : لا يقبل الثناء إلا عن مكافئ : عنى إذا ابتدئ بمدح
كره ذلك فإذا اصطنع معروفا فأثنى عليه مثن وشكره قبل ثناءه
__________
(1) سورة : الفرقان آية رقم : 63
(2) سورة : الأنعام آية رقم : 93
باب ذكر ما خص الله عز وجل به النبي صلى الله عليه وسلم
، أنه أسري به إليه قال محمد بن الحسين ، رحمه الله : ومما خص الله عز وجل به
النبي صلى الله عليه وسلم ، مما أكرمه به ، وعظم شأنه زيادة منه له في الكرامات
أنه أسري بمحمد صلى الله عليه وسلم بجسده وعقله حتى وصل إلى بيت المقدس ثم عرج به إلى
السماوات فرأى من آيات ربه الكبرى ، رأى ملائكة ربه عز وجل ورأى إخوانه من
الأنبياء حتى وصل إلى مولاه الكريم فأكرمه بأعظم الكرامات ، وفرض عليه وعلى أمته
خمس صلوات وذلك بمكة في ليلة واحدة ، ثم أصبح بمكة سر الله الكريم به أعين
المؤمنين وأسخن به أعين الكافرين وجميع الملحدين ، قال الله عز وجل : سبحان الذي
أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من
آياتنا إنه هو السميع البصير (1) وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم كيف أسري به
وكيف ركب البراق وكيف عرج به ونحن نذكره إن شاء الله تعالى
__________
(1) سورة : الإسراء آية رقم : 1
1012 - حدثنا أبو بكر جعفر بن محمد الفريابي قال : حدثنا
يزيد بن خالد بن موهب الرملي قال : حدثنا عبد الله بن وهب قال : حدثنا يونس بن
يزيد ، عن ابن شهاب الزهري ، عن أنس بن مالك قال : كان أبو ذر يحدث : أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال : « فرج سقف بيتي وأنا بمكة ، فنزل جبريل عليه السلام ، ففرج
صدري ، ثم غسله من ماء زمزم ، ثم جاء بطست من ذهب مملوء حكمة وإيمانا معا فأفرغها
في صدري ثم أطبقه ، ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى السماء ، فلما جاء السماء الدنيا قال
: جبريل لخازن السماء : افتح قال : من هذا ؟ قال : جبريل قال : هل معك أحد ؟ قال : نعم ، محمد صلى الله عليه وسلم قال : أرسل
إليه ؟ قال : نعم فافتح ففتح قال : فلما علونا السماء الدنيا إذا رجل عن يمينه
أسودة ، وعن يساره أسودة ، فإذا نظر قبل يمينه ضحك ، وإذا نظر قبل شماله بكى فقال
: مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح قال : قلت : يا جبريل من هذا ؟ قال : هذا آدم
، وهذه الأسودة عن يمينه وعن شماله نسم بنيه ، فأهل اليمين منهم أهل الجنة ،
والأسودة عن شماله أهل النار فإذا نظر عن يمينه ضحك ، وإذا نظر عن شماله بكى ، قال
: ثم عرج بي جبريل عليه السلام حتى أتينا السماء الثانية ، فقال : لخازنها : افتح
ففتح ، فقال : له خازنها مثل ما قال له خازن سماء الدنيا ففتح » قال أنس : فذكر
أنه وجد في السماوات آدم ، وإدريس ، وعيسى ، وموسى ، وإبراهيم عليهم الصلاة
والسلام ، ولم يثبت كيف منازلهم غير أنه قد ذكر أنه وجد آدم في سماء الدنيا ،
وإبراهيم في السادسة ، وقال : فلما مر جبريل ورسول الله صلى الله عليه وسلم بإدريس
عليه السلام قال : مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح ، قال : « ثم مررت فقلت
: من هذا ؟ قال : هذا إدريس قال : ثم مررت بموسى قال :
مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح ، قلت : من هذا ؟ قال : هذا موسى قال : ثم مررت
بعيسى ، فقال : مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح قلت
: من هذا ؟ قال : هذا عيسى قال : ثم مررت بإبراهيم عليه السلام ، فقال : مرحبا
بالنبي الصالح ، والابن الصالح ، قلت : من هذا ؟ قال : هذا إبراهيم » قال ابن شهاب
: فأخبرني ابن حزم ، أن ابن عباس وأبا حبة الأنصاري كانا يقولان : قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : « ثم عرج بي حتى ظهرت بمستوى العرش » قال ابن حزم وأنس بن
مالك : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «
ففرض الله عز وجل على أمتي خمسين صلاة » قال : « فرجعت بذلك حتى مررت بموسى عليه
الصلاة والسلام ، فقال : موسى ، ماذا فرض
ربك على أمتك ؟ قال : قلت : » فرض عليهم خمسين صلاة « قال : موسى ، راجع ربك ، فإن أمتك لا تطيق ذلك قال : » فراجعت ربي عز وجل ، فوضع
شطرها « قال : فرجعت إلى موسى ، فأخبرته قال : راجع ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك ،
قال : » فراجعت ربي ، عز وجل ، « فقال : » هي خمس ، وهى خمسون ما يبدل القول لدي
(1) « قال : » فرجعت إلى موسى « فقال : راجع ربك فقلت : » قد استحييت من ربي عز وجل « قال : » ثم انطلق بي حتى أتى بي سدرة المنتهى فغشاها
ما غشى من ألوان ما أدري ما هي « قال : » ثم أدخلت الجنة فإذا فيها جنابذ (2)
اللؤلؤ ، وإذا ترابها المسك «
__________
(1) سورة : ق آية رقم : 29
(2) الجنابذ : جمع جنبذة ، وهو ما ارتفع من الشيء
واستدار كالقبة
1013 - وحدثنا أبو أحمد هارون بن يوسف قال : حدثنا ابن
أبي عمر العدني قال : حدثنا عبد
الرزاق وعبيد الله بن معاذ قالا : أنا معمر ، عن أبي هارون العبدي ، عن أبي سعيد
الخدري في قول الله عز وجل : سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى
المسجد الأقصى (1) قال : حدثنا النبي صلى الله عليه وسلم عن ليلة أسري به قال نبي
الله صلى الله عليه وسلم : « أتيت بدابة هي أشبه الدواب بالبغل ، له أذنان
مضطربتان وهو البراق التي كانت الأنبياء تركبه قبلي ، فركبته فانطلق بي تقع يداه
عند منتهى بصره ، فسمعت نداء عن يميني : يا محمد ، على رسلك أسألك ، فمضيت ، فلم
أعرج عليه ، ثم سمعت نداء عن شمالي : يا محمد ، على رسلك أسألك ، فمضيت ولم أعرج
عليه ، ثم استقبلتني امرأة عليها من كل زينة الدنيا رافعة يديها تقول : على رسلك
أسألك ، فمضيت فلم أعرج عليها ، ثم أتيت بيت المقدس أو قال : المسجد الأقصى ،
فنزلت عن الدابة فأوثقته بالحلقة التي كانت الأنبياء توثق بها ، ثم دخلت المسجد فصليت
فيه ، فقال لي جبريل عليه السلام : ماذا رأيت في وجهك ؟ فقلت : سمعت نداء عن يميني
: يا محمد على رسلك أسألك ، فمضيت ولم أعرج عليه فقال : ذلك داعي اليهود ، أما إنك
لو وقفت عليه لتهودت أمتك قلت : ثم سمعت نداء عن يساري : يا محمد على رسلك أسألك ،
فمضيت ولم أعرج عليه فقال : ذاك داعي النصارى أما إنك لو وقفت عليه تنصرت أمتك قلت
: ثم استقبلتني امرأة عليها من كل زينة الدنيا رافعة يديها ، تقول : على رسلك ،
أسألك ، فمضيت ولم أعرج عليها فقال : تلك الدنيا تزينت لك ، أما إنك لو وقفت عليها
لاخترت الدنيا على الآخرة ، قال : ثم أتيت بإناءين : أحدهما فيه لبن ، والآخر :
فيه خمر ، فقيل لي : خذ فاشرب أيهما شئت ، فأخذت اللبن فشربته ، فقال له جبريل
: أصبت الفطرة أو أخذت الفطرة » قال معمر : وحدثني
الزهري ، عن ابن المسيب ، أنه قيل له : أما إنك لو أخذت الخمر ، غوت أمتك ، وقال :
أبو هارون : عن أبي سعيد : عن النبي صلى الله عليه وسلم : « ثم جيىء بالمعراج الذي
تعرج فيه أرواح بني آدم فإذا أحسن ما رأيت : ألم تروا إلى الميت كيف يحد ببصره إليه
؟ فعرج بنا حتى انتهينا إلى باب سماء الدنيا فاستفتح جبريل ، فقيل
: من هذا ؟ قال : جبريل ، قالوا : ومن معك ؟ قال : محمد
قيل : وقد أرسل إليه ؟ قال : نعم ، ففتحوا لي وسلموا علي وإذا ملك يحرس السماء ،
يقال له : إسماعيل ، معه سبعون ألف ملك ، مع كل
ملك منهم مائة ألف ملك قال : وما يعلم جنود ربك إلا هو (2) قال : فإذا أنا برجل
كهيئته يوم خلقه الله عز وجل لم يتغير منه شيء وإذا هو تعرض عليه أرواح ذريته ،
فإذا كان روح مؤمن قال : روح طيب وريح
طيبة ، اجعلوا كتابه في عليين ، وإذا كان روح كافر قال : ريح خبيثة وروح خبيث ،
اجعلوا كتابه في سجين (3) فقلت : يا جبريل ، من هذا ؟ قال : هذا أبوك آدم فسلم علي
ورحب بي ، ثم قال : مرحبا بالنبي الصالح ، ثم نظرت فإذا أنا بقوم لهم مشافر كمشافر
الإبل وقد وكل بهم من يأخذ بمشافرهم ويجعل في أفواههم صخرا من نار ، فتخرج من
أسافلهم ، فقلت : يا جبريل ، من هؤلاء ؟ فقال : هؤلاء الذين يأكلون أموال اليتامى
ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا (4) الآية ثم نظرت فإذا أنا بقوم تجبذ لحومهم
فتدس في أفواههم فيقال : كلوا كما أكلتم فإذا أكره ما خلق الله عز وجل ذلك ، فقلت
: من هؤلاء يا جبريل ؟ قال : هؤلاء الهمازون ، اللمازون ، الذين يأكلون لحوم الناس
، ثم نظرت ، فإذا أنا بقوم على مائدة عليها لحم مشوي كأحسن ما رأيت من اللحم وإذا
حولهم الجيف ، فجعلوا يقبلون على الجيف ، يأكلون منها ويدعون ذلك اللحم ، فقلت :
يا جبريل ، من هؤلاء ؟ قال : هؤلاء الزناة عمدوا إلى ما حرم الله عز وجل عليهم
وتركوا ما أحل الله عز وجل لهم ، ثم نظرت فإذا أنا بقوم لهم بطون كأنها التنور وهم
على سابلة آل فرعون ، فإذا مر بهم آل فرعون ثاروا فتميل بأحدهم بطنه فيقع فيطؤهم
آل فرعون بأرجلهم وهم يعرضون على النار غدوا وعشيا ، فقلت : من هؤلاء يا جبريل ؟
قال : هؤلاء أكلة الربا في بطونهم فمثلهم كمثل الذي يتخبطه الشيطان من المس (5) ثم
نظرت فإذا أنا بنساء معلقات بأرجلهن فقلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ قال : هؤلاء
اللاتي يزنين ، ويقتلن أولادهن ، ثم صعدنا إلى السماء الثانية فإذا أنا بيوسف ،
وحوله تبع من أمته ووجهه مثل القمر ليلة البدر فسلم علي ورحب بي ، ثم مضينا إلى السماء
الثالثة فإذا أنا بابني الخالة ، يحيى ، وعيسى ، شبيه أحدهم بصاحبه ثيابهما
وشعرهما فسلما علي ورحبا بي ، ثم مضينا إلى السماء الرابعة ، فإذا أنا بإدريس عليه
السلام ، فسلم علي ورحب بي ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : وقد قال الله عز وجل
: ورفعناه مكانا عليا (6) ، ثم مضينا إلى السماء الخامسة فإذا أنا بهارون المحبب
في قومه وحوله تبع كثير من أمته فوصفه النبي صلى الله عليه وسلم فقال : طويل
اللحية ، تكاد لحيته تمس سرته ، فسلم علي ورحب بي ، ثم مضينا إلى السماء السادسة ،
فإذا أنا بموسى ، فسلم علي ورحب بي ، فوصفه النبي صلى الله عليه وسلم فقال : رجل
كثير الشعر ، لو كان عليه قميصان خرج شعره منها ، فقال موسى : يزعم الناس أني أكرم
الخلق على الله عز وجل ، وهذا أكرم على الله مني ، ولو كان وحده لم أبال ولكن كل نبي
ومن اتبعه من أمته ، ثم مضينا إلى السماء السابعة فإذا أنا بإبراهيم عليه السلام ،
وهو جالس مسندا ظهره إلى البيت المعمور ، فسلم علي وقال : مرحبا بالنبي الصالح فقيل لي : هذا مكانك ومكان أمتك ، ثم تلا : إن أولى الناس
بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين (7)
ثم دخلت البيت المعمور ، فصليت فيه فإذا هو يدخله كل يوم
سبعون ألف ملك ، ثم لا يعودون فيه إلى يوم القيامة ، ثم نظرت ، فإذا أنا بشجرة إن
كانت الورقة منها لمغطية هذه الأمة وإذا في أصلها عين تخرج فانشعبت شعبتين ، فقلت
: ما هذا يا جبريل ؟ فقال : أما هذا فهو نهر الرحمة ، وأما هذا فهو الكوثر الذي
أعطاكه الله عز وجل ، فاغتسلت من نهر الرحمة فغفر لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر ،
ثم أخذت على الكوثر حتى دخلت الجنة ، فإذا فيها ما لا عين رأت ولا خطر على قلب بشر
، وإذا فيها رمان كأنه جلود الإبل المقتبة ، وإذا فيها طير كأنها البخت (8) ، فقال
أبو بكر رضي الله عنه : يا رسول الله إن هذه لطير ناعمة فقال : آكلها أنعم منها يا
أبا بكر ، وإني لأرجو أن تأكل منها ، ورأيت جارية فسألتها : لمن أنت ؟ فقالت :
لزيد بن حارثة فبشر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم زيدا قال : ثم قال : » إن
الله عز وجل أمرني بأمر وفرض علي خمسين صلاة ، فمررت على موسى فقال : بم أمرك ربك
؟ قلت : « فرض علي خمسين صلاة قال : ارجع إلى
ربك فاسأله التخفيف ، فإن أمتك لن يقوموا بهذا فرجعت إلى ربي عز وجل فسألته ، فوضع
عني عشرا ، ثم رجعت إلى موسى ، فلم أزل أرجع إلى ربي إذا مررت بموسى حتى فرض علي
خمس صلوات فقال لي موسى : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فقلت له : لقد رجعت حتى
استحييت أو قال : ما أنا براجع فقيل لي : فإن لك بهذه الخمس خمسين صلاة ، الحسنة
بعشر أمثالها ومن هم بالحسنة ثم لم يعملها كتبت له حسنة ، ومن عملها كتبت له عشرا
، ومن هم بالسيئة ولم يعملها لم يكتب عليه شيء ، فإن عملها كتبت واحدة »
__________
(1) سورة : الإسراء آية رقم : 1
(2) سورة : المدثر آية رقم : 31
(3) سجين : قيل هو جب في جهنم أو هو صخرة أسفل الأرض
السابعة
(4) سورة : النساء آية رقم : 10
(5) سورة : البقرة آية رقم : 275
(6) سورة : مريم آية رقم : 57
(7) سورة : آل عمران آية رقم : 68
(8) البُخْتِية : الأنثى من الجِمال البُخْت، والذكر
بُخْتِيٌّ، وهي جِمال طِوَال الأعناق
1014 - حدثنا أبو حفص عمر بن أيوب السقطي قال : حدثنا
محفوظ بن أبي توبة قال : حدثنا عبد
الرزاق قال : حدثنا معمر ، عن قتادة ، عن أنس : أن النبي صلى الله عليه وسلم : «
أتي بالبراق ليلة أسري به مسرجا (1) ملجما (2) فاستصعب عليه ، فقال له جبريل :
اسكن ، فما ركبك أحد أكرم على الله عز وجل منه فارفض عرقا »
__________
(1) أسرج الدابة : شد عليها السرج
(2) ملجم : موضوع فيه اللجام : وهو الحديدة التي توضع في
فم الفرس وما يتصل بها من سيور
1015 - أنبأنا أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله الكشي قال :
حدثنا علي بن عبد الله المديني قال : حدثنا صفوان بن عيسى قال : حدثنا عوف قال :
حدثنا زرارة بن أوفى قال : حدثنا ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم : « لما كان ليلة أسري بي قال : ثم أصبحت بمكة قال : فضقت بأمري وعلمت
أن الناس مكذبي فقعدت معتزلا حزينا فمر بي عدو الله أبو جهل فجاء حتى جلس إلي ، ثم
قال كالمستهزئ : هل من شيء ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : » نعم « قال :
ما هو ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : » أسري بي الليلة « قال : فقال : إلى
أين ؟ قلت : » إلى بيت المقدس « قال : فقال أبو جهل : ثم أصبحت بين ظهرانينا قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : » نعم « قال : فلم يره
أنه مكذبه مخافة أن يجحد الحديث قال : فقال : إن دعوت إليك قومك أتحدثهم مثل ما
حدثتني ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : » نعم « قال : فقال أبو جهل : يا معشر بني كعب بن لؤي هلموا إلي قال
: فانتقضت المجالس فجاءوا حتى جلسوا إليهما قال : فقال
أبو جهل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : حدث قومك ما حدثتني ، فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم : » أسري بي الليلة « فقالوا : إلى أين ؟ فقلت : » إلى بيت المقدس
« قالوا : ثم أصبحت بين ظهرانينا ؟ قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم : » نعم « قال : فبين مصفق
وآخر واضع يده على رأسه مستعجبا للكذب زعم ، قال : فقال القوم : تستطيع أن تنعت
لنا المسجد ؟ قال : وفي القوم من قد سافر إلى ذلك البلد ورأى المسجد قال : فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : » فذهبت أنعت فما زلت أنعت حتى لبس (1) علي بعض
النعت قال : فجيء بالمسجد وأنا أنظر إليه حتى وضع دون دار عقيل وأنا أنظر إليه قال
: فقال القوم : أما النعت فقد أصبت «
__________
(1) ألبس عليه الأمر : اشتبه واختلط
1016 - حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز
البغوي قال : حدثنا أبو بكر بن زنجويه قال : حدثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري
في حديثه عن عروة قال : سعى رجال من المشركين إلى أبي بكر رضي الله عنه فقالوا له
: هذا صاحبك يزعم أنه قد أسري به الليلة إلى بيت المقدس
، ثم رجع من ليلته ، فقال أبو بكر رضي الله عنه : أو قال ذاك ؟ قالوا : نعم ، قال
أبو بكر رضي الله عنه : فأنا أشهد إن كان قال ذاك لقد صدق ، قالوا : تصدقه أنه قد
جاء الشام في ليلة واحدة ورجع قبل أن يصبح ؟ فقال أبو بكر رضي الله عنه : نعم ، أنا
أصدقه بأبعد من ذلك ، أصدقه بخبر السماء غدوة وعشية فلذلك سمي أبو بكر رضي الله
عنه : الصديق « قال محمد بن الحسين رحمه الله : من ميز جميع ما تقدم ذكري له علم
أن الله عز وجل أسرى بمحمد صلى الله عليه وسلم ، إليه بجسده وعقله ، لا أن الإسراء
كان مناما وذلك أن الإنسان لو قال : وهو بالمشرق رأيت البارحة في النوم كأني
بالمغرب لم يرد عليه قوله ولم يعارض وإذا قال : كنت ليلتي بالمغرب ، لكان قوله
كذبا ، وكان قد تقول بعظيم إذا كان مثل ذلك البلد غير واصل إليه في ليلته لا خلاف
في هذا ، فالنبي صلى الله عليه وسلم لو قال : لأبي جهل ولسائر قومه : » رأيت في
المنام كأني ببيت المقدس على وجه المنام لقبلوا منه ذلك ولم يتعجبوا من قوله
ولقالوا له : صدقت وذلك أن الإنسان قد يرى في النوم
كأنه في أبعد مما أخبرتنا ولكنه لما قال لهم صلى الله عليه وسلم : « أسري بي
الليلة إلى بيت المقدس » كان خلافا للمنام عند القوم وكان هذا في اليقظة بجسده
وعقله ، فقالوا له : في ليلة واحدة ذهبت إلى الشام وأصبحت بين أظهرنا ؟ ثم قولهم :
لأبي بكر رضي الله عنه : هذا صاحبك يزعم أنه أسري به الليلة إلى بيت المقدس ثم رجع
من ليلته وقول أبي بكر رضي الله عنه لهم وما رد عليهم ، كل هذا دليل لمن عقل وميز
علم أن الله عز وجل خص نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بأنه أسرى به بجسده وعقله
وشاهد جميع ما في السماوات ، ودخوله الجنة ، وجميع ما رأى من آيات ربه عز وجل ،
وفرض عليه الصلاة كل ذلك لا يقال منام بل بجسده وعقله ، وفضلة خصه الله الكريم بها
، فمن زعم أنه منام ، فقد أخطأ في قوله وقصر في حق نبيه صلى الله عليه وسلم ، ورد
القرآن والسنة وتعرض لعظيم وبالله التوفيق
باب ذكر ما خص الله عز وجل به النبي صلى الله عليه وسلم
من الرؤية لربه عز وجل
1017 - حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد
الواسطي قال : حدثنا عبد الوهاب الوراق قال : حدثنا أبو النضر هاشم بن القاسم ، عن
قيس بن الربيع ، عن عاصم الأحول ، عن عكرمة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : «
إن الله عز وجل اصطفى إبراهيم عليه السلام بالخلة ، واصطفى موسى عليه السلام بالكلام
، واصطفى محمدا صلى الله عليه وسلم بالرؤية »
1018 - حدثنا أبو جعفر محمد بن الحسين الكوفي الأشناني
قال : حدثنا سفيان بن وكيع قال : حدثنا عبدة بن
سليمان ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن ابن عباس : ولقد رآه نزلة أخرى (1) قال : « رأى ربه عز وجل »
__________
(1) سورة : النجم آية رقم : 13
1019 - حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا الحسن بن
يحيى بن كثير العنبري قال : حدثنا أبي قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن قتادة ، عن
عكرمة ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « رأيت ربي عز وجل
»
1020 - حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا محمد بن
عباد بن آدم قال : حدثنا أبو بكر بن سليمان قال : أنبأنا محمد بن إسحاق قال :
حدثني عبد الرحمن بن الحارث بن عبد الله بن عياش ، عن عبد الله بن أبي سلمة ، أن
عبد الله بن عمر بن الخطاب بعث إلى عبد الله بن عباس يسأله : هل رأى محمد صلى الله
عليه وسلم ربه عز وجل ؟ قال : فأرسل إليه عبد الله بن عباس : أن نعم ، فرد إليه عبد
الله بن عمر رسوله أن كيف رآه ؟ فأرسل إليه أنه رآه في روضة خضراء من دونه فراش من
ذهب على كرسي من ذهب يحمله أربعة من الملائكة : ملك في صورة رجل ، وملك في صورة
نسر ، وملك في صورة أسد ، وملك في صورة ثور
1021 - حدثنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن زياد الأعرابي
قال : حدثنا أحمد بن عبد الجبار العطاردي قال : حدثنا يونس بن بكير ، عن محمد بن
إسحاق ، عن عبد الرحمن بن الحارث بن عبد الله بن عياش ، عن عبد الله بن أبي سلمة
قال : بعث عبد الله بن عمر إلى عبد الله بن عباس يسأله : هل رأى محمد صلى الله
عليه وسلم ربه عز وجل ؟ فبعث إليه : أن نعم ، قد رآه فرد رسوله إليه ، فقال
: فكيف رآه ؟ قال : رآه على كرسي من ذهب ، تحمله أربعة
من الملائكة : ملك في صورة رجل ، وملك في صورة أسد ، وملك في صورة ثور ، وملك في
صورة نسر في روضة خضراء دونه فراش من ذهب
1022 - حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال :
حدثنا محمد بن عباد قال : حدثنا بكر بن سليمان ، عن محمد
بن إسحاق قال : حدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن
الأخنس ، عن عكرمة ، عن عبد الله بن عباس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
أنشد قول : أمية بن أبي الصلت الثقفي : رجل وثور تحت رجل يمينه والنسر للأخرى وليث
مرصد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « صدق »
1023 - وحدثنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن زياد قال :
حدثنا العطاردي قال : حدثنا يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق قال : حدثني يعقوب بن
عتبة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : أنشد رسول الله صلى الله عليه وسلم من قول
أمية بن أبي الصلت : رجل وثور تحت رجل يمينه والنسر للأخرى وليث مرصد فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم : « صدق »
1024 - حدثنا أبو جعفر محمد بن الحسين الكوفي الأشناني
قال : ثنا سفيان بن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن عباد بن منصور قال : سمعت عكرمة
وسئل : هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل ؟ قال : « نعم فما زال يقول :
رآه ، حتى انقطع نفسه »
1025 - حدثنا الفريابي قال : حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري
وإسحاق بن راهويه قالا : حدثنا معاذ بن هشام قال : حدثني أبي ، عن قتادة ، عن أبي
قلابة ، عن خالد بن اللجلاج ، عن عبد الله بن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، « رأيت ربي عز وجل ؟ ، فقال : يا محمد
فيم يختصم الملأ الأعلى ؟ قلت : » رب في الكفارات ، المشي على الأقدام إلى الجماعات
، وإسباغ (1) الوضوء في المكروهات ، وانتظار الصلاة بعد الصلاة ، فمن حافظ عليهن
عاش بخير ، ومات بخير وكان من ذنوبه كيوم ولدته أمه «
__________
(1) إسباغ الوضوء : إتمامه وإكماله واستيعاب أعضائه
بالغسل
1026 - حدثنا الفريابي قال : حدثنا أحمد بن إبراهيم قال
: حدثنا ريحان بن سعيد قال : حدثنا عباد بن منصور ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، عن
خالد بن اللجلاج ، أن عبد الله بن عباس حدثه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
غدا (1) يوما على أصحابه مستبشرا يعرفون في
وجهه السرور ، فقال لهم : « إن ربي عز وجل أتاني الليلة في أحسن صورة ، فقال : يا
محمد ، قلت : لبيك ربي وسعديك قال : هل تعلم فيم يختصم الملأ الأعلى ؟ قلت : نعم
يا رب ، يختصمون في الكفارات (2) المشي على الأقدام إلى الجماعات ، وإسباغ (3)
الوضوء في السبرات ، فقال : صدقت يا محمد ، من فعل ذلك عاش بخير وكان من خطيئته
كيوم ولدته أمه »
__________
(1) الغدو : السير والذهاب والتبكير أول النهار
(2) الكفارة : الماحية للخطأ والذنب
(3) إسباغ الوضوء : إتمامه وإكماله واستيعاب أعضائه
بالغسل
1027 - حدثنا أبو عبد الله أحمد بن الحسن بن عبد الجبار
الصوفي قال : حدثنا سليمان بن عمر الرقي قال : حدثنا عيسى بن يونس قال : حدثنا
الأوزاعي ، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال : سمعت خالد بن اللجلاج ، يحدث
مكحولا ، عن عبد الرحمن بن عايش قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : «
رأيت ربي عز وجل في أحسن صورة ، فقال لي : فيم يختصم الملأ الأعلى يا محمد ؟ قلت أنت
أعلم أي ربي قال : فيم يختصم الملأ الأعلى ؟ قلت : أنت أعلم أي رب ، فوضع كفه عز
وجل بين كتفي فعلمت ما في السماوات وما في الأرض ثم تلا : وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين (1) ثم قال لي
: فيم يختصم الملأ الأعلى يا محمد ؟ قلت : في الدرجات
قال : وما الدرجات ؟ قلت : المشي إلى الجماعات ، والجلوس في المساجد خلف الصلوات ،
وإسباغ (2) الوضوء في السبرات قال : وفيم ؟ قلت :
في الكفارات (3) قال : وما هي ؟ قلت : إطعام الطعام ،
وبذل السلام ، والصلاة بالليل والناس نيام ، قال : قل : اللهم إني أسالك فعل الحسنات ، وترك المنكرات ، وحب المساكين ، وأن تتوب علي
، وتغفر لي ، وترحمني ، وإذا أردت بقوم فتنة فتوفني وأنا غير مفتون ، قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم : فتعلموهن فوالذي نفسي بيده إنهن لحق
»
__________
(1) سورة : الأنعام آية رقم : 75
(2) إسباغ الوضوء : إتمامه وإكماله واستيعاب أعضائه
بالغسل
(3) الكفارة : الماحية للخطأ والذنب
باب ذكر ما فضل الله عز وجل به نبينا صلى الله عليه وسلم
في الدنيا من الكرامات على جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام
1028 - حدثنا أبو شعيب عبد الله بن الحسن الحراني قال :
حدثني جدي قال : حدثنا موسى بن أعين ، عن عطاء بن السائب ، عن أبي جعفر ، عن أبيه
، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « أعطيت
خمسا لم يعطهن أحد قبلي : أرسلت إلى الأبيض والأسود والأحمر ، وجعلت لي الأرض
مسجدا وطهورا ، ونصرت بالرعب ، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي ، وأعطيت جوامع
الكلم »
1029 - حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز
البغوي قال : حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا يحيى بن أبي بكير قال : حدثنا
زهير بن محمد ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن محمد بن علي ابن الحنفية أنه سمع
عليا رضي الله عنه يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أعطيت ما لم يعط
أحد من الأنبياء » قلنا : ما هو يا رسول الله ؟ قال : « نصرت بالرعب ، وأعطيت
مفاتيح الأرض ، وسميت أحمد ، وجعل التراب لي طهورا ، وجعلت أمتي خير الأمم
»
1030 - وحدثنا أبو القاسم أيضا قال :
حدثنا علي بن المنذر الطريقي قال : حدثنا ابن فضيل قال :
حدثنا أبو مالك الأشجعي ، عن ربعي بن حراش ، عن حذيفة قال : قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم : « فضلنا على الناس بثلاث : جعلت لنا الأرض كلها مسجدا ، وجعلت
تربها لنا طهورا ، وجعلت صفوفنا كصفوف الملائكة ، وأوتيت هؤلاء الآيات من آخر سورة
البقرة من كنز تحت العرش لم يعط أحد منه قبلي ولا يعطى أحد منه بعدي
»
1031 - وحدثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قال :
حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد ، وهارون بن إسحاق الهمداني قالا :
حدثنا ابن فضيل ، عن أبي مالك الأشجعي ، عن ربعي بن حراش ، عن حذيفة بن اليمان رضي
الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « فضلنا على الناس بثلاث :
جعلت لنا الأرض مسجدا ، وجعل ترابها لنا طهورا إذا لم نجد الماء ، وجعلت صفوفنا
كصفوف الملائكة ، وأوتيت هؤلاء الآيات من آخر سورة البقرة من كنز تحت العرش لم يعط
منه أحد قبلي ولا أحد بعدي »
1032 - وحدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد
العزيز البغوي قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا محمد بن فضيل ، عن
يزيد بن أبي زياد ، عن مجاهد ، ومقسم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما : عن النبي صلى
الله عليه وسلم قال : « أعطيت خمسا
فلا أقول فخرا : بعثت إلى الأحمر والأسود ، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ، وأحل لي
المغنم ، ولا يحل لأحد قبلي ، ونصرت بالرعب فهو يسير أمامي مسيرة شهر ، وأعطيت
الشفاعة فأخذتها لأمتي وهي إن شاء الله نائلة لمن لم يشرك بالله عز وجل
»
1033 - وأنبأنا أبو القاسم أيضا قال : حدثنا عبد الله بن
مطيع قال : حدثنا إسماعيل بن جعفر ، عن العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة : أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال : « فضلت على الأنبياء بست : أعطيت جوامع الكلم ،
ونصرت بالرعب ، وأحلت لي الغنائم (1) ، وجعلت لي الأرض
طهورا ومسجدا ، وأرسلت إلى الخلق كافة ، وختم بي النبيون »
__________
(1) الغنائم : جمع الغنيمة ، وهي ما يؤخذ من المحاربين
في الحرب قهرا
1034 - أنبأنا أبو عبيد بن الحسين بن حرب قال : حدثنا
أبو الأشعت أحمد بن المقدام قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سليمان التيمي ،
عن سيار ، عن أبي أمامة : أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : « إن الله عز وجل فضلني
على الأنبياء ، أو قال : أمتي على الأمم بأربع : أرسلني إلى الناس كافة ، وجعل
الأرض كلها مسجدا وطهورا ، فأينما أدركت الرجل من أمتي الصلاة فإنه مسجده وعنده
طهوره ، ونصرت بالرعب يسير بين يدي مسيرة شهر قذف في قلوب أعدائي وأحلت لي الغنائم
(1) »
__________
(1) الغنائم : جمع الغنيمة ، وهي ما يؤخذ من المحاربين
في الحرب قهرا
باب ذكر دلائل النبوة مما شاهده الصحابة رضي الله عنهم
من النبي صلى الله عليه وسلم مما خصه بها مولاه الكريم
1035 - حدثنا موسى بن محمد بن هارون بن إبراهيم قال :
حدثنا الصلت بن مسعود الجحدري قال : حدثنا سهل بن أسلم قال : حدثنا يزيد بن أبي
منصور ، عن أنس بن مالك أن أبا طلحة أبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عاصب
(1) بطنه من الجوع بحجر ، فخرج إلى أهله فقال يا أم سليم لو صنعت لرسول الله صلى الله
عليه وسلم طعاما فإني رأيته عصب بطنه من الجوع بحجر فصنعت له شيئا قد ذكره الصلت
فانطلقت فدعوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال لأهل الصفة
: « قوموا » فقام ثمانون رجلا ، فقال أبو طلحة : يا رسول
الله إنما هي خبزة شعير صنعتها لك فقال : « ادع بها » فجاء بالخبزة فدعا عليها
رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بالبركة فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
وجماعة أصحابه حتى شبعوا ، وأكل أهل البيت حتى شبعوا وأهدينا «
__________
(1) عصب : ربط وشد
1036 - وحدثنا أبو بكر جعفر بن محمد الفريابي قال :
حدثنا قتيبة بن سعيد ، عن مالك بن أنس ، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، أنه
سمع أنس بن مالك قال : قال أبو طلحة لأم
سليم : لقد سمعت صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعيفا أعرف فيه الجوع ، فهل
عندك من شيء ؟ قالت : نعم فأخرجت أقراصا من شعير ثم أخذت خمارا لها فلفت الخبز
بنصفه ورداء تبين بنصفه ، ثم أرسلتني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
فذهبت فوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ومعه الناس فقمت عليهم فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أبو طلحة أرسلك ؟ » فقلت : نعم فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم لمن معه : « قوموا » قال : فانطلق ، وانطلقت بين أيديهم حتى
جئت أبا طلحة فأخبرته ، فقال أبو طلحة : يا أم سليم ، قد جاء رسول الله صلى الله
عليه وسلم ، وليس عندنا من الطعام ما نطعمهم ، فقالت : الله ورسوله أعلم فانطلق أبو
طلحة حتى لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
وأبو طلحة ، حتى دخلا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « هلمي يا أم سليم ، ما عندك ؟ » فأتت بذلك الخبز فأمر به رسول الله صلى الله
عليه وسلم ، ففت ، وعصرت أم سليم عكة لها فأدمته فقال فيه رسول الله صلى الله عليه
وسلم : ما شاء الله أن يقول ثم قال : « ائذن لعشرة » فأذن لهم ، فأكلوا حتى شبعوا
، ثم خرجوا ، ثم قال : « ائذن لعشرة » فأكلوا حتى شبعوا ثم قال : « ائذن لعشرة »
فأكل القوم حتى شبعوا ، والقوم سبعون أو ثمانون رجلا
1037 - حدثنا الفريابي قال : حدثنا أبو سلمة يحيى بن خلف
قال : حدثنا عبد الأعلى ، عن سعيد الجريري ، عن أبي الورد ، عن أبي محمد الحضرمي ،
عن أبي أيوب الأنصاري قال : صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولأبي بكر رضي
الله عنه قدر ما يكفيهما فأتيتهما به ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «
اذهب فادع لي ثلاثين من أشراف الأنصار » قال : فشق ذلك علي ، ما عندي شيء أزيده قال : فكأني تثاقلت ، فقال : « اذهب وادع
لي ثلاثين رجلا من أشراف الأنصار » فدعوتهم فجاءوا ، فقال : « اطعموا
» فأكلوا حتى صدروا ، ثم شهدوا أنه رسول الله ، ثم
بايعوه قبل أن يخرجوا ، ثم قال : « اذهب فادع لي ستين من أشراف الأنصار » قال أبو
أيوب : فوالله لأنا بالستين أجود مني بالثلاثين قال : فدعوتهم قال : فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم : « ترفعوا » فأكلوا حتى صدروا ، ثم شهدوا أنه رسول الله
وبايعوه قبل أن يخرجوا ثم قال : « اذهب فادع لي تسعين من الأنصار » قال : فلأنا أجود
مني بالتسعين مني بالستين والثلاثين ، فدعوتهم فأكلوا حتى صدروا ، ثم شهدوا أنه
رسول الله ، وبايعوه قبل أن يخرجوا قال : فأكل من طعامي مائة وثمانون رجلا كلهم من
الأنصار
1038 - وحدثنا الفريابي قال : حدثنا عبيد الله بن عمر
القواريري قال : حدثنا يزيد بن هارون قال : أنبأنا سليمان التيمي ، عن أبي العلاء
، عن سمرة بن جندب : أن النبي صلى الله عليه وسلم : « أتي بقصعة (1) فيها لحم فتعاقبوها من غدوة (2) إلى الظهر ، يقوم قوم ويقعد
آخرون قال : فقيل لسمرة : هل كانت تمد ؟ قال : فمن أي شيء تعجب ؟ ما كانت تمد إلا
من ها هنا وأشار إلى السماء »
__________
(1) القصعة : وعاء يؤكل ويُثْرَدُ فيه وكان يتخذ من
الخشب غالبا
(2) الغُدْوة : البُكْرة وهي أول النهار
1039 - حدثنا أبو محمد جعفر بن أحمد بن عاصم الدمشقي قال
: حدثنا هشام بن عمار قال : حدثنا الوليد بن مسلم قال : حدثنا الأوزاعي ، عن
المطلب بن عبد الله بن حنطب المخزومي ، عن عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري ، عن
أبيه قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
في غزوة فأصابت الناس مخمصة (1) ، فاستأذنوا رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، في نحر بعض ظهورهم ، وقالوا : يبلغنا الله عز وجل به ، فقال عمر رضي الله عنه : كيف بنا إذا لقينا عدونا
رجالا ولكن إن رأيت يا رسول الله ؛ أن تدعو الناس ببقية أزوادهم فتجمعها ثم تدعو
فيها بالبركة ، فإن الله عز وجل سيبلغنا بدعوتك أو يبارك لنا في دعوتك ، فدعاهم
رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ببقية أزوادهم فجاءوا به يجيء الرجل بالحثية من
الطعام وفوق ذلك قال : فكان أعلاهم الذي جاء الصاع (2) من التمر فجمعه على نطع (3) ثم دعا الناس بأوعيتهم فما بقي في الجيش وعاء
إلا ملأه وبقي مثله ، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه وقال : «
أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أني رسول الله ، وأشهد عند الله عز وجل لا يلقى
الله عز وجل عبد مؤمن بهما إلا حجبتاه عن النار يوم القيامة »
__________
(1) المخمصة : المجاعة
(2) الصاع : مكيال المدينة تقدر به الحبوب وسعته أربعة
أمداد ، والمد هو ما يملأ الكفين
(3) النطع : بساط من جلد ، والخوان والوعاء
1040 - وحدثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قال :
حدثنا أبو هشام الرفاعي قال : حدثنا حفص بن
غياث ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجوع فقال : « اجمعوا أزوادكم (1)
» فجعل الرجل يجيء بالحفنة من التمر ، وبالحفنة من
السويق (2) ، وطرحوا الأنطاع والعباء أو قال الأكسية فوضع صلى الله عليه وسلم يده
عليها ، ثم قال : « كلوا » ، فأكلنا حتى شبعنا ، وأخذنا في مزاودنا ، ثم قال : «
أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، من جاء بهما غير شاك فيهما دخل الجنة
»
__________
(1) الزاد : هو الطعام والشراب وما يُتَبَلَّغُ به،
ويُطْلق على كل ما يُتَوصَّل به إلى غاية بعينها
(2) السويق : طعام يصنع من دقيق القمح أو الشعير بخلطه
بالسمن والعسل
1041 - حدثنا ابن صاعد أيضا قال : حدثنا عبد الجبار بن
العلاء قال : حدثني يحيى بن سليم قال : أخبرني عبد الله بن خثيم قال : سمعت أبا
الطفيل يقول : سمعت ابن عباس يقول : لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم مرا في
صلح قريش بلغه أن قريشا تقول : ما يتتابع أصحاب محمد هزلا ولا ضعفا ، فقالوا : يا رسول
الله لو انتحرنا من ظهرنا (1) ، فأكلنا من لحومها وشحومها أصبحنا غدا إذا غدونا
على القوم وبنا جمام فقال : « لا ولكن ايتوني بفضل أزوادكم » فبسطوا أنطاعا فصبوا عليها ما فضل من أزوادهم (2) ، فدعا لهم فيها بالبركة
، فأكلوا حتى تضلعوا شبعا ، ثم كفتوا ما فضل من فضول أزوادهم في جربهم
«
__________
(1) الظهر : الدواب التي تحمل الأمتعة
(2) الزاد : هو الطعام والشراب وما يُتَبَلَّغُ به،
ويُطْلق على كل ما يُتَوصَّل به إلى غاية بعينها
1042 - حدثنا أبو أحمد هارون بن يوسف قال : حدثنا ابن
أبي عمر العدني قال : حدثنا محمد بن
فضيل ، عن عبد الواحد بن أيمن ، عن أبيه ، عن جابر بن عبد الله قال : لما حفر صلى
الله عليه وسلم الخندق أصاب المسلمين جهد وجوع شديد حتى ربط رسول الله صلى الله
عليه وسلم على بطنه صخرة من الجوع قال جابر : فانطلقت إلى أهلي فذبحت عناقا (1) كانت عندي ، وقلت لأهلي : أعندكم دقيق ؟
قالوا : عندنا أمداد من دقيق شعير قال : فأمرتهم فخبزوه وصنعوا طعامهم ، ثم أتيت
النبي صلى الله عليه وسلم ، فقلت : يا رسول الله إني صنعت لك ولنفر من أصحابك
طعاما فقال : « انطلق فهيئ طعامك حتى آتيك » قال : ففعلت قال : ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم ، والجيش جميعا قال : فقلت : يا رسول
الله إنما هي عناق صنعتها وشيء من دقيق شعير لك ولنفر من أصحابك قال : فدعا بالقصعة
وقال : « ائدم فيها » قال : ففعلت ، ثم ذكر عليه اسم الله عز وجل ودعا بالبركة ثم
قال : « أدخل علي عشرة » ففعلت حتى إذا طعموا وشبعوا ثم خرجوا قال : « أدخل علي
عشرة أخر » ففعلت حتى إذا شبعوا أدخلت عشرة آخرين حتى شبع الجيش جميعا وإن الطعام
نحوا مما كان
__________
(1) العناق : الأنثى من المعز إذا قويت ما لم تستكمل سنة
1043 - وحدثنا البغوي عبد الله بن محمد بن عبد العزيز
قال : حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب قال : حدثنا جعفر بن سليمان قال :
حدثنا الجعد أبو عثمان ، عن أنس بن مالك ، عن جابر بن عبد الله قال : شكى الناس
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العطش قال : فدعا بعس (1) ، ودعا بماء فصبه فيه
، ثم وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده في العس ثم قال : « استقوا
» فرأيت العيون تنبع من بين أصابع رسول الله صلى الله
عليه وسلم
__________
(1) العس : القدح الكبير وجمعه : عِساس وأعساس
1044 - أنبأنا أبو عبيد علي بن الحسين بن حرب القاضي قال
: حدثنا أبو الأشعث أحمد بن المقدام قال : حدثنا خالد بن الحارث قال : حدثنا سعيد
، عن قتادة ، عن أنس بن مالك قال : « أتي النبي صلى الله عليه وسلم ، بإناء فيه
ماء ما يغمر أصابعه أو لا يكاد يغمر أصابعه شك سعيد فجعلوا يتوضئون ، وجعل الماء ينبع
من بين أصابعه قال : فقلنا لأنس : كم كنتم : قال : زهاء ثلاثمائة
»
1045 - حدثنا أبو أحمد هارون بن يوسف قال : حدثنا ابن
أبي عمر يعني محمدا العدني قال : ثنا عبد الله بن يزيد أبو عبد الرحمن المقرئ قال
: حدثنا عبد الرحمن بن زياد بن أنعم من أهل مصر ، حدثنا زياد بن نعيم الحضرمي قال
: سمعت زياد بن الحارث الصدائي صاحب رسول الله صلى الله
عليه وسلم يحدث قال : أتيت النبي صلى
الله عليه وسلم في بعض أسفاره فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلا حتى إذا
طلع الفجر نزل فتبرز ، ثم انصرف إلي وقد تلاحق أصحابه فقال : « هل من ماء يا أخا
صداء » قلت : لا إلا شيء قليل لا يكفيك فقال : « اجعله في إناء ثم ائتني به »
فأتيته به فوضع كفه في الإناء فرأيت بين كل أصبعين من أصابعه عينا تفور فقال : «
لولا أني أستحيي من ربي عز وجل يا أخا صداء لسقينا واستقينا ، ناد في أصحابي من له
حاجة في الماء » فناديت فيهم فأخذ من أراد منهم
1046 - حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز
البغوي قال : حدثنا عبيد الله بن محمد العيشي قال : حدثنا عبد العزيز بن مسلم قال : حدثنا يزيد بن أبي منصور ، عن أبيه ، عن أبي
هريرة قال : أصبت بثلاث : بموت النبي صلى الله عليه وسلم ، وكنت صويحبه وخويدمه ،
وبقتل عثمان رحمة الله عليه ، والمزودة ، وما المزودة ؟ قالوا
: يا أبا هريرة وما المزودة ؟ قال : كنا مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم فأصاب الناس مخمصة (1) قال : فقال لي رسول الله صلى الله عليه
وسلم : « يا أبا هريرة هل من شيء ؟ » قلت : نعم ، شيء من تمر في مزود قال : «
فأتيني به » فأتيته به فأدخل يده فأخرج قبضة فبسطها
ثم قال : « ادع لي عشرة » فدعوت له عشرة ، فأكلوا حتى شبعوا ثم أدخل يده فأخرج
قبضة فبسطها ثم قال : « ادع لي عشرة » فدعوت له عشرة فأكلوا حتى شبعوا ، فما زال
يصنع ذلك حتى أكل الجيش كلهم وشبعوا ، ثم قال لي : « خذ ما جئت به وأدخل يدك
واقبضه ولا تكبه » قال أبو هريرة : فقبضت على أكثر مما
جئت به قال أبو هريرة : ألا أحدثكم عما أكلت منه ؟ أكلت حياة رسول الله صلى الله
عليه وسلم ، وأطعمت ، وأكلت حياة أبي بكر رضي الله عنه وأطعمت ، وحياة عمر رضي
الله عنه ، وأطعمت ، وحياة عثمان رضي الله عنه ، وأطعمت ، فلما قتل عثمان رضي الله
عنه ، انتهب مني فذهب المزود
__________
(1) المخمصة : المجاعة
1047 - حدثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قال : حدثنا
سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي قال : حدثني أبي قال : حدثنا عمر بن ذر قال : أخبرنا
مجاهد ، عن أبي هريرة قال : والذي لا إله غيره إن كنت لأشد الحجر على بطني من
الجوع ، وإن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع ، ولقد قعدت يوما على طريقهم
الذي يخرجون منه ، فمر بي أبو بكر رضي الله عنه ، فسألته عن آية من كتاب الله عز وجل
ما أسأله عنها إلا ليستتبعني ، فمر ولم يفعل ، ثم مر بي أبو القاسم صلى الله عليه
وسلم ، فعرف ما في نفسي وما في وجهي ، فتبسم ثم قال : « أبا هر الحق ، فاتبعته ،
فدخل فأذن لي فوجد صلى الله عليه وسلم لبنا في قدح فقال لأهله : » من أين لكم هذا
اللبن ؟ « قالوا : أهداه لك فلان أو آل فلان فقال لي : » يا أبا هريرة انطلق إلى
أهل الصفة فادعهم « قال : فأحزنني ذلك ، وأهل الصفة أضياف الإسلام ، لا يأوون إلى
أهل ولا مال ، إذا جاءت صدقة أرسل بها إليهم ، ولم يذر منها شيئا ، وإذا جاءته
هدية أرسل إليهم فأشركهم فيها وأصاب منها ، فأحزنني إرساله إياي ، وقلت : كنت أرجو
أن أشرب من هذا اللبن شربة أتغذى بها ، فما يغني هذا اللبن من أهل الصفة وأنا
الرسول ، فإذا جاءوا أمرني وكنت أعطيهم قال : ولم يكن من طاعة الله ومن طاعة رسوله
بد ، فانطلقت إليهم فدعوتهم فأقبلوا ، استأذنوا ، فأذن لهم ، فأخذوا مجالسهم من
البيت ، فقال : » أي أبا هر « قلت : لبيك يا رسول الله قال : » قم فأعطهم « قال : فأخذت القدح أعطي الرجل فيشرب حتى يروى ، ثم يرده إلي ،
ثم أعطي الآخر ، فيشرب حتى يروى ، ثم يرده إلي ، حتى روي جميع القوم وانتهيت إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخذ القدح فوضعه على يده ، ثم رفع رأسه إلي فنظر
إلي فتبسم وقال : » أبا هر « قلت : لبيك يا رسول الله قال : » اقعد فاشرب « فقعدت
فشربت وقال : » اشرب « فشربت وقال : » اشرب « فشربت ، فما زال يقول : » اشرب « وأشرب ، حتى قلت : والذي بعثك بالحق ما أجد
له مسلكا قال : فرددت إليه الإناء فسمى وحمد الله وشرب منه
1048 - وحدثنا أبو محمد بن صاعد قال : حدثنا محمد بن عوف
بن سفيان الطائي الحمصي قال : حدثنا عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار قال : حدثنا
محمد بن مهاجر ، عن عروة بن رويم أنه ذكر له أن ثوبان مولى رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال : نزل بنا ضيف بدوي فجلس به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أمام بيوته
، فجعل يسأله عن الناس كيف فرحهم بالإسلام وكيف حزنهم في الصلاة ، فما زال يخبره
من ذلك بالذي يسره حتى رأيت وجه رسول الله نضرا ، حتى إذا انتفخ النهار ، وحان أكل
الطعام أن يؤكل ، دعاني فأشار إلي مستخفيا لا يألوا أن ائت بيت عائشة رضي الله
عنها فأخبرها أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم ضيفا ، قالت : والذي بعثك بالهدى
ودين الحق ما أصبح في بيتنا شيء يأكله أحد من الناس فردني إلى نسائه ، كلهن يعتذرن
بما اعتذرت به عائشة رضي الله عنها ، حتى رأيت لون رسول الله صلى الله عليه وسلم
كسف (1) ، وكان البدوي عاقلا ففطن ، فما زال البدوي يعارض رسول الله صلى الله عليه
وسلم ، حتى قال : إنا أهل البادية معانون في زماننا لسنا كأهل الحضر ، إنما يكفي أحدنا
القبضة من التمر يشرب عليها أو الشربة من اللبن فذلك الخصب ، فمرت عند ذلك عنز لنا
قد احتلبت ، كنا نسميها ثمراء فدعا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، باسمها
وقال : « ثمرا ثمرا » ، فأقبلت إليه تحمحم فأخذ برجلها ومسح ضرعها وقال : « باسم
الله » فحفلت ، فدعاني بمحلب لنا ، فأتيته به فحلب وقال : « باسم الله ، فملأه ،
ثم قال : » ادفع باسم الله « فدفعت إلى الضيف فشرب منه شربة ضخمة ، ثم أراد أن
يضعه ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : » عد « فعاد ، ثم أراد أن يضعه فقال
له رسول الله : » عد « فكرر حتى امتلأ
وشرب ما شاء الله ، ثم حلب فيه وقال : » باسم الله « وملأه ثم قال : » أبلغ هذا
عائشة فلتشرب منه ما بدا لها « ثم رجعت إليه فحلب فيه وقال : » باسم الله « فملأه
ثم أرسلني إلى نسائه كلما شربت امرأة ردني إلى الأخرى وقال : » باسم الله « حتى
ردهن كلهن ، ثم رددت إليه وقال : » باسم الله « وقال : » ارفع إلي « فرفعته فقال :
» باسم الله « فشرب ما شاء الله ثم أعطاني ، فلم آل أن أضع شفتي على درج القدح
فشربت شرابا أحلى من العسل وأطيب من المسك وقال : » اللهم بارك لأهلها فيها
«
__________
(1) الكسوف : احتجاب الشمس أو القمر وذهاب ضوئهما
1049 - وحدثنا ابن صاعد قال : حدثنا يوسف بن موسى القطان
قال : حدثنا العلاء بن عبد الجبار قال : حدثنا حماد بن سلمة قال ابن صاعد : وحدثنا
محمد بن عبد الملك بن زنجويه قال : حدثنا أبو النعمان عارم قال : حدثنا حماد بن
سلمة ، عن عبد الرحمن بن أبي رافع ، عن عمته سلمى ، عن أبي رافع قال : دخل علينا رسول
الله صلى الله عليه وسلم وعندنا شاة مصلية (1) فقال : « يا أبا رافع ، ناولني
الذراع » فناولته فأكله ، ثم قال : « يا أبا رافع ، ناولني الذراع
» فناولته فأكله ، ثم قال : « يا أبا رافع ، ناولني
الذراع » فقلت : وهل للشاة إلا ذراعان ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لو
سكت لأعطيتني ما دعوت بها »
__________
(1) مصلية : مشوية
1050 - وحدثنا أبو أحمد هارون بن يوسف بن زياد قال :
حدثنا ابن أبي عمر يعني محمدا العدني قال : حدثنا حسين بن علي الجعفي قال : حدثنا
زائدة بن قدامة الثقفي ، عن حصين ، عن سالم بن أبي الجعد قال : حدثنا النعمان بن
مقرن قال : قدمنا على رسول الله في أربعمائة من
مزينة قال : فأمرنا رسول الله ، ببعض أمره ، فقال بعض القوم : يا رسول الله ما
معنا طعام نتزوده ، فقال رسول الله : « يا عمر زودهم » فقال عمر : يا رسول الله ما
عندي إلا فضل من تمر ما أرى أن يغني عنهم شيئا قال : « فانطلق فزودهم » قال :
فانطلق بنا ففتح عليه فإذا فيها فضلة من تمر مثل البعير الأورق قال : فأخذ القوم
حاجتهم وكنت في آخر القوم فالتفت وما أفقد منه موضع تمرة وقد احتمل منه أربعمائة رجل
«
1051 - حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي
قال : حدثنا أبو هشام الرفاعي قال : حدثنا أبو بكر بن عياش قال
: حدثنا عاصم ، عن زر ، عن عبد الله يعني ابن مسعود قال
: كنت أرعى غنما لعقبة بن أبي معيط ، فأتى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
ومعه أبو بكر ، فقال : « يا غلام هل معك من لبن ؟ » قلت : لا يا رسول الله قال
: « فأدنني شاة » ، فأتيته بجذعة لم يمسها الفحل ، فمسح
ضرعها ودعا بالبركة ، ثم حلب في قعب فشرب ، ثم ناول أبا بكر فشرب ثم قال للضرع : «
اقلص » فقلص
حديث الحنانة
1052 - حدثنا أبو جعفر أحمد بن يحيى الحلواني قال :
حدثنا سعيد بن سليمان ، عن سليمان بن كثير ، عن ابن شهاب ، عن سعيد بن المسيب ، عن
جابر بن عبد الله قال : « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب إلى جذع نخلة من
قبل أن يوضع المنبر ، فلما وضع المنبر ، وصعد النبي صلى الله عليه وسلم ، حن ذلك الجذع
حتى سمعنا حنينه ، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم ، فوضع يده عليه فسكن
»
1053 - وأخبرنا أبو عبيدة علي بن الحسين بن حرب القاضي
قال : أخبرنا أبو الأشعث أحمد بن المقدام
قال : حدثنا المعتمر بن سليمان ، عن أبيه ، عن أبي نضرة ، عن جابر قال : « كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم إلى جنب صخرة أو خشبة أو شيء يستند عليه يخطب
ثم اتخذ منبرا فكان يقوم عليه فحنت تلك التي كان يقوم عندها حنينا سمعه أهل المسجد
فأتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فمسحها أو قال : فمسها فسكنت
»
1054 - وحدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد البغوي قال :
حدثنا شيبان بن أبي شيبة قال : حدثنا مبارك بن فضالة قال : حدثنا الحسن ، عن أنس
بن مالك قال : « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يخطب يوم الجمعة إلى جنب خشبة يسند ظهره إليها ، فلما كثر الناس قال : » ابنوا لي
منبرا « فبنوا له عتبتين ، فلما قام على المنبر يخطب ، حنت الخشبة إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال أنس : وأنا في المسجد فسمعت الخشبة تحن حنين الواله ، فما
زالت تحن حتى نزل إليها فاحتضنها فسكنت قال : فكان الحسن إذا حدث بهذا بكى ثم قال
: » يا عباد الله الخشبة تحن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شوقا إليه لمكانه من
الله عز وجل ، فأنتم أحق أن تشتاقوا إلى لقائه «
1055 - وحدثنا أبو محمد بن صاعد قال : حدثنا الحسين بن
الحسن المروزي قال : أخبرنا عبد الله بن المبارك قال : أخبرنا المبارك بن فضالة ،
عن الحسن قال : حدثني أنس بن مالك : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان يخطب
يوم الجمعة ويسند ظهره إلى خشبة فلما كثر الناس قال : « ابنوا لي منبرا » فبنوا له
منبرا ، إنما كان عتبتين فتحول من الخشبة إلى المنبر فحنت والله الخشبة حنين
الواله قال : فقال أنس : فأنا والله في هذا المسجد أسمع ذلك ، فوالله ما زالت تحن حتى
نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنبر فمشى إليها فاحتضنها فسكنت فبكى الحسن
وقال : يا معشر المسلمين الخشب يحن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أفليس
الرجال الذين يرجون لقاءه أحق أن يشتاقوا إليه ؟
1056 - حدثنا أبو أحمد هارون بن يوسف قال : حدثنا ابن
أبي عمر قال : حدثنا المقرئ عبد الله بن يزيد قال : حدثنا المسعودي ، عن أبي حازم
، عن سهل بن سعد قال : لما كثر الناس بالمدينة جعل الرجل يجيء والقوم يجيئون فلا
يكادون يسمعون كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى يراجعوا من عنده ، فقال الناس
: يا رسول الله إن الناس قد كثروا وإن الجائي يجيء فلا يكاد يسمع كلامك حتى يرجع ،
فلو أنك اتخذت شيئا تخطب عليه مرتفعا من الأرض فتسمع الناس كلامك قال : « فما شئتم
» قال : فأرسل إلى غلام لامرأة من الأنصار نجار وإلى طرفاء (1) الغابة فجعلوا له
منه مرقاتين (2) ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس عليه ويخطب عليه ، فلما
فعل ذلك حنت الخشبة التي كان يقوم عندها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقام
النبي صلى الله عليه وسلم إليها فوضع يده عليها فسكنت
__________
(1) الطرفاء : من شجر البادية وهو الأثل
(2) المرقاة : الدرجة التي يرتقي عليها
باب ذكر سجود البهائم لرسول الله صلى الله عليه وسلم
تعظيما له وإكراما له صلى الله عليه وسلم
1057 - حدثنا الفريابي قال : حدثنا إبراهيم بن العلاء
الزبيدي الحمصي قال : حدثنا عباد بن
يوسف الكندي أبو عثمان ، عن أبي جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أنس بن مالك
قال : دخل النبي حائطا (1) للأنصار ومعه أبو بكر ، وعمر رضي الله عنهما في رجال من
الأنصار قال : وفي الحائط غنم فسجدت له ، فقال أبو بكر : يا رسول الله ؛ كنا نحن
أحق بالسجود لك من هذه الغنم فقال : « إنه لا ينبغي
في أمتي أن يسجد أحد لأحد ، ولو كان ينبغي لأحد أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد
لزوجها »
__________
(1) الحائط : البستان أو الحديقة وحوله جدار
1058 - وأخبرنا الفريابي قال : حدثنا إبراهيم بن الحجاج
السامي قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن سعيد بن المسيب ، عن عائشة
: رضي الله عنها : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في نفر من المهاجرين
والأنصار فجاء بعير فسجد له ، فقال أصحابه : يا رسول الله سجدت لك البهائم والشجر
، فنحن أحق أن نسجد لك قال : « اعبدوا ربكم وأكرموا أخاكم ، فإنه لا ينبغي لأحد أن
يسجد لأحد ، ولو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها ، ولو أن
رجلا أمر امرأته أن تنقل من جبل أسود إلى جبل أحمر ، ومن جبل أحمر إلى جبل أسود ،
لكان نولها أن تفعل »
1059 - وأخبرنا الفريابي قال : قرأت على أبي مصعب وكتبت
من أصل كتابه وقرأت عليه وهو ينظر في كتابه ، قلت : حدثك عبد العزيز بن أبي حازم ،
عن يزيد بن الهاد ، عن ثعلبة بن أبي مالك قال : اشترى إنسان من بني سلمة بعيرا
ينضح عليه ، فأدخله المربد (1) فحرب الجمل ، فلا يقدر أحد أن يدخل عليه إلا تخبطه
، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذكر ذلك له ، فقال : « افتحوا عنه »
فقالوا : إنا نخشى عليك يا رسول الله منه فقال
: « افتحوا عنه » ففتحوا عنه ، فلما رآه الجمل خر ساجدا ، فقال القوم : يا رسول
الله كنا أحق أن نسجد لك من هذه البهيمة قال : « كلا لو انبغى لشيء من الخلق أن
يسجد لشيء من دون الله عز وجل لانبغى للمرأة أن تسجد لزوجها » قال محمد بن الحسين
رحمه الله : وفي هذا باب طويل مما شاهده الصحابة من النبي صلى الله عليه وسلم
__________
(1) المربد : مأوى الأبل والغنم ومحبسها
باب ذكر فضل نبينا صلى الله عليه وسلم في الآخرة على
سائر الأنبياء عليهم السلام
1060 - حدثنا موسى بن هارون قال : حدثنا محمد بن عباد
قال : حدثنا سفيان قال : حدثنا ابن جدعان
، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «
أنا سيد ولد آدم ولا فخر ، بيدي لواء الحمد ، وما من نبي آدم فمن دونه إلا وهو تحت
لوائي »
1061 - حدثنا أبو أحمد هارون بن يوسف قال : حدثنا ابن
أبي عمر يعني محمدا العدني قال : حدثنا سفيان ، عن علي بن زيد بن جدعان ، عن أبي
نضرة ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أنا سيد ولد آدم
ولا فخر ، بيدي لواء الحمد ولا فخر ، وما من نبي يومئذ آدم فمن سواه إلا تحت لوائي
»
1062 - وحدثنا حامد بن شعيب البلخي قال : حدثنا يحيى بن
أيوب العابد قال : ثنا عبد الله بن جعفر ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي
هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «
أنا سيد ولد آدم ولا فخر »
1063 - وحدثنا الفريابي قال : حدثنا قتيبة بن سعيد قال :
حدثنا الليث بن سعد ، عن خالد بن يزيد ، عن سعيد بن أبي هلال ، عن أنس بن مالك ،
أن الأنبياء ، ذكروا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : « والذي نفسي بيده
إني لسيد الناس يوم القيامة ولا فخر وإن بيدي لواء الحمد إن تحته لآدم ومن دونه
ولا فخر » قال محمد بن الحسين رحمه الله : فإن قال قائل : إيش يحتمل قول النبي صلى
الله عليه وسلم ، ولا فخر ؟ قيل له والله أعلم : يحتمل من تواضعه صلى الله عليه
وسلم ، لمولاه الكريم وللمؤمنين ، أي إني لست أفخر عليكم بهذا ولكني أحدثكم بنعم
الله الكريم علي ، إذ كان الله عز وجل قد قال له : ( وأما بنعمة ربك فحدث (1) ) فحدثهم بنعم الله الكريم عليه
__________
(1) سورة : الضحى آية رقم : 11
باب ما روي أن نبينا صلى الله عليه وسلم أول الناس دخولا
الجنة
1064 - حدثنا موسى بن هارون قال : ثنا محمد بن عباد قال
: ثنا سفيان بن عيينة ، عن ابن جدعان ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد قال : قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم : « أنا أول من يأخذ بحلقة باب الجنة فأقعقعها (1)
»
__________
(1) أقعقع : أحرك
1065 - وحدثنا موسى بن هارون قال : حدثنا أبو بكر ،
وعثمان ابنا أبي شيبة قالا : حدثنا معاوية بن
هشام قال : حدثنا سفيان الثوري ، عن مختار بن فلفل ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم : « أنا أول من يقرع باب الجنة »
1066 - وحدثنا موسى بن هارون قال : حدثنا إسحاق بن داود
بن صبيح وعبد الله بن محمد بن يحيى ، وإسحاق بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عمر ، وأحمد
بن منيع ، ومحمد بن الجنيد ، وعلي بن سهل بن مغيرة ، والحسن بن عرفة قالوا :
أخبرنا أبو النضر هاشم بن القاسم قال : حدثنا سليمان بن المغيرة ، عن ثابت ، عن
أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « آتي باب الجنة فأستفتح
فيقول الخازن : من أنت ؟ ، فأقول : محمد ، فيقول : بك أمرت ، لا أفتح لأحد قبلك
»
1067 - وحدثنا موسى قال : حدثنا محمد بن عباد : قال :
حدثنا سفيان بن عيينة ، عن ابن جدعان قال : سمعت أنس بن مالك يقول : قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : « أنا أول من يأخذ بحلقة باب الجنة فأقعقعها (1) » قال أنس :
كأني أنظر إلى يد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول : « فأقعقعها » قال ابن
عباد مرة أخرى : قال : وقال أنس : كأني أنظر إلى يد
رسول الله صلى الله عليه وسلم يحركها ووصفها سفيان ووصفه لنا ابن عباد وجعل يقول :
هكذا يمينا وشمالا قال محمد بن الحسين رحمه الله : وضم موسى بن هارون يده وجعل
يحركها ، وضم أبو بكر الآجري يده وجعل يحركها ، وضم أبو القاسم يده وحركها ، وضم
أبو بكر بن أبي الفضل يده وحركها
__________
(1) أقعقعها : أحركها حتى تصدر صوتا
1068 - وحدثنا أبو أحمد هارون بن يوسف قالا : حدثنا ابن
أبي عمر قال : حدثني الحسين الجعفي قال : حدثني زائدة بن قدامة قال : حدثني المختار
بن فلفل قال : قال أنس : قال النبي صلى الله عليه
وسلم : « أنا أول من في الجنة »
باب ذكر ما أعطي النبي صلى الله عليه وسلم من الشفاعة
للخلق في يوم القيامة خصوصا له قال محمد بن الحسين رحمه الله : قد تقدم ذكر ما في
هذا الكتاب ، أعني كتاب الشريعة في باب : من كذب بالشفاعة فلم أحب إعادته خشية أن
يطول به الكتاب . وباب : الحوض الذي أعطي النبي صلى الله عليه وسلم ، ذكرته في باب
: من كذب بالحوض فلم أحب إعادته ونذكر ها هنا ما لم يتقدم ذكره
باب ذكر الكوثر الذي أعطي النبي صلى الله عليه وسلم في
الجنة
1069 - أخبرنا أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله الكشي قال :
حدثنا علي بن عبد الله المديني قال : حدثنا إسماعيل يعني ابن إبراهيم قال : حدثنا
عطاء بن السائب قال : قال لي محارب بن دثار : ما قال سعيد بن جبير في الكوثر ؟ قلت
: قال ابن عباس : « هو الخير الكثير »
1070 - قال ابن عمر : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
: « الكوثر نهر في الجنة حافتاه من ذهب يجري على الدر والياقوت
»
1071 - وأخبرنا أبو جعفر محمد بن صالح بن ذريح العكبري
قال : حدثنا هناد بن السري قال : ثنا محمد بن فضيل ، عن عطاء بن السائب ، عن محارب
بن دثار ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « الكوثر نهر في
الجنة حافتاه من ذهب ومجراه على الدر والياقوت ، تربته من أطيب من المسك ، وماؤه أحلى
من العسل ، وأشد بياضا من الثلج »
1072 - وأخبرنا أبو بكر جعفر بن محمد الفريابي قال :
حدثنا عبد الأعلى بن حماد النرسي قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد بن
أبي عروبة ، عن قتادة ، أن أنس بن مالك أنبأهم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال : « بينما أنا أسير في الجنة إذ عرض لي نهر حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف ، فقال
الملك : أتدري ما هذا ؟ هذا الكوثر الذي أعطاك ربك ، وضرب بيده إلى أرضه فأخرج من
طينه المسك »
1073 - وأخبرنا الفريابي قال : حدثنا قتيبة بن سعيد قال
: حدثنا معن بن عيسى ، عن ابن أخي الزهري ، عن أبيه عبد الله بن مسلم قال : أخبرني
أنس بن مالك أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ما
الكوثر ؟ فقال رسول الله : « هو نهر أعطانيه ربي عز وجل في الجنة أشد بياضا من
اللبن ، وأحلى من العسل ، فيه طيور أعناقها كأعناق الجزر » ، فقال عمر بن الخطاب رضي
الله عنه : يا رسول الله إنها لناعمة فقال : « آكلها أنعم منها
»
1074 - وحدثنا أبو جعفر محمد بن صالح بن ذريح العكبري
قال : حدثنا هناد بن السري قال : حدثنا ابن فضيل ، عن المختار بن فلفل قال : سمعت
أنس بن مالك يقول : أغفى رسول الله صلى الله عليه وسلم إغفاءة فرفع رأسه متبسما ،
فإما قال لهم وإما قالوا له : يا رسول الله لم ضحكت ؟ قال : « إنه أنزلت علي آنفا
سورة ، فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم : إنا أعطيناك الكوثر حتى ختمها فلما قرأها
قال : » هل تدرون ما الكوثر ؟ « ، قالوا : الله ورسوله أعلم قال :
» فإنه نهر وعدنيه ربي عز وجل في الجنة عليه خير كثير ،
عليه حوض يرد عليه أمتي يوم القيامة ، آنيته كعدد الكواكب «
1075 - وحدثنا أبو محمد بن صاعد قال : حدثنا الحسين بن
الحسن المروزي قال : حدثنا محمد بن أبي عدي قال : حدثنا حميد ، عن أنس قال : قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : « دخلت الجنة
فرأيت فيها نهرا حافتاه خيام اللؤلؤ ، فضربت بيدي إلى ما يجري فيه الماء فإذا مسك
أذفر ، فقلت : يا جبريل ما هذا ؟ قال هذا الكوثر الذي أعطاكه الله عز وجل
»
1076 - وأخبرنا ابن ذريح العكبري قال : حدثنا هناد بن
السري قال : حدثنا أبو زبيد ، عن مطرف ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبيدة قال : قالت
عائشة رحمها الله : الكوثر نهر أعطيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في بطنان الجنة
قال : قلت : وما بطنان الجنة قالت : وسط الجنة ، شاطئاه در مجوف أو درة مجوفة
1077 - وأخبرنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد
العزيز البغوي قال : حدثنا محمد بن سليمان لوين قال : حدثنا إسماعيل بن زكريا ، عن
محمد بن عون ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : في قول الله عز وجل : ( إنا أعطيناك
الكوثر (1) ) قال : « هو نهر في الجنة عمقه سبعون ألف فرسخ ، ماؤه أشد بياضا من
اللبن وأحلى من العسل ، شاطئاه من لؤلؤ وزبرجد وياقوت ، خص الله عز وجل به نبيه
محمدا صلى الله عليه وسلم دون الأنبياء عليهم السلام »
__________
(1) سورة : الكوثر آية رقم : 1
باب ذكر ما خص الله عز وجل به النبي صلى الله عليه وسلم
من المقام المحمود يوم القيامة قال محمد بن الحسين رحمه الله : اعلموا رحمنا الله
وإياكم أن الله عز وجل أعطى نبينا صلى الله عليه وسلم ، من الشرف العظيم والحظ
الجزيل ما لم يعطه نبيا قبله مما قد تقدم ذكرنا له ، وأعطاه المقام المحمود يزيده شرفا
وفضلا ، جمع الله الكريم له فيه كل حظ جميل من الشفاعة للخلق والجلوس على العرش ،
خص الله الكريم به نبينا صلى الله عليه وسلم ، وأقر له به عينه يغبطه به الأولون والآخرون
سر الله الكريم به المؤمنين مما خص به نبيهم من الكرامة العظيمة والفضيلة الجميلة
تلقاها العلماء بأحسن القبول فالحمد لله على ذلك ، قال الله عز وجل لنبيه محمد صلى
الله عليه وسلم : ( ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا (1)
)
__________
(1) سورة : الإسراء آية رقم : 79
1078 - حدثنا أبو بكر قاسم بن زكريا المطرز قال : حدثنا
أحمد بن منيع قال : حدثنا إسحاق الأزرق قال : حدثنا سفيان
يعني الثوري ، عن أبي إسحاق ، عن صلة بن زفر ، عن حذيفة بن اليمان في قول الله عز
وجل : ( عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا (1) ) قال : « يجمع الله الخلق في صعيد
واحد ، يسمعهم الداعي ، وينفذهم البصر ، عراة ، حفاة ، قياما ، سكونا ، فينادي
محمد صلى الله عليه وسلم ، فيقول : » لبيك رب وسعديك ، والخير بيديك ، والمهدي من
هديت ، وعبدك بين يديك ، ومنك وإليك ، ولا منجا ولا ملجأ منك إلا إليك ، تباركت وتعاليت
، سبحانك رب البيت « قال : فذلك المقام المحمود قال إسحاق : وحدثناه شريك بهذا الإسناد فزاد : » الذي يغبطه به الأولون والآخرون
« حدثنا أيضا قاسم المطرز قال : حدثنا أبو بكر بن زنجويه
قال : حدثنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، والثوري ، عن أبي إسحاق ، عن صلة بن
زفر العبسي قال : سمعت حذيفة يقول في قول الله عز وجل : ( عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا
) فذكر مثل حديث إسحاق الأزرق سواء وزاد : المقام المحمود الذي قال الله عز وجل :
( عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا )
__________
(1) سورة : الإسراء آية رقم : 79
1079 - حدثنا أبو بكر بن أبي داود السجستاني قال : حدثنا
يونس بن حبيب الأصبهاني قال : ثنا أبو داود الطيالسي قال : حدثنا المسعودي ، عن
عاصم ، عن أبي وائل ، عن عبد الله يعني ابن مسعود قال : إن الله عز وجل اتخذ إبراهيم
خليلا ، وإن صاحبكم خليل الله ، وإن محمدا سيد ولد آدم يوم القيامة ، وأكرم
الخلائق على الله عز وجل ، وقرأ : ( عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا (1)
)
__________
(1) سورة : الإسراء آية رقم : 79
1080 - حدثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قال : حدثنا
محمد بن عبد الملك بن زنجويه قال : حدثنا محمد بن يوسف الفريابي قال : حدثنا قيس ،
عن عاصم بن أبي النجود ، عن زر ، عن عبد الله بن مسعود قال : « إن الله عز وجل
اتخذ إبراهيم خليلا ، وإن صاحبكم خليل الله ، وإن محمدا صلى الله عليه وسلم سيد ولد
آدم يوم القيامة ثم قرأ : ( عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا (1)
) »
__________
(1) سورة : الإسراء آية رقم : 79
1081 - وحدثنا أبو محمد بن صاعد قال : حدثنا إبراهيم بن
سعيد الجوهري ، وزهير بن محمد ، واللفظ لزهير قال : أخبرنا عبد الرحمن بن المبارك
قال : حدثنا الصعق بن حزن ، عن علي بن الحكم ، عن عثمان بن عمير ، عن أبي وائل ،
عن ابن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « إني لقائم يومئذ المقام المحمود
» قال : فقال منافق لشاب من الأنصار : سله ما المقام المحمود ، فسأله قال : « يوم
ينزل الله تبارك وتعالى على كرسيه يئط (1) به كما يئط الرحل الحديد وهو كسعة ما
بين السماء والأرض ، ويجاء بكم عراة حفاة فيكون أول من يكسى إبراهيم عليه السلام
يقول الله عز وجل : اكسوا خليلي ، فيؤتى بريطتين (2) بيضاوين من رياط الجنة ، ثم
أكسى على أثره فأقوم عن يمين الله عز وجل مقاما محمودا يغبطني به الأولون والآخرون
، ويسير لي نهر من الكوثر إلى حوضي » قال : يقول المنافق : لم أسمع كاليوم قط
لقلما جرى نهر إلا على حال ورضراض (3) ، فسله فيم يجري النهر ، فقال : « في حالة
من المسك ورضراض » قال : يقول المنافق : لم أسمع كاليوم
قط لقلما يجري نهر قط إلا كان له نبات قال الأنصاري : يا رسول الله هل لذلك النهر
نبات ؟ قال : « نعم » قال : وما هو قال : «
قضبان الذهب » قال : فسله هل لتلك القضبان ثمر قال : « نعم اللؤلؤ والجوهر » قال :
فسله عن شراب الحوض قال الأنصاري : يا رسول الله فما شراب الحوض ؟ قال : « أشد
بياضا من اللبن وأحلى من العسل من سقاه الله عز وجل منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا ،
ومن حرمه لم يرو بعدها أبدا »
__________
(1) يئط : يخرج صوتا
(2) الريطة : كل ثوب كالملاءة رقيق لين وكله نسيج واحد
وقطعة واحدة فهو ريطة
(3) الرَّض : الدَّق الجَرِيشُ والكسر ، والرضاض ضغار
الحصى المنكسر
1082 - حدثنا أبو بكر بن أبي داود السجستاني وأبو محمد
يحيى بن محمد بن صاعد قالا : حدثنا محمد بن عثمان بن أبي صفوان الثقفي قال : حدثنا
يحيى بن كثير العنبري قال : حدثنا سلم بن جعفر قال : حدثنا سعيد الجريري قال :
حدثنا سيف السدوسي ، عن عبد الله بن سلام قال : « إذا كان يوم القيامة جيء بنبيكم فأقعد
بين يدي الله عز وجل على كرسيه ، فقال : رجل لأبي سعيد الجريري : يا أبا سعيد :
إذا كان على كرسيه فهو معه قال : ويلكم ، هذا أقر حديث في الدنيا لعيني
»
1083 - حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز
البغوي قال : حدثنا عبد الله بن عمر أبو عبد الرحمن الكوفي قال
: حدثنا وكيع قال : حدثنا داود يعني ابن يزيد ، عن أبيه
، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو عبد الرحمن : وحدثنا أبو
أسامة ، عن داود بن يزيد ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم
( عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا (1) ) قال : « الشفاعة » وفي حديث أبي أسامة
: « هو المقام الذي يشفع فيه لأمته »
__________
(1) سورة : الإسراء آية رقم : 79
1084 - وحدثنا أبو محمد بن صاعد قال : حدثنا الحسين بن
الحسن المروزي قال : حدثنا محمد بن
عبيد قال : حدثنا داود الأودي ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، في قول الله عز وجل : (
عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا (1) ) قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : « هو
المقام الذي أشفع فيه لأمتي »
__________
(1) سورة : الإسراء آية رقم : 79
1085 - حدثنا أبو عبد الله أحمد بن الحسن بن عبد الجبار
الصوفي قال : حدثنا سليمان بن عمر الرقي قال : حدثنا عيسى بن يونس ، عن رشدين بن
كريب ، عن أبيه ، عن ابن عباس في قول الله عز وجل : ( عسى أن يبعثك ربك مقاما
محمودا (1) ) قال : المقام المحمود : الشفاعة
قال محمد بن الحسين رحمه الله : وأما حديث مجاهد في فضيلة النبي صلى الله عليه
وسلم ، وتفسيره لهذه الآية : أنه يقعده على العرش ، فقد تلقاها الشيوخ من أهل
العلم والنقل لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تلقوها بأحسن تلق ، وقبلوها
بأحسن قبول ، ولم ينكروها ، وأنكروا على من رد حديث مجاهد إنكارا شديدا وقالوا :
من رد حديث مجاهد فهو رجل سوء قلت : فمذهبنا والحمد لله قبول ما رسمناه في هذه
المسألة مما تقدم ذكرنا له ، وقبول حديث مجاهد ، وترك المعارضة والمناظرة في رده ،
والله الموفق لكل رشاد والمعين عليه ، وقد حدثناه جماعة
__________
(1) سورة : الإسراء آية رقم : 79
1086 - حدثنا أبو عبد الله أحمد بن الحسن بن عبد الجبار
الصوفي قال : حدثنا الحارث بن شريح قال : حدثنا محمد بن فضيل ، عن ليث ، عن مجاهد
، ( عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا (1) ) قال : « يقعدك معه على العرش » وحدثناه
أبو بكر بن أبي داود السجستاني قال : حدثنا علي بن المنذر الطريقي قال : حدثناه ابن
فضيل
__________
(1) سورة : الإسراء آية رقم : 79
1087 - قال ابن أبي داود : وحدثنا علي بن حرب الموصلي
قال : حدثنا ابن فضيل ، عن ليث ، عن مجاهد ، ( عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا (1)
) قال : « يقعده معه على العرش »
__________
(1) سورة : الإسراء آية رقم : 79
1088 - وحدثنا حامد بن شعيب البلخي قال : حدثنا الحسن بن
حماد سجادة قال : حدثنا محمد بن فضيل ، عن ليث ، عن
مجاهد ، في قول الله عز وجل : ( عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا (1) ) قال : «
يقعده على العرش »
__________
(1) سورة : الإسراء آية رقم : 79
1089 - وحدثناه أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قال :
حدثنا خلاد بن أسلم قال : حدثنا محمد بن
فضيل ، عن ليث ، عن مجاهد : في قول الله عز وجل : ( عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا
(1) ) قال : « يجلسه على العرش »
__________
(1) سورة : الإسراء آية رقم : 79
1090 - وحدثناه أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد
العزيز البغوي قال : حدثنا عبد الرحمن بن صالح الأزدي قال : حدثنا محمد بن فضيل ،
عن ليث ، عن مجاهد : ( عسى أن يبعثك
ربك مقاما محمودا (1) ) قال : « يجلسه أو يقعده على العرش »
__________
(1) سورة : الإسراء آية رقم : 79
1091 - وحدثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قال :
حدثنا أحمد بن يحيى الأودي قال : حدثنا زيد بن الحباب قال ابن صاعد : وحدثنا أحمد
بن منصور بن سيار قال : حدثنا ابن أبي مريم قالا : حدثنا ابن لهيعة ، عن بكر بن
سوادة ، عن زياد بن نعيم الحضرمي ، عن وفاء بن شريح الحضرمي ، عن رويفع بن ثابت الأنصاري
قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وقال زيد بن الحباب في حديثه : سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول : « من قال : اللهم صل على محمد وأنزله
المقعد المقرب عندك يوم القيامة وجبت له شفاعتي » قال ابن صاعد : وهذه الفضيلة في
القعود على العرش لا ندفعها ولا نماري فيها ، ولا نتكلم في حديث فيه فضيلة لرسول
الله صلى الله عليه وسلم بشيء يدفعه ولا ينكره . قال ابن صاعد : وهذا الحديث يقارب
الأحاديث في معنى يقعده على العرش قال محمد بن الحسين رحمه الله : فإن قال قائل :
إيش معنى قول الله عز وجل : ( ومن الليل فتهجد به نافلة لك (1) ) أهي نافلة للنبي
صلى الله عليه وسلم دون غيره من الناس ؟ وهل قيام الليل واجب على غيره ؟ أو نافلة
له خاصة ؟ قيل له : معناه معنى حسن اعلم أنه كان قيام الليل واجبا على النبي صلى
الله عليه وسلم ، وعلى أمته وهو قول الله عز وجل : ( يا أيها المزمل قم الليل إلا
قليلا نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا (2)
) فكان صلى الله عليه وسلم ، يقومه وأمته ، ويصعب على
المؤمنين تقدير الليل للقيام ، فتفضل الله الكريم على نبيه وعلى أمته فنسخ عنه
وعنهم قيام الليل ؛ وهو قوله عز وجل : ( والله يقدر الليل والنهار علم أن لن تحصوه
فتاب عليكم فاقرءوا ما تيسر من القرآن (3) ) إلى آخر السورة ، فصار قيام الليل من
شاء قامه ، ومن شاء لم يقمه إذا أدى فرائضه كما أمره الله عز وجل ، فمن قامه كفر
الله عز وجل به عنه سيئاته ، وقوله عز وجل : ( نافلة لك ) معناه : أن الله عز وجل قد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ، فليس لك
ذنوب تكفر عنك ، وإنما قيامك الليل وجميع أعمال الطاعات فضل لك في درجاتك عند ربك
عز وجل نافلة لك ، وسائر أمتك ما عملوه من الطاعات من قيام الليل وغيره ، إنما
يعملون في كفارات الذنوب ، وأنت فلا ذنوب لك تكفرها قيام الليل نافلة لك يا محمد
__________
(1) سورة : الإسراء آية رقم : 79
(2) سورة : المزمل آية رقم : 1
(3) سورة : المزمل آية رقم : 20
1092 - حدثنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن زياد الشاهد قال
: حدثنا الحسن بن عفان الكوفي قال : حدثنا أبو أسامة ، عن أبي عثمان ، عن عبد الله
بن كثير ، عن مجاهد ، في قول الله عز وجل : ( ومن الليل فتهجد به نافلة لك (1) )
قال : « لم تكن النافلة لأحد إلا للنبي صلى
الله عليه وسلم ، خاصة من أجل أنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، فما عمل
من عمل مع المكتوبات فهو نافلة له سوى المكتوبة ، من أجل أنه لا يعمل في كفارة (2)
الذنوب ، والناس يعملون ما سوى المكتوبة في كفارة ذنوبهم ، فليس للناس نوافل إنما
هي للنبي صلى الله عليه وسلم » قال محمد بن الحسين رحمه الله : فضائل النبي صلى
الله عليه وسلم كثيرة ، والحمد لله في الدنيا والآخرة ، وقد وعده الله عز وجل أنه
سيعطيه في الآخرة من الكرامات حتى يرضى وهو قوله عز وجل : ( ولسوف يعطيك ربك فترضى
(3) )
__________
(1) سورة : الإسراء آية رقم : 79
(2) الكفارة : الماحية للخطأ والذنب
(3) سورة : الضحى آية رقم : 5
1093 - حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا محمود بن
خالد قال : حدثنا عمر يعني ابن عبد الواحد ، عن الأوزاعي ، عن إسماعيل بن عبيد
الله قال : حدثني علي بن عبد الله بن عباس ، عن أبيه قال : عرض على رسول الله صلى
الله عليه وسلم ما هو مفتوح على أمته كفرا كفرا فسر بذلك ، فأنزل الله عز وجل
( والضحى (1) ) إلى قوله : ( ولسوف يعطيك ربك فترضى (2)
) ، فأعطاه الله عز وجل ألف قصر في الجنة من لؤلؤ ؛ ترابهن المسك ، في كل قصر ما
ينبغي له من الأزواج والخدم
__________
(1) سورة : الضحى آية رقم : 1
(2) سورة : الضحى آية رقم : 5
1094 - وحدثنا ابن أبي داود قال : حدثنا يحيى بن عبد
الرحيم الأعمش قال : حدثنا عمرو بن هاشم قال : سمعت الأوزاعي يقول : حدثني إسماعيل
بن عبيد الله ، عن علي بن عبد الله بن عباس ، عن أبيه عبد الله بن عباس قال : عرض
على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هو مفتوح على أمته من بعده كفرا كفرا ، فسر بذلك
، فأنزل الله عز وجل : ( ولسوف يعطيك ربك فترضى (1) ) قال : فأعطاه الله عز وجل في
الجنة ألف قصر ، في كل قصر ما ينبغي له من الأزواج والخدم
__________
(1) سورة : الضحى آية رقم : 5
1095 - وحدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا إسحاق بن
إبراهيم النهشلي شاذان قال : حدثنا سفيان ، عن الأوزاعي ، عن إسماعيل بن عبيد الله
، عن علي بن عبد الله بن عباس ، عن ابن عباس : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
رأيت ما هو مفتوح على أمتي كفرا كفرا ، فسرني ذلك فنزلت ( والضحى والليل إذا سجى (1)
) إلى قوله عز وجل : ( ولسوف يعطيك ربك فترضى (2) ) قال
: أعطي ألف قصر من لؤلؤ ترابها المسك ، في كل قصر ما ينبغي له
__________
(1) سورة : الضحى آية رقم : 1
(2) سورة : الضحى آية رقم : 5
باب ذكر وفاة النبي صلى الله عليه وسلم
1096 - حدثنا أبو أحمد هارون بن يوسف التاجر قال : حدثنا
محمد بن أبي عمر قال : حدثنا بشر بن
السري قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس قال : « والله ما رأيت يوما أضوأ ولا أنور ولا أحسن من يوم دخل علينا محمد صلى
الله عليه وسلم ، ولا رأيت يوما أظلم ولا أقبح من يوم مات فيه رسول الله صلى الله
عليه وسلم »
1097 - وحدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد
العزيز البغوي قال : حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري قال : حدثنا جعفر بن سليمان
قال : حدثنا ثابت ، عن أنس قال : « لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة
أضاء منها كل شيء ، فلما مات أظلم منها كل شيء »
1098 - وحدثنا أبو عبد الله الحسين بن محمد بن عفير
الأنصاري قال : حدثنا محمد بن يحيى الأزدي قال : حدثنا المثنى بن بحر القشيري قال
: حدثنا عبد الواحد بن سليمان ، عن الحسن بن الحسن بن علي ، عن أبيه ، عن علي بن
أبي طالب رضي الله عنه قال : لما كان قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، بثلاثة
أيام هبط عليه جبريل عليه السلام ، فقال : يا محمد أرسلني إليك من هو أعلم منك بما
تجد خاصة لك وإكراما لك وتفضيلا لك ، يقول لك : « كيف تجدك » قال
: « أجدني يا جبريل مغموما وأجدني يا جبريل مكروبا »
فلما كان اليوم الثاني هبط عليه جبريل عليه السلام فقال : يا محمد أرسلني إليك من
هو أعلم بما تجد منك خاصة لك وإكراما لك وتفضيلا لك يقول لك : « كيف تجدك » قال :
« أجدني يا جبريل مغموما ، وأجدني يا جبريل مكروبا » ، فلما كان اليوم الثالث هبط جبريل
ومعه ملك الموت ومعه ملك على شماله يقال له : إسماعيل ، جنده سبعون ألف ملك ، جند
كل ملك منهم مائة ألف ، ( وما يعلم جنود ربك إلا هو (1) ) ،
استأذن ربه عز وجل في لقاء محمد صلى الله عليه وسلم ، والتسليم عليه ، فسبقهم
جبريل عليه السلام ، فقال : السلام عليك يا محمد أرسلني إليك من هو أعلم بما تجد
منك خاصة لك وإكراما لك وتفضيلا لك ، يقول لك : كيف تجدك قال : « أجدني مغموما وأجدني مكروبا » قال : واستأذن ملك الموت فقال جبريل : يا محمد
هذا ملك الموت يستأذن عليك واعلم أنه لم يستأذن على أحد قبلك ولا يستأذن على أحد
بعدك قال : « ائذن له يا جبريل » قال : فدخل فقال : السلام عليك يا محمد ، أرسلني
إليك ربي وربك عز وجل وأمرني أن أطيعك فيما تأمرني به ، إن أمرتني أن أقبض نفسك
قبضتها وإن كرهت تركتها قال : « وتفعل ذلك يا ملك الموت » قال : بذلك أمرت يا محمد
قال : فأقبل عليه جبريل فقال : يا محمد إن الله عز وجل قد اشتاق إليك وأحب لقاءك ،
فأقبل النبي صلى الله عليه وسلم ، على ملك الموت فقال : « امض لما أمرت به » فقبض
رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسمعنا قائلا يقول وما نرى شيئا : في الله عزاء من
كل هالك ، وعوض من كل مصيبة ، وخلف من كل ما فات ، فبالله فثقوا ، وإياه فارجوا ،
فإن المحروم من حرم الثواب قال محمد بن الحسين رحمه الله : قد رسمت في كتاب فضائل
النبي صلى الله عليه وسلم وفاته ، وغسله ، وكيف صلي عليه ، ووقت دفنه ، وكيف
الصلاة عليه بعده ، وثواب من صلى عليه حالا بعد حال ، ونذكر بعد هذا فضل أصحابه
رضي الله عنهم الذين اختارهم الله عز وجل له أصهارا وأنصارا ، ووزراءهم المهاجرين
والأنصار رضي الله عنهم ، ونفعنا بحبهم قال محمد بن الحسين : بلغني أنه لما دفن
النبي صلى الله عليه وسلم ، جاءت فاطمة رضي الله عنها ، فوقفت على قبره فأنشأت
تقول : أمسى بخدي للدموع رسوم أسفا عليك وفي الفؤاد كلوم والصبر يحسن في المواطن
كلها إلا عليك فإنه مذموم لاعيب في حزني عليك لو أنه كان البكاء لمقلتي يدوم بسم
الله الرحمن الرحيم وبه نستعين قال محمد بن الحسين رحمه الله : الحمد لله المتفضل
علينا بالنعم الدائمة ، والأيادي الجميلة ظاهرة وباطنة ، سرا وعلانية ، حمد من
يعلم أن مولاه الكريم يحب الحمد ، فله الحمد على كل حال ، وصلى الله على سيد الأولين
والآخرين ، ذاك محمد رسول رب العالمين صلى الله عليه وسلم وعلى آله الطيبين
وأصحابه المنتجبين وأزواجه أمهات المؤمنين ، أما بعد : فإنه مما يسر الله الكريم
لي من رسم كتاب الشريعة ، يسر لي أن رسمت فيه من فضائل نبينا محمد صلى الله عليه
وسلم ، وأذكر بعد ذلك فضائل صحابته رضي الله عنهم ، الذين اختارهم الله عز وجل له
، فجعلهم وزراءه وأصهاره وأنصاره والخلفاء من بعده في أمته ، وهم المهاجرون
والأنصار الذين نعتهم الله عز وجل في كتابه بأحسن النعت ووصفهم بأجمل الوصف ،
وأخبرنا الله عز وجل في كتابه أنه نعتهم في التوراة والإنجيل بأحسن النعت ووصفهم
بأجمل الوصف ، ( ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم (2) ) فأما المهاجرون
رضي الله عنهم ، فإنهم آمنوا بالله وبرسوله ، وصدقوا الإيمان بالعمل ، صبروا مع النبي
صلى الله عليه وسلم في شدة ، آثروا الذل في الله عز وجل على العز في غير الله ،
وآثروا الجوع في الله عز وجل على الشبع في غير الله ، عادوا في الله عز وجل القريب
والبعيد ، وهاجروا مع الرسول صلى الله عليه وسلم وفارقوا الآباء والأبناء والأهل
والعشائر ، وتركوا الأموال والديار وخرجوا فقراء ، كل ذلك محبة منهم لله تبارك
وتعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، كان الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم
آثر عندهم من جميع من ذكرناه بإيمان صادق ، وعقول مؤيدة ، وأنفس كريمة ، ورأي سديد
، وصبر جميل بتوفيق من الله عز وجل رضي الله عنهم ورضوا عنه ، ( أولئك حزب الله
ألا إن حزب الله هم المفلحون (3) ) وأما الأنصار رضي الله عنهم ، فهم قوم اختارهم
الله عز وجل لنصرة دينه واتباع نبيه ، فآمنوا به بمكة ، وبايعوه ، وصدقوا في بيعتهم
إياه فأحبوه ، ونصروه ، ( واتبعوا النور الذي أنزل معه (4) ) ،
وأرادوا أن يخرجوه معهم إلى المدينة محبة منهم له ، فسألهم النبي صلى الله عليه
وسلم ، تركه إلى وقت ، ثم خرجوا إلى المدينة فأخبروا إخوانهم بإيمانهم فآمنوا
وصدقوا ، فلما هاجر إليهم الرسول صلى الله عليه وسلم ، استبشروا بذلك ، وسروا
بقدومه عليهم ، فأكرموه ، وعظموه ، وعلموا أنها نعمة من الله عز وجل عليهم ، ثم
قدم المهاجرون بعدهم ، ففرحوا بقدومهم ، وأكرموهم بأحسن الكرامة ، ووسعوا لهم
الديار ، وآثروهم على الأهل ، والأولاد ، وأحبوهم حبا شديدا ، وصاروا إخوة في الله
عز وجل ، وتآلفت القلوب بتوفيق من المحبوب بعد أن كانوا أعداء ، قال الله عز وجل
لنبيه صلى الله عليه وسلم ( هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم ، لو
أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم
(5) ) ثم قال عز وجل للجميع : ( واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين
قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها (6) )
فأجمعوا جميعا على محبة الله عز وجل ، ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وعلى المعاونة
على نصرته ، والسمع والطاعة له في العسر واليسر ، والمنشط والمكره ، لا تأخذهم في
الله لومة لائم ، فنعت الله عز وجل المهاجرين ، والأنصار في كتابه في غير موضع منه
بكل نعت حسن جميل ، ووعدهم الجنة خالدين فيها أبدا ، وأخبرنا أنه قد رضي عنهم
ورضوا عنه ، ( أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون ) ، فإن قال قائل :
فاذكر لنا من كتاب الله عز وجل ما يدل على ما قلت ؛ قيل له : لا يسعنا أن ننطق
بشيء إلا بما وافق الكتاب والسنة ، وأقاويل الصحابة رضي الله عنهم ، وسأذكر لك من
ذلك ما يقر الله الكريم به أعين المؤمنين ويسخن به أعين المنافقين ، والله الموفق
لما قصدنا له ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
__________
(1) سورة : المدثر آية رقم : 31
(2) سورة : الحديد آية رقم : 21
(3) سورة : المجادلة آية رقم : 22
(4) سورة : الأعراف آية رقم : 157
(5) سورة : الأنفال آية رقم : 62
(6) سورة : آل عمران آية رقم : 103
باب ذكر ما مدح الله عز وجل به المهاجرين والأنصار في
كتابه مما أكرمهم الله به قال الله عز وجل : ( والسابقون الأولون من المهاجرين
والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها
الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم (1) ) وقال عز وجل : ( إن الذين آمنوا وهاجروا
وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض
(2) ) وقال عز وجل : ( والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا
ونصروا أولئك هم المؤمنون حقا لهم مغفرة ورزق كريم والذين آمنوا من بعد وهاجروا
وجاهدوا معكم فأولئك منكم وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله إن الله بكل
شيء عليم (3) ) وقال عز وجل : ( للفقراء
المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون
الله ورسوله أولئك هم الصادقون والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم (4) ) إلى
قوله : ( فأولئك هم المفلحون (5) ) وقال عز وجل : ( الذين يذكرون الله قياما
وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك
فقنا عذاب النار (6) ) إلى قوله : ( فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم
من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض (7) ) إلى قوله عز وجل : ( والله عنده حسن الثواب )
وقال عز وجل : ( لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا
بأموالهم وأنفسهم وأولئك لهم الخيرات وأولئك هم المفلحون أعد الله لهم جنات تجري
من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم (8) ) وقال عز وجل : ( ومن يخرج من
بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله
غفورا رحيما (9) ) وقال عز وجل : ( ونزعنا ما في صدورهم
من غل تجري من تحتهم الأنهار وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي
لولا أن هدانا الله (10) ) الآية ، وقال عز وجل : ( هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين
وألف بين قلوبهم ، لو أنفقت ما في الأرض جميعا (11) ) إلى آخر الآية . وقال عز وجل
: ( ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها
لغفور رحيم (12) ) وقال عز وجل : ( والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم
في الدنيا حسنة ولأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون
(13) ) وقال عز وجل : ( يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين
أيديهم وبأيمانهم يقولون : ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير
(14) ) وقال عز وجل : ( لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما
في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا (15) ) وقال عز وجل : ( لا تجد
قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو
أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه
ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك
حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون (16) ) وقال عز وجل : ( محمد رسول الله والذين
معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا
(17) ) إلى قوله : ( منهم مغفرة وأجرا عظيما ) وقال عز وجل : ( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف
الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا
يعبدونني لا يشركون بي شيئا (18) ) قال محمد بن الحسين رحمه الله : فقد والله أنجز
الله عز وجل الكريم للمهاجرين والأنصار ما وعدهم به ، جعلهم الخلفاء من بعد الرسول
، ومكنهم في البلاد ، ففتحوا الفتوح ، وغنموا الأموال ، وسبوا ذراري الكفار ،
وأسلم على أيديهم من الكفار خلق كثير ، وأعزوا دين الله عز جل ، وأذلوا أعداء الله
عز وجل ، وظهر أمر الله ولو كره المشركون ، وسنوا للمسلمين السنن الشريفة ، وكانوا
بركة على جميع الأمة ، أبو بكر وعمر ، وعثمان ، وعلي ( رضي الله عنهم ورضوا عنه
أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون ) يقال : من أحب أبا بكر فقد أقام
الدين ، ومن أحب عمر ، فقد أوضح السبيل ، ومن أحب عثمان فقد استنار بنور الله عز
وجل ، ومن أحب علي بن أبي طالب ، فقد استمسك بالعروة الوثقى ، ومن قال الحسنى في أصحاب
محمد صلى الله عليه وسلم فقد برئ من النفاق قال محمد بن الحسين ، رحمه الله : ولكل
واحد منهم من الفضائل ما لا يحصى كثرة ، نفعنا الله بحبهم إنه سميع قريب ، وأنا
أذكر إن شاء الله بعد هذا ما فضلهم به النبي صلى الله عليه وسلم
__________
(1) سورة : التوبة آية رقم : 100
(2) سورة : الأنفال آية رقم : 72
(3) سورة : الأنفال آية رقم : 74
(4) سورة : الحشر آية رقم : 8
(5) سورة : الأعراف آية رقم : 8
(6) سورة : آل عمران آية رقم : 191
(7) سورة : آل عمران آية رقم : 195
(8) سورة : التوبة آية رقم : 88
(9) سورة : النساء آية رقم : 100
(10) سورة : الأعراف آية رقم : 43
(11) سورة : الأنفال آية رقم : 62
(12) سورة : النحل آية رقم : 110
(13) سورة : النحل آية رقم : 41
(14) سورة : التحريم آية رقم : 8
(15) سورة : الفتح آية رقم : 18
(16) سورة : المجادلة آية رقم : 22
(17) سورة : الفتح آية رقم : 29
(18) سورة : النور آية رقم : 55
باب ذكر ما نعتهم به النبي صلى الله عليه وسلم من الفضل
العظيم والحظ الجزيل
1099 - أخبرنا أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله الكشي قال :
حدثنا سليمان بن داود الشاذكوني قال : حدثنا أبو بكر بن عياش قال : حدثنا عاصم بن
أبي النجود ، عن أبي وائل ، عن جرير بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : « المهاجرون والأنصار بعضهم أولياء بعض
في الدنيا والآخرة »
1100 - وحدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد
الواسطي قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم الشهيد قال : حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن
عاصم ، عن زر ، وأبي وائل ، عن جرير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «
المهاجرون والأنصار بعضهم أولياء بعض في الدنيا والآخرة »
1101 - حدثنا أبو أحمد هارون بن يوسف قال : حدثنا ابن
أبي عمر العدني قال : حدثنا سفيان ، عن يحيى بن سعيد قال : سمعت أنس بن مالك يقول
: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصار ليقطع لهم البحرين ، فقالوا : حتى
تقطع لإخواننا من المهاجرين مثله فقال « إنكم تلقون بعدي أثرة ، فاصبروا حتى تلقوني
»
1102 - وحدثنا الفريابي قال : قرأت على أبي مصعب ، عن
عبد العزيز بن أبي حازم ، عن كثير بن زيد ، عن ابن أبي سعيد الخدري ، عن أبي سعيد
الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « للمهاجرين منابر من
ذهب يجلسون عليها يوم القيامة قد أمنوا من الفزع »
1103 - وحدثنا الفريابي قال : حدثنا صفوان بن صالح قال : حدثنا الوليد بن مسلم قال : حدثنا يحيى بن الحارث
الذماري ، وشيبة بن الأحنف الأوزاعي قالا : سمعنا أبا سلام الأسود يحدث عن ثوبان
مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر حوضه ،
فقالوا : يا رسول الله من أول الناس ورودا له ؟ فقال : « فقراء المهاجرين الشعثة رءوسهم ، الدنسة ثيابهم ، الذين لا تفتح لهم السدد
، ولا ينكحون المتنعمات »
1104 - حدثنا أبو عبد الله جعفر بن إدريس القزويني قال :
حدثنا يحيى بن عبدك القزويني بقزوين قال : حدثنا عبد الله بن يزيد المقرئ قال :
حدثنا سعيد بن أبي أيوب قال : حدثني معروف بن سويد الجذامي ، عن أبي عشانة
المعافري ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «
هل تدرون أول من يدخل الجنة من خلق الله عز وجل ؟ » قالوا : الله أعلم ورسوله قال
: « إن أول من يدخل الجنة من خلق الله عز وجل المهاجرون الذين تسد بهم الثغور (1)
، ويتقى بهم المكاره ، ويموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاء ، فيقول
الله عز وجل لمن شاء من ملائكته : » إيتوهم فحيوهم « فتقول الملائكة : ربنا نحن
سكان سمائك وخيرتك من خلقك أفتأمرنا فنسلم عليهم ؟ قال : » إنهم كانوا عبادا لي يعبدونني
لا يشركون بي شيئا ، وتسد بهم الثغور ، وتتقى بهم المكاره ، يموت أحدهم وحاجته في
صدره لا يستطيع لها قضاء « قال : فيأتيهم الملائكة عند ذلك فيدخلون عليهم من كل
باب ( سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار (2) )
__________
(1) الثغر : الموضع الذي يكون حَدّا فاصلا بين بلاد
المسلمين والكفار، وهو موضع المخافة من أطراف البلاد
(2) سورة : الرعد آية رقم : 24
1105 - حدثنا موسى بن هارون قال : حدثنا محمد بن عباد
قال : حدثنا سفيان ، عن ابن جدعان ، سمع أنسا يقول : علم رسول الله صلى الله عليه
وسلم أن الشعب (1) أحرز من الوادي ، فقال : « لو سلك
الأنصار شعبا ، وسلك الناس واديا ، لسلكت شعب الأنصار ، ولولا الهجرة لكنت امرأ من
الأنصار ، اقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم ، الأنصار عيبتي (2) وكرشي ، أما
ترضون أن يذهب الناس بالشاء (3) والبكرات ، وتذهبوا برسول الله صلى الله عليه وسلم
» ، ثم قال : أما لو شئتم لقلتم : جئتنا طريدا
فآويناك ، وخذلك الناس فنصرناك « فبكوا ، وقالوا : لله ولرسوله المنة علينا
__________
(1) الشعب : الطريق في الجبل أو الانفراج بين الجبلين
(2) عيبتي : جماعتي وصحابتي الذين أُطلعهم على سري وأَثق
بهم وأعتمد عليهم
(3) الشاء : جمع الشاة وهي الواحدة من الغنم وقيل :
الواحدة من الضأن والمَعز والظَّباءِ والبَقَر والنعامِ وحُمُرِ الوحش
1106 - وحدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا الحسن بن
عطاء شاذويه قال : حدثنا بكر بن بكار قال : حدثنا شعبة ،
عن محمد بن زياد ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « لو أن
الناس سلكوا واديا ، وسلكت الأنصار واديا ، لسلكت وادي الأنصار ، ولولا الهجرة
لكنت امرأ من الأنصار » قال أبو هريرة :
لقد آووا ونصروا رحمة الله عليهم
1107 - وحدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا أبو
هريرة وهب الله بن رزق الله المصري قال : حدثنا محمد بن إدريس الشافعي ، وخالد بن
نزار قالا : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس بن أبي حازم
، عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال : إنما مثلنا ومثل الأنصار كما قال الغنوي
لبني جعفر : جزى الله عنا جعفرا حين أشرفت بنا
نعلنا في الواطئين فزلت أبوا أن يملونا ولو أن أمنا تلاقي الذي يلقون منا لملت
1108 - حدثنا أبو عبد الله الحسين بن محمد بن عفير الأنصاري
قال : حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال : حدثنا عبد الله
بن إدريس ، عن محمد بن إسحاق ، عن عاصم بن عمر بن قتادة ، عن محمود بن لبيد ، عن
أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « الأنصار شعار ،
والناس دثار (1) ، ولولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار »
__________
(1) الدثار : الثوب الذي يكون فوق الشعار
1109 - وحدثنا أبو عبد الله أحمد بن محمد بن شاهين قال :
حدثنا عبد الأعلى بن حماد قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن إسحاق بن عبد الله ، عن
أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار
»
1110 - وحدثنا أبو بكر قاسم بن زكريا المطرز قال : حدثنا
نصر بن علي قال : أخبرني بشر بن المفضل قال : حدثنا ابن
حرملة ، عن أبي ثفال ، عن رباح بن عبد الرحمن بن أبي سفيان بن حويطب أنه سمع جدته
، تحدث عن أبيها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « لا يؤمن بي من لا يحب
الأنصار »
1111 - وحدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد
الواسطي قال : حدثنا أبو هشام الرفاعي قال : حدثنا يزيد بن هارون قال : حدثنا يحيى
بن سعيد أن سعد بن إبراهيم أخبره عن الحكم بن مينا ، عن يزيد بن جارية قال : كنت
جالسا مع نفر من الأنصار فخرج علينا معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما ، فسألنا فقلنا
: كنا في حديث من حديث الأنصار ، فقال : أولا أزيدكم حديثا سمعته من رسول الله صلى
الله عليه وسلم ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « من أحب الأنصار أحبه الله ، ومن أبغض الأنصار أبغضه الله
»
1112 - أنبأنا أبو محمد عبد الله بن صالح البخاري قال :
حدثنا عبد الأعلى بن حماد النرسي قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، أن
مصعب بن الزبير هم بعريف الأنصار أن يقتله ، فدخل عليه أنس بن مالك فقال : سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « استوصوا بالأنصار خيرا أو معروفا اقبلوا من
محسنهم ، وتجاوزوا عن مسيئهم » قال : فنزل مصعب من سريره على بساطه ، فألزق عنقه ،
أو قال : خده ، أو قال : تمعك ، فقال : أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على
الرأس والعين ، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرأس والعين
1113 - حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا أحمد بن
صالح المصري قال : حدثنا عبد الرزاق قال : أنبأنا عمر ، عن قتادة ، عن أنس أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال : « اللهم اغفر للأنصار ، ولأبناء الأنصار ، ولأبناء أبناء
الأنصار »
1114 - حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال
: حدثنا أحمد بن صالح المصري قال : حدثنا عبد الرزاق قال
: أنبأنا معمر ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، عن أنس : أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال : « اللهم اغفر للأنصار ، ولأبناء الأنصار ، ولأبناء أبناء الأنصار
»
1115 - حدثنا أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله الكشي قال :
حدثنا سليمان بن داود الشاذكوني قال : حدثنا محمد بن إسماعيل بن أبي حبيبة ، عن
عوف بن سلمة بن عوف ، عن أبيه ، عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
« اللهم ، اغفر للأنصار ، ولأبناء الأنصار ، ولأبناء أبناء الأنصار ، ولموالي الأنصار
»
1116 - حدثنا أبو جعفر أحمد بن يحيى الحلواني ، وأبو القاسم
عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قالا : حدثنا علي بن الجعد قال : حدثنا
شعبة ، عن معاوية بن قرة ، عن أنس بن مالك : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «
اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة ، فاغفر للأنصار والمهاجرة »
1117 - حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد
الواسطي قال حدثنا أبو يزيد محمود بن محمد بن محمود بن ثابت بن قيس الظفري قال
: حدثنا أيوب بن النجار ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي
سلمة ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ما آمن بي من لم
يحبني ، وما أحبني من لم يحب الأنصار »
1118 - أنبأنا أبو عبد الله الحسين بن محمد بن عفير
الأنصاري قال : حدثنا شعيب بن سلمة بن محمود بن الأشعث بن رفاعة بن رافع بن خديج
الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
حدثنا أبو زكريا يحيى بن عبد الله بن يزيد الأنصاري ، عن
ربيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري ذكره عن أبيه ، عن جده قال : جلس رسول الله
صلى الله عليه وسلم بمكة في مجلس من المهاجرين والأنصار ، فجاء رجل يقال له
: رزين أو ابن رزين فقال : من سعد بن عبادة ؟ فرفع النبي
صلى الله عليه وسلم إليه رأسه ، وهو مغضب فقال : « لا تؤذوا الأنصار ، من آذاهم
فقد آذاني ، ومن نصرهم ، فقد نصرني ، ومن أحبهم فقد أحبني ، ومن أبغضهم فقد أبغضني
، ومن بغى عليهم فقد بغى علي ، ومن قضى لهم حاجة كنت في حاجته يوم القيامة أسرع »
قال : فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : أهذا لسعد أم للأنصار عامة ؟ فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم : « بل للأنصار عامة ، ولأعقابهم ، ولأعقاب أعقابهم أبد
الأبد »
1119 - وأنبأنا ابن عفير قال : حدثنا شعيب قال : حدثني
العوفي القاضي ، عن أبيه ، والحسن بن عمارة جميعا ، عن جده عطية العوفي ، عن أبي
سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من أحبني فبحبي أحب
الأنصار ، ومن أبغضني ، فببغضي أبغض الأنصار ، لا يحبهم منافق ، ولا يبغضهم مؤمن ،
من أحبهم أحبه الله ، ومن أبغضهم أبغضه الله ، الناس دثار (1) والأنصار شعار ، ولو
سلكت الأنصار واديا وسلك الناس واديا ، لسلكت وادي الأنصار ، ولولا الهجرة لكنت
رجلا من الأنصار ، اللهم اغفر للأنصار ، ولأبناء الأنصار ، ولأبناء أبناء الأنصار
، وإن الله عز وجل اختار دارهم دارا لإعزاز دينه ، ولنبيه أنصارا ، والله ما شرع
لله من شريعة ، ولا سن لله عز وجل من سنة ، ولا فرض لله عز وجل من فريضة ، ولا جمع
لله عز وجل من جمعة ، ولا ازدحمت مناكب الرجال في الصلاة إلا في دورهم ، وبين
ظهرانيهم وبأسيافهم »
__________
(1) الدثار : الثوب الذي يكون فوق الشعار
باب ذكر حزن النبي صلى الله عليه وسلم على الأنصار
السبعين الذين قتلوا يوم بئر معونة
1120 - حدثنا موسى بن هارون قال : حدثنا محمد بن عباد
قال : حدثنا سفيان قال : حدثنا عاصم يعني
: الأحول ، عن أنس بن مالك قال : « ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وجد (1) على
سرية ما وجد على أهل بئر معونة » قال سفيان : ويقال : إنهم كانوا أصحاب قرآن
__________
(1) الوجد : الغضب ، والحزن والمساءة وأيضا : وَجَدْتُ
بِفُلانَة وَجْداً، إذا أحْبَبْتها حُبّا شَديدا.
1121 - وحدثنا أبو أحمد هارون بن يوسف بن زياد قال :
حدثني ابن أبي عمر العدني قال : حدثنا سفيان ، عن عاصم الأحول قال : سمعت أنس بن
مالك يقول : « ما وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم على أحد ما وجد على السبعين
رجلا الذين أصيبوا يوم بئر معونة » قال سفيان : نقباء الأنصار سعد بن عبادة ، وسعد
بن الربيع ، وسعد بن خثيمة ، وأسعد بن زرارة ، وعبد الله بن رواحة ، وعبد الله بن
عمرو ، وعبد الله بن عمرو ، وهذا هو أبو جابر بن عبد الله ، وأبو الهيثم بن
التيهان ، والحارث بن القاسم ، ورافع بن مالك ، وأسيد بن حضير ، والبراء بن معرور
، وأبو أمامة بن سهل
1122 - حدثنا موسى بن هارون قال : حدثنا محمد بن عباد
قال : حدثنا سفيان ، عن ابن جدعان قال : سمعت أنسا يقول : يا رب سبعين من الأنصار
، قتل يوم أحد سبعون ، وقتل يوم بئر معونة سبعون ، وقتل يوم اليمامة سبعون ، وقتل
يوم كذا وكذا حتى عد خمس ( كذا ) مواطن
1123 - حدثنا موسى بن هارون قال : حدثنا كامل بن طلحة الجحدري
وإبراهيم بن الحجاج السامي قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس أنه قال :
يا رب سبعين من الأنصار يوم أحد ، وسبعين يوم بئر معونة ، وسبعين يوم مؤتة ،
وسبعين يوم اليمامة
باب ذكر بيعة الأنصار للنبي صلى الله عليه وسلم على
الإسلام بمكة وتصديقهم إياه
1124 - أنبأنا أبو محمد عبد الله بن صالح البخاري قال :
حدثنا ابن أبي عمر العدني ، وإسحاق يعني ابن إبراهيم المروزي قالا : حدثنا يحيى بن
سليم ، عن ابن خثيم ، عن أبي الزبير ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري . وحدثنا أبو القاسم
عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال : حدثنا خلف بن هشام البزار قال :
حدثنا داود بن عبد الرحمن ، عن عبد الله بن خثيم ، عن أبي الزبير محمد بن مسلم أنه
حدثه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبث عشر
سنين يتبع الحاج في منازلهم في الموسم وبمجنة وعكاظ ومنازلهم من منى فيقول : « من
يؤويني وينصرني حتى أبلغ رسالات ربي ، وله الجنة » فلا يجد أحدا ينصره ، ولا يؤويه
، حتى إن الرجل ليرحل من مصر أو من اليمن إلى ذي رحمه ، فيأتيه قومه فيقولون له :
احذر غلام قريش لا يفتنك ، ويمشي بين رحالهم يدعوهم إلى الله عز وجل فيشيرون إليه بالأصابع
حتى بعثنا الله عز وجل من يثرب ، فيأتيه الرجل منا فيؤمن به ، ويقرئه القرآن ،
فينقلب إلى أهله فيسلمون بإسلامه ، حتى لم يبق دار من دور يثرب إلا فيها رهط من
المسلمين يظهرون الإسلام ، وبعثنا الله عز وجل إليه فأتمرنا ، واجتمعنا سبعون رجلا
منا فقلنا : حتى متى نذر رسول الله صلى الله عليه وسلم يطرد في جبال مكة ويخاف ؟
فرحلنا حتى قدمنا عليه في الموسم ، فواعدنا شعب (1) العقبة ، فقال عمه العباس رضي
الله عنه : يا ابن أخي ، لا أدري ما هؤلاء القوم الذين جاءوك ؟ إني ذو معرفة بأهل
يثرب ، واجتمعنا عنده من رجل ورجلين فلما نظر العباس في وجوهنا قال : هؤلاء قوم لا
نعرفهم ، هؤلاء أحداث قلنا : يا رسول الله علام نبايعك ؟ قال : « تبايعوني على
السمع والطاعة في النشاط والكسل ، وعلى النفقة في العسر واليسر ، والأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر ، وعلى أن تقولوا في الله لا تأخذكم فيه لومة لائم ، وعلى أن
تنصروني إذا قدمت إليكم ، وتمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم ،
ولكم الجنة » فقمنا نبايعه ، فأخذ بيده أسعد بن زرارة وهو أصغر السبعين إلا أنا ،
فقال : رويدا يا أهل يثرب ، إنا لم نضرب إليه أكباد المطي (2) إلا ونعلم أنه رسول
الله ، وإن إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة ، وقتل خياركم ، وأن تعضكم السيوف ،
فإما أنتم قوم تصبرون عليها إذا مستكم ، وعلى قتل خياركم ، ومفارقة العرب كافة ،
فخذوه وأجركم على الله عز وجل ، وإما أنتم تخافون من أنفسكم خيفة فذروه فهو أعذر
لكم عند الله عز وجل ، قالوا : يا أسعد ، أمط عنا يدك ، فوالله لا نذر هذه البيعة
ولا نستقيلها ، فقمنا إليه رجلا رجلا ، فأخذ علينا شرطه العباس ، ويعطينا على ذلك
الجنة وحدثنا أبو أحمد هارون بن يوسف قال : حدثنا ابن أبي عمر ، قال حدثني يحيى بن
سليم ، عن ابن خثيم ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، وذكر الحديث ، بطوله مثله
__________
(1) الشعب : الطريق في الجبل أو الانفراج بين الجبلين
(2) المطي : جمع مطية وهي الدابة التي يركب مطاها أي
ظهرها ، أو هي التي تمط في سيرها أي تمدُّ
1125 - وحدثنا أبو حفص عمر بن محمد بن بكار القافلائي
قال : حدثنا أبو الأصبغ محمد بن عبد الرحمن بن كامل الأسدي قال : حدثنا أبي قال :
حدثنا علوان بن داود البجلي ، عن الليثي يعني : أبا المصبح ، عن أبي الزناد قال :
لما اشتد المشركون على النبي صلى الله عليه وسلم ، بمكة قال لعمه العباس : « يا عم
امض إلى عكاظ ، فأرني منازل أحياء العرب حتى أدعوهم إلى الله عز وجل ، وأن يمنعوني
ويؤوني حتى أبلغ عن الله عز وجل ما أرسلني به » ، فقال له العباس
: نعم ، فأنا ماض معك ، حتى أدلك على منازل الأحياء قال
محمد بن الحسين : فذكر حديث عرضه على القبائل قبيلة قبيلة
، فكل لم يجبه ، وكان مع النبي صلى الله عليه وسلم العباس بن عبد المطلب وأبو بكر
الصديق وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم ثم انصرف عنهم ، اختصرت أنا الحديث قال فيه
: فلما جاء العام المقبل لقي النبي صلى الله عليه وسلم الستة النفر الخزرجيون :
أسعد بن زرارة ، وأبو الهيثم بن التيهان ، وعبد الله بن رواحة ، وسعد بن الربيع ، والنعمان
بن حارثة ، وعبادة بن الصامت ، فلقيهم النبي صلى الله عليه وسلم ، في أيام منى عند
جمرة العقبة ليلا ، فجلس إليهم فدعاهم إلى الله عز وجل ، وإلى عبادته ، والمؤازرة
على دينه الذي بعث به أنبياءه ورسله ، فسألوه أن يعرض عليهم مما أوحي إليه ، فقرأ
عليهم من سورة إبراهيم : ( وإذ قال إبراهيم : رب اجعل هذا البلد آمنا (1) ) إلى
آخر السورة ، فرق القوم وأخبتوا حين سمعوا منه ما سمعوا ، فأجابوه فمر العباس بن
عبد المطلب رضي الله عنه وهم يكلمونه ويكلمهم ، فعرف صوت النبي صلى الله عليه وسلم
، فقال : يا ابن أخي من هؤلاء الذين عندك ؟ قال
: « سكان يثرب من الأوس والخزرج ، وقد دعوتهم إلى ما دعوت إليه من قبلهم من
الأحياء ، فأجابوني وصدقوني وذكروا أنهم يخرجونني معهم إلى بلادهم ، فنزل العباس
وعقل راحلته ، ثم قال : يا معشر الأوس
والخزرج هذا ابن أخي وهو أحب الناس إلي ، ثم ذكر ما جرى بينهم وبين العباس من
الخطب الطويل ، قال : فقام أسعد بن زرارة وهو أصغر القوم فقال فيما خاطب به العباس
: وأما ما ذكرت أنك لا تطمئن إلينا في أمره حتى نأخذ مواثيقنا ، فهذه خصلة (2) لا
نردها على أحد أرادها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فخذ ما شئت ، والتفت إلى
النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ؛ خذ لنفسك ما شئت واشترط لربك ما
شئت ، فقال صلى الله عليه وسلم : » أشترط لربي عز وجل ، أن تعبدوه ولا تشركوا به
شيئا ، ولنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأبناءكم ونساءكم « ، قالوا :
فذلك لك يا رسول الله قال : فقال العباس : عليكم بذلك ذمة الله مع ذمتكم ، وعهد الله
مع عهودكم في هذا الشهر الحرام ، والبلد الحرام تبايعونه وتبايعون الله ربكم ، يد
الله عز وجل فوق أيديكم لتجدن في نصرته ، ولتشدن من أزره ، ولتوفن له بعهده بدفع
أيديكم وصرح ألسنتكم ونصح صدوركم ، ثم لا تمنعنكم رغبة أشرفتم عليها ، ولا رهبة
أشرفت عليكم ، ولا يؤتى من قبلكم » قالوا جميعا : نعم قال : اللهم إنك سامع شاهد ،
فإن ابن أخي قد استرعاهم دمه واستحفظهم نفسه ، اللهم : فكن لابن أخي عليهم شهيدا ،
فرضي القوم بما أعطاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من نفسه ، ورضي النبي صلى
الله عليه وسلم ، وقد كانوا قالوا له : يا رسول الله ، إذا أعطيناك ذلك فما لنا ؟
قال : « لكم رضوان الله والجنة » : قالوا :
رضينا وقبلنا ، فأقبل ابن التيهان ، على أصحابه فقال : ألستم تعلمون أن هذا رسول
الله إليكم ، وقد آمنتم به وصدقتموه ، فقالوا : بلى قال : أولستم تعلمون أنه في
البلد الحرام ومسقط رأسه وعشيرته ومولده ، قالوا : بلى ، قال : فإن كنتم خاذليه أو
مسلميه يوما من الدهر لبلاء ينزل بكم فالآن ، فإن العرب سترميكم فيه عن قوس واحدة
، فإن طابت أنفسكم عن الأنفس والأموال والأولاد في ذات الله عز وجل ، فما عند الله
من الثواب خير من أنفسكم وأموالكم وأولادكم فأجاب القوم جميعا : لا ، بل نحن معه
بالوفاء والصدق ، ثم أقبل على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال :
يا رسول الله لعلك إذا حاربنا الناس فيك ، وقطعنا ما
بيننا وبينهم من الحلف والجوار والأرحام ، وحملتنا الحرب على شيشائها ، وكشفت لنا
عن قناعها ، ولحقت ببلدك وتركتنا ، وقد حاربنا الناس فيك ، فتبسم رسول الله صلى
الله عليه وسلم ، ثم قال : « الدم الدم ، الهدم الهدم » ، فقال عبد الله بن رواحة
: خل بيننا يا أبا الهيثم حتى نبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسبقهم أبو
الهيثم إلى بيعته ، فقال : أبايعك يا رسول الله على ما بايع عليه الاثنا عشر نقيبا
من بني إسرائيل موسى بن عمران عليه السلام ، وقال عبد الله بن رواحة : أبايعك يا
رسول الله على ما بايع عليه الاثنا عشر من الحواريين عيسى ابن مريم عليه السلام ،
وقال أسعد بن زرارة : أبايع الله يا رسول الله وأبايعك على أن أتم عهدي بوفائي
وأصدق قولي بفعلي في نصرك ، وقال النعمان بن حارثة : أبايع الله يا رسول الله ،
وأبايعك على الإقدام في أمر الله لا أراقب فيه القريب ولا البعيد ، فإن شئت والله
ملنا بأسيافنا ساعتنا هذه على أهل منى ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : « لم
أؤمر بذلك » وقال عبادة بن الصامت : أبايعك يا
رسول الله ، على أن لا تأخذني في الله لومة لائم وقال سعد بن الربيع : أبايع الله
وأبايعك يا رسول الله على أن لا أعصي لكما أمرا ولا أكذبكما حديثا وانصرف القوم
إلى بلدهم مسرورين ، فنشروا ما أعطاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي ،
وحسنت إجابة قومهم لهم حتى وافوه من قابل وهم سبعون رجلا ، فصاح إبليس تلك الليلة
حين رأى جماعتهم صيحة أسمعت جماعة قريش ، وذلك في أيام التشريق (3) ، فنادى يا أهل
منى : هذا محمد وأهل يثرب ، قد اجتمعوا على الحمل عليكم واستباحة حريمكم قال :
ويشبه صوته بصوت منبه بن الحجاج السهمي ، قال عمرو بن العاص : فكان أول من أتاني فزعا يجر ثوبه أبو جهل وقد أفزعني ما أفزعه ، وأخذتني العروي
وهي الرعدة ، وقمت لأبول ، فلما فرغت جاءني أبو جهل فأعجلني فقال
: قم أنائم أنت ؟ أما أفزعك ما أفزعنا ؟ وتوجه إلى عتبة
بن ربيعة ، فأخبره بصوت منبه بن الحجاج ، يخبر إن محمدا وأهل يثرب قد أجمعوا على
الحمل عليكم ، واستباحة حريمكم ، قال عمرو بن العاص : فأتينا رجلا وقورا ، معه
ذهنه لم يرعه ما راعنا ، يعني عتبة ، فقال عتبة : هل أتاكم فأخبركم بهذا ؟ قالوا
: لا ، ولكنا سمعنا صوته قال : فلعله الخيثعوز ، يعني :
إبليس الكذاب ثم قال : انهضوا فمضى
القوم نحو السبعين قال عمرو : والله لقالوا سبعين ، فظننا أنهم سبعمائة ، فدفعنا
إلى القوم معدين ، فكان أول من سبق إليهم ، وكلم القوم أبو سفيان بن حرب ، فقال :
يا أهل يثرب ساء ما ظننتم ، إذ منتكم أنفسكم أنكم تخرجون بأخينا من غير ملاء منا
ولا مشورة تقحما منكم علينا وظهورا ، ولئن ظننتم أنا نقر بذلك أو نرضى به ، لبئس
ما رأيتم ، فقال النعمان بن حارثة : بل نخرجه وأنفك راغم ، والله لو نعلم أنه أمر
لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، أن نخرجك معنا لأعلقنا في عنقك حبلا ، ثم سقناك ذليلا
، قال : فارتدع أبو سفيان ، وقال : ما تلك لكم بعادة ، ولو تكلمت بهذا في جمع من
الموسم لكذبك غير واحد ، إن العرب لتعلم أنا أعز أهل البطحاء وأمنعه ، أفما عندكم
من الجواب غير هذا ؟ قال : يقول عبد الله بن رواحة : بل تنصرفون عنا ، فإنه أجمل
في الرأي ، وأحسن لذات البين ، وأمثل ، قال أبو سفيان : ونغادره عندكم ؟ فقال عبد
الله بن رواحة : نعم ، تغادرونه عند قوم يحبهم ويحبونه غير خاذلين له ، ولا أضناء
عليه ، قال أبو سفيان : فماذا نقول
لنسائنا ؟ قال : تقولون لهن : فلما رأينا القوم دون نبيهم كأسد حمت عريشها وعرينا
صددنا صدودا كان خير بقية لنسواننا من بعدنا وبنينا ولم نر إلا ذاك وجها أو الردى
وطلقا لنا ورنينا وقلنا انصراف القوم من الردى أو الحرب تدري أعظما وشئونا قال :
وتعاظم الأمر بين القوم حتى كاد بعضهم أن ينهض إلى بعض ، فلما رأى ذلك أبو جهل
وخشي الفضيحة لكثرة القوم وقلة أصحابه تقدم فقال : أيها القوم ، إنا لم نأت لهذا ،
اسكتوا واسمعوا قولي هذا وخذوا أو دعوا ، فسكت القوم ، وابتدأ خطيبا فقال : اللات
مجدنا والعزى عصمتنا ، ونحن أهل الله وفي بيته المحجوب ، وواديه المحرم أعز به
حرمتنا ، ودفع به عن بيضتنا ، وجعلنا ولاة بيته ، ومنتهى طرق المناسك ، وأهل ألوية
الموسم ، وسقاية الحاج ، وحجابة البيت ، ورفادة الكل ، لاتنكرون ذلك ، ولا تدفعونه
، ثم إنكم يا أهل يثرب قد كنتم إخواننا وجيراننا ، وتودونا ونودكم حتى ارتكبتم منا
أمرا لم نكن لنرتكبه منكم تقحما منكم علينا ، وظهورا بحقنا ، ثم أردتم أن تخرجوا
بأخينا من غير ملإ منا ولا مشورة ولا رضى ، خلوا بيننا وبينه على مثل هذه الحرة
وفي مثل اليوم ، فإن لكم في سائر ذلك من الأيام ما تلتمسون ذلك منه في غير ثائرة
ولا قطيعة ، هذه أيام عظيمة الحرمة واجبة الحق ، القطيعة فيها مرفوعة ، والعقوبة
إليها سريعة ، ثم سكت ، فقام سعد بن عبادة فقال : الحمد لله الذي هدانا من الضلالة
، وبصرنا من العمى ، واستنقذنا بنور الإسلام من ظلمة الجهالة ، فعبدنا ربا واحدا ،
وجعلنا ما سواه من الأنداد والأوثان دين الشيطان أنصابا (4) نصبها الناس بأيديهم
لا تملك لهم ضرا ولا نفعا ، ثم إنكم معشر قريش قد تكلمتم ؛ وشر القول ما لا حقيقة
له ، زعمتم أنا انتهكنا حرمتكم في ابن أخيكم ، إن أجبنا دعوته ، وشرفنا منزلته
واتبعنا أمره ، فما أسأنا في ذلك بكم ولا به ، إذا كانت تلك منزلته عندنا ، ولقد
قطعنا فيه من هو أقرب نسبا وأرحاما منكم ، فما التمسنا بذلك سخطهم ، ولا أردنا
بذلك رضاكم ، فإن كنتم إنما فزعتم إلى مساءته لمكاننا منه ، فطال ما أردتم به تلك
وهو بين ظهرانيكم ، ثم لا تصلون إليه فالآن إذا عقدنا حبلنا بحبله التمستموه فأنتم
اليوم منها أبعد ، دماؤنا دون دمه ، وأنفسنا دون نفسه ، فإن كان هذا منكم مصانعة
للناس ، وأنفا لسخطهم ، فنحن لله عز وجل بعد الذي أعطيناه من أنفسنا أشد خوفا ،
وعلى عهودنا بالوفاء أشد حدبا ، فلا سبيل إلى مالا سبيل إليه ، ولكنا سنعرض عليكم
رأيا بما لو توسلتم إلينا به من الصهر (5) والجوار ، إن شئتم أن تبايعوه كما بايعناه
، ونحن له ولكم تبع ، وإن كرهتم ذلك وكان ظنكم دائرة تخافونها من الناس طلبتم إلى
ابن أخيكم وكنا لكم شفعاء ، فأخذتم ما تأمنون به عنده غدا ، وإن كان هذا منكم
الحسد والبغي كنا لابن أخيكم جنة (6) ، فإن ظفر فأخوكم وإلا هلكنا دونه وسلمتم
وكفيتم الشوكة فليسعكم رأيكم ولتسعكم أحلامكم ، فلما كثر لغط القوم ، قام عتبة بن
ربيعة فقال : يا معشر الأوس والخزرج أنتم الإخوة والجيران والأصهار ، وقد عرضتم في
أمر هذا الرجل ، وهذا أمر نريد أن نفكر فيه ، وننظر ثم نعرض عليكم رأينا ،
فأمهلونا حتى نتشاور فيه حتى يجتمع أمرنا على أمر يكون لنا ولكم فيه سعة ورضى
قالوا : ذلك إليك ، فتنحى عتبة بأصحابه حجرة يعني : ناحية فقال : هل رأيتم ما رأيت
؟ قال أبو جهل : قد رأينا ما رأيت ، قال : فإن كنت
رأيت ما رأيت فقد والله سمعت منطقا يقطر دما ، ورأيت قوما قد أشرفوا في أنفسهم على
حظ عظيم ، لا يعدله عندهم شيء ما هم ميتون دونه ساعتنا هذه أفتطيب أنفسكم بالموت ؟
قال أبو جهل وقد ضرع إلى المنازعة : أفنرجع بغير شيء ؟ قال : أظنك والله سترجع
بغير شيء أو بشيء عليك لا لك ، فإن أذنتم لي كلمت القوم وآتيتهم من وجه لعلهم
يحسنون إجابتكم فيه ، قال عمرو بن العاص : فبدرت القوم فقلت : نعم يا أبا الوليد ،
تكلم بما شئت ، وقل ما شئت فنحن طوع يديك ، ولن نخرج من رأيك ، فقام عتبة إلى القوم
فقال : يا معشر الأوس والخزرج إنه لم يزل الذي بيننا وبينكم حسنا ، تعرفون ذلك لنا
ونعرفه لكم ، وتعرفون منزلتنا من الله في حرمة هذا البيت ، إذ جعلنا ولاة أمره
وأكرمنا به ، ولسنا نحب أن يصل إليكم على أيدينا ، ولا على ألسنتنا أمر نندم عليه
، وتندمون حين لا تنفع الندامة ، قد عرضتم في هذا الرجل وقد علمتم أن الذي يدعو
إليه مخالف لجميع أهل الموسم ، إذ طعن في دينهم وعاب آلهتهم وسفه رأي آبائهم ، وقد
عرض نفسه على جميع القبائل ، فلم يقبله منهم أحد ، وبالله لا آمن أن لو صاح صائح
في جميع الموسم فأخبره بمكانه ومكانكم أن يميلوا عليكم ميلة واحدة ، وهذا أمر ليس
ننتهزه ونحن على وفاز تحت الليل ، وسنعرض عليكم الرأي الذي رأيناه واتفقنا عليه ،
إن شئتم أن تخلوا بيننا وبين هذا الرجل ، وتجعلوا بيننا وبينكم أجلا ، ونعطيكم عهد
الله وميثاقه علينا وعلى من بعدنا ، لا نؤذيه ولا نعرض له إلا بخير ، ولا لأحد من
أصحابه حتى تنتهي مدة الأجل ، والأجل ثلاثة أشهر ، فمن أحب أن يسير إليكم ويكون
معكم من أصحابه الذين صدقوه لم نعرض له ، ولا لمن تبعه في هذه الأشهر ، ولا نعرض
لمن سار إليكم ، ولا لمن أقام معه منكم ، وفي ذلك يقضي الله في هذه الأشهر ما أحب
إليه ، فنظر القوم بعضهم إلى بعض ، وقالوا : قد أعطينا رسول الله صلى الله عليه
وسلم ، منا أمرا لا نحب إلا الوفاء به ، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يسمع
مقالتكم ، والرأي رأيه ، والأمر أمره ، ليس معه لنا أمر ، فلما سمع رسول الله صلى
الله عليه وسلم مقالة أهل يثرب ومقالة قريش ابتدأ خطيبا ، فكان أول ما ابتدأ به
فاتحة سورة الأنعام حتى قرأ منها عشر آيات وهي في قريش ، وقد كان بدء قوله أن قال
: « إنكم تكلمتم يا معشر من أسلم من الأوس والخزرج ، فأصبتم ووفقتم وأرضيتم الله ورسوله
، وقد تكلمت قريش وسألوكم ما سألوكم ، والله أعلم ما الذي تريد قريش فيما تكلمت به
، وفيما سألوا ، فإن ترد الوفاء لله ولرسوله فالله لهم بالخير ، يوفيهم أجورهم ،
ويزيدهم من فضله ، وإن أرادوا غير ذلك فالله لقريش بالمرصاد ، ولرسوله بالنصر
والكفاية ( قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف
من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون (7) ) أعطوا القوم ما سألوا ، فالذي صبر
عليه رسول الله من أذاهم في السنين الماضية أطول من هذا الأجل الذي سألوه ،
فأعطوهم وخذوا عليهم العهود التي أعطوها من أنفسهم ، فإن في ذلك تنفيسا لكم ولهم ،
ومعذرة من الله عز وجل إليهم ، وحجة له عليهم ، فأعطاهم القوم ما أرادوا ، وانصرف رسول
الله صلى الله عليه وسلم مع قريش ، فكان أول من هاجر من المسلمين إلى المدينة أبو
سلمة بن عبد الأسد المخزومي ، ومصعب بن عمير من بني عبد الدار ، وعمار بن ياسر ،
وعياش بن أبي ربيعة ، أخو أبو جهل لأمه ، وعثمان ، وطلحة ، والزبير ، وعمر بن
الخطاب وعبد الله بن عمر ، وجماعة من المهاجرين ، وأسلم في تلك الأشهر وهاجر أكثر
من الكثير ، وواستهم الأوس والخزرج في أموالهم ودورهم ، فلما رأى ذلك المشركون كبر
عليهم ، وهموا بالغدر حتى أجمعوا لذلك في دار الندوة ، فأجمع لذلك المكر الذي
أرادوه وجوههم وأشرافهم وأتاهم إبليس لعنه الله في صورة سراقة بن جعشم المدلجي من
كنانة قريش في زي رجل من أهل نجد عليه برد ، فلما رأوه قالوا : ما أنت ؟ قال : شيخ
من أهل نجد ، بلغني ما اجتمعتم له في أمر هذا الرجل ، فأردت أن أحضر ذلك ، ولعله
لم يعدمكم مني رأي ، فتكلم عتبة ، فقال : أرى أن تخرجوه من بين أظهركم فتكفيكموه
الأحياء ، فإن ظفر كان ذلك لكم ، وإن كان غير ذلك كفتكموه الأحياء ولم يبدو شيئا من
أمره ، فقال النجدي : ما هذا برأي ، أما سمعتم حلاوة منطقه ، وأخذه بالقلوب ، فما
آمن لو وقع في حي من الأحياء فاستقاد أهواءهم ، أن يسير بهم إليكم حتى يفرق
جماعتكم ، قال آخر : أرى أن يوثق ، ويحبس حتى يجيئه أجله وهو في حبسه ، قال النجدي
: ليس هذا برأي ، أما علمتم أن له حامة وأهل بيت لا يرضون بذلك ، فيقع الحرب بينكم
، فيكون في ذلك توهين لأمركم ، وتفريق لجماعتكم ، قال أبو جهل : إني لأرى رأيا لئن
أخذته فهو الرأي ، قالوا : وما هو يا أبا الحكم ؟ قال : يؤخذ من هذه الأحياء الخمسة
أحياء قريش من كل حي رجل شاب ، فيعطى كل رجل سيفا فيأتونه في مضجعه الذي يبيت فيه
، فيضربونه ضربة رجل واحد ، فلا يقدر أهل بيته على أن يقتلوا هؤلاء ، فيتفرق دمه
في القبائل ، ويكون دية ، فقال النجدي : لله دره أصاب الرأي ، ثم قال النجدي : وهو
إبليس ، لعنه الله : الرأي رأيان ، رأي ليس يعرفه هاد ورأي كصدر السيف معروف يكون
أوله يسري لآخره يوما ، وآخره مجد وتشريف فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
جبريل عليه السلام ، فأخبره ، فأتى أبا بكر رضي الله عنه نصف النهار ، فأخبره
الخبر ، فخرج إليهم أبو بكر رضي الله عنه فأصابهم حين خرجوا من دار الندوة فماشى
إبليس لعنه الله ساعة ، ثم قال : أين تريد ؟ قال : أصحابي في هذا الوادي قال : أي
عدو الله ، الحمد لله الذي أظهر دينه وخذلك ، فخفي عليه ، هذا آخر الحديث قال محمد
بن الحسين رحمه الله تعالى : ثم هاجر النبي صلى الله عليه وسلم ، ومعه أبو بكر رضي
الله عنه
__________
(1) سورة : إبراهيم آية رقم : 35
(2) الخصلة : خلق في الإنسان يكون فضيلة أو رزيلة
(3) أيام التشريق : الأيام الثلاثة التي تلي يوم عيد
الأضحى
(4) الأنصاب : جمع نُصُب وهو حجر كان ينصب ويذبح عليه
فيحمر بالدم ويعبد
(5) الصِّهر : القريب بالزواج
(6) جنة : وقاية وحماية
(7) سورة : النحل آية رقم : 26
1126 - حدثنا أبو أحمد هارون بن يوسف قال : حدثنا ابن
أبي عمر قال : حدثنا بشر بن السري قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس
قال : كان أبو بكر رضي الله عنه رديف (1) رسول الله صلى الله عليه وسلم حين هاجر
وكان أبو بكر يعرف الطريق ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعرفها ، قال : فيمر
بالقوم فيقولون : يا أبا بكر من هذا الفتى أمامك ؟ قال : فيقول : هذا يهديني السبيل
، فلما دنوا من المدينة نزلوا بالحرة ، وأرسلا إلى الأنصار فجاءوه ، فقالوا : قوما
آمنين مطاعين قال أنس : فوالله ما رأيت يوما أضوأ ولا أنور ولا أحسن من يوم دخل
علينا محمد صلى الله عليه وسلم ، ولا رأيت يوما أظلم ولا أقبح من يوم مات فيه
النبي صلى الله عليه وسلم
__________
(1) الرديف : الراكب خلف قائد الدابة
باب ذكر فضل جميع الصحابة رضي الله عنهم قال محمد بن
الحسين رحمه الله : قد ذكرت من فضل المهاجرين والأنصار ما حضرني ذكره ، وأنا أذكر
فضل جميع الصحابة من المهاجرين والأنصار ، وغيرهم من سائر الصحابة رضي الله عنهم
1127 - حدثنا أبو محمد يحيى بن صاعد قال : حدثنا محمد بن
يزيد أبو هشام الرفاعي ، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي ، والحسن بن عرفة قالوا :
حدثنا أبو بكر بن عياش قال : حدثنا عاصم ، عن زر بن حبيش ، عن عبد الله بن مسعود
قال : « إن الله تعالى نظر في قلوب العباد ، فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم ،
خير قلوب العباد ، فاصطفاه لنفسه ، وبعثه برسالته ، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب
محمد صلى الله عليه وسلم ، فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد ، فجعلهم وزراء نبيه
يقاتلون على دينه » وحدثني أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي قال :
حدثنا أبو هشام الرفاعي وأحمد بن عبد الجبار الصوفي قالا : حدثنا أبو بكر بن عياش
، وذكر الحديث مثله
1128 - وحدثنا أبو العباس أحمد بن سهل الأشناني قال :
حدثنا الحسين بن علي بن الأسود العجلي قال : حدثنا يحيى بن آدم قال : حدثنا أبو
بكر بن عياش ، عن عاصم بن أبي النجود ، عن زر بن حبيش ، عن عبد الله قال : « إن
الله عز وجل نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم ، خير قلوب
العباد ، فاصطفاه لنفسه ، وابتعثه برسالته ، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد
صلى الله عليه وسلم فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد ، فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون
على دينه ، فما رآه المؤمنون حسنا فهو عند الله حسن ، وما رآه المؤمنون سيئا فهو
عند الله سيئ »
1129 - حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال
: حدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث بن سعد قال : حدثني
أبي ، عن جدي قال : حدثني ابن عجلان ، عن أبيه عجلان ، عن
أبي هريرة قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أي الناس خير ؟ قال : « أنا
ومن معي ، ثم الذين على الأثر ، ثم الذين على الأثر » ثم كأنه رفض من بقي
1130 - حدثنا أبو جعفر أحمد بن يحيى الحلواني قال :
حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني قال : حدثنا هشيم قال
: حدثنا أبو بشر ، عن عبد الله بن شقيق العقيلي ، عن أبي هريرة قال : قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم : « خير أمتي القرن الذي بعثت فيهم ، ثم الذين يلونهم »
ثم الله أعلم أذكر الثالث أم لا ؟
1131 - وحدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد
الواسطي قال : حدثنا زياد بن أيوب قال : حدثنا هشيم قال : أنبأنا أبو بشر ، عن عبد
الله بن شقيق ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « خير أمتي
القرن الذين بعثت فيهم ، ثم الذين يلونهم » والله أعلم أذكر الثالث أم لا ؟
1132 - وحدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا محمد بن
مصفى قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن شيبان بن عبد
الرحمن ، عن منصور بن المعتمر ، عن شقيق بن سلمة ، عن عبد الله يعني ابن مسعود قال
: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أي الناس خير ؟ قال : « قرني ، ثم الذين
يلونهم ، ثم الذين يلونهم »
1133 - وحدثنا أبو عبد الله محمد بن مخلد العطار قال
: حدثنا محمد بن إسماعيل الحساني قال : حدثنا أبو معاوية
قال : حدثنا الأعمش ، عن إبراهيم ، عن عبيدة ، عن عبد الله قال : قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : « خير الناس قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم »
وذكر الحديث
1134 - وحدثنا ابن عبد الحميد قال : حدثنا يعقوب بن
إبراهيم الدورقي قال : حدثنا وكيع قال : حدثنا الأعمش ، عن هلال بن يساف ، عن عمران
بن حصين قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « خير الناس قرني ، ثم الذين
يلونهم ، ثم الذين يلونهم »
1135 - وحدثنا أبو محمد عبد الله بن صالح البخاري قال :
حدثنا الحسن بن علي الحلواني قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثنا نافع بن
يزيد ، عن زهرة بن معبد ، عن سعيد بن المسيب ، عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم : « إن الله عز
وجل اختار أصحابي على جميع العالمين ، إلا النبيين والمرسلين ، واختار لي من
أصحابي أربعة ، أبا بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعليا ، فجعلهم خير أصحابي ، وفي أصحابي
كلهم خير ، واختار أمتي على سائر الأمم ، واختار من أمتي أربعة قرون بعد أصحابي ،
القرن الأول والثاني والثالث تترى (1) والرابع فذا
»
__________
(1) تترى : تتابع على فترات بينها
1136 - حدثنا أبو بكر بن عبد الحميد قال : حدثنا محمد بن
رزق الله الكلوذاني قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني نافع بن يزيد قال :
أخبرني أبو عقيل زهرة بن معبد ، عن سعيد بن المسيب ، عن جابر بن عبد الله قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن الله تبارك وتعالى اختار أمتي على جميع
الأمم ، واختار من أمتي أصحابي على جميع العالمين سوى النبيين والمرسلين ، واختار
لي من أصحابي أربعة أبا بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعليا ، فجعلهم خير أصحابي ، وفي
أصحابي كلهم خير ، واختار من أمتي أربعة قرون بعد أصحابي ، القرن الأول والثاني
والثالث تترى (1) والقرن الرابع فذا »
__________
(1) تترى : تتابع على فترات بينها
1137 - حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز
البغوي قال : حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد القطان قال : حدثني حسين بن علي
الجعفي ، عن مجمع بن يحيى الأنصاري ، عن سعيد بن أبي بردة ، عن أبي بردة ، عن أبي
موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع رأسه إلى السماء وكان كثيرا ما يرفع رأسه إلى
السماء فقال : « النجوم أمنة للسماء ، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد ، وأنا
أمنة لأصحابي ، فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون ، وأصحابي أمنة لأمتي ، فإذا ذهب
أصحابي أتى أمتي ما يوعدون »
1138 - حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد
الواسطي قال : حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد القطان ، ومحمد بن رزق الله
الكلوذاني قالا : حدثنا حسين بن علي الجعفي قال : حدثنا مجمع بن يحيى ، عن سعيد بن
أبي بردة ، عن أبي بردة ، عن أبي موسى قال : صلينا من النبي صلى الله عليه وسلم
المغرب فقال : « النجوم أمنة للسماء ، فإذا ذهبت
النجوم أتى السماء ما توعد ، وأنا أمنة لأصحابي ، فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون
، وأصحابي أمنة لأمتي ، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون »
1139 - حدثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قال : حدثنا
الحسين بن الحسن المروزي قال : أنبأنا عبد الله بن المبارك قال : أنبأنا إسماعيل
المكي ، عن الحسن ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن
مثل أصحابي في أمتي كالملح في الطعام ، لا يصلح الطعام إلا بالملح » قال الحسن :
فقد ذهب ملحنا فكيف نصلح ؟
1140 - وحدثنا أبو بكر بن عبد الحميد قال : حدثنا الحسن
بن يحيى الجرجاني قال : أنبأنا عبد
الرزاق قال : أنبأنا معمر ، عن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «
مثل أصحابي في الناس كمثل الملح في الطعام » قال : يقول الحسن : هيهات ذهب ملح
القوم
1141 - وحدثنا ابن عبد الحميد أيضا قال : حدثنا محمد بن
عبد الرحيم قال : حدثنا عبيد الله بن موسى ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن
الحارث ، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا تقوم الساعة حتى يبتغى الرجل من
أصحابي ، كما تبتغى الضالة لا توجد »
1142 - وحدثنا ابن عبد الحميد قال : حدثنا إسماعيل بن
أسد قال : حدثنا جعفر بن عون قال : أنبأنا الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر رفعه
قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ليأتين على الناس زمان يخرج الجيش
فيقال : هل فيكم أحد من أصحاب محمد ؟ فيقال : نعم ، فيستفتحون به ، فيفتح لهم ، ثم
يأتي على الناس زمان يخرج الجيش ، فيقال : هل فيكم أحد من أصحاب محمد ؟ فيطلبونه
فلا يجدونه ، فيقال : هل فيكم أحد رأى أحدا من أصحاب محمد ؟ فيطلبونه فلا يجدونه ،
فيقال : هل فيكم أحد رأى أحدا من أصحاب محمد ؟
فلا يجدونه ، فلو كان الرجل من أصحابي من وراء البحر لأتوه »
1143 - وحدثنا ابن عبد الحميد قال : حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي قال : حدثنا حكام بن سلم الرازي ، عن عمرو
بن أبي قيس ، عن عبد ربه قال : كنا عند الحسن في مجلس ، فذكر كلاما ، وذكر أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم فقال : « أولئك أصحاب محمد كانوا أبر هذه الأمة قلوبا ،
وأعمقها علما ، وأقلها تكلفا ، قوم اختارهم الله عز وجل لصحبة نبيه ، وإقامة دينه
، فتشبهوا بأخلاقهم وطرائقهم ، فإنهم كانوا ورب الكعبة على الهدي المستقيم
»
1144 - وحدثنا ابن عبد الحميد قال : حدثنا زيد بن أخزم قال : حدثنا أبو قتيبة قال : حدثنا إسماعيل ، عن سماك بن
حرب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قول الله عز وجل : ( كنتم خير أمة أخرجت
للناس (1) ) قال : « هم الذين هاجروا مع محمد صلى الله عليه وسلم
»
__________
(1) سورة : آل عمران آية رقم : 110
1145 - حدثنا ابن عبد الحميد أيضا قال : حدثنا محمد بن
معمر قال : حدثنا مؤمل بن إسماعيل قال : حدثنا أبو مودود بحر بن موسى قال : سمعت
الحسن ، قرأ هذه الآية ( فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه (1) ) قال : « والله
ما هي لأهل حروراء ، ولكنها لأبي بكر ، وعمر ، وأصحابهما »
__________
(1) سورة : المائدة آية رقم : 54
1146 - وحدثنا ابن عبد الحميد أيضا قال : حدثنا الفضل بن
زياد قال : حدثنا عبد الصمد بن يزيد قال : سمعت الفضيل بن عياض يقول : « حب أصحاب
محمد صلى الله عليه وسلم ذخر أدخره ثم قال : رحم الله من ترحم على أصحاب محمد صلى
الله عليه وسلم ، وإنما يحسن هذا كله بحب أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قال
: وسمعت فضيلا يقول : قال ابن المبارك : » خصلتان من
كانتا فيه الصدق وحب أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، أرجو أن ينجو ويسلم
1147 - حدثنا أبو جعفر أحمد بن إسحاق بن البهلول القاضي
قال : حدثني أبي رحمه الله قال : حدثني أبي رضي
الله عنه ، عن سلام بن سلم التميمي ، عن زيد العمي ، عن أبي الصديق الناجي ، عن
أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن أرحم هذه الأمة
بها أبو بكر ، وأقواهم في دين الله عمر ، وأفرضهم زيد بن ثابت ، وأقضاهم علي بن
أبي طالب ، وأصدقهم حياء عثمان بن عفان ، وأمين هذه الأمة أبو عبيد بن الجراح ،
وأقرؤهم لكتاب الله أبي بن كعب ، وأبو هريرة وعاء من العلم ، وسلمان علم لا يدرك ،
ومعاذ بن جبل أعلم الناس بحلال الله وحرامه ، وما أظلت الخضراء ، ولا أقلت البطحاء
من ذي لهجة أصدق من أبي ذر »
1148 - حدثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قال :
حدثنا عبيد الله بن سعد بن إبراهيم بن سعد الزهري قال :
حدثني عمي يعني : يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا سلام
أبو عبد الله التميمي قال ابن صاعد : ابن سلم الطويل
المدائني ، عن زيد العمي ، عن أبي الصديق الناجي ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن أرحم هذه الأمة لها أبو بكر ، وأقواهم في دين
الله عمر ، وأصدقهم حياء عثمان بن عفان ، وأقضاهم علي ، وأقرأهم لكتاب الله عز وجل
أبي بن كعب ، وأفرضهم زيد بن ثابت ، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح ، ومعاذ
بن جبل أعلم الناس بحلال الله وحرامه ، وأبو هريرة وعاء من العلم ، وسلمان علم لا
يدرك » وذكر صدق أبي ذر قال محمد بن الحسين رحمه الله تعالى : وقد حدثنا ابن صاعد
بهذا الحديث من غير طريق عن أبي سعيد ، وعن ابن عمر ، وغيرهما ، عن النبي صلى الله
عليه وسلم قال محمد بن الحسين رحمه الله : وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم
أنه قال : « أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم » قلت : فلو فعل إنسان فعلا كان
له فيه قدوة بأحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان على الطريق
المستقيم ، ومن فعل فعلا يخالف فيه الصحابة فنعوذ بالله منه ، ما أسوأ حاله
1149 - حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز
البغوي قال : حدثنا عمرو بن محمد الناقد قال : حدثنا عمرو بن عثمان قال : حدثنا
أبو شهاب ، عن حمزة الجزري ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : « إنما أصحابي مثل النجوم ، فأيهم أخذتم بقوله اهتديتم » قلت : فمن
صفة من أراد الله عز وجل به خيرا ، وسلم له دينه ، ونفعه الله الكريم بالعلم ،
المحبة لجميع الصحابة ، ولأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولأزواج رسول
الله صلى الله عليه وسلم ، والاقتداء بهم ، ولا يخرج بفعل ولا بقول عن مذاهبهم ،
ولا يرغب عن طريقتهم ، وإذا اختلفوا في باب من العلم فقال بعضهم : حلال وقال الآخر
: حرام نظر : أي القولين أشبه بكتاب الله عز وجل
وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسأل العلماء عن ذلك إذا قصر علمه ، فأخذ به
ولم يخرج عن قول بعضهم ، وسأل الله عز وجل السلامة ، وترحم على الجميع بسم الله
الرحمن الرحيم وبه أستعين
باب ذكر الشهادة للعشرة بالجنة رضي الله عنهم أجمعين قال
محمد بن الحسين رحمه الله : واجب على كل مسلم عقل عن الله عز وجل وصانه عن مذاهب الرافضة
والناصبة ، أن يشهد لمن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة إذ كان على حراء
فتزلزل به الجبل ، ومعه أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي رضي الله عنهم وتمام سائر
العشرة فقال له : « اسكن فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد » وكذا كانوا كما قال
النبي صلى الله عليه وسلم : رضي الله عنهم وعن جميع الصحابة الذين ضمن الله لهم في
كتابه أنه لا يخزيهم ، وأنه يتم لهم نورهم يوم القيامة ، ويغفر لهم ، وأخبر أنه قد
رضي عنهم ورضوا عنه ، وأنه أعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ،
فرضي الله عنهم ، ونفعنا بحبهم ، وبحب أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
وبحب أزواجه رضي الله عنهم أجمعين
1150 - أنبأنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن ناجية قال :
حدثنا حمزة بن عون المسعودي قال : حدثنا أبو إبراهيم محمد بن القاسم الأسدي قال :
حدثنا سفيان ، وشريك ، وأبو بكر بن عياش ، عن عاصم بن أبي النجود ، عن زر بن حبيش
قال : إني لقاعد عند علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، فسمعته يقول : سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول : « عشرة في الجنة وهو على حراء رسول الله صلى الله عليه
وسلم ، وأبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وطلحة ، والزبير ، وسعد بن أبي وقاص ،
وعبد الرحمن بن عوف ، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل »
1151 - وحدثنا أبو جعفر محمد بن صالح بن ذريح العكبري
قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا أبو الأحوص ، عن حصين ، عن هلال بن
يساف ، عن عبد الله بن ظالم ، عن سعيد بن زيد قال : أشهد على التسعة أنهم في الجنة
، ولو شهدت على العاشر لصدقت قال : قلت : وما ذاك ؟
قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، على حراء وأبو بكر ، وعمر ، وعثمان ،
وعلي ، وطلحة ، والزبير ، وسعد ، وعبد الرحمن بن عوف فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم : « اثبت حراء فإنه ليس عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد » قال : قلت : فمن
العاشر ؟ قال : أنا
1152 - وحدثنا أبو بكر بن أبي داود السجستاني قال :
حدثنا أبو عبيد الله أحمد بن عبد الرحمن بن وهب قال : حدثني عمي وهو عبد الله بن
وهب قال : حدثنا معاوية بن صالح ، عن يحيى بن سعيد ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن
أبيه ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان على حراء ، ومعه أبو
بكر ، وعمر ، وعثمان بن عفان ، وعلي بن أبي طالب ، وعبد الرحمن بن عوف ، والزبير بن
العوام ، وطلحة بن عبيد الله ، وسعد بن أبي وقاص ، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل
فتحرك الجبل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « اسكن حراء فليس عليك إلا نبي
أو صديق أو شهيد » فسكن الجبل
1153 - حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز
البغوي قال : حدثنا أبو الربيع الزهراني قال : حدثنا إسماعيل بن زكريا ، عن النضر
الخزاز ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم على حراء
، فتزلزل الجبل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « اثبت فما عليك إلا نبي أو
صديق أو شهيد » وعليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي
، وطلحة ، والزبير ، وابن عوف ، وسعد ، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل قال محمد بن
الحسين رحمه الله : ولكل حديث من هذه طرق جماعة نكتفي منها بما ذكرنا
1154 - وحدثنا الفريابي قال : حدثنا عمرو بن محمد الناقد
قال : حدثنا أبو النضر هاشم بن القاسم قال : حدثنا شيبان أبو معاوية ، عن أبي
يعفور ، عن يزيد بن الحارث العبدي قال : قدم سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل الكوفة
فدخل على المغيرة بن شعبة وهو أمير ، فأوسع له إلى جنبه ، فقال :
أشهد أني سمعت أبا بكر الصديق رضي الله عنه يقول لرسول
الله صلى الله عليه وسلم : ليتني قد رأيت رجلا من أهل الجنة : فقال : « أنا من أهل
الجنة » فقال : إني لست عنك أسأل ، قد عرفت
أنك من أهل الجنة قال : « فأنا من أهل الجنة ، وأنت من أهل الجنة وعمر من أهل
الجنة ، وعثمان من أهل الجنة ، وعلي من أهل الجنة ، وطلحة من أهل الجنة ، والزبير
من أهل الجنة ، وسعد من أهل الجنة ، وعبد الرحمن من أهل الجنة » ولو شئت لسميت
العاشر قال : عزمت عليك لما سميته قال : أنا يعني : سعيد بن زيد وحدثنا أبو بكر
قاسم بن زكريا المطرز قال : حدثنا محمد بن عثمان بن كرامة قال : حدثنا عبيد الله
بن موسى ، عن شيبان ، عن أبي يعفور ، عن يزيد بن الحارث العبدي قال : قدم سعيد بن زيد
الكوفة فدخل على المغيرة بن شعبة فذكر مثل حديث الفريابي
1155 - وحدثنا الفريابي قال : حدثنا قتيبة بن سعيد قال :
حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي وحدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد
العزيز البغوي قال : حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني قال : حدثنا عبد العزيز بن
محمد الدراوردي ح وحدثنا أبو بكر قاسم بن زكريا المطرز قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم
المروزي قال : أنبأنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي ، عن عبد الرحمن بن حميد بن
عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن جده عبد الرحمن بن عوف قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أبو بكر في الجنة ، وعمر في الجنة ،
وعثمان في الجنة ، وعلي في الجنة ، وطلحة في الجنة ، والزبير في الجنة ، وعبد
الرحمن في الجنة ، وسعد في الجنة ، وسعيد بن زيد في الجنة ، وأبو عبيدة بن الجراح
في الجنة »
باب ذكر خلافة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم
ونفعنا بمحبتهم قال محمد بن الحسين رحمه الله : اعلموا رحمنا الله وإياكم أن خلافة
أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي رضي الله عنهم بيانها في كتاب الله عز وجل وفي سنة
رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبيان من قول أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
، وبيان من قول التابعين لهم بإحسان ، ولا ينبغي لمسلم عقل عن الله عز وجل أن يشك
في هذا ، فأما دليل القرآن فإن الله عز وجل قال : ( وعد الله الذين آمنوا منكم
وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم
الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا (1)
) قال محمد بن الحسين رحمه الله : فقد والله أنجز الله
الكريم لهم ما وعدهم به ، جعلهم الخلفاء من بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم
ومكنهم في البلاد ، وفتحوا الفتوح ، وغنموا الأموال ، وسبوا ذراري الكفار ، وأسلم
في خلافتهم خلق كثير ، وقاتلوا من ارتد عن الإسلام حتى أجلوهم ، ورجع بعضهم ، كذلك
فعل أبو بكر الصديق رضي الله عنه فكان سيفه فيهم سيف حق إلى أن تقوم الساعة ، وكذلك
الخليفة الرابع وهو علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان سيفه في الخوارج سيف حق إلى
أن تقوم الساعة ، فأعز الله الكريم دينه بخلافتهم ، وأذلوا الأعداء ، وظهر أمر
الله ، ولو كره المشركون ، وسنوا للمسلمين السنن الشريفة ، وكانوا بركة على جميع
أمة محمد صلى الله عليه وسلم من أهل السنة والجماعة ، وأما ما جاء عن النبي صلى
الله عليه وسلم ، فإنه روى سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : سمعت
النبي صلى الله عليه وسلم يقول : « الخلافة ثلاثون سنة » ثم قال : أمسك أبو بكر
سنتين ، وعمر عشرا ، وعثمان ثنتا عشرة ، وعلي ستا ، وكذا ولوها ، وكذا روى أبو بكر
عن النبي صلى الله عليه وسلم شبيها بهذا ، وقال صلى الله عليه وسلم : « الأئمة من
قريش » وقول النبي صلى الله عليه وسلم : «
عليكم بسنتي ، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، عضوا عليها بالنواجذ » وسنذكر
السنن والآثار في ذلك
__________
(1) سورة : النور آية رقم : 55
1156 - حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز
البغوي قال : حدثنا علي بن الجعد قال : أخبرني حماد بن سلمة ، عن سعيد بن جمهان ،
عن سفينة قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول :
« الخلافة ثلاثون سنة » ثم قال : أمسك ، خلافة
أبي بكر سنتان ، وعمر عشر ، وعثمان ثنتا عشرة ، وعلي ست قال علي بن الجعد : قلت
لحماد بن سلمة : سفينة القائل : أمسك قال : نعم
1157 - وحدثني عمر بن أيوب السقطي قال : حدثنا عثمان بن
أبي شيبة قال : حدثنا يزيد بن هارون ، وهشيم بن بشير قالا : أنبأنا العوام بن حوشب
قال : حدثنا سعيد بن جمهان قال : سمعت سفينة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم : « الخلافة في أمتي ثلاثون سنة »
فحسبنا فوجدنا أبا بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعليا رضي الله عنهم
1158 - وأنبأنا إبراهيم بن موسى الجوزي قال
: حدثنا محمد بن إشكاب قال : حدثنا عمرو بن عون قال :
حدثنا هشيم ، عن العوام ، عن سعيد بن جمهان ، عن سفينة مولى رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «
الخلافة في أمتي ثلاثون سنة » قال : فعدوا ذلك
فوجدوه قال محمد بن الحسين رحمه الله : ولحديث سفينة طرق جماعة
1159 - وحدثنا أبو بكر عبد الله بن أبي داود قال حدثنا
إبراهيم بن الحسن المقسمي قال ابن أبي داود : ولم نكتبه إلا عنه ، وكان أبي يسأل
عنه قال : حدثنا الحجاج بن محمد قال : حدثنا
حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة قال : وفدنا مع زياد
على معاوية رحمه الله فلما دخلنا عليه قال لأبي : يا أبا بكرة حدثنا بحديث سمعته
من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول : « الخلافة ثلاثون ، ثم تكون ملكا »
1160 - حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد
الواسطي قال : حدثنا محمد بن رزق الله الكلوذاني قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال
: حدثني الليث بن سعد قال : حدثني خالد بن يزيد قال : حدثني سعيد بن أبي هلال ، عن ربيعة بن سيف ، عن شفي بن ماتع قال : سمعت عبد
الله بن عمرو بن العاص يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « ليكونن منكم اثنا عشر خليفة
أبو بكر الصديق ، لا يلبث بعدي إلا قليلا ، وصاحب رحا دارة العرب يعيش حميدا ،
ويموت شهيدا » فقال رجل : من هو يا رسول الله ؟ قال : « عمر بن الخطاب » ثم التفت
إلى عثمان بن عفان فقال : « وأنت يسألك الناس أن تخلع قميصا كساكه الله عز وجل
فوالذي بعثني بالحق لئن خلعته لم تدخل الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط » فقال
رجل من قومه : ما لنا ولهذا ، إنما جلسنا لتذكرنا قال : فقال : أما لو تركتني
لأخبرتك بما قال فيهم واحدا واحدا «
1161 - وأنبأنا أبو عبد الله أحمد بن الحسن بن عبد
الجبار الصوفي قال : حدثنا يحيى بن معين قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثنا
الليث بن سعد ، عن خالد بن يزيد ، عن سعيد بن أبي هلال ، عن ربيعة بن سيف قال :
كنا عند شفي الأصبحي ، فقال : سمعت عبد الله بن عمرو يقول : سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول : « يكون خلفي اثنا عشر خليفة ، أبو بكر لا يلبث خلفي إلا
قليلا ، وصاحب رحا داره العرب يعيش حميدا ، ويموت شهيدا » قالوا : ومن هو ؟ قال :
« عمر بن الخطاب » قال : ثم التفت إلى عثمان فقال : « يا عثمان ، إن كساك الله
قميصا ، فأرادك الناس على خلعه ، فلا تخلعه فوالذي نفسي بيده لئن خلعته ، لا ترح
ريح الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط » قال محمد بن الحسين رحمه الله : وقد ولي
الخلافة بعد أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي رضي الله عنهم خلق كثير فمنهم من عدل
فأجره على الله ، ومنهم من قصر فيما يجب لله عز وجل عليه وأسرف ، وقد ورد الجميع إلى
الله عز وجل وهو أحكم الحاكمين ، وقد أمرنا نحن بالسمع والطاعة لهم في غير معصية ،
وبالصلاة خلفهم ، وبالجهاد معهم ، وبالحج معهم ، مع البر منهم والفاجر ، والعدل
منهم والجائر ، ولا نخرج عليهم ، والصبر حتى يفرج الله عز وجل ، قال رجل للحسن :
يا أبا سعيد ما تقول في أمرائنا هؤلاء ؟ فقال الحسن : « ما عسى أن أقول فيهم ، هم
لحجنا ، وهم لغزونا ، وهم لقسم فيئنا ، وهم لإقامة حدودنا ، والله إن طاعتهم لغيظ
، وإن فرقتهم لكفر ، وما يصلح الله بهم أكثر مما يفسد » وقيل للحسن : يا أبا سعيد
إن خارجيا خرج بالحريبة ، فقال : « المسكين رأى منكرا فأنكره ، فوقع فيما هو أنكر
منه »
باب بيان خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه بعد رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال محمد بن الحسين رحمه الله : اعلموا رحمنا الله وإياكم
أنه لم يختلف من شمله الإسلام وأذاقه الله الكريم طعم الإيمان أنه لم يكن خليفة
بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إلا أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، لا يجوز لمسلم
أن يقول غير هذا ، وذلك لدلائل خصه الله الكريم بها ، وخصه بها النبي صلى الله
عليه وسلم في حياته ، وأمر بها بعد وفاته ، منها : أنه أول من أسلم من الرجال ،
وأول من صدق الرسول صلى الله عليه وسلم ، وصحبه وأحسن الصحبة ، وأنفق عليه ماله ،
وصاحبه في الغار ، والمنزل عليه السكينة ، وعاتب الله عز وجل الخلق كلهم في النبي
صلى الله عليه وسلم إلا أبا بكر ، فإنه أخرجه من المعاتبة ، وهو قوله عز وجل : (
إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار (1) )
الآية ، والصابر معه بمكة في كل شدة ، ورفيقه في الهجرة ، ومرض النبي صلى الله
عليه وسلم ، فلم يمكنه الخروج إلى الصلاة فأمر أن يتقدم أبو بكر ، فيصلي بالناس ،
ولا يتقدم غيره ، وصلى صلى الله عليه وسلم خلفه ، وخرج النبي صلى الله عليه وسلم يصلح
بين بني عمرو بن عوف ، وقال لبلال : « إن أبطأت فقدم أبا بكر فليصل بالناس » وقال
صلى الله عليه وسلم : « إن أمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر » وقال النبي صلى
الله عليه وسلم لأبي بكر وهما في الغار وقد علم صلى الله عليه وسلم أن أبا بكر
إنما حزنه على النبي صلى الله عليه وسلم وإشفاقه عليه ، فقال له النبي صلى الله
عليه وسلم : « يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما ؟ » فكل هذه الخصال الشريفة
الكريمة دلت على أنه الخليفة بعده ، لا يشك في هذا مؤمن وأما ما كان بعد وفاته
فإنه رواه جبير بن مطعم أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم ، فكلمته في شيء
فأمرها أن ترجع إليه فقالت : يا رسول الله ، أرأيت إن لم أجدك تعرض بالموت فقال
لها : « إن لم تجديني فأتي أبا بكر » ثم بايعه المهاجرون والأنصار معرفة منهم بحق
أبي بكر وفضله ، وبايعه علي بن أبي طالب رضي الله عنه لهو أول من بايعه من بني هاشم
وروى الشعبي عن شقيق بن سلمة قال : قيل لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه وقت ما قتل
: استخلف علينا ؟ فقال : ما أستخلف ، ولكن إن يرد الله عز وجل بهذه الأمة خيرا
يجمعهم على خيرهم كما جمعهم بعد نبيهم صلى الله عليه وسلم ، على خيرهم وروي أن أبا
بكر رضي الله عنه قام بعدما بويع له وبايع له علي بن أبي طالب رضي الله عنه ،
وأصحابه قام ثلاثا يقول : أيها الناس قد أقلتكم بيعتكم ، هل من كاره ؟ قال : فيقوم
علي رضي الله عنه في أوائل الناس فيقول : لا والله لا نقيلك ولا نستقيلك ، قدمك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فمن
ذا الذي يؤخرك ؟ وقال علي رضي الله عنه في حديث طويل ، وقد دخل عليه عبد الله بن
الكوا ، وقيس بن عباد ، وقد سألاه بعد رجوعه من قتال الجمل فقالا : هل معك عهد من
رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : أما أن يكون عندي عهد من رسول الله صلى
الله عليه وسلم ، فلا والله ، ولو كان عندي عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
ما تركت أخا تيم بن مرة ولا ابن الخطاب على منبره ، ولو لم أجد إلا يدي هذه ، ولكن
نبيكم صلى الله عليه وسلم ، نبي رحمة لم يمت فجأة ، ولم يقتل قتلا ، مرض ليالي
وأياما ، وأياما وليالي ، يأتيه بلال فيؤذنه بالصلاة ، فيقول : « مروا أبا بكر
فليصل بالناس » وهو يرى مكاني ، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم نظرنا في
أمرنا فإذا الصلاة عضد الإسلام وقوام الدين ، فرضينا لدنيانا من رضي رسول الله صلى
الله عليه وسلم لديننا ، فولينا الأمر أبا بكر ، فأقام أبو بكر رحمه الله بين
أظهرنا ، الكلمة جامعة ، والأمر واحد لا يختلف عليه منا اثنان ، ولا شهد أحد منا
على أحد بالشرك ، ولا يقطع منه البراءة ، فكنت والله آخذ إذا أعطاني ، وأغزو إذا
أغزاني ، وأضرب بيدي هذه الحدود بين يديه فلما حضرت أبا بكر الوفاة ولاها عمر رضي
الله عنه قال محمد بن الحسين رحمه الله : ثم ذكر علي رضي الله عنه عمر بن الخطاب
رضي الله عنه ، فذكر من فضله ومن شرفه وبيعته له ورضاه بذلك والسمع والطاعة له ،
وسنذكر ما قاله في الجميع إن شاء الله وصدق علي رضي الله عنه ، وروي عن الحسن قال
: قال علي رضي الله عنه قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر رحمه الله فصلى
بالناس ، وقد رأى مكاني ، وما كنت غائبا ولا مريضا ، ولو أراد أن يقدمني لقدمني
فرضينا لدنيانا من رضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا وروى عبد خير قال
: سمعت علي بن أبي طالب كرم الله وجهه يقول : قبض الله
تبارك وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم على خير ما قبض عليه نبي من الأنبياء قال :
فأثنى عليه قال : ثم استخلف أبو بكر رضي الله عنه فعمل
بعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسنته ، ثم قبض أبو بكر رضي الله عنه على خير
ما قبض الله عز وجل عليه أحدا ، وكان خير هذه الأمة بعد نبيها ، ثم استخلف عمر رضي
الله عنه فعمل بعملهما وسنتهما ، ثم قبض على خير ما قبض عليه أحد ، وكان خير هذه
الأمة بعد نبيها ، وبعد أبي بكر ، وقال علي رضي الله عنه : سبق رسول الله صلى الله
عليه وسلم ، وثنى أبو بكر ، وثلث عمر ، يعني سبق رسول الله صلى الله عليه وسلم
بالفضل ، وثنى أبو بكر بعده بالفضل ، وثلث عمر بالفضل بعد أبي بكر قال محمد بن
الحسين : هذا كله مع ما يروى عن علي رضي الله عنه ، في فضل أبي بكر ، وعمر رضي
الله عنهما ما يدل على ما قلنا ، وسنذكر فضلهما من قول علي رضي الله عنهم ما يقر
الله الكريم به أعين المؤمنين ، ويسخن به أعين المنافقين ، ويذل نفس كل رافضي
وناصبي قد خطى بهم عن طريق الحق ، وسلك بهما طرق الشيطان فاستحوذ عليهم ، فهم في
غيهم يترددون ، وعن طريق الرشاد متنكبون
__________
(1) سورة : التوبة آية رقم : 40
باب ذكر الأخبار التي دلت على ما قلنا
1162 - حدثنا أبو العباس عبد الله بن الصقر السكري قال :
حدثنا أبو مروان محمد بن عثمان العثماني قال : حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن أبيه ،
عن محمد بن جبير بن مطعم ، عن أبيه قال : أتت النبي صلى الله عليه وسلم امرأة
فكلمته في شيء فأمرها أن ترجع إليه فقالت : يا رسول الله : أرأيت إن لم أجدك ؟
كأنها تعني الموت فقال : « إن لم تجديني ائتي أبا بكر »
1163 - وحدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد
قال : حدثنا محمد بن رزق الله الكلوذاني قال : حدثنا يزيد بن هارون قال : حدثنا
إبراهيم بن سعد ، عن أبيه قال : أخبرني محمد بن جبير بن مطعم أن أباه جبير بن مطعم
حدثه أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكلمته في شيء فأمرها بأمر
فقالت : إن جئت يا رسول الله فلم أجدك ؟ تعرض بالموت فقال لها : « إن لم تجديني
فأتي أبا بكر »
1164 - وحدثنا أبو بكر قاسم بن زكريا المطرز قال : حدثنا
عمار بن الحسن ومحمد بن حميد الرازي قالا : حدثنا أبو تميلة وهو يحيى بن واضح قال
: حدثنا نافع بن عمر ، عن ابن أبي مليكة قال : قال رجل لأبي بكر
: يا خليفة الله قال : « لست بخليفة الله ، ولكني خليفة
رسول الله صلى الله عليه وسلم »
1165 - وأنبأنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز
البغوي قال : حدثني جدي قال : حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة قال :
حدثني نافع بن عمر ، عن ابن أبي مليكة قال : قيل لأبي
بكر رضي الله عنه : يا خليفة الله قال : « أنا خليفة محمد
صلى الله عليه وسلم ، وأنا راض بذلك يعني فكره أن يقال : يا خليفة الله عز وجل
»
1166 - وأنبأنا أبو القاسم أيضا قال : حدثنا أبو خيثمة
زهير بن حرب قال : حدثنا يحيى بن سليم الطائفي قال : حدثنا جعفر بن محمد ، عن أبيه
، عن عبد الله بن جعفر الطيار رضي الله عنهم قال : ولينا أبو بكر رضي الله عنه «
فخير خليفة أرحمه بنا وأحناه علينا »
1167 - حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال : حدثنا أيوب بن
منصور الضبعي قال : حدثنا شبابة يعني : ابن سوار قال : حدثنا شعيب بن ميمون ، عن
حصين بن عبد الرحمن ، وأبي حباب كلاهما عن الشعبي ، عن شقيق بن سلمة قال : قيل
لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه : استخلف علينا قال : « ما أستخلف ، ولكن إن يرد
الله عز وجل بهذه الأمة خيرا يجمعهم على خيرهم كما جمعهم بعد نبيهم صلى الله عليه
وسلم على خيرهم »
1168 - وحدثنا ابن أبي داود قال : حدثنا أيوب بن محمد
الوزان قال : حدثنا مروان قال : حدثنا مساور الوراق ، عن عمرو بن سفيان قال :
خطبنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه يوم الجمل فقال : أما بعد ، فإن الإمارة لم
يعهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها عهدا فنتبع أمره ، ولكنا رأيناها من
تلقاء أنفسنا ، استخلف أبو بكر رحمه الله فأقام واستقام ، ثم استخلف عمر فأقام
واستقام
1169 - وحدثنا أبو حفص عمر بن أيوب السقطي قال : حدثنا
محمد بن معاوية بن مالج قال : حدثنا علي بن هاشم ، عن أبيه ، عن أبي الجحاف ، قال
: قام أبو بكر رضي الله عنه بعدما بويع له وبايع له علي رضي الله عنه وأصحابه قام
ثلاثا يقول : « أيها الناس ، قد أقلتكم بيعتكم هل من كاره ؟ قال : فيقوم علي رضي الله
عنه أوائل الناس يقول : لا والله لا نقيلك ، ولا نستقيلك قدمك رسول الله صلى الله
عليه وسلم ، فمن ذا الذي يؤخرك »
1170 - أنبأنا أبو عبد الله محمد بن مخلد العطار قال :
حدثنا محمد بن هارون الفلاس قال : حدثنا أبو سلمة
موسى بن إسماعيل قال : حدثنا أبو إدريس تليد بن سليمان قال : حدثنا أبو الجحاف قال : احتجب أبو بكر رضي الله عنه عن الناس ثلاثا يشرف عليهم
كل يوم فيقول : « قد أقلتكم بيعتي فبايعوا من شئتم » قال : فيقوم علي بن أبي طالب
رضي الله عنه فيقول : لا والله لا نقيلك ، ولا نستقيلك قدمك رسول الله صلى الله
عليه وسلم فمن ذا الذي يؤخرك «
1171 - حدثنا أبو محمد عبد الله بن العباس الطيالسي قال
: حدثنا هلال بن العلاء الرقي قال : حدثنا أبي قال : حدثنا إسحاق الأزرق قال :
حدثنا أبو سنان ، عن الضحاك بن مزاحم ، عن النزال بن سبرة الهلالي قال : وافقنا من
علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ذات يوم طيب نفس ومزاحا فقلنا : يا أمير المؤمنين
حدثنا عن أصحابك ، قال : « كل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابي » قلنا :
حدثنا عن أصحابك خاصة ، قال : « ما كان لرسول الله صلى
الله عليه وسلم صاحب إلا كان لي صاحبا » قلنا : حدثنا عن أبي بكر قال : « ذاك امرؤ
سماه الله عز وجل صديقا على لسان جبريل عليه السلام ، وعلى لسان محمد صلى الله عليه
وسلم ، كان خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم رضيه لديننا فرضيناه لدنيانا » . .
. . . . وذكر الحديث
1172 - حدثنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن زياد الأعرابي
قال : حدثنا إبراهيم بن فهد قال : حدثنا محمد بن خالد الواسطي قال : حدثنا شريك ،
عن أبي بكر الهذلي ، عن الحسن قال : قال علي رضي الله عنه : « قدم رسول الله صلى
الله عليه وسلم ، أبا بكر رضي الله عنه يصلي بالناس وقد رأى مكاني ، وما كنت غائبا
ولا مريضا ، ولو أراد أن يقدمني لقدمني ، فرضينا لدنيانا من رضيه رسول الله صلى
الله عليه وسلم لديننا »
1173 - وحدثنا أبو حفص عمر بن أيوب السقطي قال : حدثنا الحسن
بن عرفة قال : حدثنا أبو معاوية الضرير ، عن أبي بكر الهذلي ، عن الحسن قال : دخل
عبد الله بن الكوا ، وقيس بن عباد على علي بن أبي طالب رضي الله عنه بعدما فرغ من
قتال الجمل فقالا له : أخبرنا عن مسيرك هذا الذي سرت : رأيا رأيته حين تفرقت الأمة
، واختلفت الدعوة ، إنك أحق الناس بهذا الأمر ، فإن كان رأيا رأيته أجبناك في رأيك
، وإن كان عهدا عهد إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنت الموثوق المأمون على
رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما تحدث عنه ، قال : فتشهد علي رضي الله عنه قال :
وكان القوم إذا تكلموا تشهدوا ، قال : فقال : أما أن يكون عندي عهد من رسول الله
صلى الله عليه وسلم فلا والله ، ولو كان عندي عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم
ما تركت أخا تيم بن مرة ، ولا ابن الخطاب على منبره ، ولو لم أجد إلا يدي هذه ،
ولكن نبيكم صلى الله عليه وسلم نبي رحمة ، لم يمت فجأة ، ولم يقتل قتلا ، مرض
ليالي وأياما ، وأياما وليالي ، فيأتيه بلال فيؤذنه بالصلاة ، فيقول مروا أبا بكر
فليصل بالناس ، وهو يرى مكاني ، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ، نظرنا في
أمرنا ، فإذا الصلاة عضد الإسلام وقوام الدين فرضينا لدنيانا من رضي رسول الله صلى
الله عليه وسلم ، لديننا فولينا الأمر أبا بكر رضي الله عنه ، فأقام أبو بكر رحمه
الله بين أظهرنا ، الكلمة جامعة ، والأمر واحد لا يختلف عليه منا اثنان ، ولا يشهد
أحد منا على أحد بالشرك ، ولا نقطع منه البراءة ، فكنت والله آخذ إذا أعطاني ، وأغزو
إذا أغزاني ، وأضرب بيدي هذه الحدود بين يديه ، فلما حضرت أبا بكر الوفاة ولاها
عمر رحمه الله فأقام عمر بين أظهرنا ، الكلمة جامعة والأمر واحد لا يختلف عليه منا
اثنان ، ولا يشهد أحد منا على أحد بالشرك ، ولا نقطع منه البراءة ، فكنت والله آخذ
إذا أعطاني ، وأغزوا إذا أغزاني ، وأضرب بيدي هذه الحدود بين يديه فلما حضرت عمر
رضي الله عنه الوفاة ظن أنه إن يستخلف خليفة فيعمل ذلك الخليفة بخطيئة إلا لحقت
عمر في قبره ، فأخرج منها ولده وأهل بيته ، وجعلها في ستة رهط من أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم كان فيها عبد الرحمن بن عوف ، فقال : هل لكم أن أدع نصيبي منها
على أن أختار لله ولرسوله وأخذ ميثاقنا على أن نسمع ونطيع لمن ولاه أمرنا ، فضرب بيده
يد عثمان فبايعه فنظرت في أمري ، فإذا طاعتي قد سبقت بيعتي ، وإذا الميثاق في عنقي
لعثمان فاتبعت عثمان رحمه الله لطاعته حتى أديت له حقه
1174 - حدثنا أبو عبد الله محمد بن مخلد العطار قال :
حدثنا أبو جعفر أحمد بن عبد الله بن زياد التستري قال : حدثنا سليمان بن الحكم قال
: حدثنا سليمان بن عمرو النخعي ، عن عبد الملك بن عمير ، عن سويد بن غفلة قال :
لما بايع الناس أبا بكر الصديق رضي الله عنه ، قام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال
: « يا أيها الناس ، أذكركم بالله ، أيما رجل ندم على بيعتي لما قام على رجليه قال
: فأكب الناس كأنما صب على رءوسهم السخن قال : فقام إليه علي بن أبي طالب ، ومعه
السيف ، فدنا منه حتى وضع رجلا على عتبة المنبر والأخرى على الحصبا فقال : والله
لا نقيلك ولا نستقيلك قدمك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فمن ذا الذي يؤخرك
»
1175 - وحدثني عمر بن أيوب السقطي قال : حدثنا محمد بن
معاوية بن مالج قال : حدثنا كثير بن مروان الفلسطيني ، عن الحسن بن عمارة ، عن
المنهال بن عمرو ، عن سويد بن غفلة قال : مررت بنفر من الشيعة يتناولون أبا بكر ، وعمر رضي الله عنهما وينتقصونهما
، فدخلت على علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقلت : يا أمير المؤمنين ، مررت بنفر من
أصحابك يذكرون أبا بكر ، وعمر بغير الذي هما فيه من الأمة أهل ، ولولا أنهم يرون
أنك تضمر لهما مثل ما أعلنوا ما اجترءوا على ذلك قال علي رضي الله عنه : « أعوذ
بالله ، أعوذ بالله أن أضمر لهما إلا الذي أتمنى عليه المضي ، لعن الله من أضمر
لهما إلا الحسن الجميل ، أخوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وصاحباه ووزيراه
رحمة الله عليهما ، ثم قام دامع العين يبكي قابضا على يدي حتى دخل المسجد فصعد
المنبر ، وجلس عليه متمكنا قابضا على لحيته ينظر فيها ، وهى بيضاء ، حتى اجتمع له
الناس ، ثم قام فتشهد بخطبة موجزة بليغة ، ثم قال : » ما بال أقوام يذكرون سيدي قريش
وأبوي المسلمين بما أنا عنه متنزه ، وعما قالوا عنه بريء ، وعلى ما قالوا معاقب ،
أما والذي فلق الحبة ، وبرأ النسمة ، لا يحبهما إلا مؤمن تقي ، ولا يبغضهما إلا
فاجر رديء ، صحبا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصدق والوفاء يأمران وينهيان
ويقضيان ويعاقبان ، فما يجاوزان فيما يصنعان رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
ولا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يرى مثل رأيهما رأيا ، ولا يحب كحبهما
أحدا ، مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو عنهما راض ، والمؤمنون عنهما راضون
، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر على صلاة المؤمنين ، فصلى بهم سبعة
أيام في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قبض الله تبارك وتعالى نبيه صلى
الله عليه وسلم ، واختار له ما عنده ، وولاه المؤمنون ذلك ، وفوضوا الزكاة إليه لأنهما
مقرونتان ، ثم أعطوه البيعة طائعين غير مكرهين ، أنا أول من سن ذلك له من بني عبد
المطلب ، وهو لذلك كاره يود أحدا منا كفاه ذلك ، وكان والله خير من بقي ، وأرأفه
رأفة ، وأحسنه ورعا ، وأقدمه سنا وإسلاما ، شبهه رسول الله صلى الله عليه وسلم
بميكائيل رأفة ورحمة ، وبإبراهيم عفوا ووقارا ، فسار فينا سيرة رسول الله صلى الله
عليه وسلم ، حتى مضى على أجله ذلك ، ثم ولى الأمر بعده عمر رحمه الله واستأمر
المسلمين في هذا فمنهم من رضي به ، ومنهم من كره ، وكنت فيمن رضي فلم يفارق الدنيا
حتى رضي به من كان كرهه ، فأقام الأمر على منهاج النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه
، يتبع آثارهما كاتباع الفصيل أثر أمه ، وكان والله رفيقا رحيما بالضعفاء ،
وللمؤمنين عونا ، وناصرا للمظلومين على الظالمين ، لا تأخذه في الله لومة لائم ،
ثم ضرب الله عز وجل بالحق على لسانه ، وجعل الصدق من شأنه حتى كنا نظن أن ملكا ينطق
على لسانه ، فأعز الله بإسلامه الإسلام ، وجعل هجرته للدين قواما ، وألقى الله عز
وجل له في قلوب المنافقين الرهبة ، وفي قلوب المؤمنين المحبة ، شبهه رسول الله صلى
الله عليه وسلم بجبريل عليه السلام فظا غليظا على الأعداء ، وبنوح حنقا مغتاظا على
الكفار ، الضراء على طاعة الله آثر عنده من السراء على معصية الله ، فمن لكم
بمثلهما رحمة الله عليهما ، ورزقنا المضي على أثرهما والحب لهما ، فمن لكم بمثلهما
فإنه لا يبلغ مبلغهما إلا باتباع أثرهما ، والحب لهما ، فمن أحبني فليحبهما ، ومن
لم يحبهما فقد أبغضني ، وأنا منه بريء ، ولو كنت تقدمت إليكم في أمرهما لعاقبت على
هذا أشد العقوبة ، ولكنه لا ينبغي أن أعاقب قبل التقدم ، ألا فمن أتيت به يقول هذا
بعد اليوم فإن عليه ما على المفتري ، ألا وإن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ،
وعمر ، ثم الله أعلم بالخير أين هو ، أقول قولي هذا ويغفر الله لي ولكم « قال محمد
بن الحسين رحمه الله : ونذكر في هذا الباب قصة وفاة أبي بكر رضي الله عنه لما قبض
أبو بكر رضي الله عنه ، وسجي عليه ارتجت المدينة بالبكاء كيوم قبض النبي صلى الله
عليه وسلم ، فجاء علي بن أبي طالب رضي الله عنه باكيا مسرعا مسترجعا وهو يقول :
اليوم انقطعت خلافة النبوة ، حتى وقف على باب البيت الذي فيه أبو بكر ، وأبو بكر
رضي الله عنه مسجى فقال : رحمك الله أبا بكر
كنت إلف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنيسه ومستراحه وثقته وموضع سره ومشاورته
، وكنت أول القوم إسلاما ، وأخلصهم إيمانا ، وأشدهم يقينا ، وأخوفهم لله تبارك
وتعالى ، وأعظمهم غناء في دين الله عز وجل ، وأحوطهم على رسوله صلى الله عليه وسلم
، وأحدبهم على الإسلام ، وأيمنهم على أصحابه ، وأحسنهم صحبة ، وأكثرهم مناقب ،
وأفضلهم سوابق ، وأرفعهم درجة ، وأقربهم وسيلة ، وأشبههم برسول الله صلى الله عليه
وسلم هديا وسمتا ورحمة وفضلا ، أشرفهم منزلة ، وأكرمهم عليه وأوثقهم عنده ، فجزاك
الله عن الإسلام وعن رسوله خيرا ، كنت عنده بمنزلة السمع والبصر ، صدقت رسول الله
صلى الله عليه وسلم حين كذبه الناس فسماك الله في تنزيله صديقا فقال في كتابه : (
والذي جاء بالصدق وصدق به (1) ) أبو بكر وآسيته حين بخلوا ، وأقمت معه عند المكاره
حين عنه قعدوا ، وصحبته في الشدة أكرم الصحبة ، وصاحبته في الغار ، والمنزل عليه
السكينة ، ورفيقه في الهجرة وخلفته في دين الله عز وجل وفي أمته أحسن الخلافة حين
ارتد الناس فقمت بالأمر ما لم يقم به خليفة نبي ، فنهضت حين وهن أصحابه ، وبرزت
حين استكانوا ، وقويت حين ضعفوا ، ولزمت منهاج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكنت
خليفته حقا ، لم تنازع ولم تصدع بزعم المنافقين ، وكبت الكافرين ، وكره الحاسدين ،
وفسق الفاسقين وغيظ الباغين ، وقمت بالأمر حين فشلوا وذكر الحديث إلى آخره ، ثم
قال : رضينا عن الله قضاه ، وسلمنا له أمره ، والله لن يصاب المسلمون بعد رسول
الله صلى الله عليه وسلم ، بمثلك أبدا وذكر الحديث ، وسنذكره بطوله في موضع آخر إن
شاء الله تعالى قال محمد بن الحسين رحمه الله : من يقول على علي بن أبي طالب رضي
الله عنه في خلافة أبي بكر رضي الله عنه ، غير ما ذكرنا من بيعته له ورضاه بذلك ،
ومعونته له وذكر فضله فقد افترى على علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، ونحله إلى ما
قد برأه الله عز وجل منه من مذاهب الرافضة الذين قد خطئ بهم عن سبيل الرشاد ، فإن قال
: فإنه قد روي أن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه لم يبايع أبا بكر رضي الله عنه ،
إلا بعد أشهر ، ثم بايعه قيل له : إن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عند من عقل عن
الله عز وجل أعلى قدرا ، وأصوب رأيا مما تنحله إليه الرافضة ، وذلك أن الذي ينحل
هذا إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه عليه فيه أشياء لو عقل ما
يقول كان سكوته أولى به من الاحتجاج به ، بل ما يعرف عن علي رضي الله عنه ، غير ما
تقدم ذكرنا له من الرضا والتسليم بخلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، وكذا أهل
بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشهدون لأبي بكر رضي الله عنه بالخلافة والفضل
__________
(1) سورة : الزمر آية رقم : 33
1176 - حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد البغوي قال :
حدثنا أبو خيثمة زهير بن حرب قال : ثنا يحيى بن سليم قال : حدثنا جعفر بن محمد ،
عن أبيه عن عبد الله بن جعفر الطيار رضي الله عنه قال : ولينا أبو بكر رحمه الله «
فخير خليفة أرحمه بنا وأحناه علينا » قال محمد بن الحسين رحمه الله : فإن قال قائل
: فقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : كانت بيعة أبي بكر فلتة ، وقى الله شرها
قيل له : إن كنت ممن يعقل فاعلم أن هذا مدح لبيعة أبي بكر رضي الله عنه ، وليس هو
ذما لها يا جاهل ، فإن قال : كيف ؟ قيل له : لما قبض النبي صلى الله عليه وسلم ،
ودفن اجتمعت الأنصار في سقيفة بني ساعدة فمضى إليهم أبو بكر ومعه عمر رضي الله
عنهما ، وخشي أن يحدثوا شيئا لا يستدرك سريعا فكلمهم بما يحسن ، ويجمل من الكلام ،
ووعظهم فقال منهم قائل : منا أمير ومنكم أمير قال محمد بن الحسين رحمه الله : فلو تم
هذا لكان فيه بلاء عظيم ، واختلفت الكلمة ؛ لأنه لا يجوز أن يكونا خليفتين في وقت
واحد ، فقام عمر رضي الله عنه بتوفيق الله الكريم له فقال : لأن أقدم فتضرب عنقي
أحب إلي من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر ، ثم قال لأبي بكر : مد يدك أبايعك ، فمد
يده فبايعه ، فعلمت الأنصار وجميع المهاجرين أن الحق فيما فعله عمر فبايعه الجميع
طائعين غير مكرهين لم يختلفوا عليه ، وجاء علي بن أبي طالب فبايعه ، وجاء الزبير
فبايعه ، وجاء بنو هاشم فبايعوه ، فقول عمر رضي الله عنه : كانت بيعة أبي بكر فلتة
يعني : افتلتت من أن يكون للشيطان فيها نصيب ، لم يسفك فيها دم ، ولم يختلف عليه
الناس ، فهذا مدح لها ليس بذم يا من يطلب الفتنة اعقل إن كنت تعقل
1177 - حدثنا أبو الفضل العباس بن علي بن العباس النسائي
قال : حدثنا مشرف بن سعيد الواسطي قال : حدثنا أحمد بن داود أبو سعيد قال : حدثنا
محمد بن يزيد الواسطي ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن زر ، عن عبد الله بن مسعود
قال : « كان رجوع الأنصار يوم سقيفة بني ساعدة بكلام قاله عمر رضي الله عنه :
ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم أبا بكر فصلى بالناس ؟ قالوا :
اللهم نعم قال : فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر ؟ قالوا : كلنا لا تطيب نفسه
نحن نستغفر الله عز وجل »
1178 - حدثنا أبو عبد الله محمد بن مخلد العطار قال
: حدثنا الحسن بن عرفة قال : حدثنا أبو معاوية محمد بن
خازم الضرير ، عن عبد الرحمن بن أبي بكر القرشي ، عن عبد الله بن أبي مليكة ، عن
عائشة رضي الله عنها قالت : لما ثقل (1) رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعبد
الرحمن بن أبي بكر : « ائتني بكتف حتى أكتب لأبي بكر كتابا لا يختلف عليه بعدي
قالت : فلما قام عبد الرحمن قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : » أبى الله والمؤمنون أن يختلف على أبي بكر « قال محمد بن
الحسين رحمه الله : كان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ما اختلف على أبي بكر
رضي الله عنه بل تتابع المهاجرون والأنصار وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وبنو
هاشم على بيعته والحمد لله على رغم أنف كل رافضي مقموع ذليل ، قد برأ الله عز وجل
علي بن أبي طالب أمير المؤمنين رضي الله عنه عن مذهب السوء
__________
(1) الثقل : ضعف الحركة لشدة المرض أو لكبر السن أو
لامتلاء الجسم أو لِلْهَم وغيره
باب ذكر خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه
وعن جميع الصحابة أجمعين قال محمد بن الحسين رحمه الله : وكان أحق الناس بالخلافة
بعد أبي بكر رضي الله عنه عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما جعل الله الكريم فيه من الأحوال
الشريفة الكريمة والدليل على ذلك أنه لما علم أبو بكر الصديق رضي الله عنه موضع
عمر من الإسلام وأن الله عز وجل أعز به الإسلام وعلم موضعه من رسول الله صلى الله
عليه وسلم ، علم قدر ما خصه الله الكريم به من الفضائل فناصح أبو بكر ربه عز وجل
في أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، فاستخلف عليهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه ،
وعلم أن الله مسائله عن ذلك فما ألي جهدا في النصيحة للمسلمين ، ولقد عارض رجل من
المهاجرين لأبي بكر رضي الله عنه ، فقال له : أذكرك الله عز وجل واليوم الآخر فإنك
قد استخلفت على الناس رجلا فظا غليظا ، وإن الله عز وجل سائلك ، فقال أبو بكر
: أجلسوني ، فأجلسوه فقال : أتفرقوني إلا بالله ؟ فإني
أقول له تبارك وتعالى إذا لقيته : استخلفت عليهم خير أهلك قال محمد بن الحسين رحمه
الله : وصدق أبو بكر الصديق رضي الله عنه وكيف لا يكون عمر رضي الله عنه عنده كذلك
والنبي صلى الله عليه وسلم قال : « لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب
» وقال النبي صلى الله عليه وسلم : « اقتدوا باللذين من
بعدي : أبي بكر وعمر » وقال علي بن أبي
طالب كرم الله وجهه : ما كنا نبعد أن السكينة تنطبق على لسان عمر وقال أيضا علي
رضي الله عنه : إن عمر عبد ناصح الله عز وجل فنصحه ، وزوج علي بن أبي طالب كرم
الله وجهه ابنته أم كلثوم بعمر رضي الله عنه ، وقتل عمر رضي الله عنه وهى عنده
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : سبق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وثنى أبو
بكر رضي الله عنه ، وثلث عمر رضي الله عنه يعني سبق رسول الله صلى الله عليه وسلم
بالفضل ، وثنى أبو بكر بعده بالفضل ، وثلث عمر بعدهما بالفضل وقال ابن مسعود رحمه
الله : « لما أسلم عمر رضي الله عنه قال المشركون : انتصف القوم منا كان إسلام عمر
عزا ، وكانت هجرته نصرا ، وكانت خلافته رحمة ، والله ما استطعنا أن نصلي ظاهرين حتى
أسلم عمر ، وإني لأحسب أن بين عيني عمر رحمه الله ملكا يسدده فإذا ذكر الصالحون
فحي هلا بعمر وقال ابن عباس : » لما أسلم عمر رضي الله عنه قال المشركون : انتصف
القوم منا « ، وقال ابن عباس : » لما أسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه نزل جبريل
على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا محمد لقد استبشر أهل السماء اليوم
بإسلام عمر ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : « اللهم أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك إما بعمر بن الخطاب ، وإما بأبي جهل بن
هشام » فسبقت الدعوة في عمر لأن الله عز وجل كان يحبه وقال النبي صلى الله عليه
وسلم : « إن الله عز وجل جعل الحق على لسان عمر وقلبه » وقال صلى الله عليه وسلم :
« قد كان يكون في الأمم محدثون فإن يكن في أمتي أحد فعمر بن الخطاب » وروي عن أنس
بن مالك أن جبريل عليه السلام أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : « أقرئ عمر
السلام ، وأخبره أن غضبه عز ، ورضاه عدل » قال محمد بن الحسين رحمه الله : ولعمر بن الخطاب رضي الله عنه من الفضائل ما
يكثر ذكرها ، وسنذكرها في غير هذا الموضع ثم قال علي رضي الله عنه وقد خطب الناس
بالكوفة في خلافته رضي الله عنه على منبر الكوفة لم يكرهه أحد على قوله ، ولم
تأخذه في الله لومة لائم فقال : « إن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ، ثم عمر »
وروى هذا عنه جميع أصحاب علي رضي الله عنه ، ممن مثلهم يصدق على علي رضي الله عنه
وروى عنه ابنه محمد ابن الحنفية رضي الله عنه ، فبهذه الأحوال الشريفة وغيرها
استخلفه أبو بكر رضي الله عنه ، ورضي به جميع الصحابة ومن بعدهم من التابعين ،
وجميع المؤمنين إلى أن تقوم الساعة ، فالحمد لله على ذلك
1179 - أنبأنا أبو جعفر أحمد بن يحيى الحلواني قال :
حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس قال : حدثنا عبد العزيز وهو ابن أبي سلمة قال :
حدثني زيد بن أسلم ، عن أبيه ، فيما أعلم قال : كتب عثمان بن عفان رضي الله عنه
وصية أبي بكر الصديق رضي الله عنه هذه إلى الخليفة من بعده قال : حتى إذا لم يبق
إلا أن يسمي الرجل أخذت أبا بكر غشية قال : وفرق عثمان أن يموت ولم يسم أحدا ،
وعرف أنه لا يعدو عمر بن الخطاب ، فكتب في الصحيفة عمر بن الخطاب ، ثم طواها فأفاق
أبو بكر وقد علم أنه لم يسم أحدا قال : فرغت قال : نعم قال : من سميت ؟ قال : عمر
بن الخطاب قال : رحمك الله وجزاك خيرا فوالله لو
توليتها لرأيتك لها أهلا
1180 - حدثنا الفريابي قال : حدثنا عمرو بن عثمان الحمصي
قال : حدثنا بشر بن شعيب ، عن أبيه ، عن الزهري قال : حدثني القاسم بن محمد أن
أسماء بنت عميس ، أخبرته أن رجلا من المهاجرين دخل على أبي بكر رضي الله عنه ، حين
اشتد وجعه الذي توفي فيه ، فقال : قد استخلف على الناس رجلا فظا غليظا ، فقال أبو بكر
: « أتفرقوني بالله عز وجل ؟ فإني أقول لله تعالى : استخلفت عليهم خير أهلك
»
1181 - أنبأنا أبو جعفر محمد بن صالح بن ذريح العكبري قال
: حدثنا هناد بن السري قال : حدثنا عبدة يعني : ابن
سليمان ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن زبيد اليامي قال : لما حضرت أبا بكر الصديق
رضي الله عنه الوفاة بعث إلى عمر رضي الله عنه ليستخلفه ، فكان مما قال له : « إني
موصيك بوصية إن حفظتها إن لله عز وجل حقا عليك في الليل لا يقبله في النهار ، وحقا
في النهار لا يقبله في الليل ، وإنه لا يقبل نافلة حتى تؤدى الفريضة ، وإنها ثقلت
موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة باتباعهم الحق في الدنيا ، وثقله عليهم وحق
لميزان لا يوضع فيه إلا الحق أن يكون ثقيلا ، وإنما خفت موازين من خفت موازينه يوم
القيامة باتباعهم الباطل ، وخفته عليهم وحق لميزان لا يوضع فيه إلا الباطل أن يكون
خفيفا » ثم قال في آخر وصيته : « فإن حفظت قولي
هذا لم يكن غائب أحب إليك من الموت ، ولابد لك منه ، وإن ضيعت قولي لم يكن غائب
أبغض إليك من الموت ، ولابد لك منه ولن تعجزه » قال محمد بن الحسين رحمه الله
تعالى : لقد حفظ عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وصية الله ووصية رسوله صلى الله
عليه وسلم ، ووصية خليفة رسول الله في نفسه وفي رعيته بالحق الذي أمر حتى خرج من
الدنيا زاهدا فيها وراغبا في الآخرة ، لم تأخذه في الله لومة لائم لا يشك في هذا
مؤمن ذاق حلاوة الإيمان
1182 - حدثنا أبو بكر جعفر بن محمد الفريابي قال : حدثنا
محمد بن عبد الله بن نمير قال : حدثنا عبد الله بن يزيد أبو عبد الرحمن المقرئ قال
: حدثنا حيوة بن شريح ، عن بكر بن عمرو ، وعن مشرح بن هاعان قال : سمعت عقبة بن
عامر يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب
»
1183 - وحدثنا الفريابي قال : حدثنا محمد بن أبي السري العسقلاني
قال : حدثنا بشر بن بكر قال : حدثنا أبو بكر بن أبي مريم ، عن حبيب بن عبيد ، عن
غضيف بن الحارث ، عن بلال قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « جعل الحق
على قلب عمر ولسانه »
1184 - وحدثنا الفريابي قال : حدثنا محمود بن غيلان
المروزي قال : قال أنبأنا عبد الرزاق ، قال أنبأنا معمر ، عن عاصم ، عن زر ، عن
علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : « ما كنا نبعد أن
السكينة (1) تنطق على لسان عمر رضي الله عنه »
__________
(1) السكينة : الطمأنينة والمهابة والوقار
1185 - وحدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد
الواسطي قال : حدثنا محمد بن رزق الله الكلوذاني قال : حدثنا يحيى بن إسحاق
السالحيني قال : حدثنا سلمة بن الأسود قال : أخبرني
أبو عبد الرحمن قال : دخل علي بن أبي طالب رضي الله عنه على عمر رضي الله عنه وقد
سجي (1) بثوبه فقال : ما أحد أحب إلي أن ألقى الله عز وجل بصحيفته من هذا المسجى
(2) بينكم ثم قال : رحمك الله ابن الخطاب إن كنت بذات
الله لعليما ، وإن كان الله في صدرك لعظيما ، وإن كنت لتخشى الله في الناس ، ولا
تخشى الناس في الله عز وجل ، كنت جوادا بالحق ، بخيلا بالباطل ، خميصا من الدنيا ،
بطينا من الآخرة ، لم تكن عيابا ، ولا مداحا
__________
(1) سجي : غطي
(2) مسجى : مغطى
1186 - وحدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد
الواسطي قال : حدثنا محمد بن رزق الله الكلوذاني قال : حدثنا يزيد بن هارون قال :
قال : أخبرنا المسعودي عن القاسم بن عبد الرحمن ، عن عبد الله بن مسعود رحمه الله
قال : كان إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه
عزا ، وكانت هجرته نصرا ، وكانت خلافته رحمة ، والله ما استطعنا أن نصلي ظاهرين
حتى أسلم عمر ، وإني لأحسب أن بين عيني عمر ملكا يسدده ، فإذا ذكر الصالحون فحي
هلا بعمر قال محمد بن الحسين رحمه الله : ولعمر بن الخطاب رضي الله عنه من الفضائل
عند الله وعند رسوله وعند جميع الصحابة ، رضي الله عنهم ما سنذكره في موضعه إن شاء
الله
باب ذكر خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه
، وعن جميع الصحابة قال محمد بن الحسين رحمه الله : لما طعن عمر رضي الله عنه ،
وتيقن أنه الموت كان من حسن توفيق الله الكريم له ، ونصيحته لله عز وجل في رعيته ،
وحسن النظر لهم حيا وميتا ، أنه جعل الأمر بعده شورى بين جماعة من الصحابة الذين
قبض النبي صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض ، وقد شهد لهم بالجنة ، وأخرج ولده من
الخلافة ومن المشورة ، وقال لهم : « من اخترتم منكم أن يكون خليفة فهو خليفة » وهم
ستة عثمان ، وعلي ، وطلحة ، والزبير ، وسعد ، وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم ،
وجزاهم عن الأمة خيرا ، فما قصروا في الاجتهاد ، فرضي القوم بعثمان بن عفان رضي
الله عنه ، فبايعه علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وسائر الصحابة ، لم يختلف عليه
واحد منهم لعلمهم بفضله ، وقديم إسلامه ، ومحبته لله ولرسوله ، وبذله لماله لله
ولرسوله ، ولفضل علمه ولعظيم قدره عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإكرام
النبي صلى الله عليه وسلم له ، لا يشك في ذلك مؤمن عاقل ، وإنما يشك في ذلك جاهل
شقي قد خطئ به عن سبيل الرشاد ، ولعب به الشيطان ، وحرم التوفيق فإن قال قائل
: فاذكر من بعض مناقبه ، ما إذا سمعها من جهل فضل عثمان
رضي الله عنه ، رجع عن مذهبه الخطأ إلى الصواب ، قيل له : أول مناقبه تصديقه لرسول
الله صلى الله عليه وسلم وإسلامه ، وتزويج النبي صلى الله عليه وسلم إياه ابنتيه ،
ولم يزوجه إلا بوحي من السماء ، روى ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم : « إن الله تعالى أوحى إلي أن أزوج كريمتي من عثمان بن عفان
» قال محمد بن الحسين رحمه الله : زوجه أولا رقية ، فلما
ماتت قال النبي صلى الله عليه وسلم لعثمان رضي الله عنه : « يا عثمان ، هذا جبريل
عليه السلام يخبرني أن الله عز وجل ، قد زوجك أم كلثوم بمثل صداق رقية ، وعلى مثل صحبتها
» ، وروى أبو هريرة رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف على قبر ابنته
الثانية التي كانت عند عثمان ، رضي الله عنه فقال : « ألا أبو أيم ، ألا أخو أيم
يزوجها عثمان ، فلو كان لي عشر لزوجتهن عثمان ، وما زوجته إلا بوحي من السماء » ثم
اعلموا ، رحمكم الله ، أنه إنما يسمى عثمان ذا النورين ، لأنه لم يجمع بين ابنتي
نبي في التزويج واحدة بعد الأخرى من لدن آدم عليه السلام ، إلا عثمان بن عفان رضي
الله عنه ، فلذلك سمي ذا النورين ، فهذه أحد مناقبه الشريفة ، ومنها أن عبد الرحمن
بن سمرة قال : جاء عثمان بن عفان إلى النبي صلى الله
عليه وسلم في غزوة تبوك ، وفي كمه ألف دينار فصبها في حجر النبي صلى الله عليه
وسلم ثم ولى « قال عبد الرحمن بن سمرة : فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقلبها
بيده في حجره ويقول : » ما ضر عثمان
ما فعل بعد هذا اليوم أبدا « وقال قتادة : » إن عثمان رضي الله عنه جهز في جيش
العسرة تسعمائة وثلاثين بعيرا وسبعين فرسا « وقال ابن شهاب الزهري : » حمل عثمان
بن عفان رضي الله عنه في غزوة تبوك على تسعمائة بعير وأربعين بعيرا ، ثم جاء بستين
فرسا فأتم بها الألف « وقال النبي صلى الله عليه وسلم : » من يشتري بئر رومة ،
فيجعلها سقاية للمسلمين ، غفر الله له « فاشتراها عثمان
رضي الله عنه ، ثم ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : » اجعلها سقاية للمسلمين وأجرها لك « وقال النبي صلى الله عليه وسلم
: » لكل نبي رفيق ورفيقي عثمان بن عفان « وقال النبي صلى
الله عليه وسلم : » إن الملائكة لتستحيي من عثمان بن
عفان « وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : » يشفع عثمان بن عفان يوم
القيامة لمثل ربيعة ومضر « ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بفتن كائنة تكون
بعده ، وأخبر أن عثمان ، رضي الله عنه بريء منها وأخبر أنه يقتل مظلوما ، وأمره
بالصبر ، فصبر رضي الله عنه ، حتى قتل مظلوما وقد اجتهد أصحاب رسول الله - صلى
الله عليه وسلم ورحم أصحابه - في نصرته ، فمنعهم وقال : أنتم في حل من بيعتي ،
وإني لأرجو أن ألقى الله عز وجل سالما مظلوما » و « كان يحيي الليل كله بركعة يختم
فيها القرآن » ومناقبه كثيرة شريفة عند من يعقل ممن نفعه الله الكريم بالعلم ، سنذكرها
إن شاء الله في موضعها
1187 - حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد
الواسطي قال : حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي قال : سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول : لو لم يكن في عثمان رضي الله عنه إلا
هاتان الخصلتان كفتاه : « جمعه المصحف ، وبذله دمه دون دماء المسلمين » وروي عن جندب
قال : قال حذيفة رحمه الله : قد ساروا إليه ، والله ليقتلنه قال : قلت :
فأين هو ؟ قال : في الجنة . قال : قلت : فأين قتلته ؟
قال : في النار والله
1188 - وحدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد
العزيز البغوي قال : حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني قال : حدثنا ابن المبارك ، عن
ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب قال : بلغني أن عامة الركب ، الذي ساروا إلى
عثمان رضي الله عنه جنوا « قال ابن المبارك : وكان الجنون لهم قليلا قال محمد بن
الحسين رحمه الله : ولقد أنكر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل عثمان رضي
الله عنه إنكارا شديدا ، وبكوا عليه ، ورثوه . أولهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه ألقى عن رأسه عمامة سوداء ، ونادى ثلاثا
: اللهم ، إني أبرأ إليك من دم ابن عفان ، اللهم لا أرضى قتله ، ولا آمر به . وبكى
عليه زيد بن ثابت بكاء شديدا ، ورثاه كعب بن مالك الأنصاري ، وأنكر ذلك عبد الله
بن سلام ، وحذيفة ، وسعيد بن زيد قال لهم أعني الذين ساروا إليه فقتلوه : » لو أن
أحدا انقض لما صنعتم بعثمان لكان محقوقا أن ينقض ، وحمل الحسن بن علي رضي الله
عنهما من دار عثمان رضي الله عنه جريحا . وأما ذكرنا قصة
ما جعل عمر رضي الله عنه الأمر إلى من ذكرنا من الصحابة رضي الله عنهم المشهود لهم
بالجنة ، حتى اختاروا عثمان بن عفان رضي الله عنه خليفة للمسلمين
1189 - فحدثنا أبو شعيب عبد الله بن الحسن الحراني قال :
حدثنا عبد الله بن جعفر الرقي قال : حدثنا عبيد الله
بن عمر ، عن زيد بن أبي أنيسة ، عن عمرو بن مرة ، عن خيثمة بن عبد الرحمن قال :
لما حضر عمر بن الخطاب رضي الله عنه الموت أمر الستة النفر بالشورى ، وكان طلحة
غائبا ، وأمر صهيبا أن يصلي بالناس ثلاثا حتى يستقيم أمرهم على رجل ، قال عمر : «
إن استقام أمركم قبل أن يقدم طلحة فأمضوه على ما استقام أمركم عليه ، وإن قدم طلحة
قبل أن يستقيم أمركم فأدنوه منكم ، فإنه رجل من المهاجرين » ، فلما اجتمعوا وكانوا
خمسة ، فإذا أمرهم لا يستقيم ، فقال عبد الرحمن بن عوف رحمه الله : إنكم لا
تستقيمون على أمر وأنتم خمسة . . ، فليعاد كل رجل
منكم ، وأنا عديد الغائب « ، فتعاد علي والزبير ، فولى الزبير أمره عليا ، وتعاد
عثمان وسعد ، فولى سعد أمره عثمان ، فقال عبد الرحمن للزبير وسعد : وليتما أمركما
عليا وعثمان ، فاعتزلا ، وخلا عبد الرحمن وعلي وعثمان ، فقال عبد الرحمن لعلي
وعثمان : أنتما بنو عبد مناف ، فاختارا : إما أن تتبرءا من الإمرة ، فأوليكما
الأمر ، فتختارا لأمة محمد صلى الله عليه وسلم رجلا ، وإما أن تولياني ذلك وأبرأ
من الإمرة . فولياه ذلك ، فدعا ربه ساعة ، ورفع يديه ، ثم أخذ بيد علي فقال : الله
عليك راع إن أنا بايعتك لتعدلن في أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، ولتتقين الله عز
وجل وإن أنا لم أبايعك لتسمعن ولتطيعن لمن بايعت . فقال علي رضي الله عنه : نعم ثم
أخذ بيد عثمان رضي الله عنه فقال : الله عليك راع إن أنا بايعت غيرك ، لتسمعن
ولتطيعن ، قال عثمان : نعم ، ثم صفق على يد عثمان رضي الله عنهم أجمعين
1190 - حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز
البغوي قال : حدثنا أبو عبيد الله المخزومي المكي قال : حدثنا سفيان ، عن يحيى بن
صبيح ، عن قتادة ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن معدان بن أبي طلحة ، عن عمر بن
الخطاب رضي الله عنه قال : « قد جعلت الأمر من بعدي إلى هؤلاء الستة الذين قبض
رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض : عثمان ، وعلي ، وعبد الرحمن ، وسعد
وطلحة ، والزبير ، فمن استخلفوا منهم فهو الخليفة »
1191 - حدثنا الفريابي قال : حدثنا قتيبة بن سعيد قال :
حدثنا عبد الله بن إدريس ، عن شعبة ، عن عبد الملك بن ميسرة ، عن النزال بن سبرة
الهلالي قال : ما خطب عبد الله بن مسعود خطبة إلا
شهدتها ، فشهدته حين نعي عمر بن الخطاب رضي الله عنه وذكر عثمان رضي الله عنه فقال
: « أمرنا خير من بقي ولم نألوا »
1192 - وحدثنا الفريابي قال : حدثنا منجاب بن الحارث قال
: حدثنا علي بن مسهر ، عن مسعر بن كدام ، عن عبد الملك
بن ميسرة ، عن النزال بن سبرة قال : سمعت عبد الله بن مسعود : حين استخلف عثمان
يقول : « أمرنا خير من بقي ولم نألوا »
1193 - أخبرنا أبو زكريا يحيى بن محمد بن البختري
الحنائي قال : حدثنا محمد بن عبيد بن حساب قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن عبد الله
بن المختار ، عن عاصم بن أبي النجود ، عن أبي وائل قال : قدم علينا عبد الله بن مسعود ، فنعى (1) إلينا عمر رضي الله عنه فلم أر يوما
أكثر باكيا حزينا منه ، ثم قال عبد الله : « والذي نفسي بيده ، لو أنى أعلم أن عمر
كان يحب كلبا لأحببته ، وإنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أجمعنا فبايعنا عثمان
، فلم نألوا عن خيرنا وأفضلنا ذا فوق »
__________
(1) النعي : الإخبار بالموت يقال : نَعَى الميِّتَ
يَنْعاه نَعْياً ونَعِيّاً، إذا أذاعَ موته، وأخْبَر به، وإذا ندَبَه
باب ذكر خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله
عنه وعن ذريته الطيبة قال محمد بن الحسين رحمه الله : اعلموا رحمنا الله وإياكم
أنه لم يكن بعد عثمان رضي الله عنه أحد أحق بالخلافة من علي رضي الله عنه لما
أكرمه الله عز وجل به من الفضائل التي خصه الله الكريم بها ، وما شرفه الله عز وجل
به من السوابق الشريفة ، وعظيم القدر عند الله عز وجل وعند رسوله صلى الله عليه
وسلم ، وعند صحابته رضي الله عنهم وعند جميع المؤمنين ، قد جمع له الشرف من كل جهة
، ليس من خصلة شريفة إلا وقد خصه الله عز وجل بها : ابن عم الرسول ، وأخو النبي
صلى الله عليه وسلم ، وزوج فاطمة الزهراء رضي الله عنها وأبو الحسن والحسين
ريحانتي النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن كان النبي صلى الله عليه وسلم له محبا ،
وفارس العرب ومفرج الكرب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأمر الله عز وجل نبيه
بالمباهلة لأهل الكتاب لما دعوه إلى المباهلة ، فقال الله عز وجل : ( قل تعالوا
ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم (1) ) فأبناؤنا وأبناؤكم :
فالحسن والحسين رضي الله عنهما ونساؤنا ونساؤكم : فاطمة بنت رسول الله صلى الله
عليه وسلم ، وأنفسنا وأنفسكم : علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وقال النبي صلى
الله عليه وسلم : « لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله »
، ثم دعا عليا رضي الله عنه فدفع إليه الراية
، وذلك يوم خيبر ؛ ففتح الله الكريم على يديه ، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن
علي بن أبي طالب رضي الله عنه محب لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، وأن الله عز
وجل ورسوله محبان لعلي رضي الله عنه ، وروى بريدة الأسلمي أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال : « أمرني ربي عز وجل بحب أربعة ، وأخبرني أنه يحبهم إنك يا علي منهم ،
إنك يا علي منهم ، إنك يا علي منهم ثلاثا » ، وسئلت عائشة رضي الله عنها عن علي بن
أبي طالب رضي الله عنه فقالت : « ما رأيت رجلا قط كان أحب إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم منه ، ولا امرأة أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من امرأته » وروي
عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده أن جبريل عليه السلام أتى النبي صلى الله عليه
وسلم فقال « يا محمد إن الله عز وجل يأمرك أن تحب عليا وتحب من يحب عليا » وروى
أنس بن مالك قال : أتي النبي صلى الله عليه وسلم بطير جبلي ، فقال : « اللهم ،
ائتني برجل يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله » ، فإذا علي بن أبي طالب يقرع
الباب ، فقال أنس : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مشغول ، ثم أتى الثانية والثالثة
، فقال : « يا أنس ، أدخله ، فقد عنيته » فقال النبي صلى الله عليه وسلم : « اللهم
؛ إلي اللهم ؛ إلي » وقال النبي صلى الله عليه وسلم : « أنت مني بمنزلة هارون من موسى » وذلك لما خلفه في غزوة تبوك على المدينة ،
فقال قوم من المنافقين كلاما لم يحسن ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم
: « إنما خلفتك على أهلي فهلا ترضى أن تكون مني بمنزلة
هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي » وقال صلى الله عليه وسلم : « من كنت مولاه
فعلي مولاه » وقال صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه : « لا يحبك إلا مؤمن ولا
يبغضك إلا منافق » وقال النبي صلى الله عليه وسلم : « من آذى عليا فقد آذاني »
وقال جابر بن عبد الله : ما كنا نعرف منافقينا معشر الأنصار إلا ببغضهم علي بن أبي
طالب رضي الله عنه وروي عن أبي عبد الله الحبلي قال : دخلت على أم سلمة فقالت لي :
أيسب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكم ؟ فقلت : معاذ الله فقالت : سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول : « من سب عليا فقد سبني » ولما آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه وعلي رضي الله عنه حاضر لم يؤاخ
بينه وبين أحد فقال له علي رضي الله عنه في ذلك فقال : « والذي بعثني بالحق ما
أخرتك إلا لنفسي ، فأنت مني بمنزلة هارون من موسى ، غير أنه لا نبي بعدي ، وأنت
أخي ووارثي » وقال النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة رضي الله عنها لما زوجها لعلي
رضي الله عنه : « لقد زوجتك سيدا في الدنيا وسيدا في الآخرة » وروى أبو سعيد
الخدري قال : كنا عند بيت النبي صلى الله عليه وسلم في نفر من المهاجرين والأنصار
، فخرج علينا النبي صلى الله عليه وسلم فقال : « ألا أخبركم بخياركم ؟ » قلنا :
بلى . قال : « خياركم الموفون المطيبون إن الله عز وجل يحب الخفي التقي » قال ومر
علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال النبي صلى الله عليه وسلم : « الحق مع ذا الحق
مع ذا » قال محمد بن الحسين رحمه الله : ومناقب علي رضي الله عنه وفضائله أكثر من
أن تحصى ، ولقد أكرمه الله عز وجل بقتال الخوارج ، وجعل سيفه فيهم ، وقتاله لهم
سيف حق إلى أن تقوم الساعة فلما قتل عثمان بن عفان رضي الله عنه وبرأه الله من
قتله وأفضت الخلافة إليه كما روى سفينة وأبو بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : «
الخلافة بعدي ثلاثون سنة » فلما مضى أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم كان علي
رضي الله عنه الخليفة الرابع ، فاجتمع الناس بالمدينة إليه ، فأبى عليهم ، فلم
يتركوه فقال : فإن بيعتي لا تكون سرا ، ولكن أخرج إلى المسجد فمن شاء أن يبايعني
بايعني ، فخرج إلى المسجد فبايعه الناس
__________
(1) سورة :
1194 - حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد الواسطي قال :
حدثنا أبو بكر الأثرم قال : قال لي أحمد بن حنبل : اكتب هذا الحديث ، فإنه حديث
حسن في خلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، ثم قال : حدثنا إسحاق بن يوسف الأزرق
قال : حدثنا عبد الملك عن سلمة بن كهيل ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن محمد بن
الحنفية قال : كنت مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعثمان رضي الله عنه محصور (1)
قال : فأتاه رجل فقال : إن أمير المؤمنين مقتول الساعة قال : فقام علي رضي الله
عنه فأخذت بوسطه تخوفا عليه ، فقال : خل ، لا أم لك قال : فأتى علي بن أبي طالب
رضي الله عنه الدار ، وقد قتل عثمان رضي الله عنه فأتى داره فدخلها وأغلق عليه بابه
، فأتاه الناس فضربوا عليه الباب ، فدخلوا عليه ، فقالوا : إن عثمان قد قتل ،
ولابد للناس من خليفة ، ولا نعلم أحدا أحق بها منك ، فقال لهم علي رضي الله عنه :
« لا تزيدون ، فإني أكون لكم وزيرا خير من أمير قالوا : لا ، والله ما نعلم أحدا
أحق بها منك ، قال : فإن أبيتم علي فإن بيعتي لا تكون سرا ، ولكن أخرج إلى المسجد
فمن شاء أن يبايعني بايعني . قال : فخرج إلى المسجد فبايعه الناس » وحدثنا ابن عبد
الحميد قال : حدثنا أبو يحيى العطار قال : حدثنا إسحاق بن يوسف الأزرق ، . . .
وذكر الحديث بإسناده مثله قال محمد بن الحسين رحمه الله : فهذا مذهبنا في علي بن
أبي طالب رضي الله عنه أنه الخليفة الرابع كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : «
الخلافة ثلاثون سنة » وقد روي عن حذيفة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : «
وإن وليتموها أبا بكر فزاهد في الدنيا ، راغب في الآخرة ، وإن وليتموها عمر فقوي
أمين ، لا تأخذه في الله لومة لائم ، وإن وليتموها عليا فهاد مهدي ، يقيمكم على
طريق مستقيم » . قال محمد بن الحسين رحمه الله : كما قال حذيفة
: لم يزل علي رضي الله عنه منذ نشأ مع النبي صلى الله
عليه وسلم إلى أن قبض النبي صلى الله عليه وسلم على الطريق المستقيم ، ثم بايع
لأبي بكر رضي الله عنه فكان على الطريق المستقيم ، فلما قبض أبو بكر رضي الله عنه
بايع عمر رضي الله عنهما فكان معه على الطريق المستقيم ، فلما قبض عمر رضي الله
عنه بايع عثمان بن عفان رضي الله عنه فكان معه على الطريق المستقيم ، فلما قتل عثمان
رضي الله عنه ظلما برأه الله من قتله ، وكان قتله عنده ظلما مبينا ، ثم ولي
الخلافة بعدهم رضي الله عنه فكان والحمد لله على الطريق المستقيم ، متبعا لكتاب
الله عز وجل متبعا لسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، متبعا لأبي بكر وعمر
وعثمان رضي الله عنهم لم يغير من سنتهم ، ولم يبدل ، زاهدا في الدنيا راغبا في
الآخرة ، متواضعا في نفسه ، رفيعا عند الله عز وجل وعند المؤمنين حتى قتل شهيدا ،
لعن الله قاتله وأخزاه في الدنيا والآخرة
__________
(1) الحصر : المنع والحبس
1195 - حدثنا الفريابي قال : حدثنا قتيبة بن سعيد قال :
حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي ، عن جعفر بن محمد ، عن ، عن أبيه ، أن علي بن
أبي طالب رضي الله عنه : « قطع قميصا سنبلانيا ، فأتى به فلبسه ، فكأنه جاوز كماه أصابعه
، فقطع ما جاوز الأصابع من الكمين »
1196 - وحدثنا الفريابي قال : حدثنا قتيبة بن سعيد قال :
حدثنا هارون بن مسلم بن هرمز ، عن أبيه ، : أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه : أعطى الناس في عام واحد ثلاث عطيات قال
: ثم قدم عليه خراج أصبهان ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : يا أيها الناس ،
اغدوا إلى العطاء الرابع فخذوه ، فإني والله ما أنا لكم بخازن ، فقسمه فيهم ، ثم
أمر بيت المال فكسح ونضح (1) ، فصلى فيه ركعتين ، ثم قال : يا دنيا ، غري غيري
__________
(1) النضح : الرش بالماء
1197 - أخبرنا أبوعبد الله الحسين بن محمد بن عفير
الأنصاري قال : حدثنا إسحاق بن داود القنطري العبد الصالح قال : حدثنا الحسن بن
الربيع قال : حدثنا سعيد بن عبد الغفار قال : حدثنا ابن لهيعة ، عن عبد الله بن
هبيرة ، عن عبد بن زرير الغافقي قال : دخلنا على علي بن أبي طالب رضي الله عنه في
يوم عيد أضحى أو فطر فقرب إلينا خزيرة (1) ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، لو قربت إلينا
من هذا الوز والبط ، فإن الله عز وجل قد أكثر الخير ؟ فقال علي رضي الله عنه :
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « لا يحل للخليفة من مال المسلمين إلا
قصعتان (2) : قصعة يأكل هو وأهل بيته ، وقصعة لأصحابه » قال محمد بن الحسين : قد ذكرت من خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي
الله عنه الخليفة الرابع ما فيه الكفاية لمن عقل ؛ ليزيد المؤمنين محبة لعلي بن
أبي طالب رضي الله عنه الذي لا يحبه إلا مؤمن ، ولا يبغضه إلا منافق كما قال النبي
صلى الله عليه وسلم
__________
(1) الخزير : لحم يقطع ثم يطبخ بماء كثير وملح فإذا نضج
يذر عليه الدقيق ويعصد به
(2) القصعة : وعاء يؤكل ويُثْرَدُ فيه وكان يتخذ من
الخشب غالبا
1198 - وحدثنا الفريابي قال : حدثنا عثمان بن أبي شيبة
قال : حدثنا وكيع بن الجراح ، ويحيى بن عيسى قالا : حدثنا الأعمش ، عن عدي بن ثابت
، عن زر بن حبيش ، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : عهد إلي النبي صلى الله
عليه وسلم : « إنه لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق »
1199 - وحدثنا أبو عبد الله محمد بن مخلد العطار قال :
حدثنا أبو بكر محمد بن خلف قال : حدثنا محمد بن كثير قال : حدثنا الحارث بن حصيرة
، عن أبي داود ، عن عمران بن حصين قال : كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم ،
وعلي رضي الله عنه إلى جنبه ، إذ تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية
: ( أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ، ويجعلكم
خلفاء الأرض (1) ) قال : فارتعد علي رضي
الله عنه فأمسكه النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال : « ما لك يا علي ؟ » قال : يا
رسول الله ، قرأت هذه الآية ، فخشيت أن أبتلي بها ، فلم أملك نفسي ، فأصابني ما
رأيت ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : « والذي نفسي
بيده لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق إلى يوم القيامة » وقال ابن مخلد قال : أخبرنا أبو بكر محمد بن خلف : جاءني جعفر الطيالسي فسألني
عن هذا الحديث
__________
(1) سورة : النمل آية رقم : 62
1200 - وحدثنا أبو بكر بن أبي داود السجستاني قال :
حدثنا عيسى بن عبد الله الطيالسي قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثنا مندل
يعني ابن علي ، عن إسماعيل بن سلمان قال : حدثنا أبو عمرو ، مولى بشر بن غالب ، عن
محمد بن الحنفية : في قوله تعالى : ( سيجعل لهم الرحمن ودا (1) ) قال : « لا تلقى مؤمنا
إلا وفي قلبه ود لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه وأهل بيته »
__________
(1) سورة : مريم آية رقم : 96
آخر ذكر خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله
عنه قال محمد بن الحسين رحمه الله : ومذهبنا أنا نقول في الخلافة والتفضيل بأبي
بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم هذا طريق أهل العلم
1201 - حدثنا أبو سعيد الحسن بن علي الجصاص قال : حدثنا
الربيع بن سليمان قال : سمعت الشافعي يقول : « في الخلافة والتفضيل لأبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنه قال محمد بن
الحسين رحمه الله : وهذا قول أحمد بن حنبل رحمه الله قال محمد بن الحسين : فقد
أثبت من بيان خلافة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم ما إذا نظر فيها
المؤمن سره ، وزاده محبة للجميع ، وإذا نظر فيها رافضي خبيث أو ناصبي ذليل مهين ،
أسخن الله الكريم بذلك أعينهما في الدنيا والآخرة ؛ لأنهما خالفا الكتاب والسنة ،
وما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم واتبعا غير سبيل المؤمنين ، قال الله عز وجل (
ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين ، نوله ما تولى
ونصله جهنم وساءت مصيرا (1) ) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : » عليكم بسنتي
وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، عضوا عليها بالنواجذ « ، فهم أبو بكر وعمر وعثمان
وعلي رضي الله عنهم ومن اتبعهم بإحسان
__________
(1) سورة : النساء آية رقم : 115
باب ذكر تثبيت محبة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله
عنهم في قلوب المؤمنين قال محمد بن الحسين رحمه الله : من علامة من أراد الله عز
وجل به خيرا من المؤمنين وصحة إيمانهم محبتهم لأبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله
عنهم كذا قال النبي صلى الله عليه وسلم
1202 - حدثنا أبو العباس أحمد بن موسى بن زنجويه القطان
قال : حدثنا إبراهيم بن الوليد قال : حدثنا أبو النضر هاشم بن القاسم قال : حدثنا
عبد العزيز بن النعمان القرشي ، عن يزيد بن حبان ، عن عطاء ، عن أبي هريرة قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا يجتمع حب هؤلاء
الأربعة إلا في قلب مؤمن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي »
1203 - وحدثني أبو بكر بن عبد الحميد الواسطي قال :
حدثنا العباس بن أبي طالب قال : حدثنا أبو النضر ، عن عبد العزيز بن النعمان
القرشي قال : حدثنا يزيد بن حيان ، عن عطاء ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : « لا يجتمع حب
هؤلاء الأربعة إلا في قلب مؤمن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم
»
1204 - حدثنا أبو العباس أحمد بن سهل الأشناني قال :
حدثنا الربيع بن ثعلب قال : حدثنا إسماعيل بن علية ، عن
حميد الطويل قال : قال أنس بن مالك : قالوا : « إن حب
عثمان وعلي لا يجتمعان في قلب مؤمن وكذبوا ، قد جمع الله عز وجل حبهما بحمد الله
في قلوبنا »
1205 - وحدثنا ابن عبد الحميد قال : حدثنا زياد بن أيوب
الطوسي قال : حدثنا إسماعيل ابن علية قال : أخبرنا حميد قال : قال أنس بن مالك :
قالوا : « إن حب عثمان وعلي رضي الله عنهما لا يجتمع في قلب مؤمن ، وكذبوا ، قد
اجتمع حبهما بحمد الله في قلوبنا »
1206 - وحدثنا عبد الله بن الصقر السكري قال : حدثنا عبد
الله بن أيوب المخرمي قال : حدثنا خالد يعني الواسطي قال : سمعت أبا شهاب ، يقول :
« لا يجتمع حب أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم إلا في قلوب أتقياء هذه
الأمة »
1207 - أخبرنا أبو محمد عبد الله بن صالح البخاري قال :
حدثنا مخلد بن الحسين قال : حدثنا أبو المليح الرقي قال : كان ميمون بن مهران يقول
: « إن أقواما يقولون : لا يسعنا أن
نستغفر لعثمان وعلي ، وأنا أقول غفر الله لعثمان وعلي وطلحة والزبير
»
1208 - حدثنا ابن عبد الحميد قال : حدثنا فضل بن زياد قال
: حدثنا محمد بن مقاتل العباداني ، عن بعض أهل العلم ، عن حماد بن سلمة ، عن أيوب
السختياني قال ابن عبد الحميد : حدثنا محمد بن حبيب البزاز قال
: حدثنا عبد الصمد ، عن محمد بن مقاتل قال : سمعت أبي
يذكر ، عن حماد بن سلمة ، عن أيوب السختياني قال : « من أحب أبا بكر فقد أقام الدين
، ومن أحب عمر فقد أوضح السبيل ، ومن أحب عثمان فقد استنار بنور الله عز وجل ومن
أحب عليا فقد استمسك بالعروة الوثقى ، ومن أحسن القول في أصحاب محمد فقد برئ من
النفاق » وقال ابن حبيب : ومن قال الحسنى في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فقد
برئ من النفاق
1209 - حدثنا أبو عبد الله محمد بن مخلد قال : حدثنا
أحمد بن إسحاق الرقي قال : حدثنا عبد الله بن جعفر قال : حدثنا محمد بن مروان ، عن
الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس في قول الله عز وجل : ( آمنوا كما آمن الناس
(1) ) قال : « أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم » أنشدنا أبو بكر بن أبي
الطيب لبعضهم : إني رضيت عليا قدوة علما كما رضيت عتيقا صاحب الغار وقد رضيت أبا
حفص وشيعته وما رضيت بقتل الشيخ في الدار كل الصحابة عندي قدوة علم فهل علي بهذا
القول من عار إن كنت تعلم أني لا أحبهم إلا لوجهك فاعتقني من النار
__________
(1) سورة : البقرة آية رقم : 13
باب ذكر أتباع علي بن أبي طالب رضي الله عنه في خلافته
لسنن أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم ، ونفعنا بحب الجميع قال محمد بن الحسين
رحمه الله : فإن قال قائل : فهل غير علي بن أبي
طالب في خلافته شيئا مما سنه أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم ؟ قيل له : معاذ
الله ، بل كان لهم متبعا ، وسيذكر من ذلك ما لا يخفى ذكره عند العلماء ممن سلمه
الله عز وجل من مذهب الرافضة والناصبة ، ولزم الطريق المستقيم . من ذلك أن علي بن
أبي طالب كرم الله وجهه لما ولي الخلافة أجرى أمر فدك ، وقبل من أبي بكر ما سمع
النبي صلى الله عليه وسلم يقول : « لا نورث ، ما تركنا صدقة » ، أعني أبا بكر القائل
، فلما أفضت الخلافة إلى علي رضي الله عنه أجراه على ما أجراه أبو بكر رضي الله
عنه وكان عنده أن الحق فيما فعله أبو بكر رضي الله عنه ولو كان الحق عنده في غير
ما فعله أبو بكر لرده ، ولم يأخذه في الله لومة لائم ، خلاف ما قالته الرافضة
الأنجاس ، وهذا مشهور لا يمكن أحد أن يقول غير هذا ، فأما ما سنه عمر بن الخطاب
رضي الله عنه فلم يغيره علي رضي الله عنه ، واتبعه على ذلك
1210 - فحدثنا أبو جعفر أحمد بن يحيى الحلواني قال
: حدثنا عبيد بن جناد الحلبي قال : حدثنا عطاء بن مسلم ،
عن صالح المرادي ، عن عبد خير قال : رأيت عليا رضي الله عنه صلى العصر فصف له أهل
نجران صفين ، فلما صلى أومأ (1) رجل منهم فأخرج كتابا فناوله إياه ، فلما قرأه
دمعت عيناه ، ثم رفع رأسه إليهم ، فقال : يا أهل نجران ، أو يا أصحابي ، هذا والله
خطي بيدي وإملاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالوا : يا أمير المؤمنين ، أعطنا
ما فيه ، قال : ودنوت منه ، فقلت : إن كان رادا على عمر رضي الله عنه يوما ما
فاليوم يرد عليه ، فقال : لست براد على عمر اليوم شيئا صنعه ، إن عمر كان رجلا
رشيد الأمر ، وإن عمر أخذ منكم خيرا مما أعطاكم ، ولم يجر عمر رضي الله عنه ما أخذ
منكم لنفسه ، إنما أجراه لجماعة المسلمين
__________
(1) الإيماء : الإشارة بأعضاء الجسد كالرأس واليد والعين
ونحوه
1211 - حدثنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن زياد الشاهد قال
: حدثنا الحسن بن عفان الكوفي قال : حدثنا أبو يحيى الحماني ، عن الأعمش ، عن سالم
بن أبي الجعد وقال أبو سعيد : وحدثنا أحمد بن عبد الجبار العطاردي قال : حدثنا أبو
معاوية الضرير ، عن الأعمش ، عن سالم بن أبي الجعد قال : جاء أهل نجران إلى علي
رضي الله عنه فقالوا : يا أمير المؤمنين ، كتابك بيدك ، وشفاعتك بلسانك ، أخرجنا
عمر من أرضنا فارددنا إليها ، فقال : « ويحكم ، إن عمر كان رجلا رشيد الأمر ، فلا
أغير شيئا صنعه عمر » قال الأعمش : وكانوا يقولون : لو كان في نفسه شيء عليه لاغتنم هذه وأخبرنا أبو سعيد قال : أخبرنا علي بن
عبد العزيز قال أبو عبيد القاسم بن سلام قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن
سالم بن أبي الجعد قال : جاء أهل نجران إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه وذكر
الحديث مثله
1212 - وأخبرنا أبو سعيد قال : أخبرنا علي بن عبد العزيز قال : قال أبو عبيد : حدثنا أبو معاوية ، عن
حجاج ، عمن سمع الشعبي يقول : قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه لما قدم الكوفة :
« ما قدمت لأحل عقدة عقدها عمر رضي الله عنه قال محمد بن
الحسين رحمه الله : هذا رد على الرافضة الذين خطئ بهم عن طريق الحق ، وأسخن الله
تعالى أعينهم ، ونسبوا علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى ما قد برأه الله عز وجل مما
ينحلونه إليه في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما لو علم علي رضي الله عنه أن الحق في
غير ما حكم به أبو بكر لرده ، ولم يأخذه في الله لومة لائم ، ولكن علم أن الحق هو
الذي فعله أبو بكر ، فأجراه على ما فعل أبو بكر رضي الله عنهما ، وكذا فعل عمر في
أهل نجران ، وكذا لما سن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قيام شهر رمضان ، وجمع الناس
عليه ، أحيا بذلك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلاها الصحابة في جميع
البلدان ، وصلاها علي بن أبي طالب رضي الله عنه فلما أفضت الخلافة إليه ، صلاها
وأمر بالصلاة ، وترحم على عمر رضي الله عنه فقال : » نور الله قبرك يا ابن الخطاب
، كما نورت مساجدنا وقال : أنا أشرت على عمر بذلك « ، وهذا رد على الرافضة الذين
لا يرون صلاتها ، خلافا على عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم وعلى جميع المسلمين
1213 - حدثنا أبو عبد الله محمد بن مخلد العطار قال :
حدثنا محمد بن أبي الحارث ، بباب الشام قال : حدثنا عبيد بن إسحاق قال : حدثنا سيف
بن عمر قال : حدثني سعد بن طريف ، عن الأصبغ بن
نباتة قال : قال علي رضي الله عنه : « لأنا حرضت عمر
رحمه الله ، ورضي الله عنه على قيام شهر رمضان ، أخبرته أن فوق السماء السابعة
حظيرة ؛ يقال لها : حظيرة القدس ، فيها قوم يقال لهم : الروح ، فإذا جاءت ليلة القدر استأذنوا ربهم عز وجل في النزول إلى الدنيا
، فلا يمرون بأحد يصلي ، أو يستقبلونه في طريق إلا أصابه من ذلك بركة قال
: فقال عمر رضي الله عنه : إذن ، والله يا أبا الحسن ،
نعرض الناس للبركة ، فأمرهم بالقيام »
1214 - وحدثنا ابن مخلد قال : حدثنا أبو العباس محمد بن
عبد الرحمن بن يونس السراج قال : حدثنا عبد الله بن محمد يعني ابن ربيعة قال :
حدثنا خالد بن عبد الله الواسطي ، عن حصين بن عبد الرحمن ، عن أبي عبد الرحمن
السلمي قال : أمنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه في قيام شهر رمضان قال : ومر ببعض
مساجد أهل الكوفة ، وهم يصلون القيام فقال : « نور الله قبرك يا ابن الخطاب كما نورت مساجدنا »
1215 - وحدثنا ابن مخلد قال : حدثنا عبيد الله بن جرير
بن جبلة العتكي قال : حدثنا الحكم يعني ابن مروان قال : حدثنا الحسن بن صالح ، عن
عمرو بن قيس ، عن أبي الحسناء ، أن عليا رضي الله عنه « أمر رجلا أن يصلي بالناس
في رمضان خمس ترويحات عشرين ركعة » قال محمد بن الحسين رحمه الله : وهكذا بايع علي
بن أبي طالب رضي الله عنه عثمان بن عفان رضي الله عنه في جمعه المصحف ، وصوب رأيه
في جمعه ، وقال : أول من جمعه أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأنكر علي بن أبي طالب
كرم الله وجهه على طوائف من أهل الكوفة ممن عاب عثمان رضي الله عنه بجمعه للمصحف ،
فأنكر عليهم إنكارا شديدا خلاف ما قالته الرافضة
1216 - حدثنا الفريابي قال : حدثنا عبيد الله بن عمر
القواريري قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري قال : حدثنا سفيان الثوري ، عن السدي ، عن
عبد خير ، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : « إن أعظم الناس أجرا في المصاحف
أبو بكر الصديق رضي الله عنه كان أول من جمع القرآن بين اللوحين
»
1217 - وحدثنا الفريابي قال ، حدثنا عثمان بن أبي شيبة
قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن سفيان ، عن السدي ، عن عبد خير ، عن علي رضي
الله عنه قال : سمعته يقول : « رحم الله أبا بكر ، هو
أول من جمع القرآن بين اللوحين »
1218 - وحدثنا أبو بكر أحمد بن عبد الله بن سيف
السجستاني قال : حدثنا السري بن يحيى بن أخي هناد بن السري قال : حدثنا سعيد بن
إبراهيم التيمي قال : حدثنا سيف بن
عمر التميمي الأسيدي قال : حدثنا محمد بن أبان ، عن علقمة بن مرثد ، عن العيزار بن
جرول ، عن سويد بن غفلة الجعفي قال : سمعت علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول :
أيها الناس ؛ الله الله ، وإياكم والغلو في عثمان رضي الله عنه وقولكم : خراق
المصاحف ، فوالله ما خرقها إلا عن ملاء منا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم جمعنا
فقال : ما تقولون في هذه القراءة التي قد اختلف فيها الناس ، يلقى الرجل الرجل
فيقول : قراءتي خير من قراءتك ، وقراءتي أفضل من قراءتك ، وهذا شبيه بالكفر ،
فقلنا : ما الرأي يا أمير المؤمنين ؟ قال : أرى أن أجمع الناس على مصحف واحد ،
فإنكم إن اختلفتم اليوم كان من بعدكم أشد اختلافا ، فقلنا : فنعم ما رأيت ، فأرسل
إلى زيد بن ثابت وسعيد بن العاص ، فقال : يكتب أحدكما ويمل الآخر ، فإذا اختلفتما
في شيء فارفعاه إلي ، فكتب أحدهما وأملى الآخر ، فما اختلفا في شيء من كتاب الله
عز وجل إلا في حرف في سورة البقرة ، فقال أحدهما : التابوت . وقال الآخر : التابوه
، فرفعاه إلى عثمان رضي الله عنه فقال : التابوت ، قال : وقال علي رضي الله عنه : لو وليت مثل الذي ولي لصنعت مثل الذي صنع قال
: فقال القوم لسويد بن غفلة : الله الذي لا إله إلا هو ،
لسمعت هذا من علي رضي الله عنه ؟ قال : الله الذي لا إله إلا هو ، لسمعت هذا من
علي رضي الله عنه
1219 - وحدثنا أبو عبد الله محمد بن مخلد العطار قال :
حدثنا أبو بكر محمد بن إسحاق الصاغاني قال : حدثنا سلم بن قادم قال : حدثنا عبد الرحمن
بن مهدي ، عن شعبة ، عن علقمة بن مرثد ، عن رجل ، عن سويد بن غفلة قال : قال علي
رضي الله عنه : « لو وليت لفعلت الذي فعل عثمان ، يعني في المصاحف » قال محمد بن
الحسين رحمه الله تعالى : ومن أصح الدلائل وأوضح الحجج على كل رافضي مخالف لعلي بن
أبي طالب رضي الله عنه أن عليا كرم الله وجهه لم يزل يقرأ بما في مصحف عثمان رضي
الله عنه ، ولم يغير منه حرفا واحدا ، ولا قدم حرفا على حرف ولا أخر ، ولا زاد فيه
ولا نقص ، ولا قال : إن عثمان فعل في
هذا المصحف شيئا لي أن أفعل غيره ، ما يحفظ عنه شيء من هذا رضي الله عنه ، وهكذا
ولده رضي الله عنه ، لم يزالوا يقرءون بما في مصحف عثمان رضي الله عنه حتى فارقوا
الدنيا ، وهكذا أصحاب علي رضي الله عنه لم يزالوا يقرئون المسلمين بما في مصحف
عثمان رضي الله عنه ، لا يجوز لقائل أن يقول غير هذا ، من قال غير هذا فقد كذب ،
وأتى بخلاف ما عليه أهل الإسلام . قال محمد بن
الحسين رحمه الله : مرادنا من هذا أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه لم يزل متبعا
لما سنه أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم ، متبعا لهم ، يكره ما كرهوا ، ويحب ما
أحبوا ، حتى قبضه الله عز وجل شهيدا ، الذي لا يحبه إلا مؤمن تقي ولا يبغضه إلا
منافق شقي
باب ذكر فضائل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما قال محمد بن
الحسين رحمه الله : المحمود الله على كل حال وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم ،
اعلموا رحمنا الله وإياكم أنه قد تقدم ذكرنا لفضائل المهاجرين والأنصار ، ولفضائل
العشرة ، أولهم أبو بكر وعمر ، ولأبي بكر رضي الله عنه فضائل على الانفراد نذكرها
إن شاء الله تعالى ، ولأبي بكر وعمر رضي الله عنهما فضائل اجتمعا فيها ، نذكر
فضلهما جميعا ، ولعمر رضي الله عنه فضائل خصه الله الكريم بها ، نذكرها إن شاء الله
على حسب ما تأدى إلينا والله الموفق
باب تصديق أبي بكر رضي الله عنه لرسول الله صلى الله
عليه وسلم وأنه أول الناس إسلاما
1220 - حدثنا أبو بكر قاسم بن زكريا المطرز قال : حدثنا
عمران بن الحسن الشامي قال : حدثنا عبد الرحمن بن مغر الدوسي قال : حدثنا مجالد ،
عن الشعبي قال : سئل ابن عباس رضي الله عنهما : من أول
من أسلم ؟ فقال : أبو بكر رضي الله عنه ، أما سمعت قول حسان بن ثابت رضي الله عنه
: إذا تذكرت شجوا من أخي ثقة فاذكر أخاك أبا بكر بما فعلا خير البرية أتقاها
وأفضلها إلا النبي وأولاها بما حملا والثاني التالي المحمود شيمته وأول الناس منهم
صدق الرسلا
1221 - وحدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد
العزيز البغوي قال : حدثنا محمد بن حميد الرازي قال : حدثنا عبد الرحمن بن مغر ،
عن مجالد ، عن الشعبي قال : سألت ابن عباس رضي الله عنه : من أول من أسلم ؟ قال :
أبو بكر الصديق رضي الله عنه ثم قال : أما سمعت قول حسان بن ثابت رضي الله عنه
: إذا تذكرت شجوا من أخي ثقة فاذكر أخاك أبا بكر بما
فعلا خير البرية أتقاها وأعدلها بعد النبي وأولاها بما حملا الثاني التالي المحمود
مشهده وأول الناس منهم صدق الرسلا
1222 - وحدثنا أبو بكر قاسم بن زكريا المطرز قال : حدثني
عبد الله بن سعيد الأشج قال : حدثني عقبة بن خالد أملاه علي من كتابه قال : حدثنا
شعبة قال : حدثني سعيد الجريري ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال أبو
بكر الصديق رضي الله عنه : ألست أحق الناس بها ؟ ألست أول من أسلم ؟ ألست صاحب كذا
؟ ألست صاحب كذا ؟
1223 - وحدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد
العزيز البغوي قال : حدثنا أبو سعيد عبد الله بن سعيد الأشج ، قال : حدثنا عقبة بن
خالد السكوني ، عن شعبة ، عن الجريري ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد قال : قال أبو
بكر رضي الله عنه : ألست أحق الناس
بها ؟ ألست أول من أسلم ؟ ألست صاحب كذا ؟ ألست صاحب كذا ؟
1224 - وحدثنا أبو بكر قاسم بن زكريا المطرز قال : حدثنا
أبو كريب ، وأبو سعيد الأشج قالا : حدثنا ابن إدريس قال المطرز : وحدثنا محمد بن
المثنى ، وبندار قالا : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن عمرو بن مرة ،
عن أبي حمزة ، عن زيد بن أرقم قال : « أول من أسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه ؛
قال : فذكرت ذلك لإبراهيم ، فأنكره وقال : » أول من أسلم مع رسول الله صلى الله
عليه وسلم أبو بكر رضي الله عنه «
1225 - وحدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد
العزيز البغوي قال : حدثنا علي بن الجعد ، أنبأنا شعبة ، عن عمرو بن مرة قال :
سمعت أبا حمزة الأنصاري يقول : سمعت زيد بن أرقم يقول : « أول من صلى مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم علي رضي الله عنه قال عمرو بن مرة : فذكرت ذلك لإبراهيم فأنكره
، وقال : » أبو بكر «
1226 - وحدثنا أبو القاسم أيضا ؛ قال : حدثني جدي يعني
أحمد بن منيع قال : حدثنا جرير بن عبد الحميد ، عن مغيرة ، عن إبراهيم قال : « أول
من أسلم أبو بكر رضي الله عنه »
1227 - وحدثنا قاسم المطرز أيضا ؛ قال : حدثنا أبو سعيد
الأشج قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن إبراهيم قال : « أبو بكر أول من أسلم
»
1228 - حدثني أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد
الواسطي قال : حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : حدثني أبي رحمه الله قال :
حدثنا يوسف بن يعقوب الماجشون قال : أدركت مشيختنا
ومن نأخذ عنه ، منهم : ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، ومحمد بن المنكدر ، وعثمان بن
محمد الأخشني يقولون : أبو بكر أول الرجال إسلاما
1229 - وحدثني أبو القاسم عبد الله بن محمد البغوي قال :
حدثنا علي بن مسلم الطوسي قال : حدثنا يوسف بن يعقوب قال : سمعت مشيختنا أهل الفقه
منهم : سعد بن إبراهيم ، وصالح بن كيسان ، وربيعة بن أبي عبد الرحمن ، وعثمان بن
محمد الأخشني ، وغير واحد يذكرون « أن أبا بكر رضي الله عنه أول من أسلم
»
1230 - وحدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد الواسطي قال :
حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثني أبي قال : حدثنا يحيى بن أبي بكير قال :
حدثنا زائدة ، عن عاصم ، عن زر ، عن عبد الله يعني ابن مسعود قال : « أول من أظهر
إسلامه سبعة : رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر ، وعمار ، وأمه سمية ، وصهيب
، والمقداد ، وبلال رضي الله عنهم »
1231 - وحدثنا أبو القاسم البغوي قال : حدثنا محمد بن
إسحاق الصاغاني قال : حدثنا يحيى بن أبي بكير قال : حدثنا زائدة ، عن عاصم ، عن زر
، عن عبد الله بن مسعود قال : « كان أول من أظهر الإسلام سبعة : رسول الله صلى
الله عليه وسلم ، وأبو بكر ، وعمار ، وأمه سمية ، وصهيب ، وبلال ، والمقداد رضي
الله عنهم »
1232 - حدثنا قاسم بن زكريا المطرز قال : حدثنا القاسم
بن سعيد بن المسيب بن شريك قال : حدثنا علي بن عاصم ، عن الجريري ، عن أبي نضرة ،
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال أبو بكر : لعلي بن أبي طالب رضي الله
عنهما : « قد علمت أني كنت في هذا الأمر قبلك
» قال : صدقت يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : فمد يده فبايعه ،
فلما جاء الزبير رحمه الله قال : « أما علمت أني
كنت في هذا الأمر قبلك ؟ قال : فمد يده فبايعه »
1233 - وحدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد
العزيز البغوي قال : حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الملك بن زنجويه قال : حدثنا عبد
الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري في حديثه عن عروة قال : سعى رجال من المشركين إلى
أبي بكر رضي الله عنه فقالوا : هذا صاحبك ، يزعم أنه قد أسري به الليلة إلى بيت
المقدس ، ثم رجع من ليلته ، فقال أبو بكر رضي الله عنه : « أو قال ذاك » ؟ قالوا
: نعم ، قال أبو بكر : « فأنا أشهد إن كان قال ذاك لقد
صدق » قالوا : تصدقه بأنه جاء إلى الشام في ليلة واحدة ورجع قبل أن يصبح ، قال أبو
بكر رضي الله عنه : « نعم أصدقه بأبعد من ذلك ، أصدقه بخبر السماء غدوة (1) وعشية
، فلذلك سمي أبو بكر الصديق رضي الله عنه »
__________
(1) الغُدْوة : البُكْرة وهي أول النهار
1234 - حدثنا أبو عبد الله أحمد بن محمد بن شاهين قال :
حدثنا إسماعيل بن عبيد بن أبي كريمة الحراني قال : حدثنا محمد بن سلمة ، عن أبي
عبد الرحيم ، عن أبي عبد الملك ، عن القاسم ، عن أبي أمامة قال : كان بين رجل من
الأنصار وبين أبي بكر رضي الله عنه بعض المعاتبة ، فاعتذر أبو بكر رضي الله عنه إليه
، فأبى أن يقبل ، قال : فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فاشتد وجده (1)
، فلما راح أقبل الرجل فجلس إلى نبي الله صلى
الله عليه وسلم فأعرض عنه ، فقام فجلس عن شماله فأعرض عنه ، ثم قام فجلس بين يديه
فأعرض عنه ، فقال : يا رسول الله ، إني قد أرى أنك تعرض عني ، وقد علمت أنك تفعل
ذلك لشيء بلغك عني أو لسخط في نفسك علي ، فما خير دنياي وأنت تعرض عني ، والذي بعثك
بالحق ما أبالي أن لا أحيا في الدنيا ساعة وأنت ساخط ، فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : « أنت الذي ابتدأك أبو بكر فأبيت أن تقبل منه ، إن الله عز وجل بعثني
إليكم جميعا فقلتم : كذبت وقال صاحبي : صدقت » ثم قال : « هل أنتم تاركي وصاحبي ؟ هل أنتم تاركي وصاحبي ؟ هل أنتم تاركي وصاحبي ؟
»
__________
(1) الوجد : الغضب ، والحزن والمساءة وأيضا : وَجَدْتُ
بِفُلانَة وَجْداً، إذا أحْبَبْتها حُبّا شَديدا.
باب ذكر مواساة أبي بكر رضي الله عنه للنبي صلى الله
عليه وسلم بنفسه وماله وأهله
1235 - حدثنا أبو بكر جعفر بن محمد الفريابي قال : حدثنا
عمرو بن محمد الناقد قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة
رضي الله عنها : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « ما نفعنا مال ما نفعنا مال
أبي بكر رضي الله عنه »
1236 - وحدثنا أبو بكر قاسم بن زكريا المطرز قال : حدثنا
محمد بن الصباح الجرجرائي قال : حدثنا سفيان ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة رضي
الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ما نفعنا مال ما نفعنا مال أبي بكر رضي الله عنه »
1237 - وحدثنا الفريابي قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة
قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم : « ما نفعني مال ما نفعني مال أبي بكر » قال : فبكى أبو
بكر وقال : هل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله ؟
«
1238 - وحدثنا أبو بكر قاسم بن زكريا المطرز قال : حدثنا
أبو كريب محمد بن العلاء ، ويوسف بن موسى القطان ، والمخرمي يعني محمد بن عبد الله
قالوا : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ما نفعني مال ما نفعني مال أبي بكر » قال : فبكى
أبو بكر وقال : هل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله ؟
«
1239 - أنبأنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن ناجية قال :
حدثنا محمد بن صالح بن النطاح قال : حدثنا أرطأة أبو حاتم ، عن ابن جريج ، عن عطاء
، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ما أحد أعظم عندي يدا
من أبي بكر ، واساني بنفسه وماله ، وأنكحني ابنته »
1240 - وحدثنا الفريابي قال . حدثنا محمد بن مصفى الحمصي
قال : حدثنا بقية بن الوليد قال : حدثنا بحير بن سعد ، عن خالد بن معدان ، عن جبير
بن نفير ، أن أبوابا ، كانت مفتحة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بها
فسدت غير باب أبي بكر فقالوا : أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبوابنا فسدت
غير باب أبي بكر خليله ، فبلغه فقام فيهم ، فقال : « أتقولون : سد أبوابنا وترك
باب خليله ، فلو كان لي منكم خليل كان هو خليلي ، ولكني خليل الله عز وجل ، فهل
أنتم تاركوا لي صاحبي ؟ فقد واساني بنفسه وماله ، وقال لي : صدق وقلتم : كذب
»
1241 - وحدثنا الفريابي قال : حدثنا المعافى بن سليمان
الجزري ، حدثنا فليح بن سليمان ، عن سالم بن أبي النضر ، عن عبيد بن جبير ، عن أبي
سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس فقال : « إن آمن الناس علي
في صحبته وماله أبو بكر ، ولو كنت متخذا من الناس خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ، ولكن
خلة الإسلام ومودته ، لا يبقين في المسجد باب إلا سد إلا باب أبي بكر »
1242 - وحدثنا الفريابي قال : حدثنا أبو الوليد هشام بن
عمار الدمشقي قال : حدثنا الوليد بن مسلم ، عن ابن لهيعة ، عن أبي الأسود محمد بن
عبد الرحمن ، عن عروة ، عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن
عبدا من عباد الله عز وجل خير بين الدنيا وبين ما عند ربه ، فاختار ما عند ربه عز
وجل » فبكى أبو بكر رضي الله عنه وعلم أنه يريد نفسه ، فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : « سدوا الأبواب الشوارع في المسجد إلا باب أبي بكر ، فإني لا أعلم
أحدا أفضل عندي يدا في الصحبة من أبي بكر رضي الله عنه »
1243 - وحدثنا أبو بكر محمد بن محمد بن سليمان الباغندي
قال : حدثنا محمد بن حميد الرازي قال : حدثنا علي بن مجاهد ، عن أشعث بن إسحاق ،
عن جعفر بن أبي المغيرة ، عن سعيد بن جبير ، في قول الله عز وجل : ( فأنزل الله
سكينته عليه (1) ) قال : « على أبي بكر ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم تزل
السكينة معه » قال محمد بن الحسين رحمه الله تعالى : لما كان النبي صلى الله عليه
وسلم وأبو بكر معه في الغار ، وجاء المشركون فوقفوا على الغار حزن أبو بكر على
النبي صلى الله عليه وسلم من المشركين ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ( لا
تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه ) على أبي بكر رضي الله عنه
__________
(1) سورة : التوبة آية رقم : 40
باب ذكر قضاء أبي بكر دين رسول الله صلى الله عليه وسلم
وعداته بعد موته
1244 - حدثنا أبو بكر جعفر بن محمد الفريابي ؛ قال :
حدثنا قتيبة بن سعيد قال : حدثنا سفيان بن
عيينة ، سمع محمد بن المنكدر ، عن جابر بن عبد الله قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لو قد جاء مال البحرين لقد
أعطيتك هكذا وهكذا ثلاثا » ، فلم يقدم مال البحرين حتى قبض رسول الله صلى الله عليه
وسلم ، فلما قدم على أبي بكر أمر مناديا فنادى : من كان له عند النبي صلى الله
عليه وسلم دين أو عدة فليأتني قال جابر بن عبد الله : فجئت أبا بكر ، فأخبرته أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال : « لو قدم مال البحرين ؛ أعطيتك هكذا وهكذا ثلاثا »
قال جابر : فأتيت أبا بكر بعد ذلك فسألته فلم يعطني ، ثم أتيته فلم يعطني ، ثم
أتيته فلم يعطني ، فقلت له : قد أتيتك فلم تعطني ، فإما أن تعطيني وإما أن تبخل عني
فقال : أقلت : تبخل عني ؟ وأي داء أدوأ من البخل ؟ قالها ثلاثا ، ما منعتك من مرة
إلا وأنا أريد أن أعطيك «
1245 - وحدثنا الفريابي قال : حدثنا قتيبة بن سعيد قال :
حدثنا سفيان ، عن عمرو بن دينار ، عن محمد بن علي قال : سمعت جابر بن عبد الله يقول
: « حثيت حثية ، فقال لي أبو بكر : عدها ، فعددتها فوجدتها خمسمائة ، فقال : خذ
مثلها مرتين »
1246 - وحدثنا الفريابي قال : حدثنا علي بن عبد الله
المديني قال : حدثنا سفيان بن عيينة قال : حدثنا محمد بن المنكدر قال : سمعت جابر
بن عبد الله يقول : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لو قد جاء مال
البحرين ، لقد أعطيتك هكذا وهكذا وهكذا » فلم يجئ مال البحرين ، حتى قبض النبي صلى
الله عليه وسلم ، فلما جاء مال البحرين . . . فذكر مثله
1247 - وحدثنا الفريابي قال : حدثنا أبو قدامة عبيد الله
بن سعيد قال : حدثنا محمد بن بكر قال : أنبأنا ابن جريج ، أخبرني عمرو بن دينار ،
عن محمد بن علي ، عن جابر بن عبد الله قال : وأخبرني محمد بن المنكدر ، عن جابر بن عبد الله قال : لما مات النبي صلى الله
عليه وسلم جاء أبا بكر مال من قبل العلاء بن الحضرمي ، فقال أبو بكر رضي الله عنه
: من كان له على النبي صلى الله عليه وسلم دين أو كانت له قبله عدة فليأتنا . قال
جابر : فقلت : « وعدني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطيني هكذا وهكذا وهكذا »
، فبسط يده ثلاث مرات ، قال جابر : فعد في يدي خمسمائة ، ثم خمسمائة ثم خمسمائة
1248 - وحدثنا أبو أحمد هارون بن يوسف قال : حدثنا ابن
أبي عمر قال : حدثنا سفيان قال : سمعت ابن المنكدر يقول : سمعت جابر بن عبد الله
يقول : قال سفيان : وسمعت عمرو بن دينار أيضا يحدث عن محمد بن علي قال : سمعت جابر
بن عبد الله وزاد أحدهما على الآخر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لو
قد جاء مال البحرين ، لقد أعطيتك هكذا وهكذا وهكذا وقال بيديه جميعا » فقبض النبي
صلى الله عليه وسلم قبل أن يجيء مال البحرين ، فقدم على أبي بكر بعده ، فأمر مناديا
: من كانت له على النبي صلى الله عليه وسلم عدة أو دين فليأتني ، فقمت ، فقلت : إن
النبي صلى الله عليه وسلم قال : « لو قد جاء مال البحرين ؛ أعطيتك هكذا وهكذا
وهكذا » فحثى أبو بكر مرة ، فقال لي : عدها . فعددتها ، فإذا هي خمسمائة درهم فقال
: « خذ مثليها »
باب ذكر قصة أبي بكر رضي الله عنه في الغار مع النبي صلى
الله عليه وسلم
1249 - حدثنا أبو بكر قاسم بن زكريا المطرز قال : حدثنا
حاتم بن الليث الجوهري قال : حدثنا معلى بن أسد العمي قال : حدثنا هلال بن عبد
الرحمن الأزدي قال : حدثنا علي بن
زيد ، وعطاء بن أبي ميمونة ، عن أنس بن مالك ، عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال
: لما كانت ليلة الغار قلت : يا رسول الله ، دعني فأدخل قبلك ، فإن كان شيء كان بي
، فدخل أبو بكر رضي الله عنه . فالتمس (1) الغار بيده وشق ثوبه ، فكلما رأى جحرا في الغار ألقمه ثوبه ، حتى فعل ذلك بثوبه
أجمع ، وبقي جحر منها ، فوضع عقبه عليه ، وقال : يا رسول الله ، ادخل الغار ، فدخل
رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما أصبح قال : « يا أبا بكر ، أين ثوبك ؟ » ،
فأخبرته بما صنعت فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده وقال : « اللهم اجعل أبا
بكر معي في درجتي يوم القيامة » فأوحى إليه أني قد استجبت لك « قال أنس : وكان
النبي صلى الله عليه وسلم يدخل بيت أبي بكر كأنه بيته ، ويصنع بمال أبي بكر كما
يصنع بماله
__________
(1) التمس الشيء : طلبه
1250 - وحدثني أبو حفص عمر بن أيوب السقطي قال : حدثنا
محفوظ بن أبي توبة قال : حدثنا عثمان بن
صالح قال : حدثنا رشدين بن سعد قال : حدثني موسى بن حبيب ، وجرير بن حازم ، عن
الضحاك بن مزاحم ، عن ابن عباس قال : لما كانت ليلة رسول الله صلى الله عليه وسلم
في الغار ؛ قال لصاحبه أبي بكر : « أنائم أنت ؟ » قال : لا ، وقد رأيت صنعك وتقلبك
يا رسول الله ، فما لك بأبي أنت وأمي ، قال : « جحر رأيته قد انهار ، فخشيت أن
تخرج منه هامة تؤذيك أو تؤذيني » فقال أبو بكر :
يا رسول الله ، فأين هو ؟ فأخبره ، فسد الجحر ، وألقمه عقبه ثم قال : نم بأبي أنت
وأمي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « رحمك الله من صديق ، صدقتني حين كذبني الناس ، ونصرتني حين خذلني الناس ، وآمنت
بي حين كفر بي الناس ، وآنستني في وحشتي ، فأي منة لأحد علي كمنتك
»
1251 - حدثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قال : حدثنا
أبو أمية الطرسوسي محمد بن إبراهيم قال : حدثنا يعقوب بن محمد بن عيسى الزهري قال
: حدثني عبد الرحمن بن عقبة بن عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله قال : حدثني أبي ،
عن جابر بن عبد الله : أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه لما ذهب مع النبي صلى الله
عليه وسلم إلى الغار ، فأرادا أن يدخلا الغار ، فدخل أبو بكر ثم قال
: كما أنت يا رسول الله ، فضرب برجله فأطار اليمام يعني
الحمام الطواري ، وطاف فلم ير شيئا ، وطاف فلم ير شيئا فقال : ادخل يا رسول الله ،
فدخل فإذا في الغار جحر ، فألقمه أبو بكر عقبه مخافة أن يخرج على رسول الله صلى
الله عليه وسلم منه شيء ، وغزلت العنكبوت على الغار ، وذهب الطالب في كل مكان ، فمروا
على الغار ، وأشفق أبو بكر منهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ( لا
تحزن إن الله معنا (1) ) » وذكر الحديث
__________
(1) سورة : التوبة آية رقم : 40
1252 - وحدثنا أبو أحمد هارون بن يوسف قال : حدثنا ابن
أبي عمر ، حدثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن عروة ، قال : قالت عائشة :
فبينا نحن جلوس في بيتنا في نحر (1) الظهيرة قال قائل لأبي بكر : هذا رسول الله
صلى الله عليه وسلم مقبلا متقنعا (2) في ساعة لم يكن يأتينا فيها . قال أبو بكر رضي
الله عنه : فداء له أبي وأمي إن جاء به في هذه الساعة لأمر ، قالت عائشة : فجاء
رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذن ، فأذن له ، فدخل ، فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم حين دخل لأبي بكر : « أخرج من عندك » فقال أبو بكر : إنما هم أهلك بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : « إنه قد أذن لي في الخروج » فقال أبو بكر رضي الله عنه :
الصحبة بأبي أنت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « نعم » فقال أبو بكر : فخذ
بأبي أنت يا رسول الله ، إحدى راحلتي هاتين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
« بالثمن » قالت : فجهزناهما أحث الجهاز ، وصنعنا لهما سفرة في جراب ، فقطعت أسماء
بنت أبي بكر قطعة من نطاقها فأوكت (3) به الجراب ، فلذلك كانت تسمى ذات النطاقين ،
ثم لحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر بغار في جبل يقال له : ثور فمكثا
فيه ثلاث ليال يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر ، وهو غلام شاب ، لقن (4) ، ثقف
(5) ، فيدخلهم من عندهم السحر فيصبح مع قريش بمكة كبائت ، فلا يسمع أمرا يكادان به
إلا وعاه ، حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام ، ويرعى عليهما عامر بن فهيرة
مولى أبي بكر منيحة من غنم ، فيريحها عليهما حين تذهب ساعة من العشاء ، فيثبتان في
رسلهما ، حتى ينعق (6) بهما عامر بن فهيرة بغلس (7) ، يفعل ذلك كل ليلة من تلك
الليالي واستأجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه رجلا من بني
الدئل ، ثم من بني عبد بن عدي هاديا خريتا (8) ، والخريت : الماهر في الهداية ، قد غمس يده في حلف العاص بن وائل و