ج15.السية الحلبية
ج15.
كتاب:السيرة الحلبية في سيرة الأمين المأمون علي بن برهان الدين الحلبي
وجاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل
المسجد وأناخ راحلته بفنائه فقال بعض الصحابة لنعيمان لو نحرتها فأكلناها فإنا قد
قرمنا إلى اللحم ويغرم رسول الله صلى الله عليه وسلم حقها فنحرها نعيمان فخرج
الأعرابي فرأى راحلته فصاح واعقراه يا محمد فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فقال من
فعل هذا قالوا نعيمان فأتبعه صلى الله عليه وسلم يسأل عنه فوجده في دار ضباعة بنت
الزبير بن عبد المطلب قد اختفى في خندق وجعل عليه الجريد فأشار إليه رجل ورفع صوته
ما رأيته يا رسول الله وأشار بأصبعه حيث هو فأخرجه رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقد تعفر وجهه بالتراب فقال له ما حملك على ما صنعت قال الذين دلوك علي يا رسول
الله هم اللذين أمروني فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح عن وجهه التراب
ويضحك ثم غرم صلى الله عليه وسلم ثمنها
وكان رضي الله عنه إذا دخل المدينة طرفة اشتراها في ذمته
ثم جاء بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويقول يا رسول اله هذه هدية فإذا جاء
صاحبها يطلب ثمنها جاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له أعط هذا ثمن
ما جئت به اليك فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم او لم تهد ذلك لي فيقول
يارسول الله لم يكن عندي ثمنه وأحببت أن يكون لك فيضحك رسول الله صلى الله عليه
وسلم ويأمر لصاحبه بثمنه
وكان صلى الله عليه وسلم دائم البشر ضحوك السن أي أكثر
أحواله ذلك حسبما رآه هذا المخبر فلا ينافي أنه صلى الله عليه وسلم كان متواصل
الأحزان دائم الفكرة ليست له راحة فإنه بحسب ما كان عند ذلك المخبر
وفي كلام ابن القيم رحمه الله قد صانه الله عن الحزن في
الدنيا وأسبابها ونهاه عن الحزن على الكفار وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فمن
أين يأتيه الحزن بل كان دائم البشر ضحوك السن كذا قال
وفي كلام الإمام أبي العباس بن تيمية رحمه الله ليس
المراد الحزن الذي هو الألم على فوات مطلوب أو حصول مكروه فإن ذلك منهى عنه وإنما
المراد به الاهتمام واليقظة لما يستقبله من الامور وهذا مشترك بين القلب والعين
وسئلت عائشة رضي الله عنها عن خلقه صلى الله عليه وسلم
فقالت خلقه القرآن أي ما ذكره القرآن { وإنك لعلى خلق عظيم } وإنه تأدب بآدابه
وتخلق بمحاسنه
وقد قال صلى الله عليه وسلم بعث لأتمم مكارم الأخلاق
ومحاسن الأفعال
قال وذكر في عوراف المعارف أن في قول عائشة رضي الله
عنها خلقه القرآن سرا غامضا حيث عدلت إلى ذلك عن قولها كان متخلقا بأخلاق الله
سترا للحال بلطف المقال استحياء من سبحات ذي الجلال ا هـأي فكان صلى الله عليه
وسلم متصفا بما فيه من الاجتهاد في طاعة الله والخضوع له والانقياد لأمره والشدة
على أعدائه والتواضع لأوليائه ومواساة عباده وإرادة الخير لهم والحرص على كمالهم
والاحتمال لآذاهم والقيام بمصالحهم وارشادهم إلى ما يجمع لهم خيري الدنيا والآخرة
مع التعفف عن أموالهم إلى غير ذلك من الأخلاق الفاضلة والصفات الكاملة التي اتصف
بها صلى الله عليه وسلم وشرف وكرم
وكان صلى الله عليه وسلم أشد الناس خشية وخوفا من الله
أي ومن ثم كان صلى الله عليه وسلم يقول أنا أتقاكم لله وأخوفكم منه
وعن عائشة رضي الله عنها قالت أتاني رسول الله صلى الله
عليه وسلم ليلة فدخل معي في لحافي ثم قال ذريني أتعبد لربي فقام صلى الله عليه
وسلم فتوضأ ثم قام فصلى فبكى حتى سال دمعه على صدره ثم ركع فبكى ثم سجد فبكى ثم
رفع رأسه فبكى فلم يزل كذلك حتى جاءه بلال رضي الله عنه فآذنه بالصلاة فقلت يا
رسول الله ما يبكيك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر قال أفلا أكون عبدا
شكورا ولم لا أفعل وقد أنزل الله تعالى علي في هذه الليلة { إن في خلق السماوات
والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب } إلى قوله { سبحانك فقنا عذاب
النار }
وكان صلى الله عليه وسلم يقول أواه من عذاب الله قبل أن
لا ينفع أواه أي ومن أبي موسى الاشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم
أنه قال أول من صنعت له النورة ودخل الحمام سليمان بن داود عليهما الصلاة والسلام
فلما دخله وجد حره وغمه قال أواه من عذاب الله أواه أواه قبل أن لا يكون أواه
أي وفي سفر السعادة لم يدخل صلى الله عليه وسلم الحمام
أبدا والحمام الموجودة الآن بمكة شرفها الله تعالى المشهورة بحمام النبي صلى الله
عليه وسلم لعلها بنيت في موضع اغتسل فيه صلى الله عليه وسلم مرة هذا كلامه
وأرسل صلى الله عليه وسلم وصيفة فأبطأت عليه فقال لها
لولا خوف القصاص
لأوجعتك بهذا السواك وما ضرب صلى الله عليه وسلم بيده
الشريفة امرأة ولا خادمة من أهله
قال وعن خادمة أنس رضي الله عنه ما أمرني رسول الله صلى
الله عليه وسلم بأمر فتوانيت عنه أو ما صنعته فلامني ولا لامني أحد من أهله صلى
الله عليه وسلم إلا قال دعوه وفي لفظ خدمته في السفر والحضر عشر سنين والله ما قال
لي في شيء صنعته لم صنعت هذا هكذا ولا لشيء لم أصنعه لم لم تصنع هذا هكذا وهذا يدل
على أنه رضي الله عنه خدمه صلى الله عليه وسلم عند قدومه المدينة وتقدم أن في بعض
الروايات ما يدل على أن ابتداء خدمة أنس له صلى الله عليه وسلم في فتح خيبر وتقدم
ما فيه
ووصف صلى الله عليه وسلم في الكتب القديمة بأنه حلمه صلى
الله عليه وسلم يسبق غضبه ولا تزيد شدة الجهل عليه إلا حلما
وقد تقدمت قصته صلى الله عليه وسلم مع اليهودي الذي طلب
منه وفاء ما اقترض منه صلى الله عليه وسلم قبل حلول الأجل ونظيرها
وعن عائشة رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن
فاحشا استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم رجل فلما رآه صلى الله عليه وسلم قال
بئس أخو العشيرة وبئس ابن العشيرة فلما جلس تطلق النبي صلى الله عليه وسلم في وجهه
وانبسط اليه فلما انطلق الرجل قالت له عائشة رضي الله عنها يا رسول الله حين رأيت
الرجل قلت له كذا وكذا ثم تطلقت في وجهه وانبسطت اليه فقال صلى الله عليه وسلم يا
عائشة متى عهدتني فحاشا إن شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة من تركه الناس
اثقله شره
قال ابن بطال رحمه الله إن هذا الرجل هو عيينة بن حصن
كأنه كان يقال له الاحمق المطاع وهو صلى الله عليه وسلم إنما تطلق في وجهه تألفا
له ليسلم قومه لأنه كان المطاع فيهم وأما ذمه صلى الله عليه وسلم له فلانه يعلم ما
يقع منه بعد فإنه ارتد في زمن الصديق رضي الله عنه وحارب ثم رجع وأسلم
أي وقد قيل إن سبب نزول قوله تعالى { ولا تطع من أغفلنا
قلبه عن ذكرنا } الآية أن عيينة هذا قال للنبي صلى الله عليه وسلم وقد قال له أسلم
قال على أن تبني لي مقصورة في مسجدك هذا أكون أنا وقومي فيها وتكون أنت معي
ومن تأمل سيرته صلى الله عليه وسلم مع أهله وأصحابه
وغيرهم من الفقراء والأيتام والأرامل والضعفاء والمساكين علم أنه صلى الله عليه
وسلم بلغ الغاية في التواضع ورقة القلب ولين الجانب
وعن أنس رضي الله عنه أرسلني رسول الله صلى الله عليه
وسلم في حاجة يوما فقلت والله لا أذهب وفي نفسي أني أذهب فخرجت على صبيان يلعبون
في السوق وإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قبض ثيابي من ورائي فنظرت إليه صلى
الله عليه وسلم وهو يضحك فقال يا أنيس اذهب حيث امرتك فقلت نعم أنا أذهب يا رسول
الله ا هـ
وكان صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا وأرجح الناس
حلما وأعظم الناس عفوا وأسخى الناس كفا
وكان صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة
وقال صلى الله عليه وسلم يوما لأصحابه وقد اضطروه إلى شجرة فخطفت رداؤه الشريف
فوقف ثم قال أعطوني ردائي لو كان لي عدد هذه العضاه نعما لقسمته بينكم
وفي رواية لو أن لي مثل جبال تهامة ذهبا لقسمته بينكم ثم
لا تجدوني كذوبا ولا بخيلا ولا جبانا كما تقدم
وكان صلى الله عليه وسلم أشجع الناس قلبا واشد الناس
حياء وكان أشد حياء من البنت البكر في خدرها أي بيتها وسترها وكان إذا فرح غض طرفه
وإذا أخذه العطاس وضع يده أو ثوبه على فيه وخفص صوته وربما غطى وجهه بيده او ثوبه
وكان يحب الفأل الحسن ويغير الأسم القبيح بالحسن كما
تقدم وربما غير الحسن القبيح كما تقدم وكان يقول لأصحابه إذا ارسلتم لي رسولا
فليكن حسن الاسم حسن الوجه
من ذلك أن شخصا كان سادنا أي خادما لصنم وكان يسمى غاوي
بن ظالم فبينما هو عند صنمه إذ أقبل ثعلبان إلى الصنم ورفع كل واحدة منهما رجله
وبال على رأس ذلك الصنم فلما رآى ذلك كسر ذلك الصنم وأنشد ** أرب يبول الثعلبان
برأسه ** لقد ذل من بالت عليه الثعالب
**
وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له كيف اسمك
فقال غاوي بن ظالم فقال صلى الله عليه وسلم له بل أنت راشد بن عبد ربه
ومن هذا السياق يعلم أن الثعلبان بفتح الثاء المثلثة
مثنى ثعلب لا بضمها ذكر الثعالب كما قيل
ومن تغيير الاسم القبيح بالحسن ما وقع له صلى الله عليه
وسلم في غزوة ذي قرد انه مر على ماء فسأل عنه فقيل له هذا اسمه بئسان وهو مالح
فقال لا بل اسمه نعمان وهو طيب فانقلب عذبا واشتراه طلحة بن عبيد الله رضي الله
عنه ثم تصدق به فلما جاء إليه صلى الله عليه وسلم وأخبره بذلك قال له رسول الله
صلى الله عليه وسلم ما أنت يا طلحة إلا فياض فسمى طلحة الفياض
وكان صلى الله عليه وسلم يشاور أصحابه في الأمر قالت
عائشة رضي الله عنها ما رأيت رحلا أكثر مشاورة للرجال من رسول الله صلى الله عليه
وسلم
وكان صلى الله عليه وسلم إذا حلف قال لا ومقلب القلوب
وربما قال في يمينه واستغفر الله وإذا اجتهد في اليمين قال لا والذي نفس أبي
القاسم بيده وربما قال والذي نفس محمد بيده وربما قال في يمينه لا واستغفر الله
والذي نفسي بيده
وكان صلى الله عليه وسلم أكثر الناس إغضاء عن العورات
وكان إذا كره شيئا عرف في وجهه ولم يشافه أحدا بمكروه حتى إذا بلغه عن أحد ما
يكرهه لم يقل ما بال فلان يقول أو يفعل كذا بل يقول ما بال أقوام يقولون أو يفعلون
كذا
لا يجزى بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح اوسع الناس صدرا
واصدق الناس لهجة والينهم عريكة وأكرمهم عشيرة ما دعاه أحد من أصحابه أو أهل بيته
إلا قال لبيك يخالط أصحابه ويحادثهم ويداعب أي يمازح صبيانهم ويجلسهم في حجره
الشريف
أي فقد كان صلى الله عليه وسلم يصف أولاد عمه العباس عبد
الله وعبيد الله وغيرهما رضي الله عنهم ويقول من سبق إلي فله كذا فيستبقون إليه
فيقعدون على صدره الشريف فيقبلهم ويلتزمهم ويجيب دعوة الحر والعبد والأمة والمسكين
ويعود المرضى في أقصى المدينة ويشهد الجنائز ويقبل عذر المعتذر ما وضع أحد فمه في
أذنه الا استمر صاغيا له حتى يفرغ من حديثه ويذهب وما أخذ أحد بيده فيرسل يده صلى
الله عليه وسلم منه حتى يكون الآخذ هو الذي يرسلها
وكان صلى الله عليه وسلم يبدأ من لقيه بالسلام ويبدأ
أصحابه بالمصافحة لم ير قط مادا رجليه بين أصحابه يكرم من يدخل عليه وربما بسط له
رداءه وآثره بالوسادة التي تحته ويعزم عليه بالجلوس عليها إن أبى ويدعو أصحابه
بأحب أسمائهم ويكنيهم ولا يجلس إليه أحد وهو يصلي إلا خفف صلاته وسأله عن حاجته
فإذا فرغ عاد إلى صلاته وطعن في الحديث الذي ورد بذلك وإذا سمع بكاء الصغير وهو
يصلي تجوز فيها أي خففها
أكثر الناس شفقة على خلق الله تعالى وأرأفهم بهم وأرحمهم
بهم قال تعالى { وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين } ومن ثم رغب صلى الله عليه وسلم
إلى الله تعالى أن يجعل سبه ولعنه لأحد من المسلمين رحمة له أي إذا كان لا يستحق
ذلك السب في باطن الأمر ويستحقه في ظاهر الأمر أي وقال صلى الله عليه وسلم من لا
يرحم لا يرحم أوصل الناس للرحم وأقومهم بالوفاء وحسن العهد
وكان صلى الله عليه وسلم يقول إنما أنا عبد آكل كما يأكل
العبد وأجلس كما يجلس العبد
وكان يركب الحمار أي وربما ركبه عريانا ويردف خلفه فعن
أنس رضي الله عنه رأيته صلى الله عليه وسلم يوما على حمار خطامه ليف أي وقد جاء أن
ركوب الحمار براءة من الكبر وكان يجلس على الأرض وكان يشرب قائما وقاعدا وينتعل
قائما وقاعدا ويصلي منتعلا وحافيا
وفي لفظ كان أكثر صلاته صلى الله عليه وسلم في نعليه
وكان يحب التيامن في شأنه كله في طهوره وترجله وتنعله وكان يحب السواك حتى لقد
أحفى لثته وكان يكتحل بالإثمد عند النوم ثلاثا في كل عين وفي لفظ ثلاثا في اليمنى
ومرتين في اليسرى وقال صلى الله عليه وسلم عليكم بالإثمد فإن يحلو البصر وينبت
الشعر وإنه من خير أكحالكم وكان يعود المساكين ويجلس بين اصحابه
وحج صلى الله عليه وسلم على رحل رث عليه قطيفة ما تساوي
أربعة دارهم وقال اللهم اجعله حجا مبرورا لا رياء فيه ولا سمعة كما تقدم واهدى في
حجة ذلك مائة بدنة كما تقدم
وكان يفلي ثوبه أي وإن كان من خصائصه صلى الله عليه وسلم
أن القمل لا يؤذيه
ويحلب شاته ويخصف نعله ويرقع ثوبه ويخدم نفسه ويعلف
ناضحه وهو الجمل الذي يسقى عليه الماء ويقم البيت
قال وعن عائشة رضي الله عنها كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم يعمل عمل البيت وأكثر ما يعمل الخياطة ما يرى فارغا قط في بيته إما يخصف
نعلا لرجل مسكين أو يخيط ثوبا لأرملة انتهى ويأكل مع الخادم ويحمل بضاعته من السوق
ويحب الطيب ويأمر به
وكان يتطيب بالمسك والغالية ويتبخر بالعود والعنر
والكافور ويأمر أصابه بالمشي أمامه ويقول خلوا ظهري للملائكة زاهدا في الدنيا ما
ترك درهما وا دينارا
توفي ودرعه مرهونة وتقدم أنها ذات الفضول عند يهودي
وتقدم أنه ابو الشحم على نفقة عياله وتقدم أن ذلك كان ثلاثين صاعا من الشعير وكان
الأجل سنة
وكان صلى الله عليه وسلم يقول اللهم اجعل رزق آل محمد
قوتا ما شبع ثلاثا أيام تباعا من خبر البر حتى فارق الدنيا وعن النعمان بن بشير
رضي الله عنه قال لقد رأيت نبيكم صلى الله عليه وسلم وما يجد من الدقل ما يملأ
بطنه
وفي رواية ما شبع يومين من خبر الشعير أي ومعلوم أن ذلك
إنما هو لتتأسى به امته في الإعراض عن الدنيا قالت عائشة رضي الله عنها قال لي
رسول الله صلى الله عليه وسلم إني عرض علي أن يجعل لي بطحاء مكة ذهبا فقلت لا يارب
اجوع يوما وأشبع يوما فأما اليوم الذي أجوع فيه فأضرع اليك وأدعوك وأما اليوم الذي
اشبع فيه فأحمدك وأثني عليك
قال صلى الله عليه وسلم مالي وللدنيا إنما أنا في الدنيا
كرجل سار في يوم صائف فاستظل تحت شجرة حتى مال الفيء فتركها ولم يرجع اليها
وقال صلى الله عليه وسلم ما أبالي بما رددت به عني الجوع
ولم ينخل له صلى الله عليه وسلم دقيق الشعير قال وعن عائشة رضي الله عنها انها
قالت والذي بعث محمدا بالحق ما رأى منخلا ولا أكل خبزا منخولا منذ بعثه الله تعالى
إلى أن قبض فقيل لها كيف كنتم تصنعون بالشعير قالت كنا نقول أف أف انتهى أي فيطير
ما طار وما بقي عجناه ولا خبز له صلى الله عليه وسلم مرقق ولا أكل النقي من الخبر
وعن أنس رضي الله عنه قال جاءت فاطمة رضي الله عنها
بكسرة خبز إلى النبي
صلى الله عليه وسلم فقال ما هذه الكسرة يا فاطمة قالت
قرص خبزته فلم تطب نفسي حتى أتيتك بهذه الكسرة فقال صلى الله عليه وسلم أما إنه
أول طعام دخل فم أبيك منذ ثلاثة أيام أي فانه صلى الله عليه وسلم كان يبيت الليالي
المتابعة طاويا ولا أكل على خوان قط إنما كان يأكل على السفرة وربما وضع صلى الله
عليه وسلم طعامه على الأرض
أي وخطب صلى الله عليه وسلم يوما فقال والله ما أمسى في
بيت محمد صاع من طعام وإنها لتسعة أبيات قال الحسن والله ما قالها استقلالا لرزق
الله ولكن أراد صلى الله عليه وسلم أن تتأسى به أمته
وعن أبي هريرة رضي الله عنه كان يمر هلال ثم هلال لا
يوقد في بيت من بيوت رسول الله نار لا لخبز ولا لطبخ فقيل له بأي شيء كانوا يعيشون
يا أبا هريرة فقال بالأسودين الماء والتمر
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال والله لقد كان يأتي على
آل محمد صلى الله عليه وسلم الليالي ما يجدون فيها عشاء
وعن عائشة رضي الله تعالى عنها أهدى لنا ابو بكر شاة
قالت إني لأقطعها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ظلمة البيت فقال لها قائل
أما كان لكم سراج فقالت لو كان لنا ما نسرج به أكلناه
وكان صلى الله عليه وسلم لا يجمع في بطنه بين طعامين إن
أكل لحما لم يزد عليه وإن أكل تمرا لم يزد عليه وإن أكل خبزا لم يزد عليه ولم يكن
له صلى الله عليه وسلم إلا ثوب واحد من قطن قصير الكمين كمه إلى الرسغ وطوقه مطلق
من غير ازرار أي وفي لفظ كان قميص رسول الله قطنا قصير الطول قصير الكمين كمه إلى
الرسغ
وكان له صلى الله عليه وسلم جبة ضيقة الكمين وكان له
رداء طوله أربعة أذرع وعرضه ذراعان وشبر من نسج عمان
وكان له صلى الله عليه وسلم بردة يمانية طولها ستة أذرع
في عرض ثلاثة أذرع وشبر كان يلبسهما في يوم الجمعة والعيدين ثم يطويان
وكان له صلى الله عليه وسلم رداء أخضر طوله أربعة أذرع
وعرضه ذراعان وشبر تداولته الخلفاء
وكان له صلى الله عليه وسلم عمامة تسمى السحاب كساها علي
بن أبي طالب كرم الله وجهه فكان ربما طلع عليه كرم الله وجهه فيقول صلى الله عليه
وسلم أتاكم علي في السحاب يعني عمامته التي وهبى له صلى الله عليه وسلم
وكان إذا اعتم يرخي عمامته بين كتفيه وكان يلبس القلنسوة
اللاطئة أي اللاصقة بالرأس وذات الآذان كان يلبسها في الحروب والقلانس الطوال إنما
حدثت في أيام الخليفة المنصور
وكان صلى الله عليه وسلم يقول فرق بيننا وبين المشركين
العمائم على القلانس أي فإنه صلى الله عليه وسلم كان يلبس القلانس تحت العمائم
ويلبس القلانس بغير عمائم ويلبس العمائم بغير قلانس
وكان له صلى الله عليه وسلم عمامة سوداء دخل يوم فتح مكة
لابسها وعن جابر ابن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال كان للنبي صلى الله عليه
وسلم عمامة سوداء يلبسها في العيدين ويرخيها خلفه
وجاء أن جبريل عليه السلام كانت عمامته يوم غرق فرعون
سوداء ومقدار عمامته الشريفة صلى الله عليه وسلم لم يثبت في حديث قال بعض الحفاظ
والظاهر أنها كانت نحو العشرة أذرع أو فوقها بيسير وكانت له صلى الله عليه وسلم
خرقة إذا توضأ تمسح بها هذا
وفي سفر السعادة لم يكن صلى الله عليه وسلم ينشف أعضاءه
بعد الوضوء بمنديل ولا منشفة وإن أحضروا له شيئا من ذلك أبعده والحديث المروي عن
عائشة رضي الله عنها كانت له صلى الله عليه وسلم نشافة يتنشف بها بعد الوضوء وحديث
معاذ رضي الله عنه في معناه كلاهما ضعيف وقال تنشيف الأعضاء من الوضوء لم يصح فيه
الحديث
وكانت له صلى الله عليه وسلم ملحفة مورسة إذا اراد أن
يدور على نسائه رشها بالماء أي لتظهر رائحتها وكان يصبغ قميصه ورداءه وعمامته
بالزعفران أي وفي لفظ كان يصبغ ثيابه كلها بالزعفران حتى العمامة
وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال خرج علينا رسول
الله صلى الله عليه وسلم وعليه قميص أصفر ورداء أصفر وعمامة صفراء
وعن ابن أبي أوفى رضي الله تعالى عنه كان أحب الصبغ إلى
رسول الله صلى الله عليه
وسلم وسلم الصفرة وقال الحافظ الدمياطي رحمه الله ويعارض
هذه الاحاديث ما روى في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المزعفر
وفي لفظ نهى عن أن يتزعفر الرجل
اي وقد يقال على تقدير صحة تلك الأحاديث فهي منسوخة أو
كان ذلك من خصوصياته صلى الله عليه وسلم وقد صح أنه صلى الله عليه وسلم اشترى
السراويل واختلف هل لبسها فقيل نعم ففي الأوسط للطبراني ومسند أبي يعلى عن أبي
هريرة رضي الله تعالى عنه قال دخلت يوما السوق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
فجلس إلى بزازين فاشترى سراويل باربعة دراهم وكان لأهل السوق وزان فقال له رسول
الله صلى الله عليه وسلم أوزن وأرجح وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم السراويل
فذهبت لأحمله عنه فقال صاحب الشيء أحق بشيئه أن يحمله إلا أن يكون ضعيفا يعجز عنه
فيعينه أخوه المسلم قلت يا رسول الله إنك لتلبس السراويل قال أجل في السفر والحضر
وبالليل والنهار فإني أمرت بالستر فلم أجد شيئا أستر منه ومخرجه هو وشيخه ضعيفان
وكان صلى الله عليه وسلم يقول اللهم توفني فقيرا ولا
توفني غنيا واحشرني في زمرة المساكين وفي لفظ آخر اللهم أحيني مسكينا وأمتني
مسكينا واحشرني في زمرة المساكين فإن اشقى الأشقياء من اجتمع عليه فقر الدنيا
وعذاب الآخرة اتتني الدنيا خضرة حلوة ورفعت إلي رأسها وتزينت لي فقلت إني لا أريدك
لا حاجة لي فيك ولو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شربة
ماء انتهى
وعن ابن عباس رضي الله عنهما كان النبي صلى الله عليه
وسلم يبيت هو وأهله الليالي المتتابعة طاويا لا يجدون عشاء
قال وكان صلى الله عليه وسلم يقول لو تعلمون ما أعلم
لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا الفاقة أحب إلي من اليسار وعن عائشة رضي الله عنها
قالت كنت أرثي له صلى الله عليه وسلم من الجوع وأقول نفسي لك الفداء لو تبلغت من
الدنيا بقدر ما يقويك ويمنع عنك الجوع فيقول يا عائشة إن إخواني من أولى العزم من
الرسل قد صبروا على ما هو أشد من هذا فمضوا على حالهم فقدموا على ربهم فأكرمهم
وأجزل ثوابهم اخشى أن ترفعت في معيشتي أن يقصر بي دونهم فأصبر أياما يسيرة أحب إلي
من أن ينقص حظي غدا في الآخرة وما من شيء أحب إلي من اللحوق بإخواني
قال وقال صلى الله عليه وسلم يا عائشة إن الدنيا لا
تنبغي لمحمد ولا لآل محمد يا عائشة إن الله لم يرض من أولى العزم من الرسل إلا
بالصبر وقال { فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل } والله لأصبرن جهدي ولا قوة
إلا بالله انتهى
وكان صلى الله عليه وسلم يقول لا تطروني كما أطرت
النصارى عيسى ابن مريم فإنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله وكان صلى الله عليه
وسلم على غاية من الإعراض عن الدنيا وكان يصلي على الحصير وعلى الفروة المدبوغة
وربما نام على الحصير فأثرت في جسده الشريف
وكان ينام على شيء من أدم محشو ليفا فقيل له في ذلك فقال
مالي وللدنيا
وعن عائشة رضي الله عنها دخلت امرأة من الأنصار فرأت ذلك
الأدم وفي لفظ رأت فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم عباءة مثنية فانطلقت فبعثت
إليه بفراش حشوه صوف فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما هذا فقلت يا
رسول الله فلانه الأنصارية دخلت علي فرأت فراشك فذهبت فبعثت هذا فقال رديه فلم
أرده وأعجبني أن يكون في بيتي حتى قال ذلك ثلاث مرات فقال والله يا عائشة لو شئت
لأجرى الله معي جبال الذهب الفضة
وعنها رضي الله عنها كانت تفرش تلك العباءة مثنية طاقين
ففي بعض الليالي ربعتها فنام صلى الله عليه وسلم عليها ثم قال يا عائشة مالفراشي
الليلة ليس كما يكون قلت يا رسول الله ربعتها قال فأعيديه كما كان
وكان صلى الله عليه وسلم إذا استجد ثوبا قال اللهم لك
الحمد أنت كسوتنيه أسألك من خيره ما صنع له وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له وكان
يقول لأصحابه كلهم رضي الله عنهم إذا لبس أحدكم ثوبا فليقل الحمد لله الذي كساني
ما أوارى به عورتي واتجمل به في حياتي وكان ارجح الناس عقلا والعقل مائة جزء تسعة
وتسعون في النبي صلى الله عليه وسلم وجزء في سائر الناس
وعن وهب بن منبه قرأت في أحد وسبعين كتابا أنه صلى الله
عليه وسلم أرجح الناس وأفضلهم رأيا وفي رواية وجدت في جميعها أن الله تعالى لم يعط
جميع الناس من بدء الدنيا إلى انتهائها من العقل في جنب عقله صلى الله عليه وسلم
إلا كحبة بين رمال الدنيا ومما يتفرع على العقل اقتناء الفضائل واجتناب الرذائل
واصابة الرأي وجودة الفطنة
وحسن السياسة والتدبير وقد بلغ من ذلك صلى الله عليه
وسلم الغاية التي لم يبلغها بشر سواه
ومما يكاد يقضى منه العجب حسن تدبيره صلى الله عليه وسلم
للعرب الذين هم كالوحوش الشاردة كيف ساسهم واحتمل جفاهم وصبر على أذاهم إلى أن
انقادوا اليه صلى الله عليه وسلم واجتمعوا عليه واختاروه على أنفسهم وقاتلوا دونه
أهلهم وآباءهم وأبناءهم وهاجروا في رضاه أوطانهم انتهى والله أعلم & باب يذكر فيه
مدة مرضه وما وقع فيه ووفاته صلى الله عليه وسلم التي هي مصيبة الأولين والآخرين
من المسلمين
ذكر أنه صلى الله عليه وسلم خرج إلى البقيع من جوف الليل
فاستغفر لهم فعن أبي مويهيه مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال له في جوف الليل إني قد أمرت أن استغفر لأهل البقيع فانطلق معي
قال فانطلقت معه فلما وقف بين أظهرهم قال السلام عليكم يا أهل المقابر ليهن لكم ما
اصبحتم فيه مما اصبح الناس فيه لو تعلمون ما نجاكم الله منه أقبلت الفتن كقطع
الليل المظلم يتبع آخرها أولها والأخيرة شر من الأولى قال ثم أقبل علي وقال يا ابا
مويهية هل علمت أني قد أوتيت مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة وخيرت بين
ذلك وبين لقاء ربي فاخترت لقاء ربي والجنة أي وفي رواية أن أبا مويهية قال له
والله يا أبا مويهية لقد اخترت لقاء ربي والجنة ثم رجع صلى الله عليه وسلم إلى
أهله فلما أصبح ابتدئ بوجعه من يومه ذلك ابتدأه الصداع أي وفي رواية ذهب بعد ذلك
إلى قتلى أحد فصلى عليهم فرجع معصوب الرأس فكان ذلك بدء الوجع الذي مات فيه وفي
رواية رجع من جنازة البقيع
قالت عائشة رضي الله عنها لما رجع من البقيع وجدني وأنا
أجد صداعا في رأسي وأنا أقول وارأساه فقال صلى الله عليه وسلم بل أنا وارأساه قال
لو كان ذلك وأنا حي فأستغفر لك وأدعو لك وأكفنك وأدفنك وفي لفظ وما يضرك لو مت
قبلي فقمت عليك وكفنتك
وصليت عليك ودفنتك فقلت واثكلاه والله إنك لتحب الموتى
فلو كن ذلك لظللت يومك معرسا ببعض ازواجك قالت فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال النبي صلى الله عليه وسلم بل أنا وارأساه لقد هممت أن أرسل إلى أبيك وأخيك
فأقص أمري وأعهد عهدي فلا يطمع في الدنيا طامع وفي لفظ ثم قلت يأبى الله ويدفع
المؤمنون أو يدفع الله ويأبى المؤمنون وفي رواية أنها قالت قال لي رسول الله صلى
الله عليه وسلم في مرضه ادعى لي أباك أبا بكر وأخاك حتى أكتب كتابا فإني أخاف أن
يتمنى متمن أو يقول قائل أنا أولى ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر وفي رواية لما
ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما
ائتني بكتف أو لوح حتى أكتب لأبي بكر كتابا لا يختلف عليه فلما ذهب عبد الرحمن
ليقوم قال أبي الله والمؤمنون أن يختلف عليك يا ابا بكر
قال ابن كثير رحمه الله وقد خطب رسول الله صلى الله عليه
وسلم خطبة بين فيها فضل الصديق رضي الله عنه من بين الصحابة رضوان الله عليهم
اجمعين ولعل خطبته صلى الله عليه وسلم هذه كانت عوضا عما أراد صلى الله عليه وسلم
أن يكتبه في الكتاب
وفي رواية أنه اجتمع عنده صلى الله عليه وسلم رجال فقال
صلى الله عليه وسلم هلموا أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده فقال بعضهم أي وهو سيدنا
عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اشتد عليه الوجع وعندكم
القرآن أي وإنما قال ذلك رضي الله عنه تخفيفا على رسول الله صلى الله عليه وسلم
فارتفعت أصواتهم فأمرهم بالخروج من عنده
وجاء ان العباس رضي الله عنه قال لعلي كرم الله وجهه لا
أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصح من مرضه هذا فإني أعرف وجوه بني عبد المطلب
عند الموت أي وفي راوية خرج علي بن أبي طالب كرم الله وجهه من عند رسول الله صلى
الله عليه وسلم وهو في مرضه الذي مات فيه فقال الناس يا أبا الحسن كيف اصبح رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقال أصبح بحمد الله بارئا فأخذ بيده عمه العباس رضي الله
عنهما وقال له والله أنت بعد ثلاث عبد العصى وإني لا أرى رسول الله صلى الله عليه
وسلم من وجعه هذا بعد ثلاث إلا ميتا فإني رأيت في وجهه ما كنت أعرفه في وجوه بني
عبد المطلب عند الموت فاذهب بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنسأله فيمن هذا
الأمر فإن
كان فينا علمنا ذلك وإن كان في غيرنا كلمناه فأوصى بنا
فقال علي كرم الله وجهه والله لا أسألها رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت عائشة
رضي الله عنها وصار صلى الله عليه وسلم يدور على نسائه فاشتد به المرض عند ميمونة
رضي الله عنها وقيل في بيت زينب رضي الله عنها وقيل في بيت ريحانة رضي الله عنها
قالت عائشة رضي الله عنها فدعا صلى الله عليه وسلم نساءه فاستأذنهن أن يمرض في
بيتي فأذن له وفي رواية صار يقول وهو في بيت ميمونة أين أنا غدا أين أنا غدا يريد
يوم عائشة رضي الله عنها وفي البخاري يقول أين أنا اليوم أين أنا غدا استبطاء ليوم
عائشة رضي الله عنها فأذن له أزواجه أن يكون حيث شاء فكان في بيت عائشة
وفي رواية عنها ان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى
النساء في مرضه فاجتمعن فقال إني لا أستطيع أن ادور بينكن فإن رأيتن أن تأذن لي
فأكون في بيت عائشة فعلتن فأذن له قالت فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي
بين رجلين من أهله معتمدا عليهما الفضل بن العباس ورجل آخر وفي رواية بين عباس بن
عبد المطلب وبين رجل آخر وفي رواية بين أسامة ورجل آخر عاصبا رأسه الشريف تخط
قدماه الأرض حتى دخل بيتي قال ابن عباس رضي الله عنهما الرجل الذي لم تسمه علي بن
أبي طالب كرم الله وجهه أي فإنه كان بينها وبين علي ما يقع بين الأحماء وقد صرحت
بذلك ولما أرادت أن تتوجه من البصرة بعد انقضاء وقعة الجمل وخرج الناس ومن جملتهم
علي كرم الله وجهه لتوديعها حيث قالت والله ما كان بيني وبين علي في القديم إلا ما
يكون بين المرأة وأحمائها فقال علي ايها الناس صدقت والله وبرت ما كان بيننا إلى
ذلك وإنها لزوجة نبيكم في الدنيا والآخرة وقد تقدم ذلك
ثم غمر رسول الله صلى الله عليه وسلم واشتد به وجعه فقال
هريقوا علي من سبع قرب من أبار شتى حتى أخرج إلى الناس فاعهد اليهم فأقعدناه صلى
الله عليه وسلم في مخضب إناء من حجر ثم صببنا عليه الماء حتى طفق يقول حسبكم حسبكم
وفي لفظ حتى طفق يشير إلينا بيده أن قد فعلتن أي وصب المياه المذكورة له دخل في
دفع السم أي فإنه صلى الله عليه وسلم صار يقول لعائشة يا عائشة ما أزال أجد ألم
الطعام الذي أسممته بخيبر فهذا أوان انقطاع أبهري من ذلك السم فخرج رسول الله صلى
الله عليه وسلم عاصبا رأسه الشريف على المنبر حتى جلس على المنبر ثم كان اول من
تكلم به ان صلى على اصحاب
أحد أي دعا لهم فأكثر عليهم واستغفر لهم ثم قال إن عبدا
من عباد الله خيره الله بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ذلك العبد ما عند الله
ففهمها أبو بكر رضي الله تعالى عننه وعرف أن نفسه يريد أي فبكى أبو بكر فقال نفديك
بأنفسنا وأبنائنا فقال على رسلك يا أبا بكر أي وفي رواية قال يا أبا بكر لا تبك
أيها الناس أمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر وهذا حديث صحيح جاء عن بضعه عشر
صحابيا ولكثرة طرقه عد من المتواتر
وفي أخرى إن أعظم الناس علي منا في صحبته وذات يده أبو
بكر وفي أخرى فإني لا أعلم امرا أفضل عندي يدا في الصحابة من ابي بكر
وعن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم ما من نبي يموت حتى يخير بين الدنيا والآخرة أي وفي الحديث حياتي خير
لكم ومماتي خير لكم تعرض علي أعمالكم فإن رأيت شرا استغرت لكم أي وهذا بيان للثاني
لاستغناء الأول عن البيان ومعلوم أن خيرا وشرا هنا ليسا افعل تفضيل الذي يوصل بمن
حتى يلزم التناقض بل المراد أن ذلك فضيلة ثم قال صلى الله عليه وسلم انظروا هذه
الأبواب اللاصقة في المسجد أي وفي لفظ هذه الأبواب الشوارع في المسجد فسدوها إلا
باب ابي بكر أي وفي لفظ إلا ما كان من باب ابي بكر فإني وجدت عليه نورا وفي لفظ
سدوا عني كل خوخة في هذا المسجد إلا خوخة أبي بكر فإن المراد بالأبواب الخوخ فإني
لا أعلم أن أحدا كان أفضل في الصحبة عند يدا منه أي وفي لفظ أبو بكر صاحبي ومؤنسي
في الغار سدوا كل خوخة في المسجد غير خوخة أبي بكر وفي لفظ لا تؤذوني في صاحبي
ولولا أن الله سماه صاحبا لاتخذته خليلا ألا فسدوا كل خوخة إلا خوخة ابن أبي قحافة
أي وجاء في الحديث لكل نبي خليل من أمته وإن خليلي ابو بكر وإن الله اتخذ صاحبكم
خليلا وفي رواية وإن خليلي عثمان بن عفان وجاء لكل نبي خليل وخليل سعد ابن معاذ
وفي أسباب النزول للثعالي عن ابي أمامة رضي الله تعالى
عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم
خليلا وإنه لم يكنم نبي إلا وله خليل ألا وإن خليلي ابو بكر وفي رواية الجامع الصغير
إن الله اتخذني خليلا كما اتخذ ابراهيم خليلا وإن خليلي أبو بكر وفي رواية الجامع
الصغير خليلي من هذه الأمة
اويس القرني ولعل هذا كان قبل أن يقول صلى الله عليه
وسلم في مرض موته قبل موته بخمسة أيام إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل فإن
الله قد أتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا ولو كنت متخذا خليلا من أمتي لا تخذت
أبا بكر خليلا لكن خلة الإسلام أفضل وفي رواية ولكن أخوه الإسلام ومودته وفي رواية
لكن أخي وصاحبي
وجمع بأن الأول أي إثبات الخلة لغير الله محمول على نوع
منها ونفيها عن غير الله محمول على كمالها
ثم لا يخفى أن قوله صلى الله عليه وسلم ولو كنت متخذا
خليلا غير ربي لاتخذت أبا بكر خليلا يدل على أن مقام الخلة ارقى من مقام المحبة
وأن المحبة والخلة ليسا سواء خلافا لمن زعم ذلك
أي ولا مانع أن يوجد في المفضول مالا يوجد في الفاضل فلا
حاجة إلى ما تكلفه بعضهم مما يدل على أن مقام المحبة أفضل من مقام الخلة أي الذي
يدل عليه ما جاء ألا قائل قولا غير هجر إبراهيم خليل الله وموسى صفي الله وأنا
حبيب الله وأنا سيد ولد آدم يوم القيامة وعند ذلك أي إغلاق الابواب قال الناس أغلق
أبوابنا وترك باب خليله فقال النبي صلى الله عليه وسلم وأرى على أبوابكم ظلمة لقد
قلتم كذبت وقال أبو بكر صدقت وأمسكتم الأموال وجاد لي بماله وخذلتموني وواساني أي
ولعل قولهم وترك باب خليله لا ينافي ما تقدم من عدم اتخاذه خليلا
وروى أنه صلى الله عليه وسلم لما أمر بسد الأبواب إلا
باب أبي بكر قال عمر يا رسول الله دعني أفتح كوة أنظر إليك حيث تخرج إلى الصلاة
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا وقال العباس بن عبدالمطلب يا رسول الله ما
بالك فتحت ابواب رجال في المسجد يعني ابا بكر وما بالك سددت أبواب رجال في المسجد
فقال يا عباس ما فتحت عن أمري ولا سددت عن أمري وفي لفظ ما أنا سددتها ولكن الله
سدها
وجاء عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم امر بسد الأبواب إلا باب على قال الترمذي حديث غريب وقال ابن
الجوزي هو موضوع
وضعه الرافضة ليقابلوا به الحديث الصحيح في باب أبي بكر
وجمع بعضهم بأن قصة على متقدمة على هذا الوقت وأن الناس كان لكل بيت بابان باب
يفتح للمسجد وباب يفتح خارجه إلا بيت علي كرم الله وجهه فإنه لم يكن له إلا باب من
المسجد وليس له باب من خارج فأمر صلى الله عليه وسلم بسد الأبواب أي التي تفتح
للمسجد أي بتضييقها وصيرورتها خوخا إلا باب علي كرم الله وجهه فإن عليا لم يكن له
إلا باب واحد ليس له طريق غيره كما تقدم فلم يأمر صلى الله عليه وسلم بجعله خوخة
ثم بعد ذلك أمر صلى الله عليه وسلم بسد الخوخ إلا خوخة أبي بكر رضي الله تعالى عنه
وقول بعضهم حتى خوخة علي كرم الله وجهه فيه نظر لما علمت
أن عليا كرم الله وجهه لم يكن له إلا باب واحد فالباب في قصة أبي بكر رضي الله
تعالى عنه ليس المراد به حقيقته بل الخوخة وفي قصة علي كرم الله وجهه المراد به
حقيقته
أقول ومما يدل على تقدم قصة علي كرم الله وجهه ما روي
عنه قال أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر أن سد بابك قال سمعا وطاعة
فسد بابه ثم أرسل إلى عمر ثم أرسل إلى العباس بمثل ذلك ففعلا وأمرت الناس ففعلوا
وامتنع حمزة فقلت يا رسول الله قد فعلوا إلى حمزة فقال صلى الله عليه وسلم قل
لحمزة فليحول بابه فقلت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك ان تحول بابك فحوله
وعند ذلك قالوا يا رسول الله سددت أبوابنا كلها إلا باب علي فقال ما أنا سددت
أبوابكم ولكن الله سدها وفي رواية ما أنا سددت أبوابكم وفتحت باب علي ولكن الله
فتح باب علي وسد ابوابكم
وجاء أنه صلى الله عليه وسلم خطب الناس فحمد الله وأثنى
عليه وقال أما بعد فإني أمرت بسد هذه الأبواب غير باب علي فقال فيكم قائلكم وإني
والله ما سددت شيئا ولا فتحته ولكني أمرت بشيء فاتبعته إنما أنا عبد مأمور ما أمرت
به فعلت { إن أتبع إلا ما يوحى إلي } ومعلوم أن حمزة رضي الله تعالى عنه قتل يوم
أحد فقصة علي كرم الله وجهه متقدمة جدا على قصة أبي بكر رضي الله تعالى عنه
وعلى كون المراد بسد الأبواب تضييقها وجعلها خوخا يشكل
ما جاء أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بسد الأبواب كلها غير باب علي فقال
العباس يا رسول الله قدر ما أدخل أنا وحدي وأخرج قال ما أمرت بشيء من ذلك فسدها
كلها غير باب
علي فعلى تقدير صحة ذلك يحتاج إلى الجواب عنه وعلى هذا
الجميع يلزم أن يكون باب علي كرم الله وجهه استمر مفتوحا في المسجدمع خوخة أبي بكر
رضي الله تعالى عنه لما علم أنه لم يكن لعلي باب آخر من غير المسجد
وحينئذ قد يتوقف في قول بعضهم في سد الخوخ إلا خوخة أبي
بكر إشارة إلى استخلاف أبي بكر لأنه يحتاج إلى المسجد كثيرا دون غيره لكن في تاريخ
ابن كثير رحمه الله وهذا أي سد جميع الأبواب الشارعة إلى المسجد إلا باب علي لا
ينافي ما ثبت في صحيح البخاري من أمره صلى الله عليه وسلم في مرض الموت بسد
الأبواب الشارعة إلى المسجد إلا باب أبي بكر لأن في حال حياته صلى الله عليه وسلم
كانت فاطمة رضي الله تعالى عنها تحتاج إلى المرور من بيتها إلى بيت أبيها صلى الله
عليه وسلم فأبقى صلى الله عليه وسلم باب علي كرم الله وجهه لذلك رفقا بها وأما بعد
وفاته صلى الله عليه وسلم فزالت هذه العلة فاحتيج إلى فتح باب الصديق رضي الله
تعالى عنه لأجل خروجه إلى المسجد ليصلي بالمسلمين لأنه الخليفة بعده عليه الصلاة
والسلام هذا كلامه وهو يفيد أن باب علي كرم الله وجهه سد مع سد الخوخ ولم يبق إلا
خوخة أبي بكر رضي الله تعالى عنه وجعل لبيت علي كرم الله وجهه باب من الخارج
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم لعلي يا علي لا يحل لأحد جنب مكث في المسجد غيري وغيرك
وعن أم سلمة رضي الله تعالى عنها أنها قالت خرج رسول
الله صلى الله عليه وسلم في مرضه حتى انتهى إلى صرحة المسجد فنادى بأعلى صوته إنه
لا يحل المسجد لجنب ولا لحائض إلا لمحمد وأزواجه وعلي وفاطمة بنت محمد ألا هل بينت
لكم أن لا تضلوا قال الحافظ ابن كثير وهذا أي الثاني إسناده غريب وفيه ضعف هذا
كلامه والمراد المكث في المسجد لا المرور به والاستطراق منه فإن ذلك لكل أحد
ثم رأيت الحافظ السيوطي رحمه الله أشار إلى ذلك وذكر أن
مثل علي كرم الله وجهه فيما ذكر ولداه حسن والحسين حيث قال وكذا علي بن أبي طالب
والحسن والحسين اختصوا بجواز المكث في المسجد مع الجنابة والله اعلم ثم قالى صلى
الله عليه وسلم يا معشر المهاجرين استوصوا بالانصار خيرا إنهم كانوا عيبتي التي
أويت إليهم فأحسنوا إلى محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم ثم نزل رسول الله صلى الله عليه
وسلم
وروى أنه صلى الله عليه وسلم قال في خطبته هذه ايها
الناس من أحس من نفسه شيئا فليقم أدع الله له فقام إليه رجل فقال يا رسول الله إني
لمنافق وإني لكذوب وإني لنئوم فقال له عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ويحك ايها
الرجل لقد سترك الله لو سترت على نفسك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا ابن
الخطاب فضوح الدنيا أهون من فضوح الآخرة اللهم ارزقه صدقا وإيمانا وأذهب عنه النوم
إذا شاء
قال ابن كثير في إسناده ومتنه غرابة شديدة وأمر صلى الله
عليه وسلم في مرضه أبا بكر أن يصلي بالناس قال وكانت تلك الصلاة صلاة العشاء وقد
أذن بلال وقال ضعوا لي ماء في المخضب أي وهو شبه الإجانة من نحاس فاغتسل فيه أي
وهذا مع ما سبق يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان له مخضب من حجر ومخضب من نحاس
ثم أراد صلى الله عليه وسلم أن يذهب فأغمي عليه ثم أفاق
فقال أصلي الناس فقلنا لاهم ينتظرونك أي وعند ذلك ضعوا إلى ماء في المخضب فاغتسل
ثم أراد أن يذهب فأغمي عليه ثم أفاق فقال أصلى الناس قلنا لا هم ينتظرونك يا رسول
الله قال ضعوا لي ماء في المخضب فاغتسل ثم أراد أن يذهب فأغمي عليه ثم أفاق فقال
اصلي الناس قلنا لاهم ينتظرونك يا رسول الله والناس ملمومة في المسجد ينتظرون
النبي صلى الله عليه وسلم لصلاة العشاء الآخرة فأرسل إلى ابي بكر رضي الله تعالى
عنه بان يصلي بالناس فأتاه الرسول فقال له إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك
أن تصلي بالناس فقال أبو بكر رضي الله تعالى عنه لعمر يا عمر صل بالناس فقال له
عمر رضي الله تعالى عنه أنت أحق بذلك
وفي رواية أن بلالا رضي الله تعالى عنه دخل عليه صلى
الله عليه وسلم فقال الصلاة يا رسول الله فقال صلى الله عليه وسلم لا استطيع
الصلاة خارجا ومر عمر بن الخطاب فليلصل بالناس فخرج بلال رضي الله تعالى عنه وهو
يبكي فقال له المسلمون ما وراءك يا بلال فقال ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا
يستطيع ان الصلاه خارجا فبكوا بكاء شديدا وقال لعمر ان رسول الله صلى الله عليه
وسلم يامرك ان تصلى بالناس فقال عمر رضى الله عنه ما كنت لاتقدم بين يدى ابى بكر
ابدا فادخل علي نبى الله صلى الله عليه وسلم فاخبره ان ابا بكر على الباب فدخل
عليه صلى الله عليه وسلم بلال رضى الله تعالى عنه فاخبره بذلك فقال نعم ما راى مر
ابا بكر فليصل بالناس فخرج الى ابى بكر فامره ان يصلى فصلى بالناس
وفى روايه فقال مروا ابا بكر فليصل بالناس فقالت عائشه
رضى الله تعالى عنها فقلت ان ابا بكر رجل اسيف اى رقيق القلب اذا قام مقامك لم
يسمع الناس من البكاء فقال صلى الله عليه وسلم مروا ابا بكر فليصل بالناس فعاودته
فقال مروا ابا بكر فليصل بالناس فقلت لحفصه قولى له ان ابا بكر اذا قام مقامك لم
يسمع الناس من البكاء فمر عمر فليصل بالناس ففعلت حفصه فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم لحفصه مه إنكن صواحب يوسف عليه الصلاة والسلام وفي لفظ انكن لأنتن صواحب
يوسف عليه الصلاه والسلام فقالت حفصه رضى الله تعالى عنها لعائشه ما كنت لاصيب منك
خيرا ومروا ابا بكر فليصل بالناس اى مثل صاحبه يوسف عليه الصلاه والسلام وهى زليخا
اظهرت خلاف ما تبطن وظهرت للنساء اللاتى جمعتهن انها تريد اكرامهن بالضيافه وانما
قصدها ان ينظرن لحسن يوسف عليه الصلاه والسلام فيعذرنها فى حبه والنبى صلى الله
عليه وسلم فهم عن عائشه رضى الله تعالى عنها انها تظهر كراهه ذلك مع محبتها له
باطنا هكذا يقتضيه ظاهر اللفظ
والمنقول عن عائشه رضى الله تعالى عنهاانها انما قصدت
بذلك خوف ان يتشاءم الناس ابا بكر فيكرهونه حيث قام مقامه صلى الله عليه وسلم فقد
جاء عنها رضى الله تعالى عنهاانها قالت ما حملني على كثرة مراجعتي له صلى الله
عليه وسلم إلا أنه لم يقع في قلبي أن يحب الناس بعده رجلا قام مقامه أبدا ولا كنت
أرى أنه يقوم أحد مقامه إلا تشاءم الناس منه
وفي رواية إن الأنصار رضي الله تعالى عنهم لما رأوا رسول
الله صلى الله عليه وسلم يزادد وجعا طافوا بالمسجد وأشفقوا من موته صلى الله عليه
وسلم فدخل عليه الفضل رضي الله تعالى عنه فأخبره بذلك ثم دخل عليه علي كرم الله
وجهه فأخبره بذلك ثم دخل عليه العباس رضي الله تعالى عنه فأخبره بذلك فخرج النبي
صلى الله عليه وسلم متوكئا على علي والفضل والعباس أمامه والنبي صلى الله عليه
وسلم معصوب الرأس يخط برجليه حتى جلس على أسفل مرقاة من المنبر وثار الناس إليه
فحمد الله وأثنى عليه وقال أيها الناس بلغنمي أنكم تخافون من موت نبيكم هل خلد نبي
قبلي فيمن بعث إليه فأخلد فيكم ألا وأني لا حق بربي وإنكم لاحقون به فأوصيكم
بالمهاجرين الأولين خيرا وأوصى المهاجرين فيما بينهم بخير فإن الله يقول { والعصر
إن الإنسان لفي خسر } السورة
وأن الامور تجري بإذن الله ولا يحملكم استبطاء امر على
استعجاله فإن الله عز وج لا يعجل لعجلة أحد ومن غالب الله غلبه ومن خادع الله خدعه
{ فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم } وأوصيكم بالانصار
خيرا فإنهم الذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلكم أن تحسنوا اليهم ألم يشاطروكم في
الثمار ألم يوسعوا لكم في الديار ألم يؤثركم على أنفسكم وبهم الخصاصة ألا فمن ولي
أنه يحكم بين رجلين فليقبل من محسنهم وليتجاوز عن مسيئهم ألا ولا تستأثروا عليهم
ألا فإني فرطكم وأنتم لاحقوني بي ألا وإنه موعدكم الحوض ألا فمن أحب أن يرده علي
غدا فليكفف يده ولسانه إلا فيما ينبغي أيها الناس إن الذنوب تغير النعم فإذا بر
الناس برتهم أئمتهم وإذا فجر الناس عقوا أئمتهم وفي الحديث حياتي خير لكم ومماتي
خير لكم
وقد أشار صلى الله عليه وسلم إلى خيرية الموت بأنه فرط
فخير صفة لا أفعل تفضيل حتى يشكل بأنه يقتضى أن حياتي خير لكم من مماتي ومماتي خير
لكم من حياتي كما مر ثم لا زال أبو بكر رضي الله تعالى عنه يصلي بالناس سبع عشرة
صلاة وصلى النبي صلى الله عليه وسلم مؤتما به ركعة ثانية من صلاة الصبح ثم قضى
الركعة الثانية أي أتى بها منفردا
وقال صلى الله عليه وسلم لم يقبض نبي حتى يؤمه رجل من
قومه أي وقد قال ذلك صلى الله عليه وسلم خلف عبدالرحمن بن عوف كما تقدم في تبوك
قال وفي رواية عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم وجد خفة
أي وأبو بكر في الصلاة فخرج بين رجلين أحدهما العباس
لصلاة الظهر فلما رآه أبو بكر رضي الله تعالى عنه ذهب ليتأخر فأومأ إليه أن لا
يتأحر وأمرهما فأجلساه إلى جنب أبي بكر عن يساره وفي رواية عن يمينه وأنه صلى الله
عليه وسلم دفع في ظهر أبي بكر وقال صل بالناس أي ومنعه من التأخر فجعل أبو بكر رضي
الله تعالى عنه يصلي قائما كبقية الصحابة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي
قاعدا انتهى
وهذا صريح في أنه صلى الله عليه وسلم مقتديا بأبي بكر
رضي الله تعالى عنه وحينئذ لا يحسن التفريع على ذلك بما جاء في لفظ فكان أبو بكر
رضي الله تعالى عنه يصلي وهو قائم بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم وفي لفظ يأتم
بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم
والناس يصلون بصلاة أبي بكر وفي لفظ يقتدى أبو بكر بصلاة
رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس يقتدون بصلاة أبي بكر وهذا يدل على أن
الصحابة رضي الله تعالى عنهم صلوا خلف ابي بكر وأبو بكر يصلي خلف النبي صلى الله
عليه وسلم وصار يسمع الصحابة التكبير وقد بوب البخاري على ذلك باب من أسمع الناس
تكبير الإمام وقال بعد ذلك باب الرجل يأتم بالإمام ويأتم الناس بالمأموم فإن منعه
صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله تعالى عنه من التأخر مع صلاته على يسار أبي
بكر أو على يمينه يدل على أن أبا بكر رضي الله تعالى عنه لم يقتد بالنبي صلى الله
عليه وسلم بل استمر إماما إذ لا يجوز عندنا أن يقتد أبو بكر بالنبي صلى الله عليه
وسلم قول فقهائنا إن الصحابة رضي الله تعالى عنهم اقتدوا برسول الله صلى الله عليه
وسلم بعد اقتدائهم بأبي بكر وجعلوه دليلا على جواز الصلاة بإمامين على التعاقب إذ
لا يحسن ذلك إلا أن يكون ابو بكر رضي الله تعالى عنه تأخر ونوى الاقتداء به صلى الله
عليه وسلم إلا أن يقال يجوز أن تكون صلاته صلى الله عليه وسلم خلف أبي بكر تكررت
ففي مرة منعه صلى الله عليه وسلم من التأخر واقتدى به وفي مرة تأخر أبو بكر رضي
الله تعالى عنه عن موقفه واقتدى بالنبي صلى الله عليه وسلم واقتدى الناس بالنبي
بعد اقتدائهم بأبي بكر وصار ابو بكر يسمع الناس التكبير ولا ينافي ذلك قول البخاري
للرجل يأتم بالإمام ويأتم الناس بالمأموم لجواز أن يكون المراد يقتدون ويتبعون
تكبير المأموم ثم رأيت الترمذي رحمه الله تعالى صرح بتعدد صلاته صلى الله عليه
وسلم خلف ابي بكر رضي الله تعالى عنه حيث قال ثبت أنه صلى الله عليه وسلم صلى الله
عليه وسلم خلف أبي بكر مقتديا به في مرضه الذي مات فيه ثلاث مرات ولا ينكر هذا إلا
جاهل لا علم له بالرواية هذا كلامه
وبه يرد قول البيهقي رحمه الله والذي دلت عليه الروايات
أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم خلفه في تلك الأيام التي كان يصلي
بالناس فيها مرة وصلى أبو بكر رضي الله تعالى عنه خلفه صلى الله عليه وسلم مرة
وقال صلى الله عليه وسلم في مرضه ذلك يوما لعبد الله ابن زمعة بن الأسود مر الناس
فليصلوا أي صلاة الصبح وكان ابو بكر رضي الله تعالى عنه غائبا فقدم عبد الله عمر
رضي الله تعالى عنه يصلي بالناس فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوته أخرج
رأسه الشريف حتى اطلعه للناس من حجرته ثم قال
صلى الله عليه وسلم لا لا لا ثلاث مرات ليصل بهم ابن أبي
قحافة فانتفضت الصفوف وانصرف عمر رضي الله تعالى عنه أي من الصلاة فما برح القوم
حتى طلع ابن ابي قحافة فتقدم وصلى بالناس الصبح وفي روية أنه صلى الله عليه وسلم
لما سمع صوت عمر رضي الله تعالى عنه قال أليس هذا صوت عمر فقالوا بلى يا رسول الله
فقال يأبى ذلك والمؤمنون وفي لفظ يأبى الله والمسلمون إلا أبا بكر قال ذلك ثلاثا
قال في السيرة الشامية فبعث صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر فجاء بعد أن صلى الله
عليه وسلم عمر رضي الله تعالى عنه تلك الصلاة فصلى الناس
وقد يقال المراد صلى عمر تلك الصلاة ودخل فيها فلا يخالف
ما تقدم من انتفاض الصفوف وانصراف عمر رضي الله تعالى عنه من الصلاة وقال عمر رضي
الله تعالى عنه لعبد الله بن زمعة ويحك ماذا صنعت يا ابن زمعة والله ما ظننت حين
أمرتني إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرك بهذا فقال عبد الله بن زمعة رضي
الله تعالى عنه ما امرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك ولكن حيث لم أر أبا
بكر ورأيتك أحق من حضر بالصلاة وفي آخر يوم أخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم
رأسه من الستارة والناس خلف ابي بكر فاراد الناس أن ينحرفوا فأشار إليهم صلى الله
عليه وسلم أن امكثوا وتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى من هيئة المسلمين
في صلاتهم سرورا منه صلى الله عليه وسلم بذلك وذلك يوم الاثنين يوم موته صلى الله
عليه وسلم ثم القى الستارة
وفي السيرة الهشامية لما كان يوم الاثنين قبض الله تبارك
وتعالى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج إلى الناس وهم يصلون الصبح فرفع
الستر وفتح الباب فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام على باب عائشة رضي الله
تعالى عنها فكاد المسلمون يقتتلون في صلاتهم برسول الله صلى الله عليه وسلم حين
رأوه فرحا به فاشار إليهم أن اثبتوا على صلاتكم ثم رجع وانصرف الناس وهم يرون أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أفاق من وجعه فرجع أبو بكر رضي الله تعالى عنه
إلى أهله بالسنح وفيها في رواية أنه لما كان يوم الاثنين خرج رسول الله صلى الله
عليه وسلم عاصبا رأسه إلى صلاة الصبح ابو بكر يصلي بالناس فلما خرج رسول الله صلى
الله عليه وسلم فرح الناس فعرف أبو بكر رضي الله تعالى عنه ان الناس لم يصيبوا ذلك
إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم
فنكص عن مصلاة فدفع رسول الله صلى الله عليه وسلم في
ظهره وقال صل بالناس وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنبه على يمين أبي بكر
رضي الله تعالى عنه فصلى قاعدا فلما فرغ صلى الله عليه وسلم من الصلاة أقبل على
الناس رافعا صوته حتى خرج من باب المسجد يقول أيها الناس سعرت النار واقبلت الفتن
كقطع الليل المظلم إني والله ما تمسكون علي بشيء إني لم أحل القرآن ولم أحرم إلا
ما حرم القرآن
ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من كلامه قال له
ابو بكر رضي الله تعالى عنه يا رسول الله قد أراك أصبحت بنعمة من الله وفضل كما
تحب واليوم يوم بنت خارجة أفآتيها قال نعم ثم دخل صلى الله عليه وسلم وخرج أبو بكر
رضي الله تعالى عنه إلى أهله بالسنح فتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اشتد
الضحى من ذلك اليوم فليتأمل الجمع بين هذه الروايات وقد أمر صلى الله عليه وسلم
أبا بكر رضي الله تعالى عنه أن يصلي بالناس قبل مرضه فإنه صلى الله عليه وسلم خرج
إلى قباء بعد أن صلى الظهر وقد وقع بين طائفتين من بني عمرو بن عوف تشاجر حتى
تراموا بالحجارة ليصلح بينهم فقال صلى الله عليه وسلم لبلال رضي الله تعالى عنه إن
حضرت صلاة العصر ولم آتك فمر أبا بكر فليصل بالناس فلما حضرت صلاة العصر أذن بلال
ثم أقام ثم أمر أبا بكر رضي الله تعالى عنه فتقدم وصلى بالناس فجاء رسول الله صلى
الله عليه وسلم يشق الناس حتى قام خلف أبي بكر فصفح الناس أي صفقوا فلما كثر ذلك
التفت ابو بكر رضي الله تعالى عنه فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه فأراد
التأخر فأومأ إليه صلى الله عليه وسلم أن يكون على حاله وتقدم رسول الله صلى الله
عليه وسلم فصلى بالناس فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته قال يا أبا
بكر ما يمنعك إذ أومأت إليك أن لا تكون ثبت فقال أبو بكر يا رسول الله لم يكن لابن
أبي قحافة أن يؤم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال للناس إذا نابكم في صلاتكم
شيء فلتسبح الرجال ولتصفق النساء
وهذا استدل به القاضي عياض رحمه الله على أنه لا يجوز
لأحد أن يؤمه صلى الله عليه وسلم لأنه لا يصلح للتقدم بين يديه صلى الله عليه وسلم
في الصلاة ولا في غيرها لا لعذر ولا لغيره
وقد نهى الله المؤمنين عن ذلك ولا يكون احد شافعا له صلى
الله عليه وسلم وقد
قال صلى الله عليه وسلم أئمتكم شفعاؤكم وحينئذ يحتاج
للجواب عن صلاته صلى الله عليه وسلم خلف عبدالرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه ركعة
وسيأتي الجواب عن ذلك ولعل هذه المرة كانت في اليوم الذي توفي فيه صلى الله عليه
وسلم
فقد جاء أنه صلى الله عليه وسلم صلى بالناس الغداة ورأى
المسلمون أنه صلى الله عليه وسلم قد برىء ففرحوا فرحا شديدا ثم جلس صلى الله عليه
وسلم في مصلاه يحدثهم حتى أضحى ثم قام صلى الله عليه وسلم إلى بيته فلم يتفرق
الناس من مجلسهم حتى سمعوا صياح الناس وهب يقلب الماء ظنا انه غشي عليه وابتدر
المسلمون الباب فسبقهم العباس رضي الله تعالى عنه فدخل وأغلق الباب دونهم فلم يلبث
أن خرج إليهم فنعى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا عباس ما أدركت منه صلى
الله عليه وسلم فقال أدركته وهو يقول جلال ربي الرفيع قد بلغت ثم قضى فكان هذا آخر
شيء تكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم رأيته في الإمتاع نقل هذا القول الذي
قدمته عن البيهقي
وذكر في رواية اخرى لم يزل ابو بكر رضي الله تعالى عنه
يصلي بالناس حتى كانت ليلة الاثنين فأقلع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الوعك
وأصبح مفيقا فعمد إلى صلاة الصبح يتوكأ على الفضل وعلى غلام له يدعى ثوبان ورسول
الله صلى الله عليه وسلم بينهما وقد شهد الناس مع ابي بكر رضي الله تعالى عنه ركعة
من صلاة الصبح وقام ليأتي بالركعة الأخرى فجاء إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم
والناس ينفرجون له حتى قام إلى جنب ابي بكر رضي الله تعالى عنه فاستأخر أبو بكر
رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ رسول الله صلى الله عليه
وسلم بثوبه فقدمه في مصلاه وجلس صلى الله عليه وسلم الركعة الأخيرة ثم انصرف إلى
جذع من جذوع المسجد فجلس إلى ذلك الجذع واجتمع اليه المسلمون يسلمون عليه ويدعون
له بالعافية ثم قام صلى الله عليه وسلم فدخل بيت عائشة ودخل أبو بكر رضي الله
تعالى عنه على عائشة رضي الله تعالى عنها وقال الحمد لله قد أصبح رسول الله صلى
الله عليه وسلم معافى وأرجو أن يكون الله عز وجل قد شفاه ثم ركب رضي الله تعالى
عنه فلحق بأهله بالسنح وانقلبت كل امرأة من نسائه صلى الله عليه وسلم إلى بيتها
فلما دخل صلى الله
عليه وسلم اشتد عليه الوعك فرجع إليه من كان ذهب من
نسائه وأخذ في الموت فصار يغمى غليه ثم يفيق ويشخص بصره إلى السماء فيقول في
الرفيق الأعلى الإله وكان عنده صلى الله عليه وسلم وقد اشتد به الأمر قدح فيه ماء
وفي لفظ بدل قدح علياء وفي لفظ ركوة فيها ماء فلما اشتد عليه صلى الله عليه وسلم
الأمر صار يدخل يده الشريفة في القدح ثم يمسح وجهه الشريف بالماء ويقول اللهم اني
على سكرات الموت أي غمراته
وعن فاطمة رضي الله تعالى عنها صار صلى الله عليه وسلم
لما يغشاه الكرب وتقول واكرب ابتاه يقول لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس على
أبيك كرب بعد اليوم
أقول وجاء أنه صلى الله عليه وسلم قال واكرباه وقال لا
إله إلا الله إن للموت لسكرات اللهم أعني على سكرات الموت وفي رواية اللهم أعني
على كرب الموت والحكمة في ذلك أي فيما شوهد من شدة ما لقى من الكرب عند الموت
تسلية أمته صلى الله عليه وسلم إذا وقع لأحد منهم شيء من ذلك عند الموت ومن ثم
قالت عائشة رضي الله تعالى عنها لا أكره شدة الموت لأحد أبدا بعد رسول الله صلى
الله عليه وسلم وفي رواية لا أزال أغبط المؤمن بشدة الموت بعد شدته على رسول الله
صلى الله عليه وسلم وليحصل لمن شاهده من أهله وغيرهم من المسلمين الثواب لما
يلحقهم من المشقة عليه كما قبل بمثل ذلك في حكمة ما يشاهد من حال الأطفال عند
الموت من الكرب الشديد
ثم رايت الأستاذ الأعظم الشيخ محمد البكري رحمه الله
ونفعنا به سئل عن ذلك فأجاب بأجوبة منها هذا الذي ذكره ومنها أن مزاجه الشريف كان
أعدل الأمزجة فإحساسه صلى الله عليه وسلم بالألم أكثر من غيره
ومن ثم قال صلى الله عليه وسلم إني لأوعك كما يوعك رجلان
منكم ولأن تشبت الحياة الإنسانية ببدنه الشريف أقوى من تشبثها ببدن غيره لأنه أصل
الموجودات كلها أي كما تقدم أي وعن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت ما رأيت
الوجع على أحد أشد منه على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال صلى الله عليه وسلم
في مرضه ليس أحد أشد بلاء من الأنبياء كان النبي من أنبياء الله يسلط عليه القمل
حتى يقتله وكان النبي صلى الله عليه وسلم ليعرى حتى ما يجد ثوبا يواري به عورته
إلا العباءة يدرعها وإن كانوا ليفرحون بالبلاء كما تفرحون بالرخاء
وقال صلى الله عليه وسلم ما يبرح البلاء على العبد حتى
يدعه يمشى على الارض ليس عليه خطيئه وقال ليس من عبد مسلم يصيبه اذى فما سواه الا
حط عنه خطاياه كما تحط الشجرة ورقها وفى لفظ لا يصيب المؤمن نكبه من شوكه فما
قوقها الا رفع الله له بها درجه وحط عنه بها خطيئه وعن عائشه رضى الله تعالى عنها
ان النبى صلى الله عليه وسلم جعل يشتكى ويتقلب على فراشه وكان يعوذ بهذه الكلمات
اذا اشتكى احد من الناس منه اذهب الباس رب الناس واشف انت الشافى لاشفاء الا شفاءك
شفاء لا يغادر سقما فلما ثفل على رسول الله صلى الله عليه وسلم مرضه الذى مات فيه
اخذت بيده اليمنى وجعلت امسحه بها فاعوذه بتلك الكلمات فانزع صلى الله عليه وسلم
يده الشريفة من يدى وقال الهم اغفر لى واجعلنى من الرفيق الاعلى مرتين
وفى روايه لم يشتك صلى الله عليه وسلم شكوى الا سأل الله
العافيه حتى مان مرضه الذى مات فيه فانه لم يكن يدعو بالشفاء وطفق صلى الله عليه
وسلم يقول يا نفس مالك تلوذين كل ملاذ
أى وعن عائشه رضى الله تعالى عنها دحل على عبد الرحمن بن
ابى بكر رضى الله عنهما ومعه سواك يستن به اى من عسيب النحل وكان احب السواك الى
رسول الله صلى الله عليه وسلم ضريع الاراك وهو قضيب يلتوى من الاراكه حتى يبلغ
التراب فيبقى فى ظلها فهو ألين من فروعها فنظر اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم
فعرفت انه يريده لانه كان يحب السواك فقالت له اخذه لك فاشار برأسه ان نعم
فتناولته فقضمته ثم مضغته وفى روايه فتناولته وناولته اياه فاشتد عليه فقالت الينه
لك فأشار براسه ان نعم فلينته فاعطيته رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستن به وهو
مستند الى صدرى وكانت رضى الله تعالى عنها تقول ان من نعم الله على الرسول الله
صلى الله عليه وسلم توفى وهو فى بيتى وبين سحرى ونحرى اى والسحر الرئه وفي رواية
بين حاقنتى وذاقنتى وان الله جمع بين ريقى وريقه عند موته وفى روايه فجمع الله بين
ريقى وريقه فى اخر يوم من الدنيا وأول يوم من الآخرة
وجاء انهم لددوه صلى الله عليه وسلم فى هذا المرض اى
سقوه لدودا من احدجانبى فمه وجعل يشير اليهم وهو صلى الله عليه وسلم مغمى عليه ان
لا يفعلوا به وهم يظنون ان الحامل له على ذلك كراهه المريض للدواء فلما افاق قال
الم انهاكم ان تلدونى
لا يبقى أحد في البيت إلا لد وأنا أنظره إلا العابس فإنه
لم يشهدكم وهذا ردعليم فإنه قد جاء أنهم قالوا له عمك العابس أمر بذلك ولم يكن له
في ذلك رأي إنما قالوا ذلك تعللا وخوفا منه صلى الله عليه وسلم قالوا وتخوفنا أن
يكون ذات الجنب فإن الخاصرة أي وهو عرق في الكلية إذا تحرك وجع صاحبه كانت تأخذ
رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذته ذلك اليوم فأغمي عليه حتى ظنوا أنه قد هلك
فلددوه أي لددته أسماء بنت عميس رضي الله تعالى عنها فلما أفاق وأراد أن يلدد من
في البيت لدد جميع من في البيت حتى ميمونة رضي الله تعالى عنها وكانت صائمة هذا
وفي رواية أنه لما اشتد عليه صلى الله عليه وسلم المرض
دخل عليه عمه العباس رضي الله تعالى عنه وقد أغمي عليه فقال لأزواج النبي صلى الله
عليه وسلم لو لددتنه قلن إنا لا نجترىء على ذلك فأخذ العباس يلدده فأفاق رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقال من لدني فقد أقسمت ليلددن إلا أن يكون العباس فإنكم
لددتموني وأنا صائم قلن فإن العباس هو قد لدك وقالت له أسماء بنت عميس رضي الله
تعالى عنها إنما فعلنا ذلك ظننا أن بك يا رسول الله ذات الجنب فقال لها إن ذلك
لداء ما كان الله ليعذبني به وفي رواية أنا أكرم على الله من أن يعذبني بها وفي
أخرى إنها من الشيطان وما كان الله ليسلطها علي
قال بعضهم وهذا يدل على أنها من سيء الأسقام التي استعاذ
صلى الله عليه وسلم منها بقوله اللهم إني أعوذ بك من الجنون والجذام وسيء الاسقام
وفي السيرة الهشامية لما أغمي عليه صلى الله عليه وسلم
اجتمع عليه نساء من نسائه منهم أم سلمة وميمونة ومن نساء المؤمنين منهم أسماء بنت
عميس وعنده صلى الله عليه وسلم العباس عمه واجتمعوا على أن يلددوه فلددوه فلما
أفاق صلى الله عليه وسلم قال من صنع هذا بي قالوا يا رسول الله عمك فقال عمه
العباس رضي الله تعالى عنه حسبنا يا رسول الله أن يكون بك ذات الجنب فقال إن ذلك
داء ما كان الله ليعذبني به لا يبقى في البيت أحد إلا لد إلا عمي فلدوا حتى ميمونة
وكانت رضي الله تعالى عنها صائمة عقوبة لهم بما صنعوا
وأعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه هذه أربعين
نفسا وكانت عنده صلى الله عليه وسلم سبعة دنانير أو ستة فأمر عائشة رضي الله تعالى
عنها أن تتصدق بها بعد أن
وضعها صلى الله عليه وسلم في كفه وقال ما ظن محمد بربه
أن لو لقي الله وهذه عنده فتصدقت بها
وفي رواية أمرها بإرسالها إلى علي كرم الله وجهه ليتصدق
بها فبعثت بها إليه فتصدق بها بعد أن وضعها في كفه وقد كان العباس رضي الله تعالى
عنه قبل ذلك بيسير رأى أن القمر قد رفع من الارض إلى السماء فقصها على النبي صى
فقال له هو أبن أخيك
وجاءه صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام صحبة ملك
الموت وقال له يا أحمد إن الله قد اشتاق إليك قال فاقبض يا ملك الموت كما امرت
فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي لفظ أتاه جبريل عليه السلام فقال يا محمد
إن الله أرسلني إليك تكريما لك وتشريفا يسألك عما هو أعلم به منك يقول لك كيف تجدك
قال أجدني يا جبريل مغموما وأجدني يا جبريل مكروبا ثم جاء اليوم الثاني والثالث
فقال له ذلك فرد عليه صلى الله عليه وسلم بمثل ذلك وجاء معه في اليوم الثالث ملك
الموت فقال له جبريل عليه السلام هذا ملك الموت يستأذن عليك ما أستأذن على أحد
قبلك ولا يستأذن على دمي بعدك أتأذن له فدخل فسلم عليه ثم قال يا محمد إن الله
أرسلني إليك فإن امرتني أن أقبض روحك قبضت وإن أمرتني أن أترك تركت قال أو تفعل
قال نعم وبذلك أمرت فنظر النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل عليه السلام فقال له يا
محمد إن الله قد اشتاق إلى لقائك أي وفي رواية أتاه جبريل عليه السلام فقال له يا
محمد إن الله يقرئك السلام ورحمة الله ويقول لك إن شئت شفيتك وكفيتك وإن شئت
توفيتك وغفرت لك قال ذلك إلى ربي يصنع بي ما يشاء
وفي رواية الخلد في الدنيا ثم في الجنة أحب إليك أم لقاء
ربك ثم الجنة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاء ربي ثم الجنة
أي وجاء أن جبريل عليه السلام قال هذا آخر وطىء بالارض
وي لفظ آخر عهدي بالأرض بعدك ولن أهبط إلى الأرض لأحد بعدك قال الحافظ السيوطي
رحمه الله هو حديث ضعيف جدا ولو صح لم يكن فيه معارضة أي لما ورد أنه ينزل ليلة
القدر مع الملائكة يصلون على كل قائم وقاعد يذكر الله لأنه يحمل على أنه آخر نزوله
بالوحي
وفيه أنه ذكر أن حديث يوحى الله إلى عيسى عليه السلام أي
بعد قتله الدجال صريح
في أنه يوحى اليه بعد النزول والظاهر أن الجائي إليه
عليه السلام بالوحي جبريل عليه السلام بل هو الذي يقطع به ولا يتردد فيه لان ذلك
وظيفته لأنه السفير بين الله ورسله عليهم الصلاة والسلام فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم لملك الموت امض لما أمرت به فقبض روحه الشريفة وعند اشتداد الأمر به صلى
الله عليه وسلم أرسلت عائشة رضي الله عنها خلف أبي بكر رضي الله تعالى عنه أي لأنه
كما تقدم لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مفيقا وقال له رد الله بك علينا
عقولنا وقد أصبحت بنعمة من الله وفضل فقال له أبو بكر يا رسول الله اليوم يوم بنت
خارجة يعني زوجته وكانت بالسنح قال له ائت أهلك فقام أبو بكر وذهب وأرسلت حفصة خلف
عمر وأرسلت فاطمة خلف علي كرم الله وجهه فلم يجىء أحد منهم حتى توفي رسول الله صلى
الله عليه وسلم وهو في صدر عائشة وذلك يوم الاثنين حين زاغت الشمس لاثنتى عشرة
ليلة خلت من ربيع الاول هكذا ذكر بعضهم
وقال السهيل لا يصح أن يكون وفاته يوم الاثنين إلا في
ثالث عشرة أو رابع عشرة لإجماع المسلمين على أن وقفة عرفة كانت يوم الجمعة وهو
تاسع ذي الحجة وكان المحرم أما بالجمعة وإما بالسبت فإن كان السبت فيكون أول صفر
إما الأحد أو الاثنين فعلى هذا لا يكون الثاني عشر من شهر ربيع الأول بوجه وقال
الكلبي إنه توفي في الثاني من شهر ربيع الأول قال الطبري وهذا القول وإن كان خلاف
الجمهور فلا يبعد إن كانت لثلاثة أشهر التي قبلها كلها تسعة وعشرين يوما وفيما
قاله نظر لمتابعة أنس بن مالك فيما حكاه البيهقي والواقدي
وقال الخورازمي توفي أول شهر ربيع الأول وفي رواية إن
سالم بن عبيد ذهب وراء الصديق إلى السنح فأعلمه بموت رسول الله صلى الله عليه وسلم
ولا يخالف ما قبله لأن يجوز أن يكون ذلك ذهب إلى الصديق بعد الرسول الذي أرسلته
عائشة رضي الله عنها قبل موته صلى الله عليه وسلم وآخر ما تكلم به عليه الصلاة
والسلام الصلاة الصلاة وما ملكت ايمانكم حتى جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم
يترغرغ بها في صدره ولا يفيض بها لسانه وآخر عهد به رسول الله صلى الله عليه وسلم
لا يترك بجزيرة العرب دينان وكانت مدة شكواه صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة ليلة
وقيل اربع عشرة ليلة وقيل اثنتي عشرة ليلة وقيل عشرا وقيل ثمانية
وقالت فاطمة رضي الله عنها لما توفي رسول الله صلى الله
عليه وسلم واأبتاه أجاب داع دعاه يا أبتاه الفردوس مأواه يا أبتاه إلى جبريل ننعاه
قال ابن كثير رحمه الله وهذا لا يعد نياحة بل هو من ذكر
فضائل الحق عليه عليه أفضل الصلاة والسلام قال وإنما قلنا ذلك لأن رسول الله صلى
الله عليه وسلم نهى عن النياحة
وعن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت من سفاهة رأيي
وحداثه سني أني أخذت وسادة فوسدت بها رأسه الشريف من حجري ثم قمت مع النساء ابكي
وأنتدم والانتدام ضرب الخد باليد عند المصيبة
وسمعوا قائلا ولا يرون شخصه يقال إنه الخضر عليه السلام
أي قال علي كرم الله وجهه أترون من هذا هذا الخضر عليه السلام وفي إسناده متروك
يقول السلام عليكم يا أهل البيت ورحمة الله وبركاته { كل نفس ذائقة الموت وإنما
توفون أجوركم يوم القيامة } إن في الله عزاء من كل مصيبة وخلفا عن كل هالك ودركا
من كل فائت فبالله فثقوا واياه فارجو فإن المصاب من حرم الثواب والسلام عليك ورحمة
الله وبركاته
قال ابن كثير رحمه الله هذا الحديث مرسل وفي إسناده ضعف
وسجي صلى الله عليه وسلم بثوب حبرة أي بالإضافة برد من برود اليمن ولم أقف على أن
ثيابه صلى الله عليه وسلم التي كانت عليه قبل الموت نزعت عنه ثم سجي إلا أن كلام
فقهائنا يشعر بذلك حيث جعلوا ذلك دليلا لنزع ثياب الميت وستره بثوب
وعند ذلك دهش الناس وطائت عقولهم واختلفت أحوالهم فأما
عمر رضي الله تعالى عنه فخبل وأما عثمان رضي الله تعالى عنه فأخرس وأماعلي كرم
الله وجهه فأقعد وجاء أبو بكر وعيناه تهملان فقبل النبي صلى الله عليه وسلم فقال
بأبي أنت وأمي طبت حيا وميتا وتكلم كلاما بليغا سكن به نفوس المسلمين وثبت جأشهم
أي فإن عمر رضي الله تعالى عنه صار في ناحية المسجد يقول
والله مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يموت رسول الله صلى الله عليه وسلم
حتى يقطع أيدي ناس من المنافقين كثير وأرجلهم وصار رضي الله تعالى عنه يتوعد من
قال إنه مات بالقتل أو القطع
ونقل عنه رضي الله عنه أنه قال إن رجالا من المنافقين
يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات ولكن ما مات ولكن ذهب إلى ربه كما ذهب
موسى بن عمران عليه
عليه السلام ثم رجع إلى قومه بعد أربعين ليلة بعد أن قيل
قد مات والله ليرجعن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما رجع موسى بن عمران عليه
الصلاة والسلام فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم ولا زال رضي الله عنه يتوعد المنافقين
حتى أزبد شدقاه
فقام أبو بكر رضي الله عنه وصعد المنبر وقال كلاما بليغا
ثم قال أيها الناس من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات { وما محمد إلا رسول قد خلت
من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر
الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين } فقال عمر رضي الله عنه هذه الآية في القرآن وفي
لفظ فكأني لم أسمع بها في كتاب الله تعالى قبل الآن لما نزل ثم قال { إنا لله وإنا
إليه راجعون } صلوات الله وسلامه على رسوله صلى الله عليه وسلم وعند الله نحتسب
رسوله قال يعني أبا بكر رضي الله عنه وقال الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم {
إنك ميت وإنهم ميتون } وقال تعالى { كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون }
وقال تعالى { كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام } وقال تعالى { كل
نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة } فلما بويع أبو بكر رضي الله عنه
بالخلافة كما سيأتي أقبلوا على جهاز رسول الله صلى الله عليه وسلم واختلفوا هل
يغسل في ثيابه أو يجرد منها كما تجرد الموتى فألقى الله عليهم النوم وسمعوا من
ناحية البيت قائلا يقول لا تغسلوه فإنه كان طاهرا فقال أهل البيت صدق فلا تغسلوه
فقال العباس رضي الله عنه لا ندع سنة لصوت لا ندري ما هو فغشيهم النعاس ثانية
فناداهم أن غسلوه وعليه ثيابه أي وزاد في رواية فإن ذلك إبليس وأنا الخضر وفي
رواية لا تنزعوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصه قال الذهبي حديث منكر
فقاموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فغسلوه وعليه قميصه وفي لفظ وعليه قميص
ومحول مفتوح يصبون عليه الماء ويدلكونه والقميص دون أيديهم علي والعباس وكذا ولدا
العباس الفضل وقثم فكان العباس وابناه الفضل وقثم يقلبونه مع علي وفي لفظ غسله علي
والفضل محتضنه والعباس يصب الماء وجعل الفضل رضي الله عنه يقول أرحني قطعت وتيني
وأسامة وشقران مولاه وفي لفظ وصالح مولاه صلى الله عليه وسلم يصبان الماء ولف علي
كرم الله وجهه على يده خرقة وأدخلها تحت القميص يغسل بها جسده الشريف
وعن علي كرم الله وجهه ذهبت ألتمس منه ما يلتمس من الميت
أي ما يخرج من بطن
الميت فلم أر شيئا فكان صلى الله عليه وسلم طيبا حيا
وميتا وما تناولت منه صلى الله عليه وسلم عضوا إلا كأنما يقلبه معي ثلاثون رجلا أي
ويحتاج إلى الجمع بين هذا وما تقدم عن الفضل رضي الله عنه
قيل وتغسيل علي كرم الله وجهه له صلى الله عليه وسلم كان
بوصية منه صلى الله عليه وسلم له فعن علي كرم الله وجهه إن رسول الله صلى الله
عليه وسلم أوصى أن لا يغسله أحد غيري وقال لا يرى أحد عورتي إلا طمست عيناه غيرك
أي علي فرض وقوع ذلك فلا ينافي ما تقدم وادعى الذهبي أن هذا الحديث منكر وفي رواية
فكان الفضل وأسامة رضي الله عنهما يناولان الماء من وراء الستر وأعينهما معصوبة
وفي لفظ كان العباس وأسامة يناولان الماء من وراء الستر لأن العباس رضي الله عنه
نصب على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلة أي خيمة رفيعة من ثياب يمانية في جوف
البيت وأدخل عليها فيها زاد بعضهم والفضل وأبا سفيان بن الحارث ابن عمه صلى الله
عليه وسلم
ونصب الكلة دليل لقول فقهائنا رحمه الله والأكمل وضع
الميت عند الغسل بموضع خال من الناس مستور عنهم لا يدخله إلا الغاسل ومن يعينه
والذي رواه ابن ماجه رحمه الله أنه تولى غسله صلى الله عليه وسلم علي والفضل
وأسامة بن زيد يناول الماء والعباس واقف أي لا يغسل ولا يناول الماء أي ويحتاج
للجمع بين هذه الروايات
وقيل إن العباس لم يشاهد غسله صلى الله عليه وسلم وعن
علي رضي الله عنه لما غسلت النبي صلى الله عليه وسلم اجتمع ماء في حقوبه فرفعته
بلساني وازدردته فأورثني ذلك قوة حفظي
ويروى أنه كرم الله وجهه رأى في عينه صلى الله عليه وسلم
قذاة فأدخل لسانه فأخرجها منها
وعن عائشة رضي الله عنها لو استقبلت من أمري ما استدبرت
ما غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا نساؤه أي لو ظهر لها قولها المذكور وقت
غسله صلى الله عليه وسلم ما غسله صلى الله عليه وسلم إلا نساؤه وغسل ثلاث غسلام
واحدة بالماء القراح وواحدة بالماء والسدر أي والغسلة التي كانت بالماء القراح كانت
قبل الغسلة التي بالسدر فهي المزيلة وواحدة بالماء مع الكافور أي وهذه هي المجزئة
في الغسل هذا
وفي كلام سبط ابن الجوزي رحمه الله وغسل صلى الله عليه
وسلم في المرة الأولى بالماء القراح وفي الثانية بالماء والسدر وفي الثالثة بالماء
والكافور
وفي لفظ فغسلوه بالماء القراح وطيبوه بالكافور في مواضع
سجوده ومفاصله وغسل من ماء بئر غرس وهي بئر بقباء قال صلى الله عليه وسلم نعم
البئر بئر غرس هي من غيون الجنة وماؤها أطيب الماء وكان صلى الله عليه وسلم يشرب
منها ويؤتى له بالماء منها
وعند ابن ماجه رحمه الله أنه صلى الله عليه وسلم قال
لعلي كرم الله وجهه إذا أنامت فاغسلني بسبع قرب من بئري بئر غرس
وكفن صلى الله عليه وسلم بثلاثة أثواب سحوليه أي بيض من
القطن من عمل سحولة قرية من قرى اليمن وفي رواية الشيخين عنها كفن رسول الله صلى
الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض يمانية ليس فيها قميص ولا عمامة قيل إزار ورداء
ولفافة وقوله ليس فيها قميص ولا عمامة أي لم يكن في كفنه صلى الله عليه وسلم ذلك
كما فسر بذلك إمامنا الشافعي رحمه الله وجمهور العلماء قال بعضهم وهو الصواب الذي
يقتضيه ظاهر الحديث
وما قيل إن معناه أن القميص والعمامة زائدان على الأثواب
الثلاثة ليس في محله لأنه لم يثبت أنه صلى الله عليه وسلم كفن في قميص وعمامة وهذا
يدل على أنه نزع عنه صلى الله عليه وسلم القميص الذي غسل فيه قبل تكفينه في
الأثواب الثلاثة
وقيل كفن في ذلك الثوب بعد عصره وفيه أنه لا يخلو عن
الرطوبة وهي تفسد الأكفان ويؤيد كونه صلى الله عليه وسلم كفن في ذلك الثوب ما جاء
في رواية كفن صلى الله عليه وسلم في ثوبه الذي مات فيه وحله نجرانية والحلة ثوب
فوق ثوب قال ابن كثير وهذا غريب جدا وفي كلام بعضهم أنه حديث ضعيف لا يصح الاحتجاج
به
وفي رواية انه صلى الله عليه وسلم كفن في الأثواب
الثلاثة المتقدمة وزيادة برد حبرة أحمر
وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت أتى بالبرد ولفوه فيه
ولكنهم ردوه أي ثم نزع عنه صلى الله عليه وسلم ولم يكفنوه فيه وفي رواية ثوبين
وبرد احمر وهذا يخالف ما عليه أئمتنا أن من كفن في ثلاثة أثواب يجب أن تكون لفائف
يستر كل منها جميع البدن وفي رواية كفن في سبعة اثواب
وبعد تكفينه صلى الله عليه وسلم وذلك يوم الثلاثاء وضع
على السرير وفي لفظ ثم
أدرج صلى الله عليه وسلم في أكفانه وجمروه عودا وندا ثم
احتملوه حتى وضعوه على سرير وسجوه
وذكر أنه كان عند علي كرم الله وجهه مسك وقال إنه من فضل
حنوط رسول الله صلى الله عليه وسلم
وصلى عليه صلى الله عليه وسلم الناس أفذاذا لم يؤمهم أحد
وفي لفظ لما أدرج صلى الله عليه وسلم في أكفانه وضع على سريره ثم وضع على شفير
حفرته ثم صار الناس يدخلون عليه رفقاء رفقاء لا يؤمهم أحد
وذكر أنه دخل عليه صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر
معهما نفر من المهاجرين والانصار بقدر ما يسع البيت فقالا السلام عليك أيها النبي
ورحمة الله وبركاته وسلم المهاجرون والانصار كما سلم أبو بكر وعمر رضي الله عنهم
ثم صفوا صفوفا لا يؤمهم أحد اللهم إنا نشهد أنه صلى الله عليه وسلم قد بلغ ما أنزل
اليه ونصح لامته وجاهد في سبيل الله حتى أعز الله دينه وتمت كلمته فاجعلنا إلهنا
ممن تبع القول الذي أنزل معه واجمع بيننا وبينه حتى تعرفه بنا وتعرفنا به فإنه كان
بالمؤمنين رءوفا رحيما لا نبتغي بالإيمان به بدلا ولا نشتري به ثمنا ابدا فيقول
الناس آمين آمين وهذا يدل على أنه المراد بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم الدعاء
لا الصلاة على الجنازة المعروفة عندهم والصحيح ان هذا الدعاء كان ضمن الصلاة
المعروفة التي بأربع تكبيرات
فقد جاء أن أبا بكر رضي الله عنه دخل عليه صلى الله عليه
وسلم فكبر أربع تكبيرات ثم دخل عمر رضي الله عنه فكبر أربعا ثم دخل عثمان رضي الله
عنه فكبر اربعا ثم طلحة ابن عبيد الله والزبير بن العوام رضي الله عنهما ثم تتابع
الناس أرسالا يكبرون عليه أي وعلى هذا إنما خصوا الدعاء بالذكر لأنه الذي يليق به
صلى الله عليه وسلم ومن ثم استشاروا كيف يدعون له فأشير بمثل ذلك
قال وقال ابن كثير رحمه الله وهذا الامر أي صلاتهم عليه
صلى الله عليه وسلم فرادى من غير إمام يؤمهم مجمع عليه ولا يقال لأن المسلمين لم
يكن لهم حينئذ إمام لأنهم لم يشرعوا في تجهيزه عليه الصلاة والسلام إلا بعد تمام
البيعة لأبي بكر رضي الله عنه لأنه لما تحقق موته صلى الله عليه وسلم واجتمع غالب
المهاجرين علي أبي بكر وعمر وانضم إليهم
من الأنصار أسيد بن حضير في بني عبد الأشهل ومن معه من
الاوس وتخلف علي والزبير أي ومن كان معهما المهاجرين كالعباس وطلحة بن عبيد الله
والمقداد وجمع من بني هاشم في بيت فاطمة رضي الله تعالى عنها وتخلف الأنصار
بأجمعهم واجتمعوا في سقيفة بني ساعدة أي وفي دار سعد بن عبادة وكان سعد مريضا
مزملا بثيابه بينهم أي اجتمعوا أولا ثم تفرق عنهم أسيد بن حضير رضي الله عنه ومن
معه من الاوس
فلا يخالف ذلك ما تقدم من انضمام أسيد بن حضير رضي الله
عنه ومن معه من المهاجرين رضي الله عنهم مع ابي بكر رضي الله عنه ولا يخالف ذلك ما
في بعض الروايات عن عمر رضي الله عنه وتخلف الأنصار عنا بأجمعهم في سقيفة بني
ساعدة
واجتمع المهاجرون إلى ابي بكر رضي الله عنه إلا عليا
والزبير ومن معهما تخلفوا في بيت فاطمة رضي الله عنها فقال عمر رضي الله عنه لأبي
بكر رضي الله عنه انطلق بنا إلى إخواننا من الانصار أي فإنه أتاهم آت فقال إن هذا
الحي من الانصار مع سعد بن عبادة رضي الله عنه في سقيفة بني ساعدة قد انحازوا إليه
فإن كان لكم بأمر الناس حاجة فأدركوا الناس قبل أن يتفاقم أمرهم
أي فعن عمر رضي الله عنه بينا نحن في بيت رسول الله صلى
الله عليه وسلم إذا رجل ينادي من وراء الجدران اخرج إلي يا ابن الخطاب فقلت إليك
عني فأنا عنك متشاغل يعني بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إنه قد حدث أمر
إن الأنصار قد اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة فأدركهم قبل أن يحدثوا أمرا يكون فيه
حرب
قال فانطلقنا نؤمهم أي نقصدهم حتى رأينا رجلين صالحين أي
وهما عويمر بن ساعدة ومعدة بن عدي وهما من الأوس قالا أين تريدون فقلت نريد
إخواننا من الانصار فقالا لا عليكم أن تقربوهم واقضوا أمركم يا معشر المهاجرين
بينكم فقلت والله لنأتينهم فنطلقنا حتى جئناهم في سقيفة بني ساعدة فإذا هم مجتمعون
وإذا بين أظهرهم رجل مزمل فقلت من هذا قالوا سعد بن عبادة فقلت ما له قالوا إنه
وجع فلما جلسنا قام خطيبهم فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال اما بعد فنحن انصار
الله وكتيبة الإسلام وأنتم يا معشر المهاجرين رهط منا وقد ذفت ذافة منكم أي دب قوم
الاستعلاء والترفع علينا تريدون ان تختزلونا من أهلنا أي تنحونا عنه تستبدون به
دوننا فلما سكت أردت أن أتكلم وقد كنت زورت مقالة أعجبتني أردت أن قولها بين يدي
أبي بكر
فقال ابو بكر رضى الله تعالى عنه على رسلك يا عمر فكرهت
ان اغضبه وكنت ارى منه بعض الحده فسكت وكان اعلم منى والله ما ترك من كلمه اعجبتنى
فى تزويرى الا قالها فى بديهته وافضل فقال أما بعد فما ذكرتم من خيرفانتم له اهل
ولم تعرف العرب هذا الامر الا لهذا الحى من قريش هم اوسط العرب نسبا ودارا يعنى مكه
ولدتنا العرب كلها فليست منها قبيله الا لقريش منها ولاده ودار وكلنا معاشر
المهاجرين اول الناس اسلاما ونحن عشيرته صلى الله عليه وسلم واقاربه وذوو رحمه
فنحن اهل النبوه ونحن اهل الخلافه ولم يترك شيئا انزل فى الكتاب بايدتهم الا قاله
ولا شيئا قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم فى شان الانصار الا ذكره ومنه لو سلكت
الناس واديا وسلكت الانصار واديا لسلكت وادى الانصار وقال لقد علمت يا سعد ان رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال وانت قاعد قريش ولاة هذا الامر فقال سعد رضى الله
تعالى عنه صدقت فقال اى الصديق رضى الله عنه نحن الامراء وانتم الوزراء أى وفى
الروايه انه أى الصديق رضى الله عنه قال لهم انتم الذين امنوا ونحن الصادقون وانما
امركم الله ان تكونوا معنا فقال تعالى { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع
الصادقين } والصادقون هم المهاجرون قال الله تعالى { للفقراء المهاجرين } الى قوله {
أولئك هم الصادقون }
وفى روايه أن ابا بكر رضى الله عنه احتج على الانصار
بخبر الائمه من قريش وهو حديث صحيح ورد نحو اربعين صحابيا وانتم يا معشر الانصار
اخواننا فى كتاب الله وشركاؤنا فى الدين وانتم احق بالرضا بقضاء الله وقد رضيت لكم
احد هذين الرجلين ايهما شئت واخذ بيدى ويد ابى عبيده بن الجراح فلم اكره ما قال
غيرها وكان والله ان اقدم فتضرب عنقى ولا يقربنى ذلك من إثم احب الى من أتأمر على
قوم فيهم ابو بكر فقال كل من عمر وابى عبيده لا بنبغى لاحد ان يكون فوقك يا ابا
بكر اى وفى لفظ بل نبايعك وانت سيدنا وخيرنا واحبنا الى رسول الله صلى الله عليه
وسلم وهذا من عمر رضى الله عنه كان بعد ان اتى ابا عبيده وقال انك امين هذه الامه
على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما رايت بك ضعف راى قبلها ممذ اسلمت
اما بقى فيكم الصديق وثانى اثنين وفى روايه ان ابا بكر رضى الله عنه قال لعمر ابسط
يدك لابايعك فقال له انت افضل منى فاجابه بانت اقوى منى ثم كرر ذلك فقال له فاين
قوتى مع فضلك
واعترض قول ابى بكر المذكور بانه كيف يقول ذلك مع علمه
بانه احق بالخلافه وكيف يقدم ابا عبيده على عمر مع انه افضل منه
واجيب بأنه رضى الله الله عنه قال ذلك لانه استحى ان
يقول رضيت لكم نفسى مع علمه بان كلا من عمر وابى عبيده لا يقبل وان ابا بكر رضى
الله عنه كان يرى جواز توليه المفضول على من هو افضل منه وهو الحق عند اهل السنه
لانه قد يكون اقدر من الافضل على القيام بمصالح الدين واعرف بتدبير الامر وما فيه
انتظام حال الرعيه
وعند قول ابى بكر رضى الله عنه ما ذكر قال قائل من
الانصار اى وهو الحباب بحاء مهمله مضمومه فموحدة رضى الله عنه ابن المنذر انا
جذيلها المحك وعذيقها المرجب بالجيم والجذبل تصغير الجذل وهو عود ينصب للابل
الجرباء فتحتك به ليزول جربها والمحك الذى كثر به الاحتكاك حتى صار املس والعذيق
تصغير العذق بفتح العين وهو النخله والمرجب المسند بالرجيه وهى خشبه ذات شعبتين
يستند بها النخله اذا كثر حملها اى اناذ والراى والتدبير الذى يستشفى به فى
الحوادث لاسيما هذه الحادثه منا امير ومنكم أمير يا معشر قريش وتتابعت خطباؤهم على
ذلك وقالوا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان اذا استعمل الرجل منكم قرن معه
رجلا منا فنرى ان يلى هذا الامر رجلان منا ومنكم فقام زيد بن ثابت رضي الله عنه
وقال للأنصار أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من المهاجرين وكنا نحن
أنصاره فنحن أنصاره خليفته كما كنا أنصاره ثم أخذ بيد أبي بكر رضي الله عنه وقال
هذا صاحبكم فقال الحباب بن المنذر رضي الله عنه يا معشر الانصار لا تسمعوا مقالة
هذا فتذهب قريش بنصيبكم من هذا الأمر فإن أبو اعليكم فأجلوهم من بلادكم فأنتم أحق
به منهم أما والله وإن شئتم لنقيمها جذعة فقال له عمر رضي الله عنه إذن يقتلك الله
فقال بل أراك تقتل فقام بشير بن سعد أبو النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنهما
فقال يا معيشر الانصر إنا كنا أول من سبق إلى هذا الدين وجهاد المشركين ما قدصنا
إلا رضا الله ورسوله فلا ينبغي لنا أن نستطيل على الناس ولا نطلب عرض الدنيا وإن
قريشا أولى بهذا الأمر فلا ننازعهم فقال له الحباب ألفيت على ابن عمك يعني سعد بن
عبادة فقال لا والله ولكني كرهت أن أنازع قوما حقا جعله الله لهم وفي رواية قال
عمر رضي الله عنه يا معشر الانصار ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قد أمر أبا بكر يؤم الناس وأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر وفي لفظ أن يقيمه عن
مقامة الذي اقامه فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت الانصار نعوذ بالله ان
نتقدم أبا بكر رضي الله عنه وفي لفظ قالوا نستغفر الله لا تطيب أنفسنا ولعل المراد
قال معظمهم
فلا يخالف ذلك ما جاء عن عمر رضي الله تعالى عنه ولما
كثر اللغط وعلت الاصوات حتى خشيت الاختلاف وقلت سيفان في غمد واحد لا يكونان وفي
رواية هيهات لا يجتمع فحلان في مغرس فقلت ابسط يدك يا ابا بكر وكذا قال له من
الأنصر زيد بن ثابت واسيد بن حضير وبشير بن سعد رضي الله عنهم فبسط يده فبايعته
وبايعه المهاجرون ثم بايعه الانصار أي حتى سعد بن عبادة رضي الله عنه خلافا لمن
قال أن سعد ابن عبادة أبى ان يبايع أبا بكر حتى لقى الله أي فإنه رضي الله تعالى
عنه توجه إلى الشام ومات بها
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله والعذر له في ذلك أنه رضي
الله عنه تأول أن للأنصار في الخلافة استحقاقا فبنى على ذلك وهو معذور وإن لم يكن
ما اعتقده من ذلك حقا هذا كلامه
ولا ينافيه ما جاء عن عمر رضي الله عنه وثبنا على سعد بن
عبادة فقال قائل منهم قتلتم سعد بن عبادة أي فعلتم معه من الإعراض والإذلال ما
يقتله فقلت قتل الله سعبد بن عبادة فإنه صاحب فتنة نعم ينافيه ما حكاه ابن عبد
البر أن سعد بن عبادة رضي الله عنه أبى أن يبايع أبا بكر حتى لقي الله
قال بعضهم ويضعفه ما جاء في بعض الروايات أن أبا بكر رضي
الله عنه لما قال لسعد لقد علمت يا سعد ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وأنت
قاعد قريش ولاة هذا الأمر قال له سعد صدقت نحن الوزراء وأنتم الأمراء وبه يظهر
التوقف فيما تقدم عن ابن حجر رحمه الله هذا
وفي كلام سبط ابن الجوزي رحمه الله فأنكروا على سعد أمره
وكادوا يطئون سعدا فقال ناس من أصحابه اتقوا سعدا لا تطئوه فقال عمر رضي الله عنه
اقتلوا سعدا قتله الله ثم قام عمر رضي الله عنه على رأس سعد وقال قد هممت أن أطأك
حتى تندر عيونك فأخذ قيس بن سعد رضي الله عنهما بلحية عمر رضي الله عنه وقال والله
لو خفضت منه شعرة ما رجعت وفيك جارجة فقال ابو بكر مهلا يا عمر الرفق الرفق ما هنا
أبلغ فقال سعد أما والله لو كان لي قوة على النهوض لألحقتك بقوم كنت فيهم تابعا
غير متبوع فلما عاد أبو بكر وعمر رضي الله عنهما إلى محلهما أرسلا له بايع فقد
بايع الناس فقال لا والله حتى أرميكم بما في كنانتي من نبل وأخضب من دمائكم
سنان رمحي وأضربكم بسيفي ما ملكته يداي والله لو اجتمع
لكم الجن والإنس لما بايعتكم فلما عاد الرسول وأخبرهم بما قالب قال له عمر لا ندعه
حتى يبايع فقال له قيس بن سعد دعه فقد لح فاتركوه وكان سعد رضي الله عنه لا يحضر
معهم ولا يصلي في المسجد ولا يسلم على من لقي منهم فلم يزل مجانبا لهم حتى إذا كان
بعرفة يقف ناحية عنهم فلما ولى عمر رضي الله عنه الخلافة لقيه في بعض طرق المدينة
فقال له إيه يا سعد فقال له إيه يا عمر فقال له عمر أنت صاحب المقالة قال نعم أنا
ذاك وقد افضى الله إليك هذا الأمر كان والله صاحبك خيرا لنا وأحب الينا من جوارك
وقد اصبحت كارها لجوارك فقال له عمر رضي الله عنه إنه من كره جوار جاره تحول عنه
فقال له سعد إني متحول إلى جوار من هو خير من جوارك فخرج رضي الله عنه إلى الشام
واستمر بها إلى أن مات في السنة ا لخامسة عشر من الهجرة
وذكر الطبري رحمه الله أن سعدا رضي الله عنه بايع مكرها
وهو وهم هذا كلام سبط ابن الجوزي رحمه الله
قال عمر رضي الله عنه وإنما بايعت أبا بكر خشية إن
فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يحدثوا بعدنا بيعة فإما أن نبايعهم على مالا نرضى
وإما أن نخالفهم فيكون فيه فساد وذلك كان في يوم موته صلى الله عليه وسلم الذي هو
يوم الاثنين فلما كان الغد كانت البيعة العامة صعد ابو بكر رضي الله عنه المنبر
وقام عمر رضي الله عنه بين يدي ابي بكر فحمد الله وأثنى عليه ثم قا إن الله قد جمع
أمركم على خيركم صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وثاني اثنين إذ هما بالغار
فقوموا فبايعوه فبايعوه فبايع الناس أبا بكر رضي الله عنه بيعة عامة بعد بيعة
السقيفة ثم تكلم أبو بكر رضي الله عنه فقال في خطبته بعد أن حمد الله وأثنى عليه
أيها الناس إني قد وليت عليكم ولست بخيركم فإن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني
الصدق أمانة والكذب خيانة والضعيف فيكم قوي حتى ارتج عليه حقه إن شاء الله والقوي
فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه إن شاء اللله لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا
ضربهم الله بالذل ولا أشيعت الفاحشة في قوم قط إلا عمهم الله بالبلاء أطعيوني ما
اطعت الله ورسولنه فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم فقوموا إلى صلاتكم
رحمكم الله
وشن الغارة بعض الرافضة على قول الصديق رضي الله عنه
فقوموني بأنه كيف
تجوز إمامة من يستعين بالرعية على تقويمه مع أن الرعية
تحتاج إليه ورد بأن هذا من أكبر الدلائل على فضله لقوله الآخر أطعيوني ما أطعت
الله فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم لان كل أحد ما عدا الانبياء عليهم الصلاة
والسلام تجوز عليه المعصية
ولما بويع بالخلافة أصبح رضي الله تعالى عنه على ساعدة
قماش وهو ذاهب به إلى السوق فقال له عمر أين تريد قال السوق قال تصنع هذا وقد وليت
أمر المسلمين قال فمن أين أطعم عيالي فقال انطلق يفرض لك ابو عبيدة فانطلقا إليه
فقال أفرض لك قوت رجل من المهاجرين ليس بأفضلهم أي في سعة النفقة ولا بأوكسهم
وكسوة الشتاء والصيف وإذا أبليت شيئا رددته وأخذت غيره ففرض له كل يوم نصف شاة وفي
رواية جعل له ألفين فقال زيدوني فان لي عيالا وقد شغلت عن السفارة فزادوه خمسمائة
وهو رضي الله تعالى عنه أول من جمع القرآن وسماه مصحفا
واتخذ بيت المال وسها من جعل ذلك من أوليات عمر رضي الله تعالى عنه
ولما اختلف علي والزبير ومن معهما كالعباس وطلحة بن عبيد
الله والمقداد وجمع من بني هاشم في بيت فاطمة كما تقدم عن المبايعة استمروا على
ذلك مدة لأنهم رضي الله عنهما وجدوا في أنفسهم حيث لم يكونوا في المشورة أي في
سقيفة بني ساعدة مع ان لهم فيها حقا وقد اشار سيدنا عمر رضي الله عنه إلى ان بيعة
أبي بكر رضي الله تعالى عنه كانت فلتة أي بغته لا عن استعداد لها ولكن وقى الله
شرها أي لم يقع فيها مخالفة ولا منازعة ولذلك لما اجتمعوا أي علي والزبير والعباس
وطلحة بن عبيد الله ومن تخلف عن المبايعة منهم بأبي بكر رضي الله عنه قام خطيبا
وقال والله ما كنت حريصا على الإمارة يوما ولا ليلة قط ولا كنت راغبا فيها ولا
سألتها الله في سر ولا علانية ولكن اشفقت من الفتنة أي لو أخرت إلى اجتماعكم
وقد روى أن شخصا قال لأبي بكر رضي الله عنه ما حملك على
أن تلي أمر الناس وقد نهيتني أن أتأمر على اثنين فقال لم أجد من ذلك بدا خشيت على
أمة محمد صلى الله عليه وسلم الفرقة وقال ما في الإمارة من راحة لقد قلدت أمرا
عظيما ما لي به من طاقة فقال علي والزبير رضي الله تعالى عنهما ما غضبنا إلا لأنا
أخرنا عن المشورة وإنا نرى ابا بكر أحق الناس بها إنه لصاحب الغار وإنا لنعرف شرفه
وخيره ولذا أمره
رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة من بين الناس وهو
حي فلم يكن تأخرهم رضي الله تعالى عنهم للقدح في خلافة ابي بكر رضي الله تعالى عنه
لأنهم لم يجدوا تحت أديم السماء خيرا من ابي بكر فولوه رقابهم أي فالأمة اجمعت على
حقية إمامة أبي بكر رضي الله تعالى عنه وهذا أي اجتماع علي كرم الله وجهه بأبي بكر
رضي الله تعالى عنهما كان بعد ما أرسل إليه علي كرم الله وجهه في الاجتماع به
واجتمع به كما سيأتي لكن سيأتي أن ذلك كان بعد موت فاطمة بنت النبي صلى الله عليه
وسلم ورضى عنها وسياق غير واحد يدل على أن اجتماع علي والزبير ومبايعتهما ابا بكر
رضي الله تعالى عنه كان قبل موت فاطمة رضي الله تعالى عنها وهو ما صححه ابن حبان
وغيره ويؤيده ما حكاه بعضهم أن الصديق رضي الله تعالى عنه خرج يوم الجمعة فقال
اجمعوا لي المهاجرين والانصار فاجتمعوا ثم أرسل إلى علي بن أبي طالب كرم الله وجهه
والنفر الذين كانوا تخلفوا معه فقال له ما خلفك يا علي عن امر الناس فقال خلفني
عظيم المعتبة ورأيتكم استقليتم برأيكم فاعتذر إليه أبو بكر رضي الله تعالى عنه
بخوف الفتنة لو أخر ثم أشرف على الناس وقال أيها الناس هذا علي بن ابي طالب لا
بيعة لي في عنقه وهو بالخيار من أمره ألا وانتم بالخيار جميعا في بيعتكم فإن رأيتم
لها غيري فأنا أول من يبايعه فلما سمع ذلك علي كرم الله وجهه زال ما كان داخله
فقال أجل لا نرى لها غيرك امدد يدك فبايعه هو والنفر الذين كانوا معه فإن هذا دليل
على أن عليا كرم الله وجهه بايع أبا بكر بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم
بثلاثة أيام
وفي كلام المسعودي لم يبايع أبا بكر احد من بني هاشم حتى
ماتت فاطمة رضي الله تعالى عنها وقال رجل للزهري لم يبياع علي كرم الله وجهه أبا
بكر ستة أشهر فقال لا والله لا أحد من بني هاشم بايعه علي كرم الله وجهه فليتأمل
الجمع على تقدير الصحة
وقد جمع بعضهم بأن عليا كرم الله وجهه بايع أولا ثم
انقطع عن ابي بكر لما وقع بينه وبين فاطمة ما وقع
أي ويدل لهذا الجمع أن في رواية أن أبا بكر رضي الله
تعالى عنه لما صعد المنبر ونظر في وجوه القوم فلم ير الزبير رضي الله تعالى عنه
فدعا به فجاء فقال قلت ابن عمة رسول الله حواريه أردت أن تشق عصا المسلمين فقال لا
تثريب يا خليفة رسول الله
فقام فبايعه ثم نظر في وجو القوم فلم ير عليا كرم اللله
وجهه فدعا به فجاء فقال قلت ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختنه على ابنته
أردت أن تشق عصا المسلمين فقال لا تثريب ياخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقام فبايعه
ويبعد هذا الجمع ما في البخاري عن عائشة رضي الله تعالى
عنها فلما توفيت فاطمة رضي الله عنها التمس أي علي كرم الله وجهه مصالحة أبي بكر
رضي الله تعالى عنه ولم يكن بايع تلك الأشهر فأرسل إلى أبي بكر الحديث
والسبب الذي اقتضى الوقوع بين فاطمة وأبي بكر رضي الله
تعالى عنهما أن فاطمة رضي الله تعالى عنها جاءت إلى أبي بكر تطلب إرثها مما أعطاه
الانصار له صلى الله عليه وسلم من أرضهم وما أوصى به إليه صلى الله عليه وسلم وهو
وصية مخيريق عند إسلامه وهي سبعة حوائط في بني النضير قال سبط ابن الجوزي وهو أول
وقف كان في الإسلام ومما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم من أرض بني
النضير وفدك ونصيبه صلى الله عليه وسلم من خيبر وهما حصنان من حصونها الوطيح
وسلالم فإنه صلى الله عليه وسلم أخذهما صلحا كما تقدم وحصته صلى الله عليه وسلم
مما افتتح منها عنوة وهو الخمس فإن ذلك كله كان للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة
فكان صلى الله عليه وسلم ينفق من ذلك على أهل بيته سنة ومابقي جعله في الكراع أي
الخيل والسلاح في سبيل الله فربما احتاج صلى الله عليه وسلم إلى شيء ينفقه قبل
فراغ السنة فيقترض ولهذا توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند
اليهودي على آصع من شعير وافتكها ابو بكر وتلك الدرع كانت ذات الفضول التي أهداها
له صلى الله عليه وسلم سعد بن عبادة لما توجه إلى بدر كما تقدم ولم يشبع هو ولا
أهل بيته ثلاثة أيام تباعا أي متتابعة كما تقدم فقال لها أبو بكر رضي الله تعالى
عنه لست بالذي اقسم من ذلك شيئا ولست تاركا شيئا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يعمل به فيها إلا عملته وإني أخشى إن تركت أمره أو شيئا من أمره أن أزيغ وفي رواية
قال لها قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إنما هي طعمة أطعمينها الله
فإذا مت عادت على المسلمين فإن اتهمتيني فسلي المسلمين يخبرونك بذلك وقال لها قد
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نورث ما تركناه صدقة ولكن أعول من كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم يعوله وأنفق على من كان ينفق عليه وقوله صدقة هو بالرفع
كما هو الرواية أي الذي تركناه فهو صدقة وقد منع بذلك عائشة وبقية أزواجه صلى الله
عليه وسلم لما جئن إليه يطلبن ثمنهن
وزعمت الرافضة أن الصديق رضي الله تعالى عنه كان ظالما
لفاطمة رضي الله عنها بمنعه إياها من مخلف والدها وانه لا دليل له في هذا الخبر
الذي رواه لان فيه احتجاجا بخبر الواحد مع معارضته لآية المواريث
ورد بأنه حكم بما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهو عنده قطعي فساوى آية المواريث من قطعية المتن وكان مخصصا لآية المواريث
وذكر عن الرافضة أنهم زعموا أن صدقة بالنصب وأنا ما
نافيه ويرده صدر الحديث إنا معاشر الأنبياء لا نورث وأما رواية نحن معاشر الأنبياء
فلم تجئ في كتاب من كتب الحديث كما قاله غير واحد ومن رواه بذلك رواه بالمعنى لأن
نحن وإنا مفادهما واحد ولا يعارض ذلك قوله تعالى { وورث سليمان داود } وقوقه تعالى
حكاية عن زكريا { فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث } إذ المراد وراثة العلم والحكمة
وفي لفظ أنها رضي الله تعالى عنها قالت له من يرثك قال
أهلي وولدي فقالت فمالي لا أرث أبي فقال لها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول لا نورث فغضبت رضي الله تعالى عنها من أبي بكر رضي الله تعالى عنه وهجرته إلى
أن ماتت أي فإنها عاشت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة اشهر على ما تقدم
ومعنى هجرانها لأبي بكر رضي الله تعالى عنه أنها لم تطلب منه حاجة ولم تضطر إلى
لقائه إذ لم ينقل أنها رضي الله تعالى عنه لقيته ولم تسلم عليه ولا كلمته
وروى أبن سعد أن أبا بكر رضي الله تعالى عنه جاء إلى بيت
علي لما مرضت فاطمة فاستأذن عليها فقال علي كرم الله وجهه هذا أبو بكر على الباب
يستأذن فإن شئت أن تأذني فأذني قالت وذاك أحب إليك قال نعم فأذنت له رضي الله
تعالى عنه فدخل واعتذر إليها فرضيت عنه وأن أبا بكر رضي الله تعالى عنه صلى عليها
وقال الواقدي وثبت عندنا أن عليا كرم الله وجهه دفنها
رضي الله تعالى عنها ليلا وصلى عليها ومعه العباس والفضل رضي الله تعالى عنهم ولم
يعلموا بها أحدا قال بعضهم وكأنها تأولت قوله صلى الله عليه وسلم لا نورث وحملت
ذلك على الأموال أي الدراهم والدنانير كما جاء في بعض الروايات لا تقسم ورثتي
دينارا ولا درهما بخلاف الأراضي ولعل طلب إرثها من فدك كان منها بعد أن ادعت رضي
الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاها فدكا وقال لها هل لك بينة فشهد
لها علي كرم الله وجهه وأم أيمن فقال لها رضي الله تعالى عنه أبرجل وامرأة
تستحقيها
واعترض عليه الرافضه بان فاطمه معصومه بنص { إنما يريد
الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت } وخبر فاطمه بضعه مى فدعوها صادقه لعصمتها وايظا
شهد لها بذلك الحسن والحسين وام كلثوم رضى الله تعالى عنهم
ورد عليهم بان من جمله اهل البيت ازواجه صلى الله عليه
وسلم ولسن بمعصومات اتفاقا فكذلك بقيه اهل البيت وما كونها بضعه فمنه فمجاز قطعا
وانها كبضعه فيما يرجع للخير والشفقه واما زعم انه شهد لها الحسن وام كلثوم فباطل
لم ينقل عن احد ممن يعتمد عليه على ان شهادة الفرع للاصل غير مقبوله
وفى كلام سبط ابن الجوزى رحمه الله أنه رضي الله تعالى
عنه كتب لها بفدك ودخل عليه عمررضى الله تعالى عنه فقال ما هذا فقال كتاب كتبته
فاطمه بميراثها من ابيها فقال مماذا تنفق على المسلمين وقد حار بتك العرب كما ترى
ثم احذ عمر الكتاب فشقه
وقد جاء ان بعد موت فاطمه رضى الله تعالى عنها اى وذلك
بعد ستة اشهر من موته صلى الله عليه وسلم الا ليالى على ما تقدم ارسل على كرم الله
وجه وقد اجتمع على وبنو هاشم الى ابى بكر وقالوا ائتنا ولا يات معك احد كراهه ان
يحضر عمر رضى الله تعالى عنه لما علموا من شدته فخافوا ان ينتصر لآبى بكر رضى الله
تعالى عنه فيتكلم بكلام يوحش قلوبهم على ابى بكر رضى الله تعالى عنه فقال عمر رضى
الله تعالى عنه لآبى بكر لا والله لا تدخل عليهم وحدك قال ذلك خوفا عليه ان يغلظوا
عليه فى المعاتبه وربما كان ذلك سببا لتغير قلبه فيترتب عليه مالا ينبغى فقال ابو
بكر رضى الله تعالى عنه وما يفعلون بى والله لاتينهم اى فدخل عليهم ابو بكر رضى
الله تعالى عنه وحده فقال له كرم الله وجه انا قد عرفنا لك فضلك وما اعطاك الله
ولم ننفس عليك خيرا ساقه الله اليك اى لا نحسدك عليه ولكن استبديت علينا بالامر اى
لم تشاورنا فيه وكنا نرى لقرابتنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ان لنا نصيبنا
اى فى المشاوره ففاضت عينا ابى بكر رضى الله تعالى عنه وقال والذى نفسى بيده
لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم احب الى من قرابتى فقال له على كرم الله وجه
موعدك العشيه للبيعه فلما صلى ابو بكر رضى الله تعالى عنه الظهر اى وقد حضر عنده
على كرم الله وجه رقى المنبر بكسر القاف فتشهد وذكر شآن على كرم الله وجه وعذره فى
تخلفه عن البيعه ثم ان عليا رضى الله تعالى عنه بايعه اى بعد ان عظم ابا بكر رضى
الله تعالى عنه
وذكر فضيلته وسابقته وذكر انه لم يحمله على الذى صنع
نفاسة حق على ابى بكر فاقبل الناس على على كرم الله وجه وقالوا اصبت واحسنت
وقد علمت الجمع بين من قال بايع بعد ثلاثة ايام من موته
صلى الله عليه وسلم ومن قال لم ينبع الا بعد موت فاطمه رضى الله تعالى عنها بعد ستة
اشهر وهو انه بايع اولا ثم انقطع عن ابى بكر رضى الله تعالى عنه لما وقع بينه وبين
فاطمه ما وقع ثم بايعه مبايعه اخرى فتوهم من ذلك بعض من لا يعرف باطن الامر ان
تخلفه انما هو لعدم رضاه بيعته فاطلق ذلك من اطلقه ومن ثم اظهر على كرم الله وجه
مبايعه لابى بكر ثانيا بعد ثوبتها على المنبر لازالة هذه الشبهه
وبهذا يعلم ما وقع في صحيح مسلم عن ابي سعيد من تاخر
بيعة علي هو وغيره من بني هاشم الى موت فاطمة ومن ثم حكم بعضهم عليه بالضعف
ومما يؤيد الضعف ما جاء أن عليا وأبا بكر رضي الله عنهما
جاآ لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته بستة أيام فقال علي كرم الله
وجهه تقدم يا خليفة رسول الله فقال ابو بكر رضي الله تعالى عنه ما كنت لأتقدم رجلا
سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيه علي مني بمنزلتي من ربي وصلاة أبي بكر
رضي الله تعالى عنه بالناس لم تختص بالمرض فقد جاء أنه وقع قتال بين بني عمرو بن
عوف فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فأتاهم بعد الظهر ليصلح بينهم فقال يا بلال
إن حضرت الصلاة ولم آت مر أبا بكر فليصل بالناس فلما حضرت صلاة العصر أقام بلال
الصلاة ثم أمر أبا بكر كما تقدم
وفي شرح مسلم للإمام النووي رحمه الله وتأحر علي كرم
الله وجهه أي ومن تأخر معه عن البيعة لابي بكر ليس قادحا فيها لأن العلماء اتفقوا
على أنه لا يشترط لصحتها مبايعة كل أهل العقد والحل بل مبايعة من تيسر منهم وتأخره
كان للعذر أي الذي تقدم وكان عذر أبي بكر وعمر وبقية الصحابة واضا لأنهم رأوا أن
المبادرة بالبيعة من أعظم مصالح المسلمين لأن تأخرها ربما لزم عليه اختلاف فينشأ
عنه مفساد كثيرة كما افصح به أبو بكر رضي الله تعالى عنه فيما تقدم
وجاء كما تقدم أنه قيل لعلي كرم الله وجهه هل عهد إليك
رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخلافة فحدثنا فأنت الموثوق به والمأمون علي ما
سمعت فقال لاوالله لئن كنت
اول من صدق به لا اكون أول من كذب عليه لو كان عندي من
النبي صلى الله عليه وسلم عهد في ذلك ما تركت القتال على ذلك ولو لم أجد إلا بردتي
هذه وما تركت أخا بني تميم وعمر بن الخطاب ينوبان على منبره صلى الله عليه وسلم
ولقاتلتهما بيدي والنبي صلى الله عليه وسلم لم يمت فجأه بل مكث في مرضه أياما
وليالي يأتيه المؤذن فيؤذنه بالصلاة فيأمر أبا بكر فيصلي بالناس وهو يرى مكاني
فلما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم اخترنا لدنيانا من رضيه النبي صلى الله
عليه وسلم لديننا فبايعناه وكان لذلك اهلا لم يختلف عليه منا اثنان فلما قبض تولاها
عمر رضي الله تعالى عنه بمبايعته وأقام فيها لم يختلف عليه منا اثنان وأعطيت ميثاق
لعثمان رضي الله تعالى عنه فلما مضوا بايعني أهل الحرمين وأهل هذين المصرين أي
الكوفة والبصرة فوثب فيها من ليس مثلي ولا قرابته كقرابتي ولا علمه كعلمي
ولاسابقته كسابقتي وكنت أحق بها منه يعني معاوية فهو رأى رأيته وفي لفظ لكن شيء
رأيناه من قبل أنفسنا فهذا تصريح منه كرم الله وجهه بأنه صلى الله عليه وسلم لم
ينص عليه إمامته
وأما قوله صلى الله عليه وسلم يوم غدير خم عند مرجعه من
حجة الوداع بعد أن جمع الصحابة وكرر عليهم ألست أولى من أنفسكم ثلاثا وهم يجيبونه
بالتصديق والاعتراف ثم رفع يد علي كرم الله وجهه وقال من كنت مولاه فعلي مولاه
الحديث فتقدم الكلام عليه وأ ذلك لا يدل على الخلافة
وإنما قال سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه إن بيعة أبي بكر
رضي الله تعالى عنه كانت فلت أي من غير استعداد ولا مشورة كما تقدم ردا على من
بلغه عنه أنه قال إذا مات عمر بايعت فلانا والله ما كانت بيعة ابي بكر بمشورة
فالبيعة لا تتوقف على ذلك فغضب فلما رجع من آخر حجة حجها المدينة قال على المنبر
قد بلغني أن فلانا قال والله لو مات عمر بن الخطاب لقد بايعت فلانا إن بيعة أبي
بكر كانت فلتة من غير مشورة فلا يغترن امرؤ أن يقول إن بيعة أبي كانت فلتة فنعم
وإنها كانت كذلك إلا أن الله قد وقى شرها وليس فيكم من تنقطع الاعناق اليه مثل أبي
بكر فمن بايع رجلا من غير مشورة المسلمين فإنه لا بيعة له ولا الذي بايعه
ولما ثقل المرض على الصديق رضي الله تعالى عنه دعا عبد
الرحمن فقال اخبرني عن عمر بن الخطاب فقال أنت أعلم به مني فقال الصديق وإن فقال
عبد الرحمن هو
والله افضل من رأيك فيه ثم دعا عثمان بن عفان رضي الله
تعالى عنه فقال اخبرني عن عمر فقال أنت اخبرنا به ثم دعا عليا كرم الله وجهه وقال
له مثل ذلك ثم قال علي كرم الله وجهه اللهم عملي به أن سريرته خير من علانيته وأنه
ليس فينا مثله ودعا جمعا من الانصار فيهما أسيد بن حضير وسألهم فقال اللهم أعلمه
يرضى للرضا ويسخط للسخط الذي يسر خير من الذي يعلن ولن يلي هذا الامر احد أقوى
عليه منه فعند ذلك دعا عثمان رضي الله تعالى عنه فقال أكتب بسم الله الرحمن الرحيم
هذا ما عهد ابو بكر ابن أبي قحافة في آخر عهده بالدنيا خارجا منها وأول عهده
بالآخرة داخلا فيها حيث يؤمن ويوقن الفاجر ويصدق الكاذب إني استحلفت عليكم بعدي
عمر بن الخطاب فاسمعوا له وأطيعوا فإن عدل فذلك ظني فيه وعلمي به وإن بدل فلكل
امرئ ما اكتسب والخير اردت ولا أعلم الغيب { وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون
} والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ثم أمر بالكتاب فختم ثم دعا عمر خاليا فأوصاه
بالمسلمين وقبل أن يظهر الصديق رضي الله عنه هذا الأمر اطلع على الناس من كوة وقال
أيها الناس إني قد عهدت عهدا أفترضون به فقال الناس رضينا يا خليفة رسول الله فقام
علي كرم الله وجهه فقال لا نرضى إلا أن يكون عمر قال فإنه عمر قال وكانت صلاتهم
عليه صلى الله عليه وسلم كصلاتهم على غيره أي بتكبيرات أربع لا مجرد الدعاء من
غيرتكبيرات ا هـوهو يخالف ما تقدم المفيد أن صلاتهم إنما كانت مجرد الدعاء لا
الصلاة المعهودة
وق يقال لا مخالفة وإنما نصوا على الدعاء لكونه مخالفا
للدعاء المعروف في صلاة الجنازة على غيره صلى الله عليه وسلم
وفي شرح مسلم عن القاضي عياض واختلف هل صلى الله عليه
وسلم فقيل لم يصل عليه أحد أصلا وإنما كان الناس يدخلون أرسالا يدعون ويتضرعون
والصحيح الذي عليه الجمهور أنهم صلوا عليه أفرادا فكان يدخل عليه فوج يصلون فرادى
ثم يخرجون ثم يدخل فوج آخر فيصلون كذلك
وعن ابن الماجشون صلى الله عليه وسلم اثنان وسبعون صلاة
كحمزة رضي الله عنه قيل له من أين لك هذا قال من الصندوق الذي تركه مالك رحمه الله
تعالى بخطه عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما فصلى عليه الرجال الأحرار أولا ثم
النساء الاحرار ثم الصبيان ثم العبيد ثم الإماء
واختلفوا في الموضع الذي يدفن فيه فمن قائل يدفن في
البقيع ومن قائل ينقل ويدفن عند ابراهيم الخليل فقال ابو بكر رضي الله تعالى عنه
ادفنوه في الموضع الذي قبض فيه فإن الله لم يقبض روحه إلا في مكان طيب
اي وفي رواية أنه رضي الله عنه قال إن عندي في هذا خبرا
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يدفن نبي إلا حيث قبض وفي لفظ لا يقبض
الله روح نبي إلا في الموضع الذي يحب أن يدفن فيه
وعن أبي بكر رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول لا يقبض النبي إلا في أحب الأمكنة إليه قال بعضهم ولا شك أن أحبها أي
الأمكنة إليه أحبها إلى ربه تعالى فإن حبه صلى الله عليه وسلم تابع لحب ربه جل
وعلا وفي الحديث ما مات نبي إلا دفن حيث قبض فحول فراشه وحفر له ودفن في ذلك ا
لموضع الذي توفاه الله فيه
واختلفوا هل يجعل له صلى الله عليه وسلم لحد أو يجعل له
شق وكان في المدينة شخصان أحدهما يصنع اللحد والآخر يصنع الشق والأول هو أبو طلحة
زيد بن سهل والثاني أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه
وفي لفظ كان ابو عبيدة يحفر حينئذ لأهل مكة وكان أبو
طلحة زيد بن سهل يحفر لأهل المدينة فكان يلحد فقال عمر رضي الله عنه ترسلها لهما
وكل من حضر منهما نزلناه فأرسلوا خلفهما رجلين وقال عمر رضي الله عنه اللهم خر
رسولك وقيل المرسل والقائل ما ذكر العباس رضي الله عنه فسبق أبو طلحة رضي الله عنه
فصنع له صلى الله عليه وسلم لحدا وأطبق عليه بتسع لبنات ثم أهيل التراب وقد جاء في
الحديث لحدوا ولا تشقوا فإن اللحد والشق لغيرنا وقد وى مسلم عن سعد بن أبي وقاص
رضي الله عنه أنه قال في مرض موته ألحدوا لي لحدا وانصبوا علي اللبن نصبا كما صنع
برسول الله صلى الله عليه وسلم وسل من قبل رأسه كما رواه البيهقي وصححه ابن عباس
رضي الله عنهما أي وضع سريه صلى الله عليه وسلم عند مؤخر القبر فكان رأسه الشريف
عند المحل الذي يكون فيه رجلاه فلما أدخل القبر سل من قبل رأسه ودخل قبره العباس
وعلي والفضل وقثم وشقران واقتصر ابن حبان عن ابن عباس رضي الله عنهما على الثلاثة
الأول وفرش شقران في اللحد تحته صلى الله عليه وسلم قطيفة حمراء
وفي رواية بيضاء كان يجعلها على رجليه إذا سافر لأن
الأرض كانت ندية وقال والله لا يبلسها أحد بعدك فدفنت مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم
وقيل أخرجت أي عملا بوصيته صلى الله عليه وسلم فقد روى
البيهقي عن ابي موسى رضي الله عنه انه صلى الله عليه وسلم أوصى أن لا تتبعوني
بصارخة ولا مجمرة ولا تجعلوا بيني وبيي الأرض شيئا لكن في رواية الجامع الصغير
افرشوا لي قطيفتي في لحدي فإن الأرض لم تسلط على أجسا الأنبياء عليهم الصلاة
والسلام
وكان دفنه صلى الله عليه وسلم ليلة الأربعاء وعن أم سلمة
رضي الله عنه كنا مجتمعين نبكي تلك الليلة لم ننم فسمعنا صوت المساحي فصحنا وصاح
أهل المسجد فارتجت المدينة صيحة واحدة فأذن بلال بالفجر فلما ذكر النبي صلى الله
عليه وسلم بكى وانتحب فزادنا حزنا فيالها من مصيبة ما أصابنا بعدها من مصيبة إلا
هانت إذا ذكرنا مصيبتنا به صلى الله عليه وسلم
وعن فاطمة رضي الله عنها لما دفن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قالت لأنس يا أنس كيف طابت نفوسكم أن تحثوا على رسول الله صلى الله عليه
وسلم التراب وفي لفظ أطابت نفوسكم أن دفنتم رسول الله صلى الله عليه وسلم في
التراب ورجعتم وفي رواية أنها قالت لعلي كرم الله وجهه يا أبا الحسن دفنتم رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال نعم قالت كيف طابت قلوبكم أن تحثوا التراب عليه كان
نبي الرحمة قال نعم ولكن لاراد لأمر الله وقد جاء ان الإنسان يدفن في التربة التي
خلق منها وهو يدل على أنه صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر رضي الله عنهما خلقوا
من تربة واحدة لأنهم دفنوا ثلاثتهم في تربة واحدة
فقد روى أن أبا بكر رضي الله عنه لما حضرتى الوفاة قال
لمن حضره إذا أنامت وفرغتم من جهازي فاحملوني حتى تقفوا بباب البيت الذي فيه قبر
النبي صلى الله عليه وسلم فقفوا بالباب وقولوا السلام عليك يا رسول الله هذا أبو
بكر يستأذن فإن أذن لكم بأن فتح الباب وكان الباب مغلقا بقفل فأدخلوني وادفنوني
وإن لم يفتح الباب فأخرجوني إلى البقيع وادفنوني به فلما وقفوا على الباب وقالوا
ما ذكر سقط القفل وانفتح الباب وسمع هاتف من داخل البيت أدخلوا الحبيب إلى الحبيب
فإن الحبيب إلى الحبيب مشتاق
ولما احتضر عمر رضي الله عنه قال لابنه عبد الله رضي
الله عنه يا عبد الله ائت
أم المؤمنين عائشة رضي الله عنه فقل لها إن عمر يقرئك
السلام ولا تقل أمير المؤمنين فإني لست اليوم بأمير المؤمنين وقل يستأذن أن تدفنيه
مع صاحبيه فإن أذنت فادفنوني وأن أبت فردوني إلى مقابر المسلمين فأتاها عبد الله
وهو يبكي فقال إن عمر يستأذن أن يدفن معه صاحبيه فقالت لقد كنت ادخرت ذلك المكان
لنفسي ولأوثرنه اليوم على نفسي فلما رجع عبد الله إلى أبيه وأقبل عليه قال عمر
أقعدوني ثم قال لعبد الله ما وراءك قال قد أذنت لك قال الله اكبر ما شيء أهم إلى
من ذلك المضجع
وقد ذكر أن الحسن رضي الله عنه لما سقي السم ورأى كبده
تقطع ارسل إلى عائشة رضي الله عنه أن يدفن عند جده صلى الله عليه وسلم فأذنت له
فلما مات منع من ذلك مروان وبنو أمية فدفن بالبقيع ويذكر أنه رضي الله عنه قال
لأخيه الحسين رضي الله عنه كنت بلغت إلى عائشة إذا مت أن تأذن لي أن أدفن في بيتها
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت نعم ولا أدري لعلها كان ذلك منها حياء فإذا
أنامت فاطلب ذلك منها فإن طابت نفسها فادفني في بيتها وما أظن القوم إلا سيمنعونك
فإن فعلوا فلا تراجعهم في ذلك وادفني في بقيع الغرقد فإن لي فيمن فيه أسوة فلما
مات الحسن رضي الله عنه جاء الحسين رضي الله عنه إلى عائشة رضي الله عنها فطلب
منها ذلك فقالت نعم وكرامة فبلغ ذلك مروان فقال كذب وكذبت والله لا يدفن هناك أبدا
منعوا عثمان من دفنه هناك ويريدون دفن حسن فبلغ ذلك الحسين رضي الله عنه فلبس
الحديد هو ومن معه وكذلك مروان لبس الحديد هو ومن معه فبلغ ذلك أبا هريرة رضي الله
عنه فانطلق إلى الحسين وناشده الله وقال له أليس أخوك قد قال لك ما قال فلم يزل به
حتى رضي الله عنه بدفنه بالبقيع فدفن بجانب أمه رضي الله عنها ولم يشهد جنازته أحد
من بني أمية إلا سعيد ابن العاص لأنه كان اميرا على المدينة قدمه الحسين فصلى عليه
إماما وقال هي السنة
قال ابن كثير رحمه الله والذي نص عليه غير واحد من ا
لأئمة سلفا وخلفا أنه صلى الله عليه وسلم توفي يوم الإثنين قبل ان ينتصف النهار
ودفن يوم الثلاثاء قبل وقت الضحى والقول أنه مكث ثلاثة أيام لا يدفن غريب والصحيح
أنه صلى الله عليه وسلم مكث بقية يوم الاثنين وليلة الثلاثاء ويوم الثلاثاء وبعض
ليلة الأربعاء
وكان السبب في تأخره صلى الله عليه وسلم ما علمت من
اشتغالهم ببيعة أبي بكر رضي الله عنه حتى تمت وقيل لعدم اتفاقهم على موته صلى الله
عليه وسلم وكان آخر من طلع من
قبره الشريف قثم بن العباس رضي الله عنهما وقيل المغيرة
بن شعبة رضي الله عنه لأنه ألقى خاتمة في القبر الشريف وقال لعلي يا أبا الحسن
خاتمي وإنما طرحته عمدا لأمس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكون آخر الناس عهدا
به قال انزل فخذه وقيل القى الفأس في القبر وقال الفأس الفأس فنزل وأخذها ويقال إن
عليا كرم الله وجهه لما قال له المغيرة ذلك نزل وناوله الخاتم أي أو الفأس أو أمر
من نزل وناوله ذلك وقال له إنما فعلت ذلك لتقول أنا آخر الناس برسول الله صلى الله
عليه وسلم عهدا واعترض بأن المغيرة رضي الله عنه لم يكن حاضرا للدفن
وقد روى أن جماعة من العراق قدموا على علي كرم الله وجهه
فقالوا يا أبا الحسن جئناك لنسألك عن أمر نحب أن تخبرنا عنه فقال لهم أظن أن
المغيرة بن شعبة يحدثكم أنه كان آخر الناس عهدا برسول الله صلى الله عليه وسلم
قالوا أجل عن هذا جئنا نسألك قال كان آخر الناس عهدا برسول الله صلى الله عليه
وسلم قثم بن العباس رضي الله عنهما
وقام الاجماع على أن هذا الموضع الذي ضم أعضاءه الشريفة
صلى الله عليه وسلم أفضل بقاع الأرض حتى موضع الكعبة الشريفة قال بعضهم وافضل من
بقاع السماء أيضا حتى من العرش
وعن انس بن مالك رضي الله عنه ما نفضنا الأيدي من دفن
رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أنكرنا قلوبنا قال بعضهم واظلمت الدنيا حتى لم
ينظر بعضنا إلى بعض وكان أحدنا يبسط يده فلا يراها وقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم أنا فرط لأمتي لن يصابوا بمثلي وفي مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال إن الله
سبحانه وتعالى إذا أراد بأمة خيرا قبض نبيها قبلها فجعله لها فرطا وسلفا بين يديها
فياله من خطب جل عن الخطوب ومصاب علم دمع العيون كيف يصوب وطارق هجم هجوم الليل
وحادث هد كل القوي والحيل ولشدة أسف حماره عليه صلى الله عليه وسلم الذي كان يركبه
ألقى نفسه في حفيرة فمات كما تقدم وتركت ناقته صلى الله عليه وسلم الأكل والشرب
حتى ماتت وأنشد الحافظ الدمياطي عن غير
** ألا يا ضريحا ضم نفسا زكية ** عليك السلام الله في
القرب والبعد ** ** عليك سلام الله ما هبت الصبا ** وما ناح قمري على البان والرند **
** وما سجعت ورق وغنت حمامة ** وما اشتاق ذو وجد إلى
ساكني نجد ** ** ومالي سوى حبي لكم آل أحمد ** أمرغ من شوقي على بابكم خدي ** =
باب بيان ما وقع من الحوادث من عام ولادته صلى الله عليه
وسلم إلى زمان وفاته صلى الله عليه وسلم على سبيل الإجمال وبيان زمن ولادته عاما
ويوما وشهرا ومكانا اعلم أن الأكثر على أنه ولد عام الفيل وحكى بعضهم الإجماع عليه
قال وكل قول خالفه فهو وهم وقيل بعد عام الفيل بخمسين يوما وقيل بزيادة خمسة أيام
وقيل شهر وقيل بأربعين يوما وقيل بشهرين وعشرة أيام وقيل بعشرين سنة وقيل بعشر
سنين وقيل بخمس عشرة سنة
وكانت ولادته صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين في شهر
ربيع الأول لعشر خلون منه وقيل لليلتين وقيل لثمان خلت واختاره الحميدي تبعا لشيخه
ابن حزم وحكى القضاعي رحمه الله عنه عيون المعارف اجماع أهل التاريخ عليه وقيل
لاثنتي عشرة ليلة وهو المشهور وقيل لسبع عشرة وقيل لثمان بقين منه وذلك في النهار
عند طلوع الفجر وقيل ولد ليلا وعليه عمل أهل مكة في زيارة موضع مولده الشريف صلى
الله عليه وسلم وكونه في شهر ربيع الأول هو قول الجمهور من العلماء وحكى ابن
الجوزي رحمه الله الاتفاق عليه وقيل في صفر وقيل في ربيع الآخر وقيل في رجب وقيل
في شهر رمضان
واختلف في مكان ولادته صلى الله عليه وسلم فقيل بمكة
وعليه قيل بالدار التي كانت لمحمد بن يوسف أخي الحجاج وقيل بالشعب شعب بني هاشم
وذلك المحل يزار الآن وقيل بالردم وقيل ولد صلى الله عليه وسلم بعسفان
وفي السنة الثالثة من مولده صلى الله عليه وسلم شق صدره
الشريف عند ظئره حليمة رضي الله عنها وقيل كان في الرابعة وفيها ولد أبو بكر
الصديق رضي الله تعالى عنه بمنى
وفي السنة السادسة من مولده صلى الله عليه وسلم كان وفاة
أمة آمنة ودفنت بالأبواء وقيل بشعب أبي ذئب بالحجون محل مقابر اهل مكة وقيل في دار
رائعة بالمعلاة وفيها ولد عثمان بن عفان رضي الله عنه
وفي السنة السابعة من مولده صلى الله عليه وسلم استقل
بكفالته جده عبد المطلب وفيها اصابه صلى الله عليه وسلم رمد شديد وفيها استسقى عبد
المطلب وهو صلى الله عليه وسلم معه بسبب رؤيا دقيقة وفيها خرج عبد المطلب لتهنئة
سيف بن ذي يزن الحميري بالملك
وفي السنة الثامنة من مولده صلى الله عليه وسلم كانت
وفاة جده عبد المطلب وكفالة عمه أبي طالب له صلى الله عليه وسلم
وفي هذه السنة مات حاتم الطائي الذي يضرب به المثل في
الجود والكرم ومات كسرى أنو شروان
وفي السنة التاسعة من مولده صلى الله عليه وسلم قيل سافر
به عمه أبو طالب إلى بصرى من أرض الشام وهي مدينة هوازن
وفي السنة العاشرة من مولده صلى الله عليه وسلم كانت حرب
الفجار الأولى
وفي السنة العاشرة وقيل الحادية عشرة من مولده صلى الله
عليه وسلم كان شق صدره الشريف
وفي السنة الثانية عشرة من مولده صلى الله عليه وسلم كان
حرب الفجار الثانية وكان سفر عمه أبي طالب به صلى الله عليه وسلم إلى بصرى من أرض
الشام على ما عليه الأكثر
وفي السنة الثالثة عشرة من مولده صلى الله عليه وسلم ولد
عمر بن الخطاب رضي الله عنه
وفي السنة الرابعة عشرة من مولده صلى الله عليه وسلم كان
عمه الزبير والعباس ابني عبد المطلب لليمن للتجارة وصحبهما النبي صلى الله عليه
وسلم
وفي السنة الخامسة والعشرين من مولده صلى الله عليه وسلم
كان سفره صلى الله عليه
وسلم إلى الشام مع ميسرة غلام خديجة رضي الله عنها وتزوج
صلى الله عليه وسلم خديجة
وفي سنة ثلاثين من مولده صلى الله عليه وسلم ولد علي بن
أبي طالب كرم الله وجهه في الكعبة
وفي سنة اربع وثلاثين من مولده صلى الله عليه وسلم ولدع
معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه ومعاذ بن جبل رضي الله عنه
وفي سنة خمس وثلاثين من مولده صلى الله عليه وسلم هدمت قريش
الكعبة وبنتها
وفي سنة سبع وثلاثين رأى صلى الله عليه وسلم الضوء
والنور وكان صلى الله عليه وسلم يسمع الأصوات
وفي السنة الأولى من النبوة كان نزول الوحي عليه صلى
الله عليه وسلم في اليقظة بعد أن مكث صلى الله عليه وسلم ستة أشهر يوحى إليه في
المنام
وفي السنة الثالثة من النبوة قيل توفي ورقة بن نوفل
وفي السنة الرابعة من النبوة كان إظهار الدعوة
وفي السنة الخامسة من النبوة ولدت عائشة رضي الله عنها
وقيل ولدت في الرابعة
وفي السنة الخاسمة أيضا كانت الهجرة الأولى إلى أرض
الحبشة وفيها ماتت سمية أم عمار بن ياسر رضي الله عنهم وهي أول شهدية في الإسلام
وفي السنة السادسة من النبوة أسلم حمزة بن عبد المطلب
رضي الله عنه وعمر بن الخطاب رضي الله عنه وقيل أسلما رضي الله عنهما في سنة خمس
وكان إسلام حمزة رضي الله عنه قبل إسلام عمر رضي الله عنه بثلاثة أيام
وفي السنة السابعة من النبوة تقاسمت قريش وتعاهدت على
معاداة بني هاشم وبني المطلب وقيل كان ذلك في السادسة وقيل في الخامسة وقيل في
الثامنة وذلك في خيف بني كنانة بالأبطح ويسمى محصبا وهو بأعلى مكة شرفها الله عند
المقابر
وفي السنة التاسعة من النبوة كان انشقاق القمر له صلى
الله عليه وسلم
وفي السنة العاشرة من النبوة مات أبو طالب وماتت خديجة
رضي الله عنها وكان صلى الله عليه وسلم يسمى ذلك العام عام الحزن وفيها جاءه صلى
الله عليه وسلم جن نصيبين وأسلموا وفيها تزوج صلى الله عليه وسلم سودة رضي الله
عنها بنت زمعة ودخل عليها في مكة وفيها عقد صلى الله عليه وسلم عقده على عائشة رضي
الله عنها ولم يدخل صلى الله عليه وسلم عليها إلا في المدنية
وفي السنة الحادية عشرة من النبوة كان ابتداء إسلام
الانصار رضي الله عنهم
وفي السنة الثانية عشرة من النبوة كان الإسراء والمعراج
وفيها وقعت بيعة العقبة الأولى
وفي السنة الثالثة عشرة من النبوة كانت بيعة العقبة
الثانية التي هي الكبرى وبعضم يسميها العقبة الثالثة ويسمى إسلام الانصار عقبة مع
أنه لا مبايعة فيه وفي هذه السنة أراد أبو بكر رضي الله عنه ان يهاجر للحبشة فلما
بلغ برك الغماد رده ربيعة بن الدغنة سيد القاره
وفي السنة الرابعة عشرة من النبوة وهي السنة الأولى من
الهجرة إلى المدينة فكانت الهجرة فيها في صفر أو في غرة ربيع الأول وفيها كان بناء
المسجد ومساكنه صلى الله عليه وسلم ومسجد قباء والمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار
رضي الله عنهم قيل وكان ابتداء خدمة أنس رضي الله عنه له صلى الله عليه وسلم فقد
جاء أنه صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة صارت الانصار يبعثون إليه صلى الله
عليه وسلم بالهدايا رجالهم ونسائهم وكانت أم أنس رضي الله عنهما لا شيء لها تهديه
له صلى الله عليه وسلم فكانت تتأسف فأخذت يوما بيد أنس رضي الله عنه وقالت يا رسول
الله هذا يخدمك وجاء أن زوجها أبا طلحة رضي الله عنه جاء به إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم وقال يا رسول الله إن أنسا غلام كيس فليخدمك
وجمع بأن أمه جاءت به أولا ثم جاء به أبو طلحة ثانيا
لأنه وليه وعصبته قال في الخميس وهذا غير مجيئه به لخدمته صلى الله عليه وسلم في
غزوة خيبر وفيها كما في الأصل وقيل في السنة الثانية زيد في صلاة الحضر ركعتان
وتركت صلاة الفجر وصلاة المغرب لأنها وتر النهار وأقرت صلاة السفر وتركت على
الفريضة الأولى كذا قيل وفي هذه السنة مات من مشركي مكة الوليد بن المغيرة ولما احتضر
جزع فقال له ابو جهل لعنه الله يا عم ما جزعك فقال والله ما بي من جزع من الموت
ولكن أخاف أن يظهر دين ابن أبي كبشة بمكمة فقال أبو سفيان رضي الله عنه لا تخلف
إني ضامن أن لا يظهر وفيها مات العاص بن وائل وفيها مات اسعد بن زرارة رضي الله
عنه وفيها ابتدئت الغزوات فكان فيها غزوة الأبواء وغزوة ودان كما في الأصل وفي هذه
السنة بنى صلى الله عليه وسلم بعائشة رضي الله عنها وفيها شرع الآذان وفيها صلى
صلى الله
عليه وسلم الجمعة في طريقه حيث ارتحل صلى الله عليه وسلم
من قباء إلى المدينة وهي أول جمعة صلاها وأول خطبة خطبها في الإسلام وفيها أسلم
عبد الله بن سلام رضي الله عنه وكان فيها بعث عمه حمزة رضي الله عنه يعترض عيرا
لقريش وبعث ابن عمه عبيدة بن الحارث رضي الله عنه إلى بطن رابغ وبعث سعد بن أبي
وقاص رضي الله عنه إلى الخرار يعترض عيرا لقريش
وفي السنة الخامسة عشرة من النبوة والثانية من الهجرة
تزوج علي كرم الله وجهه بفاطمة رضي الله عنها وتكنيته بأبي تراب وغزوة بواط وغزوة
العشيرة وسرية عبدالله بن جحش رضي الله عنه إلى بطن نخلة وتحويل القبلة وتجديد
بناء مسجد قباء وفرض رمضان وغزوة بدر الكبرى ووفاة رقية بنت النبي صلى الله عليه
وسلم ورضى عنها وقتل عصماء وفرض زكاة الفطر وشروع صلاة عيده وفرض زكاة الاموال
وغززوة قرقرة الكدر وسرية سالم بن عمير رضي الله عنه وغزوة بن قينقاع وغزوة السويق
وموت عثمان بن مظعون رضي الله عنه والتضحية وصلاه عيدها
وفي السنة السادسة عشرة من النبوة والثالثة من الهجرة
سرية محمد بن سلمة رضي الله عنه لقتل كعب بن الأشرف لعنه الله وتزوج عثمان رضي
الله عنه أم كلثوم رضي الله عنها وغزوة غطفان وغزوة بحران وسرية زيد بن حارثة رضي
الله عنهما إلى قردة وتزوج حفصه رضي الله عنها وتزوج زينب بنت خزيمة رضي الله عنها
وولادة الحسن وغزوة احد وغزوة حمراء الأسد وعلوق فاطمة بالحسين رضي الله عنها
وفي السنة السابعة عشرة من النبوة والرابعة من الهجرة
سرية أبي سلمة رضي الله عنه إلى قطن ووفاته وسرية عبد الله بن أنيس رضي الله عنه
إلى عرنة لقتل سنان بن خالد وسرية القراء رضي الله عنهم إلى بئر معونة وقصة الرجيع
وسرية عمرو بن أمية الضمري رضي الله عنه إلى مكة لقتل أبي سفيان رضي الله عنه
وغزوة بني النضير ووفاة زينب بنت خزيمة وغزوة ذات الرقاع وصلاة الخوف وولادة
الحسين رضي الله عنه وغزوة بدر الصغرى وتزوج أم سلمة رضي الله عنها وتحريم الخمر
عند بعضهم
وفي السنة الثامنة عشرة من النبوة والخامسة من الهجرة
غزوة دومة الجندل وغزوة المريسيع ونزول آية التيمم وتزوج جويرية رضي الله عنها
وقصة الإفك وغزوة الخندق وغزوة بني قريظة وقصة أولاد جابر رضي الله عنهما وتزوج
زينب بنت جحش رضي الله عنها ونزول آية الحجاب وفرض الحج
وفي السنة التاسعة عشرة من النبوة والسادسة من الهجرة
سرية محمد بن مسلمة رضي الله عنه إلى القرطاء وقصة ثمامة وغزوة بني لحيان وغزوة
الغابة وسرية عكاشة رضي الله عنه إلى الغمر وسرية محمد بن مسلمة رضي الله عنه إلى
ذي القصة وسرية أبي عبيدة ابن الجراح رضي الله عنه إلى مصارع أصحاب محمد بن مسلمة
رضي الله عنهم وسرية زيد ابن حارصة رضي الله عنهما إلى بني سليم بالجموم وسرية زيد
بن حارثة رضي الله عنهما إلى العيص وسرية زيد بن حارثة رضي الله عنهما إلى الطرف
وسرة زيد بن حارثة رضي الله عنهما إلى وادي القرى وسرية زيد بن حارثة رضي الله
عنهما إلى ام قرفة وسرية عبد الله ابن عتيك رضي الله عنه لقتل ابي رافع وسرية عبد
الله بن رواحة رضي الله عنه إلى أسير ابن رزام اليهودي بخيبر وسرية زيد بن حارثة
رضي الله عنهما إلى حسمي وغزوة الحديبية ونزول حكم الظهار وتحريم الخمر وتزوجه صلى
الله عليه وسلم أم حبيبة رضي الله عنها
وفي السنة العشرين من النبوة والسابعة من الهجرة كان
اتخاذ الخاتم وإرسال الرسل إلى الملوك ووقوع السحر به صلى الله عليه وسلم وغزوة
خيبر وفتح وادي القرى والدخول بأم حبيبة رضي الله عنها وسرية عمر بن الخطاب رضي
الله عنه إلى طائفة من هوازن وعمرة القضاء وتزوج ميمونة رضي الله عنها وسرية ابن
أبي العوجاء رضي الله عنه إلى بني سليم
وفي السنة الحادية والعشرين من النبوة والثامنة من
الهجرة كان إسلام خالد بن الوليد رضي الله عنه وعمرو بن العاص رضي الله عنه وعثمان
بن طلحة رضي الله عنه وسرية غالب بن عبد الله الليثي رضي الله عنه إلى بني الملوح
وسريته إلى مصاب أصحاب بشير بن سعد رضي الله عنه بفدك واتخاذ المنبر الشريف وسرية
شجاع بن وهب رضي الله عنه إلى بني عامر وسرية كعب ابن عمير الغفاري إلى ذات أطلاح
وسرية مؤتة وسرية عمرو بن العاص رضي الله عنه إلى ذات السلاسل وسرية أبي عبيدة بن
الجراح رضي الله عنه إلى سيف البحر وسرية ابي قتادة رضي الله عنه إلى بطن اضم
وسرية عبدالله بن أبي حدرد رضي الله عنه إلى الغابة وغزوة فتح مكة شرفها الله
تعالى وسرية خالد بن الوليد رضي الله عنه إلى العزى بنخلة وسرية عمرو ابن العاص رضي
الله عنه إلى سواع صنم هذيل وسرية سعد بن زيد الأشهلي رضي الله عنه إلى مناة صنم
للأوس وسرية خالد بن الوليد رضي الله عنه إلى بني جزيمة وغزوة حنين وسرية
أبي عامر رضي الله عنه إلى أوطاس وسرية أبن الطفيل إلى
ذي الكفين وغزوة الطائف وولادة ولده إبراهيم صلى الله عليه وسلم وقدوم أول الوفودح
عليه صلى الله عليه وسلم وهو وفد هوازن ووفاة زينب بنت رسول الله صلى الله عليه
وسلم ورضى عنها
وفي السنة الثانية والعشرين من النبوة وهي التاسعة من
الهجرة بعث عيينة بن حصن الفزاري إلى بني تميم وبعث الوليد بن عقبة بن أبي معيط
إلى بني المصطلق وسرية قطبة ابن عامر رضي الله عنه إلى خثعم وسرية الضحاك الكلابي
رضي الله عنه إلى بني كلاب وسرية علقمة بن محرز رضي الله عنه إلى أهل الحبشة وبعث
علي بن أبي طالب كرم الله وجهه إلى القلس وبعث عكاشة بن محصن رضي الله عنه إلى
الجباب وإسلام كعب ابن زهير وهجره صلى الله عليه وسلم لنسائه وغزوة تبوك وسرية
خالد بن الوليد رضي الله عنه من تبوك إلى أكيدر وإرسال كتابه من تبوك إلى هرقل
وهدم مسجد الضرار وقصة كعب بن مالك وصاحبيه رضي الله عنهم وقصة اللعان واسلام ثقيف
ورجم الغامدية ووفاة النجاشي ووفاة أم كلثون رضي الله عنها وموت عبد الله بن أبي
ابن سلول وحج ابي بكر الصديق رضي الله عنه
وفي السنة الثالثة والعشرين من النبوة وهي العاشرة من
الهجرة قدوم عدي بن حاثم رضي الله تعالى عنه وبعث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه
ومعاذ بن جبل رضي الله عنه إلى اليمن وبعث خالد ابن الوليد رضي الله عنه إلى بني
الحارث بن كعب بنجران وبعث علي بن ابي طالب كرم الله وجهه إلى اليمن وبعث جرير بن
عبد الله البجلي إلى تخريب ذي الخلصة وبعث جرير بن عبد الله أيضا رضي الله عنه إلى
ذي الكلاع وبعث أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه إلى أهل نجران وقصة بديل وتميم
الداري ووفاة ولده ابراهيم صلى الله عليه وسلم وخروجه صلى الله عليه وسلم للحج
وفي السنة الرابعة والعشرين من النبوة قدوم وفد النخع
وسرية أسامة بن زيد رضي الله عنهما إلى أبني وقصة الأسود العنسي ومسيلمة الكذاب
وسجاح وطليحة وما وقع في ابتداء مرضه صلى الله عليه وسلم ومدة مرضه ووقت مرضه صلى
الله عليه وسلم وموته وغسله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه صلى الله عليه وسلم وشرف
وكرم والله اعلم
اللهم أعنا على شكرك وذكرك وحسن عبادتك اللهم افتح أقفال
قلوبنا بذكرك وأتمم علينا نعمتك من فضلك واجعلنا من عبادك الصالحين اللهم استر
عوراتنا وآمن روعاتنا اللهم ألهمنا رشدنا وأعذنا من شر نفوسنا اللهم ارزقنا نفسا
مطمئنة تؤمن بلقائك وترضى بقضائك وتقنع بعطائك اللهم إنا مقصرون في طلب رضاك فأعنا
عليه بحولك وقوتك { الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله }
اللهم صل على سيدنا محمد عبدك ونبيك ورسولك النبي الامي
وعلى آل محمد وأزواجه وذرياته كما صليت على ابراهيم وعلى آل ابراهيم وبارك على
محمد وعلى آل محمد وأزواجه وذريته كما باركت على ابراهيم وعلى آل ابراهيم في
العالمين إنك حميد مجيد واختم لنا بخير واصلح لنا شأننا كله وافعل ذلك بإخواننا
وأحبابنا وسائر المسلمين واستغفر الله من قول بلا عمل واستغفره من كل خطأ وزلل
وأسأله علما نافعا ورزقا واسعا وقلبا خاشعا وعملا متقبلا وشفاء من كل داء وأن يجعل
ذلك حجة لنا ولا يجعله حجة علينا إنه جواد كريم رءوف رحيم لطيف خبير والحمد لله
وحده
اللهم صل على من لا نبي بعده عبدك ورسولك سيدنا محمد
الذات المكملة والرحمة المنزلة من عندك اللهم احشرنا في زمرته واجعلنا من خدام
سنته آمين وحسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
قلت المدون اللهم تقبل اللهم استجب لدعائي..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق